[نورهان الشاعر]

الفصل الثامن و العشرون
الطمع طعون صاحبه لا يصل إلى درجة الإكتفاء أبدا و هو كل ما نال شيئا زاد جشعه و شراهته لإبتلاع المزيد. جمال لم يكتفي بما أخذ في الماضي من عرق جبين و تعب أبيه، ابيه الذي ما كان برا به يوما، فأتى الأن يبحث عن بقية الإرث و كأن له كل الحق فيه بمجرد أنه إبن مصطفى حق إكتسبه بالطبيعة و هو واه مادام لم يوثق بالعمل، فكي تأخذ حقك قم أولا بواجبك فالحق و الواجب ثنائيان لا ينفصلان و لا يمكنك أخذ واحد دون الأخر.
بسمة و خميس إكتسبوا حقهم عن طريق معاملتهم الإنسانية و بذل جهدهم و عواطفهم لمصطفى رغم أن ذلك ما كان واجبا عليه بحكم أن لا صلة دم تربطهم و لم يفكروا أن أهله لم يقوموا بذلك و بالتالي لما سيفعلون هم؟
لكنهم إنصاعوا لواجب الإنسانيّة و قدموا العطاء دون إنتظار مقابل، و ما كان الله ليضيع أجر من أحسن عملا.
ربما سمر هي عقاب جمال على طمعه و جحوده، فالله يمهل و لا يهمل و بر الوالدين واجب و طاعة.
و الجحود مدلة. لا أعرف ما ستجنيه سلمى من صمتها لحد الأن و في ما تفكر. يستفزني موقفها في الدفاع عن ياسر، و جعل الرجوع إليه و كأنه تحصيل حاصل، لما جرمت خيانة سمر و لم تجرم بالمقابل خيانة ياسر؟ لما تحاول إقناع إبنتها بلزوم العودة إليه حتى و إن لم تصرح بها فهي تلمح. و خصوصا أنها تستنكر تماما طلب علا للطلاق. الخيانة لا دواء لها غير الانفصال، يستحيل متابعة الحياة مع خائن بل إن العيش معه محرم بعد ذلك، و أبداً لا أفهم موقف سلمى أو أتفهمه. بالنسبة لي هي شخصية متناقضة جدا فمرة أراها إنسانة عاقلة و ذكية، و في الكثير من الأحيان متهورة مهزوزة الشخصية، و كأن حبها القديم لخالد ترك فيها إنفصاما.
كما علاقة جمال بسمر يجب أن تنتهي علاقة علا بياسر يجب أيضا أن تنتهي و يكون بالتالي هذا عقابهما على جحودهم. علهما بعد ذلك يستطعان البداية بطريقة صحيحة، كلنا نخطئ هذا لا يغير من إنسانيتنا شيئا لكن الخطيئة العظمى هي إستمرارنا في الخطأ دون توبة.
رغم أنني أرى أن تستر سلمى عن فضح ما رأت أمر جيد لتفادي الفضيحة فأكيد أن جمال لن يبرد إلى بالقتل فكمعضم الرجال الشرقيين يسبق التهور و العنف أي تفكير أخر. و لأن فضح الناس ليس إلا خسارة، فحتى المخطئ لا يجب أن نشهر به، فرب العباد يغفر لكن البشر لا يغفرون أبداً و يقفون حائلا بين التوبة و المذنب، و كما كان الشرط في القصة الشهيرة للرجل الذي قتل تسعة و تسعين نفسا و أكمل المئة بالشخص الذي إستنكر أن له توبة، بذهابه بعيدا عن المكان الذي أساء فيه لسكانه. هكذا أرى أن التوبة دائما تستلزم منا الإبتعاد عن من أذينا. و عن المكان الذي يحمل خطيئتنا.
هناك نوعين من محدثي النعمة واحد تعب من أجلها و كافح حتى وصل إليها و الأخر حاز عليها بالمكر و الخداع، و كما يقولون "الله ينجيك من المشتاق إذا ذاق" (أتمنى أن يكون المثل مفهوما) و غالبا ما يتعشش الرعب في نفس من عاش الحرمان خوفا من قدوم يوم يعود فيه إليه، و يكون النوع الثاني الذي وصل لمبتغاه بطرق ملتوية أشد رعبا من النوع الأول، فلا يستمتع بالنعمة التي وصل إليها و هو دائم الخوف من مستقبل مجهول، ناسيا أن الضامن في كل الأحوال هو الله و ما كان الخوف مناجيا من المهالك، هو فقط يمنعنا من عيش اللحظة كما يجب.
و في كل الأحوال ليست الظروف فقط من تشكل الشخص، فلكل واحد ميزات متفردة، هذا ما يبين لنا إختلاف أشخاص تربوا في نفس البيئة و عايشوا نفس الظروف فكان أحدهم صالحا و الأخر مفسدا.
والد شريف رجل لم يبرأ من عقدته النفسية القديمة في طفولته، و تربت فيه الأنانية و حب الذات، ليسعى للخلاص بها ضاربا عرض الحائط بأهله، و هو يصرخ في الدنيا قبل الآخرة "نفسي، نفسي"، هذا النوع لا يكون في سلام عاطفي حتى مع نفسه، و يعيش حياته شقيا مهما بلغت ثروته. فسعيه لجني المال لا يتوقف فلا يجد حتى الوقت للإستمتاع بما جنى.
أعذر شريف بخوفه على بسمة من بطش أبيه، فمثل هذا السيد إن أحس بتهديد بسيط يحوم حوله، يقضي دون رحمة على كل من يحيط به و لا يكتفي إلا بجعل خصمه أشلاءا. فهل يستطيع الوصول إلى مبتغاه؟
و هل سيتوقف توفيق عند هذه النقطة مستسلما لرأي أبيه.