عرض مشاركة واحدة
قديم 31-01-22, 11:00 PM   #192

نورهان الشاعر
 
الصورة الرمزية نورهان الشاعر

? العضوٌ??? » 477398
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,761
?  نُقآطِيْ » نورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond repute
افتراضي






تعبت
يا قلبي العليل قد تعبت
إحساسي مرهق إكتفيت
إنني الأن قد إنتهيت
من كل شيء قد شبعت
ما بين مد يقذفني و جزر يأخذني
ما بين صبح يفرغني و ليل يملؤني
ما بين سماء تحملني و أرض تكسرني
قد تاهت عني روحي
و إنفتحت في الظلام جروحي
كل لحظة أشيد قصورا و أبني حصونا
و في نفس اللحظة...... تنهار
ما عدت أقوى أنا على الإبحار
و قد كسر البحر سفنتي
و سلب مني حقيبة أحلامي
جعلني غريبة وسط أيامي
ليمضي بدمي ورقة إعدامي
و يسابق دوما لإتهامي
قد تعبت أرهقت و إكتفيت
أمتصت طاقتي و إنعدمت قدرتي
حقا ما عدت أقدر
و لا ظل بأمكاني أن أصبر




بقلمي


الفصل الرابع عشر



خرجت من المكتب خفيتا متوجهة للمصعد فلا أريد أن يراني أحد و أنا بهذه الحالة المزرية، ضغطت على زر المرآب لأستقل منه سيارتي إلى المنزل بسرعة ٠
حينما وصلت وجدت البيت في حالة تأهب قسوى، أمي تلقي التعليمات على العاملين من أجل التجهيز، و حنين تراقب العمل بينما تتجول زينب بفضول في المكان، لمحتني أمي فشهقت وتوجهت إلي بصدمة، تجدبني من يديها لأصل إلى مستوها و قد توسعت عينيها رعبا
_زينب! ما الذي أصابك حبيبتي لماذا أنت في هذه الحالة؟
كانت تقول كلماتها و هي تتفحص هيئتي المبللة و تمسح على وجهي المتعب. أجبتها بصوت فاتر
_لا شيء يا غاليتي فقط متعبة
عقدت حاجبيها و هي تقول بشك و توجس
_لم أفهم ما علاقة التعب بمظهرك، حالتك يرثى لها ألم تري نفسك في المرآة؟
بارك الله فيك يا أمي على هذه الطاقة الإيجابية التي أهديتني إياها، ما كان يجب أن أنظر في المرآة فيكفيني أن نظرت إلي تلك الشمس، أبعدت تلك الأفكار عن عقلي و أنا أبتسم لها رغم تعبي قائلة
_كل ما في الأمر أنني حين شعرت بالتعب ذهبت لأغسل وجهي فإنفجر الصنبور في و أغرقت ملابسي.
تقبلت أمي القصة على مضض أو ربما أنها لا تملك الوقت للتحقيق معي بسبب إستعددات إستقبال أخي
اه منك يا معذبي! بسببك أضطر لحبك ألاف القصص الكاذبة، أنا التي لم أكذب في شيء إلا بسببك قد أكون كتومة لكنني دائما صريحة، غير أنني بسببك أصبحت أحيك ألاف الكذبات في اليوم للمدارات عليك، ألم أقل لك أنك زلزت كل مبادئي و نسفتها؟
توجهت إلى غرفتي دخلت للحمام لأخذ حماما ساخنا علي أذيب به أعصابي، و الأن فقط رأيت نفسي في المرآة. إبتسمت بمرارة و أنا أفكر إذن هكذا رأتني زوجتك؟ بحالتي البئيسة هذه كنت أقف أمام شمس تشع بهاءا و جمالا، ماذا يا ترها قالت عني؟ كيف فكرت بي أو بك و قد كنت كالمتسولة بين ذراعيك، يبدو أن هذا سبب تعاملها معي بتلك الطريقة، لقد ظننتني مجنونة فأشفقت علي، أه يا جاسر! آه يا عذاب عمري! بسببك أصبحت أضحوكة بل مهزلة أمام تلك الحسناء، وددت أن أكسر المرآة لأكسر معها تلك الصورة المشينة التي كنت بها،و ربما بذلك اكسر مرارة الذكرى أيضا، لكنني خشيت أن تسمعني أمي و هذه المرة لن أجد كذبة أغطي بها على أفعالي، أترى يا جاسر كم صرت ساقطة منحطة بسببك؟! دخلت إلى حوض الإستحمام و فتحت المياه بقوة، كنت أريدها أن تضرب نفسي المتعبة، تجلدهت بلفحاتها الحارة في عز الصيف، إختلطت دموعي مع قطرات الماء التي بللت بشرتي، لا أدري كم من الوقت قضيت على هذا الحال لكنني غفوة دون أن أشعر في حوض الإستحمام على صورتك و ألامي معا، خرجت من الحوض و جففت نفسي ثم غيرت ملابسي، لأتوقف امام المرآة هذه المرة أتفحص نفسي، للزينة و الإهتمام مفعول غريب على المظهر، لكنهم لم يخترعو بعد شيئا يغطي ما تفضحه العيون، يستطيع الإنسان أن يغير كل شيء به، إلا عينيه . لحظات ناجيت فيها صورتي و أنا أشعر بالغربة بيني و بين نفسي.
تنهدت بتعب و مرارة ثم توجهت للأسفل، فحتى الخلوة لم تعد بذلك الجمال، لاتزال الإعددات تجري على قدم و ساق، هذا المنزل الذي لم يحتضن فرحا منذ زمن طويل، يستعد و يتأهب بكل طاقته لإستقبال بصيص سعادة، عسى عصر الظلام ينتهي، فهل ينتهي؟! توجهت إلى أمي التي كانت تقف إن كان تواجدها في الكرسي المتحرك وقوفا مع العاملين، إقتربت منها و حييتها بإبتسامة
_مساء الخير.
إلتفتت لي بوجه مشرق و هي تقول
_اه أهلا حبيبتي هل إرتحتي الأن؟ تبدين أفضل يا زهرتي.
إبتسمت لها مجيبة
_الحمدا أمي أنا بخير لهذا نزلت.
أمي لم تكن حقا في حالة تسمح لها بفحصي حقا فالسعادة عمياء كما الحب، هي أبدا ما كانت لتخدع بمظهري لولا حماستها لإستقبال إبنها المغترب،فهل علي أن افرح لذلك أم أشعر بالخيبة؟! قالت أمي بعجالة دون أن تنظر إلي و هي تقوم بتسوية بعد الورود في المزهرية
_إذن إن كان ممكنا حبيبتي إذهبي أنت و إبنة أخيك لإحضار الحلويات من أجل الحفلة، و باقات من الزهور على ذوقك، أعلم أن ذوقك رفيع جدا في الزهور. و أنا يأتكلف بباقي الطعام و الشراب.
حركت رأسي موافقة و أنا أقول
_حاضر أمي سأذهب لإحضار زينب وتجهيزها.
حركت رأسها موافقة و هي تعود إلى عملها، في حماسة شابة تعد إلى زفافها، و قد كانت أمي اليوم تزف نفسها للأفراح، بعودة إبن هو فلدة كبدها، هاجرها كما هاجرها كل جميل، فلم تهتم الأن باللوم أو التقريع و هي تنتظر عودته، بل فتحت أحضانها مرحبة به، متلهفة إليه.
الأم كالوطن، لا تحاسبك أبدا على غربتك أو هجرك لها، بل دوما أحضانها مفتوحة لإستقبالك مهما طال بعدك و جفاؤك.
تركتها لسرورها و لهفتها و توجهت للبحث عن الصغيرة زينب، فوجدتها بعد لحظات تجلس مع العاملين تحدق بهم في ملل وهي تأرجح رجليها الصغيرتين ، كانت تبدو أكبر بكثير من سنها من خلال ملامح الضجر الذي إرتسم على وجهها الملائكي، و هذه المرة بدت أشبه بوجدان، فكيف أن تشبه هذه الصغيرة الجميع بهذا الشكل و كأن أرواحهم قد إمتزجت بها؟ إقتربت إليها و ناديتها برقة
_زنوبتي.
إلتفتت إلي فأشرق وجهها حماسا، لتغيب عنه علامات الضجر تماما و هي تجري إلي ما إن رأتني لرتمي بحضني، و هي تقول بسعادة
_زينب و أخيرا عدت! لقد إشتقت اليك كثيييييرا.
حملتها بين ذراعي لأضمها إلي بحنان، و كلماتها قد أنعشت صدري، و أحيته من جديد و هي تنفخ في السكينة من روحها الملائكية، قد كانت دوائي دائما، كما كنت أنت دائي أبدا. قبلت وجنتيها و أنا أقول لها بحب و عاطفة صادقة
_و أنا أكثر حبيبتي و الله، إشتقت إليك يا راحة قلبي و سكينة عمري.
نظرتها الخضراء تعلقت بي و هي تبادلني إبتسماتي و إن لم تفقه قولي فقد وصلتها مشاعري.
إبتسمت لها بحنان و أنا أقول لها
_ هيا صغيرتي لنغير ملابسنا كي نخرج لإحظار الحلويات و الورود.
قفزت الصغيرة سعيدة و هي تردد بحماس
_هييي!
ثم جرت في إتجاه غرفتها التي أعددنها لها، تقفز حبورا كفرشة ملونة تنشر السعادة حيث حلت لكنها توقفت برهة عند الدرج، و كأنها نسيت شيئا، لتلتفت إلي تنظر لي بعينيها الجميلتين بتساؤل
_ما بك حبيبتي لما توقفت ؟
نظرت إلي بعيونها القططية و هي تلعب بيديها بينما تتأرجح قليلا و هي تسألني
__هل سيأتي عمو جاسر معنا؟
ألجمتني الصدمة و أنا أنظر إلى ملامح الصغيرة البريئة، و التي بالتأكيد ما كانت لتعرف ما يجري من حروب بين الكبار. لقد فاجأتني كثيرا بسؤالها الغير متوقع بالنسبة لي، و أنا أحاول في هذه اللحظة صرف تفكيري تماما عنك، و عن ما حدث بمكتبي، ملمس شفتيك على شفتي، لا يزال حارا لادعا، يجعل الدم في عروقي كصهارة بركان ينبؤ بالإنفجار. رغم إحتقاري لنفسي و إستصغارها، إلا أنه و رغما عني قد كنت بداخلي أريد تلك القبلة منك بطريقة ما! أريدها عناقا يوحد روحنا، عل تمازج أنفسنا يذيب روحينا معا، علني بملامسة شفتيك بشفتي ألامس أوتار قلبك بقلبي، فكيف لقبلة أن تحمل هذه المتناقضات بين طياتها، فتكون مسمومة قاتلة، ملتهبة حارقة، و جميلة، جميلة بشكل يسلب الأذهان.
نهرت نفسي على تفكيري هذا، و أنا أعيد تركيزي للصغيرة زينب التي كانت تنتظر جوابي بلهفة،
وكأن العالم كله إجتمع ليذكرني بك، و كأن الجميع قد وقف بجانبك يتحالف معك ضدي، أخر شيء كنت أريده الأن هو التفكير فيك، أو بشيء يخصك كنت أريد نسيان كل شيء ولو لهذه العشية فقط، من أغرب أماني البشر هو نسيان الواقع فوق أرضه ، فكيف لنا أن ننساه و هو مكون كل ما يحيط بنا؟
حاولت التحكم بمشاعري و أنا أجيبها بإبتسامة مهزوزة.
_لا يا حبيبتي لن يستطيع المجيئ.
قالت عابسة بخيبة أمل و هي ترفع كتفيها
_لكن لما؟
حركت رأسي و أنا أجيبها
_حبيبتي زينب جاسر لذيه أعمال كثيرة ولن يستطيع مرافقتنا.
نظرت إلي بإستعطاف و هي تقول
_أرجوك إتصلي به لقد إشتقت إليه كثيرا أنا متأكدة أنه سيوافق.
كنت قد وصلت إليها فأمسكت بيديها الصغيرتين و أنا أسحبها بإتجاه الغرفة قائلة
_هيا يا زينب سنتأخر ألم تشتاقي لماما وبابا؟
أخفضت رأسها للأرض و هي تقول
_بلى ولكن جا...
قاطعتها بحدة لم أقصدها
_هيا يا زينب علينا الذهاب بسرعة!
عقدت حاجبيها الصغيرتين بغضب محبب، و قد إلتمعت الدموع في عينيها، تنهدت بتعبت قبل أن أنحني إليها مبتسمتا لأقبل ما بين حاجبيها المعقودين
_لا تغضبي حبيبتي أحب أن أراك دائما مبتسمة. آسفة جدا يا غالية. أنا لم أقصد الصراخ بك.
نظرت إلي بربيع عينيها المخضر، الذي كان يلمع بالدموع كجوهر تحت الشمس
_لكن لقد إشتقت إليه كثيرا، متى سنراه؟
تنهدت بقيلة حيلة، ماذا بوسعي أن أفعل؟ آه يا زينب لو تعلمين يا صغيرتي كم من ثانية طوال السنين الماضية و أنا أحترق شوقا إليه، أنت تشتاقين من لن يعطيك غير هذا الشوق حبيبتي، تشتاقين يا زينب من لا يعرف طريقا للوصال يا صغيرة، فكم إشتقت أنا إليه و طمعت في لقاء ليس بعده فراق، لكن دون جدوى، ما نلت معه إلا صبابة كانت من السم أشد. تجرعت الأشواق علقما و أكلت الإنتظار شوكا، و ما جاد علي الحبيب بلقاء.
كيف أجيبك أيتها الصغيرة و أنا لسنوات عجاف أنتظر هذا الجواب؟! كيف أقول لك أن اللقاء هذا ما كان بيدينا هو و لا هذا الشوق الذي يعتصر القلب؟!
أنت مثلي يا صغيرة تشتاقين الشخص الغلط، تشتاقين من كان نسيانه واجب، فإستغلي ترف طفولتك لتمحي من ذاكرتك الصغيرة ما وجب محيه.
أرأيت يا معذبي دوما تتركني مسلوبة الحيلة، أنا عبقرية السوق التجارية و فنانة المواقف الصعبة كيفما كان يقول لي أبي رحمه الله أقف كالعادة كطفل غبي أنهضه الأستاذ على غفلة منه ليحل سؤال في درس لا يذكر أنه تعلمه حتى. فكيف بي أجيب بحق من خلقك و سواك كيف أجيب؟! داعبت وجنتيها بيدي و أنا اقول
_أتمنى لو كنت أعرف لكن هو مشغول جدا و لن يستطيع المجيئ حبيبتي.
ببراءة طفولية قتلتني، قد سألتني
_أليس زوجك؟ لماذا لا يعيش معك؟
ما فعلته لك يا معذبي؟! ما فعلته لك يا وجع قلبي، حتى هكذا دائما تتركني لأواجه نتائج طيشك و تهورك أنت؟! كيف الأن سأنزع من رأس الصغيرة كذبة لقنتها لها فصدقتها بنفسها التي لا تعلم للكذب طريق، لكن ما كان بيدي إلا أن أنزع من عقلها الصغير هذا الوهم الكبير، إبتسمت لها قائلة بدفئ
_لا ياحبيبتي جاسر ليس زوجي كما تظنين.
عقدت حاجبيها و هي تحرك رأسها بنفي قائلة
_لكنه أخبرني أنه...
قاطعتها قبل أن تكمل إعتراضها و أنا أقول
_كلا صغيرتي كان يمزحك، جاسر متزوج من إمرأة أخرى، هو ليس زوجي أنا هو زوج أخرى!
قلتها بتأكيد لنفسي قبل أن يكون لها إغورقت عين الصغيرة بالدموع و هي تقول برفض قاطع
_كلا! كلا أخبرني أن هذا غير صحيح جاسر زوجك أنت! هذا غير صحيح أنت من تمزحين الأن.
مسحت دمعتيها الماسية التي بللت وجنتيها الجميلتين، بينما قلبي يتقطع ألما عليها و على نفسي، همست لها مهدئة بصوت خرج مهزوزا متألما
_لا تبكي صغيرتي أرجوك! صحيح أن جاسر ليس زوجي لكن هو صديقي و سأخذك إليه يوما ما.
حركت زينب رأسها برفض و قد إحمر وجهها من البكاء و هي تقول
_كلا لا أريد أصبحت أكرهه، أنا لا أحبه لأنه تزوج بأخرى و لم يتزوج بك. هيا لنذهب سأغير ملابسي
ظللت مشذوهة فيها وهي تتكلم كإمرأة ناضجة، لأنتبه بعد لحضات لفمي المفتوح و لزينب و هي تحاول إرتداء الفستان بصعوبة، فأسرعت إليها لمساعدتها.
ضممتها إلي و أنا أمسح على شعرها بينما أقبل رأسها قائلة
_لا بأس، لا بأس حبيبتي، لازلت صغيرة و لازال ينتظرك الكثير طفلتي.

الحياة، الحب، السعادة، مفاهيم أشد تعقيدا من ما يستوعبه العقل البشري، رغم ترددينا لهم مرارا، ربما ذلك ما جعلنا نجد صعوبة في عيشهم في لمسهم، ربما ذلك ما كان السبب الحقيقية لما نعانيه.

ذهبنا أولا عند بائع الزهور قدتني رجلي قبل عقلي إلى باقة زهور بيضاء مختلفة مربوطة بطريقة عصرية، لقد كانت الزهورالبيضاء رمزا لحبنا كنت تقول أن لون الطهر و النقاء هو أكثر الألوان التي تليق بحبنا، و لدرجة تعلقي بهذه الزهور نسيت أن للورد لونا غير الأبيض الذي أدمنته بسبب حبك فكنت فأي مناسبة مهما كانت لا أحضر غيرها، تغير كل شيء من حولنا و ولهلي بك و بكل ما يخصك ما كان ليتغير أبدا.
_أنسة زينب أتردين من هذا الورد الأبيض كالعادة؟ قطع شرودي صوت البائع لأقوم من غفوتي بك، حركت رأسي بنفي و أنا أقول
_كلا لا أريد اللون الأبيض أبداً!
عقد الرجل حاجبيه بإستغراب و هو يقول
_ماذا لكنك لم تشتري يوما غيره؟!
إبتسمت بألم و أنا أقول
_لكل شيء نهاية فلا شيء يظل على حله.
قلتها له ثم إستدرت أوليه ظهري كي لا يلمح شيئا من ضعفي، و أنا أدري أن الحزن الأن قد جعل عيني شفافتين تفضح ما يجول بنفسي فوقع نظري أثناء ذلك على ورد أصفر أثرني بشدة، و هو يقف متوجها في ركن بعيد كأنه يريد إعتزال البشر قلت دون تفكير
_أريد من هذا، ورد من أجل حفلة تقام عندنا في القصر سأرسل لك التفاصيل الأن في رسالة نصية يا معتز. المهم سأذهب الأن فلايزال أمامي كثير من الأعمال.
أحنى الشاب رأسه بطاعة و هو يقول
_حاضر أنستي.
شكرته، ثم أمسكت بيد زينب وخرجت من المتجر و أنا أفكر في ذلك اليوم الذي إعترفت لي فيه لأول مرة بحبك بعد أن أهديتني وردة بيضاء، ظننتها دليلا على عمر يشع بياضا، فأتى غدرك ليلطخه بسواد مظلم، لتتورا الصور بين ذهني من يوم أحببتك إلى أن تشقها ذكرى علمي بزواجك لأول مرة فشعرت بوخزة ألم في قلبي وهبطت دموعي ساخنة على خدي و صورك مع زوجتك تتجسد في مخيلتي.
_زينب أنت تؤلمنني
أفاقني صوت زينب الصغيرة وهي تتألم من قبضة يدي التي إشتدت عليها من تأجج مشاعري. إنحنيت إليها أهمس بإعتذار و أنا أقبل كفيها
_آسفة حبيبتي لم أقصد هيا بنا الأن لنحضر الحلوى.
قالت الصغيرة بحماس و يبدوا أنها قد نسيت ما أبكاها قبلا.
_أريدها كلها شكولا
ضحكت قائلة
_كما تشائين حبيبتي سنشتري ما شئت منها يا شبيهة عمتك.
إستقلنا السيارة متجهين إلى محل الحلويات، و قع إختياري على محل بعينه، أتعلم كم من الذكريات كان يحمل هذا المحل العريق، المتواجد على أطراف المدينة فقد كان أبي الحبيب يشتري لنا منه الحلويات في أعياد ملادينا دوما ، و في أي مناسبة أو بغير مناسبة دون أن يغيره إطلاقا، منذ نعومة أظافري و أنا أتي هنا معه لإختيار كعكة حفل ميلاد زياد أو فارس، أما خاصتي فكانت تكون مفاجأة غالبا، رغم أنها في الحقيقة مفاجأة متوقعة، كانت تلك الحلوى أشهى من جميع الحلويات التي تذوقتها في حياتي تحمل طعما خصا جدا، طعما تمس حلاوته الروح يدغدغ كل الحواس و لا يكتفي بإمتاع ذوق اللسان فقط. كانت فكرة إحضار الحلوة من ذلك جميلة رغم ألمها، فقد أعادت لي عبق الماضي الجميل المحمل بحنين قاس، الماضي جميل جداً لم أعلم هذا إلا بعد أن خسرته، نحن حقا لا نعرف قيمة الأشياء التي نملك إلا بعد فقدانها.
عندما خطوت أول خطوة داخل المحل أحسست بقلبي يخفق بقوة، و بشعور لا أستطيع وصفه مزيج من الحزن و الألم والفرح والحنين، عبق الماضي قد إحتضنني بشدة، يضمني إليه و كأنه يهمس لي سرا أن إشاياقنا متبادل، و ألامنا نفسها، أتعلم ذلك الشعور الذي يجتاحك حين تقابل شيئا تحبه و في نفس الوقت ترى أنه بعيد جدا ولم يعد لك؟ ، حينما تدمع عينيك و تبتسم شفتيك بكل حزن وسعادة؟، هذا مأحسست به حينها. خليط من متنقضات الأحاسيس.
منذ ما يقارب الثماني سنوات لم أخطو خطوة إلى هذا المحل من وقت وفاة أبي الغالي وأخي الحبيب، قد هاجرته كما هاجرت كل المسرات في حياتي، و جحيم الحنين يحرقني بناره، كلما إقتربت منها، لكن مهما هربنا من الذكريات يجدبنا الشوق إليها من جديد لنقتنص على أعتابها بعض اللحظات الجميلة، التي صارت محض سراب.
أتعلم انني لم أحتفل بعيد ميلادي من حينها؟ و كأن عمري توقف في تلك النقطة، رغم كل النجاحات التي حققتها في السنوات الأخيرة إلا أنني لا أحمل أي ذكريات منها وكأنها صفحة بيضاء، و كأني ما كنت أحيى حقا، فقط أمضي بين سنوات العمر كسائح غريب ضل الطريق، كشبح لا يرى حتى نفسه.
و قد كدت أنسى يوم عيد ميلادي لولا الهدايا التي كانت ترسلها لي حبيبتي حنين، كل سنة، و كأنها الوحيدة التي ظلت تتذكر وجودي وسط هذا العالم البئيس.
و هأنا الأن بعد طول السنوات الماضية أخطو إليها من جديد نفس الجدران نفس الوجوه، أنا هي لكن روحي فارغة تماما، ممزقة بشدة، أخرجني من لجة ذكرياتي، صوت مألوف، قد إعتدته منذ كنت صغيرة، صوت دافئ حنون، لذلك الرجل الأشيب الذي لم أذكره يوما أصغر أو أكبر سنا
_أنسة زينب أي ريح طيبة أحضرتك إلينا يا إبنتي؟ أم يا ترنا علينا أن ننديك بالسيدة زينب؟
قال جملته الأخيرة وهو ينظر إلى زينب الصغيرة، يداعب شعرها بلطف في حركة كان يفعلها معي أنا أيضا حين كنت صغيرة، لقد كان يظنها إبنتي. لم أجبه في اللحظة الأولى و أنا أتشرب من ملامحه الحنونة التي تشع طيبة، أمانا و صفاءا إشتقتهما، إبتسمت له إبتسامة خرجت رغما عني مهزوزة و أنا أقول
_كلا لم تغير السنين بعد هذا اللقب يا عمي، أنا لازلت أنسة، هذه زينب الصغيرة إبنة أخي.
إبتسم الرجل بطيبة و هو يقول
_ماشاء الله أي من الرجلين قد تزوج وأنجب طفلة كهذه اهو فارس أو زياد؟
إبتسمت بحزن و أنا اجيبه
_ زينب إبنة فارس، فزياد رحمه الله لم يتزوج في حياته.
نظر الرجل الطيب إلي بصدمة و هو يقول
_لا حول ولاقوة إلا بالله، هل مات زياد؟ لكنه شاب صغير جدا
أجبته بإبتسامة مريرة و أنا أنظر إلى نقطة وهمية
_ و هل يعرف الموت صغيرا أو كبيرا؟ هو يأخذ الجميع سواءا، كنار تلتهم الأخضر و اليابس دون أن تبالي.
صمتت قليلا و أنا أكمل بألم.
_ منذ أكثر من ثمان سنوات مات زياد في حادث سير هو أبي.
ظهر الشحوب على وجه الرجل الكبير و هو يقول
_البقاء لله وحده، له ما أعطى و ما أخد . كان الله في عونك يا إبنتي و رزقك الصبر و سلوان، ثمان سنوات! هل حقا مر على موتهما كل هذه المدة! البارحة فقط و السيد رائد يأتي بكم إلى هنا من أجل أعياد ميلادكم. عقلي لا يستوعب أنهم حقا قد غادرو الدنيا منذ هذه المدة الطويلة.
إبتسمت له و أنا أقول
_بارك الله فيك يا عم احمد، صدقا الأيام تمضي بسرعة، العمر يجري بنا دون أن نشعر، حتى أنالم أحس بمرور الوقت حقا، و كأني أصبحت بعدها أعيش خارج الزمن.
عدت بنظري إليه بعد ما شردت أثناء حديثي، لأقول له بإبتسامة معتذرة
_إنني أدين لك بإعتذار يا عمي، فمنذ وفاتهما لم أتي إلى هنا أبدا، لكن كل إحتفالتنا توقفت عند تلك النقطة.
ربث الرجل على كتفي و هو يقول
_أستغفر الله! ماذا تقولين يا إبنتي؟ أنا من أدين لكم بإعتذار لتقصري في العزاء، يعلم الله مكانتكم عندي، لكن صدقا لم أعلم بموتهما أبداً، تعرفينني يا إبنتي أحب العزلة في عالمي هذا و لا أتطلع لأخبار العالم بالخارج. على أي يا صغيرتي أدام الله عليكم السعادة و الأفراح.
إبتسمت له و أنا أقول
_آمين أيها العم الطيب، بارك الله فيك، أعلم أنك ما كنت لتقصر أبدا، عموما قد أتيت اليوم من أجل طلبية حلويات لحفلة ستقام عندنا في البيت.
إبتسم الرجل بمودة و هو يقول
_كم يسعدني ذلك حقا، ان أعلم بعودة السعادة لكم من جديد، سيكون كل شيء على أجمل ما يمكن، إذن أنت لم تخبريني هل هذه الحفلة من أجل عيد ميلاد هذه الأميرة الجميلة؟
قالها و هو ينحني ليعبث بشعر زينب برقة، أجبته بإبتسامة
_لا، ليس تماما الحفلة بمناسبة عودة أخي فارس، أتعلم أننا لم نراه منذ أكثر من تسع سنوات! حتى أنه لم يدرك بوفاة أبي إلا مؤخرا.
عقد الرجل حاجبيه و هو يقول بصدمة
_ لا إله إلا الله. لكن كيف حدث ذلك يا إبنتي؟
أمسكت بكتفي زينب الصغيرة أضمها إلي و أنا أجيبه
_طبع فارس يميل للعزلة، قد أصيب بالمرض الخبيث، فأخفى عنا الأمر جميعا، ثم سافر للخارج ليتعالج هناك ، و حينها بنى حياة بعيدة عنا تزوج و أنجب كما ترى.
تنهد الرجل و هو يقول
_الأمر غريب نوعا ما، من يملك أسرة ليتخلى عنها، فالشدائد يجب أن تقربنا أكثر لا تفرقرنا، عموما جيد أنه عاد الأن.
حركت رأسي موافقة و أنا أقول
_أجل إنه كذالك، الأحمق هو لا يعترف بذالك لكنه يظن في قرارات نفسه أنه عبء علينا لا يعلم أنه كان المفضل دوما لذا كل من أمي و أبي حتى أنني أنا و زياد كنا نشعر بالغيرة منه في بعض الأحيان، لكننا في الأخير نحبه جدا.
حرك الرجل الطيب رأسه و هو يقول
_مشاعر اليتيم حساسة دائما يا إبنتي. لهذا أوصنا النبي صلى الله عليه و سلم باليتيم كثيرا. و منح مكانة عالية لكافل اليتيم.
إبتسمت له و أنا اقول
_صل الله عليه و سلم، يعلم الله أن كلا من أمي و أبي لم يميزانه يوما عنا، لكن فارس صاحب كبرياء عظيم و نفس حساسة سنة جدا رغم ذلك هو يملك قلبا صافيا كالحليب، لقد كنا جميعا نحبه و لم نعتبره يوما غريبا عنا.
إبتسمت لي قائلا
_على كل حال الحمد لله أنه سيعود و يعوضكما و لو قليلا عن الخسارة التي تعرضتما لها.
بادلته إبتسامته و أنا أقول
_فعلا الحمد لله أنا سعيدة جداً بعودته و خصوصا أن هذه الأميرة ستبقى معنا للأبد.
قلتها و أنا أضم زينب الصغيرة إلي و تابعت
_و بالإضافة إلى ذلك وجدان زوجة أخي كانت أقرب صديقاتي.
مسح الرجل على ذراعي و هو يقول
_حفظكم الله لبعضكم يا إبنتي و أدام لكنمالسعادة و المسرات.
إبتسمت له بإمتنان و أنا أقول
_بارك الله فيك يا عم احمد، فعلا إشتقت للحديث معك كثيرا، لا أصدق أنني لم أراك منذ ثمان سنوات بحالها!
إبتسم لي الرجل بطيبة و هو يقول
_أنا الأسعد يا إبنتي، هيا لأجهز لك طلبيتك بسرعة، كما الماضي، لقد أخذنا الحديث دون أن نشعر.
إبتسمت له و أنا اقول
_حسنا عمي هيا بنا.
أمسكت يد زينب و توجهت رفقة العم أحمد لأخذ الطلبية، وقفنا أمامه وهو يجهز لنا كما الماضي، حلوى لم تغيرها السنين، لا تزال كما كانت بنفس الشكل و الحجم، و بالتأكيد ستكون بنفس المذاق أيضا، أمسك حلويتين من الشكولا،حلوى أذكرها جيداً، بل إن طيبتها لا تزال حية فوق لساني،و كأني لم أتوقف عن تناولها يوما، أعطاني أنا واحدة، ثم أعطى الأخرى لزينب الصغيرة و هو يقول بإبتسامة بشوشة
_تفضلا أنستي الجميلتين، هذه حلواك المفضلة يا زينب، كنت ترغمين أباك على شراء مجموعات كبيرة منها كلما حضرت إلى المح،.
إبتسمت بحزن قائلة
_أجل، أذكر هذا جيدا لايزال مذاق هذه الحلوى قابعا في ذاكرتي، حتى أنني أحس به حيا داخل روحي.
ثم إنحنيت لزينب أسألها بإبتسامة و أنا أداعب شعرها
_هل أعجبتك الحلوة حبيبتي؟
قالت وهي تفتح يديها الإثنتين و بسمة كبيرة تزين وجهها الملائكي
_إنها رااائعة جدا. جدا.
قبلت خديها الناعمتين و أنا أقول
_أنت الرائعة حبيبتي
إستقمت لأوجه كلامي للعم أحمد قائلة
_إذن أعطينا علبتين كبيرتين فوق طلبية الحفلة.
إبتسم لي بمودة قائلا
_من عيوني
عدنا للمنزل بعد ذلك، كان الليل قد أسدل ستائره السوداء المرصعة و البدر في تمامه قد توسط النجوم الفضية، ليكتمل الجو الشاعري بنسمات الخريف التي تداعب أوراق الأشجار المصفرة لتقطع بصوتها سكون الليل. قد مضى الصيف بسرعة، و إنتهت أيامه، و ها هو الخريف يزحف بقوة ليعري الأشجار التي أيبست أوراقها الصيف، لم أكن أنا يوما من محبي هذا الفصل الحار، ففيه تكون قواي خائرة جدا، قد إشتقت أنا الشتاء، بأمطارها التي تسقي روحي و تريح صدري
إستقبلتني أمي حال وصولي و اللهفة تملؤ وجهها، بينما تسألني
_اه زينب عدت أخيراً، هل أتممت كل شيء؟
إبتسمت لها و أنا انحني لأقبل وجنتيها قائلة
_أجل حبيبتي كل شيء قد تم بنجاح.
إبتسمت أمي لي قبل أن توجه نظرها إلى الصغيرة زينب و هي تسألها
_و أنت حلوتي هل إستمتعت؟
إبتسمت الصغيرة و هي تقول بحماس
_كثييرا يا جدتي و أكلت حلوى شكولا لذيذة جداً، لقد إشترينا أنا و زينب منها الكثير لنا فقط.
ضحكت أمي و هي تقول
_ هكذا إذن الآنسة زينب قد إستغلت الفرصة لتشتري حلوها المفضلة و أنت يا صغيرة تشبيهين عمتك، ستكونين متعبة الأن حبيبتي هيا إصعدي عند خالتك حنين كي تنامي، فغدا يتبعنا يوم حافل.
إبتسمت الصغيرة و هي ترتمي في حضن جدتها لتقبلها قائلة
_حاضر جدتي، تصبحين على خير.
قبلتها أمي هي الأخرى و هي تقول
_تصبحين على خير يا قطعة قلبي
أدرك جيدا الخطوة التي تالي عملية الإخلاء التي تقوم بها أمي، هذا يعني أنك ستدخل بعد لحظات في تحقيق مكثف، طويل عريض و لا مجال للهروب منه، لطفك يا الله، أعصابي لن تتحمل أكثر أبداً، فما مررت به اليوم يكفيني
ظلت تراقب زينب حتى إختفت ثم إستدارت لي وقبل أن تنبس بحرف سبقتها أنا بالكلام
_أتعلمين يا أمي ذهابي إلى محل العم أحمد أيقظ بداخلي مشاعر قديمة، أحسست بروح أبي و أخي ترافقانني، عدت إلى تلك الأيام التي كنا في قمة سعادتنا ، لم أحس إلى اليوم بطول المدة التي أبعدتنا عن تلك الأيام، كنت أظن أنها قريبة جدا.
أعلم أنني أستفز مشاعر أمي بهذه الطريقة و أشعل ألمها، لكن ماذا كان بيدي أن أفعل، و أنا قد وصلت إلى حافة تحملي.
لانت ملامح أمي وطغى الحزن على عينيها بينما إشتدت يديها على كرسيها المتحرك الذي تجلس عليه وهي تمسح بيديها على وجهها وشعرها، لكنها لم تتعدى الثواني على هذه الحال، تنحنحت وهي تمسح الدموع التي خانتها و ٱخترقت وجنتيها الجميلتين. لتقول بصوت مهزوز
_زينب لا تغيري الموضوع أرجوك لن تستطيعي التهرب مني.
قبل خروجي قد شعرت ببعض الحزن لأن أمي لم تلاحظ حالتي، لكن يبدوا أنني كنت مخطئة، فأمي الحبيبة ما كانت لتغفل عينها عني و لو إشتغلت بفرحتها لإستقبال أخي. على قدر سعادتي بذلك إلا أني ما كنت مستعدة لأي حوار معها، إبتسمت لها قائلة بمرح
_يا الله! ولما سأتهرب أصلا يبدوا أن سعادتك بعودة الغالي، جعلتك تتوهمبن أشياء لا وجود لها.
لم تبالي أمي بمزاحي و هي تنظر إلي قائلة
_أكنت تظنين يا زينب أنني صدقت كذبة الصباح، أتظنين أنني لا أفهم فقط لأنني أغض أطرافي عن كل ما يحدث
حركت رأسي و أنا اقول في محاولة يائسة للتهرب عن الموضوع
_أي كذبة يا أمي بالله عليك؟! أكل هذا لأنني كنت مبلولة! أنت تضخمين الأمور كثيراً!
نظرت إلي أمي قائلة بهدوء
_تعلمين أن هذا ليس قصدي يا زينب، أنت متغيرة الحال منذ أكثر من سنة، منذ سنة يا زينب و أنا أتغضى عن الموضوع عسى أن تأتي أنت لتصارحيني، أو أن تعودي لطبيعتك، لكن ذلك لم يحدث! و الأمر قد زاد على حده جدا!
يا إلهي لا أصدق أحقا مرة سنة أخرى بحالها على رؤيتي لك من جديد؟! أو أنه علي أن أقول على إدراكي لفقدانك! لم أحس بالوقت أبداً، أبداً،كأنني هذا اليوم أخذت درسا في قصر الحياة و سرعتها، اليوم و أنا أطل على أطلال الماضي البعيد، و ألقي نظرة على مستقبل مجهول، أدركت جيدا ما أضعته من عمري من أجل من لا يستحق، أدركت كمية الخسارة المهولة التي تعرضت لها في معركة حب لم تكن أبدا عادلة، معركة أنا من عانيت من كامل أضرارها، عمري الذي ضاع بك يا جاسر لن يعود أبدا، و نفسي التي تبعثرت بين يديك أبدا ما كانت لتلملم من جديد و قد صارت شذايا. طردت أفكاري و أنا أقول لأمي
_أنت تتوهمين فقط ما من شيء هناك يا أمي! أنا بخير، بكل خير أنا.
نظرت إلي بعينيها المتفحصتين و هي تقول
_زينب لم أحاول الضغط عليك طوال هذه المدة و قلبي يحترق عليك صغيرتي، إنتظرت أن تأتني لتحكي لي بنفسك كما كنت تفعلين دائما، لكنك لم تفعلي. ماذا هناك يا زينب؟
عند هذه اللحظة لم أستطع المقاومة و إنفجرت باكية كطفلة صغيرة و أنا أرتمي في حضن أمي التي ضمتني إليها بكل حب وحنان بينما تمسح على شعري بيدها الدافئة و هي تقول بلهجة حانية
_إهدئي حبيبتي، إهدئي، وكوني متأكدة أن لا شيء يستحق دموعك الجميلة هذه.
حشرت رأسي بصدرها و أنا أتحدث بين دموعي بنشيج البكاء
_تعبت، تعبت جداً يا أمي، جدا، ما عادت بجسدي ذرة صبر، قد إنقضت قدرتي على التحمل! ما عدت أستطيع!
قبلت أمي قمة رأسي و هي تضمني إليها بقوة بينما تهمس في أذني بحنان
_إهدئي يا صغيرتي أنا معك. سأظل بجانبك دوما جميلتي ما ثقل عليك أنا أحمله فوق ظهري.
حشرت رأسي أكثر في صدرها و أنا أقول بحرقة وسط بكائي
_قلبي يحترق ألما يا أمي، يحترق!
مسحت أمي على شعري بيديها الرقيقتين و هي تقول لي بدفئ
_إستعدي بالله من الشيطان الرجيم، أنت أقوى من هذا.
قلت بيأس و أنا أتشبت فيها كما لو عدت طفلة صغيرة تخاف الظلام
_حُطمت يا أمي حُطمت!
لم تجبني، ظلت تربث على شعري و ظهري، بينما شفتيها تبتهلان بدعاء هامس ، سحبت كرسيها إلى الأريكة، لتجلس عليها ثم تسحبني معها لتجلسني بجانبها، انامتني على رجليها و هي تخلل خصلات شعري بأصابعها الرقيقة و المجعدة قليلا، الصمت عم بيننا فلم يكن يقطعه إلا صوت تنفسي الحاد،و همس أمي الخافث بالدعوات، بعد لحظات وما إن تأكدت من هدوئي رفعت وجهي إليها و هي تمسح عليه بيديها الناعمتين. تسألني برقة تذيب القلب
_إذن يا روح أمك، ألن تخبرني بما يؤرقك؟!
تنهدت بألم، ثم نطقت بإسمك الحبيب بشرود، إسم واحد يلخص كل معانتي، الإسم الذي مجرد ذكره يزلزل كياني، الإسم الذي يضم أعمق أحلامي، الإسم الذي إجتمعت فيه أمالي و ألامي.
_جاسر
رددت أمي بتساؤل
_جاسر؟!
حركت رأسي موافقة و انا اقول بنفس الألم الذي يفيض من عيني و نبرة صوتي
_لقد عاد يا أمي
قالت بتساؤل
_من جاس.....
لكنها بثرت سؤالها بصدمة وهي تضع يدها على فمها متذكرتا
_أتقصدين الفتى الجامعي الذي....
حركت رأسي موافقة و أنا أقول
_أجل إنه هو يا أمي.
حركت أمي رأسها و هي تقول
_لكن لم أفهم ما المشكلة بالضبط هل يضغط عليك و يريد الإرتباط بك قصرا؟ أهذا ما أزعجك؟
إبتسامة مريرة رسمت على شفتي، اه كم أنت طيبة يا أمي! ليت الأمر كان بهذه البساطة ولم يكن محفوفا بكل هذه التعقيدات.لم أكن يوما إمرأة تنصاع للإجبار، لكن مع أحاسيسي ما كان في الأمر خيار. حركت رأسي و أنا أقول بنبرة يشوبها الألم
_أنت لم تفهمي شيئا يا أمي! لم تفهمي شيئا!
سألتني بإستفسار و هي تنظر إلى عيني ببحرها الصافي الذي لم يكن أبدا يشبه بحر عينيك الهائج المليئ بالغموض، رغم أنكما تملكان نفس لون العيون، إلا أنه لا تشابه أبداً يربط بينكما و لو من بعيد.
_إذن ما المشكلة الأن؟ كنت أظنها نزوة مراهقة عابرة رغم إحساسي في بعض الأحيان بأن الحب الذي جمعكما حقيقي، غيابه طوال هذه سنوات جعلني أظن أن الأمر إنتهى، فما الذي تغير الأن؟! ما الأمر الذي يجعلك على كل هذه الحالة من الشتات؟!
أجبتها بشرود حزين و أنا أنظر إلى نقطة بعيدة
_قطعنا عهدا على بعضنا أن نلتقي بعد أن نكون ذواتنا، أمي أنا لم أتوقف عن حبه للحظة واحدة. بل كان دوما الحافز الذي يدفعني للحياة، وتحمل جميع المصائب لقد كان سر قوتي يا أمي!
سألتني برقة و هي تمسك ذقني بيدها لتواجه عيني عيناعا
_و ما المشكلة الأن وهقد عاد؟! ألا يجب أن تكوني سعيدة؟!
أجبتها بمرارة
_عاد أجل يا أمي لكنه لم يعد وحده.
عقدت حاجبيها الرفيعين تسألني
_لم أفهم؟ ماذا تقصدين؟!
لم أتهرب من عينيها هذة المرة بل نظرت فيهما مباشرة و أنا أقول بصوت أجوف.
_لقد تزوج يا أمي.
وضعت أمي يدها على فمها بصدمة و هي تقول
_يا الله! لكن كيف هذا؟! ألم يكن يحبك؟!
رفعت كتفي قائلة
_لست أدري يا أمي! لست أعلم!
مسحت مجددا على شعري و وجهي و هي تقولي
_حبيبتي، إن كنت تحبينه فعلا فتمني له السعادة، ليس كل حب يتوج بوصال، لكن تكفيك هذه المشاعر الراقية، إدفيني حبه في ركن من قلبك و شيعي جثمانه و أنت تعلمين أنه هكذا سعيد. فالحب هو أن نؤثر سعادة من نحب على سعادتنا صغيرتي.
حركت رأسي و أنا أقول
_الأمر أكثر تعقيدا من ذلك، أكثر تعقيدا!
سألتنب بتوجس
_ماذا تقصدين؟!
_إنه يعاملني كما الماضي تماما و كأن شيئا لم يحدث، وكأنه لم يتزوج أصلا، لا أستطيع التفسير حتى! هو لا يمنحني فرصة لأنساه يا أمي! هو يكبلني بعشقه و أنا ضعيفة جدا أمامه ضعيفة.
شحب وجه أمي و هي تقول
_يا إلهي! هل يخون زوجته؟!!
حركت رأسي بينما أجيبها
_لست أعلم يا أمي! أنا لست أعلم! و ما حدث اليوم قد زاد من حيرتي و تشتتي!
سألتني عاقدة حاجبيها شقراوين
_و ما الذي حدث؟!
قصصت عليها ما مررت به اليوم لعلها تساعدني بحكمتها، و بالتأكيد حذفت المشهد المآساوي للقبلة، كنت فقط اصور لها ردة فعلك أنت و زوجتك، علها بخبرتها الحياتية تستطيع فهم خبايا نفوس الرجال، و تفسير ما عجزت أنا عن تفسيره، لكن نظرة التعجب و الإستفهام التي رسمت على صفحة وجهها قد خيبت الأمل الذي كان بداخلي.
_أنا لم أفهم شيئا لا من تصرفاته ولا تصرفاتها، إن كان يحبك لما تزوجها، وعلى ما يبدو هي تدري بعلاقتكما، فكيف بفتاة مثلها أن ترضى بهذه الخيانه العلنية؟!
رفعت كتفي و أنا اقول
_ولا أنا يا أمي، وهذا ما يؤرقني! هذا الجهل يتلف اعصابي!
_لما لا تسأليه؟
أجبتها بيأس
_أتضنين أنني لم أفعل؟
سألتني بإستفسار
_و ماذا كانت إجابته؟!
_يتهرب دائما بطريقة ذكية جدا، أو يخبرني بإبتسامة وبكل هدوء أنني هي زوجته الوحيدة و لا يعرف زوجة غيري، لقد أخبرني قبلا أنني سأعرف كل شيء في وقته، و المشكلة أنني أرى الصدق في عينيه وهذا ما يربكني.
عضت أمي على شفتيها لتحرك رأسها قائلة
_لا أجد ما أقوله لك يا إبنتي، لكن تأكدي أنني معك دوما، دوما يا حبيبتي مهما كان حالك، لكن أرجوك يا صغيرتي إياك أن تستسلمي. لا شيء يستحق حزنك ولا ضعفك أفهمتي؟
نهضت من مكاني و قبلت رأسها الحبيب ثم ضممتها بحب قائلة
_حاضر يا أمي أشكرك من أعماق قلبي.
إبتسمت لي أمي بحنان قائلة
_بارك الله فيك يا إبنتي و حفضك من شر الخلق و أبعد عن قلبك كل حزن و غم.
إبتسمت لها بإمتنان و أنا أؤمن على قولها، ثم صعدت درجات السلم متجهة لغرفتي، وفي طريقي إليها صادفت حنين، التي إبتسمت لي بود وقالت بنبرة مداعبة
_الله يا زينب، عاش من يراك يا صديقتي من يصدق أننا في نفس البيت؟
إبتسمت بتعب و أنا أقول
_صدق المثل الذي يقول القريب من مكة بعيد عنها،إشتقت لك يا قطتي.
ضحكت ثم قالت لي
_و أنا أكثر يا عصفورتي الهاربة. لو لم تكوني تختبئين طوال الوقت في العمل ما كنت لأراك.
شحب وجه و ذكرى ما حدث اليوم في المكتب تعود لتقتحم تفكيري، سأللتني حنين بقلقك.
_ما الذي حدث يا زينب؟! هل مر الإجتماع بخير؟؟
إبتسمت لها إداري ألمي و أنا أقول
_ قد مر كل شيء بخير، شحوبي بسبب ضغط العمل فقط و خصوصا مع الصفقة الجديدة.
رفعت حاجبها قائلة بإبتسامة عابثة
_ العمل أو جاسر الإدريسي؟!
تنهدت بأسى و أنا أرد عليها
_أنت أدرى يا حنين بالأمر كله أرجوك أغلقي الموضوع الأن ليس لي القوة للتحدث عنه في هذه اللحظة . على أي تعالي معي للغرفة لنتحدث في شيء أخر.
إبتسمت لي قائلة
_أنت متعبة الأن بعد الحفل أفضل.
حركت رأسي بنفي و أنا اقول
_بالعكس تماما أنا أحب التسامر بالليل.
إبتسمت لي بخفة و هي تقول
_و لما لم تقوليها يا خائنة! لكنت أتيت إليك يوميا كالقصة الليلية للأطفال.
إبتسمت لها بود و دخلنا معا إلى الغرفة تحدثنا عن كل شيء إلا أنت، رغم أنك كنت مكبلا لأفكاري، و رغم معرفة حنين بهذا تجنبت الحديث تماما عنك، فهي أدرى بألم الحب.



انتهى الفصل الرابع عشر
قراءة ممتعة لكم حبيباتي
موعدنا يوم الإثنين القادم إن شاء الله



نورهان الشاعر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس