عرض مشاركة واحدة
قديم 25-03-22, 07:55 PM   #23

عائشة بوشارب

? العضوٌ??? » 485881
?  التسِجيلٌ » Mar 2021
? مشَارَ?اتْي » 38
?  نُقآطِيْ » عائشة بوشارب is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثالث والعشرون

ممممممممم، لم أفكر في الموضوع بهذه الطريقة، ولم يخطر ببالي أن أحلم.
صمتت برهة ثم أضافت:
ماذا عنك! ما هي أحلامك المستحيلة يا سيد الأحلام؟
ضحك بوجه مشرق وقال: حلمي يا تانيلا أن أغدو عازف بيانو شهيرًا يستمع الناس إلى ألحاني.
حقًا! لم أنتظر هذا منك أبدا! هل هذا يعني أنك تجيد العزف على البيانو؟!
راح يفكر قليلا ثم أجاب: لو كنت مدرِسة بيانو لأعطيتني عشرة على عشرة.
ضحكت بسخرية وقالت: لم يعد هناك مدرسون يحسبون العلامة من عشرة، أنا أيضا أجيد العزف ولكن على آلة أخرى.
حقًا! هل على الناي؟؟
كلا، بل على الحاسوب!
هز رأسه بابتسامة دون أن يفهم قصدها.
ما الذي جعل أحلامك مستحيلة؟ ولماذا لا تعيش حلمك الآن؟ لا أقصد أن أكون وقحة، لكن لا أراك تملك أي عقبات أمام تحقيقه لأنك...
صمتت قليلًا ثم أضافت بوجه عابس:
لأنك ابن السيد جميل!
أنتِ ذكية.
عفوًا؟!
ذكية لأنك سألتني سؤالًا وأجبت عنه بنفسك، الشيء الذي يمنعني من تحقيقه هو أنني ابن "السيد جميل".
رأف قلب تانيلا له وهي تقول في سرها "حتى ابنك الذي تحبه يا جميل، حتى هو تريد أن تحركه كالدمية وتحطم حياته كما فعلت معي"
لم تشأ إزعاجه بطرح المزيد من الأسئلة حتى لا تعكر صفوه.
مر الوقت بسرعة وحل القمر المنير محل الشمس المشرقة، فعادا أدراجهما.
*****
فتحت قدس باب المنزل بهدوء وخطت خطواتها بحذر نحو الداخل وفور أن دخلت سمعت أنين جدتها المريضة، فألقت الكيس الذي بيدها وجرت إلى غرفتها وراحت تقبلها على جبينها متفحصة درجة حرارتها، وما إن وجدتها مرتفعة حتى أحضرت منشفة مبللة ووضعتها على جبينها بكل رفق وأخذت تعصرها بين الفينة والأخرى، حتى فتحت الجدة عينيها بصعوبة بالغة وراحت تقاوم نوبة السعال التي تقاطع أنفاسها قائلة:
عدت إلى البيت يا بنيتي، لا تقلقي علي أنا بخير.
رفعت قدس حاجبيها بكل أسى وهي تنظر إليها دون أن يكون بيدها حيلة، تملّكها الشعور بالحزن والشفقة اتجاه جدتها التي تعاني أمام عينيها ولا تستطيع فعل شيء يساعد على إخراجها من حالتها المرضية، ثم فتحت فمها وقالت: رجاء لا ترهقي نفسك بالحديث.
نهضت قدس من على سرير جدتها وأحضرت كيس الدواء الذي جلبته معها وجعلتها تشرب منه حتى ساعدها على الاسترخاء، وطرد الألم من جسدها.
ارتاحي قليلا حبيبتي سأيقظك بعد نصف ساعة لتتناولي بقية الدواء، تصبحين بخير حال بإذن الله.
أمسكت الجدة يد قدس بصعوبة وقالت متسائلة بصوت منخفض:
من أين لك المال الذي اشتريت به الدواء يا ابنتي؟
هل نسيت يا جدتي؟ أخبرتك أنني أعمل في مكان راق جدا، وأعطوني راتبي اليوم.
سكتت قليلًا لأنها لم ترد أن تخبرها بحقيقة أنها تعمل عاملة نظافة.
أضافت مبتسمة: لا تقلقي قلبك الحنون يا حنونة، نامي الآن جيدًا.
الله يرضى عليك يا قدس، حاولي المرة القادمة ألا تأتي إلى البيت في وقت متأخر، فأنت تعلمين أني أخاف عليك، وكذلك تعلمين جيدًا حديث الجيران الذي لا ينتهي.
أجابتها قدس مازحة: حاضر يا سيدة "ياسمين"، طلباتك أوامر.

*****
كانت تانيلا تدردش مع كازانوفا، جعلها تضحك كما لم تضحك من قبل، خصوصًا بعدما ألقى عليها بعض النكات عنه وعن أصدقائه الذين وصفهم بالحمقى.
أنت حقًا مختلفة.
ممممممممم، ماذا تقصد بمختلفة؟
مممم، أقصد أنك مختلفة وفقط، بطريقة جيدة بالطبع.
تورد وجهها خجلًا ثم كتبت:
إذن، هذا يعني أنك محظوظ لأني أحادثك، فالآلاف غيرك يتمنون مجرد نظرة مني.. احم.
ضحك قائلًا: تواضعي قليلًا جلالة الملكة.
لو لم أكن متواضعة لما تحدثت معك بالأساس.
ضحكت بعفوية وأضافت:
أمزح، أمزح.
يا مهبولة! ما رأيك أن نلعب لعبة الحقيقة مرة أخرى؟
لا أعلم لماذا تعشق هذه اللعبة إلى هذه الدرجة!!
فقط للاستمتاع لا أكثر.
هناك العديد من الألعاب الممتعة كـ "بوبجي" أو " كول أوف ديوتي" وغيرها، أو يمكننا تغيير قوانين اللعبة!
هل جننتِ؟ لا يمكنك تغيير القوانين!
كتبت بغرور: القوانين خلقت لتخترق!
أنتِ حقًا مختلفة وأحب اختلافك!
ارتسمت على وجنتيها ابتسامة خفيفة؛ ثم طبعت على لوحة المفاتيح:
ما رأيك بلعبة تحدي الجرأة؟ من يختاره يمكنه أن يسأل سؤالين مجانًا بشرط أن يجيب الشخص الآخر بالحقيقة، لا شيء سوى الحقيقة، موافق؟
حسنًا يا ذكية، السيدات أولًا!
ماذا اخترت؟ تحدٍ أم سؤال واحد عادي، وتجيب عنه بالحقيقة؟
أفضل أن تسأليني سؤالًا واحدًا فقط!
ضحكت بشدة وصاحت قائلة في سرها "علمت ذلك!" ثم كتبت: يا جبان، دعني أفكر.
ثم أكملت: ما هو أكثر شيء مروع حدث لك في حياتك ولم تستطع نسيانه إلى حد الآن؟
أترين؟ علمت أنك ستسألين أسئلة ذكية، لهذا السبب اخترت سؤالًا واحدًا.
ضحكت برقة ثم انتظرت منه الانتهاء من الكتابة حتى تعرف جوابه.
"في ليلة ممطرة بينما كنت أقود السيارة متجهًا نحو البيت رأيت حادثًا بين سيارة صغيرة وشاحنة ضخمة كانت تحمل قوارير الغاز، لم يثر دهشتي تقلص السيارة واختفاء ملامحها ولم أفزع بسبب الأشلاء الملقاة على قارعة الطريق، ما أثار روعي تلك الطفلة ذات الشعر الذهبي، لم تر من متاع الدنيا شيئا، كان عمرها بين السنتين والسنوات الثلاث.
صمت برهة لتعود النقاط الثلاث تتقافز: كان الخوف والصدمة يخيمان على وجهها، وشفتاها المرتعشتان لا تتوقفان عن الحركة، تمشي وسط الجثث، باحثة عن أمها وهي تنادي عليها بصوت خافت، ويا ليتني لم أسمعه، فقد علق في أذني كالحلق، تستمر بالنظر هنا وهناك علها تجد شال أمها المزخرف فتتعرف إليها بين الضباب، المسكينة لم يفدها البكاء فقد صعدت روح أمها إلى السماء، شعرت وكأني كنت مقيدا بالسيارة، لم أستطع إزالة حزام الأمان بسهولة بسبب ارتعاش جسدي كله من هول ما رأيته، هرعت راكضًا نحوها حتى أنقذها من بشاعة المنظر لكن ويلاه! قد فات الأوان قبل وصولي عندها.
وضعت تانيلا يدها على قلبها وكأن الحزن الذي في قلب كازانوفا انتقل إلى قلبها، تنفست بصعوبة واحتارت ما تقول! لكنها كتبت ببطء شديد وكأنها خائفة من معرفة ما سيقوله:
ماذا حدث بعدها يا كازا!
كانت سيارة أخرى في تلك اللحظة تحاول التوقف بعد ما فوجئ سائقها بالحادث، سمعت صوت المكابح ثم صوت ارتطام السيارة بجسدها الصغير، حدث كل شيء بسرعة ككابوس مخيف.
أصيبت تانيلا بصدمة مما حكاه وكأنها كانت تجلس معه في السيارة:
هذا مروع! أعتذر لفتح أوجاعك.
لا داعي للاعتذار، فأوجاعي لم تُنس أصلًا.
لا تلم نفسك لأنه لم يكن خطأك بل هو قضاء وقدر، وربما هذا أفضل لأنه لو عاشت فربما لن تكون سعيدة بفراق أمها.
لا أدرى يا سندريلا، فوجهة نظري لا تتفق مع وجهة نظركِ، انسي الأمر فقد حدث ما حدث وأعتقد أنه حان دوري في اللعبة، أخبريني من هو الشخص الذي تطلعينه على أسرارك؟
كتبت فورًا دون تفكير: لا يوجد.
أجيبي عن سؤالي.
لقد أجبتك! حقًا لا يوجد.
إذن من اليوم مُرحب بك، تستطيعين إخباري بجميع أسرارك.
أمالت رأسها على كتفها ثم زمت شفتيها وراحت تكتب بسرعة، وكأن حروف لوحة التحكم على وشك الهرب منها: أتعلم يا كازا! أريد الاختفاء، أرغب بالهرب من هذه الأرض وكل ما تحويه، خصوصًا من البشر.

يتبع


عائشة بوشارب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس