عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-22, 12:50 AM   #5858

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

بعد ساعات من رحيل جدتيّ دارين وانتهاء تلك الزيارة المشحونة التي تتعب الأعصاب أخيرا، خرج معاذ بزوجته وابنته للخارج يدعوهما على عشاء لطيف ثم عادوا للمنزل ليخلدوا للنوم..

لكن أقلق مضجع معاذ في الليل شاعرا بصوتٍ جلبة في المطبخ مِمَّا جعله يذهب هناك ليجد شيرين تتواجد فيه تضع قدرا على النار وتناظر باهتمام هاتفها الذي يشغل إحدى فيديوهات الطهو التعليمية لوصفة عربية مميزة وفي يديها قلم وورقة تسجل وتدون..

اقترب معاذ ملامسا شعرها الذي تعقصه في الخلف مِمَّا جعل شيرين تشهق بفزع مرتعبة.. بدأ صدرها يهبط ويرتفع من إثر صدمتها ليبتسم مداعبا أمام وجهها هادرا بحنو

((ماذا تفعلين يا حبي! ألم نتفق أن نبدأ بتصحيح نومنا ونعتاد على النوم المبكر من أجل عملنا نحن الاثنين في الغد؟))

أخذت نفسا عميقا ثم قالت بلطف

((معاذ اذهب أنتَ للنوم، وسألحقك بعد ساعتين))

طالع الأدوات والأطباق التي تضعها على رخام المطبخ استعدادا للطعام واستنكر

((ولكن هل هذا هو موعد طهو الطعام؟ بحق الله إنها الثانية عشر صباحا!))

تقوست شفتاها للأسفل ثم قالت وأناملها تمسد رقبتها من الخلف

((بعد العودة غدا من عملي لن أجد وقتا إلا لتسخين الطعام، لذا سأعتاد يوميا في الفجر طهي وجبة الغداء، لكن لأن هذه المرة هي الأولى لي سأبدأ من الآن لأنه قد يأخذ معي إعداده وقتا أطول))

ثم مر طيف حزن بعينيها وقالت بما مفاده اعتذار ضمني

((أعرف أنه كان عليّ أن أضع تعلم الطبخ نصب عيني قبل دخولي بيت الزوجية، آسفة لهذا الأمر))

ترققت نظرة معاذ الموجهة لها وهو يراها تعود للنظر للفيديو.. فالأكل ضروري ولكن الحياة لا يجب أن تؤخذ على أنها أكل ونوم، بل هناك فيها أشياء كبيرة وجميلة غيرها..

طوقها معاذ من الخلف يحيط كتفيها بذراعيه هامسا بما يشبه الدعابة

((سأرغب أن آكل من يدك، لكن ليس من ضمن شروطي أن تكون زوجة المستقبل على علم ودراية بفنون الطبخ، أما اعتذارك كان سخيفا فبالنهاية الطبخ مجرد وسيلة ممكن يتعلمها أي شخص حتى الرجل.. ثم لماذا هذا الاجتهاد! يمكننا الانتظار أن تعدي الغداء بعودتك من العمل!))

تخاذل كتفيها واعترضت

((لا، لا، دارين تعود من مدرستها متعبة وجائعة وليس من المعقول أن تنتظر أن يعد الغداء في وقت متأخر))

ثم حاولت التحرر منه قليلا بما يسمح لها أن تستدير وتناظر وجهه بعبوس قائلة

((شعرت أن أمك عرفت أن الغداء الذي تم إعداده اليوم من صنع دارين، لا كما ادعت أني من صنعته!))

شيئا فشيء اتسع فم معاذ بابتسامة مِمَّا جعلها تعرف الإجابة مسبقا وتتخضب وجنتيها بحمرة الحرج وتتمتم

((يا للعار زوجي وابنته يعرفون الطهي على عكسي تماما!))

رفع إحدى حاجبيه يخفف عنها مُلاطفًا

((ثلاث أصناف أو أربعة فقط هي ما أعرف إعداده بحكم عيشي كعازب لمدة طويلة!))

وبارتباك استدارت وأمسكت السكين تفرم بتخبط فقرر أن يساعدها وأحتضن يدها الممسكة بالسكين وبدأ يحركها ليفرم هو عوضا عنها بحرفية دون خجل أو تبجح مِمَّا جعلها تشاهده فاغرة الفم مذهولة.. بمجرد أن انتهى حانت منه نظرة لها لينظر في عمق عينيها المتفاجئتين وكأنه يقوم بعمل خارق رغم أنها تعرف بخبرته في المطبخ وإعداد الطعام الكافية، وسرعان ما التمعت عيناه بضحك من القلب لا يحتاج لصوت القهقهة..

هزت رأسها تنتبه لفمها الذي تركته مفتوح ثم ابتسمت وهي تقرأ الضحكة في عينيه وتناغشه

((هل تنقم على حظك العاثر الذي أوقعك بي؟))

هنا حقا كتم ضحكة عالية بصعوبة وهو يقبض على خصرها بيديه برفق متذمرًا

((بل أفكر في صنع شيء بسعرات عالية حتى تزيدين وزنًا))

رفعت حاجبيها معقبة بذهول

((أزيد وزنا! وأنا التي كنت أجوع نفسي في الأيام السابقة حتى أعجبك!))

انفلت لجام سيطرته وانطلقت من فمه ضحكات بصوتٍ مبحوح أجش سلبت لب عقلها ليتابع الطبخ وهو يناظر الفيديو التعليمي خاصتها بينما هي تلتصق به لتطالع ما يعده بمهارة تناظره بتدقيق لتتعلم وتسأله وقت الحاجة..

وبعد نحو ساعة ونصف كان الطعام قد أصبح جاهزا وتتصاعد منه الرائحة الشهية، فأخذ هو يسكب جزء منه في أطباق التقديم ثم يضعهم على المائدة تباعا فقطبت حاجبيها معترضة

((لحظة! علينا نضعه في الثلاجة، وفي الغد نسخنه ونأكله))

رد بحماس يخفي بين طياته تلاعبا ماكرا

((سنأكل القليل فقط، لا لشيء إلا حتى نعوض تلك الكيلوجرامات التي فقدتيها، فأكل ما بعد منتصف الليل هو أقصر طريق للسمنة))

تراقص حاجبيها لتقول

((إذن دعني أعد القليل من السلطة بتتبيله مميزة حتى نأكلها، علمتني سهر مشكورة صنعها))

هز معاذ رأسه بيأس قبل أن يهمس لذكرى سهر التي كانت معها في خطط زواجه الأول من شيرين

((صديقتك تلك المندفعة!))

جلست شيرين معه على الطاولة وهي تمسك وعاء السلطة ثم رفعت ملعقة له ليذوقها فأمسك يدها ومال برأسه ليلثمها بشفتيه قبل أن يسمح لها بدس الملعقة في فمه.. ورغم أن السلطة لم تكن بتتبيله بمذاق متفرد لكنه رآها كذلك لأنها من صنعتها..

بدأت شيرين تأكل الطعام، ومرة هي من تطعمه اللقمة ومرة هو من يفعلها..

بعدما انتهوا من الطعام مد معاذ أصابعه يمسح بعض ذرات الأرز عن فمها وهو يناظرها بشغف بصمت، مِمَّا جعلها ترتبك ويغزو الخجل وجنتيها لتهمس وهي تدفع صدره بقبضتيها

((سأوظب المكان اسبقني للداخل))

انتصب واقفا وبدأ يساعدها بالتوضيب هادرا

((لا سأساعدك وعندما ننتهي سأحملك بنفسي للداخل، لا زلتي عروسا ولم تحملي بما فيه الكفاية!))

قهقهت على دعابته هادرة

((يكفي جنونا))

لكن ما أن أنهوا التنظيف حتى انطلقت منها شهقة مباغتة وهي تراه يرفعها عاليا، وتلقائيا تعلقت بعنقه لتتركه يدور بها كالمجانين بينما تصرخ به من بين ضحكاتهما العالية

((معاذ.. لا معاذ.. أنزلني أرجوكَ..))

ولم ينتبه كلاهما للوجه العابس الطفولي لدارين التي فتحت باب غرفتها وهي تفرك إحدى عينيها.. إذ وصلها صوت السكين التي تفرم الخضار بعنف إلى غرفتها حتى خرمت أذنها.. لكن ما أن انتبهت لوالدها يحمل ويدور بشيرين حتى ازداد عبوسها، إذ أنها لا تذكر أنه حملها ودار بها ولو مرة واحدة في سنوات عمرها الأربعة عشر والنصف! وكانت تهم بمقاطعتهما لمعاتبة والدها لكن سمعت شيرين تقول فجأة

((سأستيقظ في وقت أبكر غدا حتى أصنع صندوق لدارين لمدرستها قبل أن أذهب لعملي، هناك أفكار مبهرة رأيتها قبل قليل عن صناديق الطعام))

تسمرت دارين مكانها.. ثم تبسمت.. اتسعت ابتسامتها وتراقصت عينيها.. لطالما تمنت أن تذهب للمدرسة بصندوق غداء بدلا من الشطيرة الكئيبة التي تأخذها معها كل صباح لأنها تستيقظ متأخرا ولا يظل من الوقت ما يسعفها لتصنع صندوق الغداء..

زمّت دارين شفتيها مستحسنة لفكرة أن تترك والدها وشيرين على راحتهما واهتمامها بها ثم عادت لغرفتها وهي تطلق تثاؤبا ناعسا..

*****


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس