عرض مشاركة واحدة
قديم 25-03-22, 07:54 PM   #22

عائشة بوشارب

? العضوٌ??? » 485881
?  التسِجيلٌ » Mar 2021
? مشَارَ?اتْي » 38
?  نُقآطِيْ » عائشة بوشارب is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثاني والعشرون

راح المدير يحثها على الاعتذار إلى السيد سامي، تنهدت بعمق وبلعت ريقها ثم قالت: أنا آسفة سيد..
فقاطعها سامي قائلًا: بسيطة، لا داعي للاعتذار، أتمنى أن يكون هذا درسًا لك حتى لا تتواقحين مع الغرباء مرة أخرى.
استشاطت غضبًا وراحت تلعنه في سرها؛ إلا أنه انصرف مباشرة وأخذ معه كلبه اللطيف.
ذهب وتركها غارقة في خجلها حتى أتت تانيلا وسألتها عن سبب توترها قائلة: ما الخطب؟ لماذا ترتجفين هكذا؟
زفرت قدس ثم قالت وهي تهز كتفيها: لا شيء، ماذا عنك لماذا تبدين غاضبة هل حدث شيء؟
لا؛ لا شيء أيضا.
توجهت تانيلا لتستريح قليلا من الشقاء الذي عانته خلال التنظيف فإذ برسالة من مجهول تصل إلى هاتفها، ففوجئت من عدم وجود رقم المرسل، وفوجئت أكثر من محتواها "بانتظارك عند مدخل الشركة ملاحظة: في سيارة سوداء".
تعجبت! وراحت التخيلات تبعث لعقلها صور كارثية، وتمنت لو كان حاسوبها بين يديها الآن، لكانت استخرجت اسم المرسل وجميع معلوماته الشخصية الظاهرة منها والخفية، لكن للأسف لا الوقت يسمح لها باكتشافه ولا المكان، وضعت كل ما كان بين يديها من عمل وتوجهت إلى مدخل الشركة بينما كانت تراقب الوجوه، وقفت برهة أمام الباب الخارجي وراحت تتلفت يمينًا ويسارًا حتى رأت سيارة سوداء فارهة زجاجها معتم فلم تستطع رؤية شيء، انتظرت ثواني معدودة وتجرأت أخيرًا على التقدم نحوها، لكنها لم تفعل شيئًا سوى الوقوف أمامها فإذ بزجاج نافذة ينزل شيئًا فشيئًا وهنا ارتعبت تانيلا، وازدادت دقات قلبها حتى رأت صاحب الرسالة بشحمه ودمه!
سامي!!
كان سامي يكاد لا يتنفس من شدة ضحكه، أما تانيلا فقد شعرت وكأن بركانًا من الجحيم يخرج من أذنيها، فراحت تشتمه بكل ما تعرفه من شتائم وعندما رأت أن هذا لم يوقف ضحكه، صعدت إلى السيارة وأخذت تضحك معه.
أنا.. أنا آسف حقًا، لكن لو رأيت تعابير وجهك عندما فتحت الزجاج لقلت إن الأمر يستحق فعلًا!
عيب، عيب عليك، والله لو ترى الخوف الذي عيشتني فيه يا سامي!
أنت محقة، لكن أخبرتك أنه استحق لأني أحضرت لك شيئًا سيجعلك تسامحيني على ما فعلته.
آه، ألهذا السبب تجرأت! يعني جهزت الاعتذار قبل المصيبة!
ضحك ثم رد عليها وهو يهز برأسه:
نعم هذا صحيح، ضعي حزام الأمان لننطلق!
معذرة؟ ننطلق إلى أين يا سامي؟ هل تنوي دفني بعد أن قتلتني بسكتة قلبية!
سترين بنفسك.
انطلق سامي بتانيلا إلى الوجهة التي أصر ألا يخبرها عنها كي لا تزول المفاجأة، لكنها كانت متأكدة من أنه حتى لو أخبرها عن اسمها فلن تعرفها.
سارت السيارة إلى أن وصلا إلى منطقة تغص بالخضرة وقطعان الأغنام، حينها تذكرت أنها مرت بهذه الطريق من قبل مع والدها لكنها لم تكن تعرف أن بها منعطفات تؤدي إلى هذه الأماكن الجميلة، استمرت السيارة بالمضي قدمًا قبل أن تنعطف مجددًا لتقف عند بداية جسر كبير، انبهرت تانيلا من حجمه وجماله فقد كانت مناظره الخلابة توحي بالاطمئنان والإلهام، كان سامي أول من نزل من السيارة توجه إلى صندوقها الخلفي واستخرج منه كيسًا به بعض الحاجيات ومنظارًا طويلًا، نزلت هي الأخرى لتجد أمامها الكثير من الهدوء والسكينة تحيط بالمكان أما هواءه فقد أعدته دواء للنفوس.
إنه أنسب مكان للتخلص من الضغوط، هل أعجبك مكاني السري؟
ردت تانيلا وهي تصرخ بسعادة كبيرة: نعم! إنه رائع!! لكن ما هذا المكان؟!
أخذ سامي يضحك وهو يقول:
كنت متأكدًا من أنه سيعجبك بشدة، هذا الجسر يطل على سد بني "هارون" خذي المنظار لتري المكان جيدًا.
أخذت تانيلا المنظار من يديه بسرعة كبيرة واقتربت من حافة الجسر وراحت ترقب الجبال المكسوة بالخضرة الغناء وهي تعانق السحاب، وتمنت لحظتها لو كانت هدهدًا لتطير وتتمكن من الاستمتاع بسحر المناظر وروعتها، ودون أن تختفي الابتسامة من على وجهها قالت: هذا المكان يستحيل أن يكون في هذه الدنيا، إنها الجنة.
هز سامي رأسه بالموافقة مبتسمًا؛ ثم أشار بيده وقال:
انظري إلى تلك الفرس! كم هي سعيدة مع ولدها غير مكترثة بمشاغل الحياة وصعوباتها! وجل ما تفعله هو المرح واللهو مع ولدها.
ضيقت عينيها باجتهاد بالغ لتراهما يلهوان معا ثم قالت مبتسمة:
يا لروعتهما تشعر بالحرية تتدفق منهما، لكن كيف عرفت أنه ولدها وليس ابنتها؟
هز كتفه بغرور وقال:
بسيطة، لا تحتاج إلى تفكير، لأنه وسيم مثلي!
أخذت تضحك من إجابته بينما فتحت يديها كجناحي عصفور يوشك على الطيران، ثم أغمضت عينيها وراحت تستشعر نسمات الهواء وهو يداعب شعرها فجعلت خصلاته تحلق عاليًا.
التفكير بالأمر سهل لكن تنفيذه صعب!
فتحت عينيها ببطء ثم أزاحت شعرها عن وجهها وسألته باستغراب: التفكير بماذا تقصد؟
أشار بعينيه نحو حافة الجسر وبابتسامة مكسورة قال: بالقفز من هناك.
أبعدت شعرها الذي كاد يأخذه نسيم الهواء معه، ثم ابتسمت وسألته قائلة:
وكيف علمت أنني فكرت بذلك، هل أنت ساحر؟
لو كان التفكير بالانتحار سحرًا لأصبح الجميع سحرة!
استدارت نحوه بكامل ثقتها ثم قالت:
لا تقلق، لن ألقي بجسدي من هنا فلو كانت الكآبة إنسانًا وجاءت إلى هذا المكان لأصبحت سعيدة.
غريب عالمنا، وغريبة صفات البشر، واختلافهم، لطالما آمنت أن الجميع متساوون، أو هذا ما جعلتني أمي أؤمن به، لكن بعدما كبرت أصبحت أرى "الناس" على حقيقتهم.
تفضلي غداءك قبل أن يبرد، أتمنى ألا تكوني نباتية لأني أحضرت لك شاورما، لم أعرف ماذا أجلب غيرها.
واو! أنت مليء بالمفاجآت سيد سامي، أحب الشاورما، والمكان سرق قلبي.
قضمت الرغيف متلذذة بمذاقه الطيب الذي كان إضافة جميلة للمكان وأضافت: صحيح، تذكرت كيف تمكنت من إرسال تلك الرسالة رغم أن رقمك مسجل على هاتفي؟
ضحك سامي وهو يتلذذ بالشاورما ثم قال: هذا تطبيق جديد سمعت أنه جيد للمقالب، فقلت لماذا لا أجربه؟
قاطعته قائلة: ثم سيد سامي، قلت لم لا أجربه على تانيلا المسكينة وأصيبها بسكتة قلبية؟ أليس كذلك!
ضحك بشدة لدرجة أوشك فيها على التشدق ثم قال: حاشا، هل تعلمين؟
ماذا؟
كلما ضاقت بي الدنيا أتيت إلى هذا المكان، أحيانًا أجلس داخل السيارة وأفكر في هدوء، وأحيانا كثيرة أصرخ لأنفس عن غضبي، ها قد أصبحت الآن أول من يعرف ملجأي.
وضعت تانيلا الرغيف جانبًا وابتسمت، ثم أردفت قائلة: كانت والدتي رحمها الله تقول لي إن ضاقت بك الدنيا لا تربطي نفسك بأي أحد، لأن كل الناس زائلون.
كلامها جميل، رحمها الله.
آمين.
انتهى سامي من الطعام ثم التفت نحوها متسائلًا: ما هو حلمك؟
ما مناسبة سؤالك يا ترى؟ هل ستتحول إلى مصباح علاء الدين وتحقق أحلامي مثلا؟
تنهد بحرارة وقال: يا ليت، لو استطعت لحققت أحلامي وأحلامك!
أوه! لماذا تتكلم وكأن أحلامك مستحيلة؟
لأنها كذلك.
بالنسبة لي الموضوع بسيط جدًا، لأني لا أمتلك أحلامًا.
صاح سامي: هل أنت جادة؟
أومأت برأسها بالموافقة غير مبالية بردة فعله: لكن، لكن كيف؟ أنت غير معقولة لم أر شخص دون أحلام، نحن نحلم لنحيا!

يتبع..


عائشة بوشارب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس