عرض مشاركة واحدة
قديم 30-08-22, 03:02 AM   #26

چورية

? العضوٌ??? » 505085
?  التسِجيلٌ » Jul 2022
? مشَارَ?اتْي » 40
?  نُقآطِيْ » چورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الحادي عشر
فككت قيدي صارخة بأن لي بداية من جديد
ببداية حياة، خاسرة منها مباهجها الزائلة
سارقة منها سعادة أبدية أطفو بها مزدهرة
فقد خسرت في حبك الكثير
خسرت الروح الأبية التي لا قاهر لها
خسرت نظرتي لذاتي متوهجةٍ أصالةٍ وعِزة
فلم أجدني غير لطريقك أخطو بل أعدو سابقة الريح.
فلم أجد لكرامتي حافظ لها، فتنازلت عنها صاغرة
وقيدت نفسي من جديد بيداي تلك المرة
فلعنة الله على حب ختم الفؤاد بالأسود
ولوّن الروح بالرمادي
فلم أعد أعلم أي طريق للصدق أقصر!
فالمتبق مني شظايا روح وقلب وفتات كرامة!
༺༻
عائد من عمل بعد يوم مرهق مشابهة لباقي الأيام في مشقته، فلم يعد لحياته معنى من الأساس بعد فارقته شريكة عمره ضعيفًا منهزمًا، يتلقى التقريع أينما ذهب كما اليوم بعد فشل مجموعتهم وفشله الخاص في الكشف عن المكان الجديد الذي اتخذوا منه أفراد التشكيل مقرهم، حموه كل يوم يقسو عليه ويقف معها بعد أن كان سبب في خسارته لها، خرج من المصعد ووقف حائرًا أمام بابي شقته وشقة والدته واختار في أن يدلف شقته فهو ليس في مزاج يسمح لتقريعٍ من نوع آخر، عندما فتح الباب وجد أنوار الشقة مفتوحة فثار غضبه لأنه لم يسمح لأحد الدخول إلى شقته وملاذ عشقه الأبدي، جيشه وقلعته المشيّدة بتحصين يحتمي به!
دخل ثائرًا يتقفى آثار الذي دخل شقتهم في غيابه ناويًا قتله إن تطلب الأمر، فدائمًا ما كانت ملاذ تكره أن يتطفل أحد على حدود خصوصيتها وليس يخترقها بهذه الوقاحة، لكن مع البحث لم يجد أحد في كل الغرف، بالتأكيد ليس المتطفل أن يكون وقحًا لدرجة أن يدخل غرفة نومهما، دخل سريعًا وكل سيناريوهات الغضب تتشكل أمام عينيه فيما سيفعله مع هذا المخترق خاصة بعد أن تأكد من حركته داخل غرفتهما!
دخوله الثائر أفزع تلك التي أنهت لتوها نظافة الغرفة وتغيير الشرشف، فاستدارت بإنهاك تمسك ببطنها وشعرها يفك عقاله مع دورانها فيتفتح كوردة طويلة الأوراق تدور في رياح قوية، ولم يصدق عيناه وهو يراها أمامه بكل بهائها، تقف ببنطال قطني قصير يتعدى ركبتيها بقليل وبلوزة قطنية تخصه بنصف أكمام، تقف قصيرة... ضعيفة... تائهة... وكأنها تعاتب نفسها لأنها جاءت إلى هنا، لكن ماذا بدل رأيها؟!
"لا تغتري هكذا، فعصرك قد انتهى فإنه لم ولن يبقى غيري له، فأنا ابنة خالته قبل أن أصبح زوجته، أما أنتِ فقد تخلى عنكِ وعن ابنه في النهاية، وظل يرافقني طوال هذه المدّة"
جملة قالتها ناردين في وجهها، لكن للجمل أحيانًا رصاصات تخترق القلب حتى ينزف قطراته الأخيرة، فقد صاحبتها الجملة بعد خروج ناردين وهي تسقط جالسة ناسية حتى حملها الذي جاء بعد طول انتظار! كانت ترى وتسمع بتشوش السيدة التي تجلس معها نهارًا وهي تذهب للمطبخ وتأتيها بكوب مياة تحاول أن تشربها إياه، وتتصل بكارم تخبره بكل ما حدث والذي جاء مسرعًا، وكان حديثهما طويلًا محتدمًا.
هو مصر أن لا تعود لبيتها الآن فطريق عقاب أنس طويل، لكنها أصرت أنها ستعاقبه وتنتقم شر انتقام ستجعله يلتف حول نفسه، واضطر كارم في النهاية بتنفيذ ما تريد.
والآن هي واقفة أمامه تريد نهش وجهه، ولكنها سألت ببرود:
-ما هذه الغوغاء التي فعلتها في الشقة، لقد لوثت منزلي، كما أن لا أحد يدخل بهذه الرعونة دون استئذان.
لم يرد ولم يصدر عنه شيء لمدة طويلة حتى أنها شكت أنه دخل إلى ألة من شمع حولته لتمثال شمعي... جميل رغم كل الارهاق المرتسم على محياه، رغم لحيته النامية... رغم ذبول ملامحه ونحول جسده الذي كان رياضي يومًا... رغم كل غيظها وقهرها وكل ما سببه لها.
تنهيدة طويلة الأمد أصدرها وهمس مشدوهًا:
-هل أنتِ حقًا هنا يا ملاذ؟ في منزلنا وغرفتنا.
صححت له:
-في منزلنا وقد يصبح منزلي، وغرفتي وحدي من الآن حتى تخبرني بقرارك النهائي.
-لم أفهم.
-أنا حاضنة فهذه شقتي بعد الطلاق إن اخترت أن تطلقني، وغرفتي وقد تعود غرفتنا إن اخترت أن تطلق ابنة خالتك... لن أخبرك بالمهلة لكن صدقًا قد أنام استيقظ لأخبرك أن المهلة المحددة قد انتهت.
ابتسم بكسل وارهاق، واقترب بخطوات بطيئة كادت أن تسلب أنفاسها بذات البطء، وكادت تصرخ بألا يقترب أكثر لكنها تعقلت في أخر لحظة وعرفت أن ستكون مفضوحة أن نطقت بحرف الآن، فنبرة صوتها لن تدعمها!
وصل أمامها وحاول مسك كفيها فتراجعت للخلف واستدارت تعطيه ظهرها، وتشغل يدها بمسح غبرة وهمية، فاقترب يهمس بصوت مسموع:
-يكفيني أنكِ الآن هنا، بين جدران بيتنا أمام نظري، يكفي أن آخذ قوتي من نظرتك.
استدارت بقوة وكلماته وما تذكرته وحملته في يديها أشعلت فتيل نار شعواء لو أطلقتها لحرقته، ومدت يدها بدعوة زفاف لأحد أقاربه وقالت:
-دعوة زفاف في عائلتكم، دعوة لك وزوجتك، يا ترى أي زوجة سترافقك؟
-ليس لي زوجة غيركِ يا ملاذي؟
-حقًا!
-وهل لديك شك؟
استدارت وهي تقول بجفاء:
-عمومًا أنا من لا تريد رفقتك.
كم حرقها لسانها لسؤاله هل أتم زواجه بناردين، لكن لن تقل وتذل نفسها هكذا، غير أنها أيًّا كانت إجابته لن تصدقها، ستعرف الصدق بحدسها كأنثى تعرف زوجها كخطوط يديها، لكن لم تمنع نفسها وهي تسأله بسخرية:
-أنت اخبرتني أن لك أسبابك في هذا الزواج، ألن تفصح عنها؟!
-إن أفصحت لكِ ستكون عبارات كاذبة حضرت لها مسبقًا لأخبركِ بها.
ظلت تنظر له طويلًا وداخلها يتشعب الكره والغضب والاشمئزاز لنفسها لما وصلت إليه كرامتها من انحدار بيدها وهمست بنبرة غريبة عليها:
-كل يوم تثبت لي يا أنس إني كنت مجرد مرحلة وستتخطاها يومًا، كم كنت مغفلة عندما صدقت حبك المزيف.
-هل تصفين حبي لك بالزيف؟!
نبرته المتألمة أصابتها بالضحك قهرًا وقالت:
-وأيضًا أنت من تتألم؟!
تلك المرة لم يتحمل نبرتها الساخرة التي طعنته آلاف المرات، لكنه هل له بأن يلومها... هل له حق التألم من الأساس كما قالت؟!
༺༻
أحبك
كلمة في مذاق السكر
تمنيتها كأي فتاة تطرق آذاني من فارس الأحلام
فارس بعيد كل البعد عن زواياك
تخبط في طرق الحكايات بين الصديقات
فلم أجد فيك حب الصبا الأهوج الذي يهذي به الشبان والذي
كنت أنتظره بل أبحث عنه
لكن يوم ناداني زئير العشق في صوتك
هيام كهيام الرجال الأشداء قولًا وفعلًا
فسلمت في هواك بكل حصوني
ونزعت أسلحتي وأطرت بها بأمد ذراعي
ودخلت إلى قلعتك متهادية على بساط ممتد على طريق مزدان بمشاعل الهوىٰ
فكل الرفق بقلبي الذي مال وخنع بين يديك طواعية
يا ملكًا ألبسني تاجه ونسيَ بأن قلبي يحتاج تتويجًا آخر
༺༻
تفرق الجمع على موعد قريب لحضور عقد القران هي تخشى اقتراب ذلك اليوم بشدة، وتحتاج أن يقترب بشدة توازي الأولى... هذا الانفصام في التفكير يضغط على أعصابها، هي أصبحت موقنة بشكل أو بآخر أنها تُكِن مشاعر لحازم قد تكون قوية قليلًا، ولا تعرف كيف كانت غافلة عنها، لكنها ما زالت تخشى غضبه خاصة عندما يكونا وحدهما، لكن إلى الآن هي أدركت كيف تتعامل مع موجات غضبه ف أكثر من موقف، منها واحدًا كان وحدهما تحت جناح الليل، لكن هل كل مرة ستتصرف بشقاوة لتقلب الغضب لصالحها أم أن طبعها الناري قد يتدخل ويحتدم الأمر ووقتها لا تعلم كيفية التصرف إن بطش بها.
دخلت مكتب والدها تجلس على كرسيه خلف المكتب الخشبي الأنيق، فتحت أحد أدراجه وقد قصدته بعينه، ولم يخب ظنها فقد وجدت ما جاءت مشتاقة لرؤيته، صورة تجمع شباب العائلة أجمعهم، وأخرى تحتوى على أبناء عمها المقربين، وهي و أخواتها.
كان الشباب واقفين خلفها وإيمان وهى جالستان على أريكة رخامية تنظران لبعضهما بطارف عينيهما بإغاظة، والشباب تتشابك أذرعتهم في تكاتف، حازم على أحد الأطراف مبتسمًا جزئيًا والطرف الآخر احتله عمران ضاحك الوجه ببشاشة، وفي المنتصف فريد ومروان ضاحكين الوجه بشدة، يومها كان يتهامسان وضحكا لتخرج الصورة والضحكة تملئ وجههما، ظلت عيناها غير مستقرة وكانت تطوف على وجوههم جميعًا، حتى استقرت على وجه عمران... استقرت حتى طالت نظرتها ودمعت عيناها وشردت في ليلة من الماضي...
كانت تحتل حضن أمها التي تمشط شعرها بيدها الاثنتين تهيمان في يوم زيارتهما لعمران في بيته وسط أولاده، همست تسبيح:
-هل تصدقين أن كل تلك السنين مرت وعمران ليس بيننا، لقد أصبح أب لطفلين... أمي هل تصدقين أنا أصبحت "عمتو الحرباءة" دون أن أدري.
كان همسها في البداية خاصة بعدم وجود والدها ما جعل زهيرة مطمئنة، لكن صرختها المتحمسة في النهاية جعلت أمها تكتم فمها بكفها وما زاد الخوف في قلبهما معًا دخول والدها سائلًا:
-أنتِ حرباءة بالفطرة يا تسبيح، لكن منْ مِن أبناء عمومتك قد أنجب لتكونين عمة.
توترا معًا، ونظرت تسبيح لأمها، التي كانت قد فكرت في مخرج وقالت:
-لا يا حاج يبدو أن تسبيح نسيت لقبها وكانت تستغرب قولها من إحدى...
رنين هاتف المنزل في ساعة كتلك، زاد من انقباض صدر زهيرة الذي كان يمتلكها منذ الصباح، ورفعت يدها لصدرها تدلكه فاقتربت منها تسبيح تسألها:
-ماذا يا أمي، هل ألم صدرك لا زال مستمرًا؟!
لكن صوت أبا عمران الذي صرخ في الهاتف عيناه أصابهما الاهتزاز في اتساع لا يصدق ما يسمع:
-ماذا تقول أنت؟ تأكد من الاسم يا ولدي.
استمع قليلًا، وعندما تحدث مرة أخرى كان صوته متهدج بأنفاس هاربة وشهقات بكاء رجل هزمته الحياة ووجهت له شر طعنة:
-لا نقول إلا ما يرضي الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
صرخت زهيرة صرخة شقت سكون الليل وهي تتهاوى على الأريكة خلفها:
-يا عمرااااان... يا ولدييييييي.
أما تسبيح فحاولت اسناد أمها التي فقدت الوعي، وهي تتخيل أنّ والدتها يهيأ لها، لكن سؤال مروان لأبيهم ليفهم ما يحدث جعلها تصعق، وتضرب وجنتيها وهي تسمع إجابة أبيها:
-أخوك... أخوك يا مروان رحل عن الحياة، رحل قبل أن يسامحني!
تخشّب مروان مكانه واستفاق على لطم تسبيح لخديها واقترب منها يمسك كفيها يصرخ بها وهو يهزها كلها:
-ماذا تفعلين أنتِ؟ اجعليه يرحل بسلام، لم يستحق منكِ هذا.
همست ودموعها تجري بفيضان غير مسيطرة عليها:
-لقد مات... عمران مات تاركًا طفليه...
-تمالكِ يا تسبيح يكفي أمنا.
نظرت بتيه لأمها المتهاوية على الأريكة، ثم هزت رأسها هزات لم تعيها، فاستدار لأمه يحملها واخبر تسبيح بالاتصال بالطبيب، ومن أبيه أن يخبر حازم وفريد..
استفاقت من اجترار ذاكرتها بقوة وهي تفكر أن أمها أضحت ملازمة للفراش أكثر من سنة ونصف، فلم تحضر عرس إيمان الذي لم يكتمل، ولم تترك الفراش إلا مرة واحدة عندما عادت إيمان من المشفى وصفتها أبي عمران، ووصلها حديث والدها وإيمان وحازم "بالتأكيد أبني علم بما عمله عريسك الذي انتقم لنفسه ولابني، وأنا الذي أصريت على حفظ حقك واقامة الحناء عشرة ليال اكرامًا لكِ حتى بعد وفاته"
خاصة أن إيمان لم تصمت وردت له عبارة كانت سبب في فتح باب الحرائق في وجهها:
-لو كان يعلم أنكم ستأتون به كذبيحة معلقة لما فعل ذلك، لكن يبدو أنه شك في نخوتك يا عمي فلم تقدر غير على الفتاة"
وقتها كان حازم من صفعها صارخًا:
-هل المرض أثر على رجاحة عقلك؟
لكن أبا عمران لم يكتفي بذلك بل صرخ:
-واضح أننا فشلنا في تربيتك، يا عديمة التربية والأخلاق.
-أنا من ربيت أولادي كلهم يا حاج، ولم أقصر في حق واحد منهم.
كانت تلك عبارة زهيرة التي ولأول مرة تعترض على قول قاله زوجها، فلم يرحم ما تمر به من حالة مرضية ونفسية وصرخ وهو يضرب الأرض بعصاه:
-يبدو أنكِ أخذت نصيبها من التربية وابنك الآخر مروان الذي يعصي كلمتي وقمتِ بتوزعه على باقي الأبناء.
ثم غادر الغرفة بعاصفة تجرف من يقف أمامها، ورغم ذلك عندما تأزم الوضع بينه وبين جدة غرام التي كانت رافضة الزواج من مروان، وحاولت اقناع مروان بالزواج بهديل ثم الزواج بغرام، لكنه كان رافضًا رفض قطعي لهذا.
رفعت تسبيح يديها تكفكف دمعها تزامنًا مع دخول حازم للمكتب قائلًا:
-هل استيقظت يا عمي؟ لقد...
بتر كلامه وهو يراها تمسح دمعها لكنه لم يدرك ذلك، فاستدار سريعًا يغلق الباب خلفه وكل ما يفكر به هو أن أخيرًا اجتمعا وحدهما، فقد أصدر أبو عمران قرار بعدم خلوتهما بعد أن طلبها منه، التفت لها مجددًا يهمس:
-أخيرًا رأيتك وحدنا، فواضح أنّ قرار عمي جاء على هواكِ ولأول مره اراكي ملتزمه بالقرارات التي تفرض عليكِ
ابتسمت قليلًا وقالت وقد تحشرج صوتها أثر البكاء:
-نعم، وإن أمسك بنا أحد سأقر بالحقيقة، فليس كل مرة سأغطي على أفعالك.
رغم أن ما ذكرته أوجعه ففي كل مرة تذكر تلك الليلة، يتذكر رجفتها بين ذراعي شقيقته بعد أن نزعتها من بين ضلوعه، لكن آثار البكاء بتلك الحمرة المظللة حدقتيها لم يخف عن عينيه المتربصتين بها، ارتجاف يدها المفرودة على سطح المكتب... كل ذلك جعله يقترب يسألها بجزع:
-ماذا حدث لماذا تبكين؟
مع اقترابه لاحظ بنظرة أخرى ليدها أنها كانت مفرودة فعلًا لكن ليس على سطح المكتب مباشرة، أنما هناك صورة تجمعهم فأدرك ما حدث دون أن تتفوه بحرف، فهمس:
-رحمه الله عمران لم يكره في حياته قدر كآبتكِ!
ابتسمت مجددًا لكن تلك المرة ودموعها تعود فيضانها، وهمست بشهقات متقطعة:
-نعم... صدقت، لقد أخبرني يومًا أنه سيخفي هذا الأمر عن عريسي حتى يتم الزفاف، ثم يخبره بأمر كآبتي، أو يتركه يكتشفها وحده.
-هل قال هذا حقًا، هل كان ينوي تزويجك لغيري أم ماذا؟!
ابتسمت تلك المرة بأكثر ألم وهمست:
-كان يرضي رغبتي في عدم الزواج بك، فأنا أرفضك منذ زمن.
ارتفع حاجبًا شريرًا من قبل حازم، فأسرعت قائلة:
-في هذه الفترة كنت أعتبرك أخي كمروان تمامًا.
ظل حاجبه مرفوعًا، فتوترت وهي تتململ في وقفتها وهمست:
-ماذا الآن؟ ماذا قلت؟!
-هل قولك أنك تعتبريني أخاكِ هذا يصلح من موقفك؟!
فقالت ترمي كلامها:
-قلت لك كنت... أي هذا منذ زمن مضى.
صرخت عندما اقترب غاضبًا وعادت للخلف هامسة:
-تعقّل فقد أصرخ ويأتي كل من في المنزل.
-حسنًا يكون أفضل ليروكِ معلقة وأدور بك الضرب!
وقفت مكانها تفقد كل الصورة الهزيلة الضاحكة، فهمس بسؤالها:
-ماذا؟! لما توقفتِ؟!
-هل حقًا قد تفعلها يومًا؟
-ما هي التي أفعلها؟!
-أن تضربني أو تهينني.
جدية ملامحها أكد له ما كان يخشاه وهو أن تكون تسبيح لا تزال تهابه، عيناها اللؤلؤية السمراء في حالكتهما ولمعتها، طُفيَّ البهجة منهما، فهمس:
-ما لم أرتضه لإيمان لن أرضاه لكِ.
-لكنك صفعتها ذات يوم!
-كانت تستحق فقد أخطأت يومها في حقي، وكأنها سبتني جهرًا... لكن بعدها إيمان أخطأت في الكثير ولم أتعرض لها.
همست وارتجاف شفتيها أصبح ظاهرًا:
-لكني أكثر خطأً من إيمان، كما أن طباعي قد تفوق كل تصرفات إيمان.
قبض عينيها وهو يهمس بسؤال كالنصل في قلبه:
-هل هذا تراجع؟!
-لا، لكن إذا حدث وفعلت ذلك أنا لن أقبل بمثل هذه المعاملة يا حازم، وقد أكرهك... وأنا لا أريد لذلك أن يحدث.
شحب وجهه وظلل الحزن عيناه وهمس:
-تكرهيني، وطاوعك قلبك على قولها.
-آسفة يا حازم، لكن اكتشفت بعد كل هذه السنون الذي مضيتها في حياتي أني لم أفهمني يومًا، وأني لست أهوى من الحب معانيه ما يجعلني أتقبل الاهانة، أو أن أضحي في سبيل بقاء قلبي يحيى بجانب من يحب.
ظل ينظر لها طويلًا وقال:
-يمكنني الآن تركك وحدك، وأنهي تلك الخطب قبل تمامها في سبيل كرامتي التي اهدرتها لتوك، أو أنّ مشاعري تتغير تجاهك... وأكرهك.
كلمة الكره الأخيرة خرجت ثقيلة بلسانه وغام كيانه بمشاعر ازدادت توهجًا من منبع النبض بإسمها، لكن لم تمس عينيه وهو يسألها بقسوة وجفاء:
-حددي موقفك الآن يا تسبيح، ماذا تريدين... هل تريدين المضي قدمًا في هذه العلاقة أم تريدي انتهاءها.
توترت وهي تفرك كفيها هامسة محاولة صبغ نبرتها بمرح:
-بالطبع لا أريد انتهاءها، أنا فقط أطلعك على مخاوفي.
-حسنًا، هل تريدين اضافة المزيد؟
-لا.
كانت تلك الـ "لا" متلاشية مع الرياح، فهمس وهو يستدير خارجًا:
-حسنًا.
عاودت الجلوس على مقعد والدها وهي تفكر بما قالته، نعم أخطأت... لم يصدر عن حازم ما يجعلها ترشقه بسهام مسمومة متماثلة في كلماتها، لكن كان يجب أن يتفهمها، أن يتلمس في صغرها... خوفها منه الذي ما يزال يتشعب داخلها.
༺༻
أن تستباح كرامتك
أن تهلك روحك في مدارات الحب
المغنى على لسان كل عاشق
أن تفيق على من استل نقاطك الضعيفة
مشهرًا منها سلاحًا في وجهك
بعد أن كنت قد عريت كل عورات الضعف داخلك أمامه
بعد أن كشفت فداحة كل شعور كنت ترزح تحت وطأته يومًا
بعد أن أفضيت بكل شعور اختزنته لمن يملك فؤادك
وتسلمه كل مفاتيح قلبك كنت قد اخفيته عن الجميع
ويخذلك... يخذلك بكل خذلان يكسر كل قواك
ويكون سبب خسارتكما معًا
أمن يفعل كل ذلك يسمى حبيب؟!
༺༻
كانت صدمات رهف المتتالية أودت بكل قدراتها على الاحتمال وخاصة فقدانها لإبنها فتهاوى جسدها أرضًا وأطلقت العنان لعدة صرخات شعر تيم خلال صدورهم عنها وكأن حنجرته هو من أصابها الشروخ، سمعها تهذي كمن تلقى الجرح حديثًا، وكأنها فقدت طفلها الآن، لكن كلماتها لم تكن تنعي بها طفلها، بل كانت بها استنجاد وكأنها تشعر بالطعن، حيث هذت:
-ماذا فعلت لأستحق ذلك منهم، بما أخطأت ليحدث معي كل ذلك؟ كيف استطاعوا خداعي هكذا؟ كيف لهم أن يسيروا حياتي هكذا ثم يسلبون مني حق العيش بحقيقة واضحة وكاملة، بمن ألوذ، ممن أطلب العون... أشعر وكأن الكون اجتمع بضمان موافقة من الأقربين، لقد أصابني خنجر الأقربين... من أصدق الآن؟ لقد فقدت الثقة حتى في ذاتي، فكيف أثق بأي شخص الآن؟
كلها كلمات وجدت من الألم صداها في صدره يتردد بشعور يثير حمايته، شعور كمن يريد احتضانها ليس احتضان عاطفة أو شفقة إنما حماية أو امتصاص آلامها كلها داخله علّه لا يرى كل هذا الانكسار، شعوره يزداد ضراوة ولا يعرف إن استمر هذيانها المنكسر هذا كيف سيسيطر عليه، شعور لم يشعره تجاه أي أنثى من قبل حتى مع زوجته السابقة، كان يشعر بالخوف عليها والغيرة كأي رجل اقترن باسمه زوجة، لكن لم يشعر معها بهذا الانجراف في المشاعر، لم يتحول من رجل خلق للحرب والمطاردة لرجل تثير فيه أنثى كل مشاعر الحماية والشغف، هو لم يكن يومًا رجل ذا عواطف تزلزل كيانه، مهما ادّعى لأي أنثى أنه مغرم حتى أذناه، هي وحدها بكل قوتها ونظرتها المزلزلة لكل قوة وشجاعة داخلية تحلى بها يومًا مصدرًا كذبًا بأنه الوله العاشق حتى النخاع، لكن معها هو لا يصدر شيء هي تسلب منه كل ما يشعر دون مجهود مبذول من جهتها، أو حتى برضاه!
انتهى كل هذيانها أخيرًا، فجلس بجانبها أرضًا، وهمس:
-أنا قادرًا على العودة للواء وأخبره أني لم ألحق بكِ وأضعتك إن أردتِ.
نظرت له بأمل، فوجد نفسه يهرب بعينيه وهو يكمل:
-لكن هل ستقبلين بأن أؤمن لكِ مكان، وإن لم أجد ستباتين في شقتي.
اتسعت عيناها وصرخت:
-كيف سولت لك نفسك بأن تعرض عرض كهذا؟!
-بالتأكيد سأكون خارجه يا رهف.
-بالتأكيد جننت، أنت مجنون بالفعل منذ أن تعرفت بك!
ثم هبت واقفة وتنفض عنها الغبار صارخة:
-أخرج من هنا، لا أريد رؤيتك.
نظر لها بدهشة رافعًا حاجبيه وتلفت حوله ينظر في الأرض الصفراء الرحبة ثم عاد ببصره نحوها، فشعرت بالحرج، وقالت بهمس:
-بالطبع ستأخذني لعمي عصمت.
فتح كفيه سائلًا:
-ماذا برأيك؟!
أومأت برأسها وهمست:
-حسنًا، لنعود.
ظلت مغلقة عينيها طوال الطريق تجتر ذاكرتها بعذاب وتفتح عينيها بفزع، لتغلقهما مجددًا وتفتحهما جزعًا من ذكرى أخرى، ذكرى ضرب بلكمة أصابت وجنتها بجرح ظل يلازمها لشهور وألزمها البيت حتى ذهب أثره، وأخرى لطبق من الزجاج طار في الهواء غضبًا واستقر داخلًا عظمة أنفها وتسبب في كسر أدى لأجرائها جراحة لمداوة كسرها، حتى استسلمت للنوم، عندما أوقف السيارة استدار موقظًا اياها سريعًا لوجودهم داخل حيهما، فتحركت فزعة وهي تحمي بطنها صارخة:
-ابنيييي.
ظلت تستوعب أين هي، وما حدث ويبدو أن ذكرياتها لم تتركها تهنأ بالنوم وطاردتها في كوابيسها، وعندما استوعبت دمعت عينيها قليلًا تمسح عنها الضعف وتستدير هامسة:
-حسنًا، هيا لتسلمنــ...
بترت كلماتها وهي تجد نفسها أمام دار الرعاية التي تديرها، واستدارت وعيونها تسأله دون كلام، فأجابها:
-لقد أخبرت حضرة اللواء بأني أضاعتك في زحمة الطريق، أي لا مجال لأعادتك له.
انهى كلامه مبتسمًا، وقالت بعرفان وشكر نابع من أعماقها:
-شكرًا لك، شكرًا لك... لا أعرف كيف أشكرك؟
-سأطالب بشكري ورد الجميل قريبًا.
قالت بحرارة:
-فقط أطلب ما تريد، فأنا سأظل ممتنه لوقوفك بجانبي طوال العمر.
في داخله صوت صرخ فجاءة:
"بل أنا الذي أريدك أن تظلي بجواري طوال العمر، وسأحصل على ما أريد".
لكنه عوضًا قال:
-لنا شكر قريب، والآن هيا انزلي فهناك تقريعًا لم اتلاقاه بعد.
فهمت أي تقريع وممن فهمست بخجل:
-آسفة لتعرضك لهذا.
ثم خرجت تشيعها نظراته وقلبه يهفو خلفها... وأشواقه تصارع للقاء جديد رغم انتهاء موعدهم توًا.
༺༻
مظاهر الفرح منتشرة، والسعادة تكلل وجوه الجميع عدى القليل فالصغيرة تسبيح مدللة الجميع تزف لسيد رجال العائلة شموخ وعزة، وحدها من تعاني وهي تجلس بجانب أمها وتشعر بفتور حازم نحوها في الأيام الماضية، يلقي لها تحية جافة كما أنه توقف عن مراسلتها ليلًا، تهليل النساء بوصول الشيخ جعلها تبتسم سعادة مشوبة ببعض القلق، أنه عقد قرانها على ابن عمها الذي زلزل كيانها باعتراف ناري بعد حادث طريق!
نداء النسوة لها ورافقتها بعض الشابات للدخول الى مجلس الرجال لإتمام عقد القران، كان الشيخ يجلس أمام مكبر الصوت ينهي مقدمته في إجلال، وحينما انتهى بدأت المراسم بإمضائها وقول الشيخ في مكبر الصوت:
-بالرفاء والبنين إن شاء الله.
أطلقت الأعيرة النارية، واستقبل خروجها علو زغاريد النسوة في بهجة وسعادة، مع استقبال حضن أمها مباركة وسعادتها كانت كغنيمة ربحتها فاغترفت منها نصيبها من الفرح على وحيدتها، جميلتها التي أضحت في جمال البدر ليلة اكتماله، للأم راحة خاصة مصحوبة بحزن قليل لفراق ابنتها ليلة زفافها، خاصة إن كانت بحلا وشقاوة روح تملكها تسبيح، تملك من اللسان ما يحتاج للقص لكنها مناغشة للقلب، تناغش هذا وذاك، طاقة من الحيوية تتنقل على قدمين، طاقة لا تهدأ أو تفنى بعيد الشر.
ابعدتها أخيرًا تقرأ المعوذتين تحميها شر عيون حاسدة قاصدة أوغير ذلك، بينما تلقت تسبيح المباركات من الجميع عدا شوق التي وقفت في الزاوية تراقب فرحتها بحقد، حقد طفلة زرعته أم!
في الطرف الآخر من القاعة كانت غرام تقف تراقب هديل بعد ما اخبرتها به تسبيح في الهاتف وجعلها تعود أدراجها يوم أمس!
كانت قد قررت السفر لتعرف أين رهف وأين تبيت ليلتها فأقلها مروان لمحطة القطار في الصباح الباكر بعد أن اتفقا أنها ستعود صباح اليوم لحضور عقد القران، ولولا أن رهف باتت أكثر من ليلة خارج المنزل لما سافرت، لكن اتصال تسبيح وهي تخبرها بوجوب حضورها لأن هديل جاءت لتبيت تلك الليلة متحججة بفرحها بتسبيح مما سهل التفافها حول مروان وقربها منه، جعل غرام تنزل في أول محطة وقف بها القطار وخرجت منها عندما علمت بأن أول قطر سيصل ليعود بها للمدينة التي تنشدها يجب أن تنتظره أربع ساعات كاملة، فخرجت تطلب إحدى السيارات الأجرة على إحدى البرامج الهاتفية، وفي طريقها في السيارة فتحت النقطة الهوائية لوصول شبكة النت العنكبوتية لهاتفها، وبدأت تراسل تسبيح التي أرسلت لها صورة قامت هديل بنشرها على صفحتها على إحدى برامج التواصل الاجتماعي، كانت تجمعها هي ومروان وأرسلت لها رسالة صوتية:
-الهانم التقطت لها صورة وحدها مع كل شباب وشبات العائلة، حتى تحصل على صورة لها مع مروان.
كزت أسنانها وهمست بشر، وقد سمعها السائق:
-سأقتلها تلك الـ...
بترت السبة وهي تهمس بصوت مسموع مجددًا:
-لا... لا يصح، هي ابنة عم مروان في النهاية، لكن سأقتلها!
تتذكر جيدًا دهشة مروان وهي تتصل به وتخبره:
-الزم غرفتنا حتى أعود وإلا لا تلوم إلا نفسك عندما أحول حياتك إلى جحيم، أنا في طريقي إليك.
-ماذا تقولين؟ ألم تسافري؟!
-هل وافقت على سفري وأنت على علم بأنها قادمة؟!
-من تلك؟
-تلك المسمومة هديل.
-من أخبرك؟!
صرخت بشر حاقد:
-هل هذا كل ما يهمك؟!
-أين أنت يا غرام؟!
-أنا في سيارة أجرة عائدة إلى البلدة، وأن لم تبتعد عن هديل مسافة اغلاق عشرة أبواب على أقل تقدير، سأحيل حياتك إلى جحيم.
-أنا انتظر وصولك أمام باب الدار يا غرام.
قالها بنبرة أخافتها، ورجف لها جسدها وأغلق الخط!
-مجدددددًا.
صرخت بها مما أفزع السائق وهو يتنمى أن تنتهي هذه الرحلة على خير.
عندما اقتربت السيارة من الدار ورأت مروان واقفًا وبجانبه هديل، تضحك وهو يحاول الابتسام لها.
-أنه يبتسم لها، وواقفًا بجانبها أيضًا، ماذا يود أن يثبت؟
خرجت من السيارة الأجرة وكانت قد انقدت السائق أجرته، ثم دخلت إلى البيت ترفع رأسها بأنفة وظلت على مشيتها ومروان يعتذر من هديل ليلحق بها، وعندما دخل صرخ بها وهي تنزع عنها حجابها:
-كيف لكِ أن تتصرفي مثل هذا التصرف في بلد لم تعرفيها، تأجرين سيارة وتقيلك ماذا تعرفين هنا من طرق لتثقِ بالسائق.
لم ترد وفي حركة تستخدمها منذ طفولتها لتوقف أي جدال، خلعت سماعتها مما جعل ملامح مروان تستهجن حركتها فبحث في الغرفة عن أي ورقة وقلم ولم يجد، فاستخدم الهاتف وارسل لها:
'ماذا يمكنني أن أفهم بتلك الحركة الغبية؟'
انتظرها تقرأ الرسالة وانتظرها أن تكتب، حتى اكتشف غباء انتظاره، وكتب هو:
'ماذا تفعلين؟! تحدثي وارتدي سماعتك لنتكلم مثل البشر'
وصلته رسالة منها مما أغاظه، ولم يقرأها واقترب من سماعتها يمسكها واقترب منها يحاول أن يلبسها إياها، لكنها ابتعدت في رفض واشارت إلى الهاتف، ظل يكز أسنانه وهو ينظر إليها بغضب وتنازل يقرأ رسالتها في النهاية:
'ليست سيارة أجرة عادية، أنا طلبتها من خلال البرنامج، وكنت أتابع الطريق من الهاتف، أما عن الحركة الغبية أنا لا أريد سماعك ولا أريد الحديث معك من الأساس'
'أتصدقين أنكِ أنت الغبية وليست الحركة فقط، هل تدركين إلى أي مدى أثرتي ذعري لتأتيى وتتبجحي أيضًا، ثم ما سبب عودتك لما عدتِ'
سؤالها الأخير جعلها تصرخ غير شاعرة بصوتها مما جعلها تردي سماعتها وتصرخ من جديد:
-ماذا تقصد بلما عدت تلك؟؟؟؟ هل كنت تريد أن أخلو لك المكان لتنفرد بهديل المسمومة؟؟
-تخلي لي المكان لأفعل ماذا بالضبط؟!
غافلة عن نبرة الشك الحذر في صوته صرخت:
-لتحاصرك في كل وقت طبعًا، وتكون سعيد بما تفعله بذكورية طاووسية.
ابتسم ولانت ملامحه يحاول كبت الضحك الذي أصابه، لكنه لم يستطع كبت ضحكه أكثر وهو يقول وصوت ضحكاته تملأ الغرفة:
-يا مجنونة أنتِ، من أين لكِ بكل هذا الكم من الوصف "مسمومة، وذكورية طاووسية" ماذا أيضًا.
-لا تغير الموضوع، ولا تضحك.
ازداد ضحكه وعلى بقهقهته حتى أصابتها عدوى ضحكته لتبتسم أخيرًا ليهمس عندما تهدأ ضحكاته وهو يضم رأسها داخل صدره ويمسد فوقه:
-تغارين؟!
-لا.
-حسنًا، سأذهب لهديل لتغار هي!
زمجرت وهي ترفع رأسها عن صدره فضحك مجددًا وهو يقول:
-لا تكابري، تغارين؟!
كان يقر واقع ورغم ذلك أومأت برأسها وما زال يرتاح على صدره، فابتسم ولسانه يلهج بالحمد على السعادة الذي حصل عليها أخيرًا.
༺༻
أذكريني مرة ومرة بعد اكتمال العدد
وأذكريني مرات بين كل ومضات ذاكرتك
ولكن لا تجرحي رجل عاش يفتش عنكِ بين الطرقات
لا تسلبي منه حق العيش بكِ فائزًا مهنئا مبتهجًا
يتغنى بأن كان له نصيب من الهوىٰ رحب ليسع مجرة الألوان في عينيكِ راضيًا بتألق نجمتيك
حتى وإن كانت سعادتك رضا وفرح وليس حب ملء الفؤاد ففاض به مخزونه
༺༻
خرجت من المدرسة ورأته واقفًا على الجانب الآخر من الطريق مستندًا على سيارته يضع نظارته الشمسية فوق عينيه، وملابسة مهندمة باستفزاز يجذب نظر المراهقات إليه، ألقته بنظرة غير مبالية وهي تسير خطواتها نحو طريق الموصلات العامة، لتنتظر السيارة التي تقلها يوميًّا.
أما هو لا يصدق أن عيناه تكحلت برؤيتها بكامل بهاءها دون جهد مبذول منها لإظهاره، قامتها الطويلة وألوان ملابسها المختلفة عن لون الزي المدرسي للفتيات، هو ما ميزها بينهن، غير ذلك فمن يراها يعتبرها طالبة مثلهن، بملامحها الطفولية وحقيبة الظهر التي ترتديها بنفس انتفاخ حقائب الفتيات، هيئة تجمع الطفولة ببراءتها والأنوثة المنطوية بغطاء الخجل الحي على خديها بلونه الزاهي، عندما تلاقت نظراتهما، ابعدت هي عينيها في تعال وابتعدت بخطواتها نحو طريق السيارات، في حركة لم يفهمها فسار خلفها حتى اقترب من سيرها ونادى عليها همسًا وكانت آذانها مرهفة السمع من الأساس لكونها تتوقع خطوة كتلك منه فلما جاء لغير ذلك، فاستدارت تخشى أن يلفت انتباه الجميع من حولهما وانتظرت حتى وصل لها وسألته بنزق:
-ماذا؟؟
-ماذا ماذا؟؟ لم نكمل كلامنا...
قطبت جبينها وسألته:
-ألم تغادر البلدة دون سابق انذار، في رسالة واضحة أنك تراجعت عن تلك الزيجة.
-كيف هذا؟ لقد اتصلت واعتذرت لمرض شقيقتي، كما إني اتصلت لأطمئن على وصولكم لأني جئت انتظرك هنا كثيرًا، إذا كنت تراجعت لما سأتصل مجددًا؟!
-لحظة... هل اتصلت مجددًا؟ لتطمئن على وصولنا.
-نعم فلقد تأخرتم وبيننا حديث لم يكتمل بعد.
شردت وهي تضيق عينيها وكأنها تتوعد أحدهم، والحقيقة أنها لم تتوعد واحدًا بل كانت تتوعد شقيقيها الإثنين.
طريقة نظرتها جعلت كارم يخشى قطع شرودها أو أنه أعتبره فرصة للنظر لها طويلًا دون عائق أو خجل.
استفاقت من شرودها تمسكه بالجرم ينظر لها، فتحرج وهو يسألها:
-هل نكمل حديثنا؟!
-تحدث إلى حازم وحدد معه موعد.
وغادرت وهو يشعر أن قلبه سيجرح على يديها ولكنه لن يتنازل عنها، فبحثه بين بنات حواء لم يجد بينهن من يشعر بما يشعره تجاهها.
༺༻
أغلقت دفاترها الورقية والالكترونية وانتهت من كل أعمالها، فوقفت ترتب المكتب وتغلق زجاج نوافذه وفي إغلاقها لآخر نافذة لمحت سيارة بعينها سيارة ألقتها عصرًا على هذا الباب، سيارة عاد مقعدها إلى الخلف، لم تتبين في الظلام الكثير لكن شكوكها في أنها لمحت حركة داخلها جعلتها تعود سريعًا تنتشل نظارتها الطبية وترتديها لتتأكد شكوكها بيقين وجوده داخل سيارته ينام مرجعًا رأسه للخلف في استرخاء وهدوء، همست بغباء:
-ماذا يفعل هذا المجنون في هذا البرد خارجًا؟!
خلعت نظارتها، وارتدت سترتها الطبية علها تدفئها من البرد في الخارج، أنه الخريف حيث الدفأ الصباحي والبرد الذي يصبح أحيانًا قارص في لسعته.
خرجت من البوابة الخارجية، ورآها هو من مكانه بعد أن سمع صرير البوابة لكنه لم يكن يعلم أنها هي، فخرج سريعًا من سيارته ليستوقفها إن كانت ستخرج في هذا الظلام، لكنها لم تكن لديها النية في الخروج بل كانت خطواتها ثابتة نحوه حتى قبل أن يترجل من سيارته فابتسم ببشاشة يستقبلها بها لكنها لم تبتسم وهي تسأله:
-ماذا تفعل هنا؟! لما أتيت هل حدث شيء، ولما لم تدخل لتخبرني بما حدث؟ ماذا حدث تكلم؟
ظل مبتسمًا وهو يجيبها:
-مهلًا... مهلًا كيف سأجيب أنا الآن!
صرخت بفزع راجية أن يتكلم:
-ماذا حدث أرجوك؟ أنا لست حمل صدمة جديدة.
أجابها ببساطة:
-لم يحدث شيء، ولا يوجد صدمات من أي نوع، كل ما في الأمر أني لن أتحمل ذنب أن يحدث لكِ شيء وأنا من أتيت بكِ إلى هنا.
رسم الاستنكار ملامحها الحلوة ولم يزدها إلا حلاوة تشتهيها النفس، وهمست تكظم غيظها:
-عد إلى بيتك يا حضرة الضابط، ولا داعي للذنب فأنا وسط أطفال، مع فريق كامل من الممرضات والاخصائيات، والبوابة والسور محاطين بالحرس والكاميرات، كما أني ناضجة واتحمل نتيجة كل أفعالي.
ابتسم مستفزًا لها وهو يقول:
-حسنًا يمكنك الدخول والنوم قريرة العين وسط كل من ذكرتيهم وانسي أمري تمامًا.
-كيف هذا؟!
ارتفع كتفه في علامة بديهية بأن ما قاله منطقي جدًا، فجزت على أسنانها وهي تضرب الأرض بقدمها وتعود للدار وهي تنفس لهبًا هامسة:
-عدنا لأمور الاستفزاز، وأنا قد أحرقه الآن.
اختفت عن نظره خاصة بعد أن أغلق الحارس الباب، فتراجعت بسمته وهو يقول:
-يبدو أن الطريق طويل الأمد!
༺༻
في حفل الزفاف دخلت ملاذ تتأبط ذراع زوجها، بينما ناردين تدخل مع خالتها وأمها، خالتها التي لم تبتلع رجوع ملاذ ولم تبتلع حملها، فلم تكن مشكلتها رؤية ولي العهد أكثر من أن تتخلص من ملاذ، طوال هذا السنوات الماضية ولم تستطع ملاذ كسب ودها، فلم يكفها أن ابنها اختارها زوجة، ولم يكفها رؤية ابنها سعيد يهنأ في حياته معها، لا تفكر إلا في أنها أرادت ناردين زوجة ابنها، وملاذ جاءت لتسرقه بالسحر فلم تثق أبدًا بأن ابنها هو من أحبها قبلًا وأنفق الغالي والنفيس حتى أمال قلبها وملكه بشق الأنفس.
كانت ملاذ تمشي بشموخ وعزة بين أهل زوجها الذين جميعهم كانوا يرونها الزوجة صاحبة الكرامة التي دائمًا ما كانت تصرخ مطالبة بحقوق المرأة خاصة في الجريدة التي تعمل بها، وكل نشاط تفعله، كانت تصلها نظرات التشفي في عيون البعض، ونظرات الدهشة من البعض الآخر، دهشة سببها الأول أنها دائمًا ما ترفض تعدد الزوجات ولا تراه إلا اهانة وسبة من الزوج لزوجته، كلمات قالتها واضحة في أكثر من تجمع عائلي، لذلك لم تفسر تلك النظرات إلا استهانة بها، لكنها لم تستسلم بالانهزام وهي تدخل بإباء ترفع أنفها في شموخ.
اختار أنس الطاولة لهما ولباقي أسرته وقام بجذب أحد مقاعد الطاولة وأجلسها وجلس بجانبها ولم يكلف خاطره بأن يجلسهم بلباقة كما فعل معها وهذا ما علقت به خالته بعدما استقروا جميعهم، لتبتسم ملاذ باصفرار لكن كانت البسمة لم توجه إلا لناردين، بينما همس أنس:
-خالتي، ملاذ ليست غريبة لألا تعرف مقاطعتي لكم، كما أن كل هذا الجمع يعرف تلك المقاطعة منكن أنتن الثلاثة، لذلك رأيت ألا داعي لتمثيل أدوار ليست حقيقة.
كانت والدة أنس صامتة ولا تتحدث فقط نظرات حزينة توجهها لابنها أثناء حديثه، وثم ألتقت عيناها بعينين ملاذ التي كان وجهها صفحة من الرخام البارد، فكانت نظرتها تحمل من البرود ما يصيب بالصقيع، ولا تصدر أي شعور داخلها.
ظل الجميع صامتًا يتابع الحفل بعيون ميتة، ومشاعر خالية من أي دفئ، حتى هدأت الموسيقى والرجل المسؤول عن تنظيم الحفل يدعو الجميع لتناول الطعام، فمال أنس على ملاذ يسألها إن كانت تريد الذهاب معه لكنها رفضت، فسألها مجددًا إن كانت تريد نوعًا خاصًا من الطعام، لكنها رفضت مرّة أخرى فظل ينظر لها بحزن لكنها لم تحرك ساكنًا غير أنها حولت نظرتها بعيدًا عنه، فوقف متنهدًا وكانت قد سبقته ناردين ووالدتها، فلم يتبق غير ملاذ وحماتها على الطاولة، تكلمت والدة أنس بادئة الحديث:
-لقد جئتِ لمنزل ابني دون أن تزورين والدته، ولم تحدثيني هاتفيًّا لتسألي عن أحوالي.
ابتسمت ملاذ سخريتًا وتكتفت أمام صدرها وتعود بظهرها لظاهر الكرسي وقالت:
-كنت أسأل يا حماتي، وكنت لم أبذل جهدًا كما بذلت لأكسب رضاكِ لأجل أنس، لكن الحقيقة أني اكتشفت أن لا أنتِ ولا هو تستحقوا، وآه أخبريه بما قلت فقد أخبرته بذلك من قبل!
-هل تهينين ابني أمامي يا ملاذ؟!
-نعم، فماذا حصدت بعد أن حفظت كرامته وصنتها وكنت له الزوجة ودواءه الحلو من الحياة؟! لم أحصد شيئًا صدقًا أحدثك، ولأكون صادقة أكثر لم أحصد غير كرامتي المهانة تحت أقدامكم.
رفعت ذقنها ووجها دليل اكتفائها من الحديث لتقع عينيها على ناردين وهي تقترب من أنس وتبتسم بإغواء وهي تتحدث معه بعد أن رمقتها بتحدٍ ثم أمسك بمغرفة أحد الأطباق وغرفت في الطبق الذي يحمله أنس وهي تبتسم له، وتنظر لملاذ في الخلف ولسوء حظها أن أنس لمح نظرتها فاستدار ينظر لملاذ التي رفعت ذقنها بتعالٍ، فابتعد عن ناردين وهو يطرق الطبق الذي يحمله أمامها، وذهب ليأتي بطبق جديد، فابتسمت ملاذ لناردين نظرة أودعتها كل استهانتها بها.
بعد قليل انضمت ناردين ووالدتها للطاولة مجددًا لتقول ملاذ بصوت مسموع:
-يوجد أناس يجب دعس كرامتهم يومًا لكي يعرفو مكانتهم الطبيعية!
ظلت ناردين تنظر لها قليلًا ثم شرعت في تناول الطعام، أنضم أنس وهو يضع طبق أمام ملاذ، والتي زكمت رائحة المشاوي الضأن أنفها، فانقلبت معدتها في لحظة وشعرت بغثيان الحمل الذي جعلها تهب واقفة تكمم فمها تهرول نحو الحمام، فوقف أنس يحاول اللحاق بها فقالت ناردين:
-لن تستطع الدخول إلى حمام السيدات، سأذهب لها أنا.
نظر لها أنس بشك، فهمست:
-سأرد بعضًا من جميلك يا ابن خالتي.
وبالفعل انسحبت نحو الحمام وراء ملاذ، وأخذت تبحث عنها في أكثر من حمام يوجد في هذه القاعة لكنها لم تجدها وعندما لمحتها تخرج من أحدهم رن هاتفها في يديها وكان الرقم ضروريًّا اجابته، فلما رأت ملاذ تقف على قدميها وليست بحاجة لمساعدتها استدارت ترد على الهاتف، لكن لسوء حظها أن ملاذ رأتها وهي يزداد احساسها بالدنو خاصة إنها خرجت ولم تجد أنس في انتظارها، فذهبت تخبرها بكذبها، لكن لم تكد تقترب حتى سمعت صوت ناردين وهي تصرخ محتدة:
-قلت لك ألا تتصل بي مجددًا وأني أنا من سأتصل بك، إن شعر أنس أو أمه بشيء سيضيع كل تعبنا!
ظلت تسمع لما يقوله الطرف الآخر:
-العملية القادمة ستكون تفجير إحدى دور العبادة، لا تقلق سيكون كل شيء على ما يرام، أنا انتقم لزوجي يا ياڤن، ولن يحرص على أخذ انتقامي غيري انتظر فقط اشارتي.
كانت ملاذ في الخلف تتسع عيناها بإدراك يكاد يقتل باقي تعقلها... هل ما سمعته حقيقة؟؟ هل ناردين إحدى عناصر التشكيل الذين يبحثون عنهم؟؟ هل العدو في ديارهم وقريب إلى هذا الحد كأفعى سامة تتلون حتى تقنعك بما تريد... هل يحتضنون العدو بينهم بكل إخلاص!!
حاولت اصدار أوامر لعقلها بالاستدارة هاربة قبل أن تستدير ناردين خاصة وهي تسمعها تنهي المكالمة، لكن الشلل أصاب قدميها بل كل كيانها، ومع استدارة ناردين والتي لم تحتج للكثير لتعرف ماذا سمعت بالضبط؟؟ فالنظر لعيني ملاذ في تلك اللحظة يجعلك تفهم بما لا داعي للشك أنها سمعت كارثة كبرى!
༺༻
انتهى الفصل الحادي عشر
مش هقول قراءة سعيدة
بس هقول والسلام♡
وبراحة عليا عشان أنا غلبانة وصاحبة مرض")
دمتم♡


چورية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس