عرض مشاركة واحدة
قديم 16-05-22, 10:20 PM   #16

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد

الفصل العاشر


"خرجت والدة شمس من المشفى وعادت إلى المنزل، وعادت شمس لعملها بالشركة،
وفي أحد المرات، وبعد أن عادت شمس إلى المنزل، وقبل أن تدخل، وجدت كمال ينتظرها في سيارته فأوقفها بندائه"
- شمس!

"التفتت شمس إلى الصوت فوجدته هو، تأففت في حنق فنزل هو من السيارة وتقدم ناحيتها، قال بابتسامة باردة"
- ازيك يا شمس؟

"قالت شمس في جفاء"
- الحمد لله، في حاجة يا كمال؟

"نظر لها مستنكراً ثم قال"
- عيب تكلمي خطيبك بالطريقة دي

"نظرت له في قوة قائلة"
- خطيبك؟!

"اومأ برأسه بابتسامة عريضة ثم قال"
- ايوة، هي ماما ماقلتلكيش إني اتقدمتلك؟
"ردت قائلة"
- آه قالتلي، ومن فرحتها جاتلها أزمة قلبية، مش كده؟

"ضحك بشدة ثم قال"
- زي العسل يا شمس

"زجرته بنظرتها القوية وقالت في ثقة وحزم"
- هي كلمة واحدة... ابعد عني احسنلك، أنا كل ده مراعية القرابة ومش عاوزة ابلغ البوليس

"عاد ليضحك ثانية ثم قال"
- مراعية القرابة؟ أنتِ؟

"ثم اختفت ضحكته ليتبع بشراسة"
-أنتِ ناسية إنكم قاعدين في بيتي؟ يعني أنا اللي المفروض أبلغ عنكم واطردكم منه

"ردت في قوة"
- بيتك؟! ده بيت بابا الله يرحمه اللي أنت وعمي زورتوا امضته على عقد بيعه وسرقتوه منه

"رفع إصبعه محذراً إياها وهو يقول في غضب مكبوت"
- لمي لسانك احسنلك

"ثم اتبع محاولاً أن يكون لطيفاً"
- وبعدين مين قال إني مش هرجعلك البيت؟

"نظرت إليه شمس دون فهم وهي تقول"
- ازاي؟

"ابتسم قائلاً"
- البيت ده هيبقى مهرك، تتجوزيني... اكتبه باسمك فوراً

"ظهر على وجهها شبح ابتسامة هازئة لتقول"
- أنا عاوزة أفهم أنت عاوز تتجوزني ليه يا كمال؟

"رد قائلاً"
- وهي الناس بتتجوز ليه؟ عشان بحبك

"ضحكت شمس في سخرية ثم قالت"
- وهو اللي يحب بيعرض المساومة الرخيصة دي؟!

"رد قائلاً"
- مافيش طريقة تانية غير كده، أنتِ اللي خلتيني الجأ للرخص اللي بتتكلمي عنه، كام مرة حاولت اتقرب منك عشان تقتنعي بيّ وكنتي بترفضي؟

"هزت رأسها بابتسامة واثقة ثم قالت"
- صح، مافيش طريقة تانية

"لتتبع بعدها في حسم"
- ولا حتى دي يا كمال! ومهما عملت، أنا مش هتجوزك

"ثم اتبعت في قوة وهي تشير ناحية البيت"
- والبيت ده... أنا مش هخرج منه مهما حصل، مفهوم؟

"كان بالكاد يمنع نفسه عن أي تصرف متهور فختمت حديثها بابتسامة استفزازية قائلة"
- كان نفسي اقولك اتفضل، بس للأسف بقى... مافيش مكان للغُرب، عن إذنك.

"ثم تركته متوجهة ناحية البوابة الصغيرة لتفتحها وتدخل إلى المنزل وعلى وجهها ابتسامة انتصار لأنها استطاعت قهره ولو بالقليل، وهو من خلفها يتوعدها ويقسم أنه سينالها رغم كل شيء.
وعندما دخلت من الباب، وجدت والدتها تتوجه ناحيتها في قلق وقد كانت تقف عند النافذة وقالت"
- في إيه يا شمس؟ كمال كان عايز إيه؟

"ابتسمت شمس في انتصار قائلة"
- بيعرض عرضه الرخيص تاني، بس أنا عرفت اسكته كويس

"قالت والدتها في قلق"
- عملتي إيه؟ بلاش مشاكل

"قالت شمس في ثقة"
- مشاكل ايه بس يا ماما؟! مايقدرش يعملنا أي حاجة، خليه يهدد براحته، ده آخره

"تنهدت والدتها في حزن ثم قالت"
- لو بس اعرف محمود ازاي ادالهم البيت كده

"قالت شمس سريعاً"
- أنا متأكدة إن دي كمان كانت لعبة منهم، بابا مستحيل يعمل كده

"ثم اتبعت محاولة تغيير الموضوع"
- نسيبنا من سيرة كمال شوية بقى، أنا جعانة وعاوزة آكل

"ابتسمت والدتها قائلة"
- الغدا خلاص جاهز، غيّري هدومك بس على ما احطه عالسفرة

"وعندما تركتها والدتها، ذهبت هي إلى الغرفة المغلقة دوماً وفتحتها بمفتاحها الصغير ودخلت إلى العالم الموازي بداخلها.
مرسمها الصغير الذي يحوي العديد والعديد من اللوحات التي استندت جميعها إلى الحائط لتحل محلها على المساند لوحاته هو التي وصل عددها الآن إلى عشر.
تقدمت ناحية إحدى اللوحات وجلست أمامها على الكرسي وأخذت تتأملها قليلاً، لا تسعفها شجاعتها أحياناً في تأمله على الحقيقة فبمجرد أن ينظر لها تشعر بخجل غريب ليس من عادتها، لذا كانت تلك اللحظة التي وجدته نائماً فيها من أسعد اللحظات إذ أنها قد استطاعت النظر إليه بل ولمسه أيضاً.
انكمش قلبها قليلاً عندما تذكرت يوم المشفى عندما لجأت إلى صدره لتبكي وكانت المفاجأة أن ضمها إليه قليلاً لتهدأ.
لم تكن تفهم ما سر انتفاضته في المرتين السابقتين اللتين حاولت فيهما لمسه.
ثبتت عينيها على عينيه غريبتي اللون الذي لم تستطع تحديده حتى وهو مرسوم على الورق، ولكنها تتذكر أنها استخدمت الأخضر والرمادي ليظهر لها هذا الناتج الناجح.
شردت في عينيه للحظات تتأمل تلك النظرة القوية الواثقة التي تعجبها كثيراً حتى تنهدت وقالت دون وعي"
- بعد كل ده كمال؟! مجنون ده ولا إيه!

.....

"مرت عدة أيام بعد يوم المتابعة ولم يزُرها رامز أبداً، ولكنه كان يتصل بها بين حين وآخر للاطمئنان عليها.
كان والده طوال تلك الفترة يراقبه فعلم بأمر الحمل الذي يذهبان لمتابعته وبمكان نانسي، ومع مزيد من البحث، علم الكثير عن ماضيها.
وأثناء ما كانت نانسي جالسة في غرفتها، سمعت صوت جرس الباب، ظنت أنه رامز فذهبت مسرعة لتفتح ففوجئت بشخص آخر أمام الباب... والد رامز نفسه."

****

"كان مجيئه إلى هنا غير متوقع على الإطلاق فشعرت بالخوف خاصة من نظراته الغريبة التي كان يطالعها بها.
ساد الصمت بينهما حتى قطعه قائلاً في هدوء مخيف رافعاً رأسه في غرور"
- هفضل واقف عالباب كتير يا نانسي؟! مافيش اتفضل؟

"ازداد توترها ولم تدرِ ماذا تفعل، من أين عرف اسمها ومكانها؟ قالت محاولة إخراج صوتها"
- أنا... أنا آسفة... اتفضل حضرتك!

"دخل السيد سليم من الباب ثم توجه ناحية الكرسي وجلس عليه واضعاً ساقاً فوق أخرى دون كلمة بينما ظلت هي واقفة، قالت محاولة الحديث"
- حضرتك تشرب ايه؟

"قال السيد سليم دون مقدمات"
- أنا مش جاي اتضايف، أنا جاي افهم أنتِ عايزة إيه من ابني؟

"خافت نانسي أكثر ولم تجد أي رد، فكرت في التحجُّج بأي شيء كي تذهب إلى الغرفة وتتصل برامز كي يأتي وينقذها، ولكنها لم تستطع التحرك خاصة وهو يجلس أمامها يرمقها بنظرته القاسية التي جعلتها تفهم موقفه منها تماماً.
جلست في هدوء على الكرسي المقابل قبل أن تسقط، وقالت محاولة ادعاء البلاهة"
- أنا مش فاهمة حضرتك بتتكلم عن ايه

"ارتسمت نصف ابتسامة ساخرة على وجهه ثم أنزل قدمه الموضوعة فوق الأخرى وأسند مرفقيه إلى ركبتيه في تحفز وقال"
- بلاش شغل اللف و الدوران ده، أنا عارف كل حاجة

"شحب وجهها ولم تستطع الرد فاتبع في قوة"
- وعارف كمان قصة العيل اللي عايزة تلبسيه لابني، وهو زي الأهبل صدقك

"ثم رمقها بنظرة قاسية واتبع"
- بس أنا بقى عارف أمثالك كويس، وفاهم اللعبة الحقيرة اللي بتلعبيها عليه

"في تلك اللحظة تحديداً، شعرت نانسي بالرغبة في الركض إلى الغرفة بالفعل والاتصال برامز، ولكنها عوضاً عن ذلك قالت محاولة الحديث"
- حضرتك... فاهم غلط... الولد فعلاً... ابن رامز...

"قاطعها قائلاً في قسوة"
- أنتِ فاكراني اهبل عشان أصدق واحدة زيك بتقضي كل ليلة مع راجل شكل ويوم ما حملت ماعرفتش تودي مصيبتها فين فراحت ترميها على ابني؟

"ثم اتبع بنظرات مليئة بالاحتقار"
- بس ليكي حق، هتلاقي فين واحد زي ابني يصدقك ويمشي وراكي ويصرف عليكي مبالغ عمر اهلك ما شافوها

"كانت نانسي تستمع إليه في شحوب وشعرت بأن قواها تخور من شدة الضعف والخوف، كانت كلماته تصفعها بقسوة ولا تقوى على الرد، قالت محاولة النطق"
- حضرتك... فاهم غلط... أنا...

"عاد ليقاطعها من جديد قائلاً"
- هي كلمة واحدة، أنتِ لازم تختفي من حياة رامز نهائياً، وتنسي خالص حكاية ابنه دي عشان أنا مش هقبل بحفيد ماعرفش أصله إيه من واحدة زيك، فاهمة؟

"نظرت إليه في صدمة وخوف فقام من مكانه واتبع قبل أن يتركها"
- وإلا والله لأعرف ازاي اخفيكي من على وش الدنيا أنتِ وابنك

"ثم خرج من المنزل صافقاً الباب خلفه في عنف، انتفضت مكانها من شدة الصوت وشعرت بدموعها تنهمر دون مقدمات حتى اجهشت بالبكاء فجأة.
كانت تعلم أن ذلك ما سيحدث منذ البداية، ولكن في ظل كل السعادة التي أمطرها بها نسيت عقبات كل ما يحدث. يبدو أن من مثلها لا تستحق أي فرصة للحب والعيش بكرامة وسعادة، ولن يصدقها أحد مهما حدث بل ستظل موضع شك وإهانة.
لقد كانت مخطئة عندما أخبرت رامز بأمر هذا الحمل، كان يجب أن تحتفظ به لنفسها فقط، طوقت بطنها وخصرها بذراعيها في خوف وكأنها بتلك الطريقة تحمي طفلها من أن يصيبه مكروه، وأخذت كلمات السيد سليم تتردد في أذنها وهي تفكر حتى اتخذت قرارها أخيراً."

.....

"قامت بحزم أمتعتها في حقيبة كبيرة وكتبت رسالة إلى رامز أخبرته فيها بأنها لن تستطيع البقاء هنا ويجب عليها الرحيل، كانت تتمزق في داخلها مع كل كلمة تكتبها إليه، لا يوجد لديها خيار آخر حتى تحافظ على سلامتها وسلامة قطعته الصغيرة بداخلها وكل ما تمتلك منه.
تركت كل الهدايا الثمينة التي أهداها إياها ولم تأخذ سوى العرائس التي أحضرها إليها، وعندما انتهت من كل شيء، خرجت من الغرفة وتوجهت ناحية الباب لتفتحه في الوقت الذي كان هو فيه يفتحه ليدخل."

****

"تسمرت نانسي مكانها واتسعت عيناها في صدمة، تفاجأ رامز من تلك الصدفة الغريبة، ولكنه تعجب من الثياب التي ترتديها، لقد كانت تنوي الخروج، وما زاده دهشة هو رؤيته للحقيبة الكبيرة إلى جوارها.
انتقل نظره بينها وبين الحقيبة بينما كانت هي مصدومة، وخائفة، ضم حاجبيه قائلاً"
- رايحة فين يا نانسي؟

"انعقد لسانها فجأة ولم تستطع الرد كما ازداد توترها وخوفها أيضاً، ماذا تريد منها تلك العائلة اليوم؟ قتلها؟
عندما لاحظ حالتها تلك، دخل ثم أغلق الباب خلفه وعاد ليلتفت إليها ثم قال"
- ساكتة ليه يا نانسي؟

"ثم اتبع وهو ينظر إلى الحقيبة"
- وإيه الشنطة دي؟

"وجدت نفسها تقول دون مقدمات"
- طلقني

"نظر لها رامز في دهشة تحولت إلى ابتسامة ثم ضحكة وهو يقول"
- اطلقك؟! ايه الجو ده؟

"ثم اتبع في سخرية"
- هي دي ضمن هرمونات الحمل برضو؟

"هزت رأسها في نفي قائلة في هدوء"
- أنا مابهزرش يا رامز! أنا عاوزة اتطلق

"ابتسم ابتسامة جانبية قائلاً"
- أطلقك؟ وده من امتى يعني؟ ليه؟

"قالت محاولة تجميع كلماتها فبدت وكأنها تهزي"
- احنا ماننفعش لبعض، الحكاية كلها غريبة وأنا قلتلك من البداية بلاش بس أنت...

"قاطعها عندما قال ممسكاً ذراعها في قوة"
- نانسي!!

"نظرت إليه في صدمة فاتبع وقد تغيرت ملامحه الساخرة لأخرى مختلفة تماماً"
- إيه اللي حصل فجأة عشان التخريف اللي بتقوليه ده؟

"قالت سريعاً في خوف"
- ماحصلش حاجة، أنا مش عاوزة أكمل، احنا عمرنا ما هنكون لبعض

"قال وقد شدد قبضته على ذراعها"
- فكنتي عاوزة تهربي وتاخدي ابني بالبساطة دي مش كده؟ يعني لو ماكنتش جيت كان زماني دلوقتي نايم على وداني ومش عارف حاجة، صح؟

"قالت محاولة الحديث"
- يا رامز أنا...

"قال في غضب"
- أنتِ إيه؟! فاكرة إن كل اللي عملته عشانك ده يخليني أهبل وهصدق الهبل اللي بتقوليه ده؟

"انتفضت من شدة غضبه ولم تستطع النطق فاتبع في قسوة لم ترها فيه من قبل"
- قلتلك قبل كده إنك لسة ماتعرفينيش كويس، لو ماقلتيش الحقيقة هتشوفي مني وش عمرك ما شفتيه، انطقي!!

"بمجرد أن أنهى كلماته وجدها تسقط بين ذراعيه، لحق بها فوراً وحاول أن يجعلها تفيق، ولكنها لم تستجب فحملها سريعاً إلى سيارته وذهب بها إلى المشفى.
وهناك قاموا بإنقاذها، وعندما خرج الطبيب، تقدم رامز نحوه سريعاً وسأل في قلق"
- عاملة إيه دلوقتي يا دكتور؟ أنا جوزها!

"قال الطبيب مطمئناً إياه"
-هي كويسة دلوقتي، كانت هتخسر الجنين بس الحمد لله قدرنا ننقذه

"قال رامز في صدمة"
- تخسره؟

"رد الطبيب قائلاً"
- أيوة، واضح إنها اتعرضت لضغط نفسي كبير واغمى عليها نتيجة انهيار عصبي وده خطر عليها خصوصاً في بداية الحمل

"ثم اتبع ناصحاً إياه"
- حضرتك لازم تهتم بصحتها النفسية أكتر عشان سلامتها وسلامة الحمل

"رد رامز قائلاً"
- اكيد يا دكتور، شكراً

"وعندما تركه الطبيب، جلس على الكرسي في غضب، لقد شعر بأنه لا يفهم أي شيء، هل ما أصابها كان بسببه؟ أم بسبب شيء آخر لا يعلمه؟ ما الذي جعلها تريد الهرب والابتعاد عنه؟
شعر بتأنيب الضمير لأنه قد ضغط عليها كثيراً فلم تستطع التحمل، ولكنه كان على وشك أن يفقد أثرها وأثر طفله القادم، وما كان ليسمح أن يبتعد عنه شيء يخصه مرة أخرى.
انتظر حتى هدأ قليلاً ودخل إلى الغرفة وجلس على الأريكة ينظر ناحيتها في شرود. إنه يعلم جيداً الفرق بين امرأة لعوب تجيد الكذب والخداع، وبين امرأة مغلوبة على أمرها عاشت ماضياً لا يليق بحقيقتها على الإطلاق.
ولكن ما رآه منها اليوم ألقى بشكوك شيطانية في رأسه، لا بد أن يفهم منها كل شيء قبل أن يجن من تساؤلاته.
ظل إلى جوارها حتى الصباح فوجدها تفتح عينيها ببطء، اقترب ناحيتها حتى جلس إلى جوارها على السرير، وعندما رأته أمامها، بكت رغماً عنها ووضعت كفيها فوق وجهها لتختبئ.
عندما فعلت ذلك، ارتسم شبح ضحكة على وجهه، لقد بدت كالأطفال تماماً، أمسك بيديها وأبعدهما عن وجهها وقال في هدوء"
- كفاية عياط يا نانسي!

"لم تستجب بل ظلت تبكي فتنهد في يأس منها ثم مد يده ومسح دموعها وقال"
- أنتِ عاوزة تخسري البيبي؟

"قالت في خوف وقد وضعت يدها على بطنها سريعاً"
- خسرته؟؟

"هز رأسه في نفي قائلاً"
- لا، بس كنتي هتخسريه بسبب الحالة اللي كنتي فيها

"ثم اتبع وهو لا يزال محتفظاً بهدوئه"
- اللي عملتيه امبارح كان هيخليني السبب في إني أخسر ابني

"ظلت تنظر إليه في حزن دون رد فاتبع"
- إيه اللي حصل؟ عملتي كده ليه؟

"صمتت للحظات ثم قالت في خوف"
- كان لازم امشي عشان أنا وابني مانتأذيش

"قال في ضيق"
- تتأذوا؟ يعني إيه؟ مش فاهم

"نزلت دموعها رغماً عنها وقالت"
- باباك جالي امبارح

"نظر إليها في صدمة فاتبعت"
- ماعرفش عرف مكاني وموضوع الحمل منين، بس جالي وطلب مني اختفي من حياتك لو خايفة على نفسي وابني

"سألها قائلاً"
- وقال ايه تاني؟

"ردت نانسي بنبرة يملأها الوجع"
- مش مهم يا رامز، المهم إنه طلب مني امشي...

"قاطعها قائلاً وقد بدأ الغضب يملأ ملامحه"
- قال إيه يا نانسي؟

"قالت بصوت منخنق"
- فكرني بحقيقتي، وإني ماليقش بإني أكون أم لحفيده اللي مايعرفلوش أصل

"ظل رامز صامتاً وبدى الغضب جلياً عليه فقالت في هدوء"
- لو عاوز تتأكد إذا كان البيبي منك فأنا...

"قاطعها قائلاً في حزم"
- اسكتي!

"نظرت إليه دون رد فاتبع قائلاً"
- أنتِ كان لازم تعرفيني إنه جالك وتحكيلي اللي حصل، لكن أنتِ اخترتي أسهل حاجة، إنك تهربي.

"حادت بنظرها عنه وحاولت كتم دموعها فلم يتوقف بل قال"
- كنتي فاكرة إني هسيبك مش كده؟ لو كنتي اختفيتي تحت الأرض كنت هجيبك، وساعتها كان هيبقى عقابك كبير

"نزلت دموعها قائلة"
- أنت ليه مش عاوز تفهم إني خايفة عليك؟

"نظر لها دون رد فاتبعت بصوت منخنق"
- أنا تعبت، أنا مش عاوزة اعمل مشاكل بينك وبين عيلتك، أنا لو كنت فعلاً عاوزة اختفي ماكنتش هقولك حاجة عن حملي وكنت يا هنزله من سُكات يا همشي بعيد عنك خالص، بس قلت لازم اقولك لأن ده حقك، وعشان أنت هتقدر تحميه اكتر مني، بس...

"صمتت وقد غلبتها دموعها للحظات حتى استطاعت النطق قائلة"
- أنا مش عاوزة منك أي حاجة، لا طلبت حبك ولا طلبت فلوسك، أنا مش عاوزة غير إنك تخلي بالك من ابننا، مش عاوزاه يتربى من غير أب مع واحدة ماضيها هيفضل يجري وراها العمر كله، ولو عقابي إنك تاخده مني وتسيبني فأنا...

"قاطعها عندما وضع يده على فمها قائلاً في غضب خفيض حتى لا يستمع أحد إليهما"
- كفاية! أنتِ كلامك بقى يعصبني وأكتر من كده مش عارف ممكن اعمل فيكي إيه، اسكتي احسنلك!

"ظلت صامتة بينما دموعها لا تزال تنهمر فاتبع"
- أنتِ بجد شايفة إني ماقدرش احميكي؟ فاكرة إني مخبي جوازنا عشان خايف منهم؟ أنا بمنتهى البساطة أقدر أعلن جوازنا ادام الكل ومايهمنيش هما ممكن يعملوا إيه

"ظلت صامتة فاتبع"
- أنا مخبيه عشان فعلاً مش محتاج أبلغ حد بحاجة تخصني أنا لوحدي وعشان أنتِ قلتي إن ده أحسن ليكي، لكن واضح إن عدم رغبتك دي سببها إنك مش واثقة فيَّ.

"هزت رأسها في نفي ثم قالت"
- أنا خايفة عليك، مش عاوزة احطك في مشاكل، مش هقدر اسامح نفسي

"قال معانداً"
- قلتلك قبل كده إني مش عيل صغير عشان تخافي عليا، وقلتلك قبل كده إني هعمل أي حاجة عشان تبقوا في أمان، فاهمة؟؟

"ظلت صامتة فاتبع"
- احنا هنخرج من هنا على بيت تاني غير اللي أنتِ فيه، وماحدش هيقدر يوصلك أو يأذيكي

"ثم ختم حديثه محذراّ إياها"
- بس والله يا نانسي لو خبيتي عليا أي حاجة تاني، أنا...

"قطع حديثه عندما رآها تبكي مجدداً فقال محاولاً السيطرة على غضبه"
- الصبر من عندك يا رب! أنتِ إيه؟ مابتعرفيش تعدي دقيقتين على بعض من غير عياط؟

"قالت بصوت باكٍ"
- عشان أنت دلوقتي بتخوفني منك يا رامز

"قال مقلداً إياها في سخرية"
- "بتخوفني منك يا رامز!"

"ثم مسح دموعها للمرة الألف وقال"
- وأنا اللي كنت جاي ومخطط لسهرة حلوة وجايبلك عروسة جديدة، يا خسارة!

"قالت وقد نسيت دموعها قائلة"
- عروسة جديدة؟!

"قال ساخراً"
- يعني السهرة عادي وعروسة هي اللي حمستك؟

"اخفضت رأسها في خجل فابتسم قائلاً"
- عموماً معلش، ملحوقة

"ثم اقترب منها وقبّل وجنتها ثم قال"
- نسينا نقول صباح الخير

"أحمر وجهها وابتسمت قائلة دون أن تنظر إليه"
- صباح النور

"ثم اتبعت"
- هي فين؟

"قال دون فهم"
- هي إيه؟

"نظرت إليه قائلة"
- العروسة

"قام من مكانه ثم توجه ناحية الباب وهو يقول"
- الواحد حاسس إن هيبقى عنده عيلين مش واحد

"ثم خرج للإتيان باللعبة من السيارة وتركها بابتسامة هادئة على وجهها. إن وجوده يمنحها الطمأنينة، ولم تكن تدري حقاً إن هربت كيف كانت لتعيش وحدها بعيداً عنه، ولكنها لم تفكر في أي شيء سوى فيه هو وفي سمعته وسلامة علاقته بعائلته."

.....

"عندما أصبحت نانسي في حالة جيدة، خرجت من المشفى وذهبت مع رامز إلى المنزل الجديد...
كان المنزل في منطقة بعيدة نوعاً ما ولكنها آمنة، كان منزلاً مريحاً واسعاً وله حديقة صغيرة حتى تستطيع الجلوس فيها وتساعدها في الحصول على بعض الهدوء النفسي، وكان رامز قد نقل أغراضها مسبقاً إلى هنا قبل وصولهما.
وعندما وصلا هناك، أخذت تتأمل المنزل قليلاً ليسألها هو"
- عجبك البيت؟

"نظرت إليه وقالت في هدوء"
- حلو

"ابتسم قائلاً"
- أنا حبيت يكون واسع وله جنينة حلوة عشان ترتاحي فيها، وكمان هجيب شغالة من بكرة تبقى معاكي

"التفتت إليه سريعاً وقالت"
- لا يا رامز! مش عاوزة شغالة

"قال متعجباً"
- ليه؟ دي هتساعدك كتير خصوصاً لما تبقي في الشهور الأخيرة من الحمل

"هزت رأسها في نفي قائلة"
- أنا هساعد نفسي، ولو لازم يعني... ممكن تيجي تنضف البيت وتمشي، لكن أنا هعمل كل حاجة

"ثم اتبعت بابتسامة هادئة"
- عاوزاك لما تيجي تاكل من ايدي أنا بس

"ابتسم لها ثم اقترب منها وحملها وهو يقول"
- أنا بقول لازم تنامي بقى عشان ترتاحي شوية

"وعندما دخلا إلى الغرفة ووضعها في السرير، قالت"
- هتمشي؟

"رد قائلاً بابتسامة"
- هقعد معاكي اليومين دول لغاية ما تبقي كويسة

"قطع حديثهما صوت الهاتف فوجد المتصل سكرتيرته تذكره بميعاد الاجتماع، نظر إلى نانسي ثانية ثم قال"
-أنا لازم امشي دلوقتي عشان عندي اجتماع مهم، هرجع تاني بعد ما اخلص

"هزت رأسها متفهمة فاتبع"
- نامي كويس وماتقوميش من مكانك، مفهوم؟

"اومأت بابتسامة فقبّل وجنتها قائلاً"
- سلام يا حلوة!

****

"وعندما ذهب رامز إلى الشركة، توجه إلى غرفة الاجتماعات فوجد والده ورامـي في الداخل، كان وجهه جامداً واجماً خاصة حين رأى أباه الذي لم يتحدث إليه، فقط نظرته القاسية كانت واضحة.
كان رامـي يشعر بالتوتر بينهما ولكنه لم يعلق، ابتسم فقط لرامز الذي جلس إلى جواره وأخذ يطالع بعض الأوراق إلى أن حان موعد الاجتماع وأتى الموظفون.
مر بعض الوقت وهم يناقشون أمور العمل حتى انتهى الاجتماع، رحل الموظفون جميعاً ولم يتبقَ سوى ثلاثتهم، كان رامز يطالع والده دون كلمة وعيناه تتحدث بدلاً عنه، كان والده قد فهم كل ما يدور في رأسه ولكنه لم يتحدث بل طالعه بنظرته القوية فقط.
تحدث رامز قائلاً في هدوء مخيف"
- ممكن اعرف حضرتك رحت لنانسي ليه؟

"اتسعت عينا رامـي في صدمة عندما لاحظ جملته، هل علم بأمرها؟ نظر إلى والده الذي ابتسم في سخرية قائلاً"
- اوام راحت قالتلك؟

"قال رامز في قوة غير عابئاً بسخريته"
- أنا من امتى بتراقب؟ ومن امتى حياتي الشخصية بقت مشاع؟

"احتدت عينا والده وقال في قوة"
- من ساعة ما بقيت مش واعي للي بتعمله ومشيت ورا غباءك اللي هيضيع سمعتنا كلنا

"قام رامز من مكانه وقال في قوة وثقة"
- أنا قلت قبل كده إن حياتي الشخصية ماتخصش أي حد، ومش هسمح لأي حد يتعرض لابني ومراتي بأي بأذى

"قام والده من مكانه وقد فاجأته تلك المعلومة التي لم يعرفها بعد، قال"
- أنت اتجوزتها؟

"رد رامز فوراً"
- ايوة اتجوزتها، وهخلف منها

"قال والده في عنف"
- وأنا مش هعترف بحفيد من واحدة جاية من الشارع كبيرها ليلة وتترمي

"قال رامز في غضب وقسوة"
- أنا مش هسمح لأي حد إنه يهين مراتي بنص كلمة، وابني هييجي وهيشيل اسمي غصب عن الكل، ولو حصلهم أي حاجة أنا...

"وفي لحظة واحدة، رفع سليم يده ليقاطع كلماته بصفعة قوية توقفت في الهواء عندما وجد رامـي أمامه وقد حال بينه و بين أخيه وطالعه بنظرة قوية ومتحفزة للدفاع عن أخيه مهما حدث.
ساد الصمت حتى أشار رامـي في قوة"
- حضرتك مامديتش ايدك علينا واحنا صغيرين، يبقى ماينفعش تتمد علينا واحنا كبار

"قال والده وقد أنزل يده في صدمة"
- أنت بتدافع عنه؟

"أشار رامـي في قوة"
- مافيش حاجة هتخليني ابطل ادافع عنه مهما حصل

"ظل ناظراً إليه ثم نظر إلى رامز، الذي كان ينظر إليه بنظرة لا تختلف عن نظرة رامـي، كان لا بد أن يفهم ذلك منذ البداية، فتلك الثورة الجديدة ما كانت لتحدث لولا وقوف رامـي إلى جانبه، أم أنه هو الذي لم يكن يعرفه جيداً؟
نطق في هدوء مخيف أخيراً وهو ينظر إلى رامز نظرة حادة"
- طالما مصمم عاللي بتعمله يبقى تنسى خالص إنك ابني، ومالكش مكان هنا غير لما ترجع عن اللي أنت فيه

"ابتسم رامز في حسرة ثم قال"
- أساساً ماكنتش مستني حاجة غير كده

"ثم خرج من المكتب سريعاً، عاد سليم لينظر إلى رامـي الذي أشار في ضيق"
- حضرتك ليه مصمم تخسر حد فينا؟

"نظر إليه في صدمة ثم قال"
- حتى دي كمان شايفني فيها غلطان؟ أنت امتى هتاخد صفي وتشوف إن معايا حق ولو مرة واحدة؟

"ظل رامـي صامتاً فاتبع في غضب"
- وبعدين أنت اصلاً ازاي تطاوعه في اللي بيعمله ده؟ أنت عارف غباؤه ده هيوصلنا لفين؟ ازاي ماتمنعوش؟

"أشار رامـي في هدوء"
- رامز مش عيل صغير عشان مايبقاش واعي لتصرفاته أو إني احاول امنعه

"زادته جملته غضباً فقال"
- يعني ايه؟ استهتاره ده هيضيع كل حاجة

"ظل رامـي ساكناً للحظات قبل أن يشير بنفس هدوئه"
- حضرتك لما طلقت ماما زمان ماخدتش رأينا، ولما اتجوزت بعدها أكتر من مرة كمان ماخدتش رأينا، واحنا ماعترضناش عشان عارفين إن حضرتك كمان واعي لتصرفاتك ومش مستني رأي حد، ماينفعش تحاسب رامز دلوقتي

"قال والده في غضب"
- يعني هتساعده؟

"أشار رامـي في هدوء"
- ماقدرش اعمل أي حاجة غير إني اقف جنبه واساعده

"ظل والده صامتاً ينظر إليه في صدمة حتى قال"
- أنا عمري ما تخيلت إنك ممكن تدافع عن استهتاره بالطريقة دي

"أشار رامـي في ثقة"
- المشكلة إن حضرتك بتحاسبنا على حاجات اخدناها منك

"ثم ختم حديثه قبل أن يذهب"
- أنا آسف، بعد إذن حضرتك.

"ثم خرج وأغلق الباب خلفه تاركاً والده في حالة من الصدمة، فجأة قد انقلبت أفعاله عليه ورأى نفسه فيهما، لطالما كان يتمنى أن يشبهاه، ولكن ما رآه منهما منذ أن كبرا جعله يتمنى لو أنهما لم يأخذا أي شيء منه... ليتهما لم يفعلا."

****

"خرج رامـي من المكتب ثم لحق برامز الذي كان قد ذهب إلى مكتبه ليجمع أغراضه ويرحل، وعندما دخل إليه، أغلق الباب خلفه ثم تقدم ناحيته وأشار"
- هو ايه اللي حصل؟

"أشار رامز بملامح يملأها الضيق بالغضب"
- راح لنانسي وأهانها وهددها إنها لو مابعدتش عني هيأذيها هي وابني، ولما رحتلها البيت كانت لمت حاجتها وهتمشي فعلاً، واتخانقنا مع بعض وراحت المستشفى وكانت هتجهض بسبب اللي حصل

"كان رامـي ينظر إليه في صدمة مما يقول فأنهى رامز حديثه مشيراً"
- أنا خلاص مش راجع هنا تاني، كان لازم افهم من زمان إنه سهل يستغنى عني مع أول موقف

"أشار رامـي سريعاً"
- أنت بتقول ايه؟! بابا عمل كده من خوفه عليك

"ابتسم رامز في سخرية مشيراً"
- أنت مصدق اللي بتقوله؟ هو عمل كده عشان اسمه وبس، بابا عمره ما فكر غير في نفسه وبس

"نظر له رامـي ولم يجد رداً يقوله فأخذ رامز يكمل تجميع أغراضه، أشار رامـي أخيراً"
- عموماً مكانك موجود معايا في الشركة التانية، أنا محتاجلك هناك

"نظر له رامز ثم أشار"
- شركتك؟

"أشار رامـي مصححاً كلمته"
- شركتنا، أنت ناسي إن مشروعنا لسة ماخلصش؟ وكمان في مشاريع كتير جاية

"ثم اتبع بابتسامة"
- ولا أنت ما صدقت تأجز؟

"لم يكن يدري ماذا كان ليفعل إن لم يكن رامـي إلى جواره يدعمه ويساعده بهذا الشكل، ابتسم في هدوء مشيراً"
- شكراً يا رامـي! أنا مش عارف لو ماكنتش جنبي كان هيحصل ايه

"أشار رامـي بعد أن عانقه بابتسامة"
- احنا مع بعض في المصايب قبل أي حاجة

"ضحك رامز ثم أشار"
- طب بما إني هبقى معاك في الشركة، في حد كمان عاوزه يكون موجود

"ابتسم رامـي مشيراً"
- ندى، صح؟

"أشار رامز سريعاً"
- عشان المشروع طبعاً

"ضحك رامـي مشيراً"
- هنقلها هناك

"ابتسم رامز في سعادة مشيراً"
- ونعم الأخ والله
.....

"عندما خرج رامز من المكتب، توجه إلى المصعد، وهناك، عندما انفتح الباب، وجد ندى تخرج منه، وعندما رأته، ارتبكت كعادتها ووضعت خصلة خلف أذنها في توتر، ابتسم لها قائلاً"
- صباح الخير يا ندى!

"ابتسمت في خجل قائلة"
- صباح النور!

"ثم اتبعت"
- أنا كنت لسة جاية لحضرتك

"ابتسم ابتسامة هازئة لمحت بها شيء من الحزن في عينيه وهو يقول"
- لا خلاص مكتبي مابقاش هنا

"عبست في عدم فهم وازداد توترها عندما رأت الحقيبة في يده وقالت"
- مش فاهمة

"تنهد قائلاً"
- من هنا ورايح أنا هبقى في شركة رامـي مش هنا، وهتابع المشروع من هناك معاه

"شعرت بأن قلبها قد انقبض في خوف وقالت هامسة"
- مش هشوفك تاني؟

"ابتسم ابتسامة جميلة قائلاً"
- ماتخافيش يا ندى!

"ثم غمز قائلاً بخفة"
- ماستغناش عنك

"إن كان قلبها قد انقبض من الخوف فالآن قد انكمش من الخجل والتوتر، ذلك الإحساس الذي لم يفارقها أبداً منذ أن عرفته، قال خاتماً حديثه قبل أن يرحل"
- ماتكسليش في الشغل عشان هشوف كل حاجة بنفسي

"ثم لوّح لها في خفة قائلاً"
- سلام

"وعندما رحل، ظلت واقفة مكانها وقد شعرت بالحزن الشديد لأنه سيرحل. لم تفهم كلماته جيداً فكيف سيرى كل شيء وهو ليس هنا؟ وما الذي جعله ينتقل للعمل من شركة رامـي بدلاً من شركة والدهما؟
قطع شرودها صوت نهال الذي أتى من بعيد وهي تتقدم ناحيتها قائلة"
- أخيراً لقيتك يا ندى! كنت بدور عليكي

"ابتسمت ندى قائلة"
- صباح الخير يا نهال!

"ابتسمت نهال قائلة"
- صباح النور! رامـي طلب مني أبلغك إنك من بكرة هتتنقلي من الشركة دي وتروحي لشركته الخاصة

"اتسعت عيناها في دهشة قائلة"
- اتنقل؟ بكرة؟

"اومأت نهال إيجاباً فاتبعت ندى قائلة"
- بس ازاي؟ هو ده عادي؟

"ضحكت نهال ضحكة خفيفة قائلة"
- المفروض إنه غريب، بس واضح إن متوصي عليكي

"شردت ندى دون رد فاتبعت نهال قائلة ببشاشة"
- يلا عن إذنك بقى هرجع مكتبي

"اومأت لها ندى بابتسامة، وعندما رحلت نهال، ارتسمت على شفتيها ابتسامة كبيرة، هذا ما كان يقصده إذن... سيأخذها معه، إنه حقاً يهتم لأمرها، إنه...
عند هذه النقطة كانت على وشك أن تقفز في سعادة، ولكن مر بعض الموظفين من أمامها فادعت الوقار ودخلت مرة أخرى إلى المصعد عائدة إلى مكتبها المشترك مع شمس، التي كانت تجلس وهي تعبث بقلمها بشرود في دفترها الصغير.
وعندما دخلت ندى إليها، انتبهت شمس لها وأغلقت الدفتر بهدوء ثم قالت"
- رجعتي بسرعة ليه؟

"جلست ندى على الكرسي أمامها ثم قالت"
- رامز قالي إنه هيسيب الشركة

"ضمت شمس حاجبيها في عدم فهم وسألت"
- يسيبها ليه؟

"رفعت ندى كتفيها لأعلى علامة على عدم المعرفة وقالت"
- ماعرفش

"ثم اتبعت بحماس"
- بس قالي إنه هياخدني معاه هناك

"رفعت شمس حاجبيها في اندهاش قائلة"
- بجد؟ ازاي؟

"ازداد حماس ندى ثم مالت على المكتب وقالت بصوت خفيض لئلا يسمعهما أحد"
- نهال قالتلي إن شكلي متوصي عليا مخصوص عشان بعد ما مشي لقيتها جاية
بتقولي إن باشمهندس رامـي طلب منها تبلغني إن من بكرة هروح الشركة التانية وأكمل المشروع من هناك

"قالت شمس في حزن"
- هتمشي واقعد أنا لوحدي زي القرد كده

"ضحكت ندى قائلة"
- هو أنا مهاجرة يا شمس؟!

"ثم اتبعت بهيام"
- وبعدين ده رامز، ماقدرش ماشوفهوش تاني

"قالت شمس في غيظ"
- رامز أهم مني؟!

"قالت ندى في مرح"
- أكيد يعني

"ثم اتبعت"
- وبعدين ما هي سما معاكي هنا يعني مش لوحدك

"وكأنها كانت تستدعيها فبمجرد أن ذكرت اسم سما، وجدتها تدخل إلى المكتب عابسة دون كلمة، قالت شمس بابتسامة استفزازية"
- صباح النور يا سما!

"ضحكت ندى فنظرت سما إليهما وهي لا تزال عابسة ثم قالت"
- بقولكم ايه... أنا مضايقة، سيبوني في حالي

"نظرت شمس إلى ندى بنصف عين ففهمتها ندى وقامتا سوياً لتجلسا عند مكتب سما، قالت ندى في حماس"
- احكيلنا عمل ايه

"قالت سما في ضيق"
- جه يتقدم امبارح

"قالت شمس في سعادة"
- بجد؟!

"ولحقها سؤال ندى قائلة"
- وافقتي، صح؟

"قالت سما عابسة"
- وافقت ايه انتو كمان؟! أنا مستحيل أحب واتجوز، اقفلوا الموضوع ده بقى

"قالت ندى في صدمة"
- رفضتيه؟

"قالت سما في ضيق"
- ايوة، لازم يعرف إن الحب مش بالعافية

"ضحكت شمس قائلة بنبرة ذات مغزى"
- طب وأنتِ زعلانة كده ليه؟

"نظرت سما إليها ثم قالت في ضيق"
- أنا زعلانة؟

"قالت شمس بابتسامة"
- هو أنتِ لما قلتيله لا عمل ايه؟

"قالت سما في ضيق دون وعي"
- مشي من غير ولا كلمة، ماكلفش نفسه حتى يقنعني بالعكس

"ثم انتبهت للاعتراف الذي سحبته شمس منها بمنتهى البساطة للتو فنظرت إلى شمس وندى اللتان كانتا تبتسمان لتقول في حنق"
- خلاص ارتحتوا؟

"ضحكت ندى فجأة وتبعتها ضحكة شمس بينما ظلت سما عابسة حتى قالت في هدوء"
- تفتكروا خلاص كده؟

"هزت ندى رأسها نفياً ثم قالت بابتسامة"
- ماعتقدش

"ثم نظرت إلى شمس وقالت"
- مش كده يا شمس؟

"كادت شمس أن تتحدث قبل أن تقع عيناها على الباب الذي فُتح للتو وأطلت منه عينان رماديتان محببتان إلى قلبها."

***

"أراد رامـي أن يقوم بجولة سريعة ليتابع فيها العمل بالشركة فمر ببعض المكاتب وكانت الأمور تسير على ما يرام حتى وصل إلى المكتب الذي تجلس هي فيه.
لا يدري لمَ ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجهه قبل أن يطرق الباب طرقة خفيفة ويدخل لتختفي ابتسامته وتحل محلها نظرته الصارمة وحاجبيه المضمومين عندما يرى شيئاً لا يعجبه.
عندما وجدنه وقد دخل من الباب، توقفن فوراً، نظر إليهن حتى توقف نظره على شمس، كان وكأنه يعاتبها هي تحديداً على تركها العمل وانشغالها بالحديث مع صديقاتها.
فهمت هي نظرته تماماً مما جعلها تشعر بالألم قليلاً لأنها لم تكن تريد أن يظن أنها مهملة ولو للحظة.
حاولت أن تفهمه بنظراتها أنها ليست كذلك وأنها ستكمل عملها على أكمل وجه، حاولت أن ترسل اعتذارها بتلك الطريقة.
مرت لحظات وعيناهما مثبتة على بعضهما البعض بينما استرقت ندى النظر إلى سما التي كانت لا تفهم أيضاً ما الذي يحدث ولكنها شعرت بأن ثمة حديث ما بينهما.
عاد رامـي لينظر إليهما ثم أخرج هاتفه وكتب باقتضاب"
- ده مش وقت الاستراحة، الشغل أهم من كلامكم.

"ثم وضع الهاتف على المكتب لتقرأن فقرأن سريعاً وهزت كل منهن رأسها إيجاباً هامسة باعتذار فالتقط هاتفه وخرج دون أي إضافة، نظرت كل من ندى وسما إلى شمس، التي كانت تنظر ناحية الباب في شرود لم تفق منه إلا عندما قالت سما"
- شمس!

"التفتت شمس إليها فاتبعت"
- هو أنتم كنتم بتقولوا إيه؟

"نظرت إليها شمس في تعجب فقالت ندى في وجل"
- حسيت إن الجو متكهرب كده ماعرفش ليه

"نظرت إليهما ولم تدرِ بمَ تجيب، هي نفسها شعرت بتلك الكهرباء تمس قلبها من نظرته لها، وجدت نفسها تضم حاجبيها قائلة في حزم"
- كفاية رغي! اشتغلوا بقى

"ثم عادت إلى مكتبها وحاولت التركيز في العمل بينما كانت ندى وسما تتغامزان بابتسامة دون صوت حتى لا تنتبه لهما."

.....

"وفي المساء، ذهب رامـي إلى عيادة نسمة، وكالعادة، كان آخر حالة تأتي إليها، وأثناء ما كانت نسمة تقف عند ماكينة القهوة لتصنع فنجانين لهما، كان رامـي ممسكاً بكرة صغيرة وجدها على الطاولة وأخذ يلعب بها قليلاً، كانت كرة مطاطية تقفز إلى الأعلى كثيراً خاصة حين يطرقها بقوة في الأرض.
كان يلعب بها وعلى وجهه ابتسامة مستمتعة. وضعت نسمة فنجان القهوة أمامه وهي تقول بمرح"
- كفاية لعب بقى لا تكسر حاجة، ماتبقاش شقي

"ضحك رامـي ثم أمسك بالكرة من الهواء ووضعها على الطاولة مرة أخرى كما كانت ثم التفت إلى نسمة التي كانت ترمقه بابتسامة لتشير"
- شكلك مشرق، احكيلي!

"ابتسم رامـي للحظات ثم أشار"
- شفتها، اتكلمنا كتير، ورقصنا سوى

"ابتسمت نسمة في سعادة ثم أشارت"
- وقدرت تحضنها؟

"اومأ برأسه في هدوء فاتبعت"
- وحسيت بإيه؟

"ابتسم في هدوء مشيراً"
- حسيت كأني كنت بجري سنين ووصلت

"بادلته ابتسامته فاتبع"
- بس...

"نظرت له تستدعيه أن يكمل فاتبع"
- مافيش حاجة من اللي جوايا قدرت تخرج، لسة حاسس إن في حاجات كتير جوايا، مارتحتش زي ما كنت مستني.

"نظرت له دون رد فاتبع بابتسامة"
- هو أنا بقيت معقد بجد ولا ايه؟

"ضحكت ضحكة خفيفة ثم أشارت"
- لا مش معقد يا رامـي! بس اعتقد إن أنت محتاج حاجة تانية تخرج مشاعرك بجد

"نظر لها بلمحة من الحزن وأشار"
- هخسر تاني؟

"ابتسمت في هدوء مشيرة"
- ماتبقاش متشائم، جايز تقابل حب يطمنك لدرجة إنك ماتخافش تخرج مشاعرك ادامه

"ابتسم للحظات دون رد فاتبعت"
- شمس عاملة ايه؟

"تردد رامـي قليلاً قبل أن يخبرها بكل ما حدث وهي تراقب إشاراته بابتسامة هادئة حتى انتهى فأشارت"
- أنت بتحب شمس؟

"نظر لها دون أن يعلم بمَ يرد، أشار"
- شمس وصلت عندي لمرحلة ماحدش وصلها، وأنا نفسي ماكنتش اتخيل إني ممكن اوصلها مع حد

"ثم اتبع"
- لما كانت بتعيط ورمت نفسها في حضني حسيت إني اتجمدت، ماقدرتش أمنعها زي ما كنت بمنع أي حد يقربلي، حسيت إنها عاوزة تتطمن، وحسيت إني... عاوز اطمنها.

"ابتسمت نسمة للحظات ثم أشارت"
- يعني حب؟

"هز رامـي رأسه في نفي مشيراً"
- ماقدرش أقول كده، لسة كتير عالكلمة دي

"أشارت نسمة متعجبة"
- يبقى إيه دلوقتي؟

"ابتسم ابتسامة خفيفة ثم أشار"
- راحة يمكن

"هزت نسمة رأسها متفهمة ثم أشارت متجهة إلى موضوع آخر"
- إحساسك إيه من ناحية باباك دلوقتي؟

"صمت رامـي للحظات ثم أشار"
- بعد ما ساعدني أعرف مكانها واشوفها غضبي ناحيته قل، أنا قدرت أحضنه

"ابتسمت نسمة في إعجاب بهذا التطور مشيرة"
- هايل، كنت حاسس بإيه وقتها؟

"صمت للحظات يحاول وصف ما شعر به حتى أشار"
- كنت مرتبك، وحسيت...

"ثم صمت للحظات أخرى قبل أن يشير ثانيةً"
- حسيت إن بابا اللي كنت بحبه جداً زمان رجع تاني

"ابتسمت في هدوء دون رد فاتبع في تردد"
- بس... لسة في حاجز اعتقد مش من ناحيتي أنا قد ما من ناحيته هو

"أشارت مستفهمة"
- بمعنى إيه؟

"تنهد رامـي مشيراً"
- بابا ماتغيرش، هو حتى مش معترف بإنه غلط، وللأسف مش قادر يقتنع إن وجودنا معاه دلوقتي مش لأي سبب تاني غير إننا فعلاً عاوزين نكون قريبين منه، لسة مصمم يبعدنا عنه يا نسمة

"ضمت نسمة حاجبيها مشيرة"
- هو حصل مشكلة تانية؟

"اومأ رامـي برأسه ثم أشار"
- حصلت مشكلة بينه وبين رامز، ودلوقتي بابا مقاطعه ومتضايق مني إني بساعده

"ثم ابتسم في سخرية مشيراً"
- لكن طبعاً ماقاطعنيش زيه

"شعرت نسمة من طريقته أنه يقصد شيئاً ما فأشارت"
- قصدك إنه بيفرق في معاملتكم؟

نظر لها رامـي قبل أن يشير""
- أهم سبب مخليني واقف جنب رامز رغم كل حاجة غلط بيعملها هو إن ماحدش كان بيقدمله الاهتمام زي ما كان بيحصل معايا

"صمت قليلاً ثم أكمل"
- رامز من جواه إنسان عاقل وفاهم هو بيعمل إيه كويس، بس كان بيتعمد من زمان إنه يلفت النظر له بأي حاجة يعملها عشان يهتموا، رغم كل حاجة حصلتلي بسبب بُعد ماما لكن أنا متأكد إن رامز تعبان أكتر مني لكن مش بيتكلم، عشان كده مش عاوزه يحس للحظة إنه لوحده، عاوز أثبتله إني موجود معاه دايماً

"ثم تنهد في ألم وأشار"
- وكان نفسي بابا يفهم كده، ماكنتش اتمنى أبداً إنه يبعد رامز عنه بالطريقة دي

"ابتسمت نسمة في هدوء و أشارت"
- طب وليه ماتحاولش تكلم باباك في الموضوع ده؟

"صمت للحظات ثم قال"
- ساعات بتكلم لكن بحس إننا بنوصل لطريق مسدود

"ابتسمت نسمة مشيرة"
- بس أنا عارفة إنك هتتكلم معاه تاني عشان خاطر رامز، صح؟

"ابتسم ثم اومأ برأسه إيجاباً قبل أن يقوم من مكانه مشيراً"
- أنا همشي بقى عشان ورد وحشني

"ثم أمسك بالكرة مجدداً واتبع"
- وهاخد دي كمان عشان ألعب بيها

"ضحكت مشيرة"
- ماشي، بس اوعى تكسر بيها حاجة

"ضحك ثم ودعها وخرج متوجهاً إلى المزرعة لتمضية بعض الوقت مع صديقه الوحيد... ورد."

.....

"في نفس الليلة، عاد رامز إلى منزل نانسي كما وعدها، وعندما دخل، وجد المنزل مظلماً فخفق قلبه بشدة من فكرة أن تكون قد تركته بالفعل.
توجه سريعاً ناحية الغرفة وفتح الباب فجأة ليجدها نائمة بعمق ولم تشعر حتى بصوت الباب، التقط أنفاسه في راحة ثم أغلق الباب خلفه وبدّل ثيابه ثم اندس داخل الفراش قربها وأسند رأسه إلى كتفها كالعادة.
شعرت به ففتحت عينيها وأضاءت المصباح جوارها لتراه، كان يبدو شارداً في حزن فمدت يدها ناحية رأسه ومسحت عليها قائلة بهمس"
- رامز! مالك يا حبيبي؟

"رفع رأسه قليلاً لينظر إليها وبدى وجهه حزيناً وقد تخلص من ثقل القناع الساخر الذي يضعه طوال اليوم أمام الجميع...
شعرت بالألم لرؤيته هكذا خاصة حين شعرت بأنها تعلم سبب حزنه جيداً، ساد الصمت للحظات حتى قال هو بنبرة هادئة ومتعَبة"
- تعبان يا نانسي! عاوز ارتاح

"ضمت رأسه إليها وأخذت تمسح فوقها بحنان حتى اتبع"
- بابا طردني من شركته، ومن العيلة كلها

"دمعت عيناها قائلة"
- أنا السبب، صح؟

"تنهد قائلاً"
- أنتِ مش السبب في أي حاجة

"ثم ابتسم في سخرية قائلاً"
- وبعدين أنا مابقيتش مقطوع من شجرة يعني، رامـي معايا وبيساعدني

"ابتسمت قائلة في حنان"
- أنا ورامز الصغير كمان جنبك

"ابتسم ثم التفت لها قائلاً"
- امتى هنعرف إن كان ولد ولا بنت؟

"ردت قائلة"
- المفروض في الرابع، بس أنا عارفة إنه ولد

"ضم حاجبيه متسائلاً"
- عرفتي ازاي؟

"ضحكت قائلة"
- قلب الأم

"ابتسم لها قائلاً"
- هتبقي أم حلوة

"ضحكت في زهو قائلة"
- عارفة

"اقترب منها أكثر ثم قال في عبث"
- طب نامي يا حلوة احسنلك

عادت لتضحك قائلة""
- حاضر حاضر، هنام

"قبّل وجنتها قائلاً"
- تصبحي على خير

"ثم عاد ليسند رأسه إلى كتفها وهي تطوقه بذراعيها كأنه طفلها الثاني."

.....

"في الصباح، استيقظت سالي من نومها المرهق الذي اعتادت عليه في الفترة الأخيرة باعتبارها أصبحت بمثابة كيس الرمل الذي يخرج فيه السيد سليم غضبه وحيرته التي لم تعد تفهم لهما أي مبرر.
نظرت إلى جوارها فلم تجده كالعادة أيضاً، قامت من مكانها لتنعم ببعض الراحة من خلال حمامها الدافئ، وعندما انتهت، ارتدت ملابسها وجلست أمام المرآة وأخذت تتزين في شرود.
إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ لقد ملّت إهماله لها وعنفه معها، وملّت الركض خلف أشياء صعبة المنال، حتى السعادة التي كان يمنحها إياها في البداية قد تبدلت تماماً، وخططها في الإيقاع بأحد من ابنيه باءت بالفشل.
إن تلك العائلة ليست سوى نسخة واحدة من القسوة والتسلط المغلف بقشرة خارجية تجذب في البداية ثم ما تلبس أن تُنتزع حتى تظهر الحقيقة، إن كان هناك من وقع في الفخ فإنه هي.
خرجت من الغرفة فور ما انتهت ونزلت على الدرج وصوت كعبها يرن في الأرجاء."

***

"كان جالساً على مائدة الفطور في شرود، لقد أصبح وحيداً بعد أن رحل الجميع، هل حقاً هو السبب في كل ما حدث؟
صوتاً ما بداخله كابر وأخبره بأنهم جميعاً المخطئون، إن كانت رقية بتخليها عنه وتركها إياه رغم علمها بحبه، أو رامـي الذي يتهمه دوماً بأنه السبب في كل شيء حتى في عجزه الذي لا يشعر أبداً كم يقتله هو من الداخل، أو ذلك الأحمق الذي يعتقد أنه لا يعني له أي شيء بينما هو من كان يعينه على تحمل غياب رقية بروحه المرحة و عينيه الخضراء، جميعهم حمقى ومخطئون.
قطع شروده وغضبه صوت كعبها على الدرج ليشعره بمدى فراغ هذا القصر الواسع الخالي من كل الأصوات الحنونة والصامتة والساخرة إلا من كعب حذائها العالي.
نظر ناحيتها ليجدها كالعادة ترتدي أقصر الأشياء لديها غير ملتفتة لأوامره... تلك الثياب التي سترغمه يوماً ما على تمزيقها ورميها بعيداً حتى ترتدي ما هو أكثر احتشاماً، وكان شعرها الأشقر يتطاير من خلفها في إشراق جعله يتعجب، أو ليس من المفترض أن تكون غاضبة منه على ما يفعله؟ كيف تكون في الصباح هكذا؟
اقتربت ناحيته ثم قبّلته قائلة في دلال قبل أن تجلس"
- صباح الخير يا حبيبي!

"ظل صامتاً للحظات متعجباً منها حتى قال"
- صباح النور!

"ثم اتبع وهو يتأمل مظهرها"
- شكلك حلو النهاردة

"اتسعت ابتسامتها قائلة في ثقة"
- سالي دايماً حلوة

"ابتسم دون رد فاتبعت وهي تنظر ناحية الكرسي الخاص برامز"
- هو رامز مش هيفطر معانا؟

"عاد ليصمت مرة أخرى وقد انقلبت ملامحه إلى الضيق مجدداً ليقول"
- لا، رامز ساب القصر

"نظرت إليه في صدمة وقالت"
- ليه؟

"نظر لها ثم قال"
- وأنتِ مخضوضة ليه؟

"قالت وقد حاولت أن تتدارك نفسها"
- مافيش يا حبيبي! بس يعني الموضوع غريب، رامـي مشي وشوية ورامز كمان مشي، ايه اللي خلاهم يمشوا كده؟

"قال في جفاء"
- هما أحرار، مش هجبر حد يقعد غصب عنه

"ثم اتبع وهو ينظر إلى ملابسها مرة أخرى"
- أنا مش قلتلك مش عاوز لبس قصير برة الأوضة؟

"قالت محاولة استرجاع دلالها قليلاً"
- مش احنا بقينا لوحدنا خلاص؟ مش مهم بقى

"ابتسم دون كلمة ثم مد يده ناحية شعرها الناعم ومسح عليه مسحة خفيفة ثم أمسك بعدة خصلات طويلة ولفها حول إصبعه في هدوء حتى شدها فجأة فتأوهت، قال بصوت خفيض دون أن يتركها"
- في خدامين، ومش هعيد كلامي مرة تانية يا سالي، لو شفتك باللبس ده تاني حسابك هيبقى كبير، فاهمة؟

"اومأت برأسها سريعاً فترك خصلاتها ثم مسح بأصابعه مسحة خفيفة على وجنتها وهو يقول في هدوء"
- شاطرة

"ثم قام من مكانه وخرج تاركاً إياها وهي تلعن حظها، لقد ذهب الآخر، ولقد بدأت أيامها تنقلب للأسوأ مع ذلك الرجل الذي لم تعد تفهمه على الإطلاق، في الحقيقة هي حتى لم تحاول فهمه، والأهم... أنه لن يسمح لها."

****
انتهى الفصل


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس