عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-22, 01:09 PM   #211

ريما نون

? العضوٌ??? » 484937
?  التسِجيلٌ » Feb 2021
? مشَارَ?اتْي » 802
?  نُقآطِيْ » ريما نون is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الثالث والثلاثين

خرج آدم من منزل غسق لا يرى أمامه دون أن يدري قادته قدماه إلى زهراء ظل يدق الباب حتى فتحت له لينهار أمامها وهو يبكي بشدة، لم تفهم شيئًا من ما يقول أدخلته

وأغلقت الباب واضعة لوحة مغلق على المحل كي لا يقاطعهما أحد، أسندته إلى الحمام لتغسل له وجهه لكنه وقف أسفل المياه بكامل ملابسه، فتحت هي عينيها بصدمة وخرجت مسرعة في حرج، بعد فترة ليست قليلة دقت عليه باب الحمام وأعطته كيس به ملابس ابتاعتها له من محل قريب ليرتديها عوضًا عن ملابسه المبتلة، أخذ الكيس منها وارتدى الملابس فعلًا، خرج ليجدها قد أعدت له قهوة وقطعة كيك جلس يحتسي القهوة بيد مرتعشة حتى كاد يسقط الكوب عدة مرات

بصوت هادئ عكس ما يجول بداخلها قالت:

- ماذا حدث؟ وضعك ليس طبيعيًا هيا هات ما عندك.

كاد أن يبكي مرة أخرى لكنه استجمع شتات نفسه في النهاية وقال وهو يهرب من عينيها:

- لقد فعلت شيئًا سيئًا، بل هو أكثر من ذلك! لقد آذيت غسق بشدة لكني لم أقصد ذلك أقسم بأني فقط كنت غاضبًا...

قامت من مكانها تصرخ فيه:

- ماذا فعلت؟ هل آذيت الأطفال؟! ويلك مني إذا فعلت ذلك.

ابتلع ريقه وقد زاد الخوف بداخله، لا ينكر بأنه في لحظه فكر في أذيتهم خصوصًا ذلك الذي شهد على فعلته بأمه، من أوقفه هو المربية، لكنه لن يخبرها بذلك بالطبع:

- لا لم أقترب من أطفالها ولا قليلًا.

تنفست الصعداء لسماع ذلك، لكن حركة يده المتوترة وهروب عينيه منها أنبئاها بأن ما فعله ليس بهين، ضيقت بين عينيها وهي تقول بصرامة:

- ماذا فعلت آدم؟ هيا اعترف ولا تحاول أن تغفل شيء أو تجمل فعلتك.

لم يكن في وضع يسمح له بالهرب أكثر بل العكس تمامًا يرغب بالاعتراف بفعلته عل ذلك يخفف عنه الشعور بالذنب الذي يتصاعد بداخله.

********

بعد معرفتها برغبته بالزواج من سابين قررت رفع قضيه خلع عليه، ضاربة بذلك كل الاعتبارات حتى مسألة تشويه السمعة التي قد تعجل سجنه، صحيح هي طلبت من المحامي بأن يجعل الخبر سري قدر الإمكان خصوصًا بعد إلقاء القبض على سراج، لكنه انتشر كالنار في الهشيم، ولم تتراجع في قرارها رغم كل شيء حتى كلام إياد وساجي وتأكيدهما لها بأن ما فعله ما هو إلا ردة فعل غبية على كلامها له، وأن العلاقة بينهما انقطعت منذ تلك الليلة، بل إن إياد أخبرها برغبته في الارتباط بسابين!

ذلك الارتباط الذي رفضته شكلًا وموضوعًا وهددت بمقاطعته إذا أصر عليها؛ منذ ذلك اليوم وهي ترفض الرد على مكالماته أو لقائه حتى.

اقترب أيهم منها ساحبًا كرسي ليجلس بقربها وأخذ يتطلع للبحر معها دون أن يتكلم لبرهة:

- تعرفين فرح أنتِ تشبهين البحر كثيرًا؛ عندما يثور ويغرق كل السفن التي تبحر به غير آبه بالأضرار التي يخلفها، رائعٌ في هدوء يبعث الطمأنينة في نفوس الناظرين له دون أن يعرفون بأن تحته زلازل وبراكين تنتظر الفرصة لتطفو على السطح.

ارتفع حاجبها ببطء وهي تقول:

- أهذا مدح أم ذم؟!

هز كتفيه وقال ببساطة:

- لا هذا ولا ذلك، أنتِ شقيقتي الوحيدة وأنا أحبك كثيرًا، لكن ذلك لن يمنعني من قول رأيي فيكِ خصوصًا عندما تخطئين.

عقدت يديها والتفتت إليه بجذعها:

- في ماذا أخطأت؟ هلا أنرتني؟ عندما طلبت الطلاق من رجل خائن أم عندما رفضت أن يرتبط أخي بالمرأة التي تسببت بخراب بيتي.

- لا هذا ولا ذلك، طلبك للطلاق مشروع ما دمتِ لا تستطِيعين تجاوز ما حدث، لكن خطأكِ كان في انتظار خيانة زوجك الذي أمضى نصف عمره كي ينالك؛ كرهك لسابين بحجة أنها سبب فشل زواجك حقك إما رفضك لزواجها من إياد بل مقاطعته له لابتزازه عاطفيًا هو الخطأ الأكبر، لا يجب أن تسمحي لشيء أو أحد أن يبعد بينك بين شقيقك ولا أن تستغلي حبه لكِ كي تجعليه يستغني عن من يحب.

صفقت بيديها بطريقة مسرحية:

- منذ متى وأنت بهذه الحكمة سيد أيهم! ألست أنت من تركت منزلنا كي تقيم مع فريدة؟ بل بلغت بك الوقاحة بأن تناديها أمي.

هز رأسه وهو يبتسم:

- مثل العادة تقومين بالهجوم بدلًا من مناقشة الأمور، أحفظك جيدًا صغيرتي لا تحاولي التلاعب بي أو الهروب من النقاش عن طريق جرحي بكلماتك اللاذعة تلك.

تخصب وجهها بحمرة الخجل، فعلًا أيهم يعرفها جيدًا لن تنجح معه لكنها لن تعترف، تابعت بنفس الروح القتالية:

- لا تنكر بأنك فعلت ذلك!

- حسنًا سوف أجيب على هجومك الظالم كي ننتهي من هذه المسألة ثم تجيبِي أنتِ على كلامي، اتفقنا.

هزت رأسها علامة الموافقة وبداخلها واثقة بأن المناقشة ستنقلب ولن يستطِيع أن يأخذ منها حق أو باطل.

تنهد وأعاد ظهره إلى الكرسي:

- أنا لم أترك المنزل لأني فضلت منزل القاسم بل تركته بسبب جدتي وكلامها القاسي، لا أعرف إذا كنتِ تذكرينِ كلامها أم لا لكنِي أفعل فقد كنت الأكبر، أخذت معظم الكلام (أنت ابن أبيك، سوف تكون مثله خائن خانع للنساء، لا تنفع في شيء سوى الركض وراء النساء مثل أبيك، والدك خائن...) كلام قبيح لم أكن أعرف معناه حتى، كانت تسم بدنِي ليلًا نهارًا بذلك الكلام وأكثر منه عن فريدة وعلاقتها الغرامية بأبي وخيانتهما، تخيلي طفل على أبواب المراهقة يكون هذا نشيده الذي يسمع ليل نهار في منزله؛ وأمي للأسف لم تحاول إيقافها أو الدفاع عنا أبدًا، تعرفين كم تمنيت لو أن أمي رفضت زواج أبي وفريدة، لو أنها طلبت منه الطلاق وأخذتنا بعيدًا عند أخوالي بل أني طلبت منها ذلك عدة مرات، لكنها رفضت بحجة حبها لجدتي؛ أقدر حبها لها فهي من ربتها كما تقول، لكن كيف يكون امتنانها لها أكبر من حبها لأولادها، عندما ذهبت أول مره لمنزل القاسم كنت مطرود من المنزل.

اتسعت عيني فرح في دهشة.

تابع مؤكدًا:

- نعم طردتنِي جدتي بعد أن دافعت عن إياد لأنها نعتته بالخائن الصغير، لم أتمالك نفسي وقتها وقلت لها كلامًا لا يجوز في الحقيقة فقامت بطردي، وطبعا أمي لم تفعل شيء؛ وقتها توقعت بأن أواجه معاملة سيئة من فريدة لكن ذلك لم يحدث! بالعكس رحبت بي ولم تسمعني كلام سيء عن أمي أو جدتي، وعندما كانت مُنى هانم تحاول مضايقتي كانت تقف لها بالمرصاد؛ لست غبي أعرف بانها تفعل ذلك كي تكسب أبي في صفها وليس محبة لي، لكنِ سعدت بذلك بل أخبرت أمي علها تغير منها وتفعل مثلها، لكن لا حياة لمن تنادي، أمي عاشت حياتها لجدتي وليست لنا بل إنها ضحت بنا من أجل إرضاء جدتي، تعرفين ما هو شعور الفتى عندما لا تتمسك به أمه؟!

هذا ما أشعر به ربما لذلك لم أتزوج حتى الآن، إذا كانت أمي لم تحارب من أجلي فهل تفعل امرأة أخرى؟

نزلت دموعها كشلال يغطي وجهها، لم تعرف يومًا ما شعر به كل من إياد وأيهم، كل ما عانا منه، دائما وضعتهما في دائرة الاتهام مع والدها، حتى أنها عزلت مشاعرها من ناحيتهما، واستغلت حبهما لها، يا إلهي هل ضاع عمرها وهي تلوم أخويها اللذان طالتهما ندوب الطفولة مثلها إن لم تكن أكثر.

*********

كجثة هامدة حملها المسعفين إلى المستشفى لم تستطِع حتى أن تجيب عن أسئلتهم حول مكان الألم وسبب النزيف، فقط طلبت من المربية بأن تبقى مع الأطفال؛ في المستشفى تم الكشف عليها وتضميد جرح أسفل صدرها، كما قامت الممرضة بعمل فحص اغتصاب لها مع إعطائها الأدوية اللازمة في تلك الظروف.

بعد خروج الممرضة التي أعلمتها بأن المحقق سيأتي للتحقيق معها بعد قليل، قررت أن تغادر فهي ليست في وضع يسمح بذلك ولا تريد بأن تخبر رجل بما فعله بها آدم، نزلت من سريرها بصعوبة لتسمع صوت الباب فأغمضت عينيها في ألم:

- لا يا إلهي.

دخلت سارة غرفة المستشفى القابعة بها غسق، فقد أخبرتها المربية ما حدث فور ذهاب غسق مع الإسعاف كان قلبها يدق بسرعة، لا ترى أمامها من شدة الغضب، توقعت كل شيء من آدم بل حذرتها بأنه لن يصبر على الزواج الصوري، لكن أن يغتصبها! هذا ما لم تتوقعه أبدًا.

عندما فتحت الباب كانت غسق تهم بالنزول من السرير لتقول بسرعة:

- إلى أين أنتِ ذاهبة؟

التفت لها غسق وقد شعرت بالراحة لوجودها، قائله بصوت محشرج بالكاد أخرجته:

- سارة حمدًا لله أنها أنتِ، ساعديني كي أرتدي ملابسي وأخرج قبل أن يأتي المحقق.

عقدت حاجبيها قائلة بغضب مكتوم:

- ماذا تعنين؟ لن تخرجي إلا بعد أن ينتهي التحقيق وتدلي بجميع أقوالك، يجب أن تخبريهم بكل شيء كي ينال ذلك الوغد جزائه.

جلست على السرير لأنها لم تستطع الوقوف أكثر:

- سارة أرجوكِ لا أريد ذلك، لا أستطِيع أن أعيد ما حدث على أحد، سوف أرفع قضية طلاق على آدم وينتهي الموضوع، لن أراه مرة أخرى.

اتسعت عينيها في دهشة لم تدم كثيرًا فقد عادت نظراتها للغضب لتقول هذه المرة مهددة:

- بل سوف تخبرِين المحقق بكل شيء وتقومِين بالشهادة ضده، والتأكد بأن يتعفن في السجن وإلا أقسم بأني سوف أقوم بنفسي بالاتصال حالًا بساجي وإخباره بكل شيء وبعدها أذهب لمنزلك وأفرغ كاميرات المراقبة لأسلمها للشرطة، عندها لن نحتاج لشهادتك.

******

لم تمر سوى بضع دقائق لكنها شعرت كأنها دهر، أخذت تنظر حولها إلى الغرفة في انتظار قدوم العسكري مع سراج فقد تحصلت على أذن زيارة له بسهولة لم تتوقعها، بداخلها خوف من رفضه لرؤيتها بعد أن وصلة إخطار المحكمة بقضية الخلع وخوفٌ آخر من مواجهته؛ دون أن تدري وجدت نفسها تدعوا سرًا بأن يرفض رؤيتها، ليفتح الباب ويظهر من خلفه العسكري يجر سراج مكبلًا بالأصفاد منحني الرأس؛ دعوتها لم تستجب للأسف وعليها الآن مواجهته، ازدردت ريقها وهي تنظر له من أسفل رموشها ببطء؛ خسر الكثر من وزنه وظهرت هالات سوداء تحت عينيه اللامِعتين، كما نمت لحيته بكثافة ظهر عليه الكسرة ليست كَسرة السجن! بل كَسرة الخذلان، خذلانها له، لا بد بأنه يكرها الآن.

خرج كلًا من الضابط والعسكري بعد أن فك يدي سراج من القيود الحديدية، ليترك لهما حرية الحديث.

جلس سراج على الكرسي المقابل لها، تطلع بها قليلًا كأنه يريد أن يرتوي من ملامحها وقد فاض الشوق أنهارًا من عينيه، لدقائق لم ينطق أحدهما بحرف بل ظل كلًا منهما يحدق بالآخر وكأن الزمن قد وقف فجأة

استقام سراج من جلسة ليقول بنبرة هادئة ممزوجة بالألم:

- أنتِ طالق، مؤخرك سيصلك عن طريق شيك مصدق، لقد اتفقت مع غسق على كل شيء هي ستنهي الأمر، إذا رغبتِ في المبلغ نقدي فقط على إياد أو أيهم إبلاغها وهي ستقوم بالمطلوب.

خرج وتركها تنظر إليه غير مصدقة؛ لم يودعها حتى! ماذا حدث للتو؟! هل طلقها سراج بهذه السهولة؟ هي كانت ترغب في إخباره بأنها ستسحب قضية الخلع حتى تنتهي مشاكله القانونية، كانت تريد أن تعطيه فرصه ليعتذر لها يسمعها كلمات عشقه وحبه الذي تعود بأن يغرقها بها دائمًا، بأن يتذلل لها لتسامحه، أي شيء لا أن يفعل ذلك، شعرت بأن قدميها تسمرتا مكانهما ولم تعودا قادرتان على حملها لدرجة أن أيهم من ساعدها للوصول إلى السيارة، من حسن حظها بأنه أصر على انتظارها خارج غرفة مأمور السجن بدلًا من السيارة، لم يحتاج أن يسألها عن ما حدث بالداخل ابيضاض وجهها ورجفة يديها أخبراه بكل شيء، هل يخبرها بزواج إياد وسابين؟! أم يؤجل الأمر قليلًا.

أخذ شهيق قوي وقرر بأن يؤجل الأمر لبعض الوقت فلتأتي المصائب فرادى.

*****

لم يكن أمامها خيار آخر فقد وضعتها سارة في خانة اليك، ما هون الأمر قليلًا هو أن المحقق كان محققة أنثى، من الواضح بأنها تعاملت مع هذا النوع من القضايا كثيرًا فقد كانت صبورة جدًا متفهمه لأبعد حد، حاولت أن تمسك نفسها لكنها انفجرت ببكاء عند تذكرها لعيني صغيرها:

- لقد رآني، شاهد ما حدث كله لم أستطِع أن أحميه من ذلك، يا إلهي أنا أم سيئة كيف سمحت بذلك؟!

أخذت ترتجف في نحيب شديد وهي تضم قدميها لصدرها وتلف يديها حولهما في وضع يشبهه التقوقع.

أرادت سارة الاقتراب منها إلا أن المحققة أبعدتها بإشارة من يديها لتقول بهدوء مدروس:

- سيدتي ما فعلته هو أفضل شيء لحماية صغير في ذلك الوضع، لا أحد يمكنه التنبؤ بردة فعله أو ما كان سيحدث لو حاولتِ فعل شيء لإبعاد طفلك.

كانت تحاول قدر الإمكان عدم ذكر آدم أو الاعتداء حتى لا تخيفها أكثر.

نظرت بعينيها تنظر إليها باهتزاز:

- أنا السبب في ما حدث لي ربما لو...

أمسكت المحقق يديها لتجبرها على السكوت:

- ربما لو أعطيته حقوقه أو ربما لو لم تقومي باستفزازه، هو ليس عنيف بالعادة، بل أنتِ من قمتي بإيصاله لتلك الحالة، ربما وربما هناك آلاف الأعذار والتبريرات التي لا نهاية لها؛ للأسف هذه الجريمة تحدث للمئات من النساء يوميًا والكثير منهن لا تقمن بالإبلاغ، لسبب رئيسي هو لوم النفس على ما حدث لهن، لا تضعِي ذلك في رأسك أبدًا أنتِ لست ملامه بل أنتِ ضحية ِلشخص حقير استغل الوضع ليثبت لنفسه بأنه قوي، وأنا من سيجعله يدفع الثمن.

بعد انتهاء التحقيق سمح الطبيب لها بمغادرة المستشفى، لم يكن الألم جسدي بل نفسي بالدرجة الأولى، مزيج من الكسرة والمهانة والذل لم تشعر بهما من قبل في حياتها، إذا كانت تعتقد أن ما حدث من قبل هو كسرة لها فإن هذا الشعور لا وصف له أبدًا، الأمر الأكثر قسوة هو شعورها بالذنب!

يعتريها شعور بأنها هي من تسببت بذلك لنفسها، هي من وافقت على الزواج منه، هل صدقت بأنه لن يطالب بحقوقه؟ تعرف جيدًا بأن آدم يريدها زوجة كاملة له وإلا ما كان هددها لتقبل الزواج منه، كما أنها تعترف بأنها استفزته كثيرًا ربما هذا هو السبب نعم هي مذنبة.

انفجرت في بكاء مرير وهي تلطم وجهها وتقول بصوت عالٍ:

- أنا السبب! أنا من سمحت له، أنا من استفززته!

علا صوت نحيبها حتى غاب صوتها أو ربما فقدت القدرة على النطق، لتقول لها سارة في صرامة مفتعلة:

- اخرسي لن أسمح لكِ بلوم نفسك و تبرئة ذلك المجرم، مهما كانت الأسباب الواهية التي رددتها لتقنعِي بها نفسك بأنكِ من دفعه لذلك، هي غير صحيحة تمامًا.

أمسكت فكها ورفعته للأعلى:

- أنظري لي غسق، لا تخفضِي عينيك لستِ ملامة ولا مجرمة لتفعلِي ذلك، إياكِ بأن تشعري بالخزي والعار! هو من عليه ذلك، تفهمين أم أعيد كلامِي؟

لم تجب لفترة، ثم هزت رأسها بإيجاب دون أن تنظر لها؛ كان وضعها سيء جدًا لذلك لم تضغط عليها أكثر تركتها لتنام قليلًا عل الغد يكون أفضل.

*********

بمجرد معرفته بخبر زواجها من آدم الديب قرر أن يتحرك بسرعه، لن يترك الأمر في يد سما بعد الآن الوضع لا يحتمل المقامرة قرر أن يستخدم جميع أوراقه، حقيقة تسببها في مقتل شقيقها والأهم هو أنها السبب الرئيسي في جعل مجد يغرر بفجر؛ نرجسي مثله لم يكن من الصعب عليهِ بأن يربط بين كلمات سما وردود فعل سميحة ليكشف الحقيقة والآن سيجني ثمار معرفته.

تقدمت سميحة نحوه لكنه لم يقف احترامًا كما يفعل بالعادة، رجحت الأمر بسبب قضية سما وقررت أن تمرق الموقف بسلامة من أجل ابنتها فهو لا يزال يضعها تحت ضرسه بخروجها بتلك الطريقة، عدلت الشال الذي تضعه على رأسها وقالت بهدوء:

- أهلا وسام أنرت البيت هذه أول مره تزورنِي بها منذ انتقلت إلى هنا.

وضع ساقًا فوق الأخرى بطريقة مهينة لها وعاد بظهره للكرسي ليقول وهو يرسم على وجهه ابتسامة هازئة ماكرة:

- تقصدين منذ أن طردك ولداكِ.

شهقت بصوت عالي ووضعت يديها على فمها وقد اتسعت حدقت عينيها في استنكار،

لكنه عدل من وضعيته ليميل لها وهو يتابع بنفس الوقاحة:

- لماذا أنتِ متفاجئة؟ أليست تلك الحقيقة؟ هما طرداكِ من أجل ما فعلتِ بالمعاق، تخيلي ردة فعلهما عندما يعرفان أنكِ وراء حادث مقتل شقيقك وعائلته.

هرب الدم من وجهها بطريقة جعلتها تحاكِي الموتى.

تابع منظرها الخائف في استمتاع قبل أن يقول ببطء قاتل:

- أما لو عرفا بقصة تحريضك لمجد كي يهتك عرض فجر ويهرب للانتقام من شقيقتها فريدة التي سرقت منكِ بلال؛ ماذا ستكون ردة فعلهما؟

أعتقد بأن الأمر يهم عائلة القاسم أكثر فهم من لطخ شرف ابنتهم بخطة منكِ وكذلك هم من خسروها بسببك.

لوهلة اعتقد بأنها فارقت الحياة، فقد فقدت عينيها بريقهما وأصبحتا زجاجتين لا روح بهما وتوقف صدرها عن الحركة، وقد كان يعلو ويهبط بشدة منذ ثواني، كما زاد الشحوب في وجهها؛ لكنه لم يتحرك من مكانه فقد أنبأته حركة يدها الهستيرية بأنها حيه.

بصعوبة شديدة وجدت القدرة على التحدث أخيرًا:

- ماذا تريد؟ هات من الآخر.

- يعجبني بأننا متفاهمين يا حماتي؛ أريد إرث غسق كله بتنازل رسمي عنه لي وإلا...

كادت أن تقوم من على كرسيها المدولب وهي تهتف:

- هل جننت هذا حقها، يجب أن تأخذه عل الله يغفر لي القليل من ما فعلت.

أستقام من جلسته وعدل سترته وهو يقول بنفس البرود:

- أمامك إلى آخر الأسبوع إما المال والأملاك بحوزتي أو سيعرف الجميع بسرك حماتي الجميلة.

ودعها مرسلًا قبلة في الهواء من ما زاد حنقها، والأهم الآن ماذا عليها أن تفعل؟ هل تتمسك بقرارها وتعيد لغسق إرثها ومعهُ اسمها أم تعطيه ما يريد وتخسر آخر فرصة لها للتكفير عن ذنوبها؟
إنتهى الفصل


ريما نون غير متواجد حالياً  
التوقيع
ريما معتوق رواياتي
غسق الماضي
س وس
سيل جارف
رد مع اقتباس