عرض مشاركة واحدة
قديم 15-08-22, 08:10 PM   #576

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
1111 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة العشرون: القسم الخامس

في نفس التوقيت تقريبا، تحركت شابة جميلة بخطوات متسللة صوب غرفة معينة داخل قسم جراحات العظام بالمستشفى..
كانت تسير بتحفز وخفة وعيناها تبرقان بمشاكسة، ولا تفكر في شيء سوى الاقتصاص لنفسها من آخر مقلب دبره لها، وكاد أن يصيبها بذبحة صدرية من الرعب الذي شعرت به وقتها..
لقد جعلها بمشاكسته تبدو كحمقاء ساذجة بحيلته الخبيثة قبل نحو أسبوعين، حين أخبرها أنه قد أحضر لهما طعاما، وطلب منها أن تستخرج صندوق الغداء من الثلاجة الموجودة بغرفة مكتب الدكتور حسن..
لن تنسى أبدا حالة الذعر التي انتابتها حين فتحت الثلاجة يومها، لتجد بداخلها صندوق صغير لحفظ المثلجات مطبوعا عليه بالخط العريض (أعضاء بشرية) وبخط أصغر تحتها (طازجة ومضمونة.. تم استئصالها للتو من جثة ساخنة)..
للحظة، ظنت أن الصندوق يحتوي مثلا على كلية أو عين أو أي عضو من متبرع، رغم أنها لم تفهم سبب وجوده داخل ثلاجة غرفة الدكتورة حسن، لكن الخوف انتابها حينما تفحصت أرفف الثلاجة جميعا، ووجدتها فارغة إلا من هذا الصندوق..
(أين ذهب الطعام؟).. سألت نفسها محتارة، قبل أن تعاود أنظارها الاستقرار على ذلك الصندوق.. أخذت ترفرف بعينيها، غير مستوعبة لما قرأته، وبرغم التوجس الذي وقر بقلبها، إلا أن فضولها غلبها لتعرف ما بداخله، فمدت يدها تخرجه بأنامل مرتعشة، ثم شرعت تفتح غطاء الحاوية لتتفحص محتوياته بأنامل مرتعشة، لتصرخ هلعة عندما وجدت بداخله يد بشرية منتفخة بلون بنفسجي داكن تحيط بها الثلوج من كل الجهات..
ومع ارتفاع صرخاتها المرتعبة، تعالت ضحكات صاخبة من خلفها، فالتفتت ذكرى وهي تضع يدها على قلبها تنشد الهدوء لنبضاتها المتسارعة، فأخذت تتمتم بآية الكرسي وهي تحاول استعادة السيطرة على أنفاسها وازدراد ريقها بعد أن شعرت أن قلبها سيقفز من حلقها من أثر الصدمة، بينما تراقب ذلك الذي يقف أمامها متجردا من مكانته العلمية وسنوات عمره التي شارفت على معانقة الثلاثين.. يقف أمامها هانئا مرتاح البال، شديد الثقة يضع كفيه داخل جيبيّ سرواله، ويضحك..
يضحك من قلبه، ليبدو طفلا صغيرا مشاكسا في ساحة اللعب قد قام لتوه بأكثر مشاغباته إزعاجا، لكنه لم يكترث لأنه قد نجح في إحراز نقطة ضد خصمه..
بلحظة، تبدد ذعرها وهرب معه غضبها.. بهجته انتقلت إليها تلقائيا، لتبادله الضحك بسبب نجاح مزحته الطريفة، خاصة بعد أن اقترب منها وأمسك باليد المستقرة أعلى قطع الثلج، لتكتشف أنها عبارة عن قفاز بلاستيكي أرجواني اللون، منفوخ بنسبة معينة ليحاكي شكل اليد البشرة المتورمة..
يرفعه أمامها بتحفز وعينيه تلمعان بفخر طفولي، وهو يهمس لها بظفر: "نقطة جديدة لصالحي يا آنسة"..
يومها، أقسمت ذكرى على أن ترد له المزحة، بأخرى أكثر مشاغبة وأشد رعبا..
(لنرَ يا دكتور آدم.. من منا سينتصر؟؟).. تتوعده وتقسم على الانتصار والظفر لتكتسح سجل مشاغباتهما حتى تكون لها الغلبة واليد العليا..

واليوم، حان موعد الانتقام بعد أن ظلت هادئة لنصف شهر كامل حتى ينسى تماما نيتها في الانتقام.. ستقدمه له باردا على طبق من فضة، لتستمتع بمشاهدته يعاني ذعرا، وكأنها تتناول المثلجات الصيفية المنعشة بأحد نهارات أغسطس الحارة..
أخرجت ذكرى من حقيبتها فأرا رماديا مزغبا صغيرا، كان قد استرعى انتباهها حين سقطت أنظارها عليه بالصدفة داخل متجر للهدايا وسط عشرات الدمى القطنية.. كان يقبع في مؤخرة رف جانبي للعرض، ربما لأن منظره مخيف إذ كان مجسما بالحجم الطبيعي ويشبه الفأر الحي تقريبا فيصعب التفريق بينهما، وبالتالي لن يتجاسر أحد على شرائه لطفله..
وقتها، التمعت برأسها الفكرة سريعا، فقررت أن تشتريه فورا تمهيدا لتنفيذ مقلبها الذي أجلته لفترة كافية، حتى يظن الدكتور آدم أنها قد نست تماما أمر الانتقام..
تحركت ذكرى صوب غرفة مكتبه، وطرقت الباب، فأذن لها بالدخول، فدلفت إلى الداخل بخطوات اعتيادية، تدس كفها الذي كان يحتضن الفأر بجيبها، تخفيه عن أنظاره..
تبادلا الحديث لبضع دقائق كما تعودا.. أخذ يسألها عن خططها بعد إنهائها لدراستها الجامعية، خاصة وأنها ستترك أيضا العمل لدى الدكتور حسن قريبا، لأنها تريد العمل في عيادة أو مستشفى تخصصي لأمراض القلب لتزيد مهاراتها وتجهز لرسالتي الماجيستير والدكتوراة..
كم يعجبه طموحها واعتمادها على نفسها.. يغبطها كإنسانة ملهمة تنتصر على ظروفها الصعبة دون أن يمد لها أحد يد المساعدة.. ويتمنى لو كان يمتلك نفس مثابرتها وإقدامها..
أحيانا يسأل نفسه.. (هل لو مر بنفس ظروفها، أكان ليصر على تحقيق أحلامه فيعاند ويكافح من أجل تلوين حياته بألوان منعشة، أم تراه كان ليستسلم أيضا لوضعه الاجتماعي والاقتصادي، كما يفعل حاليا!!)..
استمر يحدثها بتلقائيته المعتادة، وعيناه تشعاه بالتقدير ، لكن قلبه الوجل يخفق بتسارع، يذكّره أن تجمعاتهما الاعتيادية هذه لن تدوم طويلا، خصوصا إذا تم إعلان خطبته..
للمرة التي لا يعرف عددها، سأل آدم نفسه.. (هل ما يشعره تجاهها هو الحب فعلا؟ أم مجرد ارتياح وتعوّد؟؟)
هل عليه أن يتمرد ويعلن العصيان؟ أم يلتزم بخطط العائلة لأجله؟؟..
والدته تعرف الأفضل له.. صحيح؟
كم سيشتاق لصداقتها.. لاهتمامها..
ذكرى كانت الإنسانة الوحيدة التي تسأله دوما عما إذا كان جائعا؟ ظلت دوما تطعمه بعضا من طعام والدتها المنزلي الشهي..
كانت تلك الأصناف الشعبية - على بساطتها مقارنة بأغلى الأصناف التي تعدها الطباخة في منزل عائلته – هي ألذ ما تناوله في حياته.. فأهم ما كان يميزها ويجعل طعمها الشهي يلتصق بذاكرته، أن والدتها صنعتها بالحب، لكي تسعد ابنتها وتدللها برغم حالتهما المادية المتواضعة..
وكم سيشتاق لافتعال المقالب والمزحات الطريفة بها.. كم كان يحب النظر لوجهها المستدير عندما يتغضن وتكسوه دكنة مؤقتة تحت وطأة الخوف، أو يتورد فرحا وبهجة بفعل تصرفاته الصبيانية المشاكسة..
لم تتذمر يوما من تصرفاته وتنعته بالتفاهة وعدم النضج، بل كانت تتقبل هذا الجانب منه برحابة صدر.. وكأنها.. وكأنها..
وكأنها معه تعود أيضا طفلة صغيرة.. تعوّض بعضا مما حُرمت منه في نشأتها بسبب تخاذل والدها وإهماله ومرض أمها المفاجئ..
طفلة تترك العنان لروحها المقيدة لكي تحلّق بحرية في سماء رحبة لا تخضع لاختلاف لظروف والفروق الطبقية والاجتماعية..
لم ينتبه آدم خلال شروده، أنها قد تصنعت إحضار شيئا من خزانة السجلات القابعة جوار مكتبه، حيث أسقطت الفأر الصغير بخفة بالقرب من موضع قدمه، قبل أن تعود لمقعدها وتناظره بوداعة، تحتجز داخل أسوار مقلتيها حماسها للحظة انتصارها..
سألها آدم من جديد: "هل تريدين أن أطلب من أحد أقاربي أن تعملي لديه بدوام كامل؟ هناك حوالي أربعة أطباء استشاريين لأمراض القلب داخل عائلتنا كما أذكر"..
ردت ذكرى: "لا.. لم أحدد خطوتي التالية بعد.. أريد أن أفكر أولا فيما سأفعله تاليا.. حتى أنني قرأت بعض الإعلانات المبوبة التي تطلب ممرضات رعايات مركزة للعمل بالخليج"..
لا تدري لماذا أعلنت له عن هذا الأمر.. هي فعليا لا تفكر في المغادرة ما لم يكن الأمر هو الخيار الوحيد المتبقي أمامها، كما لا تظن أن والدها سيوقع لها على أوراق الموافقة الخاصة بسفرها كونه ولي أمرها..
هل تنتظر منه رد فعلٍ معينا؟
ورغم أنها لم تجد إجابة واضحة لسؤالها، ثبتت أنظارها عليه تحاول استقراء رد فعله..
اكفهرت ملامح آدم لثوانٍ، لكنه استعاد هيئته البشوشة، وقال ممازحا: "تحبين المغامرات والخطر"، بنبرة شابها اللوم الذي لم تستطع تفسيره..
تنهدت، ومدت يدها تحرك خصلة شعر عنيدة وقفت بين عينيها تشتت أنظارها، ثم ردت بثبات: "أعيش بقلب الخطر.. تآلفت معه.. لكنني لا أحبه"، ثم نهضت بقصد المغادرة بعد أن أصابها إحباط مفاجئ، لكنها للحظة، قررت أن تتبع الهدف الذي جاءت إلى هنا أساسا من أجله، لذا تحركت خطوة، ثم استدارت تناظر أرضية الغرفة بتدقيق مدروس، وكأنها تتأكد من شيء لمحته عرضا حين نهضت، بعدها رسمت على ملامحها تعبيرات مصدومة، ثم صرخت بهلع: "فأر.. فأر يا دكتور.. بجوار قدمك"..
نهض آدم مندفعا فسقط كرسيه خلفه، بينما اصطدم جانبه الأيسر بحافة المكتب بعد أن تراجع مذعورا يحاول الاحتماء خلف الخزانة المتاخمة للمكتب، بينما رفع كفيه يثبت نظارته الطبية التي شعر باهتزازها وميلها للسقوط إثر اندفاعه المرتعب..
أما ذكرى، فقد تحركت بثبات صوب البقعة التي لاحظ آدم أن الفأر يقبع بها مرابطا، وشاهدها تميل لتسحب الفأر من ذيله، بينما تجحظ عينيه ويضم قبضتيه إلى فمه وكأنه يمسك نفسه بالكاد عن الصراخ أو التقيؤ مع ازدياد شعوره بالخوف والنفور كلما شاهدها تتحرك والفأر معلق بين أصابعها الصغيرة من ذيله..
همس بوجل: "لا تلمسيه يا ذكرى.. اتركيه.. قد يكون حاملا للأمراض.. أو يعض يدك.. لنغادر فقط"..
التفتت ذكرى تضع الفأر أمامه على المكتب وترمقه بتحدٍ، بينما لا يزال يقف أمامها مبتعدا بمسافة آمنة، يناظرها بعينين جاحظتين ووجهه شاحب تماما بعد أن هربت منه الدماء، فيما تفصد العرق عن جبينه، وأنفاسه المتهدجة تكاد تنقطع، ونظراته الوجلة تطالعها بتساؤل ولوم، فقالت هي بعد أن أطلقت ضحكة عفوية: "هذا الفأر مجرد دمية يا دكتور آدم.. نسخة طبق الأصل"، ثم صفقت بيديها بانتصار وزهو، وهتفت بطفولية كطفلة عابثة: "ضحكت عليك"..
اعتدل آدم في وقفته، وتبدلت ملامحه تماما من الذعر للغضب الشديد، ووجهه الذي كان شاحبا قبل قليل، قد تراقصت الدماء الحارة بعروقه ليضفي على بشرته الذهبية سمرة قاسية، ليهتف ثائرا باستنكار: "ضحكتِ عليّ؟"
طأطأت رأسها شاعرة بالندم والذنب، لكنها تابعت تذكّره بمقلبه القديم بنظرة لم تتخلص تماما من شغبها من بين أهدابها: "لقد رددت لك مقلب القفاز المرعب"..
استقر آدم براحتيه على سطح المكتب حول الفأر، يناظره باشمئزاز، قبل أن يواجهها بعينيه ويقول موبخا: "تتضاحكين عليّ؟ هل تمزحين؟ ما قلة القيمة تلك؟ هل أنا طفل ألعب معكِ في الشارع؟ أنا جراح عظام ولي مكانتي الطبية والعلمية.. كيف سولت لكِ نفسك أن تقللي من قدري بهذا الشكل؟"
أغمضت ذكرى عينيها بحرج، وتجمعت الدموع على حدود أجفانها، فلم تتمالك نفسها، لتهاجر بعضها مقلتيها وتستقر على خديها، والحرج قد حوّل وجهها المتورد إلى درجة قاتمة يختلط فيها الأزرق بالأحمر، وكأنها على وشك أن تفقد وعيها، فهمست من بين دموعها: "أنا آسفة.. لم أقصد.. كنتُ فقط..."
لم يتمالك آدم نفسه عندما وجد الدموع تستقر على وجنتيها، فشعر أن مزحته هو المضادة قد انقلبت عليهما معا، فقال متفكها يحاول تلطيف الأجواء كيلا تحزن هي ثانية إضافية: "صدقتِني.. لا تنكري.. انقلب السحر على الساحر.. أنا من ضحكتُ عليكِ يا آنسة.. كم النتيجة الآن؟؟ عشرة مقابل واحد لصالح الدكتور آدم عزازي.. اكتساح"، ثم رفع كفيه وكأنه يعلن انتصاره عليها..
مسحت ذكرى دموعها بكفيها، وناظرته بعدم فهم، رغم أن قلبها علم قبل عقلها أنه كان يشاكسها فقط، فأكّد هو ما وصلها حين قال: "يا ابنتي.. لا تحاربيني في منطقتي.. المقالب لعبتي أنا"، قبل أن يكمل بداخله دون كلمات.. ( والحنان لعبتك أنت)..
أومأت ذكرى رأسها دون كلام ومنحته ابتسامة عريضة، قبل أن تأتيها رسالة من زميلتها، لتغادر المكتب سريعا وتعود لمتابعة الحالات..
لم يعلم آدم يومها أن تلك لن تكون المرة الوحيدة التي يرى فيها دموعها، وليتها في المرة التالية كانت بسبب مزحة أو لسوء فهم بسيط..


يتبــــــــــــــــــــــ ــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس