عرض مشاركة واحدة
قديم 18-05-23, 01:21 AM   #461

فاطمة الزهراء أوقيتي
 
الصورة الرمزية فاطمة الزهراء أوقيتي

? العضوٌ??? » 475333
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 612
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » فاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond repute
Post الفصل الثالث والعشرون من رواية وشمتِ اسمكِ بين أنفاسي




الفصل الثالث والعشرين????


فتح حمادة الباب وتقدمت عزيزة أولا تحمل أكياس هدايا وتمسك يد لينا باليد الأخرى،وخلفها زكريا يحمل صندوق ذهبي متوسط على شكل قلب بأربع طبقات، طبقتين تحويان تمرا محشوا باللوز،جوز و الكاجو، وطبقتين تضم مختلف أنواع الشكولاتة،في حين أن أنس كان آخر من دخل يحمل باقة من التوليب باللون السماوي وكيس هدايا.

كقمر مشع في ليلة حالكة السواد،يغرينا لنتوقف عنده ونمعن فيه النظر كأنه آخر شيء نفعله في حياتنا.
تصلبت قدما أنس مركزا نظراته على عَلْيا،وتسارعت نبضات قلبه وهو يراها بملابس تقليدية لأول مرة،قبل أن تدفعها سمر لأقرب غرفة وتغلق عليها الباب، وهي تهز سبابتها أمام وجهه وتقول بمشاكسة"لا لا،ممنوع رؤيتها قبل وضع الخواتم".

تبادلت النساء التحية بفرحة،وقبل كل من زكريا وأنس رأسي آمنة وسميرة،وتردد الأخير في الطريقة التي سيحيي بها نادية،فبالرغم من أنه يحاول دفع عَلْيا باتجاه والديها ،إلا أن هذا لا ينكر حقيقة أنه يتخذ موقفا قويا منهما،انتهى تردده بأن سلم عليها بنفس الطريقة متفاديا الإحراج.
وقف ينظر للمكان بتوتر ويركز نظراته على الباب الذي دخلت منه قبل لحظات،فاقتربت منه سمر قائلة بمزاح"مرحبا بالعريس"،رد عليها بهدوء"أهلا بصديقة العروس" ثم مد لها كيسا يضم صناديق مخملية اثنان منها باللون الوردي الباهت،وآخر باللون البني وأكمل"احرصي ألا تراهما عَلْياءْ قبل وضع الخواتم"
غمزته بعبث"لا تقلق،سأضعهما في المكان المخصص لهما"
حرك رأسه بتوتر ولمح حمادة يهم بغلق الباب فقاطعه"لحظة يا حمادة،لا تغلقه،أشرف بالخارج"
نقلت نظراتها للباب بسرعة ثم ابتلعت غصة مؤلمة متزامنة مع تسارع دقات قلب اعتادتها في كل مرة تلمح طيفه أو تسمع اسمه،قبضت كفها تستعيد رباطة جأشها ثم انسحبت للغرفة.

دخلت آمنة للبهو الكبير الذي تتوسطه ثلاث موائد خشبية مزخرفة،اتخذ الرجال جهة وأشارت للنساء للجلوس في الجهة المقابلة، وزعت على كلتا المائدتين أطباق من المملحات،والحلويات التقليدية بمختلف أنواعها والعصائر،وصينيتين ذهبيتين تضم كل واحدة منهما براد شاي مغربي محاط بكؤوس منقوشة باللون الذهبي،وطبقين يحويان مختلف أنواع الفواكه الجافة.
لم تفكر آمنة في تفريق النساء عن الرجال خاصة أن الجميع يعرفون بعضهم أحق معرفة وأغلبيتهم اعتادوا الاجتماع في المناسبات الخاصة،و الدخيلين الوحيدين كانا نادية ومصطفى.
كما آثرت أن عَلْيا في يوم كهذا تحتاج تواجد الجميع معها،من حكيم وسميرة اللذين يشكلان جزءا كبيرا من طفولتها،مراهقتها وشبابها الآن،إلى حمادة الصغير الذي يعتبر شقيقا بيولوجيا أقرب لها من ليلى نفسها.

خرج أسامة من البهو الواسع،يكبح ضحكة ملحة وهو يرى أنس يهم بالدخول يشعر بالتوتر ويفرك باطن كفه اليمنى بسروال بذلته الرسمية والتي اختار أن يرتديها بدون السترة العلوية مكتفيا بالقميص الأبيض فقط،ويحمل الباقة باليد اليسرى،أخرج هاتفه من جيبه وباشر بالتقاط صور عديدة له وإرسالها لعَلْيا،ضيق أنس عينيه قائلا"لا تتهكم، اتفقنا؟ أشعر بالتوتر لا أدري لماذا؟"
"تتصرف كأنك تخطب فتاة لأول مرة" أتاهم صوت أشرف الذي دخل للتو، فرفع أسامة إبهامه في وجهه قائلا"في الصميم"،صافحا بعضهما وتلامس كتفيها في عناق ذكوري خفيف.
ثم ربت أشرف على كتف أنس قائلا"تشجع يا فتى، فهذه خطوتك الأولى لتتخلى عن رداء الرجل المتميز،وستصبح عاديا كالباقين"
ابتسم أنس في وجههما بتكلف وقال بتهكم"سنرى كم سيطول تميزكما!،تنحى جانبا يجب أن ندخل"
وحاول تجاوز أسامة الذي يقف أمام باب البهو، أوقفه الأخير ثم عدل ياقة قميصه قائلا بنبرة صادقة"هذا هو التميز الذي يستحقه كل من أنس وعَلْيا منذ زمن يا أشرف"ربت على كتفيه وأكمل بتشجيع"لا تتوتر سيكون كل شيء بخير"
لقد كان يشعر بتوتر رهيب،لم يشعر به عندما ذهبوا لخطبة ريم أول مرة،فتساءل مرات عديدة إن كان هذا هو الشعور الطبيعي،ذلك المزيج بين الفرحة العارمة التي تجعلك تشعر بثقل كبير في معدتك وفراشات تحوم حول ذلك الثقل،وتوتر شديد من الانتقال التي يحصل للعلاقات بعد الاقتران.
أومأ ثم مط شفتيه وتنهد قائلا بهدوء"هل حضر الجميع؟"
همس أسامة"نعم الجميع بالداخل، والد عَلْيا وبابا حكيم، ولقد رأيت من حضرن من النساء"
همس"أتى والدها أيضا!" ثم قال بصوت أعلى نسبيا"هيا لا بد أن ندخل، فوقفتنا هذه لا تتناسب مع الوضع"
فسح المجال أمامه ليدخل أولا ثم لحق به، وهم أشرف بالدخول أيضا خلفهما فأوقفه عبير لافندر استشعرته جيوبه الأنفية فورا بعد أن انتشر في الأرجاء بشكل أقوى من ذي قبل،استدار بنظراته باتجاه الباب الذي فتح قبل ثواني،فلمحها ترفع قفطانها بأناملها ليكشف عن كعب أسود عالي،كانت توليه ظهرها ولا يظهر منها سوى شعرها وإحدى ساقيها،و تتحدث مع أحدهم بهمس خلف ذلك الباب،استدارت فجأة لتفاجأ بأشرف يناظرها بعيون قاتمة وغامضة،وازدادت قتامة عندما ركز نظراته على شفتيها.
طنين قوي عصف بدماغه وشعر كأنه يردد داخليا"إنه أحمر الشفاه من تلك الليلة" وكحركة لا إرادية أدخل يده في جيب سترته يبحث عن شيء، لكنه لم يجده..لقد نسيه في جيب السترة الأخرى،كيف ستمر هذه الليلة على خير وأوداجه قد انتفخت من مجرد أحمر شفاه،ابتلع غصة في حلقه وهو يشعر فعليا أنه لا يستطيع أن يحيد بنظراته عنها.
مسح على قامتها بنظرات تقييمية لم يستطع التحكم بها، فرفعت حاجبيها تنظر له بتحدي عله يخجل من نفسه ويغض بصره عنها، نفضت خصلات شعرها للخلف ثم تجاوزته ودخلت للمطبخ بدون أن تلتفت له،وسمح لنفسه باستنشاق عبيرها متمنيا لو يستطيع سجنه بين ثنايا صدره لأطول فترة ممكنة.
*******
'في البهو'
كان زكريا منشغلا بهاتفه منذ دخوله،جلس بجانب حكيم فاقتربت منه لينا،تطلب منه أن يحملها،رفعها ووضعها على حجره ثم دلك شعرها برفق،وصله إشعار من هاتفه ينم عن وصول رسالة،وكانت جوابا من عزة وقد سألها سابقا عن عدم مرافقتها لأشرف،فردت عليه"لقد رفض أبي ذلك،لا زال يتخذ موقفا مني بسبب هروبي المرة السابقة،كيف الأجواء عندكم؟"
قبل زكريا خد لينا بحنان ثم بدأ يضغط على لوحة المفاتيح"هادئة إلى الآن، لقد دخلنا للتو"
ردت عليه بعد ثواني بالضبط"جيد، وددت أن أحضر أيضا،لكن لا مشكلة..بلغ تحياتي للجميع،وبارك لأنس،أما عَلْيا فقد اتصلت بي هذا الصباح تطلب مني المجيء وباركت لها سابقا"
رد عليها مباشرة"حسنا، سأبلغه بذلك،سأضع الهاتف الآن،نلتقي صباحا"
وكتبت"تصبح على خير"
وأدخل الهاتف في جيبه ثم اعتدل في جلسته ينظر للجميع بهدوء.

كانت الأحاديث العشوائية هي المسيطرة في الجلسة بين الرجال،يتحدثون تارة عن السياسة،كرة القدم وأنهوا الحديث بالأسس التي يقوم عليها الزواج الناجح،كل على حسب تجربته.
في حين أن الأحاديث النسائية غلب عليها المزاح الخافت أكثر من أي شيء آخر، انضمت لهم سمر أخيرا وفي نيتها التقاط الأحداث ونقلها لعَلْيا مباشرة، لإطلاعها على الأجواء السائدة.
الاجتماعات العائلية،المناسبات…دائما ما تحمل العديد من الخبايا،خفقات قلب منفلتة،نظرات مسترَقة،مشاعر تلوح في الأفق،قلوب ملتاعة وأخرى مكسورة والأهم لحظات لا تنسى.
كان أشرف يحاول جاهدا التحكم في نظراته التي تلاحق سمر وكل خلجاتها، ابتسامتها تأسره كما تفعل به عفويتها،شخصية تبدو له متناقضة بكل المقاييس وشهية بشكل لم يعد يستطيع مقاومته،شرسة لكن وديعة…ابتلع ريقه يشعر بالخزي من مشاعره المنفلتة في حضرة عائلتها وهو ما لا يقبله على نفسه،فأشاح بنظراته بعيدا يتظاهر بانشغاله مع لينا الصغيرة.
في حين أن أحدهم غارق في تفاصيل نارية تجلس هادئة على نحو غريب مكتفية بأحاديث مقتضبة مع ليلى وتتلاقى نظراتهما في الكثير من الأحيان وتكون دائما السباقة بكسرها.
*****
'في غرفة ثريا'
طرقات خفيفة على باب الغرفة استرعت انتباه عَلْيا التي كانت تقف أمام المرآة شاردة في أفكارها وتحاول تعديل حزام قفطانها من الخلف، نطقت بصوت خفيض"ادخل!"
كانت تنظر للباب عبر المرآة،فاهتزت حدقتيها للحظات وهي ترى نادية تدخل من الباب وتوقف الزمن لثواني فور تلاقي نظراتهما، أشاحت عَلْيا بنظراتها أولا ولا زالت أناملها تتحرك بعشوائية تحاول تشكيل عقدة منمقة بالحزام.
اقتربت منها نادية بتردد ووقفت خلفها تنظر لها، وعينيها تنطق بالكثير من المشاعر من بينها الندم.
مدت يدها تلمس الحزام،فتوقفت للحظة وكأنها تطلب منها الإذن لتقوم بهذه المهمة المستعصية.
سحبت عَلْيا أناملها وأومأت تسمح لها بفعل ما تريده.
فتحركت أنامل نادية برشاقة على الحزام لتشكل عقدة جميلة وهمست"لقد كبرت وأضحيت عروسا جميلة"
أومأت عَلْيا بهدوء ثم همست بجفاء"نعم، على ما يبدو"
تراجعت نادية خطوتين للخلف فتنهدت عَلْيا تحاول السيطرة على مشاعر النفور التي شعرت بها فجأة،بل مزيجا من النفور والغضب والاستنكار والعديد من المشاعر الأخرى التي تجتاحها دائما في حضرة والدتها،
كأنها تغذت على لوم السنين لتغدو مهولة بشكل يصعب التحكم به.
ابتلعت ريقها وهي ترى تأمل والدتها لوجهها بنهم قبل أن تقول"أنت تشبهينني في شبابي بشكل كبير"
لم ترد عليها وهي في قرارة نفسها تريد"لا أرغب بذلك حقا"
أكملت نادية"أرجو أن وجود ليلى لا يزعجك!"
فلتت منها ابتسامة ساخرة وقالت"هل تذكرتها للتو؟"
اهتزت حدقتا نادية وبررت قائلة"لقد اضطريت لإرسالها هنا، بالرغم من إصرار والدها على إرسالها عند أعمامها لكنني خفت عليها"
ردت بنبرة جافة تخفي بها الشعور بالألم والغيرة في آن واحد"جيد أنك تعرفين شيئا عن مشاعر الخوف على ابنتك"
ردت بهدوء"تربية ليلى كانت صعبة نوعا ما،فتاة طيبة لكنها متهورة وتسبب المشاكل دائما"
قاطعتها باندفاع"لم تستطيعي تحمل مسؤوليتها ففكرت بإلقائها على عاتقي،ولم تكلفي نفسك عناء التشاور معي بشأن ذلك"
سألتها بتردد"هل أنت معترضة على بقائها معك؟"
ردت عليها باندفاع"بل أنا معترضة على عدم قدرتك على تحمل مسؤولية بناتك، لقد قلت أنني أشبهك، أنا لا أرغب بذلك، لا أريد أن أكون نسخة منك، بالرغم من مرور السنوات لكنك تكررين نفس الخطأ مرة أخرى، التخلي،وكم أنت بارعة في ذلك يا أمي،أنت لم تغلقي بعد ملفك القديم معي وتسرعين بفتح ملف تخلي آخر،لماذا تتكبدين عناء إنجابنا إذا كنت تسارعين للتخلي عنا في أول فرصة"
همست باسمها بألم"عَلْيا"
لم تلتفت لها وأكملت بما يجيش في صدرها"لست معترضة على بقائها، فعلى الأقل ستنال من جدتي ما سيكفيها من الحنان لتستمد منه طاقتها عندما تستوعب فجأة أنه تم التخلي عنها،وما أتمناه حقا هو ألا تكره نفسها وهي تفكر في أن تهورها هو السبب، وليس لأنك تهوين عادة التخلي"
شعرت عَلْيا أنها في حقيقة الأمر تعبر عن نفسها من خلال ليلى،وأن تحدثها عن جدتها وكره النفس كان ما شعرت به هي ولوقت طويل جدا.
ابتلعت نادية ريقها واقتربت منها تتشبت بكمي ملابسها وقالت باندفاع"الأمر ليس كما تظنين يا عَلْيا،أنا لم أتخلى عنك لأنني أردت ذلك،أنا…أنا"
قاطعتها عَلْيا ببرود وهي تزيح كفيها عن ملابسها برفق"أنا لا أريد أن أسمع تبريرات لم تعد لها معنى بالنسبة لي،ولم أدعوك اليوم لأفهم منك شيئا،لقد دعوتك لأنني لا أريد أن أكون مثلك ولا مثل أبي،أنتما قررتهما الانفصال عني بانفصالكما عن بعضكما منذ زمن،واليوم أردت فقط أن أريكما أنني أصبحت شابة يافعة بدونكما وتأثيركما الوحيد أنكما كنتما السبب في إنجابي لا غير"
ألقت بنظرة سريعة على المنضدة الملاصقة للسرير واتجهت نحوها تحمل ظرفا أبيضا كان فوقها وقد طلبت من سمر إحضاره سابقا من غرفتها حيث وضعته منذ أن سلمته لها جدتها وهي تخبرها أن والدتها أرسلت لها المال لتجهز لخطبتها وقد كانت تنوي إرجاعها لها في آخر السهرة،دفعت به لصدرها وهي تخبرها بجفاء"لا أحتاج نقودك،ولا تفكري في إصلاح الأمور بالماديات مجددا،فأنت تزيدين الطين بلة فقط"
اقتحمت ليلى الغرفة وهي تقول باندفاع"عَلْيا إنهم ينادونــ…أمي ظننت أنك في الحمام"
ردت عليها عَلْيا"إنها هنا معي،أخبريهم أنني سآتي حالا"
نقلت ليلى نظراتها بينهما وقالت بترقب وقد لاحظت امقتاع وجه والدتها"هل حدث شيء؟"
ردت عليها بهدوء"لم يحدث شيء،لقد كنا نتحدث أنا وأمي عن أن الأيام القليلة كانت كافية لتعتادي على الحياة معنا"ابتسمت في وجهها بهدوء ثم أكملت"أخبريهم أنني قادمة!"
أومأت بهدوء وانسحبت من الغرفة على مضض، تلاحقها نظرات عَلْيا التي ركزت نظراتها على والدتها ما إن اختفت ليلى من أمامها، ابتلعت ريقها وقد تسرب إليها شعور بالذنب فقالت بجفاء"من بين الأسباب التي تجعلني أكره مقابلتكما،أنت ووالدي هي المشاعر السلبية التي تجعلانني أشعر بها اتجاه نفسي"رمشت جفونها عدة مرات تطرد غمامة التأثر التي تغزو مقلتيها ثم زفرت نفسا عميقا وهي تكمل بسخرية"سأمنحك الشرف بتسليم العروس إلى خطيبها،بالرغم من أن الشرف الوحيد الذي نلته منكما كان هو التخلي عني".
رمقتها نادية بنظرات معاتبة ودائما ما تنجح عَلْيا في إخراسها عن أي تبريرات تريد أن تقدمها لتتحسن علاقتهما،وما يؤلمها أنها لا تلومهما بل تكتفي دائما بالحديث عن مشاعرها الخاصة وما عانته من التخلي وهذا ما يصيبها في مقتل،ليتها تلومها فعلى الأقل ستضعها في موقف لتدافع فيه عن نفسها، لكنها لا تفعل ذلك.
تنهدت عَلْيا مرات متتالية تطرد الكم الهائل من المشاعر السلبية التي تشعر بها الآن محاولة تذكير نفسها بأن هذا اليوم بالضبط انتظرته منذ سنوات عديدة ولن تسمح للحظة واحدة بتعكير صفوها، ضربت على خدها لتركز أكثر ثم رسمت ابتسامة هادئة على شفتيها نحجت في إخفاء الكثير من الحسرة والحزن واشارت لوالدتها لتتقدمها"تفضلي أولا!"
التقبل التام لمصائرنا في هذه الحياة يكون نجاتنا أحيانا، الرضا بالواقع وبأننا خلقنا لنكون خطة بديلة في حياة أشخاص من المفترض أن يكونوا لنا الحياة،أفضل بكثير من البحث عن طرق لإشباع جوع مشاعرنا الناقصة.
********
دخلت نادية أولا تحت نظرات الجميع المترقبة، ثم لحقت بها عَلْيا،وباشرت سمر بالتعشاق فور رؤيتها،فسايرتها الأخريات،كست حمرة قانية وجنتيها وهي تستشعر نظرات الجميع نحوها،فاقتربت بخجل فطري من عزيزة التي عانقتها بخفة وهي تسمي الرحمان ثم قبلت وجنتيها من الجهتين وهي تردد"ماشاء الله،ماشاء الله" أمسكت بكفها وتوجهت بها نحو أنس ثم طلبت من أسامة أن يتنحى جانبا وأجلستها بجانب أنس،الذي كان يناظرها بانبهار حاول جاهدا التحكم به،فغض بصره عنها على مضض.
قالت عزيزة بثبات"بما أن العروسة حضرت الآن،فلا مزيد من تأجيل حديثنا"ابتسمت بهدوء وهي تنقل نظراتها بين أنس وعَلْيا وأكملت"ابني أنس تعرفونه منذ نعومة أظافره،وعَلْيا بمثابة ابنتي،واليوم أتينا طالبين وراغبين في يد ابنتكم عَلْيا لابني أنس"
تنحنح مصطفى ثم قال بهدوء"يبدو أن الشابين يعلمان ما يريدانه،وأنا عن نفسي لن أقول سوى جمع الله بينهما في الخير،ويبقى الرأي الأول والأخير لعَلْيا"
قاطع أسامة الحديث قائلا"لحظة،لحظة من فضلكم،قبل إعلان موافقة الطرفين،وبصفتي بمثابة أخ لعَلْيا،فأنا أرغب حقا بمعرفة ما الذي سيجعلنا نوافق على ابنك أنس يا زيزو"
هتفت سميرة باستنكار"أسامة ماذا تفعل؟"
أغمض عينيه رافعا كفه وهو يقول بهدوء"لحظة يا أختي، لحظة، أنا اريد أن أعلم،هذا اقتران سيدوم مدى الحياة فمن حقنا معرفة مزايا العريس، أما ابنتنا فماشاء الله تبارك الرحمان لا غبار عليها"
انحنى أنس من خلف عَلْيا وجز أسنانه قائلا"كنت أعلم أنك ستستظرف، ألم تجد وقتا غير هذا" كبحت عَلْيا ابتسامة ملحة مستمتعة بما يحدث خاصة أن التوتر والمشاعر السلبية التي كانت تشعر با بدأت تتبدد شيئا فشيئا.
رقص له حاجبيه باستفزاز وقال بديبلوماسية"هيا يا أنس،نحن ننتظر أن تعدد لنا المزايا التي سنقبل بك على أساسها"
كان أشرف وزكريا يتابعان الموقف باستمتاع وهما يراقبان شعور أنس بالحرج أمام والدي عَلْيا خاصة.
فقال حكيم وابتسامة هادئة تزين ثغره"كف عن ذلك يا أسامة،لقد أحرجت الرجل"
هتف أسامة باستنكار"أي إحراج! الرجل أكل من طعامنا وشرب من شاينا، وكان يستفيد ولوقت طويل من موائد الرحمان التي تقيمها أختي وابنتها كل صباح يدعوان هذا وذاك ، وسيشعر بالإحراج الآن،لا لا الأمر أبسط من ذلك بكثير" نظر له مجددا"أين كنا، آه نعم تذكرت، المزايا" وبسط كفه أمامه ينتظر أن ينطق ليعدها واحدة بواحدة.
ضحك الجميع على مشاكسات أسامة لأنس،إلا الأخير الذي كان يتوعده في سره أن دوره سيحين وسيرد له الصاع صاعين.
اقتربت سمر تحمل صينية ذهبية تحوي الصناديق التي سلمها لها أنس سابقا، وكأسي حليب وتمرتين، وضعتها على المائدة الفارغة بهدوء ثم اقتربت من أسامة وأمسكت ذراعه تجذبه نحوها"تعالى يا حبيبي تعالى،وإلا ستخرج اليوم متكسر الأضلاع،فأحدهم ليس في مزاج للمزاح، أليس كذلك يا عريس؟"
حدجه بنظرة متوعدة ثم ابتسم في وجه سمر بتكلف قائلا"أبعدي خالك الجحش من أمامي يا سمر"
فلتت ضحكة من بين شفتي عَلْيا فالتفت لها أنس وانفرجت شفتيه عن ابتسامة صادقة هو الآخر.
ونطق أسامة بعدم رضا"هذا الجحش جهز لك مفاجأة كانت ستعجبك كثيرا يا سيد أنس،لكني غيرت رأيي الآن، كانت مفاجأة كبيرة حقا!"
قال أشرف بمزاح"هل هي فرقة دقايقية سابقة لأوانها؟"
قلب عينيه قائلا بتعالي"مفاجأة هذه المرة،من الطراز العالي، لا أظن أن أحدهم فعلها سابقا، المهم لم تعد هناك مفاجأة،فالجحوش لا تعرف شيئا عن المفاجآت"
صفق حكيم بيديه وقد لمح انزعاج مصطفى من تدخل الشباب بحديث الكبار وقال"دعونا نستمع لرأي العروس أولا ثم نرى ما هي المفاجأة يا أسامة" وأشار له بعينيه بأن يهدأ قليلا،فلا يبدو أن مصطفى استساغ العلاقة التي تجمعهم ببعضهم.
فهم أسامة قصده فجلس بجانب سمر واحتضن كتفها يهمس في أذنها بشي جعل عينيها تتسع إلى أقصى درجة وهي تهتف همسا"لا تقلها!"
أومأ مؤكدا وابتسامة شيطانية تزين ثغره..وكان أشرف يراقبهما بفضول ولم يستطع تبين ما يتهامسان بشأنه.
كرر حكيم سؤاله"ماذا تقولين في هذا يا عروسة؟"
ابتلعت ريقها تنظر للجميع وهي تشعر بحرج شديد ثم همست"رأيي من رأي جدتي"
ابتسمت آمنة بحنان ثم أطلقت زغرودة عالية تدل على موافقتها وموافقة العروس،ثم بدؤوا بتهنئة بعضهم البعض.
رن هاتف أسامة فرد على الفور قائلا"لحظة! أنا قادم."
أدخل الهاتف في جيبه مجددا وقال متوعدا"لا تضعوا الخواتم بدوني! انتظروني،لن أتأخر"
لم يلتفت له أنس وقرب الصينية عن قصد، فاقترب منه أسامة وقد توقع حركته سابقا ثم أخذ علبتي الخواتم عنوة وغادر البهو بهدوء تحت نظرات الجميع الغير مصدقة لتصرفاته الصبيانية.
خرج للحظات ثم عاد ومعه رجل يرتدي جلبابا من قطعتين ويحمل كتابا كبيرا.
نظر لها الجميع باستغراب،فقال أسامة موضحا"أقدم لكن المأذون الذي سيعقد قران أنس وعَلْيا الليلة."
توسعت عيون الجميع من الصدمة وقالت آمنة"ما الذي تهذي به يا أسامة؟"
اقترب منها أسامة واحتضن كتفها قائلا"أنت فقط اهدئي يا حاجة آمنة،وكل شيء سيمر على خير،إنه ليس بالأمر الجلل،إنها مجرد تواقيع وهوبا،سنعلنهما زوجا وزوجة"
اقتربت منه سميرة وهي تجز على أسنانها بغضب طفيف وتهمس"هل جننت يا أسامة،توقف عن عبثك هذا فوالدها لا يبدو راضيا عن تصرفاتك منذ البداية وأمها أيضا"
هز كتفيه بلامبالاة"أنا ما يهمني هو أنس وعَلْيا لا غير"
أشار للمأذون الذي لا يفهم شيئا وقال"تفضل سيدي المأذون،العروس والعريس جالسان هناك"وأشار لهما.
ثم أكمل"صب الشاي للمأذون يا زكريا،شاي أم عصير يا سيدي؟".
نظرت عَلْيا لأنس وسألته بهمس"ما الذي يحدث هنا؟"
هز رأسه نفيا بعدم استيعاب وأجابها "لا أعلم ربما هذه إحدى خطط أسامة،لحظة سأستفسر منه الأمر وأعود"
اقترب أنس من أسامة الذي قال بمزاح"مفاجأة تستحق الثناء أليس كذلك؟"
رد عليه بتشتت"لا زلت لا أفهم ماذا يحدث!"
ابتسم في وجهه ثم ربت على كتفه يهدئه وقال موضحا"الأمر بسيط، هديتي لكما هي المأذون الذي سيعقد قرانكما الليلة،لماذا تعقدون الأمور؟"
سأله مجددا"لكن كيف حصلت على الوثائق الخاصة بنا؟"
اقترب منه لكي لا يسمعه أحد"يبدو أنك كنت متأملا بأن توافق عَلْيا على عقد القران بعد أيام من الخطوبة فجهزت كل الوثائق المطلوبة" نظر له بابتسامة شيطانية ثم أكمل"وأنا وجدتهم على مكتبك قبل يومين وأخذتهم"ضرب على صدغه قائلا بتعالي"ما رأيك بذكائي"
توسعت عينا أنس باستيعاب ثم انفرجت شفتيه عن ابتسامة تعبر عن رضائه التام عن الفكرة، لكنها خمدت فورا عندما تذكر أن عَلْيا من الممكن أن تعترض عنها.
فهمس"لكن عَلْيا سترفض!"
هز أسامة رأسه نفيا وقال بثقة"عَلْيا على حسابي، يجب أن تخاف من رد فعل والدها"
نقلا نظراتهما بين عَلْيا ووالدها في نفس الوقت، فأشارت لهما بتوتر'ماذا يحصل؟'
اقتربت منها سمر وجلست بجانبها قائلة"لقد فكر أسامة في أن تكون هديتك وأنس، هي أن تعقدا قرانكما اليوم"صمتت لثواني ثم سألتها بتردد"ألا ترين أنها فكرة جيدة؟"
همت بالاعتراض"ولكننا لم نجهز شيئا! واليوم كان من أجل الخطوبة فقط"
قاطعتها سمر قائلة"ليس بالضرورة أن تجهزي شيئا من أجل عقد القران، يفصلك أكثر من شهر عن يوم الزفاف" ثم انحنت تهمس في أذنها"أنا في نظري أنها فكرة جيدة،فعلى الأقل ستعتادين كونك زوجته قبل الانتقال للعيش معه تحت سقف واحد، وأنا أعلم أنني وأشرف السبب في تأجيل زفافكما،ولو لم تكن هناك رحلة عمل لما فعلتما ذلك"
شعرت عَلْيا بالتوتر الشديد،فهي بالكاد صدقت أنها ستكون خطيبته لتفاجأ بعقد قران في نفس اليوم.
نظرت لأنس الذي كان يناظرها بتشتت أيضا ولم تحتج الذكاء لتعلم أنه ام يكن يعلم بما كان يخطط له أسامة.
نطق مصطفى بحزم"ماذا يحدث هنا؟"
فردت عليه آمنة بهدوء يتنافى تماما مع المفاجأة التي تشعر بها الآن"يبدو أن أسامة قرر مفاجأة أنس وعَلْيا بإحضار المأذون ليعقدا قرانهما الليلة"
سأل بحدة"بأي صفة؟إنه يتدخل في كل شيء منذ بداية الليلة"
رد عليه حكيم بصوت هادئ"لا داعي للانفعال يا سيد مصطفى،فأسامة يعتبر عَلْيا بمثابة أخته،خاصة وأنها شبه تربت لدينا في بيتما منذ طفولتها،ونعتبرها أنا وسميرة مثل سمر تماما،هذا بدون الحديث عن صداقته الوطيدة مع أنس"
شعر مصطفى بوخز في قلبه فهو لا يصدق أن لا رأي له فيما يطرأ على حياة ابنته من تغييرات وأن لها حياة بعيدة كل البعد عن حياته هو أو حياة والدتها،غزا الذنب صدره وشعر حقا أن وجوده هنا لا يتجاوز كونه ضيفا سيغادر في نهاية اليوم،نظر في وجه عَلْيا التي كانت تتأمل وجهه بدون تعابير وكأنها تخبره'بأي صفة تعبر عن رأيك أنت أيضا'
اقترب أسامة ليقف بجانب مصطفى ثم قال بهدوء"يبدو أن مفاجأتي لم تنل استحسانكم،لقد فكرت فقط أنها ستكون فريدة من نوعها،وللأمر أبعاد اجتماعية أيضا،فبعقد قرانهما سيسهل عليهما التنقل سويا بدون أحكام الجيران، بالرغم من أننا اعتدنا التسكع معا كأصدقاء،لكن الأمر هذه المرة مختلف تماما أليس كذلك؟" صمت قليلا ينظر للجميع ثم قال بصوت منهزم بدا جليا للجميع أنه مزيف،عدا أصدقاؤه وسمر الذين يعلمون جيدا أنه يحاول جعل الأمر يبدو بسيطا جدا أمام عائلة عَلْيا"عموما،أنا أعتذر عن تدخلي فيما لا يعنيني،لقد كنت أريد أن أسعدهما فقط" ثم مظر للمأذون الذي كان منشغلا بملء بطنه وقال بأسف"أعتذر عن إخراجك من منزلك في هذه الوقت من الليل، لكن يبدو أن عائلة العروس لا تريد أن يعقد عقد قرانها اليوم"
تدخلت عزيزة هذه المرة وقد التقطت ما يحاول أسامة فعله وقالت بهدوء"أنا لا مشكلة لدي في أن يعقد عقد القران اليوم،أليس كذلك يا أنس؟"
انتبه لها رد بتأكيد"بالطبع"
فأكملت"ولكن يبقى الرأي الأخير لآمنة وعَلْيا ووالديها"
تنهدت آمنة ثم قالت بهدوء"لا مشكلة في ذلك،الأمر فقط أننا تفاجأنا، عموما الرأي الأخير سيكون لعَلْيا وأنس،لأنهما المعنيان الأساسيان بالأمر،أرى أن يتناقشا فيما بينهما على ما يريدان فعله"
تنحنحت سميرة وبدأت تصب الشاي مجددا وقالت ببشاشة"أرى أن نشرب الشاي إلى أن يتناقش العريس والعروس،رافقيهما يا سمر إلى غرفة الجلوس"
كان أنس يقف بجانب الباب سابقا،فلحقت به عَلْيا وسمر التي انسحبت لاحقا قائلة"هنا ستنتهي مهمتي، لقد جعت من فرط الحماس" ودخلت للبهو مجددا.
'في غرفة الجلوس'
دخلت عَلْيا أولا وخلفها أنس،ثم وقفت في وسط الغرفة وقالت مباشرة بتوتر"يا إلهي ما هذا الذي فعله أسامة!"
ابتسم أنس وهو يتأمل وجهها وقال بهدوء"ألم تعجبك مفاجأته"
فردت بتوتر أكبر وهي تقطع الغرفة ذهابا وإيابا"لا أعلم لا أعلم، لكنها أشعرتني بالتوتر، لدرجة أنني لا أعلم ماذا سأقول وماذا سأفعل"
جلس بهدوء على الكنبة وقال"اجلسي أولا،لنأخذ الأمر بروية"
تنهدت بعمق ثم جلست هي الأخرى،وقال بابتسامة راضية"لأصدقك القول،المفاجأة راقت لي جدا" واتسعت ابتسامته أكثر.
فضيقت عينيها تنظر له وقالت باستكشاف"لأنك كنت ترغب بتسريع عقد القران منذ البداية"
سألها ببساطة"ألا ترغبين بأن نبقى قريبين من بعضنا في أغلب الأوقات"
تسارعت دقات قلبها واحمرت وجنتيها ثم همست"بلى!"
سألها مجددا"إذن ما الذي يمنعك من أن نتزوج الليلة!"
همست مجددا"لأننا لم نجهز شيئا من أجل بيتنا الجديد"قاطعها"نستطيع تجهيز كل شيء ونحن متزوجين"
التقط كفها الصغيرة بين خاصته فسكنت لثواني تنظر لكفيه ثم رفعت نظراتها تنظر له وقال بصوت متحشرج"أسامة فعل ذلك ليسعدنا،ولأنه استشعر مدى حاجتي لأن نعقد قراننا في أسرع وقت ممكن"
همست"حاجتك"
فرد عليها بتأكيد وبنفس النبرة المتحشرجة"يكفي أنني أريد أن أتلقفك بين أحضاني الآن وفي كل لحظة،ولا يمنعني عن ذلك سوى عقد القران"
ابتلعت ريقها واحمر وجهها ثم همست"لقد حضنتني سابقا"
رد باندفاع"لا يحتسب،لم يملأ ولو بنت شفة من الفراغ الذي يشكله عدم تواجدك بجانبي"
رمشت بعينيها عدة مرات وجملته تتردد بداخلها وصدى أقوى يجيبه"عدم تواجدي بجانبه يشكل فراغا بداخله،هل يحبني بنفس القدر الذي أحبه به؟"
سحب كفها بهدوء ثم وقفت تحاول التحكم في نبضات قلبها وإلا ستفقد المتبقي من تماسكها وترتمي في حضنها متناسية وجود الجميع.
أغمضت عينيها ثم قالت بصوت متحشرج"حسنا لتفعل ذلك!"
وقف هو الآخر وسألها"هل أنت متأكدة؟"
ابتسمت في وجهه وقالت بهمس أحرق المتبقي من تماسكه"وأنا أيضا أريد أن يمتلئ بك فراغ روحي"
اندفع باتجاهها واحتضن وجهها بكفيه فلفحت أنفاسه المحترقة خدها المرهف،يتشرب ملامح وجهها بنهم ونطق بصوت خفيض سرى وقعه بكامل جسدها، مخلفا رعشة لذيذة ودت لو أنها لم تُدْرَك"كلمة أحبك تبدو ضئيلة جدا أمام ما أشعر به اتجاهك" طبع قبلة عميقة على جبهتها وتعمد إطالتها يستشعر ملمس بشرتها.
تنحنحت ليلى،فانتفضت عَلْيا مبتعدة عن أنس وفرك كفيه بسرواله يحاول التخلص من تأثر اللحظة،فقالت ليلى ببساطة لتجنبهما الإحراج"المأذون يريد المغادرة"
رد عليها بتوتر استطاع إخفاءه بأعجوبة"أخبري الجميع أننا سنعقد عقد قراننا الليلة يا ليلى!"
أومأت ثم ابتسمت بصدق قائلة بحماس"حقا!مبارك لكما،سأذهب لأخبر الجميع" واختفت من أمامهما.
ضحك أنس وهو يرى عَلْيا تحرك كفها أمام وجهها بإحراج فأوقفها عما تفعله قائلا بهدوء"هيا فيبدو أن المأذون ضاق ذرعه من تأخرنا".
أومأت بتوتر ثم لحقت به تحاول التحكم في ما يخالجها من مشاعر مختلطة ما بين توتر وفرحة وعدم تصديق.
*********
"أعلنكما زوجا وزوجة،مبارك لكما،لنقرأ جميعنا سورة الفاتحة متمنين من الله أن يسعد الزوجين في حياتهما الجديدة وأن يجمع بينهما في الخيرات والمسرات أكثر من المضرات" نطق بها المأذون ثم رفع كفيه وبدأ بتلاوة سورة الفاتحة،وفعل الحاضرون نفس الشيء، ثم غادر بعد أن استلم مستحقاته من أسامة.
الحب والعلاقات شيء وأن تشعر بأن من تحبه ملك لك شرعا شيء آخر حقا، الأمر أشبه بقدرتك الآن على أن تسقط من سابع سموات غير آبه بأن تكسر أضلعك،منهيا سقوطك بابتسامة واسعة تعبر تماما عن فرحتك بأنك لم تمت بالرغم من جميع الآلام،هذا كان شعور عَلْيا،كل شيء هان بعد توقيع ذلك العقد،بل كل شيء هان عندما أدركت حبه لها.
دخل أسامة بعد أن ودع المأذون ثم وضع صندوقي الخواتم على الطاولة قائلا"الآن فقط سنسعد برؤيتكما تضعان خاتمي الزواج" وانحنى يهمس"أود حقا أن أصرخ عاليا معبرا عن الراحة التي أشعر بها الآن بعد أن زوجتكما لكنني خائف من أن يطردني والدك يا عَلْيا"
ضحك الاثنان من مزاحه ثم قالت عَلْيا"لا أعلم حقا كيف وصل تفكيرك لتلك النقطة،أن تحضر المأذون بدون أن تخبر أحدا"
رفع سابته قائلا بتعالي"قدرة ربانية حباني بها الرحمان" ثم غمز مكملا" ولكن بيني وبينكما تعبت من انتظار هذه اللحظة فقررت أن أتصرف بنفسي،فبعض اللمسات لن تضر في شيء"
هز أنس رأسه بقلة حيلة ثم ابتسم قائلا"أهنئك على هذه اللمسات" وألقى نظرة سريعة لعَلْيا التي ابتسمت بخجل.
اقتربت سمر تحمل مكبر صوت وشغلت عليه إحدى الأغاني الرومانسية لإليسا وسعد المجرد، من أول دقيقة.


بغير من عيني وأنا شايفك وده اللي وصلت ليه
لو أسمع اسمي بشفايفك بقولك كرريه
وعمري ما هقدر أوصفلك بحبك قد إيه
ارسمني في ليلك نجمة، ضيها يلمع في العين
اكتبني في عمرك كلمة يحكوها الناس بعدين
أنا نفسي أعيش فوق عمري يا حبيبي معاك عمرين
لو تطلبي مني عينيا، لو تطلبي عمري كمان
هاديكي سنيني الجاية وهكون راضي وفرحان
أنتي اللي وجودك جنبي حسسني إن أنا إنسان
ده من أول دقيقة لحبك قلبي مال
عرفت بمية طريقة تغير حال بحال
بتوه بين الحقيقة يا عمري والخيال
ده من أول دقيقة لحبك قلبي مال
عرفت بمية طريقة تغير حال بحال
بتوه بين الحقيقة يا عمري والخيال
أنا عايزاك تفضل جنبي سندي وفارس أحلامي
قلبي في قربك متطمن خليك دايمًا قدامي
أنا قبل ما بنطق كلمة بتكمل ليا كلامي
ده وجودك بيكملني خليتي حياتي حياة
إحساسي بحبك خدني وأنا هفضل ماشي وراه
حضنك يا حبيبتي لا يمكن لو ثانية أعيش براه
في واحدة تملي في ظهرك وفي ضعفك هتقويك
تؤمرها حبيبي وأمرك هتقول شبيك لبيك
جنبك ولآخر عمرك هتعيش علشان ترضيك
ده من أول دقيقة لحبك قلبي مال
عرفت بمية طريقة تغير حال بحال
بتوه بين الحقيقة يا عمري والخيال
ده من أول دقيقة لحبك قلبي مال
عرفت فمية طريقة تغير حال بحال
بتوه بين الحقيقة يا عمري والخيال


وكانت كلمات الأغنية متزامنة مع فتح سميرة للصناديق التي أفرجت عن خاتم فضي كتب بداخله تاريخ اعترافهما بالحب،وخاتم ذهبي متشابك من طبقتين، تتوسطه ألماسة بيضاء وتفصل تشابكاته بعض الأحجار الصغيرة،وكتب عليه نفس التاريخ.
والصندوق الكبير يكشف عن سلسال ذهبي يتوسطه قلب تتدلى منه دلايتين تحملان الحرف الأول من اسميهما بالحروف اللاتينية.
حملت عَلْيا خاتم أنس بأنامل مرتجفة فمد يده اليسرى وأدخلته في بنصره بتململ،فعل المثل معها فتطلعت في الخاتم بانبهار وهمس بصوت لا يسمعه سواهما"لقد طلبت أن يكون الخاتم على ذوقي،أتمنى أن ينال إعجابك" رفعت عينيها تنظر له بتأثر وهمست"إنه رائع" ابتسم في وجهها بحنان ثم التفت لسمر التي مدت له السلسال،التقطه برفق ثم ألبسه لعَلْيا التي احتضنت دلايته بين أناملها وهي تشعر بأنفاسه الساخنة تلفح عنقه من الخلف في محاولة منه ليقفله،اقتربت منهما سمر وأومأت له بمعنى أنها ستتكلف بقفله، وتنفست عَلْيا الصعداء عندما لم تعد تستشعر أنفاسه على رقبتها.
***
التقط أسامة حفنة من اللوز من طاولة النساء ثم جلس بجانب ثريا التي كانت تراقب الجميع بهدوء، التفتت تنظر له ثم ابتعدت عنه في جلستها،فابتسم بسخرية وقال ببساطة"كيف الأجواء بالنسبة لك؟"
درت عليه باقتضاب"جيدة"
رد عليها"لا يبدو لي كذلك؟"
تمتمت بسخرية"لحظة، ما رأيك أن أقفز هنا وهناك كالكنغر معبرة عن سعادتي؟"
مط شفتيه مؤيدا الفكرة"أعجبتني الفكرة،ربما ستنفضين عنك القليل من الخشونة مع كل قفزة"
ابتسمت في وجهه بتكلف"ظريف جدا"
ابتسم في وجهها هو الآخر"سمعتها كثيرا اليوم".
تنهد بارتياح ثم قال متخليا عن رداء المشاكسة والمزاح"أنا أشعر براحة كبيرة،أخيرا سيستكين قلبي بشأنهما"
سألته بفضول"وماذا عن ريم؟"
استرعت انتباهه فسألها"ما بها؟"
ردت بلامبالاة"ألم يكن سيستكين قلبك بشأنها هي وأنس؟"
ضيق عينيه ينظر لها باستكشاف ثم قال"هل تلمحين بشكل من الأشكال أن لعَلْيا علاقة بفسخ خطوبتها مع أنس"
هزت كتفيها ونبست ببساطة"لم أقل شيئا!"
رد بتأكيد"لكنك لمحت لذلك!"
تمتمت"ذلك يعتمد على مدى قدرتك على تحليل الأمور"
فقال"وقدرتي التحليلية تقول أن عقلك قفز لاستنتاجات لا محل لها،فزواج ريم وأنس كان فاشلا منذ بدايته،ومن حسن الحظ أنهما اكتشفا ذلك قبل فوات الأوان!"
سألته باستفسار"وما الذي يجعلك متأكدا من هذا الزواج سيكون ناجحا؟"
فقال بهدوء"لماذا أنت متشائمة؟ سينجح لأنني أعرف تماما عمق المشاعر التي تجمع بين الاثنين"
ردت بهدوء مستفز"إذن أنت تعترف أن أنس كان على علاقة بريم،في حين أن مشاعره كانت مع عَلْيا"
هز كتفيه بلامبالاة ورد عليها بنفس الهدوء"المهم أنه لم يكن يتلاعب بمشاعرهن، وقد كان محظوظا كفاية لأنه لم يجرح مشاعر ريم وفسخت الخطوبة من تلقاء نفسها"
مطت شفتيها تحتسي من كأس الشاي ثم قالت بهدوء"لا أظن أن أحدا يتفوق عليك في التلاعب بالفتيات ومشاعرهن"
ابتسم في وجهها قائلا"ولا أظن أن أحدا يتفوق عليك في سوء الظن".
انتهت حفلة الخطوبة وغادر الجميع كل يحمل ثقلا في قلبه،مشاعرهم كانت خليطا ما بين تأنيب الضمير الذي كان يفتك بوالدي عَلْيا،ثقل العشق الذي كان يبيد قلبي سمر وأشرف،وأكثر ما كان يعم المكان هي الفرحة بالثنائي الجديد.
_____________________
'في اليوم التالي'
دخل أشرف لمنزل والده، في وقت متأخر من الصباح ليودعهم قبل مغادرته كما يفعل دائما قبل أي رحلة عمل.
كانت نجاة تجلس في الحديقة تحتسي قهوتها الصباحية وتستمد نصيبها اليومي من ڤيتامين دال، اقترب منها بهدوء مقبلا خدها،فربتت بحنان على كفه الموضوعة على كتفها وقالت"صباح النور،لقد أبكرت اليوم،هل هي رحلة عمل أخرى"
جلس بجانبها على الكرسي وقال بابتسامة طفيفة تزين ثغره"لقد حفظتي عاداتي إذن"
أومأ بهدوء ثم نطقت بحنان"أعانك الله في رحلتك وعلى عملك يا حبيبي"
همس"آمين" ثم تفقد ساعة يده وقال"هل مازال الجميع نيام؟"
أومأت وردت عليه"عزة ومراد مازالا نائمين،ووالدك ذهب قبل لحظات ليستريح قليلا"
فقال بهدوء"جيد إذن،فأنا أريد أن أتحدث معك بشأن عزة"
سألته والدته بقلق"ما بها؟"
رد يطمئنها"لا شيء يا أمي، الأمر أن هناك شخص يريد التقدم لها"
ضيقت حاجبيها تنظر له ثم سألته"لا أظن أنها مهتمة بفكرة الزواج،على الأقل حاليا،هل هو شخص نعرفه؟"
أومأ مؤكدا ثم قال بهدوء"إنه شخص نعرفه جيدا، وعزة مهتمة بعرضه، لقد فاتحني في الموضوع قبل أيام لكن لم تسنح لي الفرصة لإخباركم خاصة أن الأمر تزامن مع وعكتك الصحية ومشكلة الزواج الإجباري"
سألته بفضول"من هو؟"
تأمل وجهها لثواني ثم قال بترقب"زكريا"
ضيقت عينيها تنظر له تحاول تذكر صاحب الاسم، والشخص الوحيد الذي تحمله ذاكرتها هو شقيق أنس،فسألته بفاه فاغر"زكريا ابن عزيزة؟"
أومأ أشرف،فقالت مجددا"لكنه أرمل ولديه ابنة"
رد عليها بهدوء"وعزة تعلم ذلك!"
اقتربت منه تهمس"هل أنت جاد؟"
أومأ فضربت جبهتها بكفها وقالت"يا إلهي ماذا سيقول والدك بشأن هذا"
وقف ثم رد عليها بهدوء"عموما حاولي التحدث معه بشأن هذا الأمر، فالخالة عزيزة ستتصل بك في أقرب فرصة لتحددوا وقتا لنلتقي بهم"أدخل هاتفه في جيبه وأكمل قائلا"سأدخل لألقي التحية على والدي،ويجب أن أقل العم محمد وسمر بعدها لأننا سنذهب بسيارة واحدة"
أومأت والدته بذهن شارد تفكر في المعضلة الجديدة التي حلت على رأس ابنتها وكيف ستخرج منها لأقل الأضرار، ثم بدأت تتوقع العديد من السيناريوهات التي من الممكن أن تحدث عندما يعلم الحاج رشيد بهذا الأمر.
طرق أشرف بخفة على باب غرفة والده ثم دخل بعد أن سمح له بالدخول.
اقترب منه بهدوء ثم طبع قبلة على رأسه قائلا"صباح الخير"
رد عليه والده بجفاء"صباح الخير"
فسأله أشرف باهتمام وهو يجلس على أحد الكراسي"كيف حال صحتك؟"
رد عليه باقتضاب"أنا بخير"
أومأ بتفهم ثم قال بهدوء"اعتن بنفسك جيدا،ولا تنسى أن تشرب دواءك، أنا سأغيب عنكم قرابة الشهر من أجل العمل"
رد بجفاء"رافقتك السلامة"
تمتم"شكرا" ثم وقف مغادرا الغرفة.
الجليد الذي يحيط علاقته بوالده يأبى أن ينصهر،أفكارهما المتضاربة لم ينجحا في ترويضها لتثبت في نقطة تلاقي يستطيعان التعامل على أساسها،وكلما مرت الأيام يزداد عمق الفجوة بينهما.
____________________
انطلق أشرف بسيارته لمنزل محمد أولا، أقله ثم اتجه لمنزل سمر،أصر عليهما حكيم للدخول ليفطروا معا،وكانوا قد سهروا جميعا الليلة الماضية في حفلة الخطوبة فتأخروا عن موعد الفطور.
رحب محمد بالفكرة خاصة أنه لم يلتقي بصديقه منذ زمن بعيد ولا ضير من قضاء بعض الوقت معا قبل الانطلاق.
جلسوا جميعا على مائدة الإفطار ثم انضمت لهم سمر بعد لحظات ترتدي لباسا رياضيا مريحا وصففت شعرها على شكل كعكة فوق رأسها ولم تضع أي زينة على وجهها،أما أسامة وحمادة فكانا غارقين في نوم عميق.
استرسل محمد وحكيم في سرد التاريخ الذي يجمعها معا،مشيرين إلا أنهما كانا يعرفان بعضهما وسميرة قبل زواج الاثنين وانتقالهما إلى هذه المدينة،ثم فرقتهم الظروف عندنا ذهب محمد لإتمام دراسته خارجا البلاد،لكن لم ينقطع الاتصال بينهم أبدا وكان يزورهم دائما أثناء عودته للبلاد.
نزل أسامة بعد لحظات مرحبا بالضيفين ثم انضم لهما على المائدة،فسأله محمد باهتمام"هل دفعت المبلغ المطلوب؟"
رد عليه وهو يرتشف من كأي الشاي الذي صبته له سميرة ثم قال"نعم،شكرا على مساعدتك يا عم،فقد أصر البائع على استلام المبلغ كاملا ولم أشأ تضييع تلك الشقة"
أومأ محمد بتفهم ثم قال ببساطة"أن تفعل ذلك خير من أن تأخذ قرضا من البنك،فالحساب سيبقى بيني وبينك ولن تضطر لدفع الفوائد"
رد عليه"تماما وهذا ما قاله بابا حكيم أيضا".
كانوا يتناولون إفطارهم ويتبادلون أحاديث عشوائية عن هذا وذاك،فتسلل 'هيناتا' إلى أن وصل لقدمي أشرف،ووقف ينظر له لوقت طويل لكن الأخير لم ينتبه له،قفز برشاقة ينوي الجلوس على حجره،لكنه أثار رعب أشرف الذي استقام بخوف وتعابير الاشمئزاز تملأ وجهه ولم ينتبه لإبريق الشاي الساخن فضربه بالخطأ وانقلب ليسقط محتواه مباشرة على ساق محمد الذي صرخ بألم وبدأ يحاول إبعاد ثوب سرواله عن جسده.
هرع نحوه الجميع بقلق وجرت سمر نحو المطبخ لتحضر مقصا ومياها معتدلة البرودة،ثم بدأت بقص السروال بسرعة قبل أن يلتصق بالجلد وصب الماء عليه.
قال أشرف بقلق"آسف، يجب أن نذهب للطبيب فورا"
هز محمد رأسه نفيا وقال"لا داعي لذلك،إنه مجرد حرق بسيط،سيشفى بسرعة”
فرد عليه بعناد"بل يجب أن نذهب،ألا ترى كيف احمر الجرح وبدأ بتكوين فقاعات،الشاي كان ساخنا جدا"
تدخل حكيم قائلا بحزم"من الأفضل أن نذهب للطبيب سا محمد، لا تنسى أنك مصاب بالسكري،وتعرف جيدا مدى خطورة الجروح على المصابين به"
تحامل محمد على نفسه يحاول الوقوف وهو يشعر بألم رهيب تجاوز المنطقة المحروقة ،فأسنده أسامة وقال"أحضري حقيبتك يا سمر،لننطلق مباشرة بعد زيارة الطبيب"
نظرت به بعدم تصديق ثم قالت"هل هذا وقت التفكير في العمل يا عم محمد؟"
حرك يده في الهواء بقلة صبر"لا تعاندي الآن يا سمر،فهذا السفر تأجل بما فيه الكفاية"
أومأت سمر بتأكيد وهي تنظر له بقلق ثم احتضنت والدتها مودعة ولحقت بهم،انتزع أشرف الحقيبة من يدها ووضعها في صندوق السيارة.
ثم ركبت في المقعد الأمامي بعد أن مدد محمد جسده في المقاعد الخلفية ليتفادى الألم.
قال محمد بإصرار موجها كلامه لأسامة وحكيم"لا داعي لترافقاني للمشفى،سأتصل بكما بعد أن يراني الطبيب"
أومأ الاثنان وهما يعلمان تماما أن عناد محمد قد يدفعه لتجاهل أمر المستشفى تماما في سبيل العمل فآثرا عدم الإصرار على الذهاب معه مطمئنين أنه بين أيادي أمينة،نزلت سمر من السيارة مجددا واحتضنت والدها تودعه ثم احتضنت أسامة أيضا ،وأخبرها الأخير بهمس"لا تضعي الهاتف على الوضع الصامت،لأنني سأتصل بك كثيرا"
ابتسمت في وجهه ثم أومأت موافقة، فقال حكيم بهدوء"اعتنوا بأنفسكم،وسمر أمانة لديكم"
أومأ أشرف ثم قال بهدوء"إلى اللقاء إذن!"
اتجه أشرف إلى المستشفى مباشرة وكان الطبيب صارما بشأن منع محمد من الحركة كثيرا لمدة أسبوع كامل، فتوصلوا أخيرا إلى أن أشرف وسمر سيذهبان أولا ثم سيلحق بهما بعد أن يتماثل للشفاء.
أوصله أشرف لبيته ثم اتجه لشقته بعد أن اكتشف أنه نسي الحقيبة التي تحوي حاسوبه ولوحته الالكترونية هناك.
دخل شقته، فوجد الحقيبة وتفقد إن كانت كنت مستلزماته بها، لم يجد لوحته،بحث على سريره وفوق المنضدة وفي جميع أركان الغرفة لكن لا أثر لها.
نزل مجددا لسيارته وتفقد جميع الأدراج وأركان السيارة لكنه لم يجد شيئا.
نظرت له سمر باستغراب ثم سألته باقتضاب"هل حدث شيء؟"
رد عليها بانفعال"لا شيء! أنا أبحث عن لوحتي"
سألته"هل تفقدت المنزل بأكمله؟ هل يمكن أنك نسيتها في المكتب؟"
هز رأسه نفيا"لا آخذه معي للمكتب عادة، ولا أثر له في المنزل؟"
ضيقت حاجبيها تنظر له ثم تمتمت"غريب،هل يزورك الغرباء عادة؟"
توسعت عينيه وقد تذكر شيئا للتو،فرمش عدة مرات يتحدث مع نفسه"لا يمكن هذا!"
تذكر زيارة مراد له قبل يومين،وقد أخبره بجدية ألا يغادر قبل أن يتحدث معه في شيء مهم،لكنه تفاجأ به بعدها بدقائق ينزل من السلم متسللا.
'قبل يومين'
خرج أشرف من شقة أسامة،فصادف مراد الذي تململ بتوتر ما إن رآه واحتضن حقيبة ظهره ثم قال بارتباك"لقد اتصل بي حمادة،سنلتقي لننجز معا بعض الامتحانات"
رد عليه أشرف"انتظرني،لحظات وأنتهي نتحدث ثم أوصلك بعدها للمكان الذي تريده"
هز مراد رأسه نفيا ثم قال وهو ينزل السلم"لا داعي، سأنتهي وسأعود لنتحدث، لقد أكلت شكرا" ثم جرى بسرعة وغادر البناية.
****
صعد أشرف السيارة باندفاع ثم أدار المحرك وانطلق بسرعة لمنزل والده،تحت نظرات سمر المستفسرة.
وصلا،فتخلص من حزام الأمان بسرعة وقال باندفاع"سأعود بعد لحظات، ادخلي إذا أردت"
أومأت وهمت بقول شيء لكنه كان قد خرج واندفع إلى باب منزلهم.
استقبلته نجاة باستغراب قائلة"ألم تغادر بعد؟"
تجاهل سؤاله وهو يصعد السلم قائلا"هل مراد في غرفته؟"
أومأت باستغراب وسألته مجددا"ماذا حدث؟"
تمتم"لا شيء" ثم أكمل صعود الدرج،واقتحم غرفة مراد،الذي كان مستلقيا على سريره يتفحص هاتفه وانفض جالسا ما إن رأى أشرف.
سأله مباشرة"أين اللوحة؟"
توسعت عينا مراد وابتلع ريقه ينظر لأشرف ثم همس"أي لوحة؟".
تزدهر حياة بعضنا في حين أن حياة الآخرين من حولنا تتجه نحو الأسوء..
_________________
اقتحم أشرف غرفة مراد،الذي كان مستلقيا على سريره يتفحص هاتفه وانتفض جالسا ما إن رآه.
سأله بدون مواربة"أين اللوحة؟"
توسعت عينا مراد وابتلع ريقه ينظر لأشرف ثم همس"أي لوحة؟".
أغلق أشرف الباب خلفه ثم اقترب منه وجلس على كرسي مكتبه يردد سؤاله وعيناه تتسم بالقتامة"أين اللوحة الاكترونية يا مراد؟"
اهتزت حدقتاه وهو ينظر يمينا ويسارا ويضغط طرف الغطاء بكفه ثم استقرت نظراته على جانبه الأيمن وهو ينبس بصوت مبحوح"لم أرها، هل نسيتها هنا في المنزل؟"
رفع أشرف حاجبيه وهو يرى مراد ينكر شيئا هو شبه متأكد من أنه من فعله،فزفر نفسا عميقا محاولا استحضار جميع ضوابط النفس التي يعرفها،وهو مدرك تماما أنه إذا تبت أن شقيقه من أخذ اللوحة،فهذا يعني حتما أنه وصل لمرحلة اللاعودة،مما يعني فشله الذريع في احتوائه وإخراجه من الهوة التي اكتفى بالتنبؤ بأنه دخل إليها بدون أن يحرك ساكنا.
نطق بجفاء"سأسألك للمرة الأخيرة يا مراد"،توسد ركبيته بكوعيه وركز نظراته على عيني شقيقه ثم أكمل"هل لك علاقة باختفاء لوحتي يا مراد؟".
دافع عن نفسه بانفعال"هل تتهمني بأنني سرقتها؟"
وقف أشرف ثم ألقى عليه نظرة سريعة وهو يعبث بهاتفه بسرعة"لم يذكر أحد السرقة،سألتك إن كنت قد أخذتها، من الممكن أن تكون استعارة، أليس كذلك؟"
رمش ممرا. بعينيه يبتلع ريقه ثم نطق بكبرياء مشيرا بسبابته للأعلى"ومع ذلك،لقد وضعتني في موضع اتهام"
أومأ أشرف يسايره في كلامه،ثم أمره قائلا"ارتدي ملابسك حالا،ستذهب معي"
نظر له بتوجس متمتما"إلى أين؟"
رد عليه باقتضاب"ستعلم بعد قليل"
تهرب قائلا"لن أستطيع الذهاب معك،لدي ما أفعله!"
رد عليه بحزم"قلت ستذهب معي!تعلم أني لا أحب أن أعيد كلامي"
هز رأسه نفيا ورد بعناد"لقد قلت أنني لا أريد الذهاب، لماذا تصر على ذلك!"
لاحظ أشرف أن نظرات مراد المرتبكة تتجه دائما لأحد أبواب الدولاب،
_____________________
'في الحي'
أدار أنس محرك سيارته ينتظرها أن تخرج من المنزل،وعيناه مركزة على الخاتم الفضي الذي يحيط بنصره،يحركه بإبهامه ويقارن بين الشعور الخانق الذي كان يعتريه عندما كان يضع الخاتم القديم،والشعور المبهج الذي يغزو جدار معدته وهو يضع الخاتم الجديد..هل الارتباط بمن تحب يخلق هذا الفرق حقا، يجعلك تحلق عاليا في فضاء رحب وترفض النزول إلى أرض الواقع.
يجافينا النوم في حالتين،عند القلق والحزن وعند السعادة العارمة،وهو جافاه النوم غير مصدق بأن ليلة أمس قد مرت وكم تهنت روحه من أي وقت مضى عندما وقع على عقد القران،فأدرك أنه كان غافلا عن نشوة كبيرة،نشوة أن تكون عَلْياؤُه تحت جناحه أخيرا،وفي قرارة نفسه يلوم عماه العاطفي على عدم تحليل مشاعره كما يجب ولوقت طويل،والحرمان الذي تسبب فيه لنفسه أولا ولعَلْيا ثانيا بسبب ذلك.
قفز قلبه من مكانه وهو يراها تقترب من سيارته،بملامح جامدة نابعة من خجلها الفطري وعدم تصديقها للتغيير الذي طرأ على حياتهما بين ليلة وضحاها، اهتزت الابتسامة على شفتيها وهي تلحظ نظراته التواقة التي تلتهم كل إنش من وجهها.
خرج من السيارة،وقطع المسافة بينهما بارتباك طفيف نابع من الشعور الجديد الذي يتملكه،احتضنت كفه رقبتها من الخلف ثم طبع قبلة رقيقة على جبهتها هامسا"صباح الخير"
رمشت عدة مرات ثم ردت عليه بهمس مشابه"صباح النور"
ابتعد عنها على مضض ثم فتح الباب وأشار لها بالدخول قائلا"تفضلي"، استجابت له بهدوء فتنحى جانبا واضعا كفه على سقف الباب تحسبا،ليمنع رأسها من الارتطام،جلست فأغلق الباب والنظرات متعلقة ببعضها ترفض التزحزح.
استقر جسده على مقعد السائق مخلفا ارتجاجا خفيفا في السيارة ثم نظر بابتسامة واسعة وهو يثبت حزام الأمان"إلى أين تريدين أن نذهب؟"
همست بخجل وهي ترتدي حزام الأمان أيضا"لا أدري،هل لديك خطط؟"
ابتسم برضا ثم قال بدون مواربة"خطتي الوحيدة أن أقضي معك اليوم بأكمله"
نظرت للخاتم في يدها ثم رفعت كفها في وجهه وهي تقول بتأكيد"لقد تزوجنا يا أنس!"
التقط كفها المعلق في الهواء واحتضنها بين كفه الكبيرة مبتسما بهدوء وإبهامه يعبث بخاتمها ثم قال بنفس نبرتها المؤكدة"تزوجنا يا أُنْسَ أنس"
انفرجت شفتيها عن ابتسامة واسعة انتقلت لعينيها"لا زلت لا أصدق هذا!حدث كل شيء بسرعة"
أومأ بهدوء مبتسما"لم يكن سريعا لتلك الدرجة،فقد شعرت أنني انتظرت الدهر بأكمله"
خفتت ابتسامتها تدريجيا وهي تنطق"دعنا لا نتحدث عن الانتظار"
دلك خدها بإبهامه وقد شعر بأنه أثار مشاعر الحزن بداخلها،مذكرا إياها بالسنين العجاف التي مرت عليها في انتظاره،ثم قال ببساطة"نعم دعينا لا نتحدث عن ذلك"وأكمل بحماس"وأظن أنني وجدت ما سنفعله اليوم!دعينا نحتفل بهذا اليوم بأكثر طريقة ستبهجك!"
نظرت له بفضول ثم سألته بترقب"ما هي الطريقة التي ستبهجني؟"
هم بالرد عليها لكن قاطعه صوت مزمار سيارة توقفت خلفه،فتطلع في المرآة الأمامية بفضول وقال بتعجب"إنها سيارة ريم!"
تجمدت الدماء في عروق عَلْيا ونظرت أمامها بعيون جاحظة بدون أن تنطق بكلمة،فتأملها أنس بنظرات جانبية وقد استشعر تحسسها من موضوع ريم.

نزلت الأخيرة من سيارتها واقتربت منهما برشاقة،ثم انحنت بخفة بجانب نافذة مقعد السائق وهي تلقي التحية ببساطة"صباح الخير"وانتبهت لتواجد عَلْيا أيضا فقالت بنفس النبرة"مرحبا عَلْيا، من الجيد رؤيتكما معا،فقد رغبت بالاتصال بك ومباركة الخطوبة لكني لا أملك رقم هاتفك"
نظرت لها عَلْيا باستغراب وهي تتساءل في نفسها عن سبب تصرفها ببرودة وكأن الشخص الذي تتحدث عنه لم يكن خطيبها منذ أشهر فقط،تسمرت ولم تدري بماذا تجيبها، فبخلاف السعادة التي كانت تطغى على مشاعرها إلا أنها لا تنكر أن تفكيرها كان يتسلل أحيانا إلى ريم وهل تعتبر مذنبة لأنها كانت تحب رجلا مرتبطا والذي اتضح فيما بعد أنه يكن لها نفس المشاعر..ولسبب مجهول كانت تشعر بالدونية أمامها وظهور الأخيرة في هذه اللحظة بالضبط وهي تبارك لها جعل ذلك الشعور يتأصل بداخلها بشكل أشعرها بالمهانة.
رد أنس ببساطة على ريم قائلا"لقد تم عقد قراننا البارحة أيضا"
قالت باندهاش"حقا!"
أومأ أنس قائلا"لقد خطط أسامة لكل شيء"
ضحكت ريم بمرح وهي تقول"لن أستغرب مادام أسامة هو الفاعل، مبارك لكما للمرة الثانية إذن يا سيدي"
نبست عَلْيا"شكرا"
واستشعرت ريم حساسية تواجدها معهما فقالت بسرعة"لقد جئت لآخذ المتبقي من أغراضي من الشقة، إذا لم يكن هناك مانع طبعا"
أومأ أنس وقال ببساطة"بالطبع يمكنك ذلك!"
ثم فتح الباب لينزل من السيارة وأشار لعَلْيا بأن تنزل معه أيضا، فاستجابت له في صمت،ولم تكن لتشعر بالراحة بأن تترك كلاهما يصعدان للشقة التي كانت ستجمع بينهما يوما ما،بالرغم من تواجد عزيزة وزكريا في المنزل.
دخلت للمنزل بهدوء،ولم يغفل أنس عن التربيت بلطف في كل لحظة على ظهر عَلْيا وكأنه يحثها على الاستفاقة وعدم الاستسلام لغيرتها.
سألتهما ريم بهدوء"هل الخالة عزيزة في المنزل أريد أن ألقي التحية"
أومأ أنس قائلا"إنها في الداخل، لحظة سأناديها"
غاب أنس عن أنظارهما لبعض الدقائق، وقفت فيها عَلْيا مقابلة لريم،ينظران لبعضهما بهدوء،وابتسامة هادئة على شفتي الأخيرة وهي ترى ملامح عَلْيا المقتضبة.
فقالت بهدوء"أنتما تليقان ببعضكما!"
توسعت عينا عَلْيا ولم تدري ماذا تقول،فأكملت ريم بنفس النبرة الهادئة،ولم تفارق الابتسامة شفتيها"لقد أدركت منذ اللحظة الأولى أنك شيء مهم لأنس،ربما استغرق مني الأمر بعض الوقت لأدرك كنه ذلك الشيء،لكنني أدركته،ربما قبل أن يدركه هو أيضا"
رمشت عَلْيا تتأملها ولم تفهم لماذا تحدثها عن ذلك الآن،فتطلعت إليها بفضول تنتظرها أن تكمل ما بدأته.
فأكملت ربم"تلاحقينه بنظراتك،يطالك التشنج كلما لمحته في الأرجاء،ورغبتك الشديدة في الاختفاء عن الأنظار ومراقبته من بعيد فقط،كلها كانت إشارات لاحظتها ولأصدقك القول لم أهتم بذلك في بداية الأمر وتساءلت في العديد من المرات ما مدى غباء أنس لكي لا يلحظ ذلك."
امقتع وجه عَلْيا وهي تسمع ما تنطق به ريم،فهمت بقول شيء،ولكنها أوقفتها قائلة"لا تظني أنني ألومك أو شيء من هذا القبيل،بل على العكس تماما،فبالرغم من مشاعرك والتي كانت تبدو لي واضحة وضوح الشمس،إلا أني أحيي فيك قدرتك الجبارة على كبحها بداخلك وعدم محاولتك تدمير خطوبتي أو التقرب من رجل مرتبط"
ضمت ذراعيها لصدرها وأكملت ببساطة"أنس،رجل طيب..في الأيام الأخيرة من خطوبتنا،تغير كثيرا، وأدركت بعدها أن ذلك التغير ما كان سوى صراعا بين أخلاقه ومشاعره،فهل سيتزوج وهو يحمل مشاعر اتجاه أخرى،وكنت وقتها موقنة من أن تلك المشاعر لم تكن حديثة العهد،بل كانت كبركان خامد ثار فجأة"
نظرت لها عَلْيا مطولا وقالت بهدوء"لا أعلم لماذا تخبرينني بهذا الآن!"
مطت ريم شفتيها وقالت ببساطة"نحن إناث ونفهم على بعضنا،أعلم أنه راودتك الكثير من الأفكار بشأني وربما ستتسلل إليك مشاعر الغيرة أيضا،ولا أريد أن أكون سببا في اندلاع خلافات بينكما،أنس رجل طيب،يستحق الأفضل،وأنت تبدين لي فتاة طيبة أيضا"وأكملت بمزاح"الفتيات دائما يستحقن الأفضل طيبات كن أو سيئات"ثم عادت نبرتها للهدوء "خطوبتي من أنس كان يحكمها العقل أكثر من أي شيء آخر وربما القليل من التهور،فقد اكتشفت في إحدى المراحل أن المشاعر تلعب دورا كبيرا في استمرار العلاقات العاطفية،وهذا ما لم يكن متاحا في علاقتي مع أنس"
كانت عزيزة تقترب مركزة نظراتها عليهما وهي تدرك جيدا نوع المشاعر التي من الممكن أن تشعرا بها.
ابتسمت بهدوء مرحبة بريم،التي قبلت خدها بفرح"جئت لألقي التحية"
ردت عليها عزيزة بترحيب"مرحبا بك في أي وقت يا ابنتي،تفضلي للداخل"
تفحصت ساعة يدها وردت بسرعة"لن استطيع الدخول،لقد أردت أخذت أغراضي فقط،ولم أجد وقتا آخر غير هذا للحضور"
أومأت عزيزة بتفهم وهي تلقي نظرة سريعة على عَلْيا وخصتها بابتسامة لطيفة،استقبلتها عَلْيا بابتسامة هادئة،تحت نظرات أنس الذي يشعر بالإحباط ويرغب بشدة بأن ينفرد بزوجته الذي لم يسمح له العالم بفعل ذلك في أول يوم لهما كزوجين.
صعد الدرج الذي يؤدي للدور العلوي حيث تتواجد الشقة المنفصلة تماما عن المنزل،فلاحظت ريم ذلك واعتذرت من عزيزة بلطف ثم لحقت به،فجاء صوت أنس من الأعلى مناديا"عَلْياءْ،تعالي لحظة!"
نظرت لها عزيزة بتشجيع وقالت بمزاح"هيا بسرعة الحقي بزوجك،فلا يبدو أنه يستطيع الانفصال عنك ولو للحظة"
عضت شفتيها بإحراج وهي تصعد الدرج بهدوء ومشاعر محبطة تنهش بصدرها،دخلت الشقة وكان أنس قد رفع أكمام قميصه،وباشر بمساعدة ريم في لملمة المتبقي من أغراضها في علبه كبيرة، فجلست على إحدى الكنبات تراقبهما ببرود تطغى عليه نزعة قوية من التملك اتجاه أنس،أقوى من أي وقت مضى.
رفع أنس تلك العلبة الضخمة ونزل بها لسيارة ريم التي اختارت أن تنتظر عودته في الشقة لتودعه عوض اللحاق به،خاصة وأنها استشعرت أنها لم تأت في وقت مناسب.
اقتربت من النافذة ونادته برقة"أنس هلا أحضرت العلبة من المقعد الأمامي بجانب السيارة؟"
أومأ أنس مجيبا ثم رجعت لتجلس بجانب عَلْيا بهدوء ملتزمة الصمت تماما وتجتاحها مشاعر غريبة تنتقل ما بين غيرة طفيفة لا تمت للمشاعر العاطفية بثقة وإنما لكونها جهزت الشقة على ذوقها وستسكنها أخرى،ومشاعر عقلانية تخبرها أن الحياة مستمرة وفسخ خطوبتها مع أنس لم يكن بالخسارة الكبرى بالنسبة لها بل كان اختيارها هي ومضت فيه عن اقتناع.
جلست الفتاتان تلتزمان الصمت وتنظران للشاشة الكبيرة المعلقة على الحائط ولم ترغب إحداهما بمحادثة الأخرى.
دخل أنس وتملكه شعور بالارتباك ففكر في نفسه أن ما يحدث معه الآن لا يتسم بالعقلانية أبدا.
وقفت ريم واتجهت نحوه،أخذت منه العلبة ومدتها لعَلْيا بهدوء قائلة"تقبلوا مني هذه الهدية البسيطة بمناسبة خطوبتكما وعقد قرانكما"
أخذتها منها عَلْيا بتردد،تنظر لها بفضول ثم رفعت نظراتها لأنس الذي كان يركز نظراته عليها أيضا.
"أنا سأذهب الآن،أعتذر عن قدومي في هذا الوقت،واعتراض طريقكما"رفعت كفها عاليا تشير لهما وأكملت"إلى اللقاء ومبارك لكما مجددا".
نطقت عَلْيا اسمها باندفاع"ريم" استدارت ونظرت لها"شكرا على الهدية! وعلى ما قلته قبل قليل"
أومأت ريم وابتسمت بهدوء وقالت ببساطة"اعتنيا بنفسيكما"
وغادرت الشقة.
******
وقفت عَلْيا،فتزامن وقوفها مع اقتراب أنس منها،التقط العلبة من بين يديها ووضعها جانبا،فرفعت عينيها تنظر لوجهه بارتباك،وربت على خدها بإبهامه بهدوء متأملا تقاسيم وجهها ومركزا نظراته على الشامة السوداء،حرك سبابته فوقها بتركيز ثم سألها بهدوء"ما الذي قالته ريم لتشكريها عليه"
أغمضت عينيها تستشعر تحركات أنامله على وجهها وشعرت بانصهار الدماء في أطرافها بشكل سيدفعها لفقدان توازنها في أي لحظة،فهمست بتحشرج "أحاديث خاصة بالفتيات"
استمر في التربيت على خدها وسألها بهدوء"هل انزعجت من قدومها؟"
رفعت جفنيها بدون أن تفتح عينيها كاملة وقالت بنبرة متحشرجة صريحة"قليلا فقط!"
لثم جبهتها بقبلة رقيقة،فهمست"أحب عندما تقبل جبهتي"
ابتسم وقد استشعر تأثرها الشديد بلمساته فلثم جبهتها مجددا،ثم احتضنها برفق وبدأ يشدد الحضن شيئا فشيئا،رفعت ذراعيها تحتضن ظهره،وازدادت شدة الاحتضان بمرور الثواني،وكأنه إدمان من نوع آخر، إدمان تحاول من خلاله أن تشبع فراغ روحك ولكنك تجد أنها تهفو إلى المزيد والمزيد.
زفر نفسا حارا وقبل فوق رأسها،فرفعت وجهها تلتهم وجهه بنظراتها الخجولة والجريئة في الوقت ذاته.
شعر أنس بانفلات مشاعره،فابتلع ريقه ثم أبعدها عنه برفق واحتضن خدها الأيسر بحنان ثم قال بلطف"أظن أنني وجدت ما سنفعله اليوم"
نظرت له بفضول،فسحبها من يدها وأجلسها فوق الكنبة ثم امتد بجسده واضعا رأسه فوق حجرها قائلا ببساطة"دعينا ننعم ببعض الوقت معا،نحن فقط،أنا وأنت"
ابتسمت في وجهه بهدوء متناقض مع دقات قلبها المتسارعة وهي تنظر لوجهه من علو،ثم مدت كفها بارتباك نحو شعره،تحقق حلما كان يراودها منذ زمن بعيد،أن تخلل شعره الذهبي بأصابعها وتتحسس ملمسه الناعم.
مسدت شعره بهدوء بيدها اليمنى،فالتقط يدها اليسرى ثم لثم باطن كفها بحنان وتحسس الخاتم ثم سألها بفضول"هل أعجبك الخاتم؟"
هزت رأسها بنعم ثم ردت عليه بهدوء"لقد أخبرتك سابقا أنني أثق في ذوقك"
ابتسم في وجهها ثم مد يده يحتضن خدها بحنان"لقد اخترته يشبهك في رقتك ونعومتك" ثم شرد قليلا يلتهم ملامح وجهها قبل أن يهمس بهدوء"لا أعلم كيف استطعت العيش بدونك كل هذه المدة يا عَلْياءْ،أشعر بأنني بمجرد ابتعادك عني ولو للحظة سيكلفني ذلك حياتي"
أخرست شفتيه بوضع أناملها الرقيقة عليها ثم همست بنفس النبرة"دعنا لا نذكر الموت بيننا يا أنس،أرجوك!" أغمض عينيه ثم أومأ برأسه مبتسما برضا وكم راقت له جلستهما هكذا،فاستدار واحتضن خصرها بقوة أجفلتها لثواني وشعرت أنها فقد السيطرة على نبضات قلبها المتسارعة ثم ابتلعت ريقها تهدئ نفسها واستمرت في التربيت على شعره بحنان بالغ،استشعره من حركاتها.
بقيا على نفس الوضعية لمدة طويلة بدت لهما كثواني فقط،يستمتعان بنغمات قلبيهما اللذين يتراقصان على إحدى المقطوعات الرومانسية الهادئة،ثم قررا بعدها مشاهدة بعض الأفلام،وطلبا أكلا جاهزا من أحد المطاعم راغبان في قضاء الوقت معا في هدوء تام للاحتفال بأول يوم زواج عوض مشاركته مع العالم الصاخب.
____________________
ركن زكريا سيارته أمام باب منزل عائلة قاسمي،ثم نزل منها مع أسامة..فنظرت لهما سمر باستغراب قائلة"ماذا يفعل أسامة وزكريا هنا؟"
رفعت عزة التي كانت تعبث بهاتفها وجهها باتجاههما،فتسارعت دقات قلبها ما إن لمحت زكريا الذي كان قد لمحها أولا.
كانت الفتاتان تجلسان في سيارة أشرف،بعد أن اتصلت بها سمر وأخبرتها أنها بالخارج ومتحرجة من الدخول لمنزلهم بعد مغادرته، فنزلت لها على وجه السرعة وغرقتا في أحاديثهما عن حفلة الخطوبة والكثير من الأمور الأخرى.
نزلت سمر أولا تعترض طريقهما ثم لحقت بها عزة أيضا،فقالت"ما بكما؟هل حدث شيء؟"
سألها أسامة بقلق"هل مراد بخير؟"
ضيقت عزة حاجبيها ثم سألته بتوجس"ما به مراد؟"
فقال زكريا بحذر"ألا تعلمان ماذا يحصل في الداخل؟"
هزت سمر رأسها نفيا وقالت"لقد دخل أشرف قبل مدة يبحث عن لوحته الالكترونية المفقودة،ولم يخرج حتى الآن، ماذا حدث لمراد؟"
أسرعت عزة باتجاه الباب تفتحه ثم صعدت الدرج بسرعة ولحقوا بها جميعا بقلق.
توقفت عند باب غرفة مراد وهالها المنظر أمامها،كان أشرف يحتضن مراد من الخلف مثبتا ساقيه على خاصرته ويحاول جاهدا أن يشل حركته،والأخير يركل بقدميه بجنون ويصرخ عاليا وهو يردد"أعطني إياه،أحتاج إليها يا أشرف أفلتني"ثم ينهي كلماته بصرخة جنونية يعبر بها عن غضبه الشديد.
شهق بصوت عالي ما إن لمح عزة وقال بنبرة متوسلة والدموع تملأ وجهه"عزة، أقنعيه أنني أريد القليل فقط" ثم اندفع بجسده بقوة يحاول التحرر مجددا لكن بدون جدوى.
كان رشيد ينظر لابنه بألم ولا يعلم ما الذي يستطيع فعله،ولأول مرة يشعر بالمعنى الحقيقي للعجز،استند على عكازته برأسه ينقل نظراته بين نجاة القابعة في ركن الغرفة تبكي في صمت وأشرف الذي بدا الخوف والضياع واضحين على ملامح وجهه،ومراد الذي استنتجت من حالته أنه اعتاد التعاطي منذ مدة طويلة،وربما سيحتاج الكثير من الوقت ليتعافى تماما.
هتف أشرف"عزة غادري الغرفة مع أمي" ثم نظر لوالده أيضا"وأنت أيضا يا أبي،لا داعي لبقائكما هنا"
هز رشيد رأسه نفيا بعناد فهتف أشرف مجددا"غادر أرجوك،لن أستطيع التعامل مع الأمر إذا أصابتك أزمة قلبية"وأكمل بتوسل"أرجوك يا أبي"
استجاب رشيد لنبرته المتوسلة على مضض ثم تحرك باتجاه باب الغرفة ونظراته وقلبه معلقين بمراد الذي لم يهدأ صراخه ولو للحظة، وهتف بجنون ما إن لمح أمه تخرج من الغرفة"لا تغادري يا أمي، لا تتركيني معه، إنه لا يريد منحي القليل فقط القليل من مهدئي"
انفجرت نجاة باكية وهي تستند على كتف عزة التي تسندها إلى الخارج.
فهتف أشرف مجددا"لا تنسي حبوب الدواء لأبي يا عزة" أومأت عزة بعدم تركيز،وهي تستدير وتنظر لمراد بحزن وتعاطف،فلحقت بها سمر تساعدها في إسناد والدتها،وسألتها بهمس"أين دواء والدك؟"
ردت عليها عزة بذهن مشغول والدموع تملأ مقلتيها"إنه فوق المنضدة في غرفة المعيشة".


نهاية الفصل الثالث والعشرون



فاطمة الزهراء أوقيتي متواجد حالياً  
التوقيع
رواية:
وشمتِ اسمك بين أنفاسي~
بقلمي
🤍أكتب لأحيا الواقع بنكهة الخيال🤍
رد مع اقتباس