عرض مشاركة واحدة
قديم 07-06-22, 06:12 PM   #43

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

طالعت أوركيد من نافذة القبو ما يتبين لها من المكان، بدا بأن منزل المزرعة المؤلف من طابقين مبني من جذوع الشجر والحجارة كما هو منتصب إلى جانب مباني المزرعة وكأنه برج مراقبة مرتفع عن الجميع في مشهد يبعث للدفء للرائي، بالطبع إن لم يكن يعيش في نفس ظروفها..
أغمضت جفنيها وأخذت نفسا مرتجفا.. كان قلبها يخفق بشدة.. والإحساس المفعم بالسقم والأسى يتفاقم.. إذ مضت أيام وكل شيء على حاله وهي مسجونة في هذا القبو..
جفلت على فتح بابه بعنف واندفاع كاميرون داخله بعصبية بالغة.. وقف أمامها لاهثا بغضب أعمى حتى أنه أخافها.. لقد أخبره إيان بأن نتيجة فحص الحمض النووي صدرت وكانت أن هذه الأوركيد ليست شقيقته الضائعة.. إذن تلك العجوز الجشعة ما هي إلا كاذبة كبيرة.. لقد أخبرته بأنها وقبل سنوات عديدة تزيد عن العقدين ونصف خطفت شقيقة إيان الرضيعة في نفس يوم ولادتها مقابل طلب فدية قبل أن تخشى كشف أمرها وتلقيها في حاوية للنفايات وتراقبها من بعيد، لتكتشف لاحقا بأمر خطفها مجددا من قبل امرأة مريضة تدعى أنجيلا والتي قامت نسبها لعائلة أخيها.. وقتها أخبرته المرأة العجوز بأنها ستعلمه هوية شقيقة إيان الضائعة مقابل أن يعطيها نصف المبلغ الذي تحتاجه، والنصف الأخر يكمله لها بعد أن يتأكد من صحة كلامها، إلا أنها هربت بنصف المبلغ واختفى أثرها قبل حتى أن تصدر نتيجة التقرير..
لحق دومينك كاميرون يعطيه ظرف النتيجة التي طلب من أن يجروه بمختبر أخر حتى يتأكد من صحة كلام إيان بأن أوركيد ليست أخته، ولا يتلاعب به..
فتح كاميرون الظرف وسرعان ما أضحت ملامحه أكثر قسوة بينما يتبين صدق كلام إيان، عينتها لا تطابق مع عينته وبالتالي هو لا يتلاعب بهم وأوركيد ليست شقيقته الضائعة..
دفع كاميرون مقعد قريب منه بقدمه بغضب مستعر، لقد أضاع فرصة ابتزاز إيان وإرغامه على دفع ثمن إيذائه له بعد أن اتضح أن كلام تلك المرأة كاذبا والفتاة التي خطفها لا تقرب لإيان بشيء..
بدأ صدره يرتفع وينخفض بعنف بينما يتقدم بخطوات بطيئة مستفزة للأعصاب من أوركيد التي كادت أن تموت جزعا منه.. ليباغته دومينك متسائلا
((سيدي ماذا سنفعل بالفتاة الآن؟ ماذا لو أطلقنا سراحها وذهبت لتشتكي علينا وقد عرفت هويتك؟))
تطلع كاميرون لدومينك ينفجر به غضبا
((لم أكن لأكشف لها شيئا لولا ثقتي الخرقاء بتلك العجوز))
كان ظنها قبل أن يتكلم كاميرون للمرة الأولى أمامها أن صوته سيكون منخفضا عميقا وأجشا كأنه لم يتكلم بشكل هادئ لكن جاء صوته مرتفعا في حالة من الغضب يرعد بشكل مغاير لظنونها..
أسدل كاميرون جفنيه للحظات يحاول تهدئة أنفاسه واستعادة رباطة جأشه قبل أن يقول أخذا بالاعتبار الصورة الواضعة التي يملكها عن علاقة أوركيد الغير طيبة بعائلتها
((دومينك، أبقيها هنا في المزرعة، وراقب عائلتها عن كثب، إن لم تسأل عنها ستبقى هنا حتى أخر يوم في عمرها، أما لو قدمت عائلتها أي شكوى عن اختفائها للشرطة فسنقتفي أثر خطة أخرى..))
كاد أن يستدير كاميرون مغادرا عندما اندفعت أوركيد نحوه متوسلة وعذاب يطفح على ملامحها
((أطلق سراحي واعدك بأني لن أشي لاحد عن خطفك لي، أنا لا اعرف شيئا عنك، بل حتى نسيت اسمك))
صرخ كاميرون بها بقسوة
((اصمتي، ستبقين هنا..))
توقفت مكانها تصرخ بوجه محتقن متحدية إياه
((لن اسمح لك بإبقائي هنا، بل سأخرج حالا))
تحفز كاميرون وضيق عينيه بوعيد قبل أن يأمر رَجُله
((انظر يا دومينك لثورتها، لا يمكن أن نجعلها تختلط بالماكثين في هذه المزرعة، لا تخرجها من هذا القبو أبدًا))
خرج كاميرون ومن بعده دومينك صافقا الباب خلفهم بإحكام غير ابهين لصراخها واستنجادها المنهار..
==========================
بعد مرور أيام أخبر فيها دومينك سيده بأن أوركيد لا تتوقف عن الصراخ مطالبة بالخروج من القبو وإطلاق سراحها، بل وتضرب عن الطعام رافضة إدخال شيء في جوفها، وجد نفسه مضطرا أن يمر عليها.. فتح باب القبو وتوغل للداخل لترفع أوركيد عينيها له فتراه يطالع وجهها الباهت والمرهق والفاقد لكل أشكال الحياة، فسارعت تخاطبه متوسلة بصعوبة من حبال صوتيه أرهقها البكاء
((سيد إيستون، أرجوكَ أطلق سراحي فأنا لن أخبر أحد عن خطفك لي..))
اضطربت ملامح كاميرون شاتما نفسه ألف مرة ومرة! ما هذه الورطة التي أوقع نفسه بها!
تطلع لدومينك يأمره على مضض وقد أخذته الشفقة عليها
((دعها تساعد مدبرة المنزل، على الأقل حتى أعرف كيف أتخلص منها مع ضمان أنها لن تسبب أي مشكلة لنا))
وغادر المكان على الفور ليجد دومينك نفسه يزمجر فيها بقوة
((من الآن وصاعدا ستصبحين خادمة وتساعدين مدبرة المنزل، وعليك السمع والطاعة، ستعملين عند السيدة إيستون، إنها امرأة صعبة المراس وانتقائية فإياك ثم إياك أن تثيري غضبها))
ثم لوح بإبهامه منبها إياها
((تذكري، أن سلوكك هو الذي سيحدد مسألة إطلاق سراحك من عدمه))
ورغم عدم استساغتها لعملها هنا كعاملة منزلية إلا أنها كانت أفضل الخيارات مؤقتا، حتى تشحن قوتها وطاقتها وتهرب ناجية بروحها..
خرجت أوركيد من القبو لتقف في منتصف المزرعة حيث لم يكن ثمة أي سقف فوقها أو جدران من حولها.. رباه.. لقد شعرت في الأسبوعين اللذان أمضتهما في القبو وكأنها سنوات حتى أنها نسيت بإحساس الريح على وجهها والحصى والغبار تحت قدميها والسماء اللامتناهية فوق رأسها..
حثها دومينك أن تلحقه فدخلت أوركيد بمظهر يرثى لها إلى منزل المزرعة من باب الشرفة المسقوفة مع دومينك الذي قدمها لمدبرة المنزل طالبا منها أن تعطيها غرفة بالملحق وملابس لتستخدمها فهي العاملة الجديدة هنا التي وظفت خصيصا للسيدة ماتيلدا ايستون..
بعدما انتهت أوركيد من الاستحمام وملئ معدتها بطعام يبقيها على قيد الحياة، طلبت من مدبرة أن تقتادها إلى حيث يقبع هاتف في هذا المنزل، إلا أن مدبرة الهاتف رمتها بنظرة صارمة كأنها طلبت منها موادا ممنوعة أمرة إياها ألا تكرر مثل هكذا طلب.. لكن سرعان ما تلاشى استهجان أوركيد من ردة فعل مدبرة المنزل العدوانية لطلبها عندما عرفت بأنه يُمنع استخدام الهواتف في مزرعة كاميرون إيستون من قبل أي أحد، بل أن هناك هاتف واحد يجهل أي أحد مكانه!
اعتراها الإحباط، فلا يبدو بأن أمر هربها من هذا الجحيم سيكون يسيرا! جفلت على صوت مدبرة المنزل تأمرها بفظاظة مجددا
((اذهبي ووضبي غرفة السيدة ايستون..))
أطاعتها أوركيد، ومضت نحو غرفة ماتيلدا.. التي لم تحتاج لأكثر من عدة لقاءات معها لتعرف أنها أكثر امرأة متعجرفة ومغرورة قابلتها بحياتها.. إنها لا تطاق وصعبة المراس، مدللة، وأنانية لا تحب إلا نفسها، تتعمد التحقير من كل من حولها وإهانتهم مهما بذلوا جهدا في تنفيذ طلباتها إلى حد المثالية، بمن فيهم زوجها كاميرون، بل هو بالذات لا تتردد بتمريغ كرامته في تراب الإهانة والذل حتى أمام العاملين عنده، حتى أنها استغربت ماذا فيها هذه المتعجرفة ليحبها وتهون عليه كرامته لأجلها! هزت رأسها تبدد هذه الأفكار الفارغة عن رأسها وتركز على هدفها الوحيد في الهروب من هذا المكان الذي احتجزت فيه دون جريرة منها!
وبينما هي توضب الغرفة دخلت لدورة المياه الملحقة بها.. تطلعت لجمال هذا الحوض الكبير فيها، حتى أنها سهت قليلا عن صوت ماتيلدا تدخل المكان وتهتف بها بعصبية أن تبارحه، ففعلت متجنبة غضبها..
==========================
اتكأت أوركيد على إحدى النوافذ الواسعة المطلة على ساحة المنزل وأسوارها العالية لتفكر بذهن متيقظ بحالها.. العاملين في المزرعة يملؤون المكان ويجعلون امر الهرب أصعب مِمَّا كانت تظن حتى لو لم يعرفوا بأنها مختطفة، وعائلتها لا تعرف بمكانها ولو عرفت فلا تظن بأن هناك شيئا سيتغير.. ماذا عليها أن تفعل؟ تجمدت الدموع في مقلتيها وراحت تنظر خلال التلال البعيدة التي لا يفصل بينها أي معلم أو حدود.. لم يكن هناك أثر لسكن بشري ولا حتى لجواد أو رأس ماشية واحد.. بينما تنغمس في النظر للفضاء الواسع والهواء النقي عمت السكينة أرجاءها مما جعلها تنسى التعب الذي يلازمها.. مؤقتا.. فلا زال ذلك الكاميرون المغرور بثقة مفرطة يخترق تفكيرها.. لابد ان سبب بطشه يعود لكونه إنسان إقطاعي يمتلك مزرعة.. لقد كانت عائلتها ايضا تمتلك مزرعة حتى لو لم تكن بحجم هذه المزرعة!
==========================
انتهى الفصل.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس