عرض مشاركة واحدة
قديم 26-06-22, 10:57 PM   #2760

Lamees othman

كاتبةفي قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Lamees othman

? العضوٌ??? » 453673
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,377
?  مُ?إني » Jordan
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
?  نُقآطِيْ » Lamees othman has a reputation beyond reputeLamees othman has a reputation beyond reputeLamees othman has a reputation beyond reputeLamees othman has a reputation beyond reputeLamees othman has a reputation beyond reputeLamees othman has a reputation beyond reputeLamees othman has a reputation beyond reputeLamees othman has a reputation beyond reputeLamees othman has a reputation beyond reputeLamees othman has a reputation beyond reputeLamees othman has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
وسخر لي الجسد والحواس في سبيلك
افتراضي



المشفى (ظهرًا)
لم يتبق على زفافهما إلا أيامًا معدودة، خطط لها بدقة لا مثيل لها، اليوم جاءت للمشفى لإنهاء الأعمال الموكلة لها حتى لا تضطر للتراكم بعد زواجها فحرصها على عملها يجعلها تغلق في وجهه، وتتجاهله بالكلية.
أنهى منذر أموره وتوجه إليها، طرقة بأنامل خفيفة كلحن خاص باتت تعرف صاحبه ومواقيته جعلها تبتسم وتأذن له:
-ادخل.
ولج لمكتبها قائلاً:
-أساساً دخلت..
خطا نحوها فراقبت هيئته بملابس كاجوال بعيدة عما هو معتاد عنه، مالت برأسها والقلم عند فمها:
-هل أنت خارج الآن؟
اقترب من مكتبها وجلس على حافته ينحني نحو فمها المزموم ويسحب القلم:
-أجل.. لقد أنهيت مناوبتي..
عبست وضمت شفتيها أكثر فعادت سبابته تحل عقدتهما:
-لا تعبسي.. هيّا احكي لي ماذا لديكِ؟
ضجرت ملامحها فيما تلمح الشاشة:
-ميزانية نصف السنة.. على الأغلب سآخذ نصيب الأسد في إعدادها.
-امرأتي المثابرة!
-التهم عقلي بحلاوة لسانك سيد منذر.
بسط كفيه على المكتب فيما يؤرجح ساقه اليمنى:
-انجزي عملك.. سأدعوك للغداء.
تنهدت وأخبرته:
-ورائي عمل كثير.. صعب الآن.
انحنى نحوها يتذوق تذمرها من شفتين عابستين متشققتين دون ترطيب على الدوام، أسكرها وملأ جوفها بحلو ريقه فابتعدت متذمرة فيما يشرح بتخمة استطعامه:
-تشعريني وكأنك الموظفة الوحيدة في هذا المكان. هيا لململي عملك ليس لدي الوقت بطوله.
كعادته يقنعها بكلمتين بعد كل لقاء حميمي مسروق من عمر اللهفة، اقتنعت ولملمت حاجياتها ومضت معه بسعادة بلهاء.. قطبت حينما سلك الباب الرئيسي وسألت:
-هل سنتناول الطعام خارجاً
رد عليها وهو يفتح السيارة بالموجه:
-هل أرتدي ثيابي هذه لأتناول الطعام في حضرة زملائي الذين يسدون شهيتي..
كشّر وأضاف:
- أنا أريد أن أتناوله في ظل ظروف تفتح الشّهية.. كوجودك مثلاً!
رؤيتها في عينه تفتح لها أفاقًا لا تعرفها تلج فيها إلى ذاتها فتسأل نفسها مصدومة... هل هي مُلهمة!
يُلهمه صوتها..
وتوحي إليه بأنفاسها
كل تفاصيلها معمورة في قلبه بصورة تهدم أي كيان آخر!
ببساطة هو ممتلئ بها إلى حد الطفو.
صعدت معه وجاورته رغم تأنيبها فهي وبالرغم من عقد القران فلها حدود.. توشي نظرتها وانكماش جسدها بحالها فيسأل وكأنه لا يعلم وتجيب بغباء:
-إلى أين سنذهب؟ هذا المكان لا أعرفه؟ لا يصح أن نذهب بعيدًا..
عيناه على المرآة الجانبية تطرف كل حين فيما يجيبها:
-لا تخافي لن ألتهمك أبداً!
ثم التفت بغمزة إيحائية:
-والدتي تريدني أسدًا ليلة زفافنا.
التهمت طرفي شفتها بنابيها وتعثرت في أنفاسها لجرأته.. شغّل أغنية ما أطربت الجو العام في السيارة، كفها في كفه يرفعها كل حينٍ ويقبلها طويلاً.. تاركاً كل أنفاسه العطرة على جلدها الذي يقشعر ويسكن فيه.
زاد سرعة سيارته رباعية الدفع ودخل مكانًا كالسحر بأشجاره التي غطت الوجود.. أشجاره عالية تغطي قمم الجبال، استرخت ورائحة الطبيعة تنعشها، اندفع أكثر وركن السيارة على جنبٍ وهناك وجدت رجلاً يقف عند دراجة وبيده خوذة، التفتت له بصدمة فوجدته قد خلع سترته الصيفية وبقي بقميص داخلي، مشى صوب الرجل واستلم منه الدراجة والسترة الجلدية وارتدى الخوذة منه، أشر لها فهبطت بريبة وقبل أن تصل وجدته قد ودع الرجل الذي استقل سيارته ومضى.. وقفت قربه وسألته غاضة بصرها عن بنيته الطويلة برداء الدراجة:
-ما هذا؟
ضبط هيئته وأمرها فيما يصعد الدراجة:
-هيّا اصعدي وتشبثي بي.
أخذها على حين دهشة فسألت بحاجبين معقودين:
-هل أنت واعٍ..
أصدرت الدراجة صوتاً مزعجًا فأجاب بصوت أعلى من ضجيجها:
-لم أكن واعيًا بقدر هذه اللحظة..
ودت افساد اللحظة.. فتشبثت بغبائها وسألت:
-لماذا؟
تعامل مع بدالات الدراجة وهتف بلا مبالاة:
-أود تحقيق أحلامي فيك.. هل هناك اعتراض؟
كالعادة استسلمت له وبان رضاها على قسماتها جذب كفها فصعدت بخوف وما أن أصبحت خلفه حتى ضحكت:
-أول مرة أصعدها..
رد عليها بدفء خاص:
-وهذا ما يهمني.. أن تكون مرتك الأولى في كل شيء معي.
تشبثت بظهره فيما انطلق بجنون وهي خلفه تارة تفتح ذراعيها لخضرة المكان والانطلاق.. وتارة تصرخ باسمه ضاحكة وهو يردد اسمها.. تتمسك فيه بقوة مع كل منعطف ومنحدر.. وتبتعد في السهول مغمضة عينيها بنشوة التحليق، انتهى سرّ اللحظة بوصوله مكانًا أشبه بمنزل حجري على سفح جبلٍ، هبطت تراقب الجبال الشاهقة والخضرة الساحرة بذهول لم يختفِ، فتح البوابة ودخلا سويةً كانا في معركة الدوار والأنفاس اللاهثة، جذب كفها ودخل بها إلى الداخل فاستقبلتهما سيدة أربعينية أنيقة، حيتهما وأخذت جيداء ببشاشة وألفة بين ذراعيها
-من هنا
أشارت لهما فصعدا نحو حديقة تبدو كفسحة أو شرفة زراعية من قلب الطبيعة ممتدة مع الجبال المجاورة، مغطاة بالنجيل والمزروعات وورود الزينة، تشقها نافورة حجرية بخرير ماء أضافت للسحر.. روعة
-هذه مزرعة عائلتنا
نطقت بأول ما جال بخاطرها
-تبدو كقطعة من الجنة
أكد عليها:
-أجل.. تبدو كذلك
سحبها نحو بساط أرضي يحوي عدة مصنوعات حلوى يدوية مزينة بالكرز والتوت، يتوسطهن قالب حلوى كبير مزين بعجينة السكر على هيئة بسكويت "تويكس".
ما شأنه مع هذا البسكويت ليصنع حلوى على شكله، افترشت الأرض بقربه تثني قدميها أسفلها بميلان، وجلس ماداً ساقيه قربها، أخذ الحديث معها بين لهوٍ ومزاح، فأجمل ما في منذر أنه لا يقيدها بشكل ما يخص علاقتهما، بل يتكيف مع كل شيء.. لديه طريقة مفتاحية تخص أي موضوع.. يزيل التكلف ويرفع الحرج ولا يبخل بتوجيهه إن قصرت.. ببساطة هو نموذج لم تتخيله.. أو لم تتوقع أن تتعثر به! لكنه هو من وجدها.
ناولها فطيرة توت أخذتها منه بسعادة:
-أشعر وكأننا خرجنا من قصة كرتونية للأطفال!
سألها ساهماً في وجهها:
-ألا نبدو كذلك؟
ضحكت نافية:
-لا.. ينقصني قطيع أغنام لأكون هايدي..
مط شفتيه يأكل القطعة التي اقتسمها معها:
-أنا بنفسي حكاية لماذا أكون هذا أو ذاك.. قصتنا مختلفة.. ألا نبدو كذلك كحبيبين حتى تغفو النجوم ويضيء قمرك؟
ضحكت ضحكتها المجلجلة المميزة وقالت من بين أنفاسها:
-أنت حقا تبدو كأبطال الحكايات.. أمم تشبه أولئك الفرسان.. أنت حتى لم تشبه أي بطل قابلته..
-تبدو..
حارت بالوصف وقالت:
- أحاول أن أجد شيئا يشبهك!
زمّت شفتيها وضاع منها المعنى حتى التقطته:
-تبدو بحلة فروسية منافية للطبيعة.. خرجت من وحي السطور تفرض نفسك عليّ وعلى هواي.
غمزها بشقاوة:
-أرأيتِ القدرات؟
أومأت بيأس وضحكاتها مستمرة فأخذ يدها:
-قطعي هذا الكعكة.
أشارت نحوها وسألت باهتمام:
-لماذا التويكس؟
-لأجلكِ أنت
ظنتها مزحة وتأففت:
-أسأل بجدية منذر؟
مد يده يجذب السكين فتناولتها وسؤالها ما زال معلقاً:
-أخبرتك أنك السبب..
توجست:
-كيف ذلك؟
تنهد وأعاد كفه التي تخدّرت لمكانها:
-ألم تجلبيه لي كهدية لطيفة حين أعدتِ الكتاب إليّ!
للحظة تعطل نفسها واستيعابها.. وسكنت ساكتة إلا من رفرفة أهدابها:
-إلى هذا الحد منذر؟
زفر بعمق يرد:
-لا زلت محتفظًا به.. دون أكله.. موجود في الكتاب ذاته.. آه لو تعلمين ماذا يعني لي!
نبضات قلبها صمت أذنيها بغليان مؤذٍ أذاب أطرافها لمعت دموعها في عينيها:
-أنت لا تصدق.. أي رجل أنت!
اقترب منها:
-رجل ساقه القدر لأن يقع فيكِ دون انتشال..
أخذت كفه تقبلها:
-قدري الأجمل أنت منذر.. أنت هبة الله لي
ربت على ظهرها ممازحًا:
-كفي عن التحرش بي.. أنا لستُ شهماً بما يكفي لأفترض حسن نيتك وأفي بوعودي لأمي..
ابتعدت ملسوعة ورغماً عنها ضحكت.. أخذ كفها وبدأت بتقطيع الحلوى ولصدمتها لم تحو حشوة في الداخل، بل علبة قطيفة.. علمت أن هناك هدية ما تخصها مع تأخيره وعدم إلباسه خاتم خطوبة لها!
أخذت العلبة بين الكريمة المخفوقة وعجينة السكر فأمرها:
-افتحيها
لعقت سبابتها أولاً ثم فتحت العلبة فوجدت خاتمًا مذهلاً، خاتماً من عقيق اليماني على شكل غيوم، تضيئها نجوم خافتة، أخذ الخاتم وألبسه بنصرها الرقيقة وحين استقر:
-على مقاسك تماماً
أخذ كفها يقبل الخاتم وطرف أصبعها:
-وأنت على مقاس قلبي!
استقام فجأة فأخذها معه وهي بذات السحر وسطوة الشعور، سلك طريقًا منزوياً وصل فيه مطلاً على قمة بعينها.. منظر عانقت فيه الطبيعة شمس الأصيل، من منظرهما انعكست الحمرة عليهما فأخذتهما بهالة سحرها..
كانت في كفه وردة مررها على وجنتها المكتنزة فأغمضت عينيها بهيام مع استمراره في رسم معالمها حتى ثبت وريقات الجوري في عمق غمازتها الغائرة وغنى مقطعاً شعبياً:
-سايق عليكِ النبي والمصطفى جدك.. خدك من الورد ولا الورد من خدك.
تبسطت وجنتها ببسمتها الناعمة، فرفع الوردة جانب اذنها واقترب منها يشرح لها بصوته الذي فقد نبرته:
-لا تعلمين كم بحثت خلفك وكم زرت جامعتك على أمل رؤيتك..
فتحت عينيها وصمتت تناظره وتقرأ عينيه قبل بوحه الشغوف:
-حين يستبد بي الشوق آتي إلى مزرعتنا، أتسلق الجبل الذي ترينه وأصعد قمته منتشيًا.. هناك أعانق النجوم واستقر في أحضان الغيوم.. وكأنني في أحضانك..
دنا نحوها يمس جبينها وأنفاسهما تختلط:
-يداويني شعوري الحر بكِ.. فأعود لأكمل حياتي وحين يقص الشوق جناحيّ.. أعود وأحلق بكِ.
شفتيه تمران بخطٍ عاشق متلوٍ في انتقاءاته حول تفاصيلها حتى وصل المنتهى والغاية.. كلها في لوحة الشفق وهو يعرف السباحة، فغرق فيها بعناقٍ أفقدها أنفاسها، نسيت فيه كيف تنتظم نبضات قلبها، أو تهبه ألوانًا أخرى علّها خففت صخب الشغف والتوق، ارتفعت إليه تضمه عاقدة ذراعيها حول عنقه.. تعلمه كيف أحبّته، مؤكدة له حقيقة وجودها كغيمة استقر عندها ونجمة عالية طالها ومسّها بحيوية.. وبين عناق.. وغرق تخبره:
-أحبك منذر.. أحبك.


**


قبل زفاف جيداء ومنذر بيوم.
استغلت انشغال منذر في التحضيرات، وقررت إهداء اليوم لمن تستحق، استيقظت بعد الظهر وعاينت الساعة فوجدت أن الوقت كله معها في ظل غياب ثريا وفدوى اللتان ذهبتا لإيصال ملابسها لبيتها، استقلت سيارة أجرة وذهبت حيث مجمع المحاميين وعرجت على ضحى التي استغربت وجودها فأخبرتها جيداء بحماس:
-لا وقت لدي.. أريدك الآن أن تذهبي معي.
ساورت ضحى الشكوك وخشيت من أمر جيداء المريب فاستأذنت من ريبال الذي أذن لها بسهولة، وما أن أصبحتا في عرض الشارع والشمس تقارب على المغيب حتى جذبت جيداء تحت كتفها وقالت:
-اليوم كله لنا.. سنستمتع
منذ أن أساءت لها وجرحتها وهي تشعر بمشاعر خانقة تؤذيها، لم تستحق ضحى الأذى ولا هي التي تؤذي فكيف فعلت!
تقبلت ضحى مبادرتها وشعرت برغبتها فلم تشأ أن تبقى في عبوسها وتبسمت لها مما أراح قلب جيداء التي قالت لها:
-البلد؟
أومأت ضحى ففركت جيداء كفيها:
-كبيرنا البلد.. هيا نذهب إليها.
دارتا في جولة طويلة لن تنسياها توقفتا فيها عند إحدى البسطات وطلبتا نقش اسميهما على ميداليتين وأهدت كل واحدة منهما اسمها للأخرى.. ثم تابعتا المشي واشتريتا غزل البنات الذي تعجز ضحى عن تناوله رغم عمرها
-منذر سيجن جنونه لو علم أنني أتسكع معك.
تعاركت ضحى مع الغزل وعلقت:
-دعيه ذلك المهووس يستحق!
التقطت جيداء صورة لنفسها وأرسلتها له مع تعليق خاص:
-إياك أن تأتي! هذا اليوم لي وحدي مع ضحى.
انتهت من محادثتها معه والتفتت حيث تجمهر حول بسطة ما، قادهما الفضول فوجدتاه فنانًا يرسم المارة على الطريق فلم تتردد جيداء:
-سيرسمنا هيا..
التقط لهن صورة بشفاه مضمومة وعلامة نصر فيما تركتاه يرسمهما بشغف ومعدة جيداء التقطت روائح فانيلا فقالت لضحى صاحبة الشهية المفتوحة أكبر:
-الله! رائحة وافل هيا نشتري فيما ننتظر اللوحة
-سيزداد وزننا.
-للجحيم الوزن يا ضحى أود أن أستمتع معك.
ضحكت ضحى وأخذت صورة لها مع جيداء التي كانت تطلب من العامل:
-لا أريده بفواكه.. ضع لي تويكس وسينكرز ولطفاً لو كانت هناك كيت كات
والصورة تبعها مقطع تصويري أدمعت عينا ضحى في تصويره.
-هيا نجلس على الرصيف!
سألت ضحى مندهشة:
-سنتناوله على الرصيف الملون فعلاً..
لم تصدق ضحى حتى رأت جيداء تفترش الرصيف فجاورتها وما أن أنهى الرجل الرسم حتى سارتا نحو طريق منزوٍ واشترتا شطائر الفلافل الحارة
-أخاف أن ينتهي اليوم بأخذي للمشفى.
قضمت ضحى آخر قطعة من الشطيرة وأكدت:
-لا تخافي، بل تأكدي..
ومن بعدها ركضتا نحو مثلجات منظرها جديد عليهما وتابعتا الطريق في السير البطيء مع المكسرات والطعام الذي لم ينته.. رغم أن طاقتهما انتهت.
-سامحيني ضحى.. أنا آسفة على كل شيء.. وأحبك أكثر من أي شيء.
ضمتها ضحى عند مدخل الباب وقالت من بين دموعها:
-لا تجعلي الموقف دراميًا..
مسحت عن جيداء دموعها:
-لقد ضحكنا بما يكفي لا داع أن نضيع حلاوة اليوم بدراميتك.
ثم أضافت ببسمة:
-أنا لم أغضب منكِ أبدًا
**
زفاف منذر وجيداء...
في الثانية عشرة صباحًا، رن هاتف جيداء استقامت من سريرها وسحبته من القابس الكهربائي، وجدته منذر فردت عليه بدلال..
-لمَ تهاتفني الآن!
-هل تدركين أنك ستكونين بدءًا من اليوم في عهدة قلبي!
تساءلت وسبابتها تلف خصلة مميزة:
-ألم أكن؟
بحة صوته تسرح فيها للبعيد وتراقصها بين ذراعيه:
-حين تكونين بين ذراعيّ ستدركين ذلك!
دارت بين محطات عشقه توقفت عند الشغف فاختلج قلبها بالإثارة:
-كم تعانقنا مرة؟ أدركت أنني بك ومعك أكون!
تمادت وتعلم، أحسّ باندفاعها وتجاهل، توقه أزلي الخيوط، مغازله محاكة بالصبر ولم يتبق إلا خرم الإبرة شاهدًا على تحمّله الذي استغرب حلمه معها:
-كل نيراني تتقد بصوتك.. فلا تذري الملح فوقها كي لا تحترقي..
ابتسمت والجذوة فيها تندلع:
-أود الاحتراق فيك لا بأس!
تنفس بخشونة وأخبرها:
-أحبكِ حب العالمين، حبًّا ينمو بكِ ويتجدد!
صمتت تبتلع ريقها تتوقف على عتبة دار عشقه آمنة:
-حبك وهجي ونوري.. لولاكِ أنا رمد أُخمد ولا سبيل لإشعاله.
اتقد وجهها وذابت في حروفه:
-كيف تمتلك كل هذا؟
رد بذوبان أشدّ:
-لأنني أمتلكك!
**
بعد يوم طويل رآها فيه أكثر مما رأت نفسها في المرآة، جاءها لأخذها إلى جلسة تصوير حجزها بالكامل لهما، صعدت له بهيئتها الأخيرة التي حرمتها مديرة المشغل عليه، فتركت ظهره لها وهي تهبط السلالم له، على وقع رائحة عطرها نادى بصوت جلب ضحكة بددت توترها ورجفة ساقيها شبه المتهاويتين على السلالم، رباه لرهبة الشعور، ونبضاتها التي تقفز مع كل درجة تهبطها:
-الله.. وألف اسم الله على حسنك قبل أن أراه..
ضحكت بنعومة فأضاف بتوتر تملك منه حد آخر رمق:
-الله عليكِ.. وعلى خطواتك التي تمشي الهوينا فوق قلبي.
دنت الطابق الثاني من السلالم فتنهد يحارب الالتفات لها:
-يا صبر أيوب.. ألهمني به يا رب!
تضرع بضحكة:
-إن لم تسرعي سآتي وأحملك..
همست بضحكة مرتجفة:
-ها قد وصلت!
تذمر وعبست شفتاه ومسح جبينه بمحرمته من العرق الوهمي:
-ليتك تصلين.. وتأخذينني إليك فقد سئمت مني!.
أمرته المصورة التي رافقتهم لالتقاط مقطع تصويري للذكرى:
-هيا استدر
توقف للحظة وتجمدت حركته للحظات، رؤيتها في هذه اللحظة جهادًا لا يعلم إن كان قد حضّر له..
أن تكون جيداء صُنع أحلامه..
وحبه الذي وُلِد بلا موعد
وسكنه عن مواجعه
وكل حظه الحلو
وأيامه البيضاء
هكذا أمامه.. لهُ ومنه كثيرٌ جداً عليه، استجمع وجهها الذي يحب وقلبها المتوتر خلفه فشحن نفسه والتفت وعانق محياها فهمس مبهورًا:
-ما شاء الله!
دار حولها ورفع عن وجهها الغطاء فسدد له حسنها لكمة انبهار لا تنتهي:
-يعجزُ فيكِ غزلي.. ومخزوني الرومانسي الذي ورثته عن هدهد!
رفعت عينيها له، فأخذته إليها بسطوة تعرفها وتمتلكها عليه وتمارسها بنفس راضية فسألت بتردد:
-كيف أبدو؟
التقطت كل أحلامه وجسدتها، وسرقت من خياله صورتها وتهيأت بها فهمس مأخوذا:
-كحلمي!
سرقت بريق النجوم بلمعة عينيها ورفرفت بأهدابها ترج عالمه:
-كيف يبدو؟
ثم مالت ببسمة:
-صفه لي..
ضحك لمكرها وأجاب بنفس مرتاح بعد أن زارت عيناه ملامحها وبقيت عندها طويلًا:
-سأخبرك في المكان المناسب.
ضحكت له محتجة:
-هذا ابتزاز!
مط شفتيه وأخذ كفها بعد قبلة على الجبين سكّنت ثورته.. ورغبته التي يطوقها بأغلال من حديد:
-وأنتِ تستغلينني!

**


بعد انتهاء الحفل الذي أرهقها وأفقدها كل طاقاتها، دخلا بيتهما، نحت كل مخاوفها ورعبها وحتى خيالاتها الخصبة في الآونة الأخيرة التي لم تتجرأ على التطرق لها.
-وأخيرًا
التفتت له وفكرت في اختلاق مشكلة ما معه تؤجل المحتوم وتريح قلبها المرعوب فسألته بجبين مقطب:
-أخيرًا ماذا؟
دنا منها فتراجعت للخلف فثبتها جيدًا مما أطار بعقلها وحبس عقلها في فكرة أن تكون له توًّا لكنه خالف توقعاتها حين همس:
-خذي نفسك المحبوس جيداء.
تذكرت أنها نسيت عملية التنفس فأخذت شهيقًا أضحكه لحالها:
-من سمعك فجر اليوم تسألين عن الاحتراق لا يصدق أنك المذعورة هنا.
اعترفت له بعفوية تامة:
-الموضوع يستحق الذعر حقًا..
رفعت كفها لصدرها:
-أنا أستسلم حقًا..
ضحك من قلبه لمنظرها الضاحك وأخبرها بمهادنة:
-هل يفكر الأزواج بتلك الأشياء على الأبواب؟
نفخت بوجهه معضلتها الكونية متجاهلة أنها فعلياً في رواق باب المنزل:
-أجل هي الشغل الشاغل طوال فترة الخطوبة..
رفع رأسه يكبح ضحكته عنها فجيداءه جُنت فعلياً:
-كانت ليلتنا أكثر ما يشغلك؟
ملست على جبينها بعصبية:
-ألم تكن كذلك أنت؟
ضحك بانطلاق هذه المرة وحملها بين ذراعيه فشهقت خوفاً من أن يحقق شغلها الشاغل.. ومن أن تبدو ثقيلة إلا أنه أخبرها:
-واللهِ ليست كل الناس بقلة أدبك.
ضربته في صدره فتابع:
-ما أجمل أخذ اعترافاتك وأنتِ في قمة توترك..
سار بها نحو حجرة نومهما وأنزلها في وسطها:
-أنا لستُ همجيًا رغم جنوني بك ورغبتي بك التي فاقت جنوني..
أومأت بلا تركيز لمحاضرته التي لم تفهمها:
-إلا أنني أريد ليلة كاملة لي.. وأريدك عاشقة.
قطبت فتنهد يسأل الصبر فتقدم منها:
-أرني ثوبك كاملاً..
تذكرت اختياره ملائماً للمحجبات نظراً لاختلاط الحفل فطلبته أن يفك سترة الثوب ورفع الحجاب من تحت الطرحة، جفلت مع مس أنامله بشرة ظهرها من أسفل السترة فأحس بخوفها فقرر الصبر الذي لن يمتلكه طول الليلة:
-أنهيت!
أدارها إليه وباغته إغراء ثوب الزفاف ولعبه بغير عدل لرجل عاشق مثله فصفر بوقاحة:
-صاروخ عابر للقارات يا جيداء.
كشرت تداري خجلها وقالت له:
-ابتكر عن ألفاظك السوقية.
ضحك لها وأخذها بين يديه ثم أدار أنغام أغنية معينة، راقصها بأخلاق لا يمتلكها وراقصته بأنوثة تحركه فيها على ملامح جسدها المكشوفة والتي أعمته عن أي تفاصيل أخرى..
أنهى الرقصة بصبر وأخبرها:
-هل نصلّي؟
أومأت بضحكة مستغربة:
-وقت التوبة؟
ضحك وأخبرها بغموض:
-بل وقت التسليم فلقد تعبت!
فك لها الثوب ودخلت للاغتسال وخرجت له بإسدال أبيض، كان جاهزًا وحاضرًا على سجادة الصلاة فأقبلت عليه وأشار لها البدء فأمّ بها وصلّت خلفه، دعا لها واستفتتح حياتها معه.. وحين التفت لها وجدها خاشعة فأخذت قلبه في استكانتها قرر أن يطمئنها:
-هيّا لعرضنا التالي!
استفسرت عيناها فطلب منها أن تخرج معه لسطح منزلهما، وهناك انبهرت بالأرجوحة العالية التي تحتله، جاورته عليها بإسدالها فأخذها بين حب وغزل حتى فاضت جوارحه بسردها.
-كيف أشرح لكِ أنك ما عدت حلما الآن!
ابتسمت بشفقة قرأتها ولم يهتم بها:
-من الآن أنت واقعي وحقيقتي الأوحد.
ملست على صدره بحنو وأناملها ترقد فوق نبضه النازف بشدة:
-ستطمئن..
-أطمئن حين تكوني لي!
مالت عليه وقد استكان قلبها واستحسنت قربه الذي طمأنها، كانت بين إشارة ومبادرة، ولم يبخل.. يقتنص من ثغرها صبرًا.. ومن ملامحها ارتواءً حتى ألقى قلبها بالقرب ودنت بتوقها الذي لا تعرفه، فتلقفها بألف غيمةٍ من عشقٍ أسكرها فيه.
جذب كفها وضمها له يهبط بها إلى مأواهما، أسكنها إليها بعناق شغوف أتبعته ضمة تأوي ثغرها وتطلبه أذناً.
-أريدك عاشقة.. عاشقة جيداء.
فتحت له بابها وأخذته في ترحاب لهما، فاستقر جسده في رحابها يتلو عليها تراتيل عشقه حتى خشعت، ثم ارتحل بها إلى لجة عشقية عصفت بالماضي والحاضر واختلطت فيها المسميات إلا أن حبه كان الثبات.
حين استقرا وسكنت عواصفهما أخذها بين ذراعيه يشرح بتخمة امتلاكها.. ولذة قربها:
-الآن أنتِ في عهدتي..
قبّل جبينها وهدهد على خصلاتها النافرة:
-في قلبي.. تحتلين صدري.. مختومة بي، وقلبك معي إلى الأبد.


***


طلبته والدته وأخبرته برغبتها بلقائه بعيداً عن بيته أو بيت سلوان، لم يستغرب وجزء منه أدرك طلبها الخاص وبالفعل لم يتأخر عليها ووصل إليها في مقهى منزوٍ عن المدينة، حياها وسألها عن الموعد المفاجئ، دون أن يغيب عنه انكماش وجهها المعدومة زينته على غير العادة ولا شحوبه، شبكت كفيها ببعضهما وقالت بأسرع ما لديها:
-عليك أن تتزوج سلوان!
رفع حاجباً مباغتاً بوقاحتها فصححت:
-أو إن صح القول أنا كوالدتك أود منك الزواج من سلوان.
تقدم بجلسته وناظرها ببسمة ثعبانية تخشاها أكثر من كل شيء:
-لقد فقدتِ حق التودد إليَّ وطلبي بشكل خاص بأي شيء يعنيني.
توتر فمها وأجابته بجفاف:
-لا يحق لك أن تتحدث معي هكذا وأنا أمك.
مط شفتيه وأسبل أهدابه بخبث:
-أن تكوني أمي لا يضعك في دائرة صاحبة الحق وحدك.. كان لي حقوق كثيرة عندك حرّمتها عليّ.
تنفست غاضبة وعدم نسيان منتصر للماضي يرهقها ويتعبها :
-حقًا لست صاحبة حق! لمَ استضفتني عندك.
-لأنكِ وصية ربانية.. أخشى إغضابه فيها.
ارتجفت أناملها كما مستها النيران وأحرقتها:
-إن كنت تخشى إغضاب ربنا افعل ما آمرك به.
تبسم ضاحكًا من قولها:
-أطعكِ لو كان في ذلك خيرًا لي
ردت سريعاً:
-سلوان هي خير لك.
لكنه نفى:
-لكن ما تودين مني فعله.. يشقيني ويشقي غيري!
ملست جبينها بصداع، لا تعلم كيف تشعر بكونها مجبرة فيما تطلبه، لقد جاءت لتطليق لبنى حقًا كيف الآن يحصل معها ما يحصل، بل وكأنها تنتظر اللحظة التي يخذل فيها منتصر حب سلوان ويرفضها، لكنها مهددة والتهديد صعب.. صعب جدًا:
-أجل بني سلوان هي أفضل لك، ألا يكفي أنها ابنة عمك اللواء حسب ونسب وثروة بجانب ثروتك ستغني سلالتك للأبد..
ثم تنهدت بتعب:
-عوضًا عن زوجتك ابنة رد السجون.
انثنى طرف فمه:
-هل هذا يكفي لأن تكون هي الأفضل؟
وافقته بهزة رأس وتابعت:
-أجل منتصر.. انظر إليها.. قوية طموحة، تريدك وترغبك تنافسك في المنصب بدلاً عن لبنى التي اكتفت بشهادة دبلوم.
حك ذقنه وأشعل سيجارته وتجاهل سؤالها الأخير:
-ألا تستحق سلوان فرصة؟
نفث تبغه وجالت نظراته في كل المقهى، تلاعب بحنقها وانتظارها الذي بدا على وشك النفاذ والاحتراق:
-أ تعلمين؟
حرك عقب السيجارة في المنضدة وقال بهدوء وبال رائق:
-لا تتوقفين عن دهشتي في كل مرة.. أتساءل كثيراً أي نوعٍ من الأمهات أنتِ!؟
شهقت وارتعدت فرائصها فالقادم من حديث منتصر سيجرحها كل مرة:
-ألم يخطر في بالك ولو مرة.. أن والدي الذي ارتحل باكرًا وأنا طفل لم أكمل الخامسة كان ليكون قاتلاً مثلاً في مرحلة من عمره.. لكنه توفي.
تفتحت عيناها بصدمة لإشارته لحبها السابق فصرخت به:
-أنا لم أخن والدك ولو لمرة وأنا على ذمته حتى بالشعور.. تأدب وأنت تتحدث معي!
بسط شفتيه بلا تأثر وشرح ببساطة:
-على رسلك أنا لم أتهم أحدًا وأعرف حدودي جيدًا التي لن تعرفيها في تدخلك السافر بامرأتي.
ارتفع تنفسها وحاولت التمسك بأي شيء كيلا تهوي إلا أنه أكمل بلا شعور:
-قدر والد لبنى أن يكون قاتلاً ليدرأ عن نفسه الاتهام في شرفه.
اعتقل بصرها مشدداً على حديثه عله يفهمها:
-ربما لو عاش والدي قد يتعرض لأن يكون قاتلاً لأي سبب كان.
ثم ختم بإقرار:
-وأغدو ابن قاتل مثل لبنى.. ألا تحدث يا أمي؟
تجمعت حبيبات عرق فوق جبينها، تزامنت مع لهاثها الناعم
-وأما عن الفقر.. هل تضمنين كارثة ما تضرب المحال خاصتي والسوق وأصبح معدمًا بلا حول ولا قوة؟!
استقام من مكانه يعلمها بنهاية الحوار:
-نحن لا نختار آباءنا ولا الأحوال التي نأتي بها.
رمقها بنظرة متخاذلة:
-لكننا نمتلك اختيار أنفسنا وكيف نكون.
تنفس وحمل مفاتيحه وعلبة سجائره:
-ثم أنني أريد لبنى بأي حال كانت وكيف تكون.
صرح بمواثيقه:
أنا أحبها أمي..
سكب حبر عشقه كله وأشهر سيفه لمن يحاول التعدي:
- أحبها وأنت تدركين معنى الكلمة، فدعي سلوان تخرجني من رأسها قبل أن أؤذيها.
ثم مد كفه إلى جيب سترته وأخرج منها جواز السفر الخاص بوالدته مع التذكرة برسالة واضحة المعنى وقال:
-أتأسف للطفل داخلي الذي ظنك أمًا.. في حين كنتِ ترسلين سلوان للدجالات لتخربي بيتي.
ترقرقت دموعها بعجز وسألت:
-هل تود ترحيلي!
زفر باختناق وأومأ لها صاداً عن وجهها:
-أتمنى أن لا تأتِ مجددًا..
ثم استدار إليها:
-والآن ستركبين معي سأوصلك للمطار.. وقبلاً ستخبرينني عن ميسم في طريقنا.
تهاوت على الكرسي خلفها ونادته بجزع:
-انتظر منتصر
لم يلتفت فناجته بآخر ما لديها:
-سلوان هددتني بإخبار ريبال عن ميسم!

انتهى الفصل







التعديل الأخير تم بواسطة Lamees othman ; 26-06-22 الساعة 11:29 PM
Lamees othman غير متواجد حالياً  
التوقيع
ست وعشرون نجمة وبضع من سماء روحي معلقة بين ثنايا الأفق!



(وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)

سبحان الله والحمدلله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.❤
رد مع اقتباس