عرض مشاركة واحدة
قديم 07-08-22, 06:47 PM   #340

ريما نون

? العضوٌ??? » 484937
?  التسِجيلٌ » Feb 2021
? مشَارَ?اتْي » 802
?  نُقآطِيْ » ريما نون is on a distinguished road
افتراضي

الفصل التاسع والأربعون

قبل ليلة عقد القرآن بأسبوع.
وقف ساجي بتوتر ينظر لساعة يده كل ثانيه والأخرى في بهو المنزل الذي يقطن به والده وعمته، ينتظر تجمع الآخرين كي يذهبوا معًا لخطبة غسق.
رغم أنه أكد عليهم موعد التجمع الذي يسبق موعده مع سامي بساعتين! لمعرفته بعدم التزامهم بالمواعيد، إلا أنهم تأخروا حتى عن ذلك الموعد!
حاول الاتصال بسراج عدة مرات دون فائدة، منذ نصف ساعة أو أكثر أخبره بأن أمامه خمس دقائق ليصل!
شقته في الحي الذي يوجد به منزل القاسم الجديد.
لأنه يعرفه جيدًا، يكاد يكون واثق بأنه لم يخرج من شقته بعد، فهو يأخذ وقت في تحضير نفسه ضعف الذي تأخذه فرح!
زفر وهو يرمي المحمول على الكرسي وهو يسب، ونادى على والده بصوت عالي.
وضع سليم يده على كتف ابنه وهو يبتسم له بحنان:
- أنا هنا من مدة، أنت الذي لم تلاحظ وجودي بسبب توترك، اهدأ قليلًا يا بني العروس لن تطير!
ضحك إياد وهو يقول:
- من يراك الآن يعتقد بأنك تخطب للمرة الأولى في حياتك وليست هذه الزيجة الثالثة لك!
هدر به وقد قارب صبرهُ على النفاذ:
- إنها مرتِي الأولى فعلًا، كما أن غسق قد تطير لو تأخرنا عن الموعد، هيا بنا لن أنتظر سراج أكثر من ذلك، ليلحق بنا إذا أراد.
- هيا بنا إياد زوجتك جاهزة أليس كذلك؟
أجلى حلقه وهو يحك رأسه من الخلف، في حركة مشهورة عنه عندما يكون متوتر:
- في الواقع سابين متوعكة وقررت أن تبقى هنا بدلًا من الذهاب معنا.
فهم ساجي إنها تتجنب لقاء سراج وفرح؛ ولم يهتم في الواقع، هناك شيء أهم ينتظره، منذ موافقتها على الخطبة وهي تفرض عليه حصار!
لم تسمح له برؤيتها أو محادثتها بالهاتف حتى!
يكاد يجن فهو لم يعد يطيق مرارة البعد عنها، حاول أخذ موعد لطلب يدها رسميًا، لكن سامي ماطل في إعطاءه موعد هو الآخر!
كأنه متآمر معها على زيادة معاناته، حدد موعد بعد أن ضغط عليه ساجي بالمكالمات وحاصره في عمله عدة مرات، لكنه أخبره بصريح العبارة بأن طلبه مرفوض إذا تأخر عن الموعد حتى خمس دقائق!
علم بأن غسق وراء هذا الشرط، لمعرفتها بتأخير سراج وفرح عن المواعيد دائمًا.
نزلت فريده من فوق متأنقة في بدلة كلاسيكيه كالعادة؛ رغم أن ساجي لم يطلب منها الحضور لكنها تصورت بأن حضورها أمر عادي بل مهم بصفتها عمة العريس وخالة العروس.
مال ساجي يهمس في أذن والده دون أن تتغير ملامحه:
- لماذا طلبت منها الحضور؟ تعرف بأنها وغسق لا تتفقان، بل هي تجاهلتها معظم وقت تواجدها في منزل المزرعة، لا أعتقد بان ذهابها معنا مناسب بل إنه قد يكون سبب في رفض غسق لي!
ابتسم سليم وهو ينظر لساجي؛ إنها المرة الأولى التي يراه بها عاشق، عندما أخبره بقراره بالزواج من روبين لم يظهر عليه الحب أو العشق أو حتى الفرح لأخذه تلك الخطوة؛ بل كان هناك تحدي واضح يلمع في عينيه، حتى عندما رفض في البداية فكرة زواجه تلك، لم يدافع ساجي بحجة الحب، بل قال أنه حقه ولن يجعل أحد يفرض عليه شيئًا بعد الآن!
الأمر برمته كان تحدي صريح ومحاولة لإثبات بأنه قادر على اتخاذ القرار لا غير.
صحيح بأنه كان سعيدًا برؤية ابنه البكر عريس، لكنه لم يرى أي سعادة بادية عليه وقتها، فقد كان وجهه جامد بلا ملامح، كأنه في اجتماع عمل!
كما أنه لم يذهب لخطبة روبين معه؛ فقط مكالمة بالهاتف مع خالد أملى عليه الشروط وحدد موعد الزفاف، صفقة عمل بكل المقاييس، أما الآن فهو يرى العشق في نظرات ابنه رغم جمود ملامحه.
- لا بأس يا بُني دعها تأتي معنا، وجودها قد يعزز موقفك كما أن غسق لا تكرهها، هيا بنا حتى لا نتأخر.
رغم اعتراضه لكنه وافق على مضض، ليقود السيارة بنفسه، وصل لمنزل سامي في فترة قياسية وقبل الموعد المحدد بأكثر من نصف ساعة.
لم يهتم لاعتراض والده وعمته؛ ركن سيارته أمام المدخل ونزل أولًا يتبعه إياد وسليم ثم فريدة آخر من نزلت من السيارة.
قبل أن يضرب الجرس وجد سيارة سراج خلفه!
تكهن بأن إياد أخبر فرح بخروجهم ليسرعوا بالقدوم؛ دخل الجميع معًا محملين بالزهور
والهدايا بطريقة مبالغ بها.
استقبلهم سامي ويحيى مع والد يحيى وأحمد ابن سما.
جلس ساجي في الكرسي المقابل للباب كي يراها عندما تدخل، فقد أضناه الشوق لها حتى بدا كمراهق يتلصص ليرى محبوبته.
كان الصالة التي يجلسون بها كبيرة ذات أرضية رخامية باللون الأسود المطعم بالذهبي، وسقف عالي به ثريا من الكريستال الفخم، الأثاث عبارة عن صالون حديث باللون الأبيض ذو الحافة الذهبية راقية، رغم ضخامة المكان إلا أنه كان أنيقًا جدًا، المنزل بأكمله عبارة عن مزيج بين الفخامة والأناقة.
بعد جلوسهم بقليل أحضرت الخادمة قهوة مع قطع من الكيك مزين بطريقة جميلة جدًا؛ ذكره بطرق غسق في التزين، المنزل كله وطريقة تصميمة وترتيبه ذكره بكلام غسق عن منزل أحلامها، عندما أرادت تغيير ديكور منزله في العاصمة لا بد بأنها ميزه تجري في دماء عائلة الديب، وبالطبع تذكر رده عليها بل كسره لها بحجة حمايتها!
خطأ آخر ينظم لسلسلة الأخطاء التي يجب عليه إصلاحها، لكن السؤال هو هل تعطيه فرصه لذلك؟
لم ينتبه حتى للحديث الدائر بين والده وسامي إلا عندما نكزه إياد لينظر له في تساؤل، فأشار إياد بعينيه لسامي الذي كان ينظره له في انتظار إجابة لسؤال يبدو أنه طرحه دون أن يسمعه ساجي!
تنحنح في حرج وعدل من جلسته ليقول بصوته العميق:
- نعم سامي أنا معك، بالطبع تعرف سبب مجيئنا اليوم.
أشار لِوالده:
- هذا أبي سليم القاسم وهذا شقيقي سراج، أما الجالس بقربي فهو أكثر من شقيق بالنسبة لي إياد العلي، ومعي أيضًا عمتي وزوجة اخي، لا ينقص سوى جدي لكن حالته الصحية تمنعه من القدوم.
بتفهم رد عليه سامي:
- شفاه الله.
- لقد أتينا كي نطلب يد غسق، والدة صغيرايَّ مرة أخرى للزواج، فما هو قولك؟
ابتسم الحضور وقال سامي بسعادة واضحة:
- تعرف بأننا نتشرف بمصاهرتك، ومجيئك مع العائلة الكريمة هو شرف كبير لنا.
سكت بعد تلك الجملة الترحيبية ليقع قلب ساجي بين قدميه.
تدخل سليم وقال برزانة:
- لماذا أشعر بأن هذه مقدمة لأمر ليس جيد، هل نفهم منها بأن طلبنا مرفوض وأن غسق رفضت العودة لساجي؟
هذا بالضبط ما كان يفكر فيه ساجي؛ أنها رفضته بعد بعده عنها الفترة الماضية، لا بد بأنها لا زالت تحمله وزر الماضي وما حدث لها.
سارع يحيى ليقول بصوت عالي نافيًا ما قاله سليم:
- لا بالطبع لم يحدث ورفضنا طلبكم، لو كان حدث لما كبدناكم عناء القدوم لهنا! الأمر وما فيه أن العروس لديها شروط وهي مصممة على أن ينفذها ساجي قبل أن تعطي موافقتها.
بصوت عالٍ، واثق، عميق قال ساجي:
- وأنا موافق على جميع شروطها، فلنحدد موعد عقد القران الآن.
- ألن تعرف ماهي الشروط أولًا؟
التفت الجميع للصوت القادم من باب الصالة حيث تقف غسق بكامل أناقتها.
كانت ترتدي فستان أبيض يصل لأسفل قدميها عليه رسومات باللون الأزرق والأصفر، بكم طويل ضيق، وفتحت صدر نصف دائرة، رفعت شعرها للأعلى في تسريحة عادية جمليه جدًا فقد أظهرت بروز وجنتيها، خصوصًا مع هروب بعض الخصلات من تلك الربطة!
لم تضع مساحيق كثيرة على وجهها، فقط ذلك الكحل الغامق الذي يجعله يذوب بعينيها، مع أحمر شفاه غير لامع، ولم تتخلى عن الكعب العالي بالطبع.
قامت فرح من مقعدها لتذهب لها وتحتضنها، وهي تهمس في أذنها:
- دخول مدمر، استمري.
كادت أن تضحك خصوصًا وأن صوتها كان مسموع للجميع تقريبًا!
ألقت التحية على الجميع ثم جلست في الجهة التي يجلس بها سامي ويحيى!
لتكون العائلتين في جهتين متقابلتين.
استأذن سامي وأخذ معه يحيى وأحمد ليترك غسق تتحدث معهم على راحتها؛ أراد سليم فعل المثل لكنها منعته.
- إلى أين خالي؟ يجب أن تعرف شروطِي فأنت في حسبة والدي.
لم تخفى عليه نبرتها الهازئة خصوصًا عند نطقها لكلمة والدي!
بنبره هادئة:
- بالطبع والدك، فأنا عشت معك أكثر منه رحمة الله عليه، والآن نحن تحت أمرك، ماهي طلباتك؟
نقلت نظراتها بينهم دون أن تتكلم لعدة ثواني.
لتقول بهدوء شديد يناقض النار التي تشتعل في عيني ساجي وهي تراها بوضوح:
- لماذا لم تأتي تالين معكم؟
ردت فريدة بغضب مكتوم:
- لأن والدة زوجها أصرت عليهم بأن يذهبوا معها للساحل، هل كان يجب أن تأخذ الإذن منك قبل الذهاب مع عائلة زوجها!
اتسعت ابتسامتها لتقول بنزق:
- تذكرت لقد أخبرتني عن الأمر بالفعل، لا بد أني نسيت!
امتعض وجه فريدة لتنطلق ضحكة صغيرة من فرح لم تقدر على كتمها!
أخذت كوب ماء كي تشرب منه وتكتم باقي ضحكتها.
التفت حيث يجلس إياد وقال متسائلة:
- أين سابين؟ لماذا لم تأتي معك، أردت رؤيتها قبل سفركما.
لا إراديًا نظر لسراج وهو يجيب:
- كانت تود القدوم معنا لكنها شعرت بالتعب لذلك فضلت البقاء في المنزل، سوف أوصل لها سلامك.
هزرت رأسها في تفهم:
- لا بأس سوف أذهب لرؤيتها، فقد ساعدتنا كثيرًا، لولاها لما تحصلنا على المعلومات التي أخرجت سراج من تلك القضية، بل أعادت للشركة سمعتها؛ نحن مدينون لها في الواقع.
رفعت فرج حاجبها ولوت فمها وهي تقول بحدة:
- أي دين ذلك، ماذا فعلت هي؟ مجرد أن أرسلت شقيقها لروبين ببعض الأوراق كي يقنعها بالاعتراف عن المجرم الحقيقي! هي حتى لم تذهب لها بنفسها؛ لسنا مدينين لها بشيء، أما عن شقيقها يمكن لسراج أن يجد له عمل معه.
كلام استفز الجميع وأكثرهم إياد الذي صرخ بها:
- من الذي يجد له عمل؟ هل تعتقدين بأنه ينتظر حسنة منك ومن زوجك! هل نسيتِ بأنه يعمل في شركته الخاصة، وذهابه لروبين من أجل إنقاذ سمعة زوجك لا غير؟ هذا بدلًا من أن تشكريها لأنها أقنعته بذلك، ولعلمك الخاص أنا من منعتها من الذهاب لزيارة روبين في السجن، لكنها وجدت طريقة كي تساعد زوجك دون أن تكسر كلمتي في نفس الوقت.
أمسك سراج يد زوجته لتهدأ ولا تقلب المسألة لشجار كعادتها، ورد على كلام إياد بنبرة هادئة:
- معك حق إياد، زوجتك أنقذت سمعتي ونحن نشكرها هي وشقيقها على ما بذلاه من جهد في سبيل ذلك؛ هل يمكنك أن توصل ذلك لها؟ وأنا سأقوم بشكر شقيقها بنفسي.
كلماته جعلت إياد يهدأ كذلك فرح التي لن تنكر بأن سابين وشقيقها هما من أنقذا سراج من السجن خصوصًا بعد حصولهم على الأدلة التي تثبت تورط وسام وعدد من العاملين في المصنع لصالح شركة كبيرة من دولة أخرى أرادت الاستيلاء على السوق بإزاحة شركات القاسم منه عندما لم تقدر على شرائها!
فهم ساجي بأن غسق تحاول إثارة حنق الجميع، لكنه يخشي السبب في الواقع!
شبك أصابعه ليقول بصوت عميق وملامح جليدية:
- والآن أريد أن أسمع شروطك إذا أمكن.
وضعت ساقًا فوق الأخرى وهي تبتسم بثقة:
- شروط عادية من وجهة نظري، لكن سامي يعتقد بأني أبالغ وأنك لن تقبل بها.
- اتركي الحكم لي فأنا من سينفذ لا سامي.
تعمد نطق اسمه بطريقة مستنكره؛ من هو سامي الذي يقرر إذا كان سيكمل معها حياته أو لا؟!
رفعت حاجبيها وأنزلتهما ببطء ثم قالت بثقة:
- الشروط العادية، مهر ومنزل منفصل، زفاف في نفس المكان الذي أقام به أيهم زفافه.
شهقت فريدة وشحب وجهه سراج؛ ليقول سليم بارتباك:
- لماذا لا نقيمه في الفندق الجديد الذي سيقام افتتاحه بعد شهرين؟ أنه أجمل ولم يقم به أحد زفاف من قبل.
- تعني أن ساجي لم يقم به زفاف من قبل!
أغمض ساجي عينيه وقد شعر بضربة في وسط بطنه تكاد تخرج أحشائه من قوتها،
حتى أن فرح شهقت غير متوقعة لذلك الكلام من غسق.
مرت عدة دقائق عم بها الصمت في الصالة إلا من صوت أنفاسهم، لم يجرؤ أحد على قطع ذلك الصمت، ربما خوفًا أو رهبة، أو خشية لما هو قادم، أخيرًا نطق ساجي بعد أن وجد صوته:
- لا أعتقد أن ذلك هو ما يثير حفيظة سامي، ما هو شرطك غسق؟
تعترف بأنها لم تتوقع منه هذا الهدوء، بالعكس راهنت نفسها بأنه سيذهب بمجرد أن تفجر قنبلة مكان الزفاف أمام الكل وتجعله يبدو بذلك المنظر السيء، لكنه كسب الرهان ولا يزال يقاوم؛ حسنًا سنرى ما هي ردة فعله على طلبها الأخير.
أجلت حلقها ورسمت تلك الابتسامة التي تثير أعصابه على شفتيها، لتتابع بتحدي أكبر:
- في الواقع اقترحت عليَّ صديقة أن أكتب شرط عدم زواجك عليَّ في عقد الزواج؛ لكني لم أحبذ ذلك، أولًا لست متأكدة من إن كان جائز شرعًا، ثم لماذا أتمسك بك إذا فكرت في خيانتي مرة أخرى؟
اتسعت جميع العيون ما عدا عيني ساجي الذي شعر بضربة أخرى وجهت له، أما غسق لم تتأثر أبدًا بل أخذت تراقب ردة فعله باستمتاع واضح.
مالت للأمام قليلًا وهي تنظر له بتحدي واضح:
- لذا قررت أن تكون العصمة في يدي.
وقع فنجال القهوة من يد فرح؛ أما فريدة قامت بالضرب على صدرها، إياد وسراج نظرا لساجي في نفس الوقت بذهول، أما سليم فقد أسند رأسه بكف يده، لأنه تأكد بأن الخطبة قد فشلت ولا أمل في رُجوعهما.
لثواني لم ينطق بحرف، فقط صدره يعلو ويهبط بانتظام وهو ينظر لها، كأن بين عينهما لغة خاص لا يفهمها أحد غيرهما.
دون أن يزيح نظره عنها، قال بصرامة:
- إياد أجل سفرك عدة أيام من فضلك، أريدك شاهدًا على عقد زواجي من غسق.
***********
ليلة عقد القران في المركب
تلتف الأفاعي حول فريستها بقوة، لتشل حركتها وتصيبها بالاختناق ثم تغرس أنيابها بها وتقضي عليها؛ هذا ما شعرت به غسق وهي بين ذراعي ساجي!
أنها تختنق بل إن ضلوعها على وشك أن تسحق، لن تبالغ لو قالت أنها شعرت بأن الجرح أسفل صدرها قد فُتح وعاد ينزف من جديد!
انطلق زر الانذار في عقلها ليخبرها أنها في وضع خطر، نفس الوضع الذي كانت به منذ عدة شهور مضت!
دون أن تفكر لثانية دفعته عنها صارخة وتكورت على نفسها في وضع الجنين.
كانت ترتعش بطريقة واضحة، وصوت صك أسنانها يملأ المكان، ذلك الصوت كان له مفعول السكين التي تمزق أحشائه دون أن ينزف.
رغم معرفة بالاعتداء الذي حدث لها، لكنه لم يكن يعرف أو يتوقع أن تكون هذه هي ردة فعلها، خصوصًا بعد استجابتها له!
غبي! كيف لم يفكر في الاستعانة بطيب ليشرح له الطريقة الصحيحة للتعامل مع وضعها؟!
الآن ليس وقت الندم وجلد الذات، عليه أن يتصرف بسرعة قبل أن تسوء حالتها.
جثى على عقبيه بالقرب منها ودون مقدمات طوقها بذراعيه، قاومته بقوة حتى كاد يقع على ظهره لكنه كان أقوى منها وهو يهمس في أذنها.
- هذا أنا ساجي، اهدئي حبيبتي، اعتذر على تسرعي، أعرف أني السبب، لن أبتعد عنكِ ولن أسمح لكِ بذلك، لن يؤذيك أحد بعد اليوم، أنا هنا.
كانت تقاوم وهو يردد عليها كلماته دون أن يفلتها، بل زاد في ضمها له لتشعر بصدره يعلو ويهبط على صدرها بانتظام كأنهما تشاركا النبض.
لم يتخلى جسدها عن تصلبه؛ لكن عقلها بدأ يعود للواقع رويدًا رويدًا، بقيت في تلك الوضعية لبرهة من الزمن؛ لم يتخلى جسدها عن تصلبه إلا بعد أن تسلل لها إحساس ظنت بأنها نسيته!
إحساسها بأنها مضمومة لقلبه بقوة، بالأمان، الحنان، والحب!
نعم الحب، ضمه لها بتلك الطريقة سابقًا كان يشعرها بحبه الذي لم ينطق به لسانه؛ وضمه لها الآن مع الاعتراف الصريح بحبه أعاد لها نفس الإحساس.
ربما لم تكن تتخيل أو تكذب على نفسها حفاظًا على ماء الوجه كما أخبرتها فرح.
بل إن حبه لها موجود منذ البداية!
دون أن يبعدها عنه مد يده يبحث عن فستانها، عندما وجده جذبه ليلبسها بحذر، كأنه يلبس طفلة رضيعة يخشى أن تتأذى منه.
بعد الانتهاء من ارتداء فستانها الذي أخذ وقت أكثر من اللازم ضمها له مرة أخرى، هذه المرة كانت مسترخية نوعًا ما لكنها لم تبادله العناق.
مرر يده على وجهها الذي بدأ يعود إلى لونه الطبيعي، ليقول وعينيه لا تحيد عن عينيها:
- أحبك، نيابة عن كل عناق فاتنا، وكل مسافة منعت يداي من ملامسة وجهك.
تسلل ذلك الشعور اللذيذ إليها، شعور لم تعتده بعد، فهو حديث عليها، عشق ساجي الذي ظهر مؤخرًا لها؛ لترتسم ابتسامة حنون على وجهها، تعلمه بأنها أصبحت أفضل.
أخرج تنهيدة عميقة ليوقف بها خوفه من ما حدث، وقال مبتسمًا:
- هل نكمل طعامنا أم تودين العودة للبيت؟
بصوت حاولت بث القوة فيه:
- لا شهيه لي، كما أني متعبة أود العودة للمنزل.
لم يجادلها، لكنه لم يتركها ايضًا؛ فقد حرص على أن تكون بقربه وهو يدير الدفة للعودة للمرسى مرة أخرى، ثم أعادها لمنزلها وأصر على البقاء معها خصوصًا وأن الطفلين قضيا ليلتهما عند تالين.
عند دخولهما للشقة اتجهت غسق ناحية غرفتها ليوقفها صوت ساجي:
- هل أحضر لك الحمام؟
التفت له وقد علا ملامحها الاستغراب!
- لا تستغربي هكذا، منذ ترككِ لي وأنا من يجهز الحمام لقد أصبحت بارع في خلط الزيتون وكرات الفقاقيع، أعتقد هذا هو اسمها! هل تريدين التأكد سوف يريحك بعض التدليك في الاسترخاء!
حاجبها الذي وصل لمنبت شعرها وطريقة وقوفها وهي تضع يدها في خصرها أخبرته بالجواب ليقطع هو كلامه فورًا.
نظف حلقه في حرج:
- كان مجرد اقتراح فاشل، انسي الموضوع.
هزت رأسها وهي تكتم ضحكة كادت أن تفضحها لتدخل لغرفتها وتقفل الباب خلفها!
أما ساجي فقد قرر صنع كوب من القهوة لنفسه وجلس ينتظرها في الصالة حتى تخرج من غرفتها، وهو يقلب في هاتفه عن الموضوع عله يجد طريقة صحيحة للتعامل مع وضع غسق.
دخلت غسق لغرفتها ومنها إلى الحمام لتفتح المياه وتدخل أسفلها بكامل ملابسها.
جعلت المياه الساخنة تنسكِب عليها لفترة ثم خلعت ملابسها وخرجت من الحمام لترتدي ملابس مريحة، ثم بحثت عن هاتفها فلم تجده، خرجت من غرفتها لتبحث في الصالة علها تركته هناك عند دخولها، لكنها فُوجئت بساجي يجلس على كرسي.
- لازلت هنا؟!
- لماذا لم تذهب بقاءك لا معنى له، كما أنه لا يجوز نحن لم نتزوج رسميًا بعد.
رفع عينيه من شاشة هاتفه يلاقي خاصتها وهو يقول بخبث:
- ليس رسميًا؟! متأكدة من ذلك؟
اشتعل وجهها بحمرة الخجل، لتبعد عينيها عنه وهو تقول:
- أعني لا يعرف به سوى عائلتنا؛ الوضع هنا مختلف عن الخارج لا أريد أن يظن بي أحد سوء.
- ومن أخبرك بأن خبر زواجنا سر؟ لقد أعلنت عنه في موقع الشركة ومعظم المواقع الالكترونية أعلنت عنه بدورها؛ كما صرفت للعمال نصف شهر هدية بمناسبه عقد القران؛ لا تقلقي على سمعتك فهي بأمان معي.
لا تعرف إذا كان عليها ضربه أم تقبليه! كل ما تعرفه هو أنها باتت تعيش معه كل يوم شعور جديد يعزز ثقتها به وبمكانته في حياتها.
دق الباب لينهض ساجي من مكانه ويفتحه، أخذ الأكياس من البواب ثم أغلقه ودخل للمطبخ، بعد قليل خرج وقد حضر بعض الشطائر والعصير لهما؛ أخذت منه الشطائر وراقبته وهو يجلس مقابلًا لها ويأكل في صمت، بعد ذلك لم تنتهي ليلتهما بعد، بل اكتشفت أنه طلب من البواب إحضار الورق!
لم يمر وقت طويل حتى جهز الطاولة ليلعبا عليها، كانت مستمتعة جدًا رغم أنه لم يكن هين معها في اللعب أو يتركها تفوز بسهولة كما توقعت منه.
آخر شيء تذكره بأنها خيرته إما أن يحضر معها فيلم رومانسي تعلم بأنه يمقته، أو يذهب لمنزله، اضطر للرضوخ ومشاهدة ذلك الفيلم معها، وهو يتأفف بصوت عالي حتى كادت تطرده أكثر من مرة؛ استيقظت صباحًا لتجد نفسها مغطاة فوق الأريكة التي نامت عليها دون أن تدري؛ في نفس المكان الذي كانت تجلس فيه ليلة البارحة، جالت بعينيها تبحث عنه فلم تجده لكن رائحة الطعام المنبعثة من المطبخ أخبرتها بأنه لم يذهب بعد.
أسرعت لغرفتها على أطراف أصابعها كي لا يسمعها لتعدل من شكلها قبل أن تعود مستلقيه في نفس المكان.
خرج من المطبخ وهو يدندن لحن لأغنية شهيرة، اقترب منها بصوت هامس:
- غسق، غسق، أفيقي لقد طلع النهار، لقد حضرت الإفطار هيا نأكل قبل أن نذهب ونحضر الطفلين من تالين.
فتحت عينها ببطء مدعية النعاس:
- ألازلت هنا؟ لماذا لم تذهب بعد أن غفوت؟ ولماذا لم تحملني للداخل بدل من النوم على الاريكة الذي يؤلم ظهري؟
رغم شعوره بالإحباط، تمسك بقناع البرود على وجهه:
- لم أحملك حتى لا تفيقي وتحدث لك نوبة أخرى! والآن هي قومي لنأكل وبعدها نتحدث.
اعتدلت في مكانها، عدلت شعرها بيدها، ثم قامت لتدخل غرفتها أمام ناظريه اللذان يودان التهامها.
لم يمر كثير لتجده يدق باب غرفتها وهي تتهيأ للصلاة.
أخذ سجادة الصلاة من يدها ليضعها بالعرض وهو يتقدمها للصلاة:
- هيا كي نصلي معًا.
لم يعطيها فرصه للرد، ردد الآذان وبدأ الصلاة لتتبعه بصفاء نفس لم تعشه منذُ سنة مضت.
على مائدة الطعام كانت غسق لا تزال متوترة من ليلة البارحة، خصوصًا أنها لم تنجح حتى الآن في الاتصال بطبيبتها بعد!
دون إرادة منها كانت أصابعها تطرق على الطاولة ليرفع ساجي عينيه لها فتوقفت عن النقر وازدردت ريقها:
- ساجي أريد العودة لمنزلي، أعتقد هناك طائرة غدًا أو بعد غد، سأعود بها مع الطفلين.
شعر باللقمة تقف في حلقة لدرجة جعلته يسعل ليقدر على التنفس.
قامت غسق من مكانها في فزع وهي تناوله كوب الماء ليشرب منه، أخذ نفسه بعد أن ارتشف وهو يمسك بيدها ثم أجلسها على ركبته ومرر يده على جانب وجهها:
- هل خفتِ عليَّ؟
تابع وهو يغرس رأسه في رقبتها يشتم عطرها دون أن يمس بشرة رقبتها:
- لم أشعر قبلًا بأن حياتي مهمة لكِ؛ مرت عليَّ لحظات كنت أرى فيها الكره في عينيكِ، بل أكاد أجزم بأنكِ كنتِ تتمنين موتِي.
شعرت بقبضة تعتصر قلبها حتى كادت تمزقه من قوتها، لن تنكر بأنها تمنت له الأذى، تمنت أن يعاني مثل ما عانت هي، وربما، ربما في لحظه غضب ويأس تمنت موته!
لكنها لم تعرف بأنها أوصلت له شعورها، هذا ما آلمها بحق.
أغمضت عينيها لدقيقة حتى لا تذرف دموعها، واستعانت بتقنية اليوغا لتعدل من تنفسها، لتقول بعد برهة:
- كف عن ذلك، تعرف بأنه غير صحيح؛ والآن سوف أحجز على اقرب موعد للسفر.
كانت عينيه تغوص في خاصتها لمحاولة كشف حقيقة ما تقوله دون جدوى، عادت لتلك الحالة من الجمود؛ حيث لا يستطِيع قراءة ما بداخلها مهما حاول.
- هل هو غير صحيح بالفعل؟
بدل من أن تجاوبه أخذت قطعة من الخبز والجبن السائل ثم وضعتها في فمه وهي تبتسم له.
استقبل منها اللقمة بعد الأخرى دون أن يحررها من على فخذيه، ولم تحاول هي التحرر
للانتهاء من الافطار الذي لم يذق ألذ منه يومًا، والانتهاء من إعادة كل شيء لمكانه.
- غسق لا أمانع سفرك بالطبع لكن يجب أن تعرفي بأن هنا منزلك، كما أن السفر لن يكون غدًا!
أرادت أن تعترض، لكنه أوقفها بحركة من يده وهو يقول بسرعة
- القانون في الخارج يمنع سفرك مع أكثر من طفل وهو في عمر أقل من سنتين؛ لذلك يجب أن يرافقك شخص آخر، وبما أن من الواضح أنكِ لا تريديني معكِ، الحل الأفضل هو حكيم وتالين فقط انتظري حتى أخبرهما وتذهبون معًا.
زمت شفتيها في عدم رضا:
- معك حق، لكن يجب أن أسافر في أقرب وقت، لا أعتقد بأن حكيم يمانع العودة المشكلة في تالين، هي من تريد البقاء حتى تتحسن حالة زوجة خالي رغم أن الأطباء أخبروها بأن ذلك مستحيل.
شعرت باهتزاز في حدقتي عينيه، لابد بأن موضوع والدته يؤلمه، تبقى أمه مهما فعلت، هي أكثر من يفهم ذلك.
وضعت يدها على كتفه:
- ادع لها هذا ما تحتاجه الآن.
التفت لها ووضع مقدمة رأسه على رأسها دون أن يتحرك لعدة ثواني، كم يرغب في ضمها لها وتقبيلها حتى تذوب بداخله، لكنه يعرف بأن هذه الخطوة لازالت بعيدة، بعيدة كبعد السماء عن الأرض.
***********
في الخارج
أغلقت سارة الخط بعد مكالمة طويلة، لتجد عمر يعمل على حاسوبه بجانبها وهو يضع سماعات الأذن، اقتربت منه وازالتها وهي تقبل رأسه.
- اعتذر حبيبي لقد طالت المكالمة وضاع موعد الفيلم الذي تود أن نحضره في السينما.
ابتسم لها:
- لا تهتمي؛ مودة صح؟
هزت رأسها في إيجاب ليتابع:
- ألا زالت تعاني؟ كنت أعتقد بأن حالها أصبح أفضل بعد أن ابتعدت عن زوجها وبدأت العلاج.
ردت بألم:
- تعنيف نفسي وجسدي لسنوات طويلة لا يمكن أن يعالج في شهور! الأمر يتطلب مستشفى كامل، كما أنها تريد تغيير طبع أولادها في يوم وليلة وهذا مستحيل طبعًا، جيد بأنهم لايزالون معها، لم يتصلوا بوالدهم.
باستنكار واضح قال عمر:
- لا أفهم كيف يقوم الأهل برمي ابنتهم هكذا، بدلًا من أن يقفوا معها الآن بل هم مصدر خوفها الأكبر بعد زوجها.
- معك حق هي تخشي منهم أكثر منه، لذلك لا تجرؤ على العودة للوطن، مع أني أعتقد بأن حالها هنا أفضل، لكنها تكره كل شيء هنا وهذا ما يزيد مأساتها تلك المسكينة.
- حاولي معها سارة وأنا ربما أقدر أن أتواصل مع أبنائها أو أجد لهم مكان جيد يفرغون به طاقتهم بدلًا من السجن الذي تحيطهم به.
- لا تقلق افعل ذلك، وادعو الله أن يريح بالها، فهي ضحية.
تابع ما يفعله على الحاسب، لتدخل للمطبخ وتجهز وجبة سريعة لهما؛ بعد قليل كانا في أمام التلفاز يتناولان ما حضرته ويشاهدان أحد البرامج المفضلة لعُمر.
عدلت ساره جلستها، وقالت بهدوء ممزوج بنبرة تردد:
- عُمر ألم تفكر يومًا في الحصول على أبناء؟
عقد حاجبيه:
- أبناء! من أين أتيتِ بهذا الكلام العجيب؟ والآن بالذات!
عدل من وضعيته ونظر لها:
- هل تحدثت معك أمي في هذا الموضوع مرة أخرى؟
- لا أبدًا هي لم تفعل منذ مدة، أنا من أفكر في الأمر، هذا حقك وإذا كنت تريد إنجاب أطفال أنا لن أمنعك، حتى لو قررت الزواج سوف نجد ح..
- واضح أن انقطاعك عن العلاج جعل عقلك يصاب بعلة في التفكير!
تنهد وهو يمسك يدها:
- سارة أنا لم أهتم بهذه المسألة في حياتي، بل أكاد أجزم بأني لم أتمني يومًا أن أنجب طفل، إنجاب طفل وتربيته أمر صعب جدًا، بل هي مسؤولية لا أعتقد بأني أهل لها، وهذا أحد الأسباب التي دفعتني للبحث عن عمل خارج البلاد.
نظرت له في حيرة غير مستوعبه ماذا يقصد.
ليجيب حيرتها:
- في البلاد المجتمع يفرض عليك طريقة حياتك، يجب أن تتخرج من كلية معينة أو أنت فاشل، يجب أن تعمل في مهنة معينة أو لا يجدي عملك شيء، يجب أن تتزوج في سن معينة أو أن بك عيب، يجب أن تنجب ذكور لا إناث أو تتزوج على زوجتك، يجب ويجب، مُجتمع مُعاق، مُعيق، يُعيق، يحسب النجاح بالمسطرة، ولا يعطيك فرصة في الإبداع أو حتى اختيار الحياة التي ترغب بها، صدقيني يا سارة لم أرد الانجاب منذ البداية وإن لم تأخذِي حبوب منع الحمل من نفسك، كنت طلبت منكِ أنا أن تفعليها.
ليست متأكدة إذا كان صادق، أو يكذب عليها حتى لا تشعر بتأنيب الضمير، لكنها متأكدة من شيءٍ واحد، عُمر يجعلها تقع في حبه كل يوم من جديد؛ كأن الأرض خلت من كل البشر إلا منه.
وضعت رأسها على صدره تستمتع بصوت دقات قلبه التي كادت تفقدها، وتركت أمرها وأمره بيد الذي لا يغفل ولا ينام، وحده قادر على تسير الامور وجعل المستحيل ممكن.
**********
بعد عدة أيام كانت غسق والطفلين في المطار مع حكيم وتالين وطفلها، ساجي لم يتركها منذ ليلة عقد القران، لكنه لم يقم بأي خطوة جريئة كأنه خائف من ردة فعلها، فقط بعض القبل، بل الكثير منها في الواقع والأحضان، لكنه لم يتجاوز معها، عندما ينجرفان في قبلتهما هو من يتوقف!
في المطار لم يختلف الوضع كثيرًا؛ قبل دخولهم لإنهاء الاجراءات طلب منها أن تأتي معه كي يريها أمر هام بالعمل في سيارته!
استأذنت من حكيم وتالين وتركت تيم وتيام معهما لتذهب معه، بعد عدة خطوات وجدته يدخلها لغرفة جانبية تبدو بأنها تخص المنظفين! ليقفل الباب بقدمه ثم يديرها لتكون مواجهه له وظهرها لباب الغرفة.
لم يعطيها فرصه لتشهق أو تستنكر حتى مال يلتقط شفتيها التي لا يرتوي من الشهد الذائب بهما مهما نهل منه.
لكنها دفعته عنها بسرعة وهي تلهث، لتقول بصوت حاولت جعله حازم:
- توقف ساجي، سوف تصيب شفتي بانتفاخ مثل كل مرة، وعندها سيعلم الجميع ما كنا نفعله منذ قليل.
أخذ يمرر سبابته على شفتيها اللتان بدأتا فعلًا بالانتفاخ وهو يقول بعبث:
- وماذا كنا نفعل؟ لقد نسيت هل ذكرتنِي؟.
مال ليقبلها من جديد، لكنها لفت وجهها فنزل يقبل رقبتها!
دفعته عنها مرة أخرى فقد أشعل نار الرغبة بداخلها بتلك الحركة:
- ساجي لا أمزح، توقف وإلا.
أطلق ضحكة عابثة وهو يضمها له بعد أن احمر وجهها بشدة:
- حسنًا لن افعل شيء حتى تعودي لا داعي للتهديد.
رفعت رأسها له وقالت في توجس:
- لماذا كنت تعتذر يوم اليخت؟ أعني أذكر بأنك قلت أنك السبب!
- السبب في ماذا؟
منذ ذلك اليوم وهي تسأل نفسها ذلك السؤال دون أن تجد إجابة مرضية! جزء منها يقول بأنه يعرف ما حدث ولذلك يعتذر، وجزء آخر لا يريد التصديق، حاولت سؤاله أكثر من مرة لكنها كانت تخشي من الإجابة دائمًا!
ضم رأسها لصدره وهو يقول في هدوء:
- لأني تجاوزت حدودي معك، أعرف بأنك تريدين زفاف لم تحضي به من قبل وأنا كدت أن أفسد عليكِ ذلك؛ كما أني وعدتك سابقًا لا إجبار بعد اليوم في أي شيء في حياتنا.
ترغب في تصديقه لكن شيء بداخلها لا يصدقه:
- هل أنت متأكد من أن هذا هو السبب فقط؟
أبعدها قليلًا لينظر في عينها:
- لا ليس الوحيد، في الواقع أريد أن أعيش معك فترة الخطبة بكل حذافيرها، فأنا لم أعشها من قبل.
رفعت حاجب الشر لتقول بين أسنانها:
- لم تعشها من قبل! ماذا عن خطبتك لروبين؟
انقلبت ملامح وجهه للغضب وهو بقول:
- لم تكن خطبة بالمعنى المعروف تعرفين ذلك؛ غسق أنتِ الأولى في قلبي ولم يدخله أحد آخر سوى أشيائك.
رغم أن كلماته لمست قلبها لكنها عاندت كعادتها:
- لا أصدقك منذ متى؟
- منذ أن أسقيتِ أضلعي بكِ فنبتت قلبًا متيمًا بكِ، الأمر تعدى كونه حب لقد أصبحتِ جزءً مني.
شعرت بنفسها تكاد تذوب بين يديه فعدلت من هندامها، وقالت بصرامة كاذبة:
- لو بقيت اسمع غزلك لن ألحق برحلتي.
فتح لها الباب وخرج مجبرًا حتى لا يرغمها على البقاء وإلغاء السفر.
- تعرفين لولا أنكِ ورطتني في العمل بتلك العقود وتخليكِ عن الادارة، لما تركتك تسافرين وحدك، فنحن لم نسافر معًا في رحلاتنا المسروقة من الزمن منذ مدة طويلة.
ضحكت في مرح وهي تخلل أصابعها بين أصابعه:
- لن تتغير أبدًا، ليكن في علمك لن نقدر على فعلها مثل السابق، لأن هناك طفلين يجب أن نأخذهما معنا.
توقف عن السير وهو يعقد حاجبيه وردد في صدمة:
- نأخذهما معنا! لا يمكن فما أريد فعله هناك لا يجوز لهم مشاهدته.
وضعت يدها على فمه:
- يا إلهي لم نتم زواجنا بعد وهو يخطط لذلك! انتظر بعد الزفاف وبعدها نتفاهم ونجد حل وسط.
- لا حلول وسط سوف أعين لهم مربية أو أي أحد؛ تلك الرحلات حقي ولن أتنازل عنها.
هزت رأسها وكانت قد وصلت لحكيم وتالين وهي تهمس:
- جُن الرجل.
كأنهم سيهاجرون للأبد وليست سفرة لشهر أو أقل، كان وداعه لهم حارًا، حتى أنها فكرت في إلغاء السفر، خصوصًا بعد أن انفجر الطفلين بالبكاء بعد أن دخلوا لمنطقة الإجراءات وبقي ساجي في الخارج يلوح لهم.
أما الرحلة فقد كانت أصعب بوجود ثلاث أطفال لم يكملوا العام، لكنها ارتاحت بعد أن وصلت لوجهتها، فقد اتصلت بالمربية قبل عدة أيام لتعلمها بقدومها.
****
بعد أن استعادت نشاطها في اليوم التالي ذهبت مباشرةً للاجتماع، وللصدفة كانت مشتاقة للجميع وهن كذلك.
قصت عليهن كل ما حدث بالتفصيل، حتى مشاعرها وخوفها من إتمام أمر الزواج وما يتبعها من علاقة جسدية.
خلعت الأستاذة نظرتها وهي تقول باستغراب:
- هل تعنين بأنكِ لم تقيمي أي علاقة حميمية طول الشهور التي مضت؟ أعني أعرف بأنه من الصعب علينا الدخول في علاقة جدية أو قصه حب، لكن حتى علاقة عابرة!
نظرت لها غسق وقد رفعت حاجب وأنزلت الآخر دون أن تجيب.
لتقول أم الأطفال:
- (جي) اصدقيني القول ولا علاقة، أعني أعرف الأمر صعب مع الأطفال، لكن ألم تنجذبي لأحد في البار أو في مكان لتفرغي رغبتك به.
انتابها شعور بالقرف فجأة:
- افرغ ماذا؟ هل أنا قطة في موسم التزاوج؟ ثم ماذا تعني علاقة عابرة؛ كيف أسلم جسدي لأي شخص هكذا.
كانت تريد أن تسمعهم المزيد من الكلام الذي يجعلهن يعرفن قيمه أنفسهن لكنها تذكرت فرق الثقافات لتزم فمها بقوة كي لا تقول أكثر.
هنا تدخلت الطبيبة:
- هدوء من فضلكن؛ أولًا لا تنسوا بأن غسق عربية ومسلمة، تربيتها تختلف، لن تقيم علاقه عابرة، ثانيًا لنبدأ بما حدث لك عندما قاربتِ من إقامه أول علاقة جسديه لكِ بعد الاعتداء، الأمر الجيد هو وجود الرغبة، الأمر السيء هو تذكر ما حدث وأنتِ مع شريككِ وهذا تفسيره أحد أمرين؛ إما أن تكون هذه آثار ما بعد الصدمة كما أعتقد ويمكن علاجها بعدة جلسات.
سكت لتشعر غسق بالقلق يعتريها، فقالت تحثها على الكلام:
- وما هو الاحتمال الآخر؟
- الاحتمال الآخر هو أن يكون بداخلك كره لساجي وتحميله ذنب ما حدث أكثر من آدم، لذلك يرفض جسدك إتمام المهمة؛ ولو كان الأمر كذلك فلن تقدري على الزواج منه وسوف أطلب منك بصفتِي طبيبتك النفسية أن تنفصلي عنه.

نهاية الفصل


ريما نون غير متواجد حالياً  
التوقيع
ريما معتوق رواياتي
غسق الماضي
س وس
سيل جارف
رد مع اقتباس