عرض مشاركة واحدة
قديم 13-05-22, 10:29 PM   #12

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل السابع

"نظر لها للحظات دون رد وكأنه لم يسمعها، لحظات كانت قاتلة بالنسبة إليها فتجمعت دموعها في عينيها وهي تحاول منعها قدر استطاعتها.
خرج عن صمته قائلاً بهدوء"
- يعني ايه؟ مش فاهم!

"مدت يدها المرتجفة ناحية الطاولة لتمسك بشريط الاختبار الذي كان يحمل علامة الإيجاب وأعطته إياه ليتأكد. نظر إليه ثم نظر لها قائلاً ولم يتخلَ عن هدوئه"
- ازاي يا نانسي؟

"ثم صمت للحظات قبل أن يكمل"
- أنتِ متأكدة إنه مـ ...

"سكت فجأة عندما وجد دموعها التي تقافزت من عينيها فجأة ويديها التي أخذت ترتعش وصوتها الذي خرج موجوعاً خائفاً وهي تقول"
- والله العظيم يا رامز ما حد لمسني غيرك من ساعة ما شفتك، صدقني أنا من بعدك بطلت اشتغل في المكان ده ومابقيتش اروح غير عشانك أنت بس...

"ثم أخذت تشهق بعنف قائلة"
- والله أنا كنت واخدة بالي عشان مافيش حاجة زي دي تحصل، وماعرفش حصل ازاي، بس أنا هعمل اللي تقولي عليه، ولو طلبت مني انزله أنا...

"قاطعها عندما وضع يده على فمها لتصمت وقال في هدوء وحزم"
- ماتكمليش، وماتحلفيش على حاجة أنا كنت عارفها كويس واتأكدت منها دلوقتي

"أبعد يده عن فمها فأخذت تشهق بقوة وقالت بصوت متقطع"
- أنا... آسفة... أنا... مش... عاوزاك تزعل مني... أنا...

"قاطعها مرة أخرى عندما ضمها إليه فأخذت تبكي على كتفه وهي متشبثة به، أخذ يربت على ظهرها وشعرها مهدئاً إياها ليقول"
- كفاية... اهدي... مافيش حاجة تستاهل العياط والخوف ده كله، اهدي يا نانسي!

"ابتعدت عنه قليلاً لتنظر إليه فمد يده وأخذ يمسح دموعها بهدوء وحنان حتى قال بابتسامة"
- مافيش حمل هينزل، هيفضل وهتجيبيلي بيبي شكله حلو زيك

"نظرت إليه في صدمة ثم هزت رأسها في نفي وقفزت الدموع من عينيها ثانية وقالت بصوت باكٍ"
- لا يا رامز! ماينفعش

"نظر لها دون فهم فاتبعت"
- ماينفعش ابنك أنت يجي من واحدة زيي، أنا أقل من إني اكون أم لابنك، أنا واحدة...

"قاطعها قائلاً بنبرة حادة ومنخفضة"
- أنتِ واحدة هتتقتل مكانها لو قلتي نص كلمة تانية عنك بالطريقة دي، فاهمة؟

"نظرت إليه دون رد فاتبع قائلاً بقوة"
- أنا بس اللي عارف إيه اللي ينفع وإيه اللي ماينفعش، أنا اللي عارف أنتِ إيه وتنفعي تكوني مين

"ثم اتبع وهو يمسح دموعها المنهمرة قائلاً"
- أنا الوحيد اللي شفت نانسي الحقيقية، نانسي اللي مش لايقة عالجو اللي كانت فيه، أنا اللي شفت وعرفت حنيتها اللي ماتليقش غير بأم، أم حنينة وجميلة زيك

"كانت كلماته بمثابة البلسم لجروحها، وعندما هدأت قليلاً، نظرت إليه وقالت في ألم"
- أنا بحبك يا رامز!

"نظر لها دون رد فاتبعت بعد أن هربت من عينيها دمعة أخيرة وهي تقول"
- بحبك أوي، عارفة إنك مستحيل تحبني بس صدقني أنا مش عاوزة منك أي حاجة، مجرد إحساس إني بحبك ده لوحده مكفيني

"مسح دمعتها الأخيرة ثم ضمها إليه ثانيةً في حنان وقال"
- كنت عارف، مافيش تفسير لطريقتك معايا غير كده، عشان كده لازم تحتفظي بالحمل، دي أحسن حاجة ممكن اقدمهالك قصاد حبك، لأنك تستاهلي تبقي أم.

"ثم أبعدها عنه قليلاً ليراها وقال"
- أنا مش هتخلى عنكم أبداً، خليكي متأكدة من ده

"قالت في حزن"
- والناس؟ عيلتك؟ وندى؟

"أمسك بيدها قائلاً"
- الناس مابتاخدش ذرة من تفكيري، وعيلتي مالهاش دخل في حياتي وقراراتي

"ثم اتبع في ثقة"
- وندى لسة مافيش بيني وبينها حاجة فعلية يعني مش من حقها تحاسبني على حاجة، أنا مش هفضَّل حد على ابني، فاهمة؟

"هزت رأسها متفهمة ولكن كان الحزن لا يزال بادياً على وجهها فقال"
- إيه؟ هتفضلي مكشرة كتير؟

"ثم اتبع بابتسامة عابثة"
- مش هتوريني الضحكة اللي جابتني على وشي من أول مرة؟

"وجدت نفسها تبتسم دون إرادتها، طالما غازلها إذن فهو راضٍ، وإن كان راضياً فليس لديها ما تتمناه في هذه الدنيا أكثر، قال"
- يلا قومي غيري هدومك عشان نروح للدكتور

"قالت دون فهم"
- دكتور ايه؟

"قال ساخراً"
- أنف وأذن، يا نانسي هي الحامل بتروح فين؟ هنروح نتطمن عليكي يا حبيبتي!

"ضحكت رغماً عنها وشعرت بسعادة غمرتها لتلك الكلمة التي خرجت منه بعفوية وقالت بابتسامة"
- حاضر، دقايق وأجهز

"وعندما ذهبا سوياً إلى الطبيب، كان رامز يجلس إلى جوار نانسي في العيادة وهو يتأمل الحالات الموجودة.
أغلب الموجودات هنا معهن أزواجهن أيضاً، ومنهن من تصطحب صغيراً آخراً غير الذي بداخلها، يوجد أطفال جميلة هنا.
وقعت عيناه على طفل صغير ربما بعمر الثلاثة أعوام، شعره أسود لامع وعينيه خضراوين وله ضحكة رائعة، هل سيكون ابنه جميلاً هكذا؟
كانت توجد مرآة كبيرة على الحائط أمامه فنظر لنفسه فيها، هو أيضاً لديه عينين خضراوين وشعر أسود لامع، وابتسامة رائعة تجعل أجمل النساء يقعن في غرامه بمنتهى السهولة.
نظر إلى نانسي، التي كانت منشغلة بكل كيانها بقراءة مجلة "ميكي" للأطفال، هي أيضاً جميلة للغاية، وجه أبيض مستدير، عينين عسليتين تلمع في النور، وشعر ناعم وكثيف باللون الأحمر، وبشرة بيضاء وشفاه وردية، أصابع طويلة ويدين ناعمتين، وجسد ممشوق بعناية.
إن أنجبت فتاة فستكون فاتنة للغاية.
قطع شروده صوت الممرضة التي نادت باسم نانسي، أمسك بيدها وابتسم مطمئناً إياها ثم دخلا سوياً إلى الطبيب.
مر بعض الوقت قام فيه الطبيب بفحصها، ومن ثم طمأنهما بصحة الحمل وأوصى بضرورة الاهتمام بصحة الأم النفسية والجسدية حتى يتم الحمل على خير، ثم أراهما صورة الجنين على جهاز السونار.
ارتسمت ابتسامة على وجه رامز الذي كان مصدوماً مما يحدث، من يصدق أنه أصبح أباً بهذا الشكل المفاجئ؟
نظر إلى نانسي التي كانت تنظر إلى الشاشة بعينين دامعتين وابتسامة عريضة مرسومة على وجهها، وكأنها تعيش حلماً مستحيلاً ظنته لن يتحقق أبداً، ألهذا الحد أفرحها قراره بالاحتفاظ بالحمل؟ كان محقاً عندما أخبرها أن قراره هذا أفضل شيء يمكن أن يقدِّمه لها مقابل حبها له.
وعندما تركا العيادة وركبا السيارة، نظر لها ثم قال بابتسامة"
- مبسوطة؟

"نظرت إليه في فرح ثم قالت بابتسامة مسّت قلبه"
- أوي يا رامز! مش مصدقة إني شفته

"أمسك بيدها ثم قبَّلها وقال"
- كلها كام شهر وتشيليه

"دمعت عيناها لمجرد شعورها بأن الصغير بين يديها فقال سريعاً"
- هتعيطي تاني؟

"قالت من بين دموعها كالأطفال"
- مش بعيط، الدكتور قال دي هرمونات الحمل

"ضحك قائلاً"
- ابتدينا، هتقضيها تسع شهور عياط وتتحججي بالهرمونات

"ثم اتبع بابتسامة مرحة"
- بتحبي الألعاب؟

"قالت في سعادة"
- بحب العرايس اوي

"قاد السيارة متوجهاً إلى أحد أكبر محلات الألعاب في المدينة، وهناك شهد جانباً طفولياً من نانسي، التي لمعت عينيها في فرح لرؤية هذا الكم من الألعاب، كان سعيداً لسعادتها تلك فأخذها ناحية إحدى العرائس الكبيرة وقال"
- إيه رأيك في دي؟ حلوة؟

"أمسكت بها في سعادة ثم احتضنتها بشدة قائلة"
- حلوة اوي، حبيتها

"ضحك منها ثم نظر إلى بقية الألعاب فوجد لعبة أخرى على شكل دب كبير فأمسك به ونظر إلى نانسي قائلاً"
- دي هتبقى للنونو الصغير، صحيح هيبقى اسمه إيه؟

"قالت سريعاً دون تفكير"
- رامز

"سألها متعجباً"
- رامز؟ بجد؟

"اومأت قائلة"
- لازم يبقى على اسمك، عاوزاه زيك بالظبط

"ابتسم لها ثم أخذ يكرر الاسم قائلاً"
- رامز... رامز... اتنين رامز ورا بعض؟ ده صدى صوت مش اسم

"ضحكت منه فاتبع"
- طيب، بما إنه لو ولد هيبقى رامز، فلو كانت بنت هتبقى نانسي

"قالت متعجبة"
- نانسي؟!

"اومأ برأسه ثم اتبع مغازلاً إياها"
- ايوة، أنا فكرت فيها لقيت إنها هتستفيد كتير لو بقت شبهك، أصل هتودي الجمال ده كله فين؟ لازم وريثة له

"ابتسمت له قائلة"
- في حد بيعرف يقول كلام حلو زيك في الدنيا؟

"اقترب منها كثيراً ثم قال"
- مافيش، هو رامز واحد بس

"نظرت نانسي من حولها وقالت"
- الناس يا رامز!

"ابتسم في مكر قائلاً"
- ماشي، عشان الناس بس

"ابتسمت ابتسامة مراهقة صغيرة تعيش كل تلك المشاعر لأول مرة دفعة واحدة. إنه يعيد لها مشاعر ظنت أنها لن تعيشها أبداً، يعيد لها أنوثتها الحقيقية.
عندما انتهيا من رحلة التسوق تلك، عادا إلى المنزل ثانية وعندما وصلا، فتح رامز الباب ثم وضع الألعاب جانباً وحمل نانسي واتجه بها إلى الغرفة ووضعها على السرير وهو يقول"
- خلاص قرينا ميكي وشفنا النونو واشترينا العرايس، لازم الحلوة تنام وترتاح بقى

"ابتسمت لطريقته تلك وكأنه يحدِّث طفلة صغيرة، قالت"
- أنا مبسوطة، مش هعرف أنام

"هز رأسه في نفي قائلاً"
- الدكتور قال لازم ترتاحي

"ثم صمت للحظات وقال"
- كمان أنا لازم امشي

"قالت في لهفة"
- فين؟

"ابتسم قائلاً"
- هرجع البيت، زمان رامـي بيدوَّر عليا، أنا قافل تليفوني من بدري

"هزت رأسها متفهمة قبل أن تقول في هدوء"
- ممكن ماتغيبش عني كتير؟

"مسح بيده على وجنتها وقال"
- ماتخافيش، هجيلك تاني

"ابتسمت فقبَّلها قائلاً"
- تصبحي على خير يا حلوة!

"ثم خرج من الغرفة ومن المنزل كله لتتمدد هي على سريرها وتغمض عينيها في تعب وحزن،
لقد قدم لها الدنيا في عدة ساعات ثم رحل فجأة.
تنهدت بقوة وعادت تذكِّر نفسها أن ما فعله معها ليس علامة على أنه سيكون لها، هو ليس لها، ولن يكون، ستكون بالنسبة إليه أماً لطفله فقط، إنها حتى لا تطمح في أن تصبح زوجة له.
حسناً... ما يهمها فقط هو أن تراه حتى ولو لمرة واحدة كل أسبوع، ستكتفي بذلك وحسب."

.....

"وعندما عاد رامز إلى القصر، كان الوقت متأخراً فلم يشأ أن يدخل إلى غرفة رامـي فربما يكون نائماً.
صعد إلى غرفته، وبمجرد أن فتح الباب حتى شعر بأن قلبه قد توقف من الفزع عندما وجد رامـي بالداخل يجلس على السرير في الظلام.
فتح النور ثم أغلق الباب خلفه وقال دون إشارة في ضيق"
- يا أخي حرام عليك وقعت قلبي... ما تفتح النور، قاعد في الضلمة ليه كده؟

"ضحك رامـي ضحكة خفيفة ثم أشار"
- كنت مستنيك، اتأخرت اوي

"رد رامز ساخراً"
- هو أنت مراتي ولا ايه؟! ما آجي أي وقت أنا حر

"نظر له رامـي في ضيق ثم أشار"
- أنا غلطان إني قلقت عليك ومابتردش على رسايلي كمان من الصبح، أنا همشي

"وعندما همَّ بالقيام من على السرير، أوقفه رامز مشيراً"
- خلاص استنى، هقولك

"ثم صمت للحظات قبل أن يشير"
- بس مش عاوز حد يعرف أبداً، والأهم... مش عاوز عصبيتك اللي بتطلع فجأة دي

"ظل رامـي صامتاً وقد بدأ القلق يتسرب إليه، أشار رامز"
- كنت عند الدكتور، بشوف ابني

"نظر له دون فهم ثم أشار"
- ابن إيه؟

"صمت رامز قبل أن يشير"
- نانسي حامل

"نظر له رامـي في صدمة كبيرة ثم أشار"
- أنت بتقول إيه؟ ازاي؟

"أشار رامز ولا يزال محافظاً على هدوئه"
- يوم عيد ميلاد يارا رحت الفندق وقابلتها هناك ليلتها، والنهاردة قالتلي إنها حامل

"كان رامـي لا يزال مصدوماً مما علم، أشار"
- أنت متأكد إنه منك؟

"أشار رامز في غضب"
- رامـي!! أنا مش أهبل عشان آجي اكلمك عن عيل مش مني

"أشار رامـي مهدئاً إياه"
- أنا بس عاوز اعرف أنت ناوي على إيه

"أشار رامز فوراً"
- اكيد الحمل مش هينزل، عشان كده رحت أنا ونانسي للدكتور عشان اتطمن عليها

"ظل رامـي ساكناً للحظات متردداً فيما سيخبره به ولكنه أشار"
- بس يا رامز... أنت فعلاً عاوز تخلف من نانسي؟

"لانت ملامح رامز وهو يشير"
- أنا صحيح ماتوقعتش حاجة زي كده تحصل، بس... نانسي تستاهل تكون أم، نانسي بتحبني، قالتلي إنها بطلت تشتغل في الفندق ده من ساعة ما قابلتني، قررت إنها مستحيل تكون لحد تاني غيري، وأنا كنت حاسس بده، دي حاجات مابتتزيفش، نانسي من جواها إنسانة بجد ومحتاجة فرصة، وفرصتها جت في الحمل ده، ماقدرش أحرمها منها ببساطة كده، هبقى ظالم.

"ثم ارتسمت على ملامحه ابتسامة وهو يشير"
- النهاردة لما رحنا عند الدكتور وشفنا البيبي عالسونار كانت فرحانة اوي، حسيت إنها مش مصدقة اللي هي فيه، حسيت إني قدمتلها الدنيا كلها في إيديها

"ثم ضحك مشيراً"
- وبعدين رحنا محل لعب عشان نشتري شوية عرايس، كانت عاملة زي العيال الصغيرة من كتر الفرحة، حسيت إني عاوز اعملها حاجات كتير عشان افضل شايف فرحتها دي

"كان رامـي يراقب إشاراته ويشعر في داخله بأنه يفهمه تماماً بل حتى أنه يتعاطف مع نانسي، اتبع رامز"
- نانسي عارفة إن قلبي عمره ما هيكون معاها، وإن كل اللي بيننا بالنسبة لي شوية وقت حلو وبس، ودلوقتي اللي هيبقى بيننا طفل، هو الحاجة الوحيدة اللي أقدر أعوضها بيها عن الحب اللي مش هقدر أقدمهلها

"تنهد رامـي في حيرة قبل أن يشير"
- وناوي تتجوزها؟

"أشار رامز مؤكداً"
-اكيد، مستحيل ابننا يجي واحنا مش متجوزين

"نظر له رامـي قبل أن يشير"
- والعيلة؟ سليم بيه وسناء هانم؟ أكيد مش هيشوفوا الموضوع زي ما أنت شايفه

"أشار رامز في ثقة"
- موافقتهم من عدمها ماتهمنيش، أنا مش هتخلى عن ابني أبداً، أصلاً أنا لسة ماقررتش إذا هعرفهم بوجوده ولا لا

"أشار رامـي مستفهماً"
- ناوي تخبيه يعني ولا إيه؟

"هز رامز رأسه في حيرة وأشار"
- لسة مافكرتش في حاجة، كل اللي يهمني إن هو ونانسي يبقوا في أمان

"ظل رامـي ساكناً فنظر له رامز وأشار"
- هتقف جنبي يا رامـي؟

"نظر له رامـي للحظات قبل أن يبتسم مشيراً"
- هتسميه إيه؟

"ابتسم رامز في سعادة مشيراً"
- رامز... نانسي عاوزاه على اسمي عشان يبقى شبهي

"ابتسم رامـي مشيراً قبل أن يعانقه"
- مبروك يا رامز!

"عانقه رامز في سعادة وقد شعر بالراحة لمساندة أخيه له، لطالما كان رامـي يعني له كل العائلة وموافقته ودعمه هي موافقة ودعم العائلة كلها بالنسبة له.
أما رامـي، فقد كان سعيداً... لقد استطاع أن يعانق أخاه أخيراً، وشعر بالأمل في أن يتمكن من تجاوز كل العقبات النفسية التي تواجهه يوماً ما."

.....

"وبعد يومين، ذهب رامز إلى منزل نانسي، دق الباب لتمر دقائق قليلة حتى فتحت الباب أخيراً وهي ترتدي قميصاً قصيراً ومن فوقه مريلة المطبخ وتجمع شعرها إلى الأعلى مثبتة إياه بمشبك الشعر وممسكة في يدها بملعقة خشبية، قالت في سعادة"
- جيت اهو، كنت في المطبخ بحضر الغدا وإيدي مش فاضية

"دخل من الباب وأغلقه خلفه ثم نظر متأملاً إياها، إنها تبدو فاتنة حتى في شكلها الفوضوي هذا، اقترب ناحيتها ثم قال بابتسامة"
- وطابخة إيه النهاردة يا ست الستات؟

"أمسكت بيده في سعادة وقالت"
- أكلة حلوة اوي، هتاكل صوابعك وراها، تعالى معايا!

"قادته نحو المطبخ فوجد صينية متوسطة تحتوي على قطع الدجاج الشهية ويبدو من رائحتها أنها تستدعيه ليلتهمها... تماماً كما يستدعيه الشكل الفوضوي لهذه التي تقف أمامه الآن.
أخذت قطعة بالشوكة ثم قربتها من فمه فأكلها، لمعت عيناه فجأة من السعادة وقال"
- إيه ده؟ تجنن يا نانسي!

"ضحكت كالأطفال قائلة"
- بجد بجد؟

"ضحك قائلاً"
- طبعاً، أنا هخلص الصنية دي النهاردة

"قالت في سعادة"
- بالهنا والشفا يا حبيبي! أنا ممكن اعملك تاني لو عايز

"ابتسم بشقاوة قائلاً"
- هتعمليلي منها كتير، بس مش النهاردة، هو أنتِ مش عاوزاني اجيلك تاني ولا ايه؟

"قالت سريعاً في لهفة"
- يا خبر! ده بيتك يا رامز!

"ابتسم لها ثم قبّل وجنتها قائلاً"
- خلينا نتغدى دلوقتي، وبعد الغدا محضرلك مفاجأة حلوة

"قالت في تشوُّق"
- مفاجأة إيه؟

"هز رأسه في رفض قائلاً"
- مش هقولك حاجة، أنا قلت بعد الغدا

"مر بعض الوقت وهما يتناولان الغداء معاً. كانت نانسي تسأله عن عمله وعن تفاصيل يومه ليخبرها بكل شيء كعادته وهي تستمع له باهتمام كبير في سعادة، وعندما انتهى الغداء، قبّل رامز يدها قائلاً بابتسامة"
- الأكل كان حلو أوي، تسلم إيدك يا حلوة!

"ابتسمت في سعادة فاتبع وهو يقودها خارج المطبخ قائلاً"
- تعالي بقى نشوف المفاجأة اللي عاملهالك

"ثم التفت لها قائلاً"
- غمضي عينك

"أغمضت عينيها في سعادة، وبعد لحظات سمعته يقول"
- افتح يا سمسم!

"فتحت عينيها فوجدته ممسكاً بثوب أبيض حريري رائع للغاية، قال في سعادة"
- إيه رأيك؟ حلو؟

"ابتسمت نانسي قائلة"
- حلو اوي، ده شبه فساتين الفرح

"ابتسم قائلاً"
- فعلاً... هو فستان فرح

"قلّت ابتسامتها قليلاً وهي تقول"
- ده عشان مين؟

"ضحك قائلاً"
- هيكون عشان مين؟ عشانك أنتِ

"قالت وقد تحولت ابتسامتها الواسعة إلى شبح ابتسامة"
- عشاني أنا؟ ليه؟

"قال متعجباً"
- عشان نتجوز، هو في واحدة بتتجوز من غير فستان فرح؟

"اختفت ابتسامتها تماماً وقالت بصوت خافت"
- نتجوز؟

"اومأ برأسه ثم قال بابتسامة ساحرة"
- تتجوزيني يا نانسي؟


"وجدت نفسها تهز رأسها برفض قائلة"
- لا، مستحيل

"نظر لها في دهشة فأولته ظهرها وهي تهذي كالمجنونة"
- ماينفعش يا رامز! اللي بتقوله ده ماينفعش، ما...

"قاطع هذيانها بيده التي أمسكت بذراعها وألفتتها إليه رغماً عنها قائلاً"
- أنتِ بتقولي إيه؟ إيه هو اللي لا وماينفعش؟

"قالت وقد ترقرقت عينيها بالدموع"
- ماينفعش نتجوز

"سألها وقد بدأ الغضب يسيطر على ملامحه"
- ليه؟

"قالت سريعاً"
- عشان أنا مانفعش أكون مراتك، أنا كل دوري في حياتك شوية الوقت اللي بتقضيه معايا وبس، وكوني هبقى أم ابنك ده مش سبب، ماينفعش تتجوز واحدة كانت...

"قال في نبرة حادة"
- نانسي!

"نظرت إليه في خوف فاتبع قائلاً وقد قست عيناه لأول مرة في نظرته لها"
- لآخر مرة بقولك إياكِ اسمع الكلام ده مرة تانية، كل حاجة حصلت زمان تنسيها من دماغك خالص، أنتِ ليّ من ساعة ما قابلتك أول مرة لغاية دلوقتي، وهتفضلي ليّ مهما حصل، فاهمة؟؟

"اغرورقت عيناها بالدموع التي أخذت تتسلل إلى وجنتها وقالت في ضعف"
- أنا خايفة عليك، ماحدش هيقبل بحاجة زي دي، عيلتك لو عرفت هيـ...

"قاطعها ثانيةً ليقول"
- أنا مش عيل صغير عشان مابقاش واعي للي بقوله أو حتى أخاف من عيلتي

"ثم اتبع قائلاً وقد أخذ يهدئ من نفسه حتى لا تخاف أكثر"
- أنتِ لسة ماتعرفينيش كويس، وماتعرفيش إني لما اعوز حاجة ماحدش يقدر يمنعني عنها

"ثم اتبع"
- أنا مش محتاج أبلغ أي حد بجوازنا، رامـي وكرم صاحبه بس اللي يعرفوا بجوازنا الليلة دي، وهيشهدوا على العقد

"نظرت له في صدمة قائلة"
- الليلة دي؟

"أجابها قائلاً في ثقة"
- أيوة الليلة دي، مافيش أي داعي إننا ناجل الموضوع ده، ماينفعش ابننا يجي واحنا مش متجوزين

"ثم مسح دموعها وقال بوجوم على الرغم من كلماته الساخرة"
- ولو مابطلتيش عياط في كل جملة اقولهالك أنا هطلقك بعد شهر العسل، أنا ماحبش الزوجة النكدية

"فغرت فمها قائلة"
- شهر عسل؟

"عادت ابتسامته ثانيةً وقال بعد أن قرَّبها منه"
- ايوة، هما مش المتجوزين بيقضوا شهر عسل برضو؟

"نظرت إليه دون رد ولا تزال علامات الدهشة تملأ وجهها فقال بعد أن ضمها إليه"
- هعملك شهر عسل ماتنسيهوش طول عمرك

"قالت في بلاهة"
- بس أنا مالحقتش أجهز، حتى شعري ماظبطهوش

"ضحك منها ثم رفعها عن الأرض قليلاً وتوجه بها ناحية المرآة الموجودة في الغرفة، أوقفها أمامها ثم فك عنها المريلة التي ترتديها وألقاها جانباً، ثم فك مشبك الشعر الذي كانت ترفع شعرها به إلى الأعلى فانسدل شعرها الطويل الناعم على كتفيها ووجهها.
قال بعد أن ضمها إليه من الخلف وهو ينظر لها في المرآة"
- بصي لنفسك كده، تظبطي إيه بس؟ أنتِ متظبطة طبيعي

"ارتسمت الابتسامة مرة أخرى على وجهها وهي تتأمل نفسها وتنظر له في المرآة، كانت تتساءل في داخلها كيف يستطيع أن يبكيها ويضحكها في نفس الوقت، من المجنون يا تُرى؟ هو أم هي؟ قطع تساؤلاتها قائلاً"
- عاوزك تجهزي وتلبسي الفستان بسرعة عشان ننزل ومانتأخرش، لسة ورانا سفر

"التفتت له قائلة"
- سفر؟ فين؟

"قبّل وجنتها قائلاً"
- النهاردة يوم المفاجآت، كل حاجة هتعرفيها في وقتها

"حلَّ المساء، وكانت نانسي قد استعدت وبدت في أبهى صورة، كان الثوب ناعماً حريرياً يصل إلى الأرض، ضيقاً يرسم منحنيات جسدها الفاتنة، ذا حمالتين رفيعتين وشال أبيض خفيف يغطي كتفيها، وتركت شعرها الأحمر الثائر دون ربط أو وضع أية مشابك للشعر بناءاً على طلبه.
وقفت تتأمل نفسها في المرآة، إنها تبدو جميلة... تماماً كالعروس، هل حقاً هي عروس؟ أم أنه مجرد إجراء روتيني فقط لمصلحة الطفل الذي تحمله الآن؟ بالطبع هو كذلك... لولاه لما رأته مرة أخرى بعد ليلة الفندق تلك، إنه مجبر، وهي حزينة... حزينة لأنها حتى ولو ارتدت كل ليلة ثوب عرس لأجله لن تكون عروسه. عروسه الحقيقية ستكون من سكنت قلبه قبل أي شيء.
كان هو أيضاً قد استعد فأحضر معه بدلة أنيقة للغاية جعلت وسامته تشتد أكثر.
وقف يتأمل نفسه في المرآة وعلى وجهه ابتسامة مغرورة، على الرغم من غرابة ذلك الزواج المفاجئ إلا أنه سعيد، وهل يكره الزواج من امرأة مثل نانسي؟ امرأة لطالما أسعدته وتسعى دوماً لرضاه و حبه، كما أنها جميلة للغاية... جميلة بشكل لا يوصف، ولن يستطيع الاقتراب منها إلا بعقد الزواج هذا، لن يسعفه ضميره على فعل ما كان يفعله في الماضي دون قواعد محددة، لقد أصبحت أم طفله وليست فتاته الوديعة التي كان يذهب إليها متى يشاء و يرحل عنها متى يشاء، و هي لا تفعل شيء سوى الانتظار.
مر بعض الوقت حتى خرج من الغرفة التي كان يستعد فيها وذهب إلى غرفتها وطرق الباب قبل أن يدخل ويتسمَّر مكانه من فتنة ما رأى، وفجأة... أطلق صفيراً عالياً ثم هتف بعشوائية"
- يخرب بيت حلاوة الست الوالدة!

"ضحكت نانسي وأحمر وجهها، تقدم ناحيتها حتى اقترب منها كثيراً وقال"
- ده أنا طلع ذوقي حلو في الفساتين بقى

"نظرت إليه وقالت في دلال"
- الفساتين بس؟

"اقترب منها أكثر ولف ذراعيه حول خصرها قائلاً بابتسامة عابثة"
- في كل حاجة يا حلوة!

"دفعته عنها بهدوء ثم قالت بضحكة مدللة"
- يا رامز هنتأخر، أنت مش لسة كنت بتستعجلني؟!

"ابتسم قائلاً"
- ماشي، هصبر شوية كمان مايجراش حاجة

"ثم أخذها وخرجا من الغرفة ومن المنزل متوجهين إلى مكتب المأذون، وهناك كان رامـي وكرم ينتظرانهما.
لم يمر وقت طويل حتى تمت إجراءات الزواج وألبسها خاتماً من الماس رائعاً للغاية، وعندما خرجوا جميعاً من هناك، ابتسم كرم مصافحاً رامز قائلاً"
- ألف مبروك يا رامز!

"صافحه رامز قائلاً بابتسامة هو الآخر"
- الله يبارك فيك

"ابتسم رامـي مشيراً لرامز"
- مبروك!

"أشار رامز بابتسامة"
- الله يبارك فيك

"نظر رامـي إلى نانسي التي كانت ممسكة بيد رامز اليسرى واومأ لها بابتسامة خفيفة ففهمت أنه يحييها فابتسمت هي الأخرى، عاد رامـي ليلتفت إلى رامز وأشار"
- هتسافروا دلوقتي؟

"هز رامز رأسه بالإيجاب مشيراً"
- ايوة، هنرجع كمان أسبوع

"ثم اتبع"
- زي ما اتفقنا يا رامـي، مش عاوز بابا يحس بحاجة

"هز رامـي رأسه مطمئناً إياه ليشير"
- ماتقلقش، كله هيبقى تمام

"ودّع رامز كل من رامـي وكرم ثم أخذ نانسي في السيارة متوجهاً إلى المطار، وفي الطريق سألته نانسي"
-احنا مسافرين فين؟

"ابتسم قائلاً"
- باريس

"نظرت إليه وقالت في دهشة"
- باريس؟!

"اومأ قائلاً بابتسامة"
- مش قلتلك هعملك شهر عسل مايتنسيش؟

"ثم اتبع مزيناً كلماته بغمزة"
- ماتستعجليش في الأسئلة، كله في وقته حلو

.....

"ودَّع رامـي كرم، الذي ذهب إلى زوجته وطفله الصغير اللذان قد وعدهما بنزهة إلى السينما، وقرر الذهاب إلى الشركة.
ولم يدرِ بالفعل ما الذي حثه على الذهاب هناك، ولكنه التقي بشمس، التي كانت تسير متعثرة في أغراضها الكثيرة التي تنوعت بين حقيبة حاسوبها وأوراق المشاريع وحقيبة يدها الكبيرة التي كانت تنظر فيها أثناء السير وتبحث عن شيء ما حتى اصطدمت به هو الذي كان يسير شارداً أيضاً وعاد من شروده على ما حدث للتو.
نظرت إليه في صدمة ثم قالت سريعاً"
- أنا آسفة جداً ماشفتش حضرتك

"ثم همت بالتقاط حقيبتها التي سقطت على الأرض، ولكنه أشار لها بأن تبقى كما هي ليهم هو بالتقاطها ولمح بالداخل دفتراً صغيراً كان مفتوحاً على رسمة غير مكتملة، ولسبب ما لا يعلمه شعر أنه يعرف تلك العين جيداً، ولكنه لا يدري لمن تكون.
عندما أعطاها الحقيبة، ابتسمت بامتنان فنظر لها وكأنه يريد أن يقول شيئاً، ولسبب ما لا تعلمه هي الأخرى، لم ترحلْ بل ظلت متوقفة تنتظر الشيء الذي يريد قوله، وجدت نفسها تقول"
- حضرتك عاوز تقول حاجة؟

"نظر لها ثم اومأ برأسه فنظرت له نظرة تستدعيه بأن يخبرها، أمسك بهاتفه وكتب بسرعة"
- ممكن نروح المكان اللي قعدنا فيه سوى أول مرة؟

"نظرت إليه للحظات، هل لا يزال يذكر تلك الليلة؟ لقد ظنت أنه قد نسيها تماماً.
كانت بالفعل ذاهبة إلى هناك لتستريح قليلاً ولتكمل رسمتها الغير مكتملة، ولكن هل يوجد أفضل من مجالسة الأصل بدلاً عن الصورة؟
وجدت نفسها تقول بابتسامة هادئة"
- اكيد

"ابتسم في راحة، إنه بالفعل بحاجة إلى الجلوس مع شخص ما بدلاً من قضاء ليلته وحيداً يفكر في كل العبث الذي تسبب فيه رامز وكل التحقيقات التي سيجريها والده معه في الغد.
شعرت هي بتأثير موافقتها عليه وتعجبت، هل حقاً موافقتها كانت هامة إلى هذه الدرجة؟
وجدته يشير لها لتتقدمه إلى حيث المصعد فتوجهت معه ونزلا سوياً إلى الجراج للذهاب في سيارته إلى هناك.
وعندما وصلا، جلسا عند نفس الطاولة التي جلسا عندها أول مرة، وطلبت شمس القهوة لرامـي ولنفسها عصير برتقال.
كان رامـي ينظر إلى الطريق من خلف النافذة في شرود وبدى كأنه يفكر في شيء محزن لأنها لمحت طيف من الحزن مر بعينيه.
إنه تركيبة غريبة للغاية، كيف يجمع كل تلك الصفات المتناقضة؟ لو كانت مكانه لجُنَّت منذ زمن.
مر بعض الوقت في هذا الصمت الغريب حتى أتى النادل بالمشروبين ووضعها أمامهما ثم رحل، وجدته قد عاد من شروده لانتباهه لحركة النادل ثم أخذ رشفة من قهوته، وعندما نظر لها، لم تستطع منع فضولها وسألته"
- أنا أول مرة اشوف حضرتك في الشركة في الوقت ده، كان في مشكلة؟

"ظل ساكناً فأخذت تؤنب نفسها على سؤالها حتى وجدته يكتب"
- لا ماكانش فيه مشكلة، وماعرفش أنا رحت هناك ليه

"تعجبت من إجابته كثيراً ودفعتها حالته الهادئة تلك لسؤاله"
- باشمهندس رامـي! حضرتك كويس؟

"نظر لها قبل أن يكتب"
- بلاش باشمهندس وحضرتك برة الشغل، مش لايقة عالجو هنا

"قالت بابتسامة متعجبة"
- نهال قالتلي إنك بتحب الرسمية

"ابتسم ثم كتب"
- في الشغل بس عشان مابحبش التهريج، لكن برة الشغل أنا رامـي عادي

"ابتسمت متفهمة فاتبع"
- بدأتي تتعلمي لغة الإشارة؟

"اومأت بالإيجاب فاتبع في اهتمام"
- وصلتي لفين؟

"قالت وهي تعيد الحركات التي تعلمتها بيدها الموضوعة على الطاولة دون شعور، وهو يطالعها ولا يفهم منها شيئاً فهي توحي بحروف متفرقة فقط"
- اتعلمت الحروف بس لسة ماقدرش اتعامل بيها

"ثم اتبعت بابتسامة مُحرَجة"
- يعني لسة هنحتاج الموبايل شوية

"ابتسم لها ثم كتب"
- أنا متأكد إنك هتتعلميها بسرعة

"ابتسمت له دون رد فاتبع بعد تردد"
- أنتِ لسة زعلانة مني يا شمس؟

"نظرت إليه دون رد، ما به؟ شعرت بالضيق لذكرى ما حدث منذ مدة ولكنها قالت ببساطة"
- كنت مضايقة جداً في الأول بس دلوقتي خلاص... مش زعلانة

"ابتسم لها فاتبعت"
- على فكرة أنت تركيبة غريبة اوي

"نظر لها في تعجب فاتبعت بمنتهى التلقائية"
- يعني أول مرة اتكلمنا فيها كنت بسيط أوي واعتذرتلي عن موقف سلم الحريق، وبعدين اتقابلنا صدفة هنا وكنت بتتكلم وبتضحك معايا لدرجة إني نسيت إنك مديري وحسيت إني بكلم واحد صاحبي...

"لم تتغير نظراته المتعجبة وهي تتحدث محللة إياه بمنتهى البساطة لتتبع بنفس الطريقة"
- وبعدين فجأة شفت حد تاني خالص عنده من الشدة والغرور اللي يكره الناس فيه، ودلوقتي تاني بشوف الشخص الطيب اللي بيضحك ويعتذر

"ثم ختمت حديثها بطريقة المحققين"
- أنت ليك أخ تؤام؟!

"وجد نفسه يضحك بشدة من كلماتها فأخذت تراقبه هي مبتسمة، كتب مفسراً لها"
- أنا دايماً الشخص الطيب البسيط، وأنتِ من الناس القليلين اللي شافوا الوش التاني، يعني أنتِ السبب.

"قالت وقد رفعت حاجبها الأيسر في مرح"
- احنا هنعيده تاني؟

"ضحك ثم كتب"
- لا خلاص، أنا كمان مابحبش الوش التاني

"ضحكت هي الأخرى فاتبع"
- على فكرة... أنا ماقلتش سرك لحد لما مشيتي

"نظرت إلى الهاتف في صدمة ثم نظرت إليه فوجدته يطالعها بابتسامة فقالت"
- أنت عرفت منين إني فكرت في الموضوع ده؟

"ضحك ثم كتب"
- رامز كان معاه حق، كلكم نفس الكتاب

"نظرت إليه باستغراب فاتبع"
- كان بيقول إن البنات لما بيزعلوا من حاجة كبيرة بيفكروا جنبها في حاجات صغيرة عشان يزعلوا مرة واحدة

"رفعت حاجبيها في دهشة وهي تقرأ جملته، لقد أخبرتها ندى بأن رامز يتحدث بمهارة وخبرة فائقة عن كل ما يتعلق بنفسية الفتيات من وجهة نظره، ولكنها لم تكن تعلم أن خبرته قد انتقلت إلى أخيه، والذي أجاد استخدامها وكأنه كان يجلس داخل رأسها عندما كانت تبكي في سلم الحريق.
نظرت إليه وقالت في غيظ طفيف"
- واضح إن مواضيعكم سوى شيقة أوي

"ضحك منها ثم كتب"
- يعني أنا صح؟

"صمتت للحظات قبل أن تعترف قائلة"
- أيوة، للأسف

"ابتسم دون رد فاتبعت"
- بس أنا كده عرفت إن خناقاتنا هتبقى شريفة ومافيهاش فضح للأسرار

"كتب متعجباً"
- خناقاتنا؟!

"نظرت إليه مبتسمة في ثقة قائلة"
- ماعتقدش إنها هتكون آخر خناقة بيننا

"ثم مالت على الطاولة وقالت في تحدٍ"
- ولا أنت ناوي تنسحب؟

"مال هو الآخر على الطاولة وكتب بنظرة مليئة بالتحدي"
- أنا مابنسحبش، أنا بكمل لآخر نفس.

.....

"وعندما وصلا فرنسا وذهبا إلى الفندق المطل على شواطئ الريفيرا الساحرة، رحبت بهما موظفة الاستقبال وهنأتهما بالزواج، وأعطت رامز مفتاح الجناح الذي قام بحجزه مسبقاً لقضاء أسبوع كامل فيه.
كانت نانسي تراقب المكان من حولهما في صمت وهدوء مثلما كانت تفعل طوال الطريق بين شوارع المدينة التي مرّا بها وصولاً إلى الفندق.
عادت من شرودها عندما شعرت بيد رامز التي أحاطت بخصرها فوجدته يبتسم لها ويقدمها أمامه وصولاً إلى المصعد.
وعندما وصلا إلى الطابق الخاص بالجناح، حملها فجأة فانطلقت منها صرخة صغيرة، قالت"
- أنت بتعمل إيه؟

"ضحك قائلاً"
- هو مش العريس بيشيل عروسته ليلة الدخلة ولا ايه؟

"كررت كلمته بابتسامة ساخرة"
- ليلة الدخلة؟!

"ابتسم رامز في مكر وقد فهم قصدها وقال بعبثية"
- الليلة دي غير يا حلوة!

"لأول مرة تشعر بالتوتر فخبئت وجهها في عنقه حتى لا يراها فانطلقت منه ضحكة ماكرة حتى وصلا إلى الجناح ليفتح الباب ويتقدم إلى الداخل ويغلقه بقدمه ثم سار بها إلى حيث غرفة النوم."

****

"لم تمر ساعات طويلة على نومهما حتى شعرت نانسي بأصابعه التي كانت تدور على ملامح وجهها لتستيقظ.
فتحت عينيها ببطء عندما شعرت بنقطة ماء نزلت على وجهها فوجدته يجلس إلى جوارها بشعره المبلل وقد هز رأسه قليلاً ليتطاير الماء فوق وجهها وتستيقظ، ضحكت كثيراً ليقول بابتسامة"
- صباح الخير يا حلوة!

"تنهدت في راحة وهي تتأمل تقاسيم وجهه الرائعة وقد بللتها المياه ثم مدت يدها لتزيح خصلات شعره القصيرة وتعيدها إلى الوراء وهي تقول"
- صباح النور يا حبيبي!

"قال وهو يجلسها إلى جواره"
- عايز نشاط، قومي خدي دوش بسرعة عشان هننزل البحر

"نظرت إليه قائلة"
- البحر؟

"اومأ برأسه فاتبعت"
- بس أنا مابعرفش اعوم

"ابتسم بعبث قائلاً"
- امال أنا موجود ليه يا ننوستي؟!

"ابتسمت نانسي في سعادة لتلك اللحظات الرائعة التي تعيشها دفعة واحدة منذ البارحة حتى شعرت بأنها تكاد تصاب بإغماء مفاجئ.
لم يمر وقت طويل حتى أنهت حمامها وخرجت لتجد زي سباحة فاتن جداً من نفس درجة لون شعرها في انتظارها، هيأت شعرها ورفعته لأعلى ثم ارتدته ومن فوقه ثوباً خفيفاً حريرياً ملائماً للشاطئ.
وجدت رامز يدخل إليها وقد استعد هو الآخر ولكنه حين دخل ورآها عقد حاجبيه في ضيق، إنها تعرف تلك النظرة التي تصدر من عينيه عندما يجد ما لا يسره، قالت في قلق"
- ايه الوحش؟

"اقترب ناحيتها ثم نظر إليها للحظات قبل أن ينزع مشابك الشعر لينسدل شعرها مرة أخرى بحرية، نظر لها وهو لا يزال عاقداً حاجبيه وقال بلهجة شبه آمرة"
- مش عاوز اشوفه مرفوع تاني، مفهوم؟

"اومأت برأسها بسرعة فنظر لها للحظات قبل أن يقول"
- يلا ننزل

"رفعت كتفيها لأعلى علامة على الرفض فقال"
- في إيه؟

"قالت متصنعة العبوس"
- مش هنزل وأنت كده

"ضم حاجبيه أكثر متسائلاً"
- كده ازاي؟

"مدت إصبعيها ناحية جبهته وأخذت تسير بهما بين حاجبيه بطريقة دائرية وهي تقول بدلال"
- ماحبش اشوف حبيبي مكشر

"لم يستطع المقاومة أكثر ففك عقدة حاجبيه ثم أسند جبهته إلى جبهتها وهو يطوقها بذراعيه قائلاً"
- خلينا نخرج من هنا بدل ما ألغي الفكرة حالاً

"ضحكت منه فحملها خارجاً بها من الغرفة سريعاً متوجهاً إلى الشاطئ الذي قضيا في بحره النهار بأكمله وهو يعلمها السباحة وهي تعلمه النسيان."

.....

"استيقظ رامـي من نومه دون كوابيس كالعادة، كان هذا نفس التأثير عندما قابلها أول مرة بنفس المكان، قضى ليلته دون كوابيس.
قام من سريره ليأخذ حماماً دافئاً، وقبل أن يخرج، توقف أمام المرآة وأطال النظر في عينيه قليلاً اللتين اتسعتا في دهشة عندما تذكر العين التي كانت في الدفتر، هل كانت ترسمه؟ لا... مستحيل.
خرج من الحمام سريعاً ثم ارتدى ملابسه وخرج من الغرفة وهو على استعداد لتساؤلات أبيه المتوقعة.
وعندما نزل إلى الأسفل، كان السيد سليم يجلس على رأس الطاولة وسالي تجلس على يساره فجلس هو على يمينه وأشار بابتسامة"
- صباح الخير يا بابا!

"ابتسم أبيه مشيراً"
- صباح النور

"مرت دقائق وهم يتناولون الإفطار حتى سأله والده"
- هو رامز فين؟

"صمت رامـي للحظات قبل أن يشير في ثقة"
- مسافر

"سأله والده بدوره"
- فين؟

"أشار رامـي سريعاً حتى لا تبدو إجاباته مترددة"
- في شغل

"أشار والده متعجباً"
- شغل؟ بس احنا ماعندناش شغل برة يستدعي سفر حد مننا

"أشار رامـي في ثبات"
- شغل يخصني أنا... تبع شركتي الخاصة

"صمت والده قبل أن يشير"
- ورامز يسافر في شغل يخصك ليه؟

"أشار رامـي ولا يزال محتفظاً بثقته"
- في شركة برة مصر عايزين نتعامل معاها من مدة بس للأسف مترددين يوافقوا، وبالصدفة مديرها طلع يعرف رامز، اتفقنا يسافر هو مع كرم ويحاول يقنعه بالتعامل معانا، وبعدها أنا هسافر بنفسي عشان نتمم كل حاجة خصوصاً إني مش فاضي الفترة دي عشان بخلص حاجات هنا بخصوص مشروعنا

"هز والده رأسه متفهماً فالتقط رامـي أنفاسه لأن كذبته قد تمت للنهاية دون أن تنكشف،
وبعد أن أنهوا فطورهم، طلب رامـي من والده الحديث معه في أمر ما فذهبا سوياً إلى غرفة المكتب، وعندما جلسا أشار والده"
- خير يا رامـي؟ موضوع إيه اللي عايزني فيه؟

"صمت رامـي للحظات قبل أن يشير"
- أنا عاوز ارجع المزرعة تاني

"نظر والده إليه وبدى عليه الضيق وأشار"
- ليه؟ هو في حاجة ضايقتك هنا؟

"رد رامي مشيراً"
- مافيش حاجة حصلت بس أنا برتاح هناك، وجيت هنا عشان زيارة عمتو سناء، وخلاص الزيارة خلصت

"نظر والده له قبل أن يشير"
- ووجودك معايا هنا مش سبب؟

"ظل رامـي صامتاً لا يجد رداً فاتبع والده مشيراً"
- اللي يريحك

"ابتسم رامـي له ابتسامة خفيفة قبل أن يتبع"
- في موضوع كمان

"نظر والده له متسائلاً فاتبع"
- الوعد اللي حضرتك وعدتهولي قصاد إني ارجع الشركة

"تنهد والده ثم أشار"
- مش ناسي يا رامـي، أنا فعلاً بدور عليها وأول ما أوصلها هقولك

"ثم نظر له قبل أن يشير"
- أنا اديتلك كلمة ومش هخل بيها

"هز رامـي رأسه متفهماً ثم استأذنه ليذهب فأذن له، وعندما خرج، ظل هو جالساً في مكانه يفكر، لن يخبره بمكانها الآن، لديه حديث معها أولاً."

****
"ذهب إلى منطقة راقية بعيدة عن منطقتهم، وتوقف بسيارته أمام منزلها ليراها، كانت تعيش في منزل متوسط ولديه حديقة صغيرة مليئة بالأزهار خاصة التيوليب، والتي لطالما كانت أزهارها المفضلة.
كانت تتجول في الحديقة تسقي الأزهار فراح يتأملها، لا تزال جميلة كما كانت رغم مرور خمسة وعشرين عاماً، إنها حتى لا تزال أجمل من شقرائه المجنونة التي تزوجها في تلك اللحظات التي غلبه فيها غروره.
لا تزال محتفظة بسواد شعرها ولم تسمح للخصل البيضاء بانتهاك جماله كما أوشك الشيب أن يفعل معه.
وعندما دخلت إلى المنزل، قرر النزول من السيارة والتوجه إلى المنزل ليواجهها بعد كل تلك السنوات.
عندما وصل ناحية الباب، توقف قليلاً أمامه قبل أن يرن الجرس، مرت لحظات حتى فُتِحَ الباب وواجهته عينان خضراوان لطالما أحب النظر إليهما فيما مضى، كان وجهها بشوشاً مرسوماً عليه ابتسامة رائعة سرعان ما اختفت عندما رأته."

***

"بعد أن أنهت عملها بالحديقة، دخلت إلى المنزل وبدّلت ثيابها، وتوقفت أمام المرآة للحظات،
لأول مرة لا يبدو الإرهاق في عينيها التي لطالما امتلأت بالدموع كل ليلة حتى تنام، نظرت إلى الصورة الموجودة إلي جانب المرآة وشردت فيها للحظات.
كانت صورتها هي وسليم ورامز الذي كان لا يزال في الرابعة من عمره ورامـي الذي كان في الثانية ممسكاً بلعبته الأثيرة التي أهدته إياها في عيد ميلاده، هل لا يزال محتفظاً بها؟
ابتسمت في حزن حتى قطع شرودها صوت الجرس فذهبت لتفتحه لتصدم بوجوده أمامها، لم تتوقع أبداً رؤيته بعد كل تلك السنوات، لم تكن تتوقع حتى عندما عادت إلى مصر منذ أشهر قليلة أنه سيعلم بهذه السرعة ويأتي، هل لا يزال يتقصى أخبارها إلى الآن؟
لم يتغير كثيراً، لا يزال محتفظاً بهيبته وطلته المغرورة ونظرته الحادة من عينيه الرمادية اللامعة ورأسه المرفوع في كبرياء.
مرت دقائق قليلة حتى قطع هو الصمت قائلاً بصوته العميق"
- إيه يا رقية! مش هتقوليلي اتفضل؟!

"اشتعل خضار عينيها في غضب قائلاً"
- ايه اللي جابك يا سليم؟

"ابتسامة جانبية ثم دخل دون إذن وهو يقول"
- ماتعودتش عليكي تعاملي ضيوفك كده

"قالت في حنق"
- لما يبقوا ضيوف مرغوب فيهم

"جلس على الكرسي ثم وضع ساقاً فوق أخرى وقال في ثقة"
- خلاص مابقاش مرغوب فيّ؟

"قالت في ضيق"
- إيه اللي فكرك بيّ بعد السنين دي كلها؟

"ابتسم في ثقة قائلاً"
- أنا مانسيتش عشان افتكر، أنتِ اللي شكلك نسيتي

"نظرت إليه في تعجب متسائلة"
- نسيت ايه؟

"قال ببساطة"
- ولادنا، نسيتيهم؟

"قالت في لهفة"
- هما فين؟ جم معاك؟

"هز رأسه في نفي قائلاً"
- بس هييجوا، ده الموضوع اللي أنا جايلك عشانه

"اقتربت ناحيته ثم جلست على الكرسي المجاور له وقالت سريعاً"
- هييجوا امتى؟ هما عاملين إيه؟

"نظر لها ليرى ملامح وجهها الملهوفة والمتشوقة لابنيها ثم قال"
- كويسين، كبروا واتغيروا كتير عن زمان

"ترددت قبل أن تسأل"
- رامز لسة زعلان مني؟

"رد قائلاً"
- مابيتكلمش، بس أنا عارف، أنتِ وحشاه

"لمعت عينيها بدموع لم تنزل وقالت بصوت خافت"
- ورامـي؟

"رد في ضيق"
- هو اللي خلاني ادور عليكي واوصلك، رامـي بقاله خمسة وعشرين سنة بعيد عني بسببك

"قالت بصوت منخنق ضائق"
- بسببي أنا؟ لسة شايفني السبب في كل اللي حصل يا سليم؟ لسة مش عاوز تعترف باللي عملته؟

"قال في كبر وعناد"
- أنا مش جايلك النهاردة عشان نتكلم في مين السبب، أنا عاوز السد اللي بيني وبينه ينهار، ومافيش أي حاجة هتساعدني غير إني اخليه يشوفك، أنا وعدته.

"ظلت صامتة، ولكن نظرات عينيها المعاتبة والمجروحة كانت تصرخ بدلاً عنها، اتبع قائلاً"
- في حاجتين عاوزك تعرفيهم قبل ما تشوفي رامـي تحديداً

"قالت بصوت خافت"
- إيه هما؟

"قال في قوة"
- رامـي من بعد اللي حصل زمان وهو رافض يقرب من أي حد، مابيطيقش إن حد يلمسه أو يحضنه، يعني لما يجي ويشوفك ماتقربيش منه غير إذا هو اخد الخطوة دي، مفهوم؟

"بمجرد أن أنهى جملته نزلت دموعها رغماً عنها فلم يتوقف بل اتبع"
- والحاجة التانية...

"صمت للحظات قبل أن يكمل"
- رامـي حاول يهرب بعد ما أنتِ مشيتي، ورجع وهو عنده حمى شديدة خرج منها بعد فترة كبيرة بس للأسف...

"عاد ليصمت ثانية قبل أن يكمل في حزن"
- بقى أصم

"شهقت رقية في صدمة ولم تتمالك أعصابها فقامت من مكانها وقالت"
- أنت بتقول ايه؟ رامـي بقى أصم؟

"حاول أن يتكلم ولكنها قالت في غضب"
- هي دي الرعاية وهو ده الأمان اللي اخدتهم مني بحجته؟؟ هي دي الأمانة يا سليم؟

"قال في غضب"
-وطي صوتك

"صرخت فيه قائلة"
- حرمتني منه زمان ودلوقتي حرمتني من حضنه وصوته، أنت إيه؟ ماعندكش قلب؟!

"صرخ قائلاً"
- رقية!!

"نظرت إليه في صدمة فاتبع قائلاً في قوة"
- أنا أقدر افهمهم إنك متّي وماتشوفيش حتى ضلهم، لولا الوعد اللي وعدته لرامـي أنا ماكنتش جيت، أنا هعمل المستحيل عشان ماخسرش ولادي، ولو عالتربية فأنا قدمتلهم حاجات أنتِ عمرك ما كنتي هتقدري عليها، ولادنا مابقوش عيال، بقوا رجالة وناجحين، رامز بيدير شركتي معايا دلوقتي ورامـي بقى عنده شركة لوحده يعني حياتهم ماوقفتش.

"ابتسمت في يأس قائلة"
- وعرفت تعوضهم عن حنيتي؟ ولا فلوسك كانت كفاية؟

"قال في ثقة"
- سناء ربتهم أحسن تربية كأنهم ولادها وأكتر، ولما هتشوفيهم هتعرفي ده

"ثم اتبع في عناد"
- ماحدش قالك تبعدي

"قالت في يأس"
- عمرك ما هتتغير، نفس الكِبر والغرور

"قال غير مبالياً"
- مش مهم، أنا حبيت آجي واشرحلك كل حاجة عشان ماتتفاجئيش

"ثم اتبع محذراً"
- عشان مش هقبل أي نظرة أو إحساس بالشفقة ناحية رامـي، مش عاوزه يحس للحظة إنه عاجز أو أقل من حد

"قالت في غضب"
- أنا عمري ما ابص لولادي بالطريقة دي يا سليم! ولادي كانوا وهيفضلوا أحسن ولاد في الدنيا

"اطمئن لأن رسالته قد وصلت فقام من مكانه ثم توجه ناحية الباب وقال قبل أن يرحل"
- أنا هبلغهم بمكانك وهما يجولك وقت ما يحبوا، مع السلامة!

"وعندما رحل وأغلق الباب خلفه، عادت لتجلس على الكرسي واجهشت بالبكاء، لم يتغير فيه أي شيء، لا يزال يحمِّلها ذنب كل ما حدث، عاد ليوجع قلبها مجدداً على ابنيها ثم رحل، وفي ذهنها، أخذ سؤالاً مؤلماً يتردد... لماذا لم يُجِد الحب بقدر ما أجاد الجرح؟"

.....

"بعد أسبوع كامل من لحظات لا تنسى، عاد رامز على مضض من سفره، ولكن قضى ليلة عودته في منزل نانسي.
وفي الصباح، وأثناء ما كان هو يستعد للذهاب، كانت تجلس في سريرها تتأمله بابتسامة هادئة، وعندما انتهى من تبديل ملابسه وتوقف أمام المرآة، قامت من مكانها وتوجهت ناحيته وأمسكت بزجاجة العطر ورشَّت له منها ثم وضعتها مكانها ونظرت إليه في عشق قائلة"
- تجنن!

"ابتسم ابتسامة ساحرة فاتبعت وهي تعدِّل من رابطة عنقه"
- هشوفك تاني امتى؟

"رد قائلاً"
- مش عارف، بس هكون معاكي في ميعاد المتابعة أكيد

"ابتسمت في حنان قائلة"
- هتوحشني اوي

"ابتسم لها ثم أمسك بذقنها وقرَّب وجهها منه ليقبّلها قائلاً"
- سلام يا حلوة!

***

"عندما وصل رامز إلى الشركة، وفي طريقه إلى مكتبه، وجد سما وزينة وندى يتحدثن إلى جانب المصعد.
وعندما تقدم ناحيتهما ولمحته زينة، نبهت ندى وسما فتوقفتا عن الحديث، وعندما وصل إليهن، قال بطريقة خالية من السخرية على غير العادة"
- سايبين شغلكم وواقفين تحكوا هنا، برافو!

"شعرت كل من زينة وسما بالخجل بينما كانت ندى تنظر إليه بغرابة، نظر إلى زينة ثم قال"
- أنتِ مش مكانك تحت؟ طالعة فوق ليه؟

"هربت الدماء من وجهها فاتبع قائلاً في حزم"
- اتفضلي على شغلك، يلا!

"هربت مسرعة من أمامه بينما التفت هو إلى سما وقال"
- وأنتِ يا سما؟ أنا ماتعودتش اشوفك سايبة شغلك وواقفة بتحكي في الدور كده

"قالت سما في أسف"
- أنا آسفة يا باشمهندس! مش هتتكرر تاني

"اومأ برأسه قائلاً"
- تمام، اتفضلي على شغلك!

"وعندما رحلت سما أيضاً، ظلت ندى بمفردها أمامه، ظل ناظراً إليها للحظات بوجه واجم حتى ارتسمت ابتسامة مفاجئة على وجهه وقال"
- ازيك يا ندى؟

"ضمت حاجبيها في تعجب، كيف كان يتحدث معنفاً وكيف الآن يبتسم وكأن شيئاً لم يحدث؟ حتماً هو مجنون.
قالت وقد وضعت خصلات قليلة من شعرها خلف أذنها"
- كويسة

"قال وقد وضع يده في جيبه"
- مخصوم منك يوم

"نظرت إليه في دهشة ثم قالت"
- ليه؟ أنا عملت ايه؟

"قال ببساطة"
- أبداً، سايبة شغلك وواقفة بتحكي، ده وقت شغل مش استراحة

"قالت في ضيق وقد نسيت مع من تتحدث"
- ولما كنت بخرج من الشركة عشان اشرب كابتشينو مع صاحبها ماكانش وقت شغل؟

"ابتسم وقد أعجبته جرأتها ثم انحنى قليلاً حتى أصبح وجهه قريباً منها وقال"
- استراحتك أنا اللي بحددها يا ندى، وشغلك كمان أنا اللي بحدده، فاهمة؟

"عندما فعل ذلك، شعرت بأن قلبها قد سقط في قدميها، كيف سمحت له بأن يحدِّد ويتحكم بهذا الشكل؟ من أين له بهذا التسلط؟ ومن أين لها بهذا الضعف أمامه؟ كانت تنظر له غيظ فاتبع وقد استقام مجدداً"
- اتفضلي على مكتبك، وعاوزك تجيبيلي كل الشغل اللي كلفتك به قبل سفري، مفهوم؟

"ظلت صامتة ولم تتحرك، فقط تنظر إليه في غيظ فاتبع وقد انحنى مجدداً وكأنه يخاطب طفلة صغيرة"
- مفهوم يا ندى؟

"قالت بغضب مكبوت"
- مفهوم!

"ابتعدت من أمامه وهي تدب الأرض في غيظ بينما كان هو يطالعها بابتسامة ضاحكة من منظرها، ثم دخل إلى المصعد متوجهاً إلى مكتب والده، وعندما وصل هناك ورآه والده قال"
- حمد لله عالسلامة يا رامز بيه! عاش مين شافك والله

"رد رامز في ثبات محاولاً إخفاء ارتباكه"
- الله يسلمك يا بابا

"نظر له والده ثم قال"
- كنت فين؟

"كان رامـي يقف خلف والده فأشار سريعاً من خلفه أن يخبره بأنه كان في رحلة عمل تخص شركته، قال رامز في ثقة"
- كنت في سفرية شغل تبع شركة رامـي

"بدى والده أنه لم يصدقه فالتفت إلى رامـي الذي كان يقف محاولاً أن يبدو طبيعياً فقال"
- أنا متأكد إنكم مخبيين عليا حاجة، ده العادي بتاعكم.

"ظل كل منهما صامتاً فاتبع والدهما"
- اقعدوا انتو الاتنين، في موضوع عايزكم فيه

"جلس رامز ورامـي على الكرسيين المقابلين للمكتب بينما جلس والدهما على الكرسي الكبير، ظل صامتاً للحظات حتى قال"
- أنا لقيت مكان رقية

"نظر له رامز في صدمة بينما شعر رامـي بأن قلبه قد انكمش بداخله، اتبع والدهما قائلاً"
- ورحت قابلتها عشان اعرفها إنكم هتزوروها قريب، وهي مستنياكم

"قال رامز بصوت خافت"
- هي فين؟

"أعطاه والده ورقة صغيرة ثم قال"
- ده العنوان، تقدروا تزوروها دلوقتي لو حابين

"ثم نظر إلى رامـي، الذي كان ساكناً ولا يوجد تعبير واضح على وجهه، وقال"
- اعتقد إني كده وفيت بوعدي ليك يا رامـي

"نظر له دون رد حتى أشار"
- قلتلها إني مش هقدر اسمعها أو اكلمها؟

"رغم بساطة السؤال إلا أن والده قد شعر بأنه سهم اخترقه، قال"
- اعتقد دي حاجة كان لازم تعرفها مسبقاً عشان ماتبقاش متفاجئة، صح؟

"اومأ رامـي برأسه في هدوء ثم أشار"
- بعد إذن حضرتك، هروح مكتبي

"أذن له والده فقام من مكانه وخرج متوجهاً إلى مكتبه، وبعدها التفت هو إلى رامز وقال"
- بتعمل ايه من ورايا يا رامز؟

"كان رامز شارداً في الورقة ولا يزال متأثراً بخبر مكان والدته، قال والده بصوت أعلى"
- رامز!

"عاد رامز من شروده ونظر إليه فاتبع"
- كنت فين الأسبوع ده كله؟

"ظل رامز صامتاً دون رد فاتبع والده"
- أنا متأكد إنه ماكانش شغل

"قال رامز في ثقة"
- ايوة، ماكانش شغل

"إن كان رامـي يمثل جانباً قوياً منه، فإن رامز كذلك أيضاً، يمثل قوة هي ما تجبره على السكوت عن أفعاله الطائشة وصفاته السوداء التي قد أخذها منه كلها.
لم يشبه والدته في شيء سوى عينيها الخضراء وروحها المرحة.
قال في غموض"
- كان ايه؟

"نظر له رامز ثم قال"
- حضرتك عارف إني مابتكلمش عن أي حاجة تخصني بشكل شخصي

"لم يلتفت والده لما قال بل أكمل أسئلته قائلاً"
- كنت مع واحدة مش كده؟

"قال رامز بمنتهى البساطة و الوضوح"
- ايوة... واحدة

"قال والده في غيظ"
- إيه البجاحة اللي أنت فيها دي؟ سايب شغلك وبتتسرمح هنا وهنا، وجاي تتكلم ولا كأنك عملت حاجة؟!

"رد رامز ولا يزال محتفظاً بهدوئه"
- حضرتك طلبت الحقيقة وأنا قلتهالك، والشغل ماتأثرش أبداً، أنا كنت مكلفهم بحاجات في غيابي وهشوفها النهاردة

"قال والده غير ملتفتاً لما قال"
- كنت مع مين؟

"ابتسم رامز قائلاً"
- حضرتك طلبت تعرف أنا كنت مسافر ليه وجاوبت، اكتر من كده ماعتقدش إنه يهم حد

"قال والده في قوة"
- رامز! أنا بقالي سنين ساكت على عمايلك ومابقولش حاجة، مابيشفعلكش عندي غير إن عمرك ما خذلتني في الشغل، لكن لازم تعرف إن كل شيء له حدود، وصبري عليك له آخر

"قال رامز ببساطة"
- أنا مش عيل صغير يا بابا، ومتهيألي طالما بعمل اللي عليا في الشغل يبقى ماحدش له الحق يتدخل في حياتي الشخصية

"قال والده في غضب"
- هو أنا بكلم موظف عندي؟ أنت ناسي أنت ابن مين؟

"ابتسم رامز قائلاً في ثقة"
- لازم دايماً افتكر إني ابن سليم الراوي، لكن هو مش لازم يفتكر إني ابنه، مش كده؟

"نظر له والده في دهشة قائلاً"
- أنت بتقول ايه؟

"اتبع رامز معبراً لأول مرة عما يدور في رأسه منذ سنوات"
- لو ماكنتش نجحت في شغلي هنا كان زمان حضرتك حاسبتني عاللي بعمله، لو ماكنتش بوافق حضرتك في قراراتك كان زماني بعيد، كل حاجة قدمتهالي كان قصادها مقابل، من غيره ماكنتش هبقى موجود هنا دلوقتي

"كان والده يستمع إلى كلماته في صدمة، لم يتخيل أنه يخبئ له كل ذلك من قبل، اتبع رامز قائلاً في هدوء"
- المشكلة إن رغم كل ده لسة ماحسيتش إني قدرت آخد المقابل منك وأقرب، ولسة حضرتك شايف رامـي كل حاجة، وأنا ولا حاجة غير مدير شاطر بينجّح الشركة وبس.

"قال والده في هدوء "
- هو ده اللي أنت ساكت عليه السنين دي كلها؟

"ابتسم رامز قائلاً"
- قلت لحضرتك قبل كده، ماعنديش نص الشجاعة اللي رامـي بيقدر يواجهك بيها

"ثم تنهد قائلاً"
- بس خلاص، مافيش داعي أي حاجة تستخبى، حضرتك دايماً بتثبتلي إن إحساسي صح

"وقبل أن يتفوه والده بكلمة، قال"
- بس مع ذلك، شكراً إنك وفيت بوعدك لرامـي وجبت مكانها، واتمنى إن حضرتك ماتكونش فهمتها إنها السبب في كل اللي حصل...

"ثم اتبع بابتسامة غامضة"
- زي ما فهمتني كده زمان وبعدتني عنها وهي موجودة، بعد إذن حضرتك

"ثم قام من مكانه وخرج من المكتب تاركاً إياه في حالة من الصدمة، هل خسر أحدهما في محاولته لكسب الآخر؟"

*****
انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس