عرض مشاركة واحدة
قديم 06-03-22, 01:41 AM   #398

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

خرجت من باب البناية خلف الذي كان يسير امامها ، لتقف بعدها على بعد خطوات منه وهي تلوح بيدها بحركة غير ظاهرة هامسة بابتسامة عملية
"حسنا وداعا يا سيد عمير ، طابت ليلتك"

اومأ برأسه بابتسامة هادئة وهو يمد كفه امامها قائلا بمودة
"شكرا لكِ على هذه الامسية الرائعة ، لقد اعادتني لأجواء عائلية افتقدتها كثيرا بحياتي ، انا اغبط عائلتك حقا على وجودك بينهم والذي لا يستطيعون الاستغناء عنه فأنتِ هي مركز هذه الدائرة وقوتها"

اعتلت ملامحها ابتسامة باردة وهي تشيح بوجهها جانبا قائلة بصوت فاتر
"هذا واجبي يا سيد عمير ، فكل ما فعلته كان من اجل رد معروفك لا اكثر ، وسعيدة حقا لأنها قد حظيت على رضاك الكامل"

اخفض كفه بعيدا وهو يقول بملامح حجرية تقمصها بلحظة
"اعتقد بأن شقيقك لم يكن راضي عني ويحمل بقلبه الكثير نحوي ، هل ضايقته زيارتي لهذه الدرجة ؟ ام اني اخطئت بحقه بطريقة ما بدون ان اقصد ؟"

نظرت له بسرعة وهي تهمس بخفوت مضطرب
"لا غير صحيح يا سيد عمير ، ولكنه يأخذ على عاتقه دور رجل المنزل والاهتمام بعائلته بالمقام الأول ، ويرى بأن زيارة رجل غريب للمنزل قد تضر بسمعتنا او مبادئنا التي تربينا عليها ، وايضا هو لا يعرف كيف يكبح مشاعره الداخلية ودائما ما يظهرها بدون ان يأبه بالآخرين ! لذا اعتذر نيابة عنه إذا كان قد سبب لك الإزعاج او الضيق ، فهو يبقى مراهق جانح ولا يعرف كيف يضبط مشاعره"

ارتفعت ابتسامته بهدوء وهو يقول ببساطة
"لا بأس بذلك يا سيدرا ، فهو ليس ملام بشيء واقدر المرحلة التي يمر بها بهذا العمر الحساس والذي اجبر على تحمل مسؤولية اكبر من كاهله ، ولكني متأكد بأنه عندما يكبر قليلا سيحقق طموحاته وامنياته ويكون نعم الرجل والسند ، فهو بالنهاية شقيق المرأة المثالية ولا اتوقع غير هذا منه"

زمت شفتيها بتشنج وهي تشتت نظراتها بعيدا عنه لتقول بعدها بابتسامة رسمية
"حسنا يا سيد عمير ، لقد حان الوقت الآن لأعود للمنزل قبل ان تقلق عليّ عائلتي ، وشكرا لك على تفهمك ، ليلة سعيدة"

اوقفها بسرعة ما ان همت بالرحيل وهو يقول بنبرة متصلبة
"انتظري يا سيدرا ، هلا انصتِ لي للحظة قبل ان تغادري ؟"

التفتت نحوه بهدوء شديد وهي تنظر من حولها بارتباك قبل ان تهمس بخفوت جاد
"لا اعتقد بأن الوقت مناسب للحديث الآن وبهذا الشكل والذي سيجلب لنا الشبهة ، لذا من الافضل ان نؤجل اي حديث مهم للغد وانا سأتوجه لك بصباح العمل فور وصولي للشركة"

اومأ برأسه باتزان وهو يقول بابتسامة جانبية
"إذاً اراكِ غدا يا سيدرا ، ولا تنسي سأكون بانتظارك بمكتبي للتكلم معا"

اومأت برأسها بقوة وهي تقول بابتسامة واثقة
"اجل غدا بإذن الله ، طابت ليلتك"

تراجع بخطواته بدون ان يتوقف عن النظر لها وهو يقول بتأكيد
"سأراكِ غدا ، إياكِ وان تنسي"

ردت عليه بنفس التأكيد بخفوت مشتد
"اجل غدا"

استدار بنصف جسده وهو يقول بابتسامة هادئة
"تصبحين على خير يا سيدرا ، طابت ليلتك"

لوحت بكفها بهدوء بدون ان تضيف كلام آخر وهي تراه يغادر باتجاه سيارته ، وما ان استدارت بعيدا حتى تسمرت بمكانها لوهلة وهي تقابل الواقف بالقرب من بوابة البناية ينظر لها بتلك العيون الصقرية التي لا تحمل الرأفة بين طياتها ، لتتنفس بعدها بإجهاد وهي تجر الخطى بعيدا عنه بدون ان تأبه لوجوده والذي يقبع بزاوية مظلمة من قلبها وليس بواقعها .

ما ان كانت على وشك الدخول حتى قاطع افكارها صوته البارد وهو يقول بنبرة قاسية
"مساء الخير ، يبدو بأنكِ قد انشغلتِ هذه الليلة باستقبال ضيوف مهمين بمنزلك ، كيف كانت الامسية العائلية مع فرد جديد بها ؟"

عضت على طرف شفتيها بضيق وهي تهمس بوجوم خافت
"لا تدفعني للدخول معك بجدال يا اوس ، فأنا لست متفرغة لك الآن ، لذا ارحل من هنا ولا تزعجني اكثر"

امسك بذراعها يوقف حركتها وهو ينتصب امامها بثواني لتهمس من فورها باستنكار
"ما لذي تفعله يا اوس ؟ اتركني قبل ان......"

قاطعها وهو يمسك بكلتا ذراعيها قائلا بدون مقدمات
"ما هي مناسبة هذه الزيارة يا سيدرا ؟"

ارتفع حاجبيها بدهشة وهي تهمس من بين اسنانها بجموح
"هذا ليس من شأنك يا اوس ، وابتعد عن طريقي قبل ان تفضحنا امام البناية بأكملها ، وصدقني إذا لم تتوقف عن هذه الحركات فأعدك ان لا اتردد عن تقديم شكوى عنك بالسجن والذي يليق بحقيقتك !"

تصلبت يديه على ذراعيها وهو يخفف من الضغط عليهما بلحظات ، ليقول بعدها بأنفاس نارية بانفعال مكبوت
"اخبريني فقط بأنها زيارة عمل ! اخبريني انها ليس كما افكر واظن ! اخبريني يا سيدرا وأريحيني من عناء التفكير ، لا تحاولي الانتقام مني بهذه الطريقة فأنا امسك نفسي عن قتله بشق الانفس ، لا تشعلي تلك النيران بداخلي فلن يحترق بها احد سوانا ، ارجوكِ لا تفعلي هذا بنا ، لا تدمرينا بهذه الطريقة......."

قطعت سيل الكلام بصرخة وهي تنفض ذراعيها بعيدا عنه بعنف
"كفى يا اوس ، كفى ، لما لا تفهم ما اقول ؟ لما لا تستطيع ان تدرك مدى الألم الذي تسببه لي بكل مرة اتقابل فيها معك ؟ لما لا تفهم بأنك قد انتقمت مني اشد انتقام بأفعالك معي ؟ لما لا ترى النيران التي اشعلتها بخلدي وما تزال تثور بكل مرة تراك فيها ؟ انا قد تدمرت بالفعل وليس بسبب تصرفاتك بل بسبب القلب الاحمق الذي وثق بك واحبك ! وبعد كل هذا تقول لي بكل جرأة عن الذي فعلته بك ! عليك ان ترى نفسك ماذا فعلت بي قبل ان تحاسبني على افعالي ! قد تفهم عندها الفوارق الشاسعة التي تفصل بيننا"

ضيق عينيه بجمود حجري حتى بانت الندبة بين حاجبيه بوضوح وهو ينظر لها تحاول تجاوزه بعيدا ، ليقول بعدها من خلفها بصوت مستجدي
"سيدرا......"

قاطعه الصوت الباهت بدون اي حياة
"لقد كانت مجرد خدمة مقابل معروفه معي"

لانت ملامحه قليلا وهو يقول بجمود قاتم
"لا تحاولي فعلها يا سيدرا ، لا تحاولي خيانتي بهذه الطريقة ، لا تحاولي قتل هذا الحب الذي نمى بداخل حقل ملغم بزرعك ، لا تخذلي قلبا بسبيل الانتقام من جروحك ، لا تفتحي جروحا كنتِ السبب بضمادها وتطهيرها ، كوني فقط كما انتِ ولا تغيري نفسكِ من اجل ارضاء احد ، ولا حتى من اجل الرجل الذي خذلك وكسر قلبك !"

انتصبت بمكانها لدقائق معدودة وهي تشدد على يديها بقهر قبل ان تهمس بخفوت اجوف
"لن افعل لأني لا اشبهك"

انحفرت ابتسامة هائمة وهي تطوف على تقاطيع ملامحه القاسية والندبة بين حاجبيه تنفتح وتشد مع بشرته ، ليهمس بعدها بخفوت خشن
"شكرا لكِ يا سيدرا......"

توقف عن الكلام ما ان سمع صوت الخطوات التي جرت بسرعة لداخل البناية بلمح البصر ، ليتنهد بعدها براحة وهو يدس كفيه بجيبي بنطاله وظهره مستند على الجدار من خلفه وحالة من السكينة تجتاح كيانه لم يشعر بها منذ مدة طويلة قشعت الغمامة عن روحه وجاء موعد الغيث اخيرا .

_______________________________
دخل للمنزل وهو يسير بخطوات واسعة يكاد يجري بالرواق الشبه فارغ ، وما ان قطع السلالم بثواني وهو يصعد كل درجتين معا حتى كان يقف بمنتصف الطريق على الصوت المنادي من بعيد
"شادي انتظر"

استدار للخلف بحيرة وهو ينظر للتي وصلت له بلحظات لتهمس بعدها بابتسامة متزنة
"مساء الخير يا شادي ، الحمد الله بأني استطعت رؤيتك وامساكك قبل وصولك لجناحك !"

ارتبكت ملامحه وهو يقف امامها قائلا بابتسامة مرتابة
"خير يا زوجة شقيقي ! هل هناك مشكلة ؟"

انحرفت ابتسامتها بوجوم وهي تقول بخفوت جاد
"هل كنت برفقة ماسة اليوم ؟"

تشنجت ملامحه بخطوط دقيقة جاشت بدواخله وهو يقول بتصلب
"لماذا هذا السؤال يا روميساء ؟ هل حدث هناك خطب ؟"

تنهدت بحزن غيم على ملامحها وهي تقول بأسى خافت
"لا اعرف ماذا حدث معها ؟ ولكنها منذ عودتها من الخارج وهي تحبس نفسها بداخل غرفتها ! ولم تسمح لي بالدخول لها او الحديث معها ! حتى انها قد امتنعت عن تناول طعام الغداء والعشاء ! وانا قلقة جدا من تدهور حالتها ! فهي لا تصل لهذه الحالة ألا عندما تدخل ببؤرة الحزن والعزلة التي لا يستطيع احد اقتحامها او فهمها ، وهذه عادتها منذ الطفولة والتي لم تغيرها للآن"

عقد حاجبيه بغمامة شاردة وهو يهمهم بدون صوت واضح
"هكذا إذاً !"

ارتفع حاجبيها بتوجس وهي تهمس بعبوس
"ماذا تعني ؟"

نظر لها بهدوء بدون اي تعبير وهو يقول بابتسامة جادة
"وما لذي كان يؤدي لدخولها لتلك البؤرة ؟ ماذا كانت تواجه بحياتها قبل ان تصل لتلك الحالة !"

ادارت مقلتيها الخضراوين بتفكير وهي تهمس بخفوت حزين
"لست متأكدة تماما ، ولكن ما اتذكره بأنها لم تكن تصل لتلك الحالة ألا عندما تتعرض لإهانة موجعة لم تستطع احتواءها او التصدي لها ، وهذا ما كان يفعله زوج والدتنا سابقا بسبب التشاحن الكبير بينهما ، فهي تسمح بكل شيء ألا خدش شرفها وكبريائها والذين يكونان عندها من الخطوط الحمراء ، ولا اعلم ما هو الموقف الذي تعرضت له مؤخرا حتى يدخلها بهذه البؤرة ؟"

اومأ برأسه بجمود لوهلة قبل ان يحاول تجاوزها بسرعة قائلا ببرود
"حسنا يا روميساء ، سأحاول التكلم معها وفهم مشكلتها ، لذا لا تقلقي من شيء وارتاحي ، فأنا موجود وكل شيء سيكون بخير"

استدارت مع مسار خطواته وهي تقول بسرعة بعبوس جاد
"ولكنك لم تجبني إذا كنت برفقتها او رأيتها اليوم !"

تجاهل كلامها وهو يلوح بذراعه قائلا بإيجاز
"طابت ليلتك يا زوجة شقيقي"

وصل بلحظات امام الجناح الخاص بهما وهو يلوج للداخل بخطوات بدأت بالتسارع تدريجيا بشعور الخطر الذي توسع بدواخله وغاص بقلبه ، وما ان وقف امام باب الغرفة وهو يأخذ عدة انفاس حتى امسك بمقبض الباب بحذر ، ليكتشف بلحظة بأنه موصد بالمفتاح كعادتها عندما تيبس رأسها وتغلق الابواب من حولها ، ليضرب بقبضته الاخرى على سطح الباب وهو يشتم بغضب استبد به وسيطر على ذرات عقله والتي تجيد التلاعب بها بمهارة .

بلحظات كان يحضر المفتاح الاضافي للغرفة وهو يدخله بشق المقبض ، ليسمع بعدها صوت انفتاح الباب وهو يدفعه بحذر شديد ، وما ان فعل ذلك حتى قابله الظلام الحالك المغيم بالغرفة بدون اي بصيص نور يصل لها .

تلبدت ملامحه بجمود وهو يقتحم المكان بخطواته التي شقت طريقها لسريرها التي يقبع به النائمة بسلام ، ليقف بعدها عند جهتها وهو يحاول تبين هيئتها الظاهرة من ظلام المكان ، ليعزم بعدها امره وهو يقول بصوت صلب نافذ
"ماسة ! هل يمكنكِ سماعي ؟"

تغضن جبينه بجمود عندما لم يسمع اي صوت منها ماعدا اصوات الضربات التي تحتل صدره مثل صواريخ الحروب...ليميل بعدها على جذعه وهو يقترب من مسار وجهها ليستشعر انفاسها الدافئة وهي تلفح وجهه بوهج ملتهب....لتلين ملامحه بلحظة خاطفة وهو يقضم على طرف شفتيه بعد ان شعر بتلك الاثارة النارية التي لا تشعلها سواها بجذوة روحه التي لم تخمد على مدار الايام الماضية...وبلحظة هوس كان يمرر انفه على نعومة بشرتها الجليدية التي تلسع بنيران استعرت بداخله بطوفان جذبه لعالمها الخاص والذي اصبح يعايشه مؤخرا وانسلب منه....رائحتها الخاصة وبشرتها الثلجية ونفسها الساخن واذنيها المتوهجتين وشفتيها الصريحتين بكذبهما وجفنيها القاسيين يحجبان المد والجزر تحتهما....وكل شيء سلب كيانه وزاد ضخ الدماء بأوردة قلبه المنتفخ بموجة عاطفتها التي اصبحت مثل الفيضانات بأراضي قاحلة جف عنها الماء لسنوات .

استجمع افكاره وفتات كيانه وهو يقوي قلبه بقطعة جليد قاسية ، ليعود بعدها ليستقيم بالوقوف وهو يسلط نظرات جامدة على جسدها المرتخي بنعومة فوق غمامة سريرها ، ليستغفر بعدها عدة مرات وهو ينظر بعيدا عنها قبل ان يهمس بخفوت مشتد
"لا بأس يا ماسة ، نامي بهناء ، فهذا ما اتمناه ايضا ، النوم بسلام"

اخذ دقيقتين قبل ان يدور حول السرير الواسع بخطوات هادئة ليصل بعدها عند الجهة الاخرى من السرير ، وبلحظة كان يريح جسده على ملاءته وهو يستقر على الجانب الآخر وذراعيه فوق رأسه برخاء تام .

مرت لحظات بصمت كاتم استنزفت من روحه الكثير قبل ان يقطعها بصوت خافت بدون ان يعلو اكثر من اللازم
"هل انتِ نائمة يا ماسة ؟ إذا لم تكوني نائمة كلميني ! طمئنيني بكلمة تؤكد وجودكِ معي ، انعشي هذا القلب الذي قتلته مئات المرات ، واريحي هذه الروح التي فقدت طعم الراحة ، واجلبي النوم الذي فارقني لأيام ، فقط تكلمي !"

التفت على جانبه بصمت وهو يراقب سكونها والذي لا ينذر بشيء سوى بهدوئها العاصف والذي يجلب الألم حتى بصمتها ، ليتنفس بعدها بتهدج وهو يمد يده ليمسك بكتفها المنحني بلحظة قبل ان يتبعها بالهمس بخفوت مرير
"لا تفعلي هذا بنفسكِ يا ماسة ! اعلم بأني قد اكون تسرعت بالتصرف والحكم عليكِ ، ولكنه ليس سبب من اجلي ان تمتنعي عن الطعام وتعتكفي بغرفتك ! انتِ هكذا لا تؤذين احد سوى نفسكِ وصحتك ، إذا كنتِ غاضبة مني او ناقمة عليّ فيمكنكِ افراغها بي وليس بالانعزال عن العالم وجعل الجميع يقلق عليكِ ، هذا إذا كنتِ تهتمين بنفسكِ ولو بمثقال ذرة والتي لها ايضا حق بالحياة ؟"

تصلبت ملامحه وهو ينزل بكفه عن كتفها ليمسك بذراعها وهو يجزم بشعوره برجفة سرت على طول جسدها ، ليهمس بعدها بابتسامة جانبية بارتخاء
"اعلم بأنكِ تنصتين لي ولا تريدين الردّ على كلامي ، ولا اعلم إذا كان عقاب منكِ ام غضب عليّ ! فما اعلمه جيدا بأنكِ تحاولين تعذيبي بطريقتك والتي دائما ما تصيب المرمى بنجاح ، فهذه الطرائق التي تستخدمينها تستطيع ان تخرج الشياطين من رأسي وتغضبني كما لم يحدث من قبل ، سأتغاضى عن تصرفاتك الاخيرة واسامحكِ عنها ، فهل هذا سيعيدك لرشدك للخروج من حزنك ام ستستمرين بلعبة الانتقام مني ؟"

سكنت الاجواء بينهما للحظات قبل ان يخرج الهمس الخافت بتحشرج
"انا لست اعاقبك ولا احاول الانتقام منك"

ارتفع حاجبيه بتسمر وهو يشدد من القبض على جانب ذراعها قائلا بحدة بالغة
"إذاً ماذا تريدين مني ان افعل حتى توقفي لعبة الصمت المزعجة ؟ ماذا افعل لكي تعودي لرشدك وتخرجي من انعزالك ؟ ماذا افعل لكي تعود ألماستي للشعور بالرضا والغرور والانانية !"

ساد صمت اطول لتهمس بعدها ببرود قاسي
"هذا افضل بكثير ، فأنا بهذه الطريقة لن استطيع ايذائك مجددا او جرحك مجددا او خسارة ثقتك بي ، فهذا العالم الذي يليق بصاحبة القلب الاسود ذات الصفات والطباع السيئة والتي ضقت ذرعا منها ، أليس كذلك يا شادي ؟"

احتدت ملامحه بقتامة وهو يدير جسدها بالقوة الجبرية للجهة المقابلة له ، وما ان تلاقت النظرات بينهما بظلام تلبس عالمهما حتى نطق بهمس متشنج بخفوت
"لا تعيدي هذا الكلام مجددا يا ماسة ، فأنا عندما اغضب انسى نصف الكلام الذي اقوله ، ولم اقصد منه ان اجرحك هكذا او ان اكون سبب حزنك ، ولكنكِ تعلمين بأنكِ من استفزني بالبداية ودفعني للوصول لهذه الحالة ! لذا ارجوكِ توقفي عن التفكير بالأمر وعودي لرشدك وطبيعتك !"

حركت رأسها جانبا وهي تهمس بابتسامة باردة بفتور
"ليس عليك ان تبرر يا شادي ، فهذا ليس رأيك وحدك بل رأي جميع المقربين مني وكل من يعرفني ، لذا ليس جديد عليّ سماع هذا الكلام ، وخاصة بأني قد سمعت الكثير من الاشياء التي لا تسر على لسان عمي قيس ، فهو يبدع كثيرا بإهانتي والتقليل من شأني بكل الوسائل الممكنة ، وكأنه يستمتع عندما يراني مذلولة امامه مكسورة الجناحين والكبرياء"

امسك بجانب وجهها وهو يديره نحوه ليحدق بعينيها بظلام الليل بقوة تشاحنت بالكثير ليقول بعدها بهدوء واثق
"انا لست اي احد ، انا زوجك يا ماسة ، وعليكِ ان تعلمي بأن رأيي وكلامي مهم جدا بالنسبة لكِ ، كما اشرتِ وقلتِ بأني زوجك وملزم بالثقة بكِ فهذه جزء من حقوقي وواجباتي عليكِ ، لذا رجاءً توقفي عن تعذيب كلينا بهذه الحرب الباردة وارفعي راية السلام ، فأنا لم ارجو بحياتي احد بقدر ما رجوتك انتِ وكله بسبيل الحصول على رضاكِ ! أليس هذا كافيا ؟"

عبست ملامحها وهي تهمس من فورها بجمود
"وإذا اخبرتك بأني لست راضية بعد !"

قطب جبينه وهو يشدد بأصابعه على جانب وجهها قائلا بانفعال مكبوت
"هل تقصدين ما حدث بالسيارة ؟ الحقيقة لم انتبه للسرعة التي كنت اقود بها السيارة ، فقد قادني الجنون لارتكاب اكبر غلطة كانت تودي بحياتنا ، والحمد الله مرت على خير ولم يصب اي احد منا بأي اصابات ، احيانا لا اعرف كيف افرغ غضبي والذي يخرج عن حدود سيطرتي ويدفعني لأسوء تهور !"

نظرت له بسكون برقت الدموع بزوايا عينيها وهي تهمس بحزن عميق
"لقد خفت كثيرا ، كنت خائفة بشدة"

انتفض كيانه وهو يقترب منها بسرعة حتى اصبح على بعد سنتمترات منها وهو يحاوط وجهها بين يديه ، ليقول بعدها بحرارة اشتعلت بفؤاده وهو يلامس بشفتيه جبهتها
"اعتذر يا صغيرتي على اخافتك هكذا ، اعتذر على دب الرعب بقلبك الرقيق الذي اصبح ملكي ، اعتذر لأني قد فرطت بأمانتك وبحمايتك من نفسي ، سامحيني على هفوتي هذه واعدك ان اعتني بكِ بشكل افضل بالمرة القادمة ، فأنتِ من سرقتي قلب شادي كيف يمكنه ان يؤذيكِ !"

ابتلعت ريقها بألم تخلل تفاصيل ملامحها وهي تمسك بكفيه على وجهها هامسة بأنين مرتجف
"لقد كان هذا الرهاب ينتابني دائما بطفولتي عندما يقترب الخطر مني واصبح على حافة الموت اشعر بالخوف واحاول الهروب بأي طريقة ، لقد خفت من الموت الوشيك ومن خسارة حياة كلينا بحادث قد يقتلك انت او يقتلني انا او يقتلنا سويا ، لذا ارجوك لا تستخف او تتهاون بعداد عمرك هكذا او بقيمة حياتك ، فأنا لن اتحمل المزيد من الخسائر والضحايا بسببي ، لن اتحمل ابدا ، لن اتحمل المزيد منهم"

رفع اصبعه الإبهام وهو يمسح اطراف عينيها من الدموع التي تترقرق منهما بدون ان تسيل ، ليقبل بعدها خدها برقة وهو يهمس بوعد صادق
"اعدكِ بذلك يا ماسة ، لذا ابتسمي يا حلوتي ، فهذه المواقف لن تعاد بيننا مجددا ، ولكن بالمقابل عليكِ ان تعديني بأنكِ لن تتدخلي بعد الآن بمشاكل شقيقتي وبحياتها الخاصة ، وستبقين خارج كل هذه الامور بدون ان تضعي اصبعا عليها ، مفهوم !"

احنت حدقتيها للأسفل وهي تهمس بخفوت مستاء
"لن افعل شيء ، فقد اكلت نصيبي من الامر ، ولست من الغباء لأفكر بالتضحية بحياتي مرتين"

اتسعت ابتسامته براحة وهو يختطف شفتيها بقبلة رقيقة قائلا برضا
"احسنتِ يا عزيزتي هكذا اريدكِ"

ابعدت يديه عن وجهها وهي تديره بعيدا عن مرمى قبلاته لتهمس له بعبوس جاد
"ولكني مع ذلك لست راضية ، ولن ارضى عنك حتى تحل كل مشاكلك المتعلقة بشقيقتك وتريحنا من هذه القضية"

اتسعت حدقتيه بصدمة وهو يقول باستهجان
"ماذا ؟......"

قاطعته التي انتفضت بلحظة وهي تتملص من قيوده لتنتصب جالسة على طرف السرير ، قبل ان تشعل الضوء بجانبها وهو ينتشر بالمكان بنور ساطع ، لتنهض بعدها برشاقة وهي تقطع مسافة عدة خطوات قبل ان تقف بهدوء وهي تكتف ذراعيها بقوة .

استقام جالسا بلحظة وهو ينظر لها توليه ظهره ليقول بعدها باستنكار عابس
"ماذا تقصدين بهذا الكلام ؟"

شددت من تكتيف ذراعيها وهي تقول ببرود بدون رحمة
"هذا كل ما لدي اخبرك به ، وانت لديك الخيار اما ان تنسى موضوع عودتنا لبعضنا كالسابق ، واما ان تحل كل مشاكلك التي تربطك بشقيقتك من والدتك ، وحتى ذلك الوقت لن استطيع ان ارضى عنك ولن تخطو قدميك هذا الجناح وكما هددتك من قبل بعدم العودة له ، وهذا حتى تنفذ لي طلبي"

شدد على اسنانه وهو يمسد على جبينه بأصابعه بإنهاك سيطر عليه فجأة هامسا بضيق
"سحقا لكِ من داهية !"

زمت شفتيها بهدوء وهي تنظر له بأطراف حدقتيها بشفقة تمكنت منها ، لتستدير بعدها نحوه وهي تفرك قبضتيها معا هامسة بخفوت ماكر
"ولكن لا امانع ان تستخدم طرق اخرى بالحصول على رضاي ، وانا موافقة على التوصل لمساعدات اخرى والخروج عن المألوف لكي ترضيني وتفرحني ، فكل شيء تفعله من اجلي يسعدني كثيرا ويبهجني"

مالت ابتسامته بتحفز وهو يقفز عن السرير ببساطة ليتجه نحوها مباشرة بدون مقدمات ، وبلحظة كان يطحنها بين احضانه بعناق كاسر كبح تمردها وربط بين ضربات قلبيهما وكأنهما يسكنان بنفس الجسد ، ليقول فوق رأسها بهدوء اجش واعد
"وانا مستعد لبذل كل ما بوسعي بالحصول على رضا ألماستي بشتى الطرق ، لذا انتظري المفاجآت التي يخبئها لكِ زوجك والتي لن تتسع بملء قلبك الصغير والذي سيفيض من الصدمات !"

امسكت بظهر قميصه بتشبث وهي تهمس بابتسامة صغيرة بحياء
"وانا على اتم الاستعداد لتقبل هذه الصدمات"

اتسعت ابتسامته لوهلة قبل ان تعبس بصدمة وهو يلاحظ لأول مرة السترة التي ترتديها والتي ليست من ضمن ستراتها السوداء وهي لا تحمل سمات الانوثة بها ، ليبعدها بسرعة عنه وهو يتمعن بالنظر لها قائلا بخفوت مرتاب
"ما هذه السترة التي ترتدينها يا ماسة ؟ أليست هذه تشبه سترتي !"

ارتعشت ملامحها وهي تتراجع بخطواتها بسرعة بعيدا عن يديه ، لتكتف ذراعيها امام صدرها وهي تهمس ببأس
"غير صحيح ، هذه السترة لي"

تقدم نحوها بخطوتين وهو يمسك بطرف السترة عند كتفها مثل المتهم قائلا ببرود ساخر
"هل تسخرين مني يا ماسة ؟ انا متأكد بأن هذه السترة ملكي انا ، واساسا كيف حصلت عليها يا سارقة ؟"

ضمت شفتيها بتشنج وهي تهمس بتبرير حانق
"عندما كنا عائدين من مكان عملك بسيارتك وتناولنا طعام الغداء بداخلها"

ارتفع حاجبيه بتذكر قبل ان يهزها من كتف السترة وهو يقول بانفعال منصدم
"ولماذا لم تعيديها لي من وقتها ؟ لماذا احتفظتِ بها يا سارقة ؟ لقد ظننت بأنني قد فقدتها عندما لم اجدها بين ملابسي ! يا سارقة الملابس !"

نزعت كتف السترة عن اصابعه وهي تتراجع مجددا وذراعيها تعانقان السترة قائلة بعزم
"لن اعيدها لك ، ولن اتخلى عنها ، فقد اصبحت من ممتلكاتي بعد ان سلمتها لي ، ولا بأس إذا نقصت سترة من مجموعتك فأنت تملك الكثير غيرها !"

عقد حاجبيها بجمود وهو يلوح بيده امامها قائلا بأمر جاف
"هيا اخلعي السترة واعطيها لصاحبها ، فهذه ليست لكِ ولم تكون ، حتى بملابسي انانية وجشعة !"

حركت رأسها بممانعة وهي تهمس بعبوس متذمر
"ارجوك اتركها معي ، واعدك ان احافظ عليها جيدا ، فقط ثق بي لمرة واحدة"

زفر انفاسه بيأس وهو يرفع يده ليحك مؤخرة شعره لبرهة من التفكير ، ليفك بعدها اسر ابتسامته الهادئة وهو يقطع المسافة بينهما بثواني ، وما ان اصبح عند محاذاتها تماما حتى انحنى بجانب اذنها وهو يقبلها بقوة اشعلتها باحتقان العاطفة ، قبل ان يهمس عندها بشغف رقيق حطم مقاليد مشاعرها والتي تحررت من جديد
"انا اثق بكِ دائما ، يا سارقة ملابسي"

رفعت عينين واسعتين بامتعاض حانق وهي تراه يضحك بانشراح مستمتع بعد ان اكمل طريقه لخارج الغرفة ، وما ان اختفى عن نظرها حتى احتضنت ذراعيها بقوة وهي تمسح بأصابعها الطويلة على قماش السترة الدافئة ، وداخل نفسها تردد بصميم قلبها الذي بدأ يصرخ بجدران صدرها
"لقد وقعتِ بالحب يا ماسة ، وحدث ما كنتِ تخشيه"

_______________________________
صباح اليوم التالي.....

سكبت الطحين بالإناء بحذر وهي تقدر الكمية بدون معيار فقط بالنظر لها ، فهي تخطئ وتغفل بكل شيء واحيانا تصل للفشل ألا بالطبخ تكون دائما على صواب وتحرز به كل الانتصارات حتى اصبح بالنسبة لها فن ومهارة لا يتقنها سوى بالممارسة والاعتياد ، والدليل بذلك هو اتقان غالبية الكبار بالعمر الطهو والطبخ واصحاب التدريس المتدني اكثر من صغار العمر والذين يملكون قوة بدنية وذهنية اكبر بأضعاف واصحاب التدريس المتفوق والعالي ، وقد يكون هذا عائد لأساليب وطرائق التربية بالمجتمعات المتحضرة والتي لم تعد تعتمد الضغط او القسوة بالتعامل بل بالدلال المفرط واستخدام كل اساليب الراحة والكسل بالحياة والتي تدمرت على ايديهم .

توقفت عن سكب الطحين وهي تضع الكيس جانبا ، لتشمر بعدها عن كميها وهي تستعد لتباشر بالعمل ، قبل ان تتجمد لوهلة وهي تلمح ذراعها المصاب والذي تماثل للشفاء تقريبا ولم يتبقى منه سوى علامات طفيفة ستزول مع الايام ، حتى الشاش الطويل الذي كان يلف ذراعها قد تخلت عنه وبقيت اللاصقات الطبية تغطي البقع الحمراء بجلدها مثل حال جبينها تماما ، ولن تنسى بأن الفضل يعود بكل هذا لمسعفها والذي اخذ دور الممرضة بحياتها وهو يهتم بجروحها اكثر من اهتمامه بجروح قلبها ، وكم كان هذا يؤلمها على مدار اسبوع كامل لم تؤلمها الجروح بقدر ألم قلبها الغائر والذي ينبض بدقات اخيرة تعلن عن النهاية الحتمية ، وقد توقفت عن حساب موعد انتهاء العقد والذي ابطل مفعوله وتجدد لتبدأ بحساب ايام تماثل جروحها للشفاء حتى تستطيع انهاء العقد رسميا والذي انتهى منذ ثلاث ايام .

تنفست بهدوء وهي تعود لعملها بخلط المكونات بيديها الاثنتين بليونة وهي تستمتع بهوايتها المفضلة منذ الطفولة ، وكم يسعدها عودتها لهذه المهمة القديمة والتي حرمت منها بأول ايامها من بعد الحادث ، وها هي قد عادت الطاهية النشيطة التي تهتم بأمور الطهي والطبخ بدون ان يعكر صفو حياتها شيء او ان يحمل قلبها اي هموم قد تثقل عليها .

نفضت يديها عن العجينة العالقة بمفاصل اصابعها وهي تجوب بعينيها بالمكان بحثا عن المكون الناقص بطبختها ، لتتوجه بعدها لزاوية المطبخ بلحظات وهي تفتح الثلاجة لتبحث عن مكونها الناقص بداخلها ، وما ان وقعت عينيها على هدفها حتى اشرقت تقاسيم وجهها بسعادة وهي تمسك بعبوة حليب البقر ومكونها المهم .

عبست ملامحها وهي تكتشف فراغ العبوة لتهزها بقوة بدون ان تسمع صوت بداخلها ، لتزفر انفاسها بيأس وهي تشتت نظرها بين العبوة الفارغة والاناء الذي ينتظر منها انتهاء عجن مكوناته ، لتهمس بلحظة باستياء خافت
"ماذا افعل بهذه المصيبة ؟"

بعدها بثواني كانت تخرج امام الجالسة حول المائدة وهي مشغولة بقراءة الصحيفة الصباحية ، لتتنحنح بعدها بوجوم وهي تقول بخفوت محرج
"امي اعتذر عن الازعاج ، ولكن حليب البقر قد نفذ من عندنا ، وانا احتاج له بشدة من اجل اكمال مكونات الطبخ"

نظرت لها بحيرة وهي ترفع النظارة الطبية عن عينيها السوداوين بحذر ، لتقول بعدها بتفكير عابس
"لقد نسيت ذلك تماما ، كان عليّ تدوينها بقائمة المشتريات من اجل ان يجلبها جواد معه ، ولكن يبدو بأنني قد غفلت عنها"

تبرمت شفتيها وهي تهمس بعبوس متذمر
"ولكني احتاج لها الآن ، كيف سأكمل الطبخ بدونها ؟ فهي اهم مكون لدي بالطبخة وبدونها سيفسد كل شيء !"

ارتفع حاجبيها ببهوت وهي تقول بابتسامة هادئة بحنية
"لا نستطيع فعل شيء يا عزيزتي ، يمكنكِ الانتظار حتى يعود جواد من العمل ونطلب منه قائمة مشتريات جديدة ، وغير هذا لا نملك بمقدورنا فعل شيء !"

زمت شفتيها بوجوم وهي تقول ببؤس
"وماذا افعل الآن ؟ لقد وصلت لمنتصف عملي ، لا استطيع التراجع الآن ، ولا استخدام مكون بديل عنها"

تنهدت بتعب وهي تعيد النظارة فوق عينيها قائلة بجدية
"سأحاول الاتصال بجواد ليجلب معه المكون الذي تحتاجينه بالطبخ ، لذا يمكنكِ تأجيل مهمة الطبخ حتى عودته من العمل وفعل اي شيء آخر ، وإياكِ وان تتهوري قبل ان يحين موعد عودته ، حسنا !"

عقدت حاجبيها بتفكير وهي تضم يديها معا قبل ان تهمس بخفوت رقيق
"انا لدي الحل من هذا المأزق يا امي ، ما رأيك ان اذهب لشراء الحليب من الدكانة القريبة من منزلنا ؟ واعدكِ لن اتأخر طويلا وسأعود بسرعة !"

نظرت لها بسرعة وهي تقول بحزم جاد
"لا يا صفاء ، انسي هذه الفكرة تماما ، لقد وعدنا جواد بأنكِ لن تغادري من المنزل لأي سبب كان ، ولا اريد ان يتكرر ما حدث معكِ بآخر مرة خرجتي بها....."

قاطعتها التي رفعت كفيها بروية وهي تقول ببساطة
"اهدئي يا امي ، الامر لا يحتاج كل هذا الخوف والانفعال ! فقط سأذهب لشراء الحليب من الدكانة المجاورة والتي لا تبعد عنا سوى شارعين ! ثقي بي لن يحدث لي شيء"

عبست ملامحها بشحوب لوهلة قبل ان تلتفت بعيدا عنها وهي تعود للنظر للصحيفة قائلة بصرامة قاطعة
"قلت لكِ لا يا صفاء ، ممنوع ان تخرجي من المنزل تحت اي ظرف كان ، وكما اخبرتكِ سأتصل بجواد ليحضر لكِ كل ما تحتاجينه ، وإياكِ وان تخالفي اوامري ، فأنا قلبي لم يعد يتحمل المزيد من الازمات فقد ضاق ذرعا منكم !"

اخذت (صفاء) عدة انفاس بحزن وهي تتقدم عدة خطوات مكسورة قبل ان تجثو امامها ، لتمسك بعدها بكفها وهي تهمس برجاء حزين مستجدي
"ارجوك يا امي ، اتركيني اذهب واشتري عبوة الحليب ، فقط دقائق واعود إليكِ ، لن اتأخر عليكِ ، وإذا شعرت بالخطر او الخوف سأعود للمنزل بسرعة ، واعدكِ ان اهتم بنفسي اكثر ولن اكون متهورة كالمرة السابقة ، ارجوكِ وافقي ، فقط هذه المرة"

وجهت نحوها نظرات حزينة للحظات قبل ان تزفر انفاسها وهي تقول على مضض
"حسنا يا صفاء ، اذهبي واشتري حاجتك من الدكانة وعودي مباشرة بدون ان تبتعدي اكثر ، إياكِ والذهاب لمكان آخر او اللعب هنا وهناك ، فقط عشر دقائق واريد ان اجدكِ مغروسة امام باب المنزل"

ضحكت بخفوت مرح وهي تهز رأسها هامسة ببهجة
"ما بكِ يا امي ؟ انا لست طفلة حتى تعامليني هكذا ! اعلم جيدا طريقي وما هو المطلوب مني ، ولن يأخذ مني الامر اكثر من عشر دقائق"

مسحت بكفها على رأسها بحنان وهي تهمس بعطف امومي
"بعد ما حدث معكِ يا صغيرتي اصبحت اخاف من النسمة من اصابتك ، فهذا هو قلب الأم تبقى تخاف على اطفالها منذ المهد حتى الكهل ، ولن يتوقف حتى يشيخ قلبها ويموت....."

قاطعتها بجزع وهي تقبل ظاهر كفها هامسة بدموع حبيسة
"بعيد الشر عنكِ يا امي ، الله يطول بعمركِ سنوات ، ويكون يومي قبل يومك ، فلن اتحمل خسارة والدتي مجددا"

رفعت النظارة عن عينيها وهي تمسح اطراف مقلتيها بحزن الغصة التي عادت لتسكن روحها ، لتقول بعدها بهدوء مجهد وهي تربت على رأسها برفق
"حسنا يا صغيرتي ، هيا اذهبي بسرعة وعودي ، وإذا تأخرتِ عن العشر دقائق فلن أتوانى عن عقابك ، وسيكون عقابي شديد جدا"

فركت عينيها الدامعتين بطفولية وهي تقف على قدميها بهدوء بدون ان تتخلى عن يدها ، لتهمس بعدها بابتسامة رقيقة وهي تمسح على يدها الشاحبة بوعد صادق
"حاضر يا امي ، دقائق واعود لكِ"

خرجت من باب المنزل بعد ان جهزت نفسها بالكامل ، لتسير من فورها على محاذاة الطريق الرئيسية وهي تخطو باتجاه الدكانة القريبة من المنزل .

تغضن جبينها بارتياب وخطواتها تخبو ما ان لمحت الرجل مجهول الهوية ضخم البنية وهو يقف على محاذاة طريقها ، لتبتلع بعدها ريقها بقوة وهي تسرع بخطواتها بثبات بعد ان اصبحت تسير على حافة الرصيف ، وما ان تجاوزته بأعجوبة وهو يضيق عليها المكان بضخامته حتى تنفست الصعداء بلحظة ، قبل ان تتابع طريقها الثابت بدون ان تتساءل عن سبب وجوده المريب وعن شكله المخيف والذي لا يدل على انتماءه لهذه المناطق الغنية والتي يظهر الرقي الثراء على اصحابها ؟!

دلفت لداخل الدكانة الصغيرة وهي تنظر للمحتويات امامها باهتمام ، وما ان انتبه لها صاحب المكان حتى وقف امام طاولة المحاسب وهو يقول باحترام
"مرحبا يا آنسة ، هل تحتاجين لمساعدة ؟"

انتفضت بوجل وهي تلتفت نحو مصدر الصوت بسرعة ، لتبتسم بعدها برقة وهي تقترب من طاولة المحاسب هامسة بأدب
"احتاج لعبوة حليب بقر كبيرة ، هل لديك منها ؟"

اومأ برأسه بالإيجاب وهو يقول بلطف
"اجل لدي منها ، انتظريني دقائق وسأحضرها لكِ"

اومأت برأسها بهدوء وهو يغادر من امامها بثواني ، لتتجول بنظراتها بالمكان قبل ان تقع عينيها على اسطوانة طويلة تحوي قطع سكاكر صغيرة بداخلها كانت تشتريها بطفولتها ، لتتسع ابتسامتها بلهفة وهي تلتقط الاسطوانة بهدوء قبل ان ترفعها امام نظرها ، وهي لا تصدق بأنها ما تزال تباع بالأسواق بعد ان اختفت من الدكاكين التي كانت تجاور منزلها ؟ ومنذ ذلك الوقت وهي تتمنى إيجادها وشراء الكمية كاملة حتى تخزنها للأيام القادمة قبل ان تفتقدها مجددا !

افاقت على صوت المحاسب والذي احضر لها عبوة الحليب المطلوبة وهو يقول بهدوء
"هل هذه التي طلبتها يا آنسة ؟"

اومأت برأسها بابتسامة رقيقة وهي تدس يدها بجيب سترتها لتخرج النقود منها ، بينما وضع لها الرجل العبوة بداخل الكيس البلاستيكي قبل ان يقدمه لها ، ليأخذ بعدها النقود منها وهو يقول بابتسامة بشوشة
"هل تريدين شراء عامود السكاكر كذلك ؟"

نظرت لعامود السكاكر بيدها والذي نسيت امره تماما ، لتنظر له بسرعة وهي تهمس بابتسامة صغيرة
"اجل اريده ، كم سعره لو سمحت ؟"

ردّ عليها بابتسامة هادئة
"سعره عشرون قرشا"

زمت شفتيها بامتقاع وهي تدس يدها من جديد بجيب سترتها لتخرج فقط عشرة قروش وما تبقى بحوزتها ، لتقول بعدها بابتسامة محرجة تكاد تذوي من خجلها
"اعتذر ولكني لا املك سوى عشرة قروش ، لو تستطيع انتظاري لأحضر......"

قاطعها وهو يرفع يده بأدب قائلا بهدوء جاد
"لا بأس يا آنسة ، يمكنكِ اخذها مجانا ، واعتبريها هدية من صاحب الدكان للآنسة الصغيرة"

اتسعت ابتسامتها بسعادة حتى غمرت تفاصيل ملامحها وهي تهمس بحبور
"شكرا جزيلا لك يا عم ، والله يعوضك اضعاف عليها ، بالإذن الآن"

خرجت من الدكانة بروح مشرقة وهي تتهادى بخطواتها بفرح امتلئ بصدرها ، وما ان وصلت للطريق الرئيسية حتى تجمدت بمكانها لوهلة وهي تلمح نفس الرجل يقف بطريقها مجددا وكأنه يلاحق بها او يتعقبها ! رغم استحالة تحقق واحد من الاحتمالين ! فمن يكون يا ترى ؟

تجاهلت نبضات قلبها وهواجس رأسها وهي تتابع طريقها بثبات مستميت تعبت بالحفاظ عليه ، ولكن ما لم تتوقعه هو تحركه المفاجئ امامها حتى دفعها للاصطدام بجانب جسده والذي ادى لسقوط عامود السكاكر من يدها وانكسار جزء منه .

استقامت بسرعة بعيدا عنه وهي تنظر لصاحب الصوت الخشن والذي دب الرعب بأوصالها
"انا اعتذر"

ابتلعت ريقها بارتعاش وهي تنخفض بلمح البصر لتلتقط عامود السكاكر المكسور بثواني ، قبل ان تنتصب واقفة وهي تهمس بتلعثم مرتجف
"لا بأس ، لا بأس ، عن اذنك الآن"

جرت بعيدا عنه بسرعة وهي تحتضن الكيس بين ذراعيها وعامود السكاكر بيدها بعد ان بعثر كيانها بذعر غير مسبوق ، بينما الرجل الساكن من خلفها كان يراقب اثرها بجمود قاسي وهو يضع الهاتف بجانب اذنه ، ليقول بعدها بكلمات مختصرة بإيجاز
"لقد تحدد الهدف يا سيدي ، وتأكدنا من هويتها ، زوجة جواد مصعب هي صفاء جلال"

_____________________________
كان ينزل درجات السلم على عجلة وهو يضع الهاتف على اذنه ، ليتوقف بعدها بمنتصف الطريق ما ان سمع صوت قرع جرس المنزل ، ليخفض بعدها الهاتف قليلا وهو ينظر من حوله بحثا عن احد افراد المنزل قبل ان يتمتم بجمود
"أليس هناك من يفتح الباب ؟ اين ذهبت تلك الخادمة البدينة !"

زفر انفاسه بضيق وهو يقترب من باب المنزل بخطوات كسولة ، ليفتح بعدها الباب على اتساعه بدون ادنى تردد قبل ان يتسمر بمكانه بصدمة وهو ينظر لهوية الطارق وآخر توقعاته ، بينما لم تكن حالة المقابلة له بأفضل منه وهي تنظر له بعينين شاخصتين بذعر وبوجه انسحب اللون عنه بلحظة ، ليقطع بعدها دوامة الصمت التي احاطت بهما معا صاحب الابتسامة المائلة وهو يستند بإطار الباب قائلا باسترخاء
"مرحبا ، مرحبا ، ماذا لدينا هنا ؟ يا لها من بشارة خير علينا رؤيتك من جديد وبوضح النهار !"

امتعضت ملامحها بلمحة خاطفة وهي تنفض الشحوب والذعر عن قلبها والذي وقع بين قدميها ، وهي لا تعلم حقا ما هي الذنوب التي ارتكبتها بحياتها لتتلقى عقاب قاسي شبيه بما تراه ! حتى اضطرت لتقابل هذا الشيطان لثاني مرة بحياتها بعد ذلك الحادث الفظيع والذي وصم نقطة مظلمة بحياتها المهنية والشخصية !

اقتحم تخبط افكارها الصوت المتسلي وهو يميل قليلا بعيدا عن الباب قائلا بابتسامة مستفزة
"ماذا بكِ تجمدتِ هكذا ؟ أتعلمين بأنكِ قد تجاوزتِ قوانين الصدف ؟ فمن غير المعقول مرة رؤيتك بمكان عملك ومرة بمكان سكنك وهذه المرة امام باب منزلي ! انا اشك بأن اراكِ المرة القادمة بداخل غرفتي ! هل انتِ تتقصدين مطاردتي او تحاولين تعقبي ؟"

اتسعت حدقتيها على اقصى اتساعهما واحمرار طفيف يغزو ملامحها الشاحبة وهي تهمس بتبرير متلعثم حتى عضت على طرف لسانها من احراج موقفها
"لا غير صحيح ، ليس هناك شيء من هذا ! انا فقط لم اكن اعلم بأنك تعيش بهذا المنزل ! اجل لم اكن اعلم ، انا......."

قاطعها وهو يحرك رأسه جانبا بملل وكأنه يستمتع بأثارة رعبها مثل ارنب مذعور ذكرته بشقيقته الصغرى
"ماذا هناك ؟ هل الصدمة كانت شديدة عليكِ حتى فقدت النطق السليم ؟ لا تقلقي فأنا لا احمل سلاح بجيبي حتى تخافي مني هكذا ! وانا لست قاتل مأجور اطلق النار على كل من يقابلني ! لذا ارتاحي واهدئي فأنتِ بأمان"

اخذت عدة انفاس وهي تطبق الشهيق والزفير لتخفف من وطأة ذعرها المفاجئ ، لتفيق بعدها على نفسها وهي تنظر له بعينيها الواسعتين هامسة بخفوت مرتبك تكاد تموت قبل ان تخرج كلماتها المبعثرة
"انت تعرفني ! لقد كنت تعرفني منذ اللحظة الأولى ! كيف غفلت عن هذا ؟ يا إلهي !"

اومأ برأسه ببساطة وهو يقول بابتسامة لعوبة
"هل صدمتك ؟ هذا غير متوقع صحيح ! فقد نسيتِ مقولة بأن الخطايا تلاحق الانسان حتى الممات ، وهذا ما سيحدث معكِ انتِ وصديقتك التي نسيت اسمها !"

ردت عليه من فورها بعبوس وجل
"ماذا ؟ ما هذا الكلام ! انا وصديقتي لم نخطئ معك بشيء وكنا على وشك اسعافك ونقلك للمشفى ، عن اي خطايا تتكلم !......."

قطع استرسال كلامها صوت رنين الهاتف بيد صاحبه ، ليشير بعدها بكفه امامها علامة الانتظار وهو يرفع الهاتف بيده الاخرى قائلا بجدية
"انتظريني لحظات يا رجاء"

عضت على طرف شفتيها بامتقاع وهي تسمع اسمها منه للمرة الثانية وهو يزرع الحيطة بدواخلها ، ليشد سمعها صوته الثائر والذي اختفى عنه الهزل والسخرية
"حسنا انا قادم ، إياكم وان تتركوه"

ابتلعت ريقها بذعر ما ان فصل الخط وقبل ان تدرك كان يندفع من امامها وهو يتجاوزها بلمح البصر ، لترمش بعدها عدة مرات برجفة لاذعة وهي تستوعب ما حدث الآن ، لتستدير للخلف بحذر وهي تتأكد من خلو المكان منه وذهابه بعيدا .

رفعت كفها بارتجاف وهي تمسد على عنقها بتعرق من المواجهة التي تعرضت لها ، لتتنفس بعدها ببؤس لوهلة وهي تهمس بقتامة
"يا له من كابوس ! لقد اصبحت حياتي عبارة عن مشاهد مرعبة وصدمات متلاحقة !"

تجمدت اطرافها برعب ما ان سمعت صوت من خلفها يقول بصرامة
"ماذا تفعلين يا رجاء ؟ هيا ادخلي يا ابنتي"

تنفست الصعداء وهي تستدير من فورها لتقابل والدتها والتي كانت تقف عند إطار الباب ، لتتحرك بسرعة وهي تحتضن والدتها بهدوء قبل ان تبتعد عنها هامسة بمحبة
"صباح الخير يا امي ، هل تأخرت عليكِ ؟"

حركت رأسها بهدوء وهي تهمس بابتسامة عطوفة
"لا لم تتأخري ، لقد اتيتِ بالوقت المناسب"

ابتعدت عنها بسرعة وهي تغلق باب المنزل من خلفهما ، لتقول بعدها وهي تشير لها للداخل بنبرة صارمة
"انا الآن سأسبقك وانتِ اتبعيني ، السيد ينتظرنا بالداخل ، لذا إياكِ وان تخطئي بالتصرف"

اومأت برأسها بانصياع وهي ترى والدتها تسبقها بالدخول ، لتسير بعدها بخطوات هادئة بتردد ونظراتها تدور بالمكان بحذر شديد وكأنها تخاف ان تحمل نظراتها الحسد او يمسكها احدهم تتسلل للمنزل والذي لم تحلم يوما الدخول لمكان مشابه .

افاقت على نفسها ما ان لاحظت تأخرها عن والدتها والتي تكاد تفقد اثرها ، لتسرع بخطواتها تلقائيا وهي تقطع المسافة بينهما بثواني ، وما ان دخلت كليهما لقاعة الطعام حتى التقطت نظراتها الجالس على رأس المائدة وسيد المنزل .

تابعت سيرها خلف والدتها بامتثال بدون ان تحيد بعينيها بعيدا ، وما ان وقفت امام الرجل والذي رفع نظره نحوهما بآن واحد حتى قالت والدتها بسعادة بشوشة
"صباح الخير يا سيد جلال"

اومأ (جلال) برأسه وهو يحول نظراته للواقفة بجوارها تكاد تلتصق بها ، ليقول بعدها وهو يبتسم بتغضن حنون
"صباح الورد يا بسمة ، هل هذه الجميلة ابنتكِ ؟"

حركت رأسها جانبا وهي تقول بابتسامة هادئة
"اجل هذه ابنتي الصغرى التي اخبرتك عنها ، وطلبت منها الحضور اليوم للتكلم معها عن عرضك"

ابتسم باتساع وهو ينظر لها عن كثب ليقول بعدها بهدوء جاد
"ما هو اسمكِ يا ابنتي ؟"

ضمت شفتيها بارتجاف وهي تهمس من بينهما بأدب
"اسمي هو رجاء"

حرك رأسه باهتمام وهو يقول بابتسامة جانبية
"اسم جميل ويدل على فخامة صاحبته"

اخفضت رأسها وهي تهمس بحياء
"شكرا لك"

ضم قبضتيه فوق سطح الطاولة وهو يقول بنبرة قوية تقمصه بلحظة
"لماذا تريدين الحصول على وظيفة يا رجاء ؟"

نظرت له للحظات قبل ان تقول بعزم
"من اجل ان اساعد والدتي بمصاريف حياتنا ، ولا اريد البقاء بدون عمل فأنا معتادة على العمل منذ كنت طالبة بالثانوية ، لذا إذا يمكنك مساعدتي بوظيفة بسيطة استطيع اتقانها فسأكون ممنونة لك"

اومأ برأسه بهدوء وهو يقول بتفكير جاد
"ولماذا لا تفكرين بالزواج بدل اتعاب نفسكِ بالتنقل بالوظائف ؟ فقد اصبحت بسن مناسبة للزواج ، صحيح !"

عقدت حاجبيها بجمود وهي تقول بهدوء واثق
"هذا الامر مفروغ منه بالنسبة لي ، فأنا لن اتزوج قبل ان اتأكد بأنه سيكون السند والقوة لوالدتي بدون ان اضطر للتخلي عنها ، ولن افعل ذلك حتى استطيع تأمين حياة مريحة ومستقرة لوالدتي لكي لا تعاني مستقبلا"

اتسعت ابتسامته بهدوء وهو يقول ببشاشة
"الله يحفظها لكِ من كل مكروه وشر"

اخفضت رأسها قليلا هامسة باحترام شديد
"شكرا لك يا سيدي ، والله يحفظ اولادك ويخليهم سند وقوة لك"

تنفس بهدوء وهو يحرك رأسه بعيدا عنها قائلا بحسم
"إذاً اعتبري نفسكِ قد توظفتِ عندي يا رجاء ، ومهامكِ ستكون بسيطة جدا ، الحقيقة كانت ابنتي تحتل هذه الوظيفة سابقا ، ولكن بعد زواجها شعرت بالنقص والاحتياج ليد اخرى لتساعدني بالعمل ، لذا اريد منكِ ان تأخذي هذه الوظيفة ، وأوقات دوامك ستكون من الساعة التاسعة صباحا وحتى الساعة الرابعة عصرا ، إذا كنتِ موافقة على الشروط سنبدأ من اليوم ، ما رأيك ؟"

ارتفع حاجبيها بدهشة مع تألق ابتسامتها بسعادة ملئت محياها بآن واحد ، وهي تهمس بفرحة بالغة خرجت مثل الألعاب النارية بالمهرجانات
"حقا ! استطيع العمل معك من اليوم ؟ اجل انا موافقة بالطبع ، وسأبذل قصارى جهدي حتى لا اخيب ظنك بي وباختيارك لي مساعدة لك ، اعتمد عليّ يا سيدي فأنا افضل من يعمل بالوظائف"

ضحك بخفوت متحشرج وهو يمد كفه قائلا بابتسامة بشوشة باتساع
"إذاً نقول توكلنا على الله !"

صافحت كفه بسرعة بين يديها هامسة ببهجة بالغة
"اجل يا سيدي ، وشكرا لك مجددا ، انا ممنونة لك بشدة"

بينما والدتها كانت ترفع يديها عاليا وهي تدعو هامسة بقلب فرح على ابنتها
"شكرا لك على عطفك ، الله يحفظك لأولادك ويزيد كرمك وفضلك علينا"

اما (جلال) فقد كان تفكيره يدور بشيء آخر ترسخ هناك وتركز عليه وكل امله بأن يتحقق ويصل لمبتغاه قبل ان ترتفع هذه الروح لبارئها .

نهاية الفصل يا اعزائي وبانتظار تعليقاتكم بفارغ الصبر وانطباعكم بالرواية 😘♥️


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس