عرض مشاركة واحدة
قديم 26-06-22, 01:43 AM   #601

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي


كانت جالسة بمكانها وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها بحالة هياج صامت اقتلع كل ما بداخلها من مشاعرها واحاسيس ولم يبقى سوى الغضب يسيطر على الساحة ، وهذه ثاني مرة بحياتها تشعر بكل هذا الغضب الفائض عن الحد بعد ان تسحب من مكان قسرا قبل ان تنجز ما وصلت له ، فقد كانت المرة الأولى عندما سحبها من عند شقيقته التي اوشت بها بأول لقاء بينهما او ثاني لقاء ، بالحقيقة لم تعد تذكر ! بالرغم من انها غالبا بل كثيرا ما يحدث هذا معها وتسحب رغما عنها مع اليد التي اعتادت ان تقودها خلفه وكأنها حيوانه الأليف الذي يتمرد على مالكه ، ولكن كل المرات لا تعادل تلك المرتين التي افسد بهما كل مخططاتها وعرقل بهما سير اهدافها ومصالحها ، فهذا عندها يتجاوز طاقة احتمالها المحدودة ويدفعها لأقرب تهور وارتكاب جريمة !

رفعت رأسها بانتباه وذكرى ارتكاب جريمة تطرق برأسها مثل تساقط الحجارة فوق عقلها ، فلن تنسى ابدا ما حدث بعد رؤيتها (شادي) يدخل لبناء الكلية بشكل مصارع متأهب على وشك نطح خصمه ، ولولا وجود رجلين امن الجامعة بالقرب منهم وتدخل الطلبة بالاشتباك لما كان استطاع احد ان يفلت عنق الاستاذ من بين براثنه ، بالرغم من انه قد حصل على بعض اللكمات بأنحاء وجهه وتمزق القليل من قميصه الفاخر وبسبب كبر عمره لم يستطع مجابهة شاب يافع ببداية الثلاثين يملك حيوية وقوة بدنية تفوقه بكثير ، وهذا بالإضافة للإصابات التي وصلت لرجلين الامن وهما يحاولان فك الاشتباك بينهما ، وهكذا تستطيع ان تقول بأن سجل حياتها الجامعية المرموقة قد اسود ببصمة عار سوداء وانتهت مسيرتها النظيفة هناك ، واقل شيء ممكن ان يحدث لو لمحوها تدخل للجامعة مجددا هو رميها بأقرب مقلب نفايات وإرسالها للمريخ !

ادارت وجهها نحوه وهي تراقبه يقود بأعصاب باردة وملامح صخرية اجاد اخفاء المشاعر خلفها وكأنه لم يفعل شيء ، وكأنه لم يضرب استاذ جامعة كبيرة ولم يتهجم على رجلين من الأمن كانا يؤديان وظيفتهما المنطوية عليهما ! وتتفاجأ حقا كيف سمحوا لهما بالمغادرة ولم يحاسبوهما على الدمار الذي خلفوه بوسط الجامعة ! وتراهن بأن مرتبة عائلته الكبيرة لم تسمح لهما بإدخالهما بأي مشاكل ، وخاصة بعد ان تدخل مدراء الكلية وتعرفوا على هوية مرتكب الجريمة ليأخذ الامر منهم ساعات بالحوار والسلم قبل ان يسمحوا لهما بالرحيل بحال سبيلهم ، هذه اسرار عالم النفوذ العالي والحكام الذين يديرون العالم فقط بأصبع واحد وصوت منهم !

عاد التجهم يعلو ملامحها الصخرية وهي تهمس بصوت عدائي بعد رحلة الصمت الطويلة
"إذاً يا سيد شادي ! هل انت سعيد بعد ان مسحت بكرامتنا الارض وهبطت رؤوسنا امام من يسوى ومن لا يسوى ؟"

شدد على المقود بهدوء وهو يقول ببرود قاتم وكأنه تأقلم مع انقلابات مزاجها واصبح طقس روتيني
"انتِ التي جلبتِ كل هذا لنفسكِ وليس انا ، لذا ابحثي عن كرامتك بعيدا عني"

اشتدت صلابة ملامحها وهي تستدير نحوه بكلتيها لتلوح بذراعها بالهواء قائلة بانفعال بعد ان عبث بأعواد الثقاب بعقلها
"ماذا كان الداعي لكل هذا الاستعراض امام كل الجامعة ؟ هل تظنها مسابقة بعرض العضلات وسحق كل الخصوم من حولك ؟ لقد شوهت سمعتي وصفحتي بالكامل امام المدراء والاساتذة والطلبة حتى لم يعد لي وجه اظهر به امامهم ! هل هذا كان هدفك منذ البداية ؟ اقصائي بعيدا عن الجامعة لكي لا اقدم الاختبار واخسر الفرصة للأبد !"

حرك المقود بسلاسة وهي يحرك كتفيه باستخفاف قائلا بابتسامة ساخرة كانت اشبه بالتواء مشتد
"على اساس كانت سمعتكِ بالجامعة بيضاء لامعة لدرجة كان كل من يراكِ يهب لمد اواصر الصداقة معكِ طلابا واساتذة ! وبالواقع بأنكِ لا تجذبين نحوكِ سوى اصحاب النفوس الدنيئة والذين يحملون سوابق إجرامية وغرائز حيوانية ، حتى احترت اين اذهب بكِ ، حقا انتِ حالة وجودكِ يختل بنظام بالكون !"

عبست شفتيها بخطين قاسيين وهي تقول من بينهما بغضب ويدها تضرب على صدرها
"توقف عن السخرية مني بهذه الطريقة ! هل تظن الأمر بيدي ؟ هل تظنني اتعمد حدوث هذا ؟ هل تعلم اساسا ما كنت اتعرض له يوميا بحياتي حتى تأتي وتتبجح بغرور بأنني سبب اختلال حياتك ؟ لقد كان هذا مجرد عينة عن مجموعة اكبر من مريضين النفوس الذين كانوا يحومون دائما بعالمي السابق"

ابتلع (شادي) ريقه بحركة مؤلمة وكأنه يحاول استساغة كلامها والذي تحول له موضوع حوارهما ، ليقول بعدها باتزان صلب يكاد يحترق تحت سطح من رماد باهت
"لا اعلم الكثير عن تلك الحياة ، ولكني اعلم القليل لدرجة تجعلني اود لو اقتل كل من يقترب منكِ او يفكر بكِ بطريقة مريضة غير سوية ! هل فهمتي ؟"

هذه المرة هي من ابتلعت ريقها بصعوبة مضنية وكأن غصة مريرة انتقلت عبر ذبذبات حديثهما ، ليرمقها بعدها باهتمام وهو يقول بجدية بدون ان يتركه القلق
"هل فعل لكِ ما يسيء ؟ هل حاول التقرب منكِ قبل هذه المرة ؟ صارحيني بالقول يا ماسة ! هل فعلها من قبل ؟"

حدقت به بعينيها الواسعتين بعمق المحيط وبشحوب السماء الصافية بدون ان يسكنها تعبير محدد ، وما ان فقد صبره حتى التفت بعينيه نحوها بحديث عيون صامت وهو يستحثها للبوح والكلام بإشارات قوية ، اعتدلت بعدها بجلوسها باستقامة وهي تكتف ذراعيها قائلة بهدوء يغلفه الظلام
"لقد كان يتقرب من كل طالبة مجتهدة وفاتنة بحجة الدراسة والمراجعة ، وقد كان يطلب منها مراجعته بمكتبه ليأخذ راحته بالتسلية بها على انفراد ، وعندما فعلها معي اول مرة وطلب مراجعتي بالمكتب لم تنطلي عليّ الخدعة ولم استجب له من خبرتي الطويلة مع هذا النوع من الرجال ، وكلما حاول التقرب مني كنت اضع له حدود بطريقتي واتجاوزه حتى يأس مني ومل ، وبعد تلك التجربة قررت عدم وضع اي محاضرة عنده او جعل اسمه يقترن بجدولي ، وبعدها لم اعد اراه بالأرجاء او اتقابل معه بالجامعة فقد محيته من سجلي تماما"

كان يحرك رأسه بطبيعية والسواد بداخله يزداد اتساعا وعمقا وكأنه لم يعد هناك مساحة للضوء بها ، ليقول بعدها بلحظات بهدوء طبيعي يحاول مجاراة سير الحديث
"ولما بقيتي صامتة كل هذا الوقت ؟ لما لم تبلغي عنه عند إدارة الجامعة ؟ فأنا اعرف بأنكِ تملكين من القوة والجرأة لدرجة تستطيعين بها تحدي امثاله وجعلهم يتعفنون بالسجون !"

اعتلت ملامحها ابتسامة باهتة وهي تضم يديها بحجرها بقوة قبل ان تردف قائلة بضعف تسلل بصوتها الذي اختفى كل لمحة غضب عنه
"ثقتك بي كبيرة جدا ، ولكن عليك ان تعلم بأنه مهما بلغت مدى قوتي وجرأتي فلن تساعد شخص وحيد مثلي كل العالم متآمر ضده ، يعني حتى لو سمعوا صوتي فلن يصغي لي احد وبنهاية الأمر سأكون انا الخاسرة ، وانا قد خفت من خسارة المزيد من نقاطي الإيجابية بسجلي الاسود والمليء باللطخات والسلبيات حتى كان قبولي بالجامعة شبه مستحيل ، فأنا بعد كل شيء املك جانبي الضعيف واشياء لا اود خسارتها بحياتي"

ادار وجهه نحوها بدافع غريب وهي يتأمل جانب وجهها والذي تخفيه بستارة شعرها الاسود الكثيف المنسدل عليها بفوضى ناعمة ، فبعد كل شيء تلك الفتاة الحديدية التي ينفر منها الجميع تملك من نقاط الضعف ما لا يستطيع الانسان رؤيته تحت ستار من التمرد والعنفوان والذين تتخذهما غطاء خلف انكسارات وشقوق تكدست بحياتها .

تنفس بعدها بكبت وهو يعود بنظره للأمام يحاول استجلاب كل سيطرته على النفس بعد كل ما سمع وتحاكى امام عينيه ، ليقول بعدها بابتسامة واثقة وكأنه يتباهى بنفسه
"هذا يعني بأن ما حصل لذلك الرجل كان يستحقه ، لو كنت اعلم بذلك لما سمحت لشيء بأن يبعدني عنه حتى تخرج روحه من جسده ، ما كان عليّ ان اكون متساهل معه هكذا !"

نظرت له بصدمة نفضت سمات الضعف عنها وهي تقول من فورها باستهجان
"تقول بأنك تساهلت ! لقد كدت تخنق الرجل بيديكِ ! هل تريد ان تصبح مجرم لكي ترضي غرورك الرجولي وتباهيك امام نفسك ؟ لقد كان يكفي ان تضربه على وجهه وتترك كدمة على انفه او تدفعه من كتفيه وتوقعه ارضا ! ولكن ليس ان تحول ارض الجامعة لساحة حرب وتقوم بضرب استاذ كبير وكأنه كيس ملاكمة ، لقد بالغت بالأمر وعشت بالدور ودمرت صورتي بالكامل حتى اصبح دخول الاختبار حلم بعيد المنال عني !"

كانت تتنفس بثورة وهي تفضي بكل ما يعتمل بصدرها وجثم على قلبها الممتلئ منه ، ليحرك بعدها كتفيه بلا مبالاة وهو يقول بابتسامة باردة
"لقد كان هذا اقل تصرف يستحقه مني بعد ان حاول ملامسة ممتلكاتي الخاصة ، وما فعله لا يتغاضى عنه ابدا ويحتاج لعقاب قاسي ينسيه الطريق إليكِ ! لذا لا تهتمي ولا تشغلي بالك بهذا الأمر فأنتِ موجودة بين ايديّ امينة"

ضربت بقبضتها على ركبتها وهي تقول بهجوم متمرد
"لم اطلب منك ان تدافع عني او ان تتدخل بشيء يخصني ، انا اكثر من قادرة على حماية نفسي وإدارة حياتي كما ينبغي ، وتدخلك سيجلب فقط المشاكل لي ، كما فعلت الآن وانت تحرمني من تقديم الاختبار والعودة للظهور بالجامعة مجددا"

قست تقاطيع ملامحه بلمح البصر وهو يقود بثبات قائلا بجمود صلب
"اخرسي يا ماسة وتوقفي عن التكلم عن الاختبار بكل دقيقة وكأنه آخر اختبار بكل الكرة الارضية ! هل استحوذ هذا الاختبار على آخر ذرات عقلكِ حتى لم تعودي تفكرين بغيره ؟ لا تنسي بأنني ما ازال صامت للآن عن موضوع هروبكِ من المنزل والتخطيط للأمر ! بالإضافة لتعطيلي عن الذهاب للعمل والانشغال بكِ ، وهذا بالطبع لن تسامحي عليه فكل شيء حدث له ثمن عليكِ دفعه ، فقط عندما نعود للمنزل لن اتهاون معكِ !"

زمت شفتيها بغيظ صامت وهي تدير وجهها بقوة هامسة بغضب محترق
"اعدك ان تدفع انت الثمن يا سيد متملك غيور ، ثمن تضييع اهم فرصة بحياتي وتشويه صورتي وسجلي امام الجامعة بأسرها ، ولن اتهاون معك ايضا !"

حاد بنظراته بضيق وهو يلتقط بعض الهمسات المبهمة تخرج من شفتيها مثل تعويذة شيطانية ، ليقول بعدها بجدية وهو غير مطمئن لسكونها
"بماذا كنتِ تهمسين للتو ؟ هل هو نوع من اللعنات ؟"

رمقته بأطراف حدقتيها بعدم اهتمام وهي تنحرف بنظرها بثانية لمصدر الصوت الذي خرج من جيب سترته بطنين مكتوم ، لتقول بعدها بشبه ابتسامة وهي تبعد نظرها عنه
"اجب على الهاتف"

تلبدت ملامحه ببرود وهو يخرج الهاتف من جيب سترته ببساطة ، ليوقف بعدها السيارة على الطريق وهو يجيب على الهاتف بهدوء قائلا برسمية
"مرحبا يا احمد ، ماذا هناك ؟"

اخذ وقت عدة لحظات بالاستماع بإذعان شديد قبل ان يقول بعدها بكلمات مختصرة بجدية
"حسنا يا احمد ، دقائق واكون عندك"

ارتفع حاجبيها بانتباه وهي تلتقط آخر كلماته التي جذبت تفكيرها بفضول نحو فحوى الحديث الذي جرى بينهما ، لتراقبه بعدها بصمت وهو يغلق الهاتف ويدسه بجيب سترته ، ليقول بعدها بحزم وهو يعود لتشغيل محرك السيارة
"اربطي حزامكِ جيدا ، فنحن الآن عائدون لمنزلنا القديم بزيارة عائلية سريعة"

فغرت شفتيها بانشداه لحظي وهي تغلقهما بسرعة بعبوس لتربط حزامها من حولها بعملية ، وقد تراجعت عن نيتها باستجوابه وسؤاله عن سبب الاتصال والذي جعله يغير وجهة طريقه الحالية ، فهي قد تعرضت للكثير اليوم وقد استنزف هذا الامر طاقتها كاملة حتى لم تعد تقوى على القتال والعناد ، وتشك بأن ينتهي هذا اليوم على خير بسباق المشاكل والمنغصات والتي تتوالى عليها الواحدة تلو الاخرى ، لتتحرك السيارة من مكانها على نفس الطريق وهي تعتكف الصمت والشرود بعالمها الفارغ بدون اي روح .

_______________________________
وقفت السيارة امام مدخل المنزل والذي تستحوذ الحديقة والهالة الملائكية من حوله ببهاء وخيال ولا بالأحلام ، ولكن ليس هناك اي من هذا الجمال موجود بداخل تلك الاسوار والجدران العالية والتي تخبئ سواد وظلام سكن بأفراد ذاك المنزل لدهور وسنوات حتى حفرت بكل صخرة شامخة به ، وكل تلك الافكار كانت تدور بعقلها الغارق بالظلام وهي تقف امام درجات سلم المدخل بدون الإتيان بأي حركة .

افاقت من شرودها على الصوت الحازم وهو يمر من جانبها بهدوء
"هيا تحركي ، هل تنتظرين دعوة لدخول منزل عائلتك ؟"

بهتت ملامحها الجليدية وهي تحدق بعينيها الداكنتين نحو الذي صعد درجات المدخل يسبقها ، لتهمس بعدها بهدوء قاتم وكأن روحها استحوذت عليها الشياطين
"انها ليست عائلتي ، ولن تكون"

تنفست بهدوء وهي تباشر بصعود السلم بخطوات قوية وتفكيرها يحوم حول سبب هذه الزيارة المفاجئة الغير مخطط لها ، وقوة اخرى تدفعها لاستغلال الفرصة التي قدمت لها برغبة مُلحة للاطمئنان على شقيقتها الكبرى التي غابت عنها فترة طويلة لم تحسبها بقاموسها ولم تتمنى حدوثها ، وغير هذه الاسباب فهي لا تتمنى ان تطأ قدميها ارض هذا المنزل مجددا وتلطيخ نفسها ببؤرة اسرارهم السحيقة .

ما ان سارت ببهو المنزل حتى قابلت جميع افراد العائلة مجتمعين بأجواء تسودها الشحنات المتنافرة من كل واحد منهم ، بل هناك من ينقصهم فقد كان (احمد) وزوجته الشمطاء غير ظاهرين بالتجمع العائلي ، لتأخذ بعدها جولة سريعة بينهم بداية بخالها وابنه الصغير (زين) يجلسان على اريكة منفردة بصمت مهيب ، بينما كانت (روميساء) تقف بالقرب من السلالم بوقفة جندي محارب وهي تكتف ذراعيها بعلامات بائسة ، حتى بعد ان لمحتها لم تعطيها سوى بسمة طفيفة قبل ان تغير مسار نظراتها بنفس الملامح الصارمة التي لم تعد تعرف اللين ، لتصل بنهاية المطاف لزوجها الذي كان يقف بمنتصف الرواق وقد كانت قدميها تقفان بجواره بعد ان قادتهما نحوه مباشرة .

عقدت حاجبيها بجمود وهي تهمس بالقرب منه بخفوت متصلب
"ما لذي يحدث هنا ؟ وما لذي ننتظره بالضبط ؟"

رفع يده لفمه يطلب منها الصمت بحركة الإشارة وهو يقول بحزم
"اصمتِ يا ماسة ، ولا تنطقي بحرف واحد"

عضت على طرف شفتيها ببؤس وهي تشيح بنظراتها بعيدا بدون ان تضيف كلمة اخرى ، ليقطع الصمت المغيم بينهم صوت جهوري قوي ما يزال يحافظ على نبرته الفولاذية
"من الجيد بأنكما قد حضرتما بهذه السرعة ، فقد كنت متشوق بشدة لمعرفة مخططات هذا التجمع المفاجئ الغير معلوم اهدافه من اسبابه ، واراهن بأنها من افعال بنات مايرين اللتين لا يصعب عليهن شيء بسبيل حصد سعادتهما من هذه العائلة !"

كانت ردة فعل (ماسة) ملامح باردة تعادل الصقيع بعينيها الزرقاوين وهي تلقي عليه نظرة عابرة قبل ان تشيح نظرها بأكمله ، بينما اكتفت (روميساء) بالصمت وهي تستمر بالنظر بعيدا اتجاه السلالم وكأنها منفصلة بعالم مختلف عنهم ، ولم ينطق بعدها احد ما عدا (شادي) وهو يرد على كلامه بابتسامة هادئة بعملية
"نحن لا نملك اي اجابة نعطيها لك يا ابي ، وكل ما نستطيع فعله هو انتظار حضور احمد والذي يملك كل الاجوبة على اسئلتك ، لذا تحلى بالصبر اكثر"

تلبدت ملامح والده بتحدي العيون بينهما ولم يخترقها سوى صوت صراخ انثوي عالي تردد صداه بأنحاء المنزل ، لترتفع ازواج العيون بآن واحد ناحية السلالم التي ظهر منها صاحب الدعوة بتجمع افراد العائلة وليس هذا وحسب فقد كان يسحب خلفه زوجته (سلوى) التي كانت بالمقابل تصرخ وترفس لتثبت نفسها بالأرض بقوة مهدورة ، ولأنهما كانا يهبطان السلالم فقد كانت سرعتهما اكبر وخطواتها اكثر تعثرا بالمقارنة مع اندفاعه وقوة سحبه لها ، وما ان انتهت درجات السلم وتوقف بمكانه حتى دفعها بقوة اكبر اوقعتها ارضا بمنتصف البهو بين شهقات متفرقة ذاهلة وعيون اتخذت شتى المشاعر المتناقضة .

استوت (سلوى) جالسة على ركبتيها من تحت فستانها الذي تمزقت اطرافه من شدة تعثرها على كامل درجات السلم ، وما ان كانت (روميساء) على وشك التقدم بجرأة تحلت بها حتى اوقفتها اليد التي امتدت بحزم وهو يقول بأمر صارم بصوت متباعد
"قفي بمكانكِ ، وإياكِ والاقتراب"

ابتلعت ريقها برعشة هبطت عزيمتها وهي ترتد خطوتين للخلف بتحفظ بدون ان تفقد ثباتها ، ليتدخل هذه المرة والده وهو يقف بشموخ متأهب ليقول بكل غضب شحن به
"ما هذه المهزلة ! هل جننت يا احمد ؟ هل انت بكامل عقلك ؟ ما لذي تريد ان تثبته بهذه الحركات الصبيانية شديدة الرعونة والتي لا تخرج من رجل يبلغ ثلاث وثلاثون من عمره ! هل هكذا يعامل الرجل زوجته التي امضت معه ست سنوات بحلوها ومرها وبمواجهة كل الظروف والصعاب ؟ ماذا تظن نفسك تفعل وانت تعرضها علينا هكذا ؟ ألم يكفيك كل ما حدث من قبل عندما فضلت امرأة اخرى عليها ! ألم يكفيك بأنها قد تقبلتك بكل ذنوبك واخطائك وعطبك ! تكلم أليس لديك تفسير لما تفعل ويحدث ؟"

لوح بذراعه نحو والده وهو يقول بأمر نافذ بدون ان يهاب من احد وكأن شيطان قد تلبس عقله
"رجاءً يا ابي لا تجزم ولا تصدر احكام قبل سماع الحقائق كاملة ، ولن يتحرك احد من هنا او يتكلم قبل ان اسمح انا بذلك ، فما اريد التحدث عنه الآن مهم جدا إذا كان بحياتي الشخصية او بحياة هذه العائلة ، فأنا قد قررت اليوم ان افتح جرة الثعبان امامكم التي تختبئ بحياتي وتدس سمومها بيننا"

غيمت موجة صمت ثقيلة بين الجميع بعد كلامه ما عدا والده الذي كتف ذراعيه بجمود قائلا بهدوء مريب
"وانا مستعد لسماع تبريرك المنطقي الذي ستقدمه لي جراء افعالك ، ولكن إذا لم يكن بالسبب المنطقي الذي يقنع عقلي فسيكون عندها حسابك عسيرا ، وقد اعذر من انذر"

صمتت الافواه واعطت الحرية للعيون للكلام على شكل تعابير وإشارات كلها توجهت حول الجالسة ارضا تتخذ وضعية التي حاصرتها كل الذنوب والاتهامات بدون سبيل للنجاة ، لترفع رأسها بخوف بادي على ملامحها الشاحبة التي انهمرت الدموع فوقها وهي تستمع للصوت الصارم وهو يؤمرها بدون اي رحمة او رأفة وكأنه ليس زوجها الذي عرفته منذ ست سنوات
"هيا قولي ما لديكِ امامهم ، اعترفي بكل ذنب وخطيئة اقترفتها بحياتنا الزوجية ، اخبريهم بكل شيء سمعتكِ تقولينه على الهاتف ، اريد منكِ ان تصرحي بكل ما بجعبتك من دناءة وحقارة فعلتها بحياتك ، قوليها يا سلوى !"

ارتجفت بمكانها بانتفاض تخلل بكل طرف بجسدها وهي ترفع يديها امام وجهها تضمهما بقوة ، لتهمس بعدها بتضرع شديد وبشفتين مرتجفتين بهلع استبد بها
"ارجوك يا احمد ، لا تفعل هذا بي ، لا تفعل شيء تندم عليه فيما بعد ! لا تجعل الانتقام يعمي عينيك وينسك مكانة زوجتك عندك ! لا ترتكب مثل هذا الفعل الذي لا رجعة عنه ، انا زوجتك الأولى التي قضت سنوات طويلة معك ، ألا تهون عندك العشرة ؟ ألا تهون عندك تلك السنوات ؟ رجاءً ، رجاءً يا احمد ، من اجل تلك السنوات ارأف بحالي واغفر لي زلاتي........"

قاطعها بصراخ وهو يضرب بقبضته بالهواء بأمر لا رجعة عنه وكأن الرحمة والمغفرة قد محت من قاموسه
"اخرسي يا سلوى ، اخرسي تماما ، لا تقولي كلام زائد لم اطلبه منكِ ، لقد قلت كلامي ولن اكرره اكثر من مرة ، واخبرتكِ ما هو المطلوب منكِ ان تقوليه امام الجميع ، وغير هذا لن اسمع منكِ كلام آخر ، لا تبريرات ولا اكاذيب ، فقط عليكِ بقول الحقيقة ، اخبريهم بكل الحقائق الحقيرة التي عرفتها عنكِ ، اخبريهم عن كل اتهامات روميساء التي وجهتها نحوكِ الواحدة تلو الأخرى ، هيا قوليها يا سلوى ! وألا اقسم بالله ان اخرج الحقيقة بنفسي !"

اخفضت قبضتيها المضمومتين لصدرها وهي تنكس برأسها ببكاء ازداد علو وقوة واكثر ما تجيده بهذه المواقف التي تتلف اعصابها وتنفذ منها الحيل والوسائل ، ليعود صوت والده ليعلو بالأرجاء وهو يقول بجمود صارم بعد ان اكتفى من العرض
"ما لذي تريد فعله بها ؟ ما هذا العرض السخيف ؟ لماذا تتصرف معها هكذا ؟ وما هو التصريح الذي تريدنا ان نسمعه منها ! ألا تستطيع انت التكلم نيابة عنها ؟ ألم تعد لك شخصية حتى اصبحت تتجبر على فتاة اضعف منك ؟ انا اريد سماع الكلام منك شخصياً ، اريدك ان تفسر لي سبب كل هذه التصرفات وسبب كل هذا التوتر والشحنات التي قلبتها بالأجواء......"

التفت (احمد) نحو والده بملامح جامدة وهو يقول بصوت حاسم بعد ان اتخذ قراره وضغط على قابس القنبلة
"حسنا يا ابي ، اسمع ما سأقوله الآن ، كنتك الغالية وزوجة ابنك ارتكبت اخطاء بحياتها لا تغتفر ولا يسامح عليها ، فهي سبب كل دمار حدث بحياتي الزوجية بطريق ان تفسد الوفاق بيني وبين روميساء ، وكل هذا من اجل دوافع مريضة ومشاعر غيرة جعلتها ترتكب افعال لا تخرج من انسان يحمل قلب وضمير ! فقط من اجل ان تهزم ضرتها روميساء والتي تراها اكبر اعدائها حتى حولت نفسها لوضيعة حقيرة تخاف منها شياطين الأرض !"

زادت الشحنات المتناقضة بالمكان حتى اصبحت على شكل شعلات صغيرة تنتظر الكاز للانتشار واحراق الارض ، ليقول بعدها والده بهدوء شديد وكأنه يقود الحديث بسلاسة
"اجل تكلم ، وما هي الافعال التي ارتكبتها زوجتك حتى قلبتك بهذه الصورة وحولتها لوضيعة بنظرك ؟ ما هي الافعال التي لا تغتفر والتي لا تستطيع مسامحتها عليها ؟!"

تلبست ملامحه قناع القسوة وهو يخفض نظره نحو التي رفعت رأسها مجددا وهي تحرك وجهها بالنفي بهذيان ورجاء باكي وكأنها تستغيث ، لتعتلي ابتسامة ساخرة محياه وهو يقول بجمود صريح بدون اي مواربة
"هذه المرأة قد ادخلت رجل غريب بيننا وبوسط عائلتي ، وتلاعبت بثبات علاقتي الزوجية مع روميساء وعبثت بأواصر الثقة بيننا حتى اصبحنا على خلاف دائم ، وقد ابرمت معه اتفاق لكي تستطيع توسيخ سمعة روميساء وتصوير الأمر وكأن هناك علاقة تربط روميساء بذاك الرجل ، وقد فعلت هذا عدة مرات وبسبب غبائي صدقتها ببعض المرات ونجحت بالاحتيال عليّ واللعب علينا بأرخص الطرق واسهل الوسائل ، ولم اكتشف كل هذه الحقائق ألا عندما سمعتها تكلم والدتها عن تفاصيل جرائمها وتصرح لها بكل فعل ارتكبته بحياتنا ، حتى روميساء حاولت كشف ألاعيبها ومكائدها ومع ذلك لم استطع الوقوف بصفها وانقلبت عليها ، هل هذه الافعال تخرج من امرأة شريفة تملك سمعة وعائلة ؟ هل تستحق المغفرة والتجاوز عنها بعد كل ما فعلته وبدر منها ؟ هل تستحق ان يسامح ببساطة عن كل تلك الحقارة والوضاعة التي خرجت منها ؟!"

تجمدت الاجواء بينهم ببرود صقيعي بعد ان اطفئ حريقهم وكل منهم يعبر عن صدمته ومشاعره بداخله بدون اي صوت او وقع ، ليقول والده مجددا بصوت صلب غير مبالي وكأنه يسمع شيء يحدث كل يوم
"تعلم جيدا بأن هذا ما سيحدث بالوضع الطبيعي وبعد كل ما جرى بينكما ، فلا تخدعك تصرفاتها المتمردة والتي كانت ردة فعل على افعالك معها واهمالك لها كل هذه المدة ، فأنت الذي بدأت اولاً بإدخال طرف ثالث بينكما عند زواجك من امرأة اخرى وخيانتها من وراء ظهرها ، وبعدها تفضيل تلك المرأة عليها بكل شيء وعدم اعطاء زوجتك الأولى اي اهتمام او قيمة حتى قررت الدوران من حولك واستخدام نفس طرقك ، يعني هي فقط تحاول لفت نظرك لها ودفعك للاهتمام بها بعد ان اختفت من محور حياتك واستولت الاخرى عليك ، فلو انك ادرت حياتك بالشكل الصحيح وعدلت اكثر بين زوجاتك ولم تفضل واحدة على الاخرى لما وصل الامر لهذا المنحى ولكنت اكتشفت نواقص زوجتك واصلحتها قبل فسادها ، يعني انت المذنب الأول بما يحدث لكم !"

ادار نظره بصدمة غزت محياه وهو يضرب بقبضته على صدره قائلا باستنكار غاضب بعد ان فقد صوابه
"انا يا ابي ! انا من تلقي عليه الذنب ! بدلا من ان تلوم سبب كل هذا الحريق تلومني انا وتحملني المسؤولية بما آلت له حياتي بسبب اختيارك لها زوجة لي ! لقد كنت اتحمل كل شيء تلقيه على عاتقي وحتى بتحمل مسؤوليات اكبر مني وكنت دائما توبخني على اقل الامور وابسطها بدون ان يكون لي يد بها ، ولكني مع ذلك لم اشتكي ولم ابكي ولم اعارض ولم اصرخ ، ولكن ان تلومني على تصرفات تلك المجنونة فقط لأنك اخترتها زوجة لي وتناسب مقامك وعائلتك وتساعد مصالحك واهدافك ! فهذا ما لا اتقبله ويفوق قدرتي وطاقتي على التحمل ، وليكن بعلمك بأن كل افعالها لا تساوي شيء امام الجريمة البشعة التي اقترفتها بحقي وبحق زوجتي روميساء ، عندما قامت بقتل روح بريئة بداخل رحم والدته كادت تقضي على حياة روميساء معها فقط لأنها لا تستطيع الإنجاب وصل حقدها لقتل تلك الروح التي لم تجرم بحقها ! اي تبرير او سبب يشفع لها ما فعلته ؟ ما هو التفسير المنطقي لما فعلته بروح لم تسمح لها بالحياة ؟"

هذه المرة دبت المشاعر الحارقة مثل اعواد الثقاب بين كل منهم حتى صدرت بعض الشهقات المكتومة الخارجة عن الإرادة بددت الصمت ، ولكنها لم تلفت الانتباه بقدر صوت التأوه الذي خرج من الساكنة بعيدا وهي تستند على حاجز السلم بعد الضربة التي هزت كيانها بأكمله واختلت باتزانها ، حتى استدار (احمد) نحوها بسرعة الطلق وهو ينظر لها بعينين عاصفتين بمشاعر قوية وكأنه تنبه لأول مرة لوجودها ، ليغيب التعبير عنه بوجوم ما ان تلاقت النظرات بينهما ولمح الجرح الغائر بخضار حدقتيها وكأنها قد تلقت كسر لم تعد تستطيع مداراته عن احد .

تصلبت خطوط ملامحه ببرود وهو يدير رأسه للأمام ليكمل إدانة الجالسة امامه ما تزال تجهش ببكاء عالي وكأنها لا تملك دفاع غيره ، ليصدح صوت والده عاليا وهذه المرة بسؤال توجه للجاثية ارضا قائلا بجفاء
"هل هذا صحيح يا سلوى ؟ هل ما يقوله زوجك احمد صحيح ؟ هل انتِ من قتلتِ الجنين ؟"

توقف نحيبها قليلا بدون ان يتركها ارتجاف شهقات بكاءها والتي ازدادت حدة وعنف تحت ضغط السؤال المباشر ، لتدير بعدها رأسها سنتمترات نحو مصدر الصوت وهي تهمس بصوت مبحوح بتعثر شديد
"انا اعتذر ، اعتذر بشدة يا عمي ، سامحني ارجوك"

هذه كانت الكلمات التي استطاعت التفوه بها اوصلت المعنى الحرفي لكل واحد منهم بدون توضيح ، ليقول بعدها (احمد) وهو ينطق بنبرة باردة بعد ان وصل لنهاية الطريق
"حسنا توجب عليّ الآن ان افي بوعدي لكِ ، واكون عند كلامي والذي تكلمنا عنه سابقا ، فقد حان الوقت الآن لتسوية كل الامور بيننا"

نظر له الجميع بحيرة بانت على وجوههم بعد كلامه الاخير الذي لا يبشر بالخير ، ليقول والده بسرعة وهو يفهم جيدا مغزى كلامه وعلى ماذا ينوي
"لا تفعل هذا يا احمد ، إياك ان تفعلها......."

صرخ فوق صوته بكل قوة وبكل كراهية تحملت بصوته وكأنه يصرح بالكلمة الاخيرة التي بقيت عالقة على طرف لسانه
"انتِ طالق يا سلوى ، ولا اريد رؤية وجهكِ لآخر يوم بحياتي ، لأني إذا لمحتك بالقرب مني لن اضمن نفسي عندها !"

صدرت شهقات اعلى عن السابق ترددت بصدى المكان واختبأت بزوايا المنزل الكبير بعد ان فشيت اسراره ، وبعد مرور لحظات كان (احمد) يستدير من امامهم وهو يعود ادراجه بصعود السلالم من جديد وكأنه لم يفعل شيء للتو ، بينما كانت (سلوى) تراقب صعوده بعينين مغرورقين بالدموع لم تتوقفا عن الانهمار لثانية واحدة ، ليحجب المشهد امامها ظل طويل وقف بمكان (احمد) وهي توجه نظرات اتهامية نحوها وكأنها استنساخ عن زوجها ، لتقول بعدها بهدوء ثابت تستطيع استشعار هالة القسوة والوحشية من حولها
"ربما تكونين تملكين الجاه والمال والخدم والنسب ، ولكنكِ لا تملكين ربع الموجود عند البشر وهو الانسانية ، وعندما تنعدم الانسانية من البشر لا تكون لهم قيمة او حياة ، ومجرد وجودهم بيننا يكون مرض ووباء على البشرية ، لذا من الافضل ازالتهم واقتلاعهم قبل انتشارهم"

ما ان انتهت من كلامها والذي شرح طريقة تفكيرها نحوها والتي ادت عملها بمنتهى المهنية ، حتى كانت تنسحب كذلك وهي تصعد درجات السلم بعيدا عنهم ، تحركت بعدها (ماسة) بخطوات هادئة باستعلاء وهي تمر من الجالسة ارضا ناظرة لها باحتقار قبل ان تصعد السلالم بدون ان تعطيها اهتمام كبير .

افاق الجميع على صوت خطوات فرد آخر اقتحم المكان منذ وقت بدون ان يشعروا بوجوده ببداية الحدث ، وقد تمت دعوته كذلك لاجتماع العائلة وهو يتخذ وضعية المشاهد الصامت بدون ان يبدي اي رأي او تعليق على ما حدث ، ليصل بعدها امام ابنته الجالسة ارضا تنظر للفراغ امامها بدون اي حياة او شعور وكأنها فقدت الاحساس بالواقع ، ليمسك بعدها بمرفقها وهو يساعدها على النهوض ببطء حتى استقرت تضع كامل ثقلها عليه وذراعه تحاوط كتفيها ، ليقول بعدها بهدوء متزن امام العيون الناظرة له
"اعذروني جميعا ولكني مضطر للرحيل الآن مع ابنتي ، واعتذر على كل ما سببته لكم من متاعب وفضائح لا تغتفر ، وكل ما اطلبه منكم هو التفهم والاحترام ، عمتم مساءً"

تدخل (محراب) بسرعة وهو يقول بتعب جاد بانت تجاعيد العمر عليه
"اسمعني يا رأفت ، فما حدث الآن لم يكن بالشكل الصحيح ، لقد كان مجرد سوء فهم ، ونحن علينا بإعطائهما فرصة......"

قاطعه (رأفت) بحركة كفه وهو يقول بجمود جاد غير متراخي
"شكرا على كلامك يا سيد محراب ، ولكن اعتقد بأنه قد وصلنا لنهاية المطاف ، وليس هناك طرق اخرى لحل هذا الامر ، واتمنى ان يكون هذا لقاءنا الاخير"

صمت (محراب) تماما وهو يراقب رحيله مع ابنته بوجوم تغضن بملامحه الصلبة ، ليتحرك بعدها بخطوات سريعة متعثرة بوهن وابنه الصغير يرافقه بسيره بعيدا ، ولم يبقى سوى (شادي) متواجد برواق المنزل الفارغ وهو يشرد بالسلالم مفكرا بما يفعله هنا ! وهل من الصحة عودته للمنزل بهذه الظروف ؟

_______________________________
دخل للغرفة ونظراته تقع على الجالسة على طرف السرير شاردة بعالمها السوداوي من نظراتها القاتمة المعبأة بنيازك هبطت ببحار عينيها المظلمتين ، وكأن ما حدث قبل قليل عاث بأرضها فسادا وبعثر مشاعرها الداخلية ، ومن يراها يظن بأنها هي التي تم اضطهادها وظلمها بعد معرفتها بجرائم تلك الضرة المجنونة التي لم تعد تميز بين الصواب والخطأ تحت ظل كراهيتها الغير منطقية والتي لا وجود لها من الصحة ! فهو يستطيع استشعار هالة الوحشية تحوم من حولها تلسع الكائنات الحية على بعد امتار منها بدون الداعي للإسهاب بالكلام معها فقط من تعبيراتها وحركاتها تخرجها بصور وبعدة لغات تصف اكثر من الكلام ، وقد يكون السبب هو رابط الدماء القوية بين الشقيقتين واللتين تعايشتا مع بعضهما تحت نفس الظروف والبيئة حتى اصبحت كلٌ منهما تشعر بمشاعر الاخرى تارة بلحظات الحزن وتارة بلحظات السعادة وتارة بلحظات الألم ، وليس هناك افضل من (ماسة) تستطيع تجسيد الألم بمنتهى المهارة وكأنها تعايشه وتفهمه وتقبله بكل جوارحه وتفاصيله حتى اصبح الجزء المرادف لقدرها والوجه الآخر لوجهها .

قطعت (ماسة) شريط الصمت بينهما وهي تقول بمنتهى الهدوء والاتزان
"هل كنت تعرف ؟"

ارتفع حاجبيه بانتباه وهو يفيق من شروده بتحليل شخصيتها التي انغمس بها وتعرف عليها بكل هذه المدة ، ليتقدم بعدها عدة خطوات طويلة يخترق دارتها التي صنعتها من حولها وهو يقول بتعجب ساخر
"اعرف ماذا ؟ لم افهم ؟"

توقف بمكانه ما ان نهضت عن السرير بقوة وهي تستدير نحوه بكلتيها ، لتلوح بعدها بذراعها بالهواء وهي تقول ببداية هجوم غير واعي
"هل كنت تعرف عن الموضوع الذي جمعنا من اجله اليوم ؟ هل كان لديك صورة او خلفية عن الامر ؟ هل كنت تعرف بما كان يحدث بالمنزل وانا لا علم لي بشيء ؟!"

تلبدت ملامحه بصمت بدون ان يرف له جفن وهو يشاهد ثورة مشاعرها التي بدأت تطفو على السطح ، ليحرك بعدها كتفيه باستهانة وهو يقول بجدية يجيب على اسئلتها التي تقصد بها اتهامه
"انتِ لست بكل هذا الغباء حتى لا تعرفين بأنني بنفس حالتك تماما لا علم لي بشيء ! فقد تلقيت الاتصال امام عينيك ولم اتلقى منه سوى امر بالحضور بشكل عاجل بدون اي تفاصيل عن الموضوع وعن سبب الاجتماع ، وقد رأيتِ صدمتي بما حدث امامنا تماثل صدمتك كذلك ! وغير ذلك انا لست شخص اقحم نفسي بمشاكل عائلتي واعطيها مساحة بحياتي ، لذا توقفي عن هذه الاتهامات المندفعة واخراج نفسكِ بتلك الصورة الغبية فقط لتفضي بمشاعرك الثائرة التي فاضت عن الحد"

نفضت ذراعيها للأسفل بحركة متوترة وكأنها فقدت السيطرة على ذبذبات غضبها من كل ما يحدث لها وحولها ، لتعود بعدها للصراخ باستنكار وهي تنظر له بتلك العيون التي تسربت المشاعر السلبية منهما
"كيف لا تعرف عن شيء ؟ كيف ؟ ألست فرد من هذه العائلة المشؤومة ! ألم تكن تعيش هنا طيلة حياتك فيما مضى ! كيف لا تعرف عن تصرفات شقيقك بزوجته ؟ كيف لا تعرف بأنه كان يظلم شقيقتي كل هذه المدة ومع تلك الشيطانة المسماة ضرتها ؟ كيف لا تعرف بأنها كانت السبب بخسارة روميساء جنينها الذي حرمتموه منها ؟ كيف لا احد منكم يعرف بما يجري معها وامام اعينكم بدون ان ينصفها احد منكم ؟!"

عبست ملامحه حتى ضاقت عيناه بغضب وهو يقول بوجوم خافت
"ماسة هل انتِ تتكلمين من عقلك ؟ ام لا تريدين تصديق حقيقة بأنكِ انتِ التي لم تسألي عنها منذ البداية ؟ وتبحثين عن حجج واسباب تافهة ألفها عقلكِ لكي تلصقيها بي وتبرئي نفسكِ من اللوم والاتهام ! واذكركِ بأنكِ انتِ من خرج من المنزل بإرادته الحرة قبل اسبوعين واكثر قاطعة كل الصلات والروابط بحياتك ، لذا اضطررت بالنهاية لحبسك بمنزلنا الجديد لكي تهذبي من تصرفاتك وتعودي لوعيك ورشدك ، وهذا الامر ما جعلنا نبتعد عن العائلة بأكملها وصرف النظر عن كل شيء جرى بعدها وما حدث معهم بتلك الفترة الزمنية ، وايضا هل نسيتِ بأنني هنا من اجل ان احاسبك على تصرفك الاخير بالهروب من المنزل بدون إذن مني ؟ ام انكِ تستخدمين قصة شقيقتك وتجعلينها حجة لكي تكون إلهاء لكِ !"

اهتزت حدقتيها الزرقاوين حد الصميم اخذت لحظة فقط قبل ان يعود هياج الغضب يحتل كل اجزاء جسدها وهي تضرب الارض بقدمها صارخة بضراوة اكبر
"انا نادمة ، انا بالفعل نادمة ، ولكن ليس لأني لم اسأل عن اختي كل هذه المدة وقطعت الصلة بيننا ، بل لأنني قبلت الخسارة والرقود بمكاني بعد ان حجزتني بذلك المنزل اللعين ، كان من المفترض ان اقاوم واكسر حواجزك لأكون اكثر قربا من العالم المحيط بي والذي تركته وهجرته ، وانظر إلى ما حدث الآن بسبب عنادك وتملكك وتمسكك بي حتى خسرت فرصة خوض اختبار الجامعة وخسرت الوقت الذي احتاجتني به روميساء اكثر من اي وقت مضى عندما خذلها الجميع وانقلبوا ضدها بدون ان يقف احد بصفها ، لقد اخذت مني حلمي واختي الاقرب بحياتي ، ماذا سأفعل الآن ؟ كيف سأتمكن من استعادة كل ما خسرته ؟"

كان يحدق بها بصمت خاوي تحت سطح صلب دار من حولهما لبرهة قبل ان يقطعه بابتسامة جامدة وهو يقول بجفاء
"احسنتِ يا ماسة ! لقد تفوقتِ على نفسكِ بالغباء وتدمير كل شيء بنوبات غضبك ، هل نفذت منكِ كل الحجج والتبريرات حتى جعلتي مني طعم بصنارة غضبك التي اصطادت كل شيء امامها ؟ ألا تتوقفين عن هذه العادة بلوم الجميع واظهار الكل على خطأ لتريحي ضميرك وعذاب قلبكِ بقسوته على الآخرين وتحويلهم لأدوات بغضبك ؟ فنحن بالنهاية بشر نملك مشاعر وقلوب مثلكِ ولا تستطيعين رؤيتنا بنظرتك الشريرة والتي تطعن وتقتل بدون ان تأبه لتمري من خلالنا ، ليس هكذا تجري الامور يا ماسة ! وإذا كنتِ لا تستطيعين تقبل خذلانك لشقيقتك وخطئك بحقها ، فهذا ليس ذنبنا بل ذنبكِ وحدكِ ومن مسؤوليتك انتِ اصلاحها وليس برميها على الغير !"

شددت على قبضتيها بعد ان استطاع اخماد ثورتها وترك مخلفاتها بعينيها المشروختين مثل صدفتين ميتتين ، لتقول بعدها بصوت خافت بلسعة حزن حارقة
"انت تفعلها معي مجددا ! تظهرني سيئة وقبيحة امام نفسي ! تمثل بأنك تفهمني ولكنك عكس ذلك تماما ، فما ان يحدث موقف بسيط بيننا تسارع باتهامي وتجريحي بكل ما اوتيت من قوة وكأنني روبوت امامك يتوجب عليّ القبول والاستسلام ، لا احد يشعر بما اعاني وامر به ، لا احد منكم يعرف بما هو محشور بداخلي ومكبوت به ! انتم فقط تمثلون الحزن والاهتمام ولكنكم بالواقع لا تعرفون ، لا احد يشعر بالألم الذي تقاسيه سوى من يجربه ، وانتم بلا شك لم تجربوه ، لذا بأي حق تريدون محاسبتي ! بأي حق ؟ انتم بالطبع ليس لكم اي حق !"

غامت ملامحه هذه المرة بسحابة داكنة تخللت الاجواء بينهما بشرارات عالية المدى ، ليقول بعدها صاحب الصوت الباسم بدون اي تعبير وكأنه يسخر من الوضع
"اجل انا لا اعرف ألمك ، ولم اجربه بحياتي ، هل هذا ما تودين سماعه مني ؟ هل هذا ما تريدين معرفته ؟ هل ارتحتِ الآن يا سيدة الحزن والألم ؟ هل تشعرين بالسعادة بعد ان حققتِ هدفك وسددتِ ضربتك ؟ انا لم اجرب الألم بحياتي ، ولكن بعد دخولك لحياتي عرفت ما هو الألم ، فقد تألمت منكِ انتِ ، انتِ ألمي يا ماسة !"

اتسعت حدقتيها الزرقاوين بارتباك قبل ان تشيح بوجهها بعيدا وهي تهمس بضيق مضطرب
"لم يكن هذا قصدي من كلامي ! لم اقصد ان اسبب لك الألم ، ولكني ، ولكني اردت ان يفهم احدهم ألمي......."

بترت كلماتها بضياع مشتت وكأنها تُغرق نفسها بدوامة بدون إرادة منها ، ليقاطع تفكيرها صوت (شادي) وهو يقول باتزان مريب بدون اي تأثر
"لقد فهمتكِ تماما ، وانا الآن سأمنحكِ الهدنة والحرية نزول على رغبتك ، وليس هناك منزل مغلق او حواجز او اسوار او ابواب تحوم من حولك ، وها هو الباب مفتوح امامك يمكنكِ استغلال كامل حريتكِ بقدر ما تريدين ، حتى لو هربتِ ووصلتِ لآخر العالم لن احاول منعك او ردعك ، فقد اصبح كل شيء تريدينه وتسعين له بين يديكِ وبحوزتك ، حتى انني لن احاسبك على هروبك من المنزل والتخطيط لهذا الامر ، لأني بالواقع لم اعد اهتم ، لم اعد اهتم بشيء يحدث معكِ وبمسار علاقتنا الحالية ، لم يعد يهمني شيء !"

ادارت وجهها للأمام بسرعة وهي تراقبه يوليها ظهره قبل ان يكمل طريقه خارج الغرفة بهدوء شديد بدون ان ينتظر ردة فعلها ، لتخرج بعدها تنهيدة طويلة وهي تتابع اثره بحزن اسر امواجها بحدود قيدها للأبد ، لتنهزم قواها بلحظة وهي تجلس على طرف السرير بارتخاء وظلام الليل يسور عالمها حتى طافت على سطحه بعد ان كان يلون نظراتها .

رفعت يديها وهي تمسك شعرها الطويل بقبضتين قاسيتين هامسة بغيوم حزينة تأنب نفسها وقلبها عليه كامل اللوم
"احسنتِ صنعا يا ماسة ! هذا اكثر ما تجيدينه بحياتك ، تدمير كل شيء ، كما دمرتِ علاقتكِ الآن ، وكما ستدمرين كل شيء تلمسيه وتقتربين منه"

_______________________________
دخلت للغرفة بصمت وهي تشاهد الذي كان يوليها ظهره امام النافذة يبدو مشغول بالتفكير العميق ، اخذت عدة لحظات بالتأمل قبل ان تتجه لخزانة الملابس مباشرة وهي تفتحها بصمت ، لتنحني بعدها على ركبتيها وهي تخرج حقيبة الملابس من الاسفل بهدوء بحركات باردة وكأنها تقود نفسها بسيطرة غريبة ، لتقف باستقامة وهي تنتشل ثيابها من العلاقات لتلقي بها بداخل الحقيبة بتلقائية وكأنها تفعل ما يلزم عليها فعله .

تباطأت حركاتها لوهلة ما ان سمعت صوته يتردد بالمكان لأول مرة قائلا بكلمة واحدة ضربت كيانها برمح طائر
"انا اعتذر يا روميساء"

شددت بيدها على ثيابها وهي تتابع عملها بحركات اكثر قوة ، وما ان غيم الصمت من جديد حتى قال مجددا بصوت اكثر خفوتا بحرقة الندم التي تستطيع سماعها بصوته العميق
"لم اعلم بكل ذلك ، ارجو ان تسامحيني على كل خطأ اقترفته بحقك ، انا اعتذر منكِ"

تابعت عملها بحركات هبط مستوى اتقانها وهي تركز مدار عينيها الواسعتين على ما تفعله بدون ان تنتبه للجراح التي لامسها وشوشت رؤيتها ، لتتجمد اطرافها ببرودة غريزية ما ان قال بهدوء اشتد بنبرته بقتامة
"لماذا انتِ صامتة ؟ ألا تستطيعين ان تسامحيني على اخطائي ؟ هل هي كبيرة عليكِ لدرجة لا تريدين التجاوز عنها ؟ اخبريني بما يتوجب عليّ فعله لنقلب كل شيء حدث بهذه الصفحة السوداء وننسى ما فات"

التفتت بوجهها نحوه بشحوب وعينيها الباهتتين تتابعان حركات ظهره الصلب بدون اي معنى ، لتهمس بعدها بشبه ابتسامة بهدوء خاوي
"ماذا تريد مني ان اقول ؟ هل تبقى شيء عليّ قوله ؟ هل تظن الغفران والتجاوز سهل الحدوث ؟ لقد انتهت صفحة الغفران وانقلبت صفحتنا كذلك ، فقد نفذت جميع فرصنا بهذا الزواج"

تصلبت فقرات ظهره وهو يستدير باللحظة التالية قائلا بوجوم حائر
"ماذا تعنين بكلامكِ ؟ هل تريدين......."

توقف عن الكلام بمنتصف الحديث ما ان تلقى الصدمة التي بعثرت افكار عقله وانظمة الكلمات بقاموسه ، ليعلو التجهم ملامحه بلحظة واحدة غاب الألم والأسى عنه وهو يقول بجمود وعينيه متسمرتين على حقيبة ثيابها
"ماذا تفعلين ؟ وما لذي تخططين لفعله بحقيبة ثيابك ؟ هل انتِ بكامل قواك العقلية يا روميساء ! هل اعيد ضبط اجهزتك العقلية برأسكِ لتستطيعي العودة لطبيعتك ؟"

اشاحت بوجهها بعيدا وهي تكمل نقل ثيابها بالحقيبة قائلة بعملية جادة وكأنها تتعامل مع الوضع بمنطقها
"يبدو بأنك قد نسيت الامر تماما يا احمد ، ولن ألومك بعد كل المشاكل التي واجهتها وحدثت بحياتنا ، ولكن دعني اذكرك لقد اخبرتك من قبل بالحرف الواحد بأنه ما ان تخرج براءتي وتثبت إدانتي فأنا لن اكون بجانبك حينها لأني عندها سأبتعد عنك واخرج من حياتك ولن تراني بعدها مجددا ، وهذا ما سيحدث اليوم فقد انهيت كل شيء بيديك وقدمت عرضك بالفعل وحان الآن دوري لكي اكمل النصف الآخر من العرض"

تجمدت ملامحه بقسوة حتى بانت الخطوط بعمق موازي لخطوط الدماء التي تجري بعروقه بهياج نابض ، ليتجاوز المسافة بينهما بلمح البصر بثلاث خطوات فقط قبل ان يكبل ذراعها ويديرها نحوه بعنف ليمسك بحقيبتها بيده الاخرى وهو يلقي بها بعيدا ، لتتسمر بعدها بمكانها وهي تنظر له بملامح باردة ما ان قال بغضب هادر وهو يهزها بقسوة
"إياكِ يا روميساء ! إياكِ والتفكير بهذا ! خروج من هذا المنزل ممنوع ، والابتعاد عني غير مسموح ، ماذا تظنين نفسكِ فاعلة وانتِ تتخذين هذا القرار من رأسك ؟ كل الكلام والحوارات التي حدثت معنا بالسابق كانت بنوبات غضبنا ولم نقصد قولها ، لقد خرجت منا بدون إدراك بسبب الجروح التي غرسناها ببعضنا وتألمنا بسببها ، ولكن الآن فقد مضى كل هذا ، لذا ما لمانع من فتح صفحة جديدة والبدء من جديد ؟ ويمكننا ايضا تعديل وتصحيح كل تلك الاخطاء بتعويضها بأمور اخرى واستبدالها بسعادتنا وراحتنا ، ونحن نملك هذه الفرصة بما انه لم ينتهي كل شيء بعد ، ألا توافقيني الرأي ؟ ألا تريدين ان يعود كل شيء كما بالسابق ؟"

عبست ملامحها ببطء بخطين متساويين وهي تهمس بأسى خافت وكأنها تحاكي الحزن الساكن بقلبها منذ شهور
"لم ينتهي شيء يا احمد ، بل الآن قد بدأ كل شيء ، ألا تفهم عن ماذا اتكلم ؟ لقد اكتشفت اليوم بأنه قد تم اضطهاد وظلم ابني والذي لم تسمحوا له بأن يعيش ! لقد اكتشفت بأنني اكبر غبية وساذجة بالحياة حتى كنت غافلة عن جريمة قتل طفلي ! لقد انتزعتم مني روح بداخل احشائي ! هل تدرك حجم هذه الجريمة ؟ هل تدرك مدى الألم الذي شعرت به حينها ؟ لا احد يستطيع الشعور بألم الأم لأنها التي خسرت جزء من نفسها ، لأنها التي ودعت جنين لم يكتمل له الحياة بداخلها ولم تكن له الملجئ والسكن الآمن ، كيف يحدث كل هذا وانا لا اعلم ؟ كيف تفعلون هذا بي وتذنبوا بحقنا هكذا ؟ من اين لكم بكل هذه القسوة وانعدام الضمير والرحمة ؟ ماذا فعل لكم ابني لتعاقبوه بهذه الطريقة ؟ هل كل هذا لأنني والدته ؟ لأني انا التي سوف تنجبه........"

غصت بكلماتها بألم فاق حدود مقدرتها الطبيعية وهي تحاول السيطرة على انضباط نفسها التي غرقت ببحيرة يأس وندم تخللت بصميم روحها ، ليفلت بعدها ذراعها ببطء شديد وكأنها قد اطلقت رصاصات حارقة اصابت فؤاده وجمدت حركاته بذنب ما يزال يتوسع بداخل صدره وبكامل انحاء جسده ، ليقول بعدها بهدوء جاف وهو يحاول ان يحجم مشاعره
"افهم شعوركِ تماما ، وانتِ ليس لكِ اي ذنب بما حدث بسبب تلك المجنونة التي قتلت طفلنا ، فأنا ايضا قد خسرت الكثير بسبب هذا الامر ، لقد كدت اخسر زوجتي بتلك الموجة التي مررنا بها افقدتنا كل قوانا ، هل تتوقعين بأنه كان من السهل عليّ تقبله ؟ انا ايضا قد تألمت مثلك ، لقد تألمت عندما علمت بالطريقة التي خسرنا بها طفلنا وكيف خسرت زوجتي بعدم ثقتي بها......"

قاطعته (روميساء) بقوة وهي تنفض دوامات الضعف والألم عن كيانها قائلة بضراوة لبؤة
"تقول بأنك تألمت حقا ! تألمت على ما حدث لنا ولطفلك ! لو كان كلامك صحيحاً لما لم تخبرني بالبداية عن سبب موتي طفلي ، لما لم تصرح بهذه الحقيقة منذ البداية ؟ لما جعلتني اعيش اللوم والندم بداخلي وانا ألقي المسؤولية على إهمالي واستهتاري بقتل طفلي ؟ وبالواقع كان الامر عكس ذلك تماما ، ألم تسمح لك كرامتك وغرورك ان تخبرني بالأمر قبل الجميع ؟ ان تريح ضميري المعذب منذ ذاك اليوم ، ألم يرأف لك حالي ولو قليلا بالبوح لي بتلك الحقيقة ؟ كيف تقول عن نفسك بأنك تتألم وانت لم تحاول على الاقل ان تكون صادق معي بمواساتي ومداواة جروحي......."

صرخ من فوره وهو يمسك بكتفيها لكي يوجه جسدها نحوه ويرغمها على الاستماع له
"لم اكن اعلم يا روميساء ، لم اعلم بالأمر سوى مؤخرا ، ألم تسمعي ما قلته لكم امام الجميع بالأسفل ؟ لقد صرحت امامكم بأنني قد علمت بالأمر عند سماعي الحوار الذي كان يدور بين سلوى ووالدتها ، وبعدها فكرت بأن الحل الافضل من اجل كشف ألاعيبها هو بجمع كل افراد العائلة ومعرفتهم بكل فضائحها على العلن ، لكي يكون افضل عقاب ودرس قيم لها يجعلها تندم طول حياتها القادمة على ما اقترفته واجرمت به بحقنا ، هل تظنين بأنني تعمدت اخفاء الحقيقة عنكِ والتستر عليها ؟ لقد كنت فقط اجهز الفخ لها لكشف كل شيء وانهاء كل ما بدأته !"

غامت ملامحها ببرود وهي تمسك بيديه لتلقي بهما عن كتفيها بمنتهى البساطة ، لترفع بعدها يدها وهي تشير بأصبعها نحوه قائلة باتهام صريح بصلابة
"انت تكذب ، انت تكذب يا احمد ، لقد كنت تعرف عن السبب الحقيقي بموت طفلي ، لقد كنت تعلم بأن الامر لم يكن مجرد حادث ، هل كنت تظن بأنك ستخدعني مرة اخرى وتنطلي عليّ الكذبة ؟ لقد كانت ماسة شكاكة كثيرا ودائما ما تخبرني بحدسها نحو سلوى وهي تتهمها بقتل طفلي ، وبسبب ذلك الامر لقد دب الشك والخوف بعقلي ، لذلك ذهبت بالنهاية لاستشارة الطبيب الذي اهتم بحالتي بعد ان اجهضت الطفل ، وهناك كشفت الحقيقة المريعة التي قلبت حياتي تماما وادركت ما كنت اعيشه كل هذه الشهور والايام ، ولكن لماذا اخفيت عني الحقيقة يا احمد ؟ هل كنت تعاقبني برؤيتي اتعذب امامك بتأنيب الضمير ولوم نفسي ؟ هل استمتعت وانت تراني بتلك الحالة ؟ هل حصلت على انتقامك مني ؟"

اتسعت عينيه بصدمة وهو يمسك بيدها التي كانت تشير له قائلا باستهجان
"هل بدأتِ تهذين الآن ؟ عن اي انتقام تتكلمين ؟ ولماذا انتقم منكِ ؟ انتقم من نفسي ولا انتقم منكِ ، انتِ ام اولادي ، انتِ زوجتي ، انتِ مسكني وعالمي ، انتِ حب حياتي ، كيف تفكرين هكذا ؟ ألم تعودي تعرفين زوجكِ ! ألا تعرفين بأن زوجك يموت إذا اصابك مكروه بقصد او بدون قصد !"

ردت عليه من فورها ببرود جليدي
"إذاً ما هو سبب اخفاء الحقيقة عني ؟"

ابتلع ريقه بصعوبة وهو يضم يدها بين قبضتيه قائلا بهدوء جاد يحاول نقل شحناته العاطفية نحوها
"لقد كنت قلق من ردة فعلك ، لقد كنتِ حينها متعبة وغير طبيعية وتعانين من عطوب وجروح ، وقد خفت ان ازيد حالتك سوءً عندما تعلمين بأن موت طفلك لم يكن حادث ، بل كان دافع مقصود من احدهم يعيش معنا بالمنزل ويبث سمومه بيننا ولا يتمنى لكِ الخير ، وعندها قد تخسرين الثقة بنفسك وبالعالم من حولك وتخسرين قلبكِ المحب ويمتلأ بسواد الحقد والانتقام ، لقد كنت اريد ان يعود كل شيء كما كان وان تتعافين بنفسكِ وتصلحين من حالكِ بنفسك ، انتِ اهم شيء بحياتي وكل شيء يدور من حولك ويؤدي إليكِ يكون اهم اولوياتي ومن اسمى اهدافي !"

كانت تنظر له بعينين خضراوين باهتتين بدون اي مشاعر وهي تستل كفها من بين يديه بهدوء ، لتقول بعدها بصوت حزين يحمل عتاب قاتل
"ولكنك لا تنكر رغبتك بمعاقبتي والاقتصاص مني ! لقد كانت لديك فرص كثيرة لكي تخبرني عن حادثة موت ابني بعد تصالحنا الاخير وانحلال كل المشاكل ، ولكن يبدو بأنك قد تراجعت واستخدمت هذه الطريقة بعقابي منذ لحظة قدومك لمنزل يوسف وتزعزع الثقة بيننا وانت تقسو عليّ بكل يوم يمر علينا ، لا اصدق بأنكم تملكون مثل هذه القلوب بداخلكم ! لا اصدق بأن هناك بشر سوداوية وحقودة يعيشون بالعالم ! ولم اصدق ألا عندما عرفت عائلتكم ودخلت لها ! انتم حقا كما قالت ماسة عنكم وحوش بشرية شياطين بهيئة بشر ، واكثر شيء نادمة عليه هو دخولي لهذه العائلة والانتساب لها !"

كانت تتنفس بقوة ويدها تتحرك بعشوائية وكل جزء بجسدها يتفاعل مع هياج نبضاتها الثائرة ، لتخفض بعدها ذراعيها على جانبيها بانخماد وهي تلتفت لتلتقط حقيبتها من جديد وهي تكمل عملها بتعبأتها بثيابها ، ليفيق بعدها من سباته اللحظي وهو ينقض على ذراعها مجددا ليديرها بقوة اكبر قبل ان ينتشل الحقيبة منها ويرميها هذه المرة بأقصى ذراعه .

قال (احمد) بعدها بهجوم مفترس وهو يقربها منه بكلتا ذراعيها اللتين احتجزتا بقبضتيه
"لا تستطيعين قول هذا الاتهام الكبير والهروب ! اجل لقد كنت انوي معاقبتك بالفعل وحبسك بحجرة لا يصل لها النور لكي لا تستطيعي التمرد على اوامري وتجاوزي ، كنت اريد معاقبتك بشدة لكي تعرفي من هو زوجك والذي يحق له النظر لكِ وكسب ثقتك وان يكون محور حياتك ، فأنا بالنهاية قد تألمت كثيرا منكِ ، لقد تألمت لدرجة لم اعد اشعر بها بشيء سوى بالكره الذي امتلأ بقلبي ناحيتك ، لقد اخطئتِ كثيرا يا روميساء ، اخطئتِ منذ اكتشافي بالمعرفة التي تجمع بينك وبين رجل غريب ! اخطئتِ بمحاولة التقرب من ابن ذاك الرجل والاهتمام بمهمة تعليمه ! لقد اخطئت عندما فضلته على زوجكِ وحاولتِ المقارنة بيننا بمعادلة غير منصفة ! هل تظنين بأن كل هذا سهل عليّ تقبله والتعامل معه وكأنه شيء لم يكن ؟ انتِ ايضا مخطئة يا روميساء ، وخطئكِ اكبر من خطئي بأضعاف ، لذا لا تمثلي البراءة وانتِ جزء كبير من سبب كل ما يحدث معنا"

ارتفع حاجبيها بدهشة مزيفة وهي ترسم ابتسامة باردة على محياها ، لتهمس بعدها بصوت فاتر يحمل حزن دفين
"هل اصبحت المذنبة الآن ؟ هل انا مخطئة بنظرك فقط لأنني احببت طفل تعرفت عليه بفصلي ؟ هل اذنبت عندما توليت رعاية طفل يتيم الأم يعاني من احتياجات هامة بحياته ؟ اعلم بأنني ابالغ بهوسي بالحرص على العناية بالأطفال وحبهم الغير مشروط ، فقد كانوا بالنسبة لي الدواء الذي احتاجه والطفولة التي فقدتها بسن معينة لأحمل مسؤوليات اكبر من كاهلي واوفر الحياة السعيدة للجميع مقدمة اهتماماتهم قبل اهتماماتي ، انا هكذا منذ مراهقتي ولن اغير نفسي من اجل اي احد فقط لأنه يرى بأن هذا نقص او عيوب بي ، ولن اهتم برغبتك الانانية بلوم طفل صغير متعلق بي فقط من اجل ان تخرجني مذنبة بحقك ، وإذا كنت ترى ذلك ذنب او خطأ مني فهذه مشكلتك وحدك ، فأنا رأيك وتعليقاتك كلها لا تهمني ، لا تهمني بتاتا !"

نفضت ذراعيها ما ان انهت موشحها الكلامي وهي ترفع رأسها بقوة ، لتضم بعدها يديها وهي تصنع دائرة بهما قائلة بشرح عملي وكأنها تشرح درس مهم عن مبدأ علاقتهما
"انا وانت من عالمين مختلفين ومكانين متناقضين عن بعضهما ، نحن لدينا مفاهيم ونظرات بحياتنا تختلف كل منا عن الآخر ، وهذا الذي يسبب سوء التفاهم وانعدام الوفاق بيننا ، فأنت قد عشت وتربيت ببيئة مختلفة عني تتشكل بمكان منغلق بدائرة زجاجية ترى العالم من خلالها ولكن لا تستطيع رؤية حقيقة الظلم والاضطهاد والمعاناة التي تمر بها البشر يوميا لأنك محمي بداخلها ، اما انا فقد عشت بمكان مفتوح لا يوجد به قواعد او قوانين ولا جدران او حصون تحميني وترشد طريقي ، فقد كنت اعايش واتكيف مع ذلك الظلم والذي كنت اراه يحدث امامي يوميا حتى اصبح جزء متغذي مني ، وهذا ما اعطاني الحرية المطلقة الغير متوافرة بحياتك والتي جعلتني امرأة مستقلة بتصرفاتها ومبادئ حياتها التي وصمت بها ، وهذا الاختلاف ولد بيننا تناقض الآراء وطرائق الحياة ، فأنت ترى بأن المرأة حدودها هي زوجها ومنزلها والاهتمام بمحيط عائلتها ، وعملها خارج ذلك يعد اكبر خطيئة بحياتها ، واما بالنسبة للمكان الذي جئت منه فقد كان عمل المرأة هي قوتها ومصدر رزقها ، وتعليمها هو سلاحها الابدي بوقت الحاجة عندما يتخلى الجميع عنك وتصفى وحدك بالحياة ، ولكي لا تكون عالة على المجتمع بل مساندة قوية ترفع به عالمها بتحقيق اهدافها وطموحاتها وتفخر بنفسها بصنع المجد لها ، هذه هي الاختلافات بيننا والتي اعاقت بين عالمينا ، واعتذر لأنني لست المرأة التي تناسب مستواك العقلي والشكلي وطبيعة نسبك ونشأتك !"

كان ينظر لها بملامح مكفهرة وهو لا يستطيع جلب الرد او التعليق المناسب على كلامها المنطقي الذي اخرج كل حقائق وفروقات عالمهما ، وما ان شعر بها تنسحب من امامه حتى كان يكبل ذراعيها بلمح البصر وهو يقول من فوره بانفعال مضطرب يحاول اتخاذ الحجج لكي يبقيها بجانبه
"لا تقولي هذا يا روميساء وتعلني الانسحاب هكذا ، انا اعترف بأنني قد اخطئت واذنبت مرات عديدة بحقك ، انا لست انسان كامل الاوصاف ولست ملاك طاهر بل رجل مليء بالعيوب والسلبيات والكثير من العقد ! استطيع احيانا ان اكون معطاء مثلكِ ولكني مع ذلك افضل الاخذ والسلب اكثر من العطاء ! هذا ليس شيء افتخر به وارغب فيه ولكن طبيعة تربيتي علمتني ذلك وغرسته بداخلي ، وانا اريد منكِ ان ترشديني وتعلميني ، اريدكِ ان تكوني معلمتي بكل اساليب الحياة وتعطيني النصح والرشد ، احتاج إليكِ لتكوني دوائي وعلاجي من كل هذه النواقص التي اعاني منها ، نحن الاثنين بحاجة لبعضنا البعض ، فكما انا بحاجة للعلاج والمرهم منكِ انتِ بحاجة للحياة بسكينة والحصول على الحب والرفاهية التي حرمتي منها بطفولتك ، يعني نحن نكمل بعضنا البعض يا روميساء ، لا تكوني السبب بافتراقنا هكذا !"

ضيقت حدقتيها الخضراوين بقسوة وهي تحصر الدموع والمشاعر بهما لتهمس بعدها بقوة وهي تعلن التمرد على قلبها المحاصر بنيران الحب
"انا اعتذر يا احمد ، ولكني قد توقفت عن هذه العادة منذ زمن ، لقد توقفت عن مهمة تكريس حياتي للآخرين والتفكير براحتهم على حساب سعادتي الخاصة ، فقد عانيت بسبب هذا الامر كثيرا بالماضي ولن اعيدها الآن ، لذا يمكنك معالجة نفسك بنفسك بإرادتك وبدون الاعتماد عليّ ، فقد سحبت نفسي منك ومن حياتك بأكملها ، ومن الآن وصاعدا سأعيش من اجلي فقط وليس لأحد آخر وسأكون القوة بنفسي وليس من قوة احد آخر ، هذا ما سيكون عليه الوضع"

قطب جبينه بجمود عصف على ملامحه وهو يمسك بذراعيها بقوة يثبتها امامه تماما ، ليصرخ بعدها بوجهها بهياج غاضب ثارت البراكين بداخله
"لا تحلمي ان يتم الامر بالطريقة التي تعجبك ! ليس لكِ الحق باتخاذ كل شيء يخصنا وان تقرري مصيرنا على هواك ، دائما انتِ كريمة ومعطاءة بمشاعرك مع الجميع وتسامحين بسهولة لكن عندما تصلين لزوجك تصبحين قاسية وانانية والمسامحة صعبة الحصول ! لماذا عندي انا فقط ؟ لماذا لا تكونين عادلة معي ؟ ألا استحق الإنصاف منكِ !"

تلوت بين ذراعيه بعنف وهي تقول بخفوت شرس
"اتركني يا احمد ، ليس لدي شيء اخبرك به اكثر ، وقد اكتفيت من الكلام معك ، والآن اتركني ارحل بسلام ولا تصعب عليّ مهمة مسامحتك !"

حرك رأسه بقوة وقد تلاعبت افكار الشيطان بعقله واصبح التمرد يتوهج بعينيه من بين سحب دخانية قاسية ، ليقول بعدها بشبح ابتسامة بجمود
"لن ادعكِ ترحلين ، لن يحدث بهذه السهولة ، فأنتِ ما تزالين زوجتي المطيعة وستخضعين لرغباتي"

اتسعت مقلتيها بوجل من نبرة صوته الخطيرة التي تسمعها منه لأول مرة ، ليستغل سكونها اللحظي وهو يحمل جسدها عاليا بين ذراعيه بثواني ، وما ان افاقت على نفسها وهو يتحرك بها حتى صرخت من فورها بجموح وقبضتيها تضربان على كتفيه بعشوائية
"ماذا تفعل ؟ هيا انزلني ، انزلني حالاً......"

شهقت بفزع ما ان شعرت بنفسها تطير بالهواء قبل ان تهبط فوق اقمشة الفراش الناعم الذي تكفل بتخفيف قوة السقوط والتربيت عليها حتى رفع اطراف قميصها لأعلى خصرها ، وما ان تنهدت براحة مؤقتة حتى حاصرتها انفاسه وهي تلفح وجهها بقرب شديد لا يفصل سوى سنتمترات ، لتسمع بعدها صوته العميق وهو يهمس بمشاعر الوله والعشق
"انا احبكِ يا روميساء ، لذا سامحيني !"

لم تستطع النطق بكلمة واحدة فقد كان ينقض على شفتيها بقبلات جائعة بقسوة وبعواطف هادرة تستطيع الشعور بالتملك بحرارة مشاعره المندفعة لها بكل جزء منه ، وحتى عندما حاولت رفع قبضتيها برفض صامت كان يكبلهما بيد واحدة ويرفعهما لفوق رأسها على ملاءة السرير ، وما ان حرر اسر شفتيها قليلا يسمح لها باستيعاب موجة مشاعره المجنونة واعادة ضبط تنفسها ، حتى همس بصوته العاشق حد النخاع واصابعه تحفظ طريقها بإكمال اجتياحه بفك ازرار قميصها
"اشتقت لكِ يا فاكهتي الحلوة ، والتي مهما بلغت مدى مرارتها ستبقى حلوة بكل نكهاتها ، وحتى لو اضرمتِ نيرانا من حولك سوف اخترقها واحرق نفسي بها بسبيل الوصول لقلبك !"

كانت هذه الكلمات الاخيرة التي ينطق بها وتسمعها منه قبل ان يكمل اغتيال عواطفها معري كل اسلحتها وإرادتها والتي بدأت تخبو وتضعف لتخلي له طريق الوصول إليها بتلاقي كليهما عند نفس الهدف وهو الاحتياج .

يتبع........


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس