عرض مشاركة واحدة
قديم 06-03-22, 01:35 AM   #397

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

كانت جالسة امام الطاولة وهي شاردة بالعالم الخارجي من خلال الواجهة الزجاجية المحيطة بالمكان وكأنها فقاعة هواء تحميها من سكاكين البشر وضغائن نفوسهم...لطالما شعرت بالوحدة والعزلة بحياتها الباردة الروتينية والتي امتزجت بكل ألوان البرودة والفراغ العاطفي....حتى اصبحت مثل الصقيع الموحش تحمل عقل روبوت وروح دمية وقلب مطموس بالسواد وشخصية لغتها الحياة وغيرتها الظروف....ولكنها بعد كل ذلك شعرت اخيرا بدفء قبس الشمعة يلامس محياها وضوئها ينير قاع ظلمتها بعد مرور سنوات عجاف...والآن بعد ان جربت تلك المشاعر والاحاسيس التي قشعت ضباب الظلمة والبرودة القسرية عن حياتها هل تسمح لهم بسرقتها منها ؟ هل ستملك القدرة على التخلي عنها وانسحابها منها ؟ هل ستستطيع العودة لتلك الحجرة المظلمة والتي حبست بها على مدار سنوات مثل الإقامة الجبرية ؟ هل ستكون انسانة مسالمة من جديد ؟

تنهدت بإرهاق مجهد وهي تضم مرفقيها فوق سطح الطاولة بجمود طاف على محياها ، ليشد سمعها بلحظة الصوت المألوف والذي تعرفت عليه بسرعة وهو يبعد عنها عدة خطوات
"صباح الخير يا صديقتي الصغيرة ، صدفة استثنائية ان اراكِ هنا !"

حركت رأسها بعدم اهتمام وهي تهمس ببرود بدون ان تنظر له
"هل اعرفك ؟"

ابتسم صاحب الملامح الباردة وهو يقف خلف الكرسي المقابل لها قائلا بهدوء متلاعب
"سأعطيكِ فرصة لتحزري بها من يكون صاحب هذا الاقتحام ، وإذا عرفتِ هوية الواقف امامك فأعدكِ ان تربحي معي جائزة استثنائية تليق بك ، وإذا لم تستطيعي الفوز فستتحملين توابع الخسارة وتخرجين معي بموعد غرامي"

حادت بنظراتها نحوه بضيق قبل ان تعود بنظرها بعيدا هامسة بخفوت مشتد
"ليس لدي اي نية بالفوز او الخسارة ، ولست مهتمة بكل ما تقول ، لذا غادر من هنا رجاءً"

مالت ابتسامته بتسلية وهو يرجع الكرسي امامه ليجلس عليه ببساطة قبل ان يقول بحرية
"إذا كنتِ تريدين الطرف المحايد فلا امانع بذلك ، ولكنكِ ستتحملين اخذ الخسارة"

نظرت له بصدمة وهي تكور قبضتيها تلقائيا هامسة بامتعاض غاضب
"ما لذي تفعله يا سيد ؟"

فرد ذراعيه على جانبيه وهو يرجع ظهره للخلف قائلا بابتسامة مرتاحة
"لا افعل شيء فقط اساندك بتقبل الهزيمة ، بما انكِ لم تتعرفي على هويتي ومن اكون ، ما رأيكِ ان نبدأ باختيار مكان موعدنا الغرامي ؟........"

قاطعته من فورها بعبوس ساخط
"انت زير النساء ، متلاعب بقلوب الفتيات ، الخائن الجبان ، المتشبه بالرجال ، عديم الاخلاق والرجولة ، اصحاب النزوات العابرة ، وجنس يستحق الفناء عن الكوكب ، هل هذه الاجابة تكفي لتغرب عن وجهي وتتركني بحال سبيلي ؟"

حرك رأسه بالنفي بدون ان يفقد ابتسامته وهو يقول بانبهار مصطنع
"يا لها من ألقاب لطيفة ينطقها لسانك الحاد الذي لا يعرف الرحمة ! ولكنها لم تتضمن من بينها اسمي ! هل يعقل بأن تكوني قد نسيتِ اسمي ؟"

ردت عليه من بين اسنانها بحدة اكبر
"اسمك هو كمال"

ارتفع حاجبيه بإعجاب مزيف وهو يقول بابتسامة جانبية
"رائع ! ما تزالين تتذكرين اسمي ، يبدو بأنه لديكِ ذاكرة حديدية"

حركت رأسها جانبا وهي تهمس بوجوم خافت
"لدي ذاكرة حديدية فقط مع الاسماء التي لا تمحى من الذاكرة بسهولة"

التوت ابتسامته ببرود وهو يتمتم بمكر
"لأنني الاسم الذي سينقذ حياتك"

سكنت ملامحها وهي تهمس بخفوت جاف
"بل لأنك جزء من الذين دمروا حياتي"

تصلبت ملامحه لوهلة قبل ان يوجه نظراته بعيدا عنها ليلوح بعدها للنادل من بعيد قائلا بجدية
"دعكِ من هذا الموضوع ، فلدينا امور اهم نتكلم عنها تخص حياة كلينا"

تجاهلت معنى كلامه وهو يقول للنادل الذي وصل عند طاولتهما بنبرة جادة
"هلا احضرت لنا كوبين من القهوة السوداء على حسابي ؟"

اومأ النادل برأسه بتهذيب وهو يغادر بعيدا عنهما ، لتقول بعدها صاحبة الملامح الجامدة بصوت مغتاظ
"كيف عرفت من اكون ؟ هل هي تحريات اخرى !"

نظر لها بهدوء وهو يتقدم بجلوسه امام الطاولة ليقول بعدها بابتسامة جامدة
"اجل شيء من هذا الكلام ، فقد اصبحتِ نقطة التواصل الوحيدة لدي والتي تستطيع انقاذي من محنتي"

زفرت انفاسها بغضب وهي تهمس بضيق
"ولماذا اخترتني انا لأساعدك بهذه المشكلة ؟ لقد اخطئت كثيرا بالاستنجاد بي ، فأنا بالكاد اساعد نفسي حتى استطيع مساعدتك !"

ضم قبضتيه فوق سطح الطاولة وهو يقول بهدوء غامض
"بل انتِ افضل من تستطيع نجدتنا بهذه المشكلة ، ومن الاحتمالات والتحريات التي درستها انتِ كذلك تسعين للحفاظ على سلامة حياتك الزوجية ، لذا يمكنكِ مساعدتي لدرع الخطر بعيدا عنا ، واعدكِ ألا تخسري شيء من هذه الحرب بحال ساعدتني"

ادارت وجهها نحوه وهي تهمس ببرود قاسي
"لا اريد شيء منك ، ولا مساعدتك ، ولا نجدتك ، فقط اتركني وشأني ، وشيء آخر توقف عن رسائلك واتصالاتك المزعجة بكل ارقامك الوهمية ، فقد بدأت تزعجني وتغيظني اكثر مما احتمل"

انحرفت زاوية ابتسامته بهدوء وهو يلوح بيده قائلا بعدم اهتمام
"وماذا ادراكِ بأن كل تلك الارقام مصدرها مني ؟"

ردت عليه بعبوس حانق
"توقف عن هذه التصرفات ، ولا تجعلني اندم لأني لم اقم بالإجراء القانوني بحقك للتخلص من مضايقاتك !"

اسند ذقنه فوق قبضته وهو يقول ببرود ساخر
"لن اتوقف عن ذلك قبل ان تتوقفي عن حظر الارقام وتجاهل اتصالاتي لكِ ، ولا تنسي بأنكِ قد وافقتِ على خطة مساعدتي وليس من اللائق التراجع الآن"

عقدت حاجبيها بحدة وهي تهمس بخفوت عابس
"لم اوافق على شيء ، توقف عن قول ترهات لم اقم بقولها !"

ردّ عليها بابتسامة هادئة بعفوية
"لقد صمتِ ولم تردي بالرفض ، وهذا يعني بأنكِ موافقة من داخلك بدون النطق بها"

رفعت حاجبيها بجمود قبل ان تدير عينيها بعيدا عنه بضيق واضح ، ليتوقف كليهما عن الكلام ما ان وصل النادل عند طاولتهما وهو يضع لهما كوبين القهوة ، وما ان غادر النادل بعيدا حتى امسك بكوب قهوته وهو يقول لها بنبرة ماكرة بانتصار
"استمتعي باحتساء كوب القهوة فهي ستكون بداية تشاركنا الصفقة ، وكما يقولون الذين تجمعهم نفس الاهداف والطموحات هم اعز الاصدقاء"

بينما كانت هناك طاولة اخرى تبعد عنهما امتار يجلس عليها فردين مختلفين يتشاركان كل اثنين بنفس الرابط رغم تناقض اهداف الجلسة ، ولم ينتبه احد لوجودهم بنفس المكان ما عدا صاحبة العيون الخضراء الحاذقة وهي تشرف وتراقب على المكان بأكمله بتركيز صامت ، قطع بعدها هالة الصمت الذي قال بجدية هادئة
"لينا هل انتِ معي ؟ انا اتكلم معكِ !"

اعادت تركيزها بسرعة للجالس امامها وهي تهمس بابتسامة محرجة
"اعتذر عن هذا يا شادي ، هل كنت تكلمني ؟"

عقد حاجبيه بتصلب وهو ينظر لها بتمعن قائلا بهدوء
"هذه خامس مرة اناديكِ بها ولم تسمعيني ! فيما كنتِ شاردة بكل هذا التركيز ؟"

لوحت بكفها برقة وهي تهمس بخفوت مبتسم
"لا شيء مهم يا شادي تشغل بالك به ، فقط كنت افكر بمدى سعادتي بقبولك الخروج معي وتهنئتي بعيد ميلادي برغم انشغالك بالعمل"

اومأ برأسه بجمود وهو يقول باقتضاب
"على كل حال لقد كنت اناديكِ من اجل ان يأخذ النادل طلبكِ ، ولكن بما انكِ كنتِ شاردة فقد اعطيته طلبنا واخبرته ان يحضر لكِ عصير الكريمة المحلى والمفضل لكِ ، وهو بالطبع على حسابي بمناسبة عيد ميلادك"

اتسعت ابتسامتها بانتشاء وهي تمد كفها لتمسك بيده على الطاولة هامسة بخفوت مدله
"يا لروعتك يا شادي الفكهاني ! كنت اعلم بأنك صديق يحتذى به ويعتمد عليه بوقت الفرح والحزن ، وانا اسعد مخلوقة بامتلاك صديق مثالي ومتواضع مثلك ، وكل من لديه شخص مثلك هو اكثر شخص محظوظ بالعالم"

عقد حاجبيه بجمود وهو يسحب كفه من تحت يدها قائلا بهدوء عملي
"على الرحب والسعة هذه ضريبة الصداقة"

تجمدت ابتسامتها بوجوم طاف على ملامحها الفاتنة وهي توجه نظراتها لنفس الوجهة السابقة ، لتعود بعدها للنظر امامها وهي تهمس بلحظة بخفوت مبتهج
"هل تعلم ماذا ينقصنا بهذه الجلسة من اجل ان نخلدها كأجمل ذكرى ؟"

نظر لها بتحديق متململ وهي تخرج هاتفها من حقيبتها قبل ان تلوح به قائلة بحماس
"ما رأيك بالتقاط صورة لطيفة لنا بهذا اليوم المميز ؟ فنحن لم نحصل على اي لحظات مميزة لنا سويا منذ زواجك وخروجك من حياة العزوبية !"

تصلبت ملامحه ما ان نهضت عن مقعدها وهي تدور حول الطاولة بثواني قبل ان تصبح بجواره ، وما ان مدت الهاتف على وضع الكاميرا حتى اشاح بوجهه جانبا وهو يقول بحزم صارم
"ما هذه التصرفات الطفولية يا لينا ؟ هل ترين بأنه من اللائق التقاط الصور معا على العلن ؟ لقد اصبحت رجل متزوج وهذه الحركات لم تعد جائزة بعد الآن ! كم مرة عليّ ان اعيد لكِ هذا الكلام !"

شددت على الهاتف بيدها بدون ان تظهر اي انفعال على ملامحها وهي تهمس بخفوت مترجي
"ارجوك يا شادي فقط صورة واحدة ، واعدك لن انشرها على المواقع الاجتماعية ولن تظهر امام الملأ ، فقط صورة تذكارية بمناسبة عيد ميلادي ، فأنا اعلم جيدا بأنني لن استطيع الخروج معك مرة اخرى ولن تتكرر هذه الحادثة مجددا"

تنفس من بين اسنانه بغيظ وهو يعيد نظراته للأمام قائلا بصبر على وشك النفاذ
"ألن تتوقفي عن هذه الطريقة بالعناد الطفولي ؟ فقد سئمت من اسلوبكِ معي بابتزازي عاطفيا !"

ضمت الهاتف بين يديها وهي تهمس برجاء رقيق على وشك سكب الدموع من مقلتيها الخضراوين
"ارجوك يا شادي ، وافق هذه المرة فقط ، فداء بعشرة صداقتنا الابدية"

زفر انفاسه بهدوء وهو يقول بابتسامة اجهدت عضلات فكيه
"اللهم ألهمني الصبر ! حسنا يا لينا سنلتقط الصورة اللعينة وننتهي ، ولكن إذا عرفت بأنها قد انتشرت بأي موقع مثل المرة الفائتة......"

قاطعته بسرعة وهي تحرك رأسها بتأكيد
"اعدك لن يحدث هذا"

رفعت الهاتف بيدها امامهما وهي تميل بجسدها على ذراع مقعده لتملئ الشاشة الوجهين معا وهي تحاول ان تظهر المكان من حولهما ، وبلحظة كانت تلتقط الصورة اخيرا وهي تستقيم بعيدا عنه ناظرة للصورة بابتسامة راضية وبلهيب السعادة الذي قدح بعينيها الخضراوين ، لتحين منها التفاتة للجالس بجانبها للحظة قبل ان تعرض الصورة امام نظره وهي تهمس له بسعادة لم يخفى المكر بها
"ما رأيك بالصورة يا شادي ؟ انت تبدو بغاية الوسامة بها كما بكل الصور التي تظهر بها"

نظر لها بعدم اهتمام لثواني فقط قبل ان يلمح طرف الطاولة التي ظهرت بزاوية الصورة وهو يميزها عن بعد امتار بذلك الوجه الذي لا يغيب عنه ، وما هي ألا لحظات اخرى حتى نهض من مكانه بقوة وهو يستدير للخلف بعنف ونظراته تطير تلقائيا للطاولة المقصودة التي ظهرت بالصورة واكلت الباقي من عقله .

ما ان وضعت كفها على كتفه برقة حتى نفض كفها بعيدا وهو يندفع مباشرة بدون ادنى تفكير ، ليقطع المسافة بين الطاولتين بخطوات واسعة بأشواط قبل ان يصبح بالقرب منهما ، لتلمحه بالبداية التي نظرت بصدمة اتسعت معها حدقتيها بذعر وهي تهمس بارتجاف ممتقع
"يا للمصيبة !"

وما ان نظرت للجالس امامها والذي بان عليه الحيرة حتى همست له بخفوت بائس
"يبدو بأن وقت الحساب قد جاء"

توجهت نظراتهما للذي اقتحم خلوتهما وهو يقف امام الطاولة قائلا بوجوم لا ينم على شيء
"صباح الخير ، هل قاطعت حديثكما ؟"

كانت اول ردة فعل تظهر منها هي محاولتها النهوض بسرعة والتي توقعها بلمح البصر وهو يتحول خلف مقعدها ليحط بيديه على كتفيها بقسوة وهو يثبتها بمكانها رغم إرادتها ، لينتقل بنظره للجالس امامهما بسكون وهو يقول له بابتسام جامد
"هلا عرفت عن نفسك يا سيد ؟ واخبرتني ماذا تفعل مع زوجتي العزيزة بمقهى لوحدكما بدون علم زوجها ؟ فأنا لا اريد افتعال مشاكل وتمزيقك امام الملأ من لا شيء !"

تلوت (ماسة) بمكانها بعنفوان وهي تحاول تحرير كتفيها والنهوض قائلة بضيق شديد
"غير صحيح ، هناك سوء فهم......"

قاطعها بقوة اكبر وهو يزيد من ضغط يديه حتى كاد يكسر عظامها بقسوة
"انتِ اخرسي فهذا ليس عملك"

عضت على طرف شفتيها حتى كادت تدميها وهي تلتزم الصمت التام ، لتأتي الاجابة من الذي نهض من مكانه وهو يقول بجمود قاتم
"اعتذر على سوء الفهم ، انا اكون زوج وفاء السابق ، او على الارجح حبيب شقيقتك السابق"

احاطت البرودة الاجواء بينهم سمرت كليهما معا بين دهشة واستنكار وكراهية بدأت تلوح بالأفق تخبئ هجوم ضاري على وشك القضاء عليهم بحرب سفك الدماء ، وما ان شعرت بثقل يديه ينزحان عنها ببطء وشرارات حارقة تستطيع الاستشعار بها بغريزتها الطبيعية التي تنبؤ بالخطر حتى قالت بإحباط
"اللعنة على حماقتك !"

سمعت بعدها صوت الواقف خلفها وهو يتمتم بشر مطمور
"جيد لقد اعطيتني دافع اكبر من اجل ان امزقك أرباً أرباً"

اخفضت جفنيها برجفة خاطفة لوهلة قبل ان تسمع صوت مدافع الحرب وهو يشن عليه الهجوم الاولي والذي كان لكمة بمنتصف وجهه اوقعته للخلف مع الكرسي الذي سقط معه وتحطم ، وبغضون ثواني كان جميع رواد المقهى يتجمعون من حولهما بدون ان يبادر احد منهم بحركة ، وهو يمسك بياقة قميصه ليرفعه عن الارض بقوة قبل ان يعود ليوجه له لكمات متعددة على تفاصيل وجهه قائلا بغضب مكتوم ترك له زمام الامور
"يا لحقارتك وانعدام رجولتك ! وتقولها بوجهي بكل وقاحة وجرأة وبدون اي خوف او رهبة ! ألا تملك ذرة ضمير او ندم تأنب عليها بعد كل ما فعلته بحياتك اللعينة المليئة بالآثام والخطايا ؟ ماذا تكون انت بحياتي حتى تتعرض مرتين لكل الذين يربطهم بشادي الفكهاني علاقة ؟ إذا ظننت بأنه لا احد من وراءهم يحاسبك على افعالك معهما ! فأنت مخطئ وحسابك معي لم ينتهي !"

تدخل بعض رواد المطعم وهم يحاولون فض الخلاف بينهما وإيقاف الثائر على كبريائه الرجولي والذي فاض عن حده ، وما ان ابتعد عنه اخيرا وهو يتوقف عن توجيه اللكمات له حتى قال صاحب الملامح المهشمة وهو يبصق الدم من فمه بازدراء
"لن ينتهي شيء وسترى ! فما زال جزء مني بحوزتكم ولن يتوقف الخصام قبل ان يحل"

شدد (شادي) على اسنانه وهو على وشك اعادة الهجوم ليقف امامه بسرعة صاحبة الصوت الرقيق وهي تضع كفيها على صدره تحاول تهدئة ثورته
"اهدئ يا عزيزي شادي ، فالعراك والكلام معه لن يفيد بشيء ، فهذه الاشكال يفضل تجاهلها وعدم اعطاءها اي قيمة لأنها لا تستحق"

نزع يديها بعيدا عن صدره بعنف مبالغ به وهو يستدير للجهة الاخرى بعيدا عنهم ، ليتسمر بمكانه بتجمد اخذت لحظات استيعاب وهو يكتشف خلو الطاولة والمكان منها ، ليشتت نظره بالرواد من حوله وهو يشير لهم بذراعه صارخا بانفعال لا شعوري
"اين ذهبت زوجتي ؟ ألم يراها احد منكم !"

اتجهت الايادي بمسار واحد نحو باب المقهى الذي خرجت منه اثناء الشجار الحي ، ولم يأخذ وقتا طويلا قبل ان يغادر بسرعة بعيدا عنهم وهو يجري لخارج المقهى تاركا كل الدمار الذي خلفه من حوله ، بينما كانت (لينا) ساكنة بمكانها وهي تفرك كفيها بهدوء ونظراتها تنحرف عن مسارها لتتبادل النظرات مع شريكها المهشم والذي اخذ الكثير من اضرار هذه الخطة والتي كانت الرأس المدبر بها .

______________________________
سارت بسرعة بخطوات متعثرة كل قدم تسابق الاخرى لمجاراتها برحلة النجاة وهي تخسر لأول مرة ثباتها المدعوم بعزيمتها والتي ضاعت وتبعثرت كل جزء بزاوية بذلك المقهى...وهي تفكر فقط بالمصير البائس الذي ينتظرها من صاحب الكبرياء الرجولي والذي خدش بأهم نقاط ضعف الرجل والتي يتسم بها....كيف تغفل عن هذه الامور المهمة وهي التي عاشت مع معشر الرجال ما يقارب الخمس سنوات حتى اكتسبت معرفة واسعة عن مكنونات كل واحد منهم وعن إيجابيات وسلبيات جوانب شخصياتهم ؟....ومن خبرتها الحالية تؤكد بأنها لن تنفذ من عقاب ذلك الرجل الجليدي والذي ذاب الجليد عنه وانصهر بنيران الغضب التي ستحرقها حية...وكما تسمع دائما اتقي شر الحليم إذا غضب !

بدأت خطواتها بالتباطؤ باضطراب ما ان وصل لسمعها صوت محركات سيارة قريبة وهي تسير على نسق خطواتها ، وما ان شعرت بها على مقربة منها حتى تسارعت تلقائيا بدافع غريزي وهي تعود للمشي بهرولة خفيفة ، ولم تمر سوى لحظة حتى تسمرت فقرات ظهرها بتصلب ما ان خرج لها صوت زامور السيارة الصاخب والذي قشعر اوصالها ، وليس هذا وحسب بل خرج الصوت الصارم بنبرة امر واضحة
"ادخلي للسيارة"

زمت شفتيها بامتقاع وهي تكمل طريقها وكأنها لم تسمع ، لتنتصب واقفة ما ان كرر كلامه بصرامة اكبر وهو يضيف اسمها بتسلط
"ادخلي للسيارة يا ماسة"

زفرت انفاسها بنشيج وهي تستدير نحوه بتأهب لتقول بعدها بثقة كبيرة
"لن افعل ، استطيع العودة للمنزل لوحدي"

شددت على اسنانها بوجل ما ان ضرب على زامور السيارة بقوة وهو يطل برأسه من النافذة قائلا بتهديد غاضب
"إذا لم تفعلي ما اقول يا ماسة ، فلن اتردد عن دهسك تحت عجلات هذه السيارة والتي ستكون خسارة بكِ"

عبست ملامحها بتبرم وهي تمسك خصرها بيديها لتميل للأمام قليلا بحركة مستفزة قائلة بتحدي بارد
"هيا افعلها إذا كنت رجلا !"

رفع حاجبيه بتصلب غائم وهو يقول بابتسامة حادة بحقد
"تعلمين جيدا بأنكِ بهذه العبارة لا تضايق الرجل بقدر ما تثير جنونه ! لذا لا تلوميني بعد ان اقضي على حياتك من اجل ان ترضي غرور التحدي"

اشاحت بوجهها جانبا بجمود وداخلها يرجف بمعنى الكلمة ، لتسمع بعدها عبارته الاخيرة وهو يضغط على محرك السرعة ببساطة
"حسنا لكِ هذا يا مجنونة"

اتسعت مقلتيها بجزع وهي تدير وجهها للأمام بسرعة قبل ان تلوح بكفيها امام وجهها صارخة بذعر
"توقف يا مجنون ، إياك وان تقترب"

اخفضت يديها بحذر وهي تنظر للسيارة الساكنة تكاد تلامس الرصيف وتصعد عليه ، لترفع بعدها عينيها الواسعتين باتجاه صاحب الصوت وهو يقول بجمود آمر
"اصعدي للسيارة يا ماسة"

عضت على طرف شفتيها عدة مرات قبل ان تتحرك على مضض وهي تدور حول السيارة بلحظات ، لتدخل بعدها من الباب الجانبي وهي تجلس بجوار السائق بصمت .

تحركت السيارة بعيدا عن الرصيف وهو يكمل الطريق بثبات ، تجمدت اطرافها لبرهة وهي تقبض على يديها بحجرها بصمت ساكن ثقيل جثم على روحها بألم ، لتأخذ بعدها عدة انفاس طويلة وهي تحاول تجميد صوتها هامسة بهدوء ظاهري
"اسمع يا شادي وافهم كلامي جيدا ، انا لم ارتكب اي خطأ بذلك المقهى ، وكل ما حدث كان بمحضي الصدفة وليس لي اي علاقة به ، لذا إياك وان توجه لي اي نظرات اتهامية او تلومني بشيء لم افعله"

غامت ملامحه بهدوء وهو يقول بابتسامة جامدة
"وإذا كنتِ واثقة من كلامك ! لماذا تبررين لي ما حدث ؟"

اخفضت نظراتها بهدوء وهي تهمس ببرود قاتم
"لأني اعلم جيدا بأنك لن تصدقني ولن تفعل حتى تسمع التبرير مني ، ولن اتحمل رؤية تلك النظرات الاتهامية والغير واثقة موجهة نحوي ، لن اتحمل ان اكون بنظرك خاطئة او مدانة بشيء وكأنني مجرمة بحق العدالة"

التوت شفتيه بشبح ابتسامة وهو يهمس بجفاء
"انتِ حقا مجرمة ، هذه حقيقتك"

حادت بنظراتها نحوه بضيق وهي تهمس بعبوس مغتاظ
"هل هذه سخرية ام طريقة من اجل الانتقام مني ؟ فأنا بالحالتين ما ازال متهمة بنظرك ، صحيح !"

حرك كتفيه باستخفاف وهو يقول بسخرية
"وهل تتوقعين مني ان اصدقك بعد كل هذا ؟"

نظرت له بصدمة شعرت بها مثل ضربة موجعة على رأسها هزت كيانها للحظات ، لتقول بعدها بغضب مهتاج
"انت مرغم على تصديقي ، لأني زوجتك وتثق بي ، كما صرحت وقلت سابقا"

عبست زاوية من ابتسامته وهو يقول بجدية بدون اي مرح
"وهل بقي محل من الثقة بيننا بعد كل ما ابدعتِ به وادهشتني من مواقف رأيت منكِ العجب ؟!"

ارتفع حاجبيها بارتجاف شاحب وهي تكور قبضتيها فوق ركبتيها قائلة بنبرة عتاب لائمة
"لا تستطيع قول هذا الكلام ! لا تستطيع الحكم من النظر للمواقف فقط ! لا تستطيع ان تكون بكل هذه القسوة معي ! لا اسمح لك بأن تخسر الثقة فقط من موقف واحد لم يكن لي يد به ، ليس من العدل ان تتكلم من رأسك بدون سماع الحقيقة ، هذا منتهى الظلم بحقي !"

ردّ عليها من فوره ببرود قاسي
"كان عليكِ تذكر هذا الكلام عندما آلمتني قبل اسبوع وقلتِ كلام غير لائق عن شقيقتي ، لقد اظهرت نفسكِ بنظري سيئة واكثر من كونك مجرمة ، ومع ذلك لم تحاولي التبرير ولم تبالي وكأنكِ سعيدة بتلك الصورة التي صنعتها بنفسك ، وماذا فعلتِ بدلا من ذلك ؟ تحاولين الانتقام مني وتنفيذ ما برأسكِ بالاتفاق ضدي لترضي نفسكِ قبل كبريائك !"

ضربت على ركبتيها بقوة وهي تحني رأسها صارخة باستنكار حاد
"ليس هناك اي من هذا الكلام صحيح ! لماذا لا تفهمني ؟ لماذا لا تستطيع التفكير بموقفي ؟ لماذا عليك ان تكون هكذا ؟ ما لذي عليّ فعله لتشعر بي وتصدق كلامي ؟......"

قاطعها بصوت صارم ليعلو فوق صوتها
"توقفي عن الصراخ يا ماسة ، فهذا الصراخ لن يساعدك بحالتك ، فأنتِ ما تزالين المجرمة الكاذبة والتي لن استطيع تصديق اي من كلامها بعد الآن لأنها خسرتني ثقتها !"

ابتلعت ريقها بغصة جليدية وهي تحيد بنظراتها نحوه هامسة بتصلب جاد
"انت ملزم بتصديقي والثقة بي لأني زوجتك ، وهذا حق من حقوق زوجتك ومن واجباتك عليها ، وإذا لم تكن بقدر هذا المسؤولية الكبيرة لما تزوجتني من الاساس ؟ إذا لم تكن تستطيع احتواء ثقة وتصرفات زوجتك لما قبلت بالزواج بي ؟ إذا لم تكن تستطيع احتمال حقيقة زوجتك المجرمة والتي لا تليق بشخص نظيف مثلك لما ربطتني بك ؟"

احتدت ملامحه ببطء عابس وهو يشدد على المقود قائلا باستهجان غاضب
"هل بدأتِ تهذين مع نفسكِ يا ماسة ؟ هل تريدين ان تعرفي ماذا شعرت عندما رأيت غدركِ بي ؟ عندما عرفت هوية الجالس معكِ بنفس الطاولة ! وانتِ اكثر من يعرف عن تلك القصة ومجرياتها والتي افصحت لكِ بكل شيء تحويها ، ومع ذلك اراكِ تنفذين ما كنتِ تفكرين به ورفضته وتعلنين تمردك مع العدو وسبب دمار حياة شقيقتي ، بدلا من ان تفكري بأخطائك وتسحبين تلك الفكرة الغبية من رأسكِ ، ولكن ماذا كنت اتوقع منكِ غير هذا من مجرمتي الصغيرة والتي تملك اسوء الطباع والصفات والتي تدعو للفخر بها !"

تنفست بهدوء للحظات قبل ان تشيح بوجهها جانبا وهي تهمس ببهوت جاف
"هذه مشكلتك انت وشقيقتك ، انا لن اتدخل بعد الآن بمشاكل اي منكما ، هل هذا يريحك ؟"

قطب جبينه بجمود وهو يزيد من سرعة السيارة تدريجيا قائلا بقنوط ساخر
"لا هذا ليس كل شيء ، فما يزال مطلوب منكِ ان تصرحي عن سبب وجودكِ بنفس الطاولة معه !"

ردت عليه ببساطة ساخرة
"لما اتعب نفسي بالكلام إذا كنت لن تصدقني بكل الاحوال ؟"

شدد بقبضتيه على المقود حتى ابيضت مفاصله وهو يقول بجمود قاتم
"اجيبِ على سؤالي بكلمة واحدة فقط !"

مرت لحظات فاصلة ببرودة الاجواء والصمت يزيد من البؤرة السواء بينهما ، ليصرخ بعدها بغضب مكتوم
"اجيبِ يا ماسة"

رفعت رأسها بارتعاش جمد الدماء بعروقها وليس بسبب سماع صوته الصارخ بل بسبب سرعة السيارة التي تكاد تطير بها وهي تنطلق بسرعة الضوء ، لتتمسك بيديها على جانبي الكرسي وهي تحاول الهمس بعبوس مرتجف
"خفف السرعة يا شادي"

لم يمتثل لطلبها وهو يزيد من عداد السرعة قائلا بنفس السؤال السابق بدون اي رحمة
"اجيبِ يا ماسة ، لماذا كنتِ معه بنفس الطاولة ؟"

اغمضت عينيها بارتجاف انسحب اللون عن بشرتها التي بدأت بالتعرق وهي تهمس بنشيج خافت
"لقد كانت مجرد صدفة ، هو الذي جلس على طاولتي ، هو الذي فتح باب الحديث معي ، هو الذي رفض ان يتركني وشأني"

لم تلين ملامحه ولو قليلا وهو يضغط على محرك السرعة وكأنه يتلاعب بعداد حياتهما وبأعصاب الجالسة بجانبه وهي على وشك الانهيار ، ليقول بعدها بنفس النبرة الصلبة تغيرت معها تعابير ملامحه
"اقسمي بذلك"

تشنجت بمكانها وهي تشعر بشح بالهواء مع ازدياد سرعة السيارة الخيالي لتهمس بأنين مهتز
"ارجوك خفف السرعة ، خفف السرعة"

صرخ بقوة اكبر فقد السيطرة عليه
"قلت لكِ اقسمي اولاً"

صرخت بنحيب وهي تتلوى بمكانها بوجع فاق الحدود
"اقسم لك"

ردّ عليها بصراخ اعلى
"كيف عرف من تكونين ؟"

ردت عليه بنفس صراخه بقهر مكبوت
"لا اعلم ، اقسم لك لا اعلم"

افاق على نفسه وهو يضغط بسرعة على الفرامل ويرجع بيده محرك السرعة على صوت صراخها الباكي الذي ملئ الاجواء
"خفف السرعة يا مجنون"

اخذ لحظات مجنونة بالتحكم بالسرعة التي خرجت عن السيطرة وبصعوبة كبيرة حتى استطاع بالنهاية إيقاف السيارة بشكل كامل ، بدون ان يستطيع منع ارتداد اجسادهما للأمام بعنف وهو يفرد ذراعه امامها بلمح البصر ليحمي اصطدام رأسها والتي ضربت ذراعه بقوة وارتخت مكانها وهي تدخل بحالة سبات .

تنفس بهدوء وهو يستغفر عدة مرات ويتعوذ من الشيطان ليعود بنظره نحوها وهي ساكنة بدون اي حركة ، ليقول بعدها بصعوبة شديدة وهو يتخلل بها القلق والتوجس
"عزيزتي هل انتِ بخير ؟ حبيبتي ماسة اجيبِ !"

تبع كلامه يده الاخرى والتي ربتت على شعرها الناعم وهو ينسدل من حولها بتشعت كارثي مترافق مع حالتها ، وقبل ان ينطق مجددا كانت ترفع رأسها بعيدا عن ذراعه المساندة ببطء مهيب ، وما ان ادركت وضعها حتى انتصبت جالسة وهي تعيد خصلاتها لخلف اذنيها لتدسهم بأصابع مرتجفة شاحبة ، وما ان ضاق به سكونها المرتاب حتى بادر بالكلام مجددا وهو يربت بيده على رأسها
"ماسة هل انتِ بخير ؟ هل اصبت بمكروه ؟ اجيبِ يا فتاة !....."

قطع كلامه بلحظة الكف التي ضربت يده بعيدا عن رأسها بجمود ، لتمسح بعدها على وجهها من قطرات العرق او قد تكون الدموع التي انسكبت بلحظات غادرة على تقاطيع ملامحها تجاوزت مقدرتها ، وبلحظات كانت تخرج من باب السيارة وهي تحتضن حقيبتها بين ذراعيها بدون ان يبادر بحركة اخرى ، لتغلق بعدها الباب من خلفها بقوة وهي تضع حزام الحقيبة فوق كتفها قبل ان تسير بطريقها بثبات معدوم يستطيع ملاحظة تشتت وضياع خطواتها الواضح مثل دمية استطاع اصابتها بكسر .

كان يراقبها بغيوم ضبابية اسرت مجرى نظره وملامحه ويده تمسد على ذراعه مكان ضربة رأسها والتي لم تؤلم بقدر ألم رؤية دموعها والتي كان السبب بها لأول مرة .

_______________________________
خرجت من الحمام المرفق وهي تجفف شعرها بالمنشفة القطنية قبل ان تلفها حول رأسها بإحكام ، لتفتح بعدها الخزانة وهي تختار ثوب قطني طويل من الصوف الناعم شبيه بالنعجة البيضاء ، تغضنت تقاسيم ملامحها وهي تتذكر شكلها السابق عندما تشبهت بالصوص المنفوش والآن تحولت لنعجة وديعة بلهاء ، وماذا بعد من اجل ان ترضي غرور ذلك الرجل الوسيم والذي يستطيع اخراج مئة عيب بها بثواني بدون ان تستطيع ان تجد عيب واحد به تكسر فيه كبريائه ؟ هل هذا هو حال الفتيات امثالها خلقوا بمئات العيوب بالمقارنة مع الرجال الخاليين من اي ندوب او عيوب او حتى كسور بالقلوب ؟ ام هل هي الوحيدة التي تعاني من تلك النقطة بسبب ولادتها بقلب مريض وشخصية ضعيفة مثيرة للشفقة انطوت واختفت مع الايام والشهور والسنوات ؟!

عبست ملامحها بسحابة غائمة وهي ترجع الثوب بسرعة بعد ان فقدت رغبتها بارتدائه فهي لا ينقصها التطرق لتقييم نفسي او معنوي يهدم ثقتها بنفسها ، لتستبدله بمنامة طفولية بلون الاصفر الفاقع قصيرة الاكمام وتصل حتى الركب وينطبع عليها وجوه لشخصيات كرتونية جميلة على كامل قماشها ، لتغلق بعدها باب الخزانة بقوة وهي تتنفس الصعداء مستعيدة روحها المنتعشة بعد الاستحمام الذي غسل روحها قبل جسدها .

وقفت امام المرآة بعد ان انتهت من ارتداء ملابسها وهي تنزع المنشفة عن شعرها المبتل ، لتسقط الخصلات القصيرة بنعومة وهي تسبل على وجنتيها الشاحبتين وامام عينيها الباهتتين وقطرات الماء تسيل على بشرتها بجريان الدماء بعروقها ، رفعت كفيها وهي تدس الخصلات المبتلة لخلف اذنيها لتتضح الرؤية امامها ويظهر وجهها الصغير بين اشواك شعرها .

غامت حدقتيها العسليتين وهي تتمعن بشكلها الحزين والذي ينم عن الضعف القابع خلف هذا الوجه بدون دليل يثبت ذلك ، وكأن مرضها يتشبث بحياتها ويغرس مخالب قاسية تسربت للخارج وعبثت بشكلها ليستطيع كل من يراها اكتشاف ما تعانيه بلمحة خاطفة بدون اي مجال للشك فقط بالنظر لتلك العينين المتحولتين والملامح الشاحبة بذبول حزين ، وهي تستذكر بعض من التعليقات القديمة ما تزال مختزلة برأسها بفترة مراهقتها بين احاديث اقارب العائلة

(ابنتكِ غزل ما تزال تضعف حتى اصبحت اقرب للهزال ، عليكِ بتغذيتها جيدا قبل ان تختفي بالكامل ولن نعود نستطيع رؤيتها ، فهي بالمقارنة مع ابنتك الكبرى يبدو وكأنها قد اخذت صحتها وغذائها حتى تركتها هيكل عظمي !)

(تلك الطفلة المسكينة ولدت بقلب ضعيف لا يستطيع العيش بدون ادوية ولا مسكنات ، هل انتِ متأكدة بأنكِ لم تتعرضي لضربات او تشوهات بفترة حملكِ بها ؟)

(لقد سمعت مرة بأن ولادة الطفل الثاني قد يؤثر على المقاييس الحيوية والبدنية لديه بسبب سرقة الطفل الاول صحته وقوته ، لذا قد تكون ابنتك الأولى هي التي تملك القلب السليم الخاص بأبنتك الثانية وسرقته منها قبل ولادتها ، ولا تستغربي الامر فكل شيء وارد مع تطورات العلم والطب !)

(عليكِ بالاعتناء بابنتك الصغرى جيدا وبصحتها فهي بهذه الحال لن يقبل احد بالارتباط بها ، وخاصة مع مرضها العصيب الذي لا يوجد له علاج وصحتها التي تبدو بتراجع دائم ، من الذي سيقبل بامرأة تملك كل هذه العيوب الواضحة ؟!)

حركت رأسها بقوة وهي تنفض كل هذه الاحاديث السوداوية والتي اثبطت عزيمتها على مدار سنوات ، فهذا هو حال البشر لا يملكون شيء يتكلمون عنه سوى عيوب الآخرين ومشاكلهم وكأن الشماتة والنميمة تجري بعروقهم وبكل نفس يمتصونه من غيرهم حتى يجردوهم من الانسانية ويملؤونها بالعطوب !

امسكت بمجفف الشعر الكهربائي وهي ترفعه لتوجهه على شعرها القصير قبل ان تشغله على اقل درجة ، وبلحظات قصيرة كانت تنتهي من تجفيف شعرها من كل قطرة ماء وهي تتخلل به بأصابعها بنعومته المعتادة ، لتضع بعدها مجفف الشعر مكانه وهي تلتقط مشبك شعر فضي قبل ان تجمع به خصلات غرتها بالكامل .

ارتمت مستلقية على السرير وهي تلتقط هاتفها من على المنضدة الجانبية ، وما ان فتحت هاتفها حتى ظهرت الرسالة اليومية والتي تصبح وتمسي عليها منذ اسبوع كامل وكأنها جهاز رادار مبرمج على إرسال هاتين الرسالتين بمواعيد محددة تدل على دقة مواعيده ، لتتألق بعدها نفس الابتسامة المتوردة على محياها وهي تلمس بأصبعها على الرسالة لتظهر واضحة وكأنها اصبحت عادة ممتعة واهم جزء بيومها
(مساء الخير يا اميرتي ، تصبحين على خير)

عضت على طرف شفتيها بحياء غزى ملامحها وهي تتحول بالآونة الاخيرة لطفلة عاطفية مستعدة لأخذ كل ما يقدم لها من حفنات سعادة بكلام لطيف او موقف عاطفي يضفي لمسة ساحرة على حياتها ، لتحرك بعدها اصابعها برقة امام الشاشة بتفكير اخذ منها ثواني قبل ان تكتب رسالتها الروتينية بكل ما تحمله من سعادة حُقن بها قلبها
(مساء الورد يا اميري ، كيف حالك اليوم ؟)

عضت على طرف اصبعها ما ان اكتشفت بأنها قد زادت كلمات على ردها المعتاد بدون ان تشعر ، لتصل بعدها رسالته بثواني وكأنه كان ينتظر ردها بفارغ الصبر
(بخير يا اميرتي مثل كل يوم ، ولكن بعد رؤية رسالتك اصبحت افضل بكثير)

تنفست بابتسامة ناعمة بشرود قبل ان يشد نظرها الرسالة التالية
(كيف حالكِ يا غزل ؟)

عضت على طرف ابتسامتها وهي تجيب بعد تردد لحظات
(بخير ، شكرا لك)

اتسعت حدقتيها العسليتين بترقب وهي تنتظر رسالته بشغف وحماس لم تشعر بهما منذ زمن ، لتأتي بعدها بلحظتين الرسالة التي كانت تنتظرها وهي تزرع الامل بداخلها من جديد
(لقد افرحتني يا اميرتي ، اتمنى ان تكوني دائما بخير لتنيري عالمي بوجودكِ عما قريب بمنزل اميرك)

اتسعت ابتسامتها بسعادة ملئت وجهها باحمرار متورد وهي تفكر بأنها هي التي عليها قول هذا الكلام بعد ان افرحها برسائله واهتمامه المحمل بالمشاعر النقية ، لتكتب بعدها بدلا عن ذلك رسالة صريحة بحالمية
(شكرا لك على اهتمامك يا صاحب الوسامة والجاذبية ، انا مسرورة جدا بوجودك بحياتي ، فأنت قد اصبحت نقطة التحول الوحيدة والنعمة التي حصلت عليها وسلطت بحياتي)

حركت رأسها بالنفي وهي تمسح الرسالة كاملة قبل ارسالها لتكتب اخرى برسمية
(شكرا لك على اهتمامك يا هشام ، وليس هناك من داعي لتتعب نفسك كل يوم بكتابة رسالة بالصباح والمساء)

انتظرت دقائق قبل ان يصل الرد امامها
(لا تهتمي بهذا يا غزل ، فهي قد اصبحت من الاساسيات التي تشعرني اكثر بحقيقة وجودك ، وليس هناك مانع من الاستمرار بها حتى يحين الوقت المناسب التي اقولها لكِ بنفسي مباشرة بدون اي حواجز او مسافات تفصل بيننا ! فقط عندما يأتي الوقت يا عزيزتي)

زمت شفتيها بارتجاف عبث بأوردة قلبها وهي تميل بحدقتيها بعيدا بفرط مشاعرها الحالية ، لتكتب من فورها رسالة اخيرة باختصار تنهي كل هذه الثورة التي غزت عواطفها
(تصبح على خير يا هشام ، احلاماً سعيدة)

لحظات معدودة قبل ان يصلها الرد مثل عابر سلام
(وانتِ بألف خير يا اميرتي ، احرصي على تغطية نفسكِ جيدا قبل النوم لكي لا تصابي بالبرد ، فلن اتحمل ان يصاب جسدك او قلبك ببرد قاسي ، وإياكِ وان تكثري من السهر ، طابت ليلتك)

ابتسمت برقة وهي تتمعن بالنظر بكلمات الرسالة عدة مرات اصبحت مهووسة بها وهي تطبع بقلبها قبل عقلها ، لتزفر بعدها انفاسها بهدوء وهي تغلق الهاتف لتعيد وضعه فوق المنضدة بجانبها .

امسكت بعدها بجهاز التحكم الخاص بالتدفئة المركزية وهي تزيد من درجتها ، قبل ان تلقي بالجهاز جانبا وهي ترمي الغطاء على كامل جسدها ، لتستلقي بعدها على ظهرها ونظراتها تهيم بالعالم المملوء بالمشاعر الدافئة وخيوطه تتسلل بلطف لقلبها لتغلق تلك الفجوة والتي بقيت مفتوحة لسنوات منذ ولادتها بذلك المرض وجاء الوقت ليتم ترميمها .

______________________________
كانت تجهز الاطباق وهي تسكب الطعام فوقها بحركات سريعة مبرمجة على العمل بإتقان ، بدون ان تأبه بالواقف معها بالمطبخ وهو يراقبها بنظرات جامدة ويقضم تفاحة بيده ، ليقول بعدها بنفس النبرة الرافضة بازدراء واضح
"اجل ، هيا اعملي واطبخي من اجل استقبال زعيمك المبجل وكأننا خدم وعبيد عنده ، فقط بإشارة واحدة منه اصبحنا خواتم بأصابعه يدورنا بها كما يشاء"

تجاهلت كلامه مجددا مثل كل كلامه السابق وهو يثرثر بتلك النبرة منذ معرفته بقدوم رئيسها بالعمل لحضور العشاء بمنزلهم ، لتتنفس بعدها بضيق ما ان تابع كلامه المغتاظ وهو يقول بكل نفور العالم المحمل بالكراهية
"حسنا اعلم بأنكِ تعملين لديه وتخدمينه بشركته الوضيعة ، ولكن ما لداعي لخدمته ايضا بالمنزل وتحضير سفرة على شرفه ! لا وتريدين منا استقباله على المائدة بكل رحابة صدر وكأننا نستقبل شخصية مهمة بمنزلنا ! ألا ترين بأنكِ قد اصبحت تقحمينه بحياتنا الشخصية والخاصة اكثر من اللازم ؟"

ضربت قاعدة الطبق بالرخام تقاطع تشتيت افكارها وهي تقول بوجوم قاتم وكأنها لم تسمع اي كلمة مما قاله
"إذا استمريت بهذه الثرثرة طويلا وازعاجي بالعمل فاخرج من هنا ، وبدلا من كل هذا الكلام الفارغ الذي اوجعت رأسي به اذهب وساعدني قليلا بتحضير السفرة ، فقد تعبت من عمل كل شيء وانت لا تساعد برفع طبق !"

قضم من التفاحة بيده بقسوة وهو يقول ببرود ساخر
"وتتوقعين مني ان اساعد بكل هذه المهزلة ! انا اساسا لست موافقا على خطة استقباله بيننا وبمنزلنا بتاتا ، أليس لدي حق بالاعتراض ؟ ام انني لست فرد ناشط بهذا المنزل والذي تديرين كل شؤونه حتى اصبحنا نحن وارجل الطاولة سواء ؟!"

تنهدت بإرهاق وهي تلتفت بنصف وجهها للخلف قائلة بعبوس صارم
"هل عليّ ان اعيد كلامي مئات المرات حتى تفهم الامر ويدخل بعقلك الذي لا يريد ان يستوعب ؟ اخبرتك بأن الظروف قد اجبرتني على قبول دعوته لمنزلنا بمثابة رد المعروف ، فهو قد قدم من اجلي الكثير منذ لحظة توظيفي بشركته من خدمات ومساعدات لي ولعائلتي ، ولا استطيع الآن رفض تقديم هذه الخدمة له والتي طلبها مني بكل ادب بعد ان وعدته بتنفيذ طلباته مهما كانت صعبة ومستحيلة ، وليس لدينا حل سوى التحمل هذه الليلة فقط علها تمر بسلام بدون ان نشعر بها وننتهي من كل هذا"

عقد حاجبيه بتجهم وهو يلوح بذراعه جانبا قائلا بجفاء
"ولماذا عليكِ ان تكوني مدينة له حتى ترغمي على قبول طلباته ؟ وكيف يطلب مثل هذا الامر من موظفة تعمل بشركته بدون اي حياء او خجل ! هل يظننا من العائلات الفقيرة التي لا تملك سمعة او قيمة بين الناس لتقبل بمثل هذه التجاوزات بمجتمع تجرد من المبادئ والاخلاق ؟ وانتِ ايضا ملامة يا سيدرا بقبول هذه التجاوزات بحياتك متناسية عائلتك والتي عليها ان تكون همك الأول والوحيد وبكل شيء سيحول بها بسبب تصرفاتك ! وكما اخبرتك سابقا إذا لم تضعي حدا لكل هذا فلن نستطيع تفادي النتائج التي ستحدث مستقبلا......."

قاطعته فجأة باندفاع وهي تلوح بأصبعها امامه بعنف
"يكفي يا معتز ، لا اريد سماع كلمة اخرى عن هذا الموضوع ، لقد اغلق باب الحديث عنه ، ولا تنسى بأني المسؤولة الاولى عن هذا المنزل والكبيرة هنا وكل الاوامر ستمشي كما اقول واقرر ، وإذا كان لديك اي كلمة تود قولها عن هذا الموضوع فاكتمها رجاءً ، فأنا ادرى بمصلحة الجميع ومصلحة نفسي ولن يضام احد او يهان بسبب تصرفاتي او اي شيء اقرره من اجلكم ، هل سمعت هذا يا معتز ؟"

ساد الصمت بينهما للحظات قصيرة مثقلة بالكثير من المشاعر والهموم الغير محسوسة ، لتستدير بعدها بصمت وهي تعود لعملها بتجهيز الطعام وتوزيع المكونات على الاطباق بحركة آلية ، لتتجمد يديها لوهلة ما ان قال الساكن من خلفها بجدية هادئة
"حسنا يا سيدرا كما تشائين ، ولكن تذكري بأن كل شيء له مقابل ومهما كان الطرف الآخر سخي بالعطاء فسيكون هناك وقت للأخذ ودفع الثمن بقيمة ما تقدم لكِ ، وهذه طبيعة البشر بالعالم وطبيعة غالبية الرجال ، لذا حاولي ان تخففي من رصيدك وديونك عند هذا الرجل لكي لا يمتلئ بالكامل ، فليس كل البشر تملك نفس تفكيرك المنطقي وطريقة تربيتك ونشأتك !"

غامت ملامحها بسحابة مظلمة بدون اي تعبير وهي مستمرة بالعمل على الاطباق بسكون تام ، تجمدت الاجواء بالمكان ما ان صدح صوت جرس المنزل وهو يتردد بزوايا الشقة الصغيرة ، لتفيق بعدها على صوت شقيقها الصغير وهو يقول بنفور ساخر
"ها قد جاء مديرنا المبجل"

التفتت بسرعة ما ان سمعت صوت خطواته تغادر لتقول من فورها بحزم
"اسمع يا معتز ، إياك وان تخطئ بحق الرجل بأي طريقة كانت ، فهذا الرجل يكون مدير شقيقتك بالعمل واكبر منك سنا ومن المطلوب منك ان تظهر له كل الاحترام وحسن الضيافة ، وإذا لم تفعل ذلك من اجلي افعله من اجل والدتي ، رجاءً يا معتز لا تخذلني"

حرك رأسه بعيدا عنها بملل وهو يلقي بلحظة قشرة التفاحة بسلة النفايات التي اصابتها بنجاح ، ليقول بعدها بابتسامة جانبية ببهوت
"هذا هو مصير من يقدم الكثير بدون حدود"

حولت عينيها باتجاه سلة النفايات التي ألقى بها قشرة التفاحة بدون اي حياة ، لتزفر بعدها انفاسها باستغفار خافت وهي تعدل من وضع الوشاح الذي نزل عن رأسها ، لتهمس بلحظة بخفوت شديد بصبر
"فقط هذه الليلة ، تحملي هذه الليلة ، فقط بضع ساعات وينتهي"

خرجت من المطبخ وهي تحمل اطباق الطعام باتجاه غرفة المائدة ، وما ان دخلت حتى اتجه زوجين من العيون نحوها وهي ترسم على محياها ابتسامة رسمية لتتابع خطواتها امامهم بثبات ، قال بعدها صاحب الابتسامة الواسعة بترحاب سار
"مساء الخير يا سيدرا ، اتمنى ألا اكون ثقل عليكم بهذه الزيارة ، وسعيد جدا بمشاركتكم هذه الامسية واستضافتي عندكم ، هذا كرم بالغ منكم"

ردت عليه التي كانت توزع الاطباق على السفرة وهي تهمس بابتسامة فاترة لم تصل لعينيها
"مساء الورد يا سيد عمير ، ليس هناك اي تعب ويشرفنا استقبالك بوسط منزلنا المتواضع ، اتمنى ان تعجبك ضيافتنا ونكون عند حسن مقامك"

ابتسم بالتواء طفيف وهو يقول بامتنان شديد
"الشرف لي انا يا سيدرا ، وكل شيء تقدمونه لي سيسعدني بالطبع يكفي بأنكم بذلتم كل هذا المجهود من اجل استقبالي ، فأنا اسعد بوجودي بينكم مع عائلة قديرة ومحترمة مثلكم تتحلى بكل هذا الكرم ، شكرا لكم على منحي شرف الاستضافة عندكم"

تشنجت ابتسامتها وهي مستمرة بترتيب موائد الطاولة بدون ان تجاري كلامه اكثر ، ليتدخل الفرد الصامت وهو يتمتم بجمود بارد
"انا لم ابذل اي مجهود لأحصل على الثناء منك"

اتسعت حدقتيها بتوجس وهي تنظر له بسرعة قائلة بابتسامة ممتعضة
"لم يستطع معتز مساعدتي بسبب انشغاله بالدراسة للاختبار القادم ، وهو بطبيعته صريح جدا ولا يحب ان يحصل على الثناء بعمل لم يفعله"

نظر له (عمير) بهدوء وهو يقول بابتسامة جانبية ببساطة
"تعجبني صراحتك كثيرا ، اعتقد بأنك ستكون شاب يافع بالمستقبل ويعتمد عليه بإدارة شؤون العائلة ، املنا بك كبير جدا يا بطل"

حاد (معتز) بنظراته نحوه بجمود وهو يتمتم ببرود جليدي
"انا كذلك بالفعل بالحاضر والمستقبل ، ولن يتغير شيء بذلك"

شحبت ملامحها بارتجاف وهي تحاول ان تهمس بخفوت واجم
"معتز....."

قاطعها الذي نهض فجأة عن المائدة وهو يقول بهدوء قاتم
"بما انكِ انتهيت من تحضير المائدة ، سأذهب لأحضر والدتي لتجلس معنا على المائدة فقد تأخر موعد دوائها المحدد بسبب تأخر موعد العشاء ، دقائق واعود"

تنفست بيأس وهي تحول نظراتها للجالس امامها قبل ان تقول بابتسامة محرجة
"اعتذر عن تصرفات شقيقي ، فهو يكون صارما ببعض الاحيان ، فأنت تعلم جيدا وضع والدتي الحساس"

اومأ برأسه بهدوء وهو يقول بتفهم
"اتفهم وضعكم تماما ، واعتذر إذا كنت قد سببت لكم اي نوع من الازعاج بشكل او بآخر ، يبدو بأنني قد اثقلت عليكم اكثر من مقدرتكم....."

قاطعته بهدوء وهي تبتسم بعملية
"لا تقل هذا الكلام يا سيد عمير ، وشرف كبير لنا استقبال شخص مثلك بمنزلنا ، لذا خذ كامل حريتك واعتبر نفسك بمنزلك وبين عائلتك"

اتسعت ابتسامته بهدوء وهو يقول ببساطة
"سأفعل ذلك بالطبع"

ابتلعت ريقها بارتباك وهي تنحرف بنظراتها باتجاه الذي عاد وهو يجر الكرسي المتحرك الخاص بوالدته ، ليعدل بعدها مسار الكرسي عند رأس المائدة وهو ينظر لهما بهدوء جاف ، ليبادر بلحظة الذي نهض عن الكرسي وهو يضم يده امام صدره قائلا باحترام شديد
"مساء الخير يا سيدتي الفاضلة والدة المرأة الرائعة ، وشكرا لكِ على انجاب مثل هذه الثمرة السحرية ، اتمنى ان تكوني بصحة جيدة وبكامل عافيتك"

نظرت له المرأة الكبيرة للحظات قبل ان تومأ برأسها وهي تقول بإجهاد شديد
"اهلا وسهلا بك ، وشكرا لك على اعتنائك بابنتي"

اخفض كفه وهو يقول بابتسامة جانبية ونظراته تنحرف باتجاه الابنة المقصودة
"لا تقلقي يا سيدتي ، ابنتكِ بين عينيّ وداخل قلبي ولن يصيبها مكروه وهي تحت رعايتي ، لذا اطمئني وارتاحي"

ارتبكت ملامح (سيدرا) وهي توجه له نظرات حائرة بجمود لتقابل نظرات هادئة غير واضحة المعاني او النوايا ، ليخرجها من تشتت الافكار صوت شقيقها وهو يتخذ الكرسي بجانب والدته
"هيا يا سيدرا اجلسي ، ألا تريدين البدء بتناول الطعام اليوم ؟ فنحن نتضور جوعا من الانتظار الطويل ، ولن ننتظر لليوم التالي حتى تقرري متى نبدأ بالطعام ! وخاصة امام ضيفنا المحترم والذي جاء فقط من اجل تناول العشاء وليس من اجل ان يثرثر مع موظفته ويثني عليها بكل دقيقة !"

نظرت له بغضب وهي تهمس بضيق خافت
"حسنا يا معتز ، اهم شيء ألا تموت من الجوع"

نقلت نظراتها للضيف وهي ترسم ابتسامة لطيفة على محياها لتفرد بعدها ذراعيها على جانبيها قائلة بترحيب
"هيا تفضل بتناول العشاء يا سيد عمير ، فهذا كله على شرفك انت ، واتمنى ان تكون هذه السفرة على قدر قيمتك وتوقعاتك ، بالهناء والشفاء"

مالت ابتسامته ببرود وهو يمسك بالملعقة امامه قائلا برضا
"شكرا لكِ على كرم ضيافتك يا سيدتي الطاهية ، متحمس لرؤية ابداعك بالطبخ كما تبدعين بكل شيء بحياتك"

ابتسمت بصعوبة وهي تجلس على الكرسي بهدوء بدون ان تغفل عن نظرات شقيقها والتي كانت توجه اتهامات مبطنة خلف شعلة متقدة وعتاب غالب ، لتشرد بعدها بقبضتيها المضمومتين تحت الطاولة وكل ما تسعى له هو الانتهاء من هذه الليلة على خير والانعزال بغرفتها بعيدا عن كل هذه الاعباء والمسؤوليات والتي ازهقت روحها على مدار ساعات اليوم .

يتبع........


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس