عرض مشاركة واحدة
قديم 15-05-22, 09:34 PM   #15

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي الفصل التاسع

الفصل التاسع


"وفي اليوم التالي، كانت شمس تجلس إلى جوار والدتها بعدما أفاقت، قالت في حزن"
- حمد لله عالسلامة يا ماما! قلقتيني عليكي

"ابتسمت والدتها ابتسامة هادئة ثم قالت"
- ماتقلقيش ولا حاجة، أنا كويسة

"صمتت شمس قبل أن تقول"
- هو ايه اللي حصل يا ماما؟ كمال كان بيعمل ايه هنا؟

"قالت والدتها في ضيق"
- هو كان هنا؟

"اومأت شمس برأسها قائلة"
- ايوة، لما جيت لقيته وقالي إن هو اللي جاب حضرتك المستشفى أما تعبتي

"صمتت والدتها للحظات قبل أن تقول"
- كان جاي يتقدملك

"فغرت شمس فمها في صدمة ثم قالت"
- ايه؟! عايز يتجوزني؟

"اومأت والدتها إيجاباً فاتبعت شمس قائلة"
- وحضرتك قلتي ايه؟

"ردت والدتها فوراً"
- أكيد رفضت، أنا مستحيل اجوزك لواحد زي ده

"ثم صمتت قبل أن تكمل"
- بس طبعاً فتح سيرة البيت وإننا لازم نمشي، من الآخر عاوز يحط طردنا من البيت قصاد جوازك منه

"وضعت شمس يدها فوق فمها في صدمة ولم تستطع الرد، قالت والدتها مغيرة الموضوع"
- صحيح يا شمس! أنتِ اخدتي اجازة من الشغل؟ مش عاوزين مشكلة تانية زي اللي فاتت، شكل مديرك ده شراني

"قالت شمس سريعاً"
- أبداً والله يا ماما! رامـي إنسان محترم وجدع اوي، ده فضل معايا طول الوقت لما حضرتك كنتي في العناية، وأداني اجازة لغاية ما حضرتك تتحسني كمان

"نظرت لها والدتها في تعجب لنطقها اسمه هكذا دون ألقاب كما في السابق، قالت"
- هي ايه الحكاية؟

"قالت شمس مستفهمة"
- حكاية ايه يا ماما؟

"قالت والدتها متسائلة"
- هو مش رامـي ده برضو اللي وصلك قبل كده البيت في وقت متأخر؟ ودلوقتي بتمدحيه، وواضح إنك بتناديله رامـي من غير ألقاب يعني، في إيه؟

"ردت شمس قائلة"
- مافيش حاجة يا ماما، حكاية التوصيلة دي أنا شرحتها لحضرتك قبل كده، وهو طلب مني أقوله رامـي بس برة الشغل لكن جوة الشغل الألقاب محفوظة، وبالنسبة للمدح، فهو فعلاً إنسان محترم وجدع.

"صمتت والدتها وبدت أنها لم تصدقها، ثم سمعتا صوت طرقة خفيفة على الباب، قامت شمس من مكانها ثم فتحت لتجد رامـي أمامها ممسكاً بباقة ورد كبيرة، ابتسمت في سعادة ثم قالت"
- أهلاً وسهلاً يا رامـي! اتفضل

"دخل رامـي في هدوء ثم قدَّم لها باقة الورد بابتسامة فقالت بامتنان"
- حلوة اوي، شكراً

"التفت رامـي إلى والدتها ثم ابتسم لها واومأ برأسه لتبادله والدتها الابتسامة قبل أن تقول"
- شمس حكتلي على وقوفك معاها فترة تعبي، شكراً على كل حاجة

"ابتسم رامـي ثم كتب شيئاً على الهاتف وقدمه لشمس فقرأته والتفتت إلى والدتها قائلة"
- مافيش تعب ولا حاجة، المهم إن حضرتك كويسة

"لم تفهم والدتها لماذا لا يتحدث ولماذا يستخدم الهاتف، ولكنها ابتسمت له قائلة"
- كلك ذوق

"ابتسم رامـي ثم التفت إلى شمس وطلب منها أن تخرج معه للحديث قليلاً، وعندما خرجت معه، كتب على الهاتف"
- أنا مقدر الوضع يا شمس بس في اجتماع مهم لازم يتعمل، أنتِ عارفة إن المرحلة الأولى قربت تخلص ومحتاجين نخطط للمرحلة الجاية، مافيش وقت.

"هزت شمس رأسها متفهمة ثم قالت"
- أنا جاهزة في أي وقت، وكنت ناوية ارجع الشركة من بكرة

"ابتسم لها ثم كتب"
- هايل، هستناكي

"ثم ودعها ليرحل، وعندها دخلت شمس إلى والدتها مرة أخرى، وعندما جلست قالت والدتها"
- كنتم بتتكلموا في إيه يا شمس؟

"ابتسمت شمس قائلة"
- كان بيقولي إن في اجتماع ضروري بخصوص المشروع اللي شغالين عليه، وإني لازم أكون موجودة بكرة.

"هزت والدتها رأسها متفهمة ثم سألت"
- هو ليه مديرك ده مابيتكلمش؟ ليه كتب على التليفون واداهولك عشان تقوليلي قال إيه؟

"صمتت شمس قبل أن تقول"
- هو مش بيتكلم يا ماما! رامـي أصم.

"شهقت والدتها في صدمة ثم قالت"
- معقول؟!

"ثم اتبعت في حزن"
- مايبانش عليه خالص، اللي يشوفه يقول مش ناقصه حاجة

"ابتسمت شمس في هدوء ثم قالت"
- هو فعلاً كده

.....

"خرج رامـي من المشفى متوجهاً إلى منزل والدته وكان يشعر بازدياد وتسارع خفقات قلبه كلما اقتربت المسافة حتى وصل أخيراً.
نزل من السيارة ثم توجه ناحية الباب في توتر، كان بداخله الكثير من المخاوف والكثير من الأصوات في رأسه والكثير من التساؤلات، كيف ستقابله بعدما علمت بوضعه؟ هل ستقترب منه؟ هل سيقترب منها دون أن ينفجر بركانه الخامد؟
تقدم خطوات أخرى حتى لمحها في حديقة المنزل تسقي أزهارها كالعادة.
توقف مكانه فجأة وهو يراقبها، لم تتغير أبداً، إنها نفس الصورة التي لا يزال يحتفظ بها لها في رأسه منذ سنوات مديدة.
لاحظ أنها تدندن بشيء ما... أغنية غالباً يعرفها كانت تستمع لها طويلاً عندما كان صغيراً.
ابتسم لتلك الذكريات عندما كانت تجلس في غرفتها وتأخذه معها ليحلسا سوياً على الأرض يركِّبان المكعبات معاً حتى يصنعا منزلاً، أو شِبه منزل لأنه كان يضع المكعبات في الموضع الخطأ، ثم تقوم هي بتشغيل أغنيتها المفضلة لتغني معها باستمتاع وتدور في سعادة وهو يشاهدها من مجلسه بانبهار طفولي لتحمله من موضعه وتدور به مراقصة إياه على ألحان الأغنية وهو يضحك لضحكاتها حتى ولو لم يفهم الكلمات، ولكنه بحث عنها عندما تعلم اللغة الإنجليزية وابتسم لجمال كلماتها.
لقد كان يغنيها مع والدته بكلمات مختلفة تماماً من تأليف طفولته هو فقط. انقطع شروده في تلك الذكريات البعيدة عندما وقعت عيناها عليه فشعر بأنه قد تجمد."

****

"كانت تسقي الأزهار في حديقتها باستمتاع شديد وراحة منذ زيارة رامز لها، شعرت بأن ظمأ قلبها قد ارتوى أخيراً، ولم يتبقَ سوى رؤية صغيرها الثاني... تُرى كيف أصبح شكله الآن؟
لقد تركته صغيراً للغاية ولم تستطع تحديد ما إذا كان يشبهها أم يشبه والده، ولكن سليم كان دوماً يخبرها أنه سيشبهه هو فقط.
كانت تفكر في كل ذلك وهي تغني أغنيتها المفضلة بسعادة وتتساءل... هل يتذكر عندما كانت تحمله وتراقصه على أنغامها؟
إن رأته الآن، ستراقصه مرة أخرى على أنغامها، حتى وإن لن يسمعها... بالتأكيد لا يزال يتذكرها، وستخبره هي بالكلمات الصحيحة، رغم أنها كان تحب تلك الكلمات البديلة التي وضعها هو في طفولته وكان يغنيها حتى في نومه.
ابتسمت في سعادة، إن طفليها كانا مميزين عن البقية، جميلين، مهذبين، وروحهما مرحة، وصغيرها الكبير لا يزال كما هو، ماذا عن صغيرها الآخر؟
عندما أنهت سقاية الورود، التفتت خلفها لتراه يقف على بعد أمتار قليلة منها يطالعها بملامح مرتبكة، متشوقة، ومبتسمة لسيل الذكريات الذي تذكره وكأنه كان يشاركها أفكارها منذ لحظات.
لم تكن في حاجة لتتبيَّنه، إنه نسخة أخرى عن والده في شبابه، نفس الملامح التي أوقعتها في هواه عندما كانت مراهقة ولم تتردد لحظة في الزواج منه.
ذلك الوجه المنحوت والفك العريض والعينين الرماديتان اللتان تسطعان في الشمس، تلك الطلة المهيبة ذات الكبرياء الواضح.
لم يكن ينقصه سوى قليل من الشعر الأبيض لتشعر أن سليم هو الواقف أمامها الآن وليس صغيرها... رامـي."

****

"عندما التفتت إليه ورأى وجهها، انتفض في داخله لذكرى ذلك اليوم التي لم تفارقه أبداً، ازدادت ضربات قلبه عندما وجدها تتقدم ناحيته حتى أنه فكر في الهرب، أخذت تقترب حتى أصبحت أمامه تنظر له في حنان واشتياق كبير صادم بالنسبة إليه.
مرت لحظات وكل منهما صامت، هي تنظر له وكأنها لا تزال تنظر لطفلها الصغير، وهو يطالعها بنظرة ذلك الطفل تماماً... الطفل الذي كان يبكي إن لم يرها في الصباح ويركض في كل اتجاه حتى يجدها في الحديقة تسقي الأزهار، قالت"
- وحشتني يا رامـي!

"قرأ اسمه على شفاهها فشعر بأنه قد سمعه، فتح فمه وقد نسي أنه لن يستطيع النطق ولكن سرعان ما أغلقه عندما تذكر تلك الحقيقة الموجعة، وجع رآه في عينيها، كانت تريد أن تسمع صوته وتعلم إلى أي درجة قد تغير عن طفولته.
قالت وهي تحبس دموعها"
- بابا قالي إنك مابتحبش حد يحضنك

"آلمت جملتها قلبه، وقد آلمته عيناه كالعادة عندما يكون في حاجة للبكاء ولكن دموعه تمتنع.
قالت هي بصوت منخنق يحارب حتى لا تبكي وابتسامة حنونة للغاية"
- حتى أنا؟

"وقبل أن يمنعه خوفه عن الانقياد خلف مشاعره، وجد نفسه يحتضنها بشدة ويتمسك بها وقد شعر بأنه لا يزال في ذلك اليوم يتمسك بها بقوة حتى لا يأتي أحد وينتزعه منها عنوة مثلما فعل والده منذ زمن بعيد.
كان يحاول أن يخبرها بكل شيء عجز عنه لسانه، وشعر بأن عينيه تؤلمه بسبب كثرة الدموع التي يود أن يذرفها، ولكن الغريب أن أياً منها لم ينهمر.
ولم يكن حالها هي مختلفاً فقد شعرت بالألم لذكرى ذلك اليوم الذي انتُزع فيه بالقوة من بين ذراعيها ولم تستطع الاحتفاظ به.
أخذت تمسح بيدها فوق رأسه وكأنها تريد إخباره بكل ما لم يستطع سماعه.
مرت دقائق والحال بينهما هكذا حتى ابتعد عنها قليلاً فوجدها تنظر له في حنان كبير ثم قالت"
- وحشتني اوي، مش مصدقة إني شايفاك ادامي

"ثم ضحكت في هدوء قائلة"
- حاسة إني شايفة رامـي الصغير اللي ماكانش يبطل عياط غير لما يلاقيني ادامه واشيله، كبرت امتى كده؟

"تبسم ضاحكاً هو الآخر ثم أمسك بهاتفه وكتب"
- رامـي مابقاش يعيط، بس لسة محتاج يشوفك ادامه عشان يهدى.

"نظرت إلى جملته البسيطة والمؤلمة في نفس الوقت فدمعت عيناها وقالت"
- كان نفسي تبقى معايا، ماقدرتش امنعهم ياخدوك مني، أنا آسفة.

"مسح دموعها ثم كتب بابتسامة هادئة"
- شنطتي كانت دايماً جاهزة عشان اهرب واجيلك، بس ماقدرتش اوصلك.

"قالت في حزن"
- أنا السبب

"فهم إنها تحاول أن تلقي مسئولية ما أصابه عليها، كتب"
- حضرتك مش السبب في أي حاجة

"ثم اتبع بابتسامة"
- أنا ماكانش ينفع أنام تحت الشجرة وكمان نسيت الجاكيت، كام مرة حذرتيني ماخرجش من غير الجاكيت؟

"قالت وقد ظنت نفسها لا تزال تخاطب صغيرها"
- كتير، أنت مابتسمعش الكلام

"ضحك منها ثم كتب"
- ولسة مابسمعش الكلام على فكرة

"قالت وهي لا تزال محتفظة بروح الأم في توجيه صغيرها"
- ماعلمتش رامـي يكون كده

"كتب مستمتعاً بمجرى الحوار"
- يمكن عشان أنا راسي ناشفة زي ما كنتي بتقولي زمان؟

"اومأت برأسها ثم قالت"
- سليم كان معاه حق لما قال إنك هتبقى شبهه

"تردد للحظات قبل أن يكتب"
- هو أنا فعلاً شبهه؟

"نظرت إليه بنظرة لم يستطع تحديدها إن كانت حزن أم حنين لشيء مضى، وقالت بابتسامة غامضة"
- شبهه يا رامـي! شبهه أوي

"ابتسم لها دون رد لتتبع"
- أنا كنت بغني الأغنية اللي كنا بنغنيها سوى زمان، فاكرها؟

"اومأ برأسه ثم كتب"
- Come fly with me

"ابتسمت في سعادة قائلة"
- صح، وكنت بشيلك عشان ارقص معاك عليها

"ثم اتبعت في حماس"
- تيجي نرقص عليها دلوقتي؟

"اومأ ضاحكاً ليأخذا وضع الرقص ويرقصان معاً وهي تغني كلمات الأغنية في سعادة وهو يضحك ويتذكر لحن الأغنية والكلمات التي كان يقولها بدلاً من الكلمات الأصلية.
وما زاده ضحكاً هو أن والدته كانت تقول كلماته هو التي وضعها وقد حفظتها عن ظهر قلب ثم أخذت تضحك معه في سعادة لم يشعر بها أيٌ منهما منذ زمن طويل.
وعندما انتهت الأغنية و توقفا عن الرقص، قالت والدته في سعادة"
- رامـي! فاكر تورتة الشوكولاتة اللي كنت بتحبها وكنا بنعملها سوى في المطبخ؟

"اومأ برأسه في سعادة فقالت فوراً"
- تعالى نحضرها سوى دلوقتي

"أمسكت بيده ثم قادته إلى داخل المنزل وتوجها ناحية المطبخ ليقضيا قرابة الساعتين في إعداد الكيك الشهي المصنوع بالكامل من الشوكولاتة كما يحب رامـي، وعندما أخرجاها من الفرن، أخذا يزيناها معاً بقطع الكرز الشهية.
كان رامـي مستمتعاً للغاية بذلك الوقت، وشعر بسعادة غامرة كان يفتقدها منذ مدة طويلة، وعندما أنهيا كل شيء أخذت والدته قطعة كبيرة ثم وضعتها له مع كوب من عصير البرتقال كما كان يحب تناولها معه في صغره ثم خرجا من المطبخ وجلسا في غرفة المعيشة.
لمح رامـي صورتهم جميعاً فأمسك بها وأخذ ينظر لها ثم نظر إلى والدته التي قالت في زهو"
- أنت ورامز كنتم أحلى أطفال في العيلة، الكل كان بيحسدني عليكم ازاي عندي ولاد حلوين كده

"ابتسم لها فاتبعت متحدثة عن اللعبة التي كان ممسكاً بها في الصورة"
- صحيح، أنت لسة عندك اللعبة دي؟ أنت كنت بتحبها اوي وأنت صغير

"اومأ برأسه ثم كتب"
- لسة معايا زي ما هي

"ضحكت منه ثم قالت"
- برافو عليك، لازم تحافظ عالحاجة اللي بتحبها

"نظر لها في حزن، لم يحافظ والده على ما أحب مثلما فعل هو، وكانت تلك هي نقطة الاختلاف بينهما."

.....

"في اليوم التالي، وبعد أن انتهى أحد الاجتماعات، وخرج الجميع بما فيهم رامز، لم يتبقَ سوى رامـي ووالده، ومن نظرات رامـي، شعر والده أنه يريد قول شيء ما، سأله"
- في حاجة عاوز تقولها يا رامـي؟

"نظر إليه رامـي للحظات قبل أن يهز رأسه إيجاباً فأومأ والده برأسه منتظراً ما سيقول، أشار"
- أنا... كنت عاوز أشكر حضرتك إنك خليتني أشوفها تاني

"سأله والده قائلاً"
- قابلتها؟

"اومأ رامـي برأسه في هدوء ثم أشار"
- مقابلتها فرقت كتير، عشان كده حبيت أشكرك.

"ابتسم والده في هدوء مشيراً"
- ماتشكرنيش يا رامـي!

"ثم تنهَّد قائلاً في غموض"
- لو كنت أعرف اللي هيحصل ده كله ماكنتش سِبتها أبداً

"نظر له رامـي دون رد، شعر بأنه يخفي الكثير خلف جملته البسيطة تلك، نظر والده إليه ثم عاد ليبتسم مشيراً"
- أهم حاجة عندي دلوقتي إنك ترجع رامـي اللي ماكانش بيبعد عني لحظة، فاكره؟

"شعر رامـي بالحزن، كم كان يتمنى لو استمر كل شيء كما كان في البداية، وجد نفسه يشير"
- رامـي ماتغيرش، لو كان اتغير بجد ماكانش فضل هنا لغاية دلوقتي

"ظل والده صامتاً حتى اتبع وقد قرر الإفصاح بقدرٍ بسيط من مشاعره"
- حضرتك لسة مش عارف إن وجودي هنا السنين دي كلها رغم كل حاجة ماكانش لأي سبب غير لإني عايز أفضل، وعايز كل حاجة تتغير.

"أشار والده في أمل"
- يعني أقدر أقول إن السد اللي بيننا انهار؟

"ظل رامـي ساكناً حتى أشار"
- بعد ما قابلتها، أقدر أقول إن في حاجات كتير اتغيرت للأحسن.

"فهم والده أنه يحاول الوصول إلى إجابة دبلوماسية وأنه لا يزال هناك بعض الحواجز، ولكن لا يهم، المهم الآن أن حديثهما هذا هو تقدُّم كبير في حد ذاته.
صمت قليلاً حتى قال"
- قدرت تقرب لها؟

"شعر بأنه فهم مغزى سؤاله، اومأ برأسه في هدوء فاتبع والده في حذر"
- يعني... مابقتش ترفض أي حد يقرب منك دلوقتي، صح؟

"شعر رامـي بوجعٍ أصابه لذلك السؤال، وشعر بالارتباك قبل أن يحسم أمره مشيراً"
- حضرتك مش أي حد

"ابتسم والده ثم قام من مكانه وتقدَّم نحوه فقام رامـي من مكانه أيضاً ليحتضنه أبوه في شوق لذلك الحضن الذي حُرِمَ منه منذ خمسة وعشرين عاماً.
شعر وكأن طفله الصغير عاد مجدداً ليكون معه الآن، و الآن فقط، لا أحد يستطيع وصف شعوره.
أما رامـي، فقد شعر بمشاعر كثيرة مضطربة، نفس المشاعر التي أصابته عند اقترابه من والدته، شعر بأنه... بأنه كان يفتقده بالفعل، يفتقد والده الذي كان أقرب الناس إليه فيما مضى.
لو فقط لم يتغير شيء، تلك الـ "لو" اللعينة التي لا تفيد ولن تعيد سنوات قد مضت. ابتعد والده عنه قليلاً ثم نظر إليه في حنان قلما يظهر في عينيه وقال"
- أنت وحشتني أوي يا رامـي!

"ابتسم رامـي في هدوء ثم أشار في ألم"
- يا ريت لو ماكانتش حاجة اتغيرت

"شعر والده بألمه فأشار"
- أنا هعمل أي حاجة عشان أفضل حاسس باللي أنا حاسه دلوقتي


"أومأ له رامـي بابتسامة هادئة ثم عانقه ثانيةً للحظات قبل أن يستأذنه ليذهب فأذن له والده بالذهاب ليجلس هو بعدها في راحة لم يشعرها منذ سنوات طِوال، منذ أن كانت عائلته... موجودة."

.....

"عندما عاد سليم إلى القصر، ذهب إلى مكتبه كعادته في الأيام الأخيرة ليختلي بنفسه قليلاً و يفكر.
مرت فترة شعر فيها بشعور غريب منذ أن قابل رقية مرة أخرى بعد كل تلك السنوات. على الرغم من أن مقابلتهما لم تخلُ من الغضب و الصراخ إلا أنه في قرارة نفسه كان سعيداً لرؤيتها.
لقد جعلته يتذكر كل شيء مرة أخرى حتى أنه تذكَّر كيف قابلها أول مرة في الفيوم؛ فقد كانت من أصدقاء أخته الصغرى أمل، التي توفت منذ سنوات عديدة."

****

"في أحد المرات، وصل سليم إلى قصر العائلة عائداً من الخارج في الصباح بعد سهرة طويلة، فسمع أصواتاً عالية مليئة بالضحك والصراخ فعلم أن أخته الصغرى أمل قد قامت بدعوة صديقاتها إلى القصر في الصباح كالعادة.
فكر أن يذهب إلى هناك ويشاهدهن قليلاً، وبالفعل توجه إلى هناك بخطوات حذرة حتى لا يلاحظن وجوده.
وصل إلى إحدى الأشجار ونظر من خلفها فوجد فتاة متوسطة الطول ترتدي ثوباً باللون الأبيض يصل إلى ركبتيها، وشعرها أسود طويل يركض من خلفها وهي تضع شريطاً أسوداً فوق عينيها تركض باحثة عن باقي الفتيات اللواتي كن يركضن من حولها ويضحكن، ثم قررن فجأة أن يختبئن منها في مكان بعيد.
أخذ يراقبها وهي تمد يديها أمامها وتوجههما في جميع الاتجاهات ولا تجد أحداً، ابتسم ضاحكاً لحال تلك المسكينة الصغيرة التي تبحث من حولها عن الفراغ.
مرت لحظات حتى قرر أن يتقدم ناحيتها بضع خطوات، سمع صوت الفتيات اللواتي كن يضحكن لرؤيتها هكذا حتى لمحنه ينظر لهن في حزم فتوقفن ولكن ضحكاتهن المكتومة كانت ظاهرة على وجوههن.
أخذت هي تبحث وتمد ذراعيها في كل الاتجاهات حتى أمسكت بقميصه فأحكمت قبضتها لتقول في سعادة"
- أخيراً لقيت حد فيكم!

"ضحك دون صوت فأخذت تحرك يديها عليه قليلاً حتى شعرت بأن هناك شيء غريب، رأى ضمة حاجبيها المتعجبة فخرجت منه ضحكة أخرى مسموعة هذه المرة.
نزعت رقية الشريط سريعاً لتُصدم بما رأت، وجدت أمامها شاباً طويلاً يرتدي بنطالاً وسترة باللون الأسود وقميصاً باللون الأبيض أسفل السترة، كانت هيئته أنيقة للغاية، رفعت عينيها إلى وجهه فاصطدمت بعينين رماديتين تلمعان في أشعة الشمس المحيطة بهما، وملامح منحوتة وجذابة للغاية وشعر أسود لامع.
لم تكن حالته هو مختلفة، فلم يستطع منع نفسه من تأمل تلك الصغيرة الحائرة أمامه، والتي كانت تخفي خلف الشريط الأسود عينين خضراوين جذابتين، ووجهاً أبيضاً رقيقاً للغاية.
لقد قابل الكثير من الفتيات الجميلات من قبلها، ولكن هي تبدو مختلفة، لها جمال خاص، كيف لم يرها من قبل؟
لاحظ صمتها وشرودها هي الأخرى فقال في هدوء"
- اسمك ايه؟

"همست دون صوت فلم يسمعها، قال"
- ماسمعتش

"قالت محاولة إخراج صوتها"
- رقية

"ابتسم لاسمها، إنه ملائم لرقتها كثيراً، عادت هي إلى صمتها ولم تستطع النطق بأي شيء آخر.
ارتسمت على وجهه ابتسامة وانحنى أمامها قليلاً ليقول جوار اذنها"
- ماتلعبيش معاهم تاني، بيستخبوا ويخلوكي تدوري عالهوا

"أحمر وجهها مما فعله للتو فعاد لينظر إليها وابتسم مجدداً ثم قال قبل أن يرحل"
- ماتعملوش دوشة، مفهوم؟

"اومأت برأسها في هدوء فابتسم قائلاً"
- شاطرة، مع السلامة!

"ثم رحل وهي لا تزال في مكانها لا تشعر بأي شيء من حولها، لم تسمع حتى أصوات الفتيات جوارها إلا عندما وكزتها أمل قائلة"
- سليم كان بيقولك ايه؟

"انتبهت رقية لها وقالت محاولة استجماع الكلمات"
- كان... كان بيقولي مانعملش دوشة

"ضحكت إحدى الفتيات قائلة"
- بقاله ربع ساعة بيقولك ماتعملوش دوشة

"ضحكت الفتيات الأخريات بينما قالت أمل في مرح"
- شكلك وقعتي يا رقية هانم

"نظرت إليها رقية دون فهم وقالت"
- قصدك ايه؟

"ضحكت أمل ثم رفعت كتفها إلى أعلى قائلة"
- مش عارفة، شوفي أنتِ بقى


.....

"وعندما رحلت الفتيات، دخلت أمل إلى القصر، وأثناء ما كانت في طريقها إلى غرفتها مرت إلى جوار غرفة سليم الذي أوقفها نداؤه قائلاً"
- أمل!

"عادت أمل بخطواتها إلى غرفته فوجدت الباب مفتوح قليلاً ففتحته وابتسمت قائلة"
- يا نعم!

"ابتسم قائلاً"
- تعالي اقعدي

"اغلقت أمل الباب ثم تقدمت ناحية الأريكة التي يجلس عليها وجلست إلى جواره، أخرج من جيبه حلوى الشوكولا وأعطاها إياها قائلاً"
- شيكولاتة كل يوم عشان ماتقوليش إني نسيت

"أخذتها منه وهي تطالعه بابتسامة ماكرة قد فهمها جيداً فقال"
- أنتِ عارفة أنا ندهتلك ليه، مش كده؟

"ضحكت أمل ثم اومأت برأسها فاتبع"
- طب أنا ندهت ليه؟

"ابتسمت أمل قائلة"
- عشان تسألني عن رقية

"ابتسم في مكر قائلاً"
- شاطرة، أنا بحبك عشان ذكية

"ضحكت فاتبع"
- احكيلي عنها بقى

"نظرت له بنصف عين وقالت"
- واحكيلك عنها ليه؟

"رفع حاجبه ثم قال مهدداً"
- عشان أنا عاوز كده، وإلا مافيش شوكولاتة ومافيش سفر معايا كل اسبوع للقاهرة

"ظهرت ملامح الوجل من تهديده على وجهها فابتسم قائلاً"
- يلا احكي

"فتحت الشيكولاتة ثم أخذت تتناولها وهي تحكي قائلة"
- شوف يا سيدي، رقية تبقى بنت واحد اسمه ماهر عصمت، ده من الناس المعروفين هنا وساكنين في بيت كبير بس بعيد عننا شوية والسواق بيجيبها هنا كل يوم، ماعندهاش اخوات ومامتها ميتة وباباها مش متجوز

"سألها في اهتمام"
- وشخصيتها عاملة ازاي؟

"ابتسمت أمل قائلة"
- رقية جميلة اوي وحساسة ورومانسية وطيبة، أنا بحبها اكتر واحدة في أصحابي

"كان سليم يستمع إليها في تركيز، وعندما انتهت قال"
- هي من سنك ولا أكبر؟

"قالت وهي منشغلة في تناول الحلوى"
- من سني، عندها 17 سنة بس كمان اسبوعين باباها هيعمل حفلة عيد ميلاد كبيرة ليها عشان هتتم 18 سنة

"ثم نظرت إليه في سعادة وقالت"
- ممكن توديني، صح؟

"ابتسم قائلاً"
- هوديكي بس بشرط

"عبست قائلة"
- أنت مابتعملش حاجة ببلاش أبداً؟

"ضرب جبهتها في خفة بإصبعين من يده ثم قال"
- عاوزك تقوليلي كل الحاجات اللي بتحبها

"ردت أمل في سعادة"
- رقية بتحب الورد والملايكة

"سألها قائلاً"
- أي نوع ورد؟

"صمتت تفكر ثم قالت سريعاً"
- ورد التيوليب، بتزرع منه كتير في الجنينة بتاعتها


"ابتسم سليم دون رد وقد علم تماماً ماذا سيفعل، قطع صمته سؤالها"
- سليم! أنت ممكن تحبها؟

"ابتسم قائلاً"
- بتسألي ليه؟

"قالت أمل في سعادة"
- أنا بحبها اوي وهفرح لو اتجوزتوا

"ثم اتبعت في حزن"
- بس أنا خايفة تزعلها

"تعجب قائلاً"
- وأنا هزعلها ليه؟

"نظرت إليه ثم قالت في تردد"
- عشان البنات الكتير اللي تعرفهم

"قرص وجنتها في خفة قائلاً"
- ماتتكلميش معاها في الحاجات دي، مفهوم؟

"سألته قائلة"
- يعني هتزعلها؟

"قال في سأم"
- أنتِ كبرتي الحكاية كده ليه؟ هو أنا قلتلك بحبها؟ أنا يا دوب سألتك يا أمل

"ثم اتبع محذراً إياها"
- واللي اتقال دلوقتي مايطلعش برة، وإلا مافيش عيد ميلاد

"قالت أمل سريعاً"
- أبداً مش هقول لحد

"ابتسم لها قائلاً"
- طب يلا روحي أوضتك عشان أنام

"ابتسمت قائلة"
- حاضر

"ثم توجهت ناحية الباب لتقول قبل أن ترحل"
- هقول لسناء

"أمسك بالوسادة ثم ألقاها ناحيتها فخرجت من الباب وهي تركض ضاحكة بينما تمدد هو على الأريكة وهو يفكر في تلك الصغيرة التي أصبح مهتماً بها فجأة."

.....

"عندما عادت رقية إلى المنزل، توجهت إلى حديقة منزلها وأخذت تسقي الزهور وهي تفكر فيما حدث اليوم.
إن تلك هي المرة الأولى التي تراه فيها عن قرب، كانت دوماً تراه من بعيد ولم تتخيل أبداً أن يتحدث إليها.
واليوم عندما رأته بوجهها فجأة، شعرت بارتباك شديد، لقد كان غريباً، ولم تفهم نظراته أبداً، ولكن عينيه كانت رائعة... رائعة جداً.
أخذت تروي الأزهار بينما تفكر به دون إرادتها حتى انتهت وصعدت إلى غرفتها."

****

"مرت الأيام سريعاً، وخلال تلك الفترة، لم تذهب رقية لزيارة أمل أبداً، كان سليم يسأل عنها وعن زيارتها يومياً، وعندما تصله الإجابة بـ لا كان ينزعج، وكان ينتظر يوم عيد الميلاد ليراها.
وبالفعل، أتى اليوم المُنتظر واستعدت أمل وهي في غاية السعادة لرؤية تلك القصة الرومانسية التي على وشك البدء بين أخيها وصديقتها المقربة.
وعندما أصبحت جاهزة، نزلت إلى الأسفل فوجدته قد سبقها وجلس في انتظارها على غير عادته، وكان يرتدي بذلة أنيقة للغاية وكأنه ذاهب حفل هام وليس مجرد عيد ميلاد لمراهقة صغيرة، قالت في مرح"
- إيه الشياكة دي كلها؟!

"ثم اتبعت في مكر"
- واضح إننا رايحين حفلة مهمة اوي

"فهم قصدها فبادلها نفس الابتسامة قائلاً"
- إيه رأيك اسيبك هنا وماوصلكيش لأي مكان يا أمل؟

"قالت سريعاً"
- خلاص خلاص، ماقصدش

"ثم اتبعت في ترقب"
- فين هديتك؟ عاوزة اشوفها

"هز رأسه في نفي ثم قال"
- مش هتشوفي حاجة، دي مش ليكي

"تصنعت العبوس وكانت على وشك الرد، ولكن جاء صوت سناء من خلفهما قائلاً"
- رايحين فين؟

"التفتت أمل إليها وقالت في سعادة"
- رايحين عيد ميلاد

"قالت سناء متعجبة"
- عيد ميلاد؟ مين؟

"قالت أمل في حماس"
- عيد ميلاد رقية صحبتي

"تعجبت سناء أكثر ونظرت إلى سليم قائلة"
- أنت رايح عيد ميلاد رقية برضو؟

"سبقته أمل قائلة في حماس"
- أيوة

"كان سليم يقف إلى جوارها، وبمجرد أن تحدثت، وضع يده خلف ظهرها وشد شعرها شدة خفيفة فتأوهت، قال سريعاً"
- أنا كنت خارج فقلت أوصلها في سكتي

"شعرت سناء أن هناك شيئاً غريباً خاصة مع باقة الورد التي يحملها في يده، ولكنها لم تعلق كثيراً وقالت"
- طيب، ماتتأخريش يا أمل

"ثم تركتهما وذهبت، التفتت أمل إلى سليم وقالت في عبوس"
- بتشد شعري ليه؟

"قال سليم في ضيق"
- عشان مش عاوزها تعرف إني رايح معاكي، وأنا قلتلك الموضوع ده سر بيننا، مفهوم ولا اروح أنا لوحدي واسيبك هنا؟

"ضربت أمل الأرض بقدمها في طفولية ثم قالت عابسة"
- كل شوية اسيبك هنا اسيبك هنا؟ دي صحبتي أنا مش صحبتك أنت

"ثم أولته ظهرها قائلة"
- روح أنت لوحدك وأنا مش هاجي خلاص

"زفر سليم في حنق، لم يكن يتخيل أن يصبح أمراً يخصه في يد صغيرة متعبة مثلها...

إن كانت رقية تتصرف بمثل تلك الحماقة فلن يقترب منها مطلقاً، وضع يديه على كتفيها ثم قال في سأم"
- خلاص يا أمل، أنا آسف، يلا نمشي من هنا

"ابتسمت أمل في انتصار ثم ركضت ناحية الباب لتسبقه إلى السيارة، لحق بها سليم وخرج من القصر، ولم ينتبه إلى أن سناء كانت تقف أعلى الدرج واستمعت إلى حوارهما."

.....

"وعندما ذهبا إلى هناك، لم يكن قد أتى الكثير من المدعوين بعد، شعر سليم بالارتياح لوصولهما المبكر هذا، فبذلك سيستطيع التحدث إليها بشكل أفضل ويقدّم لها هديته.
وعندما دخلا إلى الحديقة الواسعة الخاصة بالمنزل، كانت هي أول من وقعت عليها عيناه، كانت ترتدي ثوباً جميلاً باللون الزهري يصل إلى ركبتيها، وتركت شعرها مفروداً ما عدا من جانب واحد حيث ثبتته بمشابك الشعر وورورد صغيرة زهرية أيضاً... كانت رائعة للغاية.
نادت أمل بأعلى صوتها قائلة"
- رقية!

"انتبهت رقية إليها وابتسمت في سعادة لرؤيتها، ولكن عندما لمحته عيناها ارتبكت ابتسامتها قليلاً.
اقتربت ناحيتهما في خطوات هادئة وعندما وصلت إليهما، احتضنتها أمل في سعادة قائلة"
- كل سنة وأنتِ طيبة يا روكا!

"ابتسمت رقية قائلة"
- وأنتِ طيبة يا أمل

"قدمت أمل هديتها قائلة"
- دي هديتي، يا رب تعجبك

"أخذت رقية الهدية ثم ابتسمت قائلة في رقة"
- أكيد هتعجبني، شكراً

"كان سليم يتابعها في هدوء وتركيز، من الواضح أن نظرته الأولى لم تخِب، إنها رقيقة وهادئة بالفعل، وفي النهاية قرر التحدث قائلاً"
- كل سنة وأنتِ طيبة يا رقية!

"نظرت إليه فوجدته يبتسم لها، قالت بابتسامة خجلة"
- وأنت طيب، شكراً

"قدّم لها باقة الورود ثم قال بابتسامة"
- هديتي هتلاقيها جوة البوكيه ده، أتمنى تعجبك

"مدت يدها وأخذت منه الباقة ثم قالت في خجل"
- شكراً

"ابتسم دون رد، ساد الصمت بينهما للحظات حتى قالت رقية في حرج"
- أنا آسفة، اتفضلوا

"مر بعض الوقت حتى جاء الجميع والتفوا حول الطاولة الكبيرة في وسط الحديقة وقاموا بإطفاء الشموع.
وبعد ذلك، أمسكت أمل بيد رقية وأخذتها بعيداً عن الحضور وقالت في حماس"
- افتحي هدية سليم بسرعة، عاوزة اشوفها

"عادت رقية لترتبك ثانية وأمسكت بالعلبة وفتحتها فوجدت سلسلة فضية يتوسطها ملاك صغير.
ابتسمت رقية لرؤية ذلك الملاك الصغير بينما قالت أمل في سعادة"
- الله! حلوة اوي، مش كده؟

"اومأت رقية ثم قالت في هدوء"
- حلوة اوي

"ضحكت أمل قائلة"
- دايماً الهدايا اللي بيجيبها سليم بتبقى أحلى حاجة

"صمتت رقية دون رد وخطر ببالها شيء واحد، كيف علم أنها تحب الملائكة وزهور التيوليب؟
لم تستطع التفكير طويلاً فلقد أتت باقي صديقاتها وأخذن يتحدثن كثيراً، وأثناء حديثها معهن، لمحته جالساً مع والدها يتحدثان سوياً... تُرى فيمَ يتحدثان؟
وأثناء ما كانت تنظر ناحيتهما، وجدت عينيه قد استقرت عليها للحظات وابتسم لها ابتسامة خفيفة ثم عاد لينظر إلى والدها، ازداد ارتباكها ثم فضلت عدم النظر ناحيتهما مرة أخرى حتى تسلم من نظرته تلك لها.
مرت الليلة سريعاً ورحل الجميع بما فيهم هو دون أن ينسى إهدائها إحدى ابتساماته ونظراته المُربكة تلك.
صعدت رقية إلى غرفتها وجلست أمام المرآة بعد أن بدّلت ثيابها وأخذت تحل خصلات شعرها من الورود الصغيرة ثم مشطته، وعندما انتهت، نظرت إلى هديته أمامها وفتحتها ثانية، أمسكت بالسلسلة مجدداً وأخذت تتلمس ذلك الملاك الصغير... إنه جميل للغاية، ارتدتها حول رقبتها ونظرت إليها في المرآة... تبدو رائعة، هل أخبرته أمل أنها تحب الملائكة وزهور التيوليب؟
قطع شرودها طرقات خفيفة على الباب، قالت"
- ادخل!

"فتح والدها الباب ثم ابتسم قائلاً"
- ممكن اقعد معاكي شوية قبل ما تنامي؟

"ابتسمت رقية وقالت في هدوء"
- أكيد يا بابا! اتفضل

"توجها سوياً ناحية الأريكة الموجودة في الغرفة وجلسا عليها، قال والدها بابتسامة"
- إيه رأيك في الحفلة؟ عجبتك؟

"اومأت برأسها في سعادة وقالت"
- جداً يا بابا! شكراً

"ابتسم والدها قائلاً بعد أن قبّل جبينها"
- عقبال 100 سنة يا حبيبتي!

"لاحظ السلسلة الجديدة التي تزين رقبتها وقال"
- حلوة اوي السلسلة دي يا رقية! مين اللي جابها؟

"امسكت رقية بالسلسلة وأخذت تحركها قليلاً ثم قالت"
- أمل صحبتي

"سألها قائلاً"
- أمل الراوي مش كده؟

"اومأت إيجاباً فاتبع"
- اخوها سليم الراوي كان معاها وقعدنا نتكلم شوية، مع إن سنه لسة صغير لكن واضح إن شخصيته قوية وذكي جداً، في وقت قصير كان متفق معايا على شغل بيننا

"صمتت رقية ولم تدرِ بمَ ترد، ولكن في قرارة نفسها كانت تشعر بسعادة لذلك المدح، لاحظ والدها شرودها فقال"
- سرحانة في ايه؟

"عادت من شرودها وقالت سريعاً"
- ولا حاجة يا بابا

"ابتسم قائلاً"
- طب ماقلتليش، قررتي هتدرسي ايه في الجامعة؟

"قالت دون تردد"
- Français

"ابتسم قائلاً"
- زي ماما؟

"اومأت برأسها في هدوء ثم قالت"
- عاوزة أكون زيها

"قال والدها في حنان"
- أنتِ فعلاً زيها يا رقية، مافيش حاجة مصبراني على فراقها غيرك

"احتضنته رقية قائلة"
- أنا بحبك أوي

"ضمها إليه بابتسامة ثم قال"
- وأنا كمان يا روكا! بحبك أوي

"ثم قال قبل أن يرحل"
- يلا نامي كويس، تصبحي على خير

"ابتسمت قائلة"
- وحضرتك من أهل الخير

"وعندما خرج من الغرفة، توجهت ناحية السرير ونامت وهي شاردة في باقة الزهور الموضوعة أمامها على الطاولة."

......

"بعد مرور عدة أيام، قامت رقية بزيارة أمل في الصباح، وعندما وصلت، دقت جرس الباب ففتحت لها مديرة المنزل، ابتسمت رقية قائلة"
- صباح الخير! أمل موجودة؟

"ابتسمت السيدة قائلة"
- صباح النور! ايوة موجودة، اتفضلي على ما أبلغها بوصولك

"اومأت رقية لها ثم دخلت وتوجهت إلى الصالون تنتظرها بينما صعدت السيدة إلى غرفة سليم وأبلغته بوصولها كما طلب.
مر بعض الوقت حتى نزل هو إليها، وجدها تجلس في الصالون تشرب كوباً من عصير البرتقال، كانت تبدو وديعة وهادئة للغاية.
ابتسم ثم تقدم ناحيتها وقال"
- صباح الخير يا رقية!

"كان حضوره دوماً يسبب لها الارتباك والخجل، وضعت كوب العصير على الطاولة ثم نظرت إليه وابتسمت ابتسامة خفيفة قائلة"
- صباح النور

"سألها قائلاً"
- مستنية أمل؟

"اومأت برأسها فابتسم قائلاً"
- بس أمل نايمة

"نظرت له متعجبة ثم قالت"
- بس هي اتصلت بيّ امبارح وطلبت مني اجيلها بدري

"ابتسم قائلاً"
- هي شوية وهتصحى، احنا ممكن نتكلم سوى على ما تيجي، صح؟

"تشابكت أصابعها في توتر فقال ممازحاً إياها"
- ماتقلقيش، أنا هتكلم معاكي مش هخطفك يعني

"صمتت للحظات ثم نظرت إليه فوجدته ينظر لها بابتسامة رقيقة فاومأت في هدوء قائلة"
- موافقة

"ابتسم قائلاً"
- طيب تعالي نخرج للجنينة احسن، الجو حلو النهاردة

"قامت معه وتوجها سوياً إلى حديقة القصر، وهناك، جلسا على الأريكة الكبيرة الموجودة في الحديقة.
ساد الصمت بينهما للحظات كانت فيها خجلة وتنظر إلى أصابعها المتشابكة بينما كان هو يتأملها حتى قال"
- عجبتك الهدية يا رقية؟

"نظرت إليه ثم اومأت في هدوء فاتبع"
- مش لابساها ليه؟

"ارتبكت ولم تجد رداً، لم تستطع إخباره أنها كانت ترتديها بالفعل ولكنها نزعتها حتى لا تتوتر أمامه أكثر، قال ضاحكاً بخفة"
- أنتِ قلقانة كده ليه؟ هو أنا بخوف اوي كده؟

"حاولت أن تتحدث فقالت"
- عرفت منين إني بحب الملايكة والتيوليب؟

"ابتسم في مكر قائلاً"
- العصفورة قالتلي

"ابتسمت دون أن تشعر فقال"
- أخيراً ضحكتي، أنا قلت شايفاني دمي تقيل

"قالت في خجل"
- لا، أنا بس مش متعودة

"قال في مكر"
- لازم تتعودي، مش هتبقى آخر مرة

"احمرت وجنتيها فضحك قائلاً"
- خلاص خلاص، هسألك سؤال، ممكن؟

"اومأت منصتة فقال"
- حبيتي قبل كده؟

"إنه يريد أن يقتلها بكلامه الذي يخجلها بشدة، مرت لحظات دون رد فاتبع"
- مش عاوزة تجاوبي؟

"هزت رأسها في نفي ثم قالت دون أن تنظر إليه"
- ماحبيتش

"ابتسم قائلاً"
- ولا حد قالك إنك جميلة؟

"نظرت إليه ثم قالت وقد بدى عليها القلق"
- هي أمل فين؟

"ابتسم في هدوء قائلاً"
- أمل مش هتيجي، أنا اللي عاوز اقعد معاكي

"ظهرت علامات الانزعاج على وجهها ثم قامت من مكانها لترحل فتوقف أمامها، ضمت حاجبيها في ضيق قائلة"
- لو سمحت عديني!

"هز رأسه في نفي ثم قال"
- أنا لسة ماخلصتش كلامي

"نظرت إليه في قوة حاولت جاهدة أن تظهر من بين رقتها الطاغية"
- وأنا عاوزة امشي

"قال في تسلية لرؤية تلك القوة الرقيقة"
- لو عايزة تمشي بسرعة يبقى تقعدي ونكمل كلامنا

"ظلت صامتة فاتبع بابتسامة"
- مافيش تفكير، هتقعدي يعني هتقعدي

"ظلت ناظرة إليه في ضيق ثم جلست في حنق دون كلمة، عاد هو ليجلس أيضاً، وبمجرد أن جلس حتى قامت سريعاً لتركض، ولكنه لحق بذراعها فأمسك بها وشدها إليه لتصطدم بصدره ليقول"
- مش هتعرفي تهربي، اقعدي وبلاش حركات العيال دي عشان مابحبهاش

"كانت تنظر له في صدمة ووجه محمر من أثر اصطدامها به، لم تتحدث فتوجه بها ناحية الأريكة مجدداً لتجلس.
جلس أمامها ثم صمت للحظات قبل أن يبتسم قائلاً وكأن شيئاً لم يكن"
- ماحدش قالك إنك جميلة قبل كده؟

"نظرت إليه في دهشة، إنه سرعان ما يتبدل، هزت رأسها نافية فاتبع بابتسامة جميلة"
- يبقى اسمحيلي اقولك إنك جميلة، جميلة جداً

"سرعان ما عاد إليها شعور الخجل والارتباك مرة أخرى، إنه يجعلها تجرب مشاعر جديدة لم تجربها من قبل.
هذه هي المرة الأولى التي يتعامل معها شخص ما على إنها امرأة جميلة وليست مجرد طفلة بريئة فقط.
على الرغم من انزعاجها مما يحدث إلا أن شيئاً ما بداخلها كان سعيداً، إنه ليس أي شخص... إنه مختلف عن البقية، نظرت إليه ثم قالت في هدوء"
- شكراً

"ابتسم للحظات ثم سرعان ما تحولت ابتسامته إلى ضحكة عالية قال بعدها"
- طب ولو قلتلك إني معجب بيكي، هتقوليلي شكراً برضو؟

"نظرت إليه في صدمة، ماذا قال للتو؟ هل يمزح؟ نظر لها بابتسامة ثم قال"
- مخضوضة كده ليه يا رقية؟ هو أنا قلت حاجة غلط؟ أنا بقولك إني معجب بيكي

"ازداد توترها وشعرت بأنها على وشك البكاء كعادتها عندما توضع في موقف موتر وغريب بالنسبة إليها.
حاولت أن تقوم من مكانها ولكنه أوقفها عندما أمسك بيدها وقال في قوة"
- لسة ماخلصناش يا رقية!

"نظرت إليه ثم قالت محاولة إخراج صوتها واستجماع كلماتها"
- لو سمحت عاوزة امشي

"نظر لها للحظات وشعر بأنها ليست على ما يرام بالفعل، قال أخيراً"
- زي ما تحبي، بس لينا قعدة تانية سوى عشان نكمل كلامنا

"كان كل ما تفكر به في تلك اللحظة هو أن ترحل فاومأت موافِقة سريعاً ثم قامت من مكانها وركضت إلى الخارج وهي تحاول أن تكتم دموعها حتى لا تظهر أمام أحد، بينما أخذ هو يراقبها حتى اختفت عن أنظاره وفي داخله قرر أن يحسم كل شيء في المرة القادمة."

****

"عندما وصلت رقية إلى منزلها، صعدت إلى غرفتها وجلست على السرير وأخذت تبكي.

لم تكن تدري تحديداً لمَ البكاء، ولكن كل ما حدث في تلك المدة القصيرة كان صادماً بالنسبة لها.
ما الذي قاله؟ ما الذي قد يلفت شاباً مثله في ذكائه وقوته في مراهقة صغيرة لم تصل إلى سن العشرين بعد ولا تعرف عن الحب أي شيء سوى الورود وعينيه؟
لم تره سوى عدة مرات وفي كل مرة تشعر بأن قلبها يؤلمها من شدة الخجل والتوتر، لقد نعت هروبها منه بالتصرف الطفولي ولم يدرِ أنها لا تستطيع التوقف أمامه والنظر إليه أكثر من دقائق قليلة جداً.
شعرت بالغضب تجاه أمل لأنها كانت السبب في كل شيء، كيف تخبره بتلك الأشياء عنها؟ كيف تتعاون معه لتدبير ذلك اللقاء الغريب؟ أو ليست صديقتها؟
قطع أفكارها صوت الهاتف فرفعت السماعة وحاولت أن تبدو طبيعية"
- ألو!

"وصلها صوت أمل المتردد قائلاً"
- ازيك يا رقية؟


"لم ترد بل ظلت صامتة ففهمت أمل أنها غاضبة منها، أخذت توبخ نفسها وتلوم أخيها على ما تسبب لها به، قالت في أسف"
- أنا آسفة يا رقية! بس صدقيني أنا...

"قاطعتها رقية قائلة في هدوء"
- أنا كنت فاكرة إننا أصحاب بجد يا أمل، وإن عمرك ما هتكدبي عليا

"قالت أمل سريعاً"
- صدقيني ماكدبتش، أنا كنت فعلاً هشوفك بس سليم طلب مني اسيبكم لوحدكم شوية الأول

"صمتت رقية دون رد فاتبعت أمل قائلة"
- هو قالك حاجة تزعلك؟

"عادت رقية لتتذكر كل ما حدث اليوم وشعرت بالتوتر، قالت أخيراً بعد أن مسحت دمعة أخيرة"
- مش مهم يا أمل! بس أنا مش هقدر أجيلك تاني بعد كده، مع السلامة!

"ثم أغلقت الخط دون سماع أي رد، ضربت أمل الأرض بقدمها في غضب ثم خرجت من غرفتها وذهبت إلى غرفة المكتب حيث كان يجلس سليم ويطالع بعض الأوراق وطرقت الباب في غضب، وعندما أذن لها بالدخول، فتحت الباب فجأة وقالت في ضيق"
- ممكن أعرف أنت عملت ايه مع رقية؟

"قال سليم دون أن ينظر إليها"
- كام مرة قلتلك يا أمل إني مابحبش الصوت العالي؟

"ضربت الأرض بقدمها في حنق وقالت"
- أنت مش فاهم أنت عملت إيه، رقية زعلانة مني وقالتلي إنها مش هتيجي تاني، يعني خلاص مش عاوزة نبقى أصحاب

"رفع سليم نظره عن الورق ونظر إليها ثم قام من مكانه وتوجه ناحيتها قائلاً"
- إيه اللي حصل بالظبط؟

"قالت في حزن وهي على وشك البكاء"
- اتصلت بيها عشان اعتذرلها عن الكدبة السخيفة اللي كدبتها عليها بس هي مارضيتش تتفاهم وكانت متضايقة وصوتها زي ما يكون كانت بتعيط ولما حاولت افهم منها ايه اللي حصل قالتلي مش مهم وإنها مش هتجيلي البيت تاني

"كان يستمع إليها وشعور بالقلق ينتابه لأول مرة، عندما رحلت كان يشعر أنها ليست على ما يرام، هل أزعجها إلى هذا الحد؟ كما أن قرارها بعدم المجيء إلى هنا مرة أخرى جعله يشعر بالضيق، هل من الممكن ألا يراها ثانية؟ مستحيل... لن يسمح لها بفعل ذلك.
قطع شروده صوت أمل الباكي"
- كده أنا خسرت صحبتي الوحيدة، مبسوط؟

"ضمها إليه في حنان ثم ابتسم قائلاً"
- مين قال إنك خسرتيها؟ بالعكس يا أمل!

"نظرت إليه وقالت في بلاهة"
- يعني إيه؟

"ضحك منها ثم مسح دموعها وهو يقول"
- مش كان نفسك اتجوزها؟

"ابتسمت في سعادة قائلة"
- بجد يا سليم؟

"اومأ برأسه ثم ابتسم قائلاً"
- أنا مش هسيبها، هصالحها واتجوزها

"ثم قرص وجنتها في خفة قائلاً"
- بس ماتقوليش لحد قبل ما أنا اتكلم، مفهوم؟

"اومأت في حماس ثم احتضنته مجدداً قائلة"
- أنا بحبك

"ضحك ثم قبّل رأسها قائلاً"
- وأنا كمان يا أمل!

.....

"قرر سليم أن يتركها لبضعة أيام حتى تهدأ فيستطيع التحدث معها بشكل أفضل...
وفي أحد المرات، علم من أمل أن صديقاتها سيجتمعن في مكان ما خارج المنزل، وأن رقية ستكون معهن، وبالفعل جاء ذلك اليوم وذهب سليم إلى حيث أخبرته أمل ووجدها هناك.
كان المكان واسعاً وفيه بعض المساحات الخضراء وكانت باقي الفتيات يلعبن بينما كانت هي جالسة فوق العشب في شرود.
ظل في مكانه يتأملها قليلاً، لقد بدت هادئة للغاية وحزينة على غير عادتها في كل المرات التي رآها فيها من قبل وكانت تتحلى بروح مرحة وسعيدة.
لم يكن يتخيل أن هناك من تتحلى بذلك الهدوء والجمال وتلك الرقة، حتى أمل التي رغم روحها المرحة وصخبها كانت تبدو أحياناً هادئة، لكنها ليست مثلها هي... إنها مختلفة للغاية.
وأثناء شروده فيها، رآها تتوقف وتسير مبتعدة عن الفتيات في شرود، ابتسم حين وجد أن فرصته قد أتت، أمسك بباقة الزهور إلى جواره بالسيارة وخرج منها وأخذ يسير في هدوء ناحيتها."

****

"مرت فترة كانت تشعر بالحزن والضجر ولا تدري ما السبب، مئات الأسئلة كانت تتوافد إلى رأسها ولا تجد لها إجابة، وطوال تلك الفترة لم يغب عن بالها لحظة،
كان ذلك يغضبها كثيراً، إنها حتى لا تدري تحديداً لماذا تشعر بالغضب تجاهه، ربما لأن طريقته معها آخر مرة كانت غريبة وصادمة.
كانت تسير في شرود تركل الأحجار الصغيرة بقدمها حتى وجدت باقة من الزهور ظهرت في وجهها فجأة، خرجت منها صرخة صغيرة كتمتها حين وضعت يدها على فمها لتجده يظهر أمامها فجأة فاتسعت عيناها الخضراوين في صدمة، ابتسم قائلاً"
- صباح الخير يا رقية!

"لم تستطع الرد بل ظلت مصدومة، حرك يده أمام وجهها ثم قال"
-أنتِ كويسة؟

"أفاقت من صدمتها وبدأت تستوعب ما يحدث، إنه هنا بالفعل مع باقة زهورها المفضلة، لم يقفز من أفكارها إلى الخارج... إنه هنا، حاولت التحدث قائلة"
- أنت... أنت عرفت مكاني ازاي؟

"ضحك قائلاً"
- أنا عصافيري في كل حتة

"ثم قدّم باقة الزهور لها بابتسامة قائلاً"
- الورد ده عشانك، اتفضلي!

"ظلت صامتة للحظات تنظر له ثم تنظر إلى باقة الزهور ثم ضمت حاجبيها في ضيق وقالت"
- أنا مش عاوزة حاجة، عن إذنك

"ثم استدارت لترحل فأوقفها قائلاً"
- بس أنا جيت زي ما اتفقنا

"توقفت مكانها ثم التفتت إليه وقالت متعجبة"
- اتفقنا؟

"رد قائلاً"
- أيوة، احنا آخر مرة اتفقنا إننا هنتقابل تاني عشان كلامنا لسة ماخلصش، وأنتِ وافقتي

"ثم قدّم لها باقة الورود ثانية وقال"
- اوعدك المرة دي مش هضايقك، بس خدي الورد ده الأول

"صمتت وبدت مترددة ولكنها أخذته منه في هدوء دون كلمة فابتسم قائلاً"
- ممكن نقعد؟

"اومأت برأسها ثم جلست وجلس هو أيضاً، ساد الصمت للحظات، لم تكن تنظر إليه بينما لم يستطع هو أن يحيد بنظره عنها حتى قال في هدوء"
- رقية! بصّيلي هنا

"حاولت استجماع شجاعتها لتنظر إليه فوجدته ينظر لها نظرة مختلفة تماماً عن كل ما رأته من قبل، كانت نظرة حنونة ومحبّة للغاية حتى أنها شعرت أنها لا تستطيع أن تحرك عينيها عنه، قال"
- أولاً، أنا عاوز اعتذرلك لو كنت ضايقتك مني آخر مرة أو خوفتك، أنا آسف

"ثم اتبع بابتسامة"
- وكمان مش عاوزك تزعلي من أمل، هي بتحبك أوي وأنا اللي خليتها ماتنزلش تشوفك

"ظلت صامتة للحظات ثم قالت في هدوء"
- ليه؟

"رد قائلاً"
- عشان ماكانش في أي فرصة تانية اقدر اقولك فيها إني معجب بيكي غير كده

"شعرت برعشة تسير في جسدها مرة أخرى لسماع تلك الكلمة مجدداً ولم تستطع الرد فاتبع"
- وهو ده اللي أنا كنت عايز اكمله معاكي

"قالت في ارتباك"
- مش فاهمة

"قال مباشرة"
- أنتِ معجبة بيّ ولا لا؟؟

"نظرت إليه في صدمة وانعقد لسانها ولم تستطع الرد، قال"
- ساكتة ليه؟

"عادت لتتوتر ثانية وحاولت النطق قائلة"
- أنت... أنت عاوز مني ايه؟

"ابتسم قائلاً بوضوح"
- عاوزك تتجوزيني

"نظرت له في صدمة تحاول أن تستوعب ما قاله للتو، وفجأة أصبح وجهها أحمراً من شدة الخجل والارتباك، عندها ضحك قائلاً"
- لون وشك اتغير كده ليه؟

"انتابتها نفس الحالة السابقة، وشعرت أنها على وشك البكاء وحاولت أن تقوم من مكانها، ولكنه أمسك بيدها وقال في هدوء حتى لا ترتبك أكثر"
- ماينفعش تمشي واحنا ماخلصناش كلامنا

"بمجرد أن فعل ذلك، لم تستطع منع دموعها التي نزلت ببطء على وجنتيها، قال في قلق"
- في إيه؟ ليه العياط؟

"قالت بصوت باكٍ"
- عاوزة أمشي يا سليم من فضلك

"ابتسم دون أن يشعر، إن هذه هي المرة الأولى التي تنطق فيها اسمه، كم بدى رقيقاً منها! قال باهتمام"
- مش قبل ما اعرف أنتِ بتعيطي ليه، أنا عملت حاجة ضايقتك؟

"حاولت أن تسيطر على دموعها ولكنها فشلت تماماً، نظرت إليه بعينين دامعتين وقالت"
- ليه أنا يا سليم؟

"نظر لها متسائلاً فاتبعت بعد أن حاولت مسح دموعها"
- أنت أكيد شفت بنات كتير أكبر مني وأحسن مني كمان، ليه بتقولي أنا الكلام ده؟

"ابتسم في حنان قائلاً"
- أكبر منك آه، لكن أحسن منك لا

"قالت وهي تمسح وجنتها بيدها كالأطفال"
- يعني ايه؟

"تبسم ضاحكاً منها ثم قال"
- أنا ماشفتش واحدة في جمالك ولا رقتك قبل كده، وده لوحده كفاية إنه يخليكي مميزة عن أي واحدة تانية

"ظلت ناظرة إليه دون رد فقال"
- مش مصدقاني؟

"حادت بنظرها عنه ونظرت إلى أصابعها المتشابكة فمد يده ورفع وجهها لتنظر إليه فاحمر وجهها ثانية، لم يهتم بخجلها بل اتبع"
- أنا ماعنديش أسباب كتير عشان أقولهالك، أنا معجب بيكي وبس، ولو اديتيني فرصة هثبتلك صدق كلامي كويس

"ظلت صامتة فاتبع"
- موافقة تتجوزيني؟

"ارتبكت كثيراً لتلك الكلمة، حاولت أن تتحدث قائلة"
- أنا... أنا... يعني...

"ظل منتظراً منها أي رد فقالت"
- أنا عمري ما فكرت في حاجة زي دي قبل كده، خصوصاً دلوقتي

"سألها قائلاً"
- ليه؟

"نظرت إليه وحاولت استكمال الحديث قائلة"
- أنا عاوزة أكمل دراستي

"ابتسم قائلاً"
- وماحدش قال إنك مش هتكمليها، هتكملي دراستك بس مش هنا، في القاهرة

"قالت متعجبة"
- في القاهرة؟

"اومأ برأسه ثم قال"
- أيوة، لو وافقتي نتجوز فأنا هاخدك ونعيش في بيتي التاني في القاهرة، وهناك تقدري تكملي دراستك، بس وأنتِ في بيتنا

"قالت في صدمة"
- وبابا؟

"ابتسم قائلاً"
- هتشوفيه كل أسبوع لما نيجي هنا

"عادت لتتوتر ثانية، لقد ذهب بهما مجرى الحوار إلى طريق مختلف تماماً، شعرت بصدمة كبيرة من كل شيء، هل يعي حقاً ما يقوله؟ إنه يبدو في منتهى الجدية.
نظرت له دون رد فاتبع بابتسامة"
- افهم من سكوتك ده إنك معجبة بيّ فعلاً؟

"هربت منها دمعة وحيدة فابتسم قائلاً"
- بتعيطي تاني ليه؟

"قالت في طفولية"
- أنت بتوترني

"ضحك منها ثم مد يده ومسح دمعتها الوحيدة تلك في هدوء ثم قال"
- مش عاوزك تتوتري أو تخافي أبداً، فاهمة؟

"اومأت برأسها في هدوء فاتبع بابتسامة مرحة"
- موافقة؟ يعني آجي اتقدم؟

"نظرت إلى أصابعها وارتسمت ابتسامة رقيقة على وجهها ثم أمسكت بباقة الزهور إلى جوارها، وقالت بعد أن قامت من مكانها"
- مش عارفة

"ثم ركضت من أمامه سريعاً، انطلقت منه ضحكة عالية وهو يراقبها حتى اختفت عن أنظاره، إن هذه الشقية الصغيرة ستتعبه كثيراً، عندها قام من مكانه وذهب ليستعد لمقابلة والدها."

.....

"في خلال وقت قصير، تمت خطبتهما. كان والدها يخشى عليها من قرار مبكر كهذا، ولكن بعد إصرار كبير ووعود كثيرة من سليم بحمايتها والاهتمام بها وحبها، ومع موافقة رقية التي كانت على استحياء، وافق أخيراً.
أما عن عائلة سليم، فقد كانت سناء الأكثر قلقاً بشأن تلك الخطبة السريعة، فقد كانت تعلم استهتار سليم وعلاقاته المتعددة، وكانت تخشى على تلك الصغيرة التي لن تستطيع مجاراته، ولكن إصراره وثقته تلك جعلتها تأمل في أن تستطيع تلك الصغيرة فعل ما لم تتوقعه فوافقت في النهاية.
أما عن سليم، فلقد أضافت رقية إلى حياته لوناً جديداً مرحاً وجميلاً، كان يحب أن يقضي أوقاته معها ويحاول التعرف على عالمها الصغير الممتلئ بالورود... وبه، وكان يحاول بشتى الطرق أن يسعدها ويثبت لها كم هي مميزة في حياته، وكم يحبها.
أما رقية، فلم تكن سعيدة فحسب، بل كانت تشعر أنها على وشك الطيران. في وقت قصير، قد تبدلت حياتها بالكامل، لم تعد حياة بسيطة كما السابق بل تزينت بكل ما يقدمه لها من حب واهتمام وجعلها تنتقل إلى عالم جديد تشعر فيه بأنها امرأة جميلة ومحاطة بالحب و الاهتمام من رجل رائع مثله، ولكن في الوقت نفسه لم تفقد روحها المرحة وطفولتها التي كان يحبها كثيراً.
وفي أحد المرات، وأثناء ما كانا جالسين في نفس المكان الذي طلب فيه الزواج منها، نظرت رقية إليه وقالت في مرح"
- سليم! تعالى نلعب شوية

"ضحك قائلاً"
- نلعب؟

"اومأت برأسها فقال بابتسامة بعد أن مد يده ليزيح بعض الخصل التي بعثرها الهواء فوق وجهها"
- هنلعب ايه؟

"امسكت بحقيبتها ثم أخرجت منها شريطاً أسوداً ونظرت إليه قائلة في حماس"
- استغماية

"ابتسم في مكر قائلاً"
- زي أول مرة شفتك فيها كده؟

"احمرت وجنتاها لتلك الذكرى فضحك عالياً ثم قال"
- أنا موافق، تعالي عشان اغميكي

"هزت رأسها نفياً ثم قالت في مكر جديد عليها"
- أنت اللي هتتغمى وتدور عليا

"ضحك ثانية ثم قال"
- أنا؟ لا مستحيل

"قالت مشيرة بسبابتها"
- متأكد؟

"رد في ثقة"
- ايوة، مش هتغمى

"توقفت ثم سارت مبتعدة عنه و ي تقول بابتسامة ماكرة"
- وأنا مش هتجوز

"نظر لها وقد فهم خطتها جيداً، قال وهو يشير إلى جواره"
- تعالي هنا!

"هزت رأسها نافية في مرح ثم أخذت تبتعد ببطء حتى وجدته وقد قام من مكانه وتقدم ناحيتها فركضت من أمامه مسرعة ولكنها لم تكن أسرع منه حيث أمسك بذراعها وجذبها إليه فضحكت، قال"
- قلتيلي مش هتتجوزي، صح؟

"ردت قائلة في تحدٍ"
- طالما مانفذتش أول طلب اطلبه منك يبقى اتجوزك ليه؟

"ابتسم في عبث قائلاً"
- عشان بتحبيني؟

"هزت رأسها في نفي ثم قالت"
- في استغماية... في جواز... مافيش استغماية... مافيش جواز

"ابتسم للحظات دون رد، إنه يكتشف جانباً جديداً في صغيرته الجميلة لا يدري إن كان موجوداً من قبل ولم يعلم به، أم أنه قد علّمها التمرد دون أن يدري، قال أخيراً"
- موافق، بس بشرط

"ثم اتبع وهو يعبث بخصلة من شعرها الناعم"
- نتجوز آخر الأسبوع

"نظرت إليه في دهشة فاتبع بابتسامة ماكرة"
- عاوز ألحق اشبع منك قبل ما دراستك تشغلك

"احمر وجهها بشدة ولم تستطع النطق، ضحك ثم قال"
- هعتبر سكوتك موافقة، هاتي الشريط

"ابتسمت بعد لحظات في ثقة ثم أعطته الشريط وابتعدت عنه عدة خطوات.
قام بربط الشريط فوق عينيه وبدأ اللعب، أخذ يبحث عنها وهي تدور من حوله وتضحك كثيراً مستمتعة للغاية بما يحدث.
لم تكن تتخيل أبداً أنه من الممكن أن تعيش كل تلك اللحظات معه هو، إنها سعيدة... سعيدة للغاية، لقد تغيرت فيها أشياء عدة... تعلمت كيف تصبح ماكرة ومساومة مثله تماماً، لو لم تتعلم تلك الفنون البسيطة لما قَبِلَ أن يلعب لعبة طفولية كهذه أبداً، لكنها لم تكن تعلم أن شيئاً آخراً كان يجعله يقبل بما لم يكن ليقبل به من أحد غيرها... حبه لها.
وفي لحظة واحدة لم تدرِ فيها كيف حدث ذلك، استطاع تحديد مكانها والإمساك بها بمنتهى السهولة، أحكم قبضته عليها حتى لا تفر ثم نزع الرباط من فوق عينيه سريعاً وقال في انتصار"
- أخيراً لقيتك

"تمسكت به وهي تضحك بشدة في سعادة وهو يتأملها في سرور، قالت ضاحكة"
- سليم! عاوزة اقولك حاجة

"نظر لها متسائلاً فاتبعت بابتسامة ناعمة للغاية"
- أنا بحبك اوي

"نظر لها للحظات حتى ابتسم قائلاً"
- يعني هنتجوز آخر الأسبوع؟

"اومأت برأسها بابتسامة فحملها وأخذ يدور بها في سعادة، وأخيراً ستصبح له ولن تبتعد عنه أبداً.
كانت تلك هي بداية قصتهما التي ازدادت جمالاً بزواجهما وقدوم طفليهما الصغيرين، سبع سنوات من السعادة انتهت بنهاية لا تليق بكل الحب الذي عاشاه معاً، نهاية كانت تملأها القسوة ويملأها الغرور والحنين إلى ماضٍ دمر كل شيء.
قطع شروده دخول سالي إلى غرفة المكتب دون إذن، نظر إليها في حدة قائلاً"
- أنتِ ازاي تدخلي كده من غير إذن؟

"نظرت إليه في دهشة، هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها بهذه الطريقة معها، قالت"
- أنت بقالك كتير قاعد هنا، وأنا زهقت لوحدي أوي

"قال في جفاء"
- وهفضل هنا شوية كمان، مش هخرج دلوقتي

"دبَّت الأرض بقدمها ثم خرجت من المكتب في حنق، من الواضح أنه قد ملَّها وبدأت نهايتهما معاً. أما هو، فقد عاد ليستند إلى ظهر كرسيه شارداً من جديد في ذكرياته مع رقية."

****

انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس