عرض مشاركة واحدة
قديم 06-02-22, 07:06 PM   #41

أغاني الشتاء..

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 472215
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 581
?  نُقآطِيْ » أغاني الشتاء.. has a reputation beyond reputeأغاني الشتاء.. has a reputation beyond reputeأغاني الشتاء.. has a reputation beyond reputeأغاني الشتاء.. has a reputation beyond reputeأغاني الشتاء.. has a reputation beyond reputeأغاني الشتاء.. has a reputation beyond reputeأغاني الشتاء.. has a reputation beyond reputeأغاني الشتاء.. has a reputation beyond reputeأغاني الشتاء.. has a reputation beyond reputeأغاني الشتاء.. has a reputation beyond reputeأغاني الشتاء.. has a reputation beyond repute
Icon26



[..الـجــزء الـثـــانـي..]


*
*
*
*
*
*
*

,, حينمـا نُحب من طرف واحد ~
.
من وراء الأقنعة نُحادثهم .. حتى لا ينكشف يقيننا بهم ..
نتقاسم خِلسةً معهم .. قلبنا .. و ليالينا ..
لنغرق معهم في كلماتٍ مُبهمة .. نتخذها ذريعة لدعم أحلامنا بهم !
نخوض وحدنا حرباً .. بجيشٍ صامت .. بلا أسلحة .. و لا عدو
فهل نرفع رايات البياض ؟ خشية أن لا تساوي تلك المشاعر التي تملأنا شيئاً أمام قلوبهم الغافلة ..






كانت تجلس في الصالة بسكون .. وحيدة .. شاردة .. تعبر ملامحها أشباح بسمات .. و عيناها ترسم بكل زاوية من حولها .. لمحة من لمحاتهم تتذكرها ..
حتى زفرت نفساً ضائقاً .. كم تكره أن تجلس في ذات المكان .. بلا عبق حضورهم الصاخب .. المليء بالفرح .. و الحياة ..
تخاف جداً لحظات السكون .. التي تتركها وحيدة .. مع ذكريات و مخاوف أصبحت إعادتها في خيالها مراراً و تكراراً ..
أقوى من إحتمالها ..

تأملت بأسى الفطور المتواضع بكميته الذي وضعته على السفرة الصغيرة .. لثلاثة أشخاص فقط ..
وحيدين .. منسيين .. خارج تلك الصفحات التي تزخر بالفرح .. و اللمّة .. و المحبة ..
آه من هذه الأيام ..أيام رمضان .. أيام العيد .. العطلات .. المناسبات ..
جميع تلك الإجتماعات السعيدة التي تجمع القريب و البعيد .. حين الكل يجد له مكاناً .. سواها ..
وحدة ..
غربة ..
حزن ..
لطالما رافقوها .. لتفقد في كل مرةٍ غالي .. و تتوغل بوحدتها و أساها أكثر .. فأكثر ..
: السلام عليكم

أفاقت على صوته من شرودها الطويل .. لترفع رأسها .. و ترى عمها الذي وقف يطل عليها قرب الباب .. لتقابله بإبتسامة أتت باهتة .. شحيحة .. و هي تحاول جاهدة أن تخفي بها كآبتها .. عن نظراته المهتمة ..
: وعليكم السلام و الرحمة
راقب جسدها الذي استرخى بوحدة .. و ملل .. ليسأل ..
: كأنك جايبه الفطور بدري...توه الآذان!
تنهدت بملل .. تعترف بفقدانها .. لأصوات بنات عمها في المنزل .. و صخبهم الذي كان يملأ دياجير روحها بالضياء ..
: الوقت طويييل..قلت احضر الفطور عشان يمر الوقت
ابتسم لها بحنان و عطف .. و تراجع عن ذهابه إلى غرفته .. و تقدم ليجلس معها ..
يحادثها .. يستجلب المواقف و الذكريات ليسليها .. و تشفق عليها روحه أكثر ..
وهو يراها تتحمس لكل حديث يخبرها به .. و كأنه يقدم لها الفرح .. و الحياة .. بمجرد ملء جزء شحيح من هذا الفراغ الشاسع بروحها ..

يتيمة أب و أم .. دائماً تفتقد لإبنتيه حين تغيبان ولو لساعات مع والدتهما في بيت جدهما ..
و لا يريد أن يتذكر حالها و تلك الصغيرة .. حين تكون هناك مناسبة تستدعي جلوسهن لعدة أيام في ذاك البيت ..
و ما كاد يطريها في خياله حتى ظهرت .. كأنه كان يستدعيها ..
فرحتهم الصغيرة .. التي يزهو بها البيت .. و الوحيدة القادرة على رسم فرحة حقيقية بعيني والدتها ..
: مــــــامـــــــــا

اقتربت تلك الطفلة الرقيقة .. ذات السنوات الست .. منهما لتقبل رأسه .. ثم تقبل خد والدتها و تجلس بجوارها ..
ليبتسم هو لها بحنو .. و محبة ..
: هاه وتين عسى صايمة؟
لتجيبه الصغيرة بـ فخر ..
: إلى العصر صمت...بعدين ماما قالت خلاص افطر عشان اذوق فطايرها يمكن ما تطلع حلوه تسوي غيرها
بملامح مشرقة كانت تستمع إليها .. أجلت سُحب الحزن التي كانت تقتم وجهها منذ لحظات ..
ابتسمت لصغيرتها حين التفت عليها.. لتشاركها الطفلة الإبتسامة ذاتها .. و لم تكن الإبتسامة فقط ..

كانت هي و كأنها تنظر لنفسها بصغرها !!
ذات البشرة العاجية .. الشاحبة ..
خصلات الشعر الكستنائية .. الكثيفة .. الملتفة الأطراف بنعومة ..
لهما حتى طول الشعر ذاته .. الذي ينسدل بحيوية .. متعدياً أكتافهما بطول قليل ..
ملامحهما تحمل ذات الضعف .. و الرقة ..
و لهما نفس نبرات الصوت الهامسة .. الشجيّة ..

تشبهها تلك الصغيرة جداً .. و تحمل جميع عاداتها .. و تصرفاتها !!



~*~*~*~



اللـــه أكبر .. اللـــه أكبر .. اللــه أكبر .. اللــه أكبر ..

ارتفع صوت الآذان .. لتعلو البسملات و تلهج ألسنة الجمع بذكر الله .. ليبدأو بالإفطار .. في ذاك المجلس الشاسع ..
الذي بدى اليوم و كأنه غرفة معيشة عائلية ضخمة .. امتلأت أجواءه .. بالمودة .. و المحبة .. حيث اجتمعن مع جاراتهن .. كعادة لا تتخلى عنها جدتهم .. في فطور أول يوم من رمضان ..

و في إحدى تلك سفر الطعام الممتدة .. بدأت تتهامس تلك الفتيات اللاتي يتساوين في العمر فيما بينهن..

كانت غزلان كعادتها تسخر من كل شيء حولها .. تتصرف بتعالي إعتادته من تلك الأوساط التي بدأت تختلط فيها مع والدتها من أجل عمل والدها .. فحتى صداقاتها في جامعتها أصبح مفروضٌ عليها .. أن تراعي فيها مستوى مرتفع لا تحيد عنه .. لتتعرف على أيٍ كان ..
لذا رغم أنها كانت تعود هنا لروحها التي تتناسها كثيراً هناك ..
تعود إلى بعضٍ من طبيعتها هنا .. بتلك البساطة .. بين هذه الوجوه المحبة ..
إلا أنها تحدثت معلنة إعتراضها .. و هي تتململ في جلستها .. لتتحدث بدلال .. و تكبر تهوى التصرف به ..
و لم تعد تستغرب .. فهي باتت تعيش حياة .. مزدوجة .. لا تعرف أيهما تفضل .. و إلى أيهما تنتمي حقيقة روحها ؟؟
: مين اللحين يآكل على الأرض؟!
لتجيبها صبا بلا إكتراث .. لنبرة السخرية بصوتها .. فهي اعتادت على هذا الغرور الذي تتصرف به ابنة عمها .. و أصبحت تجده مجالاً للمجادلة بينهما .. و هي التي تهوى الشد و الجذب في أي حديث لها ..
: حنا...و أنتي بعد هذا أنتي جالسه و تاكلين وش حلوك
لتلتفت غزلان لإبنة عمتها سحاب بذات السؤال .. الذي يزعجها ..
: والله أحس رجليني بتتكسر من هالجلسة! و أنتم سحاب...تاكلون على الأرض كذا؟
لتجيبها سحاب مبتسمة ..
: تصدقين من جبنا طاولة الأكل خليناها ديكور ما ناكل عليها إلا قليل..كله على الأرض
مدت صبا يدها .. لتضرب كفها ب كف سحاب ..
:تعجبيني...أصلاً أنا ما احس بطعم الأكل إلا إذا تكيت و تمددت ع الأرض
كشرت بوجهها تلك الأنيقة ..
: مو منك...من أجواء هالبيت!...والله كل ما أدخل الحارة القديمه هذي و أشوف البيوت اللي حواليكم احس إني في الجنادرية..مادري ليه أبوي حماد مو راضي يطلع من هالحارة!
نبهتها صبا مدعية التحذير بملامح معذورة .. و عيناها تشير إلى دانية و رتيل ..
: أووص لا يسمعونك الجيل الأول من حفيدات حمّاد...اليوم عطوا الجيل الثالث محاضرة عن السنع و حب العائلة و التراث العائلي العظيم اللي حنا فيه..خلينا حنا يالجيل الثاني كذا هاديات و غير ملفتات للنظر و الخطر
هزت غزلان رأسها بإستسلام محدثة سحاب ..
: يمه منها هالبنت! أسكت الكل إلا هي...كل ما قلت لها كلمة ترد علي بعشر


:
:


كانت تتحدث مع إحدى جاراتها .. و هي تراقبهن بين لحظة و أخرى .. ينشغلن بتلك الهمهمات و الهمسات .. و ينسين أن يأكلن شيئاً مما أمامهن .. فقطعت جدالهن الساذج بصوتها الدافيء .. الحاني .. المهتم ..
لتعاتبهن بحرص .. و كأنهن مازلن صغاراً لا يتحملن مسئولية أنفسهن .. و هي تقدم منهن الصحن الذي كان أمامها .. بالأخص تلك الصغيرة الهادئة .. قليلة الأكل .. و الكلام أيضاً ..
: أنتن من جلستن و أنتن بس تقرقن! يلا افطرن يمه...سحاب ما شوفك أكلتي شي؟ لايكون تسوين ريجيم !
لتبتسم لها بمحبة .. و تقدير لهذا الإهتمام .. و تأخذ صحن الفطائر من يدها .. لأنها تعلم أن جدتها لن تتركها حتى تراها تأكل ..
: لا يمه يا قلبي هذاي آكل
لتتدخل صبا في كل حوار كعادتها ..
: عاد ما بقى إلا سحاب تسوي ريجيم أنتي لو صغرتي شوي بس شوي جبنا لك رضعة

ضحكت غزلان بإستنكار لحديثها .. و ابتسمت هي بهدؤ لا يشبهها لتعليقات صبا .. مرتاحة لإبعاد إنتباه جدتها عنها ..
لأنها حقاً لم تكن تأكل الكثير .. لم تكن تأكل و لا تتحدث و لا تتصرف بعفويتها كما في بيت والدها على الأقل ..
لا تشبه نفسها الحقيقية أبداً .. هنا في منزل جدها اعتادت أن تكون إنسانة مختلفة .. ساكنة .. هادئة .. حذرة مع الكل ..
فهي دوماً في هذا البيت تشعر بالثقل .. تأكل أقل ما تستطيع .. تضحك بأقل قدر .. تتحدث بإقتضاب ..
تبتعد عنهم لا إرادياً و هي بينهم .. و لا يغيب عن تفكيرها ثلاثة .. تحس بالخيانة إن نستهم بهذه اللحظات ..
والدها .. و يمنى .. و وتين ..

.
.
.

بعد إنتهاء الإفطار .. لأول مرة تختفي رتيل باكراً لتلحق بها دانية ..فلا يبقى إلا ثلاثتهن .. يقفن بطلب من جدتهن ..
يشرفن على الخادمات ..لتجهيز و إرسال تلك الحافظات المليئة بأصناف من الأطعمة .. إلى جميع الجيران الذين لم يحضروا .. حتى من حضر منهن .. كانت جدتها لا تحب أن يغادرن بدون أن يحملن معهن شيئاً من تلك الأطعمة التي كان نصفها مما احضروه معهن ..

مروا بهن الفتيات الأقل سناً .. ديمة و مُزن و أصغرهن بنان .. و هن منشغلات بهواتفهن .. و تصوير تلك المقاطع بلا نهاية .. لترمقهن غزلان بإعتراض ..
: و هالدلوعات ليه ما يساعدونا!!
لتجيبها صبا بمكر ..
: ولا يهمك اللحين أكرفهم..بس ضروري تكتيك يناسب مستوى تفكير المراهقات_لتصيح بصوت عالي_فينقر و شلتها..شخبار التغطية الرمضانية
اقتربن ثلاثتهن .. لتهتف بنان بحماس ..
: صورنا مقاااطع تجننن
لتثير حماسها بإنبهار ..
: واااو وناسة باشوفهم آخر الليل اذا اكتملوا .. و أنا جايبة لك حركات..خوذوا هالحافظات للجيران اللي ماحضروا وصوروا و أنتم رايحين في الحارة...أجواء رمضانية على كيفك

و بلحظة اشتعلن حماس للفكرة .. و صبا ترفع حاجبيها بإنتصار .. لغزلان و سحاب .. اللتان اخفتا ضحكتهما على إنتصارها السريع ..



~*~*~*~



حينما أنهت إفطارها .. و افتقدتها .. بحثت عنها في المطبخ الخارجي .. ظناً منها أنها لا بد أن تكون هناك .. لكنها لم تجدها ..
فذهبت لتبحث عنها داخل المنزل .. و وجدتها أخيراً في غرفتها .. التي كانت مقابلة لجناح جديها في الدور الأرضي .. طرقت الباب بخفة لتدخل قبل أن تأذن لها حتى .. فلطالما كانت غرفة رتيل ملجأ لها هي .. و أخواتها .. كل لحظة ..
:السلام عليكم
ردت بإبتسامتها الحانية .. المهتمة دوماً ..
: و عليكم السلام و الرحمة_لتسألها بإهتمام_خلصوا الخدامات توزيع الأكل الباقي؟
: على وشك...البنات معهم يرتبون كل شيء
أجابتها و هي تتقدم لتجلس على الكنبة الوحيدة في غرفتها .. كنبتها الحمراء التي احتلت الزاوية .. بجانبها تلك الأباجورة الطويلة .. و بالجانب الآخر .. رفوفها الزرقاء المليئة بالكتب ..
و رتيل كعادتها تتحدث معها و هي تروح و تجئ في غرفتها منشغلة .. و تسأل عن كل شيء في المنزل .. و هي تجيبها مطمئنة ..

صمتت للحظات .. و هي تتأملها بمحبة و إعجاب .. لطالما شعرت بالإنبهار حولها .. بتألقها و تميزها .. شكلاً .. و مضموناً ..
كيف لها أن تبدو بهذه القصة الصبيانية غاية في الرقة .. و الأنوثة ..؟
لطالما كانت الفتاة ذات الشعر القصير .. و لطالما لاقت عليها هذه القصة بطفولتها .. لتزيدها أناقة في أنوثتها ..
فملامحها بين تلك الخصلات السوداء الناعمة القصيرة .. تقطر عذوبة .. و حلاوة .. يشكلان مزيجاً متناقضا .. جذاباً .. مع نظرة عينيها القوية الإرادة .. و التصميم ..
كم تحب شخصيتها و تصرفاتها المليئة ثقة و لباقة .. و إعتماداً على النفس لطالما نقصها هي .. و لطالما حسدتها عليه ..
سألتها حين رأتها بدأت تستعد للخروج ..
: بتروحين لأم خالد؟
كانت تجيبها .. و هي بالفعل بدأت ترتدي عبائتها ..
: ايه..بأغير لها الضماد...و اشوف الجرح خايفة تقول تحسه ملتهب
ابتسمت لها بتقدير .. فخورة هي فيها .. فليست فقط مميزة في هيئتها .. بل روعتها الأكثر في شخصيتها .. مذهلة رتيل في إمتداد عطاءها للجميع ..
رغم عملها المنهك كممرضة في قسم الطواريء .. إلا أنها أصبحت حقاً كملاك رحمة ليس في عملها فقط .. بل في كل مكان .. ترفرف أياديها البيضاء .. ليشمل إهتمامها الجميع ..
هنا في منزلهم .. تمد جسور روحها للكل .. جسدياً .. و معنوياً .. ليتعاظم عطاءها فيشمل حتى جيرانهم .. فهي (إبنة الحي) جميعاً .. كما يسمونها ..
تهتم للكل .. و الكل يسألها عن أي عارض صحي يصيبهم .. و يطلب مشورتها .. رغم أنها ممرضة فقط .. لكنها تقدم لهم المساعدة دوماً .. حتى ما لا تعرفه تسأل الأطباء عنه .. لتخبرهم .. تتكفل بهم على كل حال .. لدرجة أنها أنشأت مجموعة لهن في تطبيق (الواتس أب) تجيب على كل أسئلتهم الكثيرة .. المتتالية .. كل يوم ..

رأت معطفها الأبيض .. و حقيبتها الكبيرة مجهزة على السرير .. لتسألها بإستغراب ..
: كأنك تتجهزين للدوام !
رتيل تجيبها .. و هي تكتب كعادتها رسالة .. ترد على إستفسار أحدٍ ما ..
: ايه كنت بأقولك..عندي شِفت ليلي
لتسألها بعدم تصديق .. و قلق ..
: عمي رياض وافق !
كانت تغلق هاتفها .. لتضعه في جيب عبائتها .. و هي تتنهد براحة ..
: ياله سمح لي...بطلعة الروح.. و هذا هو ينتظرني تحت قال بيوديني و بيرجعني بعد
تعلم هذا...لذا سألتها بإستغراب ..
: هههه أنتي احمدي ربك ماقال بأداوم معك..بس أنتي ليه أخذتي شفت ليلي و تدرين إنه ماراح يرضى ؟
أنهت إرتداء طرحتها .. و نقابها .. لتجلس على سريرها .. و هي تخبرها ..
: مشاعل عندها ظرف عائلي و مالقت أحد ياخذ مكانها..و تعرفينها عمرها ما قصرت معي بشيء..حتى انها ماطلبت مني..أنا اللي قلت لها اخذ مكانها..دانو يا قلبي لا تنسيني ارسلي سحوري مع السواق
ابتسمت لها بمحبة .. تحاول إخفاء خيبتها .. لرحيلها هي أيضاً قبل أن تتحدث معها بما يقلقها ..
: من عيوني
لكن عينيها المهتمة .. التقطتا ذاك القلق الذي يملأها ..
:تسلم لي العيون و راعيتها_لتكمل مازحة بضيق و هي تعرف أنها قد أتت لها لتحدثها عنه_يا أختي ما تزعلين من غالب على طول..والله ردت لي الروح يوم رجعتي لنا
و بلحظة تبدلت ملامحها مع ذكره .. فما في قلبها يتصدّر ملامحها بوضوح .. لتختفي إبتسامتها .. و يظلل الحزن .. و الخيبة .. نظرتها ..
: الظاهر خاطرك فيني من قلب...يوم إني عجزت أدخل قلبه
لتجيبها رتيل بصدق .. و غيظ من ذلك المغرور ..
: ما عنده نظر والله
حاولت أن تجاري مزاحها .. فلا تريد إشغالها بمشكلتها .. و هي على إستعجال للذهاب ..
: شفتي الحظ بس! اللحين عندهم عزام وش ملحه ما يزوجوني إلا هالمغرور..لو أخذت عمار أهون
ضحكت رتيل معها ..
:ههههه عزام عليه طلبات كثير عشان كذا أبوي ماراح يعطيه لوحده ويزعل الثانية..و عمار معليش حتى بالشكل ما اتخيلكم سوى! حشى الجميلة و الوحش..خليك على مجنونك أحسن_لتكمل بجدية بعيداً عن مُزاحمها..و هي تقف_و بعدين أنا متأكدة إن لو اللي خطبك واحد غير غالب كان ما وافقتي
رمقتها مطولاً بدون أن تعترض على الحقيقة التي تصرّح بها أمامها .. لأن معها كامل حق .. فهي لطالما كانت تحمل لغالب شعوراً خاصاً في قلبها ..
كان النموذج الأمثل لحب الطفولة .. لتتجسد به أحلام المراهقة أيضاً .. و حين خطبها ظنت أنها النهاية السعيدة لقصتها الرومنسية .. المخفية معه .. لكن كل شيء معه ظل كما كان .. و بقي حبها و سيبقى .. شعوراً من طرف واحد فقط ..
قطع صوت رتيل أفكارها ..
: بتشوفينه الليلة ؟
أجابتها بشرود ..
: إذا تنازل و طلب يشوفني
سألتها بقلق..
: وش بتقولين له ؟
لتجيبها بخيبة .. فهي حقاً لا تعرف كيف ستتصرف معه .. هي حتى لم تختار الإبتعاد عنه .. فقط بقيت تلبية لغضب جدها الذي لمح حزنها و خيبتها منه ..
: خليني أعرف وش بيقول هو أول
تنهدت .. لتتحدث بإعتذار ..
: تأخرت..إذا رجعت نتكلم..مع إني متأكدة إني بأرجع إن شاءالله و ألقاك رايحة لبيتك..و بكلا الحالتين طمنيني وش يصير معاك
خرجت .. لتعود بعد لحظة تنبهها ..
: دانو لا تنسين إبرة السكر لأمي قبل السحور
ابتسمت مطمئنة لها ..
: إن شاء الله
لتستدرك شيئاً آخراً ..
: ايه كنت بأنسى.. و مروان أبوي موصيه على الإضاءات اللي يبون يغيرونها في الحديقة..ذكريه لا ينسى يجيبهم قبل يجون العمال
ضحكت هذه المرة .. و هي تسأل بإستنكار ..
: حتى مروان نشب لك !!
لتجيبها بنبرة مظلومة مازحة ..
: شفتي كيف مستهلكيني! من يوم رحتي و حتى هو تبنيته مع خواته..ههه صايره حتى افطره قبل يروح جامعته
ردت عليها مبتسمة ..
: هههه و ليتك تسلمين من لسانه
لتوافقها برأيها عن ذاك المشاكس الذي لا يكبر ..
: لا والله ما سلمت

كانت تبتسم معها .. لتختفي إبتسامتها حالما خرجت عنها .. تعلم أنها تجاملها حين تخبرها أن شيئاً في هذا البيت قد تغير .. حين خرجت منه !!
و الحقيقة هي غير ذلك .. فهي أيضاً كانت تستهلك حبها .. و رعايتها .. و إهتمامها كالبقية ..
هي بالأخص .. من ترمي عليها بثقل همومها التافهة .. قبل الصعبة .. تتواكل حولها .. و تتكل عليها في كل شيء ..

عادت تبتسم بحزن للذكرى .. كانتا منذ الطفولة عدوتين لدودتين في هذا المنزل .. فهما النقيضين في كل شيء .. في شخصياتهما .. و تصرفاتها ..
و بعدما كبرتا أصبحتا ملتصقتين ببعضهما .. أو قد تكون هي من التصقت برتيل بشدة .. و أصبحت لها ملاذاً من كل شيء ..
فهي دوماً معها و مع غيرها .. الطرف الأضعف .. تأخذ و لا تقوى على العطاء ..
لأن رتيل لم تعتد يوماً إستجداء المشاعر أو الإهتمام من أحد .. دوماً كانت الطرف الأقوى .. الأكثر في عطاءه ..

حتى في عز فقدها .. كانت أقوى منها .. هي التي كان من المفترض أن تكون سندها بذاك الوقت .. لتحميها ..
كانت تذرف الدمع أكثر منها .. كانت تنهار عنها .. تصرخ بدلاً منها بجميع تلك الحسرات التي تراها تملأ قلبها بصمت مرير ..
و مازالت لليوم .. لا تعلم كيف كانت تقوى على ذاك الصمت و السكون ..



~*~*~*~


أغاني الشتاء.. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس