عرض مشاركة واحدة
قديم 22-05-23, 11:28 PM   #473

فاطمة الزهراء أوقيتي
 
الصورة الرمزية فاطمة الزهراء أوقيتي

? العضوٌ??? » 475333
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 612
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » فاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond repute
Post الفصل السادس والعشرون من رواية وشمتِ اسمكِ بين أنفاسي…????





الفصل السادس والعشرون✨

'في المساء'
غادر الجميع فجلست نجاة بجانب رشيد بهدوء وسألته"هل تشعر بأنك بخير يا حاج رشيد!؟"
أومأ بهدوء ثم اتكأ على عكازته ينوي الدخول إلى غرفته، لكنها أوقفته قائلة بهدوء" حاج رشيد أريد أن أحادثك في شيء!"
نظر لها بعيون جاحظة وقد أصبح يرتبك من أبسط الأشياء بعد موضوع مراد فهمس"خير إن شاء الله"
ابتسمت بهدوء ثم ردت عليه "كل الخير يا حاج!"
جلس بجانبها مجددا ثم همس"ماذا هناك يا نجاة!"
حمحمت تجلي صوتها ثم تأملت وجهه لثواني قبل أن تقول"هناك شخص يريد المجيء لخطبة عزة"
توسعت عينيه ثم استدار ينظر لها قائلا "من!"
ردت بحذر"زكريا صديق أشرف"
ضيق عينيه قائلا باستنكار"من أين جاء هذا الآن!"
نظرت له بتوجس ثم أكملت بنبرة حاولت أن تبدو واثقة"قبل حادثة مراد فاتحني أشرف في الموضوع، وقد طلب مني اقتراح الأمر عليك مجددا قبل أيام ووالدة الشاب تحدثت معي بشأنهما اليوم أيضا"
رفع رشيد حاجبه الأيمن قائلا باستنكار"ألم ترفضوا قبل أيام زواجها من ابن عمتها والآن تخبرينني بأن صديق أشرف يطلب يدها للزواج" صمت لثواني ثم سألها باقتضاب"ما رأيها في هذا!؟"
ردت عليه بدون مواربة"لم تقل شيئا، ولم تعترض عن الأمر"
قاطعها قائلا"هل أفهم من كلامك أنها وافقت على الشاب!"
ردت عليه بهدوء"ارتأيت أن أسألك أولا ثم أسألها مجددا لأعلم رأيها الصريح عن الأمر"
صمت مفكرا لثواني عديدة وحاولت نجاة قراءة ما يفكر به من ملامحه لكنه كان غامضا تماما، رفع وجهه ينظر لها ثم سألها"ماذا تعرفين عن الشاب!؟"
صمتت لثواني هي الأخرى ثم بدأت تتحدث عنه وهي متخوفة من ذكر الصفة الوحيدة التي من الممكن أن تجعل هذا الزواج مستحيلا، فقالت"إنه شاب في مثل سن أشرف أو أصغر بسنة، شاب خلوق، هادئ ومحاسب في شركة معروفة وهي الشركة التي تجري فيها عزة تدريبها حاليا، وشقيق أنس صديق أشرف، الشاب الذي لم يكن يغادر بيتنا أبدا.. وأظنك تعرف والده رحمه الله ووالدته من زارتنا قبل قليل..و"صمتت لثواني فناظرها رشيد بترقب قائلا"و؟"
ابتلعت ريقها تنظر لعينيه ثم قالت بهدوء"الشاب أرمل ولديه ابنة في عمر الثالثة"
ازداد ارتفاع حاجبيه ورد عليها ببرود"أرمل ولديه ابنة! ولماذا يريد الزواج من عزة!؟ لتفني حياتها في تربية ابنته!؟"
ردت عليه باستنكار"ماذا تقول يا حاج رشيد! الشاب لم يتوانى عن تقديم المساعدة منذ سفر أشرف ويطمئن علينا مرارا وتكرارا، ألا يكفي هذا ليشهد بأخلاقه الحميدة!..والناس يتزوجون عادة لأنهم يشعرون بالسكينة اتجاه الطرف الآخر ويرغبون في الاستقرار…وكونه أرمل أو لديه ابنة لا يغير شيئا من شخصه يا حاج رشيد"
قاطعها بضيق"حاولي أن تفهمي وجهة نظري، أنا لا أريد لابنتي أن تعاني، فهي مازالت صغيرة في السن، ودخولها في هذه الدوامة لا يطمئنني!"صمت لثواني ثم نظر إليها وسألها بترقب"ماذا يقول أشرف في هذا!؟"
ردت عليه ببساطة"لم يقل الكثير، لكنه مقتنع بصديقه، ولا أظنه كان سيقترح الأمر منذ البداية لو كان هناك شيء يعيب زكريا"
تأمل الفراغ أمامه وقد تملكته تلك الرغبة الحارقة في فرض رأيه والإبداء عن رفضه لهذه الزيجة التي بدت له مقبرة لابنته التي لم تتم الثالثة والعشرون بعد، وستغدو أما لفتاة في عمر الثالثة. تريت قليلا ولسبب مجهول تذكر زيجة أشرف وحالة مراد قبل أسابيع ففكر بجدية إن كان له يد في ما حدث للأخير بأي شكل من الأشكال.
مدرك هو لتعنته وتسلطه لكنه أب في نهاية الأمر، ومن منظوره أن الطريقة التي يتعامل بها مع أبنائه هي المثالية ليحصلوا على حياة مستقرة في نهاية الطريق، تساءل بينه وبين نفسه إن كانت هذه هي الحياة الذي كان يريدها لأشرف، زواج بالإجبار ثم طلاق لا يدرك تفاصيله لكنه ليس غافلا عن التغير الجوهري الذي أصاب ابنه وكأنه تم استبداله.
أغمض عينيه مفكرا لثواني عديدة بدت لنجاة كالدقائق ثم فتح عينيه قائلا بهدوء"نادي عزة"
ردت باندفاع طفيف"لا داعي لتفاتحها في الموضوع قبل إعلان موافقتك يا حاج!"
رد عليها باستنكار"هل أنا من سأتزوجه؟ نادي الفتاة دعينا نعرف ما رأيها في كل هذا!"
ظهرت علامات الاستغراب على ملامح نجاة وأوشك أن يتحول ذهول من التغير الذي أصاب زوجها مؤخرا ثم اكتفت بالهمس بداخلها"سبحان مغير الأحوال" قبل أن ترد عليه"سأناديها" ثم وقفت واتجهت نحو الدرج.

*في غرفة عزة*
"متجهم الملامح وبارد النظرات لكني تجاوزت تأمل مظهرك السطحي الذي ترسمه ببراعة على وجهك وانتقلت للخوض بأعماقك ووميض غامض يجذبني نحوك كلما التقت نظراتنا،أتراك تبادلني المشاعر أيضا، أم هو ميلك لفتاة تراها مناسبة لتكون بجانبك…ذبذبات اهتمامك تصلني بشكل زهيد تجعلني متعطشة للمزيد من عطائك"
قاطع تحرك أصابعها بسلاسة على لوحة مفاتيح الحاسوب دخول والدتها لغرفتها، فأغلقته بارتباك ثم اعتدلت في جلستها على السرير، فاقتربت منها والدتها لتجلس بجانبها قبل أن تقول بهدوء"والدك يريد التحدث معك!"
سألتها عزة باستغراب"هل كل شيء بخير؟!"
أومأت نجاة ثم ردت عليها"بخير، إنه يريد التحدث معك عن زكريا!"
اهتزت حدقتا عزة ثم رمشت عدة مرات وهي تنتظر من والدتها أن تكمل جملتها، فأكملت نجاة"لقد فاتحته في موضع خطبتك ويريد أن يعرف رأيك!؟"
رفعت حاجبيها وهمست"رأيي؟" ثم سألتها باندفاع"ألم يرفض؟!"
هزت نجاة رأسها نفيا ثم قالت بهدوء"إنه يريد التحدث معك بشأن ذلك، حاولي محادثته باحترام ولا تبدي اعتراضك الشديد على أي شي يقوله" امتنعت عن ذكر الجزء الخاص بأنها أنها شعرت بموافقته المبدئية لكي لا تزرع أملا وهميا في قلب ابنتها، وقد استشعرت سابقا أن موافقة أشرف لها علاقة كبيرة بعزة أكثر من موافقته على شخص زكريا.
هزت عزة رأسها موافقة ثم لحقت بوالدتها في صمت والكثير من المشاعر اختلطت بداخلها ما بين حماس وتخوف وسعادة وارتباك وأكثر ما يشغل بالها هو ماذا ستفعل إذا رفض والدها.

جلست أمامه بهدوء ودقات قلبها تعزف سمفونية رعب من القادم، ثم نظرت له بثبات، تنتظر أن يخبرها عن قراره.
رقع نظراته نحوها ثم سألها بهدوء"لا بد أن والدتك أخبرتك عن موضوع زكريا!"
اكتفت بإيماءة بسيطة، فأكمل قائلا"ماذا تقولين في هذا؟!"
أجلت صوتها وحاولت جاهدة أن يبدو عاديا"سأفعل ما ترونه مناسبا يا أبي!"
ضيق عينيه يتأملها ثم سألها مجددا"هل أنت مدركة لما من الممكن أن يصادفك لو حدث و اكتملت هذه الزيجة!..إنه رجل أرمل ولديه ابنة، ألا ترين أن هذه مسؤولية قد تفوق قدرتك مستقبلا!"
ابتلعت ريقها وبدا لها أن والدها على وشك أن يرفض الموضوع برمته، شعرت بالرعب يتسلل إلى أوصالها ثم نقلت نظراتها لوالدتها فبادلتها بأخرى ثابتة تدعمها.
أجلت صوتها قليلا ثم ردت بهدوء"الزواج قسمة ونصيب يا أبي، وكل شخص ونصيبه في هذه الحياة، من يدري ربما وضعني الله في طريق تلك الطفلة لأنه رأى أني أكثر من سيعوضها عن فقدان والدتها، أما عن المسؤولية، فلست أول وآخر فتاة ستتزوج في سني برجل أرمل ومعه ابنة، وأنا أثق بأنني سأكون قدها"
صمت والدها لثواني يتذوق كلماتها ثم سألها بدون مواربة"أفهم من كلامك أنك موافقة على الموضوع أكمله!"
أحنت رأسها ثم همست بصوت مسموع"لا كلام فوق قرارك يا أبي!"
فلتت ضحكة من بين شفتيه ثم قال بسخرية طفيفة"لم يكن هذا ردك عندما قرر زواجك من ابن عمتك؟"
نطقت نجاة اسمه بعتاب"رشيد!"
فقالت عزة بإحراج"الأمر مع عصام كان مختلفا يا أبي، لأنه بمثابة شقيقي، بالإضافة إلى زيجة أشرف التي سبق وفشلت،فام أرى بدا من معاودة التاريخ"
أومأ بهدوء ثم قال"ردك على طرف لسانك دائما كوالدتك!"
ثم نظر لنجاة قائلا"اتصلي بوالدة زكريا،وأخبريها عن موافقتنا المبدئية، وسنختار وقتا مناسبا لأشرف لتلتقي العائلتين، في انتظار أن يخرج مراد من المشفى أيضا!"
انفرجت شفتي نجاة عن ابتسامة واسعة وهي تبحث عن هاتفها لتتصل في أسرع وقت، وكأنها خائفة من أن يغير رأيه، بينما اتسعت نظرات عزة بذهول وعدم استيعاب لما قاله والدها الآن فلم تشعر بنفسها إلا وهي تنحني لتقبل كفه ثم جرت إلى غرفتها وتلقفت الهاتف بين أناملها تبحث عن رقم أشرف بتعثر، فوجدته أخيرا واتصلت به.
*************
رن هاتف أشرف فأيقظه من شروده وظهر اسم عزة على الشاشة..رد عليها فورا، فاستقبل صوت نشيجها العالي، واتسعت عيناه برعب قائلا"عزة مابك؟!"
علا نشيجها وهي ترد عليه بصوت متقطع"لقد وافق أبي!"
تنفس الصعداء ثم هتف بغضب على الهاتف"لقد أرعبتني، ظننت أن شيئا سيئا قد حدث لأحدكم"
استمرت في نحيبها وهي تقول بدون تركيز"لقد ظننت أنه لن يوافق أبدا، لقد ركز كثيرا على موضوع لينا، ماذا كنت سأفعل يا أشرف لو لم يوافق"
زفر أشرف نفسا غاضبا ثم قال بجفاء"سامحك الله يا زكريا يا ابن عزيزة على ما فعلته بأختي، هي في الأساس كانت تمتلك نصف عقله وها قد أخذت النصف المتبقي"
احتجت قائلة"أشرف…توقف عن السخرية مني"
هز كتفيه باستمتاع"أنا لا أسخر، بل أدلي بالحقائق"
تسللت الفرحة لقلبه أخيرا وقد كان يحمل موضوع عزة وزكريا وزرا على كتفيه خوفا على مشاعر شقيقته الحساسة بشكل مفرط، لكن لم تخف عنه مشاعر الغيرة التي تسربت إليه أيضا، غيرة حميدة على شقيقته التي ستصبح تحت جناح رجل آخر.
نظر للمكان المظلم من حوله، وقد كان يجلس في الحديقة التي تطل عليها غرفته، ويحتسي كوبا ساخنا من الشاي متأملا المكان من حوله ويحاول تحليل مشاعره المستعصية عليه.
استنشق نفسا عميقا ثم قال بنبرة صادقة"أنا سعيد من أجلك"صمت لثواني ثم أكمل بنبرة متأثرة حاول جاهدا مداراتها"ثم لا تنسي أن انتقالك إلى صفة متزوجة لا يغير شيئا من كونك فتاة أخيها المدللة دائما والمزعجة أحيانا!"
انفرجت شفتيها عن ابتسامة اختلطت مع دموعها ثم ردت عليه بحنان"أحبك يا أشرف"
رد عليها بهمس"وأنا كذلك" ثم قال بنبرة أعلى"أغلقي الخط، سأتصل بمتحجر الهيأة لأبارك له"
"من متحجر الهيأة؟" قالها محمد الذي انضم لأشرف ثم جلس على الكرسي بجانبه، وقد انضم لهم قبل يومين بعد أن بدأ جرحه يتماثل للشفاء"
رد عليه أشرف ببساطة"إنه زكريا، لقد وافق والدي على خطوبته على عزة"
ابتسم محمد بهدوء قائلا"حقا، هل لان قلب الحاج رشيد أخيرا!"
صب لمحمد الشاي من الابريق ثم رد عليه ببساطة"الله وحده من يعلم من عبث بإعدادات أبي، فأنا كنت أنتظر شجارا معه واتهامات من طرفه أبرزها أنني شجعت صديقي على التطاول على أختي لدرجة أن يطلب يدها بكل احترام"
قهقه محمد من الأسلوب الساخر الذي أصبح يتعامل به أشرف مع انفعالات والده ثم قال بعد أن تمالك نفسه"المهم أنه رضي بشيء أخيرا، ونقول مبروك لعروستنا الصغيرة، عقبال لعندك"
هز أشرف رأسه نفيا ثم رد عليه ببساطة"أنا مرتاح هكذا، حياة العزاب نعمة"
غمزه محمد بعبث قائلا"لكنني أراها أصبحت نقمة بالنسبة للبعض".
رفع أشرف أحد حاجبيه ثم أشار لنفسه"هل تقصدني أنا!؟"
هز محمد كتفيه باستمتاع"بل فزاعة الحقول" ثم ابتسم وسأله قائلا"هل أنت وسمر متوافقان في العمل!؟"
جز أشرف على أسنانه قائلا بتعالي"جدا!"
ضيق محمد عينيه ينظر له بشك"لقد سمعت بعض العمال يتحدثون عن شجاراتكما المتواصلة، وياللصدفة! أغلبها لا تخص العمل أبدا!"
رد عليه بعصبية"ربما حان الوقت لتغيير فرقة العمال، فنحن في غنى عن الثرثارين والكسالى! ألا توافقني الرأي يا عم محمد!؟"
هز رأسه بالإيجاب قائلا بمزاح"بلى بلى! لكن دعهم في حالهم فهم يطلعونني عن الأشياء التي أريد أن أعرف عنها، إنهم مفيدون جدا لي!"
ابتسم أشرف في وجهه بتفكه قائلا"سأخلد للنوم، فغدا أمامنا نهار طويل جدا!"
رد عليه محمد بهدوء"تصبح على خير!"
_____________________
'بعد أيام'
'في الفندق الذي يشتغل فيه أسامة'
كانت ثريا تقف وسط ردهة الفندق بشعرها الأحمر المفرود بعناية أفقدته طبيعته، وترتدي فستان أبيض بأكمام شفافة ويصل لأسفل ركبتيها…عيونها التائهة تتجول في المكان، تبحث عن شخص تعرفه،لكن كل من حولها وجوه مبهمة أتت لتقضي عملها وتغادر.
عيون تائهة كتوهان كيانها، تبحث عن مستقر ولم تتوقع أن تجده في تلك العيون الرمادية التي ترمقها بنظرة باردة يكسوها الغموض، حركت رأسها كأنها تحييه لكنه تجاهل حركتها وباشر بإلقاء تعليماته هنا وهناك؛ صدمت من تواجده في هذا المكان بالذات وقد غفلت عن كونه مسير فنادق قبل أن يكون صاحب مقهى، لتعلم بعدها أنه يشتغل في الفندق الذي سيحتضن الإعلان الذي ستعمل به.
صاح مساعد المخرج"استعدوا سنبدأ مجددا بعد لحظات" ثم نظر لها"ثريا، هل أنت مستعدة!؟"
أومأ بهدوء، فاقتربت منها فنانة التجميل تضيف اللمسات الأخيرة على وجهها لتجعلها تبدو أكثر إشراقا، وفعلت المثل مع العارضات الأخريات.
كان المشهد الذي سيصورونه الآن هو ما قبل الأخير، وعلى ثريا أن تتقدم بثقة نحو الكاميرا وابتسامة واسعة تعبر عن رضاها وسعادتها بالمنتج يجب أن تزين وجهها،والعارضات من خلفها يفعلن المثل..وقد تعمد المنتج أن يجعلها في الأمام كواجهة لأنها مختلفة ولم تكن تشبه الأخريات،بدت كشجرة خريفية وسط أشجار ربيعية.
أتعس النفوس، أكثرها براعة في تصنع الابتسامة، فمن يرى ابتسماتها الآن سيظن أنها تملك العالم بأسره، ولكن الحقيقة أن العالم تخلى عنها منذ أول وهلة معلنا عن عداوته معها.
بهتت ابتسامتها تدريجيا وهي تتذكر وصفه لها بناكرة الجميل، وقد قضت مضجعها تلك الصفة وتساءلت مئات المرات إن كانت كذلك فعلا، ربما معه حق، لكنها تحتاج لنسب كل الأفضال التي تعيش فيها الآن لنفسها لكي لا تفقد العزيمة على الاستمرار، نعم هي تعترف في قرارة نفسها أن تواجد العديد من الأشخاص في حياتها منذ وطأت قدميها هذه المدينة سهل عليها العديد من الأمور وإلا كان حالها كحال من يفترشون الأرض ويبحثون عن فتات يسد جوعهم أو ربما فريسة سهلة للذئاب البشرية، وقد عانت من ذلك وهي تحت ظل عائلة فماذا لو كانت وحدها وسط كل هذا منذ البداية.
أعلن المساعد عن توقف التصوير، فتوجه المخرج لوسط الحلبة قائلا بجدية يحرك كفيه يمينا وشمالا"ليس هكذا يا ثريا، أريدك أن تظهري أسعد ابتسامة لديك، تخيلي نفسك وأنت تمتلكين العالم وقد بلغت منتهى أحلامك وتحققت بأكملها، اجعليها تبدو طبيعية"
أومأت بطاعة فقابلتها نظرة أسامة وابتسامة ساخرة تزين شفتيه،فاهتزت حدقتيها للحظة قبل أن تعلن استعدادها عن إكمال التصوير وهي تنظر له بتحدي،فقلب عينيه يتجاهلها ثم اختفى عن الأنظار.
بعد ساعات أعلن الطاقم عن انتهاء اليوم الأول من التصوير،فحييوا بعضهم على العمل الجاد ثم ذهبت ثريا لتغير ملابسها وتغادر.
خرجت من السيارة الكبيرة الخاصة بتغيير الملابس، فوجدته هناك واقفا يستند على سيارته ويحمل كيسا رماه في حضنها ما إن التقت نظراتهما، فالتقطته بهلع
وهي ترمقه بنظرة غاضبة قبل أن تسأله ببرود"ما هذا؟!"
تجاهل سؤالها قائلا بجدية"اصعدي إلى السيارة،لدينا مشوار عمل"
سألته بملامح متجهمة"منذ متى كنت تقضي مشاوير العمل معي؟"
رد بهدوء"منذ اللحظة!هل لديك مشكلة في ذلك"صمت قليلا ثم قال بنفس النبرة"لقد كنت تستجيبين لرب عملك المؤقت قبل قليل بكل طاعة، بينما تنقلبين لعفريت عندما يتعلق الأمر بي!"
ردت باندفاع غاضبة"لا تنعتني بعفريت"، تجاهلها ثم استقل السيارة وأدار المحرك ينتظر أن تصعد بكل هدوء، فتلكأت لدقائق وجزء منها يرغب بالصعود لأنها ستستأنف الطريق إلى العمل، والجزء الآخر يرفض الانصياع لأوامره، وفي غمرة حيرتها، ضغط على مزمار السيارة فاختض جسدها ورمقته بنظرة غاضبة قبل أن تصعد بانصياع ثم استدارت ونظرت في وجهه هاتفة بغضب"لقد ركبت فقط لأنني على عجلة من أمري"
أومأ ببساطة ولم يرد عليها ثم انطلق بسيارته لمكان تجهله.
استنشقت الرائحة الزكية المنبعثة من الكيس الذي رماه في حضنها سابقا فأصدرت معدتها قرقرة جعلتها تدير وجهها ناحية الزجاج بإحراج تحت النظرة العابثة التي علت وجهه، قبل أن يمد كفه للكيس ويسحبه ليتموضع على فخديه ثم أخرج منه سندويتشا ووجهه نحو وجهها قائلا باقتضاب"غذاؤك!"
أخذته من يده بعصبية وقالت"هل سأكون ناكرة الجميل إذا لم أشكرك على هذا!؟"
هز كتفيه بلامبالاة وعينيه مركزة على الطريق ثم قال"لا شيء سيتغير سواء قلتها أم لا!"
مطت شفتيها بعدم استيعاب ثم فتحتهما على مصرعيهما قائلة"هل تمن علي الآن!"
رد عليها بسخرية"وجهة نظر متوقعة منك صراحة"
استدارت تنظر له بجنون"توقف عما تفعله الآن حالا!؟"
هز كتفيه وقال يتظاهر بالبلاهة"وماذا فعلت أنا؟"
صرخت"تتدخل فيما لا يعنيك!"وبدأت بالعد على أصابعها"تظن أنك تعلم كل شيء عني!"رفعت نظراتها نحوه بجنون"تعاملني بلطف وتتساهل معي في العديد من الأمور فتجعلني أشعر بأنني مدينة لك بأمور عدة" صف سيارته جانبا ثم تخلص من حزام الأمان واستدار ناحيتها يستمع لشكاويها،فأكملت بنبرة منخفضة يجعل تماما كيف استطاعت استخراجها في خضم صراخها"فقط توقف عن فعل ما تفعله، لأنك وبدون أن أشعر تجعلني أتناسى السبب الذي جئت من أجله لهذه المدينة، جميعكم تجعلونني أفعل ذلك!" صمتت لثواني تبحث عن الشرح المناسب لما تريد قوله ثم نطقت بهمس"أنتم تخفضون همتي!"
هز رأسه بيأس ثم قال بهدوء"أنت معاقة عاطفيا أقسم بالله، هل تعتبرين أن تكوني محاطة بأناس يقلقون عليك ويحبونك بصدق بدون أن تبدلي جهدا شيئا يحبط عزيمتك؟!" ضرب كفيه ببضعهما محوقلا"لا حول ولا قوة إلا بالله، يجب إعادة النظر في هيكلة مشاعرك"
ضيقت عينيها تنظر له بحنق"هذا ليس موضوعنا، أنا قلت ما عندي! دعنا ننتهي من مشوار العمل الذي تحدثت عنه، فلدي ما أفعله"
هز رأسه بتفهم قائلا"حسنا آنسة مشغولة" ثم مد يده وأغلق السيارة من الداخل قبل أن يكمل"مشوار العمل اليوم هو أنت!"
نظرت له بترقب ثم مدت يدها تحاول فتح الباب فصرخت"أسامة افتح الباب ما الذي تفعله!"
رفع حاجبيه يتظاهر بالبراءة"أريد أن نتحدث قليلا، ممكن؟!"
مازالت تحاول فتح الباب وهي تردد بحنق"أسامة قلت لك افتح الباب"
مد يده ثم ضغط على الزر لفتح الزجاج لآخره قبل أن ينطق ببساطة"سأفتح زجاج النافذة، في حال رغبت في الصراخ وطلب النجدة، فأنا أعلم جيدا عمق تفكيرك وأن دماغك يصنع تخيلات الآن ضحيتها أنت"
توقفت كفيها عن الحركة ثم استدارت تنظر له بحدقتين مهتزتين، فقال بهدوء"لا حل معك، أشك في أنك تشكين في نوايا ملابسك أيضا"
ردت بجفاء"أنا أشك في نواياك"
رد عليها"نعم نعم! أعلم ذلك" مط شفتيه بتفكير هامسا" أين كنا!" ثم رفع نبرة صوته قائلا"أريد أن أعرف قصة ثريا الفارة من أهلها، لكي لا أتظاهر بأنني أعلم كل شيء عنك مجددا كما وصفتني"
جعدت تعابير وجهها وهي تسأله بتوجس"من أين أتى هذا الآن!؟"
رد عليها ببساطة"بعد تفكير عميق، اكتشفت أنني يجب أن أعرف أسبابك الشخصية التي تجعلك دائمة السعي وراء جني المال، لدرجة أن تفكري في الظهور للعلن ضاربة كل شيء عرض الحائط وبدون التفكير فيما أنت مقدمة عليه"
ضيقت عينيها قائلة بحنق"إذا أردت فتح حوار عن الإعلان التلفزي فسأخبرك مجددا أن هذا ليس من شأنك، ثم إن الأوان قد فات، ولا مجال للتراجع عن ذلك!"
هز كتفيه ببساطة قائلا"بل إنني أريد فتح حوار لمعرفة المزيد عنك، اعتبريني فضوليا..أخبريني فربما أستطيع مساعدتك في شيء، من يدري، فعقلين ليسا كعقل واحد"
تأملت وجهه لثواني عديدة، تفكر إن كانت ترغب حقا في البوح بما يجول في خلدها، فكرت أنها لم تحدث أحدا عن حياتها من قبل، هل سترتاح إذا تحدثت يا ترى، أم سيثقل وزرها أكثر…وماذا إن كانت فضفضتها ستكشف لها عن طريق آخر تستطيع استغلاله لتحقق رغباتها.
أغمضت عينيها غارقة في التفكير، فقال يقاطع تفكيرها"سأخبرك بحقيقة عني، وفي المقابل ستخبريني بقصتك!"
لن تنكر أن الفكرة بدت لها مغرية، أغرت قلبها ربما لكنها بعيدة كل البعد على أن تغري دماغها، فاكتفت بإيماءة بسيطة تعلن بها موافقتها.
ابتسم بخفة قائلا"لقد توفي والداي في حادثة سير وكنت الناجي الوحيد،ففقدت صوتي بعدها لشهور عديدة من الصدمة"
نغزها قلبها فنظرت لوجهه بتعاطف وخانتها الكلمات، لكنه قال بهدوء"لم أخبرك بهذا لتتعاطفي معي، بل لتعرفي أن لكل منا قصة في إحدى زوايا ذاكرته لا يريد الحديث عنها" صمت لثواني ثم قال ببساطة مجددا"والآن دورك!"
ضيقت عينيها بتردد وقد حسمت أمرها سابقا ثم قالت"أنا لا أحب التحدث عن حياتي!"
رد ببساطة"سهلة! تحدثي كأنك تتحدثين عن فتاة أخرى"ثم ابتسم في وجهها بهدوء
فمطت شفتيها بعدم رضا وهي تقول بهدوء"مصر جدا!"
أومأ مؤكدا ثم اعتدل في جلسته يناظرها بترقب وينتظر بفارغ الصبر أن يسمع ما في جعبتها.
أجلت صوتها ولا تفهم حقا كيف وصلت لمرحلة أن تستجيب لطلبه أخيرا بعد أن أعاده على مسامعها مرات عديدة وبطرق مختلفة.
تفادت النظر لعينيه ثم استرسلت في الحديث قائلة"تخيل فتاة ولدت في عائلة متكونة من والد بلغ أشد مراحل التسلط والتعنت والأسوء أنه يستمع للجميع سوى عائلته، لا يتردد في قذفك بأبشع الألقاب مخطئا كنت أو على صواب ثم.." ترددت بعض الشي وما ستفصح عنه الآن هو جواب السؤال الذي ردده على مسامعها مرارا وتكرارا، ثم ابتلعت ريقها وأكملت"ولم يكتفي بالتعنيف اللفظي فقط بل كان يلجأ للجسدي أيضا، لم أسلم منه، وأمي أيضا لم تسلم مما كان يطالني أيضا وربما أكثر"تنفست الصعداء وهي تتذكر والدها ثم قالت"امرأة بسيطة، خانعة، لم أسمعها يوما تدافع عن نفسها أو عنا، بل تكتفي بالبكاء مستسلمة لكلماته القاسية وضرباته الأشد قسوة..تربيت في بيئة مختلفة عنكم تماما، لم أحضى بالرفاهية التي حضيتم بها، وحرمت من أبسط حقوقي فبثرت أحلامي في استكمال الدراسة وهي في أوج توهجها..حبست في المنزل ومنعت من الخروج لوقت طويل جدا وعنفت لأنني تمردت…البيئة التي تربيت فيها لا ترى الإناث سوى أدوات منزلية، تستغل في منزل والديها ثم تنتقل لتستغل في بيت رجل ربما لم تره في حياتها يوما لكنه سيملك سلطانه على حياتها بمجرد إمضائهما على ورقة." بدت سارحة وكأنها رفعت لبعد آخر وهي تروي حياتها السابقة..وتعمد عدم استوقافها فلم تبدو كمن يحتاج أسئلة لتنشيط الذاكرة.
فأكملت"لدي شقيق يكبرني بثلاث سنوات، اسمه طارق…نجح في الإفلات بأعجوبة من حياة البادية، ولكن بانتقاله للمدينة شعرت بأنني فقدت الرابط بيننا، ربما كانت المعاناة ما جعلتنا مترابطين وعندما لم نعد نتشارك نفس المصير قطعت صلة الوصل، فغدا غريبا نراه مرات معدودة على الأصابع في العام كاملا..وهناك سكينة، لقد قابلتها..المحرك الأساسي الذي جعلني أفكر في الهرب لنضمن أنا وهي حياة أحسن من الحياة التي نعيشها..بعد أن طفح كيلي وقد قرر والدي بالنيابة عني تزويجي لرجل مسن، كنت سأكون زوجته الثالثة أو الرابعة، لم أعد أتذكر… وهنا جاء دور عمتي والتي لها الفضل الكبير في كوني ما أنا عليه الآن، كانت تراقبني دائما، وحرصت على أن أتعلم اللغات وأن أطور جانبي الثقافي، وفي كل زيارة لها للمدينة تثقلني بالكتب وتحدثني عن الناس ومدى اختلافهم عنا والعديد من الأشياء الأخرى" قست ملامحها وهي تكمل"لم يكن هروبي خطة ونفذت فقط، بل هو تخطيط الشهور، عملت ليل نهار لأبيع ما أحيكه في الخفاء فأضمن ثمنا معقولا يسد حاجياتي إلى أن أجد عمل، تحدثت عمتي مع شقيقة زوجها الراحل لتأويني في بيتها بدون أن تعلمها بالتفاصيل، ثم نفذت الخطة عندما حان الوقت..هربت في جنح الظلام، من حياة كانت سجنا بالنسبة لي، وأنا في نيتي أن أخلص شقيقتي من ذلك السجن ووالدتي أيضا…هربت لأنني سئمت من كل شيء، ولم أرد أن أسلم كقربان من أجل بضع هكتارات من أرض زراعية..هربت لأختار مصيري بنفسي بعد أن حرمت من ذلك لوقت طويل" صمتت لثواني فظن أنها ستكمل حديثها بعد كل هذا لكنها اكتفت بالقول"وهنا انتهت قصة هروبي!"
رمش أسامة عدة مرات يتخلص من تصلب ملامحه مما يسمعه،وهو مدرك تماما أن ما روي له مجرد رؤوس أقلام ولا شك أن التفاصيل أبشع بكثير.
سألها بهدوء"والتتمة!؟"
هزت رأسها بالنفي"لقد تحدثت كثيرا، والأحداث التي تلت هروبي في فلك آخر تماما، عندما أتذكرها أرغب باحتضان نفسي ومواساتها على ما مضى وما أعيشه" تلاقت نظراتهما فسألته بسخرية"ألا تصلح قصتي لتكتب كرواية أكون أنا بطلتها؟ لكنني أتساءل إن كنت سأتقاضى أجرا مغريا على هذا!" ومطت شفتيها تفكر بجدية في الموضوع.
انفرجت شفتيه عن ابتسامة حانية،شتتت تركيزها لثواني، ثم قال بهدوء"لأصدقك القول، الجزء الوحيد الذي توقعته من قصتك هو أنك هاربة من زيجة مجبرة، خاصة بعد ما حدث مع عزة وتفاعلك مع قصتها..لكنني لم أتوقع الجزء الخاص بوالديك" صمت قليلا يفكر إن كان من المناسب التعبير عن رأيه في موقف هكذا أم يحتفظ بموقفه كمستمع،فعزم الأمر قائلا بهدوء"لا أعلم تفاصيل علاقتك بوالديك، لكن لأنني حرمت منهما في سن صغيرة، شكل لي ذلك عقدة نوعا ما، لدرجة أنني لا أستحمل أن تكون علاقة أحدهم مهتزة ولو قليلا بوالديه، ربما لأن فقدانهما جعلني أدرك أن تواجدهما في حياتنا نعمة، كيفما كانا"
نظرت لوجهه لثواني ثم قالت بجفاء"ربما هما نعمة للبعض، ونقمة للبعض الآخر، فليس وكأن جميع الآباء يستحقون أن يكونوا كذلك، كما ليس جميع الأبناء صالحون…يعني الأمر أشبه بمعادلة صعبة الحل"
هز رأسه بتفهم قائلا"وما سر احتياجك للمال، واختيارك لطريق غير موفق صراحة، فأنت بذلك تغامرين في أن يجدوك!"
ردت عليه بجدية"أنا أحتاج لتغيير وضعيتي المالية في أسرع وقت ممكن، الوقت يمضي وسكينة أوقفها والدي عن الدراسة، وتحسن وضعيتي يعني قدرتي على مساعدتها"
سألها بدون مواربة"هذا يعني أنك تنوين العودة يوما ما!؟
ردت موضحة"لتحرير سكينة، نعم أنوي ذلك"
ما لاحظه أنها في غمرة حديثها تناست صعوبة أن تنتشل شقيقتها من بين والديها، فما حكته عن والدها خاصة، يجعله يتوصل فورا إلى أنها ما إن تحط قدميها في تلك القرية مجددا سيتم حبسها مع حراسة مشددة هذه المرة وربما بشكل أسوء من ذي قبل…لم يتطرق للأمر، جازما أنها لا تمتلك خطة لا محال..بالرغم من أن تصرفها الأخير وقبولها للإعلان جعله يعيد النظر في قدراتها العقلية.
اكتفى بإيماءة بسيطة ثم مد يده قائلا بمرح"تشرفت بمعرفتك مجددا آنسة ثريا!"
هزت رأسها ثم مدت يدها تصافحه ونطقت بتردد"شكرا لحسن استماعك سيد أسامة"
رد ببساطة"هذا من دواعي سروري، وفي انتظار أن تطلعيني على باقي القصة"
ابتسمت بسخرية قائلة"لا تعتد على الأمر، يكفيك ما تعرفه إلى الآن"
ابتسم وهى يدير محرك السيارة"سنرى بشأن ذلك يا مونارش"
ردت عليه بحنق"مونارش مجددا، لا تناديني بذلك، هذا مستفز"
انطلق بالسيارة وأكمل استفزازها وهي تعانده صارخة في وجهه كما تفعل دائما، فيبادل انفعالها بتباسط شديد جدا.
________________________
'في أقشور'
اقتربت سمر بكعبها العالي من مجموعة من العمال تتفقد سيرورة العمل، تحت نظرات أشرف المستنكرة وقد أخبرها سابقا أن أحذيتها ليست مناسبة لمكان كهذا، مليء بالمسامير والأحجار والأدوات الحادة، لكنها مصرة دائما على تحديه حتى وإن كان ذلك على حساب أمانها.
اقترب منها بخطوات رشيقة فوقف أمامها يمنعها من التوغل أكثر لكنها حاولت تجاوزه بدون أن تتحدث معه حتى،فمنعها مجددا قائلا بهمس بارد"ألم نقل أن تمتنعي عن هذه الأحذية في مكان العمل،أم أنك لا تملكين وقتا كافيا لتلقي نظرة على الاحتياطات اللازمة قبل الدخول لمكان كهذا"
رفعت نظراتها لتقابل نظراته القاتمة ثم ردت عليه ببساطة تتظاهر باللامبالاة"أنا أعلم جيدا أين أخطو،فلا داعي لهذه الوصلة التحذيرية" ثم أمالت رأسها لتقابلها نظرات محمد المستمتعة بعد أن كان مشغولا يلقي بتعليمات العمل هنا وهناك.
حيته بحبور"صباح الخير يا عم محمد" ثم تجاوزت أشرف متجهة نحو محمد الذي استقبلها بابتسامته المعهودة قائلا"صباح النور يا فاتنة، أرى أن أحدهم يحاول إفساد صباحك"
ابتسمت ووقفت بجانبه قائلة"لقد اعتدنا على مفسدي الصباح، وما لنا سوى الصبر والتجاهل"
رفح أشرف حاجبه الأيمن باستنكار هامسا محدثا نفسه"هل نعتتني بمفسد الصباح الآن!"زفر نفسا غاضبا ثم اختفى عن الأنظار وقد قرر تجاهلها كما تفعل معه.
'بعد ساعات'
كان أشرف وسمر ويوسف يجلسون على نفس الطاولة ويحاولون مناقشة التصميم النهائي قبل انتهاء العمل، وقد كثف فريق محمد العمل مؤخرا لينجزوه في أقل من شهر، لارتباط أشرف وسمر بمناسبات عائلية يجب الإشراف عليها.
كان يوسف يتعمد توجيه كلامه لسمر متجاهلا تواجد أشرف مما أثار حنقه، فانحنى قليلا باتجاهها ثم همس بانزعاج"ألن يتوقف هذا الأبله عن التحديق بك كأنه وجد كنزا ثمينا سيستولي عليه؟"
اتسعت عينيها واقشعر بدنها من اقترابه،فرمشت عدة مرات ثم رسمت على شفتيها ابتسامة صفراء تغطي بها تصرف أشرف الوقح في حضور يوسف..وتجاهلت همسه، فانحنى مجددا هامسا بحنق"أم أنك تستمتعين بتلك النظرات، هل أنا مخطئ؟"
التفتت تنظر له بحدة فرسم ابتسامة ساخرة على شفتيه أشعلت فتيل جنونها ولم تشعر بنفسها إلا وهي تضغط على مقدمة قدمه بكعبها العالي بكل ما أوتيت من قوة،فصرخ بألم أثار فزع الجميع فنظروا له باستغراب وبعضهم بقلق، ثم قالت تتظاهر بالبراءة"هل أنت على ما يرام يا أشرف!؟"
انحنى يدلك قدمه ثم جز على أسنانه قائلا من بينهما"ستندمين على هذا!"
انحنت تتظاهر بأنها تطمئن عليه ثم همست هي الأخرى"وأنت لم ترى مني شيئا بعد…وقح!"
ثم رفعت نظراتها ليوسف قائلة ببساطة"أعتذر عن مقاطعتك سيد يوسف، أكمل أرجوك"
نظر لها الأخير باستغراب ثم سأل"هل حدث شيء؟!"
هزت رأسها نفيا"لم يحدث شيء، لا بد أن أشرف آذى قدمه بدون أن ينتبه، أليس كذلك يا سيد أشرف؟" ورسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها، بدون أن تصل لعينيها.
رفع حاجبه الأيمن باستنكار فانحنت باتجاهه قائلة بهمس"لا تحاول إثارة الفوضى وسط العمال والتصرف كالأطفال"
ضحك بخشونة غير آبه بالعيون التي تراقبه ثم قال بهمس"ستندمين على هذا يا سمارا، وسأريك كيف يتصرف الأطفال!"
تجاهلته وهي توجه حديثها ليوسف مشيرة للحاسوب أمامها، فانتبه لها الأخير وغرقا في التحدث عن العمل، تحت نظرات أشرف الغاضبة، ونبضات قلبه المتملكة، غير راضية عن الجفاء التي تعامله به ولا عن تباسطها الشديد مع العميل، حدث نفسه داخليا'عن أي تباسط تتحدث يا أشرف، إنها تعامله كأي عميل، لكنك غيور لدرجة رفضك لأي حديث بسيط مع أي ذكر'
فتح الزر العلوي لقميصه بعصبية ثم سحب الحاسوب من أمامهما قائلا بجفاء"سأتكلف بالباقي، اذهبي لترتاحي"
ردت عليه بهدوء"أنا بخير،أستطيع إتمام ما بدأته"
رد باندفاع"لا أظنك ترغبين بشرح الجزء الخاص بي أيضا"
حركت شفتيها يمينا وشمالا ثم قالت بنفاذ صبر"تعالى معي لحظة لنتحدث بالخارج" ثم وقفت واعتذرت ليوسف بلباقة قائلة"اعذرنا للحظة سيد يوسف" واتجهت للخارج، لحق بها أشرف يراقب قدميها اللتان تتحركان برشاقة بذلك العكب العالي وهي تتجاوز المسامير واللوحات الخشبية المتناثرة على الأرض بسلاسة بدون أن تهتم بتفقد أين تضع خطواتها.
وقفت أمام سيارته توليه ظهرها قبل أن تستدير مكثفة ذراعيها لصدرها قائلة بانزعاج"هل لي أن أعلم لماذا تستمر بإزعاجي!؟"
رد عليها بجفاء واستفزاز"لأنني طفل كما قلت!"
أغمضت عينيها تحاول التحكم في غضبها وانزعاجها منه ثم قالت بهدوء ظاهري"نحن في مكان العمل يا أشرف، استفزازك لي ومناوشاتك تضعنا في موقف محرج أمام العمال"
هز كتفيه قائلا ببرود"لا يهمني!أنت من يجب أن تتوقفي عن استفزازي، والتصرف بعكس ما أقوله لك"
رفعت حاجبيها باستنكار قبل أن ترفع ظاهر يدها اليسرى أمام وجهه قائلة بسخرية"هل ترى خاتمك هنا!؟"وحركت بنصرها ثم أكملت بشراسة"عندما تمتلك صفة تجعلك تملي علي ما أفعله،عندها فقط سأفكر بإطاعة أوامرك لذلك توقف عن التصرف كأنك تمتلكها"
نقل نظراته بين كفها ووجهها ثم خطا نحوها خطوة واحدة قربتهما أكثر، فلم تتزعزع ببنت شفة ومازالت ترمقه ببرود وتعالي، قبل أن تقول بجفاء"إذا كنت تظن أنك ستخيفني باقترابك،أو النظرة الباردة على وجهك الآن فأنت مخطئ، لذلك دعنا نرجع لسابق عهدنا ونفعل ما نتفق عليه في كل مرة لكنك تتراجع عنه يا أشرف..لا تتجاوز حدودك معي، فلا زلت أحترم زمالتنا في العمل،ولتنسى ما حدث بيننا،لأنني أستطيع الجزم بأنه ذلك الاعتراف اللعين ما يجعلك هكذا متسلطا على كل ما يخصني"
أغمض عينيه بانزعاج ثم رفع كفه يمسد بها طبلة أذنه قائلا ببرود مستفز"أنت تتحدثين كثيرا!"وحرك رأسه يمينا وشمالا مكملا بجفاء"لا تملي علي ما سأفعله أو كيف أتحدث معك" صمت لثواني ثم انحنى قليلا يفتح باب سيارته خلفها، قبل أن يباغثها ويدفعها للداخل قائلا"لن تنالي شرف إنهاء المحادثة هذه المرة يا سمارا، بل أنا من سيفعل" تزامنت كلماته مع صرخاتها العالية وهي تهتف بجنون"ماذا تظن نفسك فاعلا!"أغلق عليها الباب فضربت زجاج النافذة بكفها هاتفة بغضب"افتح هذا الباب يا أشرف وإلا وإلا…" ابتلعت كلماتها وهي تراقب قهقهاته مشيرا إليها بأنه لا يسمعها…
رن عليها من هاتفه فأسرعت بالرد عليه هاتفة بحنق وغضب"أقسم بالله طفل، افتح الباب يا أشرف وإلا سأكسر زجاج النافذة"
هز كتفيه باستمتاع وهو يتأمل ملامحها الغاضبة ثم قال ببرود وابتسامة شريرة تزين شفتيه"سأتركك تستمتعين بمفردك في السيارة بعيدا عن أنظار ذلك اليوسف، وسنتحدث بعد انتهاء الاجتماع" صرخت بقوة"أشرف" فأولاها ظهره مغادرا ثم قال قبل أن يغلق الخط"هذه فقط البداية، فأنت لم تري تصرفات الأطفال بعد يا سمارا"
استمرت في الصراخ وإلقاء ما تعلمته من أسامة من شتائم تحاول التنفيس بها عن غضبها منه ولكن بدون جدوى.
'بعد ساعتين'
فتح أشرف باب سيارته بعد أن وضع الحقيبة التي تحوي حاسوبيهما في الصندوق،فصدم بمنظر سمر الهادئ، تعبث بهاتفها ولم تتكبد عناء النظر إليه، قال بجفاء"هل استمتعت بخلوتك؟"
ردت باستهزاء"جدا!"
رمى أحد الملفات في حضنها قائلا"لقد تحدد أن الأعمال ستنتهي بعد 4 أيام تحديدا ونحن سننطلق في اليوم الخامس"
لم تحرك ساكنا.
صعد أشرف سيارته فاهتزت بفعل جسده الذي ارتمى على المقعد،ثم ألقى عليها نظرة سريعة من رأسها إلى أخمص قدميها وعدل حزام الأمان ثم رفع نظراته للمرآة الأمامية لتفقد الطريق خلفه لكنه فوجئ بكارثة أخرسته.
جحظت عيناه بصدمة ثم استدار ينظر إليها بنظرات مجنونة قبل أن يهمس بفحيح"ماذا فعلت؟!"
ردت عليه بهدوء"إنه مجرد برهان على أنك لست الوحيد الذي يستطيع التصرف كطفل"ثم رجعت للعبث بهاتفها.
كانت المقاعد الخلفية للسيارة مخربة، أحدثت سمر شرخا كبيرا في جلد المقاعد وأخرى صغيرة، ولم تتكبد عناء إخفاء سلاح الجريمة بل تركته هناك،مقص لعين وضع بعناية وسط المقاعد.
ضرب المقود بقوة هاتفا بغضب"ماذا فعلت بحق الجحيم!؟ هل جننت! كيف سأصلح هذا الآن!"
هزت كتفيها تنظر له ببرود ثم التفتت لهاتفها مجددا، فانتزعه من يدها بانزعاج هاتفا"انظري إلي عندما أحادثك"
مدت يديها وقالت بهدوء متناقض مع حالة الهياج التي انتابت الوحش أمامها"أشرف هاتفي!"
صرخ"ولك عين لتطلبي هاتفك مني بعد فعلتك، لن تأخذيه يا سمر على الأقل اليوم!"
هزت كلا حاجبيها تنظر له باستنكار"هذا كلامك الأخير إذن!؟"
نظر للمقاعد الخلفية بطرف عينيه ثم جز على أسنانه بغيظ،وقال بحنق"ماذا سأفعل بهذه المقاعد الآن! ألم تجدي شيئا آخر تصبين عليه جنونك سواها..هل أنت قطة مسعورة!" ثم رمى بهاتفها في الخلف وضرب المقود بيده يلهث بغضب قبل أن ينطلق بسيارته مغادرا متجها نحو الفندق.
ردت عليه بصوت خفيض يشبه فحيح الثعبان"لقد تجاوزت حدودك معي يا أشرف"
أوقف سيارته بقوة بجانب الطريق ثم تخلص من حزام الأمان بعصبية وصرخ في وجهها"عن أي حدود تتحدثين أنت!"وضرب المقود بكفه هادرا"حدود حدود، هل احترمت أنت حدودك عندما رميت باعترافك في وجهي…ثم اختفيت بعدها كأن شيئا لم يكن،وتطلبين مني عدم تجاوز حدودي معك!…ماذا بيني وبينك لتزرعي فيَّ سما كهذا؟!أنا اعتزلتكم منذ زمن،ناكري المعروف ولا تجيدون شيئا سوى الخيانة!"
رمشت عدة مرات تنظر له بعدم فهم،كيان هائج يفرغ فيها غضبه بسبب شيء لا تعلمه، والأسوء أنه مازال عالقا في أمر مر عليه الشهور، ضيقت عينيها تقابل نبرته الهائجة بنبرة هادئة قائلة"يبدو أنك يا أشرف، لم تستطع تجاوز أمر مر عليه الكثير من الوقت، ومن المفروض أن أكون صاحبة رد الفعل العكسي وليس أنت، ولكني اخترت وبكل نضج أن أتجاوز الأمر لأمضي في حياتي" صمتت قليلا ثم أكملت بنبرة إقرار"لا أفهم حقا سبب تعلقك بالموضوع لهذا الحد، أنت من رفضت تلك المشاعر،وأنت من يتعمد التحدث عن الأمر في كل مرة، وأنا أقول أن تنسى أمرها الآن!"
قاطعها بهياج"لا تخبريني أن أنس أمرها"
تنهدت بكبث قائلة"أشرف! لا أعلم لماذا أشعر أنك تحاسبني على شيء لا علاقة لي به!"
رمش عدة مرات وصوت تنفسه الغاضب يغزو السيارة ثم استطاع استخراج صوته الخفيض بأعجوبة وسط هيجانه قائلا"ماذا تقصدين!"
ردت عليه بنفس النبرة"ما سمعته!" وقد تذكرت أن حديثهما قبل شهور كان عبارة عن تنبئه بسيرورة علاقتهما وذكر شيئا عن كون ما تشعر به نزوة سرعان ما ستنقضي وستبحث عن أعذار لتنهي ما بينهما.
ضيقت عينيها قليلا تتذكر شيئا قد غفلت عن ذكره أو ربما تناسته ثم سألته بترقب"هل لهيجانك علاقة بطلاقك؟!"
توسعت عينيه باندهاش فسألها باندفاع"ما أدراك بطلاقي!؟"
ردت عليه باستغراب"هل هو شيء لا يجب أن أعلم بشأنه؟!"
امتدت كفه لتصل لذراعها فضغط عليها بقوة،وجز أسنانه قائلا"ماذا تعلمين عن طلاقي؟"
حاولت التخلص من قبضته فازداد ضغطه عليها وقالت بغضب"أشرف أنت تؤلمني"وضربت كفها بكفها المحررة ثم أكملت بصراخ"أبعد كفك عن ذراعي يا أشرف"
لم يستجب لصراخها وكرر سؤاله هادرا بملامح قاتمة"ماذا تعرفين عن طلاقي يا سمر، أجيبي!"
ضغطت على ذراعه بقوة بأظافرها الطويلة ثم جزت على أسنانها قائلة"لا أعلم عنه شيئا"وازداد ضغط أظافرها على ذراعه ثم سحبتها بقوة فأرخى قبضته على ذراعها وصرخ بألم وعيناه مركزة على الأثر الحمراء الغائرة وازداد توسع عينيه عندما لمح بوادر نزيفها، ثم رفع نظراته لسمر التي كانت تمسد ذراعها بألم قبل أن تقول ببرود"لا أعلم شيئا عن طلاقك، لكن من حسن حظ تلك المرأة أنها لم تعد مقترنة بك"
ونزلت من السيارة باندفاع بدون أن تغلق الباب، ثم فتحت الباب الخلفي وأخذت هاتفها ومتاعها من صندوق السيارة وتركت الأبواب مفتوحة تحت نظراته المصدومة من كلماتها،فراقبها من المرايا الجانبية تمشي بسرعة وتدير رأسها يمينا وشمالا تبحث عن وسيلة نقل قبل أن تتوقف سيارة يوسف بجانبها، فتعمدت أن تنظر ناحيته ويكاد يقسم أنه لمح ابتسامة استهزاء تزين شفتيها قبل أن تصعد لسيارة الأخير.
ضغط على الجرح في يده بغضب ثم أطلق العنان لصرخة عصبية حاول من خلاله الإفراج عن مكنونات صدره قبل أن يهدأ تدريجيا وقال بصوت خفيض"أنت لا تعلمين شيئا يا سمر!"وردد بصوت أعلى"لا تعلمين شيئا" ثم نزل على مضض وأغلق الأبواب بغضب قبل أن ينطلق إلى الفندق.
_______________________
'بعد أيام'
'في منزل عائلة قاسمي'
جلست عزة في غرفتها أمام مرآتها الكبيرة،واختارت ارتداء قفطان باللون الأبيض،بطوق مطرز باللون بالأبيض وحزاما بنفس اللون،وعلى جنبات القفطان سفيفة مغربية امتدت لأسفله.
ركزت نظراتها على المرآة وباشرت بارتداء اكسسواراتها، ساعة أنيقة باللون البني الغامق وخاتم ذهبي بسيط في يدها اليسرى، سوارين باللون الذهبي رفيعين في يدها اليمنى،رفعت يديها للخلف تحاول إغلاق القفطان من ناحية الرقبة فتزامن مع دخول مراد بابتسامته الشاحبة، ممتنة جدا لخروجه من المشفى سليما معافى،بالرغم من عدم رجوعه لمزاولة دراسته بعد لكن بدأ يرجع لطبيعته شيئا فشيئا، لقد أصرت على أن لا يتم تحديد يوم خطوبتها إلا بعد رجوعه للبيت، وذلك بالتنسيق مع أشرف الذي حرص على إتمام عمله في أقل من الشهر المحدد سلفا.
اقترب منها بخطوات هادئة واتسعت ابتسامته تدريجيا وهو يلمح ملامح وجهها المنعكسة على المرآة،همس"دعيني أساعدك!"
أزاح شعرها خلف ظهرها ثم موضعه على كتفها الأيسر ثم أغلق طوق القفطان العالي بعناية.
شكرته ثم رفعت نظراتها لوجهه عبر المرآة وقالت"هل تشعر بأنك بخير!"
أومأ مبتسما"أنا بخير، وسعيد جدا من أجلك..زكريا شاب لطيف!"
أومأت بابتسامة خافتة ثم همست"إنه كذلك!"
صفق بيديه بحماس قائلا"لقد قارب العريس على الوصول، من الأفضل أن تنتهي من تجهيز نفسك قبل صعود أشرف" ثم همس بعبث"لم يتبقى أحد لم يفلت من نوبات غضبه" أوشك على قول شيء آخر فباغته دخول أشرف الذي هتف باستنكار"ألم تكملي تجهيزك بعد!"
نقلت عزة نظراتها بينه وبين مراد ثم وقفت واتجهت نحو سريرها ورفعت حجابين أحدهما باللون الأبيض والآخر باللون الوردي الترابي،وقالت بحيرة"لقد شارفت على الانتهاء، لكنني حائرة، أي الحجابين سأضع؟"
ضيق أشرف عينيه ينقل نظراته بين قفطانها والحجابين ثم نظر لمراد وقال بتردد"سنعد حتى الثلاثة، ونشير للحجاب الذي بدا لنا مناسبا في آن واحد"
رد عليه بحماس"لنفعل ذلك!
راقبتهما بحماس وابتسامة مرحة تزين ثغرها ثم بدأت بالعد"واحد..اثنان..ثلاثة" وأشارا للحجاب الأبيض في آن واحد.
لملمت شعرها خلف رأسها على شكل كعكة ثم وضعت الحجاب فوق رأسها وبدأت بتثبيته بتركيز تحت نظراتهما التي تخفي الكثير من الغبطة وأحدهما يشعر بغيرة أخوية فاجأته شخصيا.
رن هاتف أشرف،وكان المتصل هو أنس، أخبره بأنهم على وشك الوصول.
فغادر أشرف الغرفة مسرعا ليتفقد التجهيزات،وإن كان والده ووالدته جاهزان..
'أمام باب البيت'
صف أنس سيارته،ثم نزل منها أولا يرتدي بذلة رسمية واتجه للجهة الأخرى يفتح الباب لعَلْيا التي كانت ترتدي جامب سوت تقليدي بالأصفر الباهت وكيمونو يصل لأسفل ظهرها وتحمل حقيبة بدرجات اللون البني وحزاما في نفس اللون،مع زينة وجه بسيطة واكسسوارات تناسب حلتها.
تأبطت ذراعه فأهداها ابتسامة رقيقة ثم انحنى هامسا في أذنها"لم نتحدث بعد عن حلاوتك في هذا الرداء!"
اتسعت ابتسامتها ثم ردت عليه بخجل فطري بدا جليا على خديها"إنها المرة الخامسة التي تعيد فيها هذه الجملة على مسامعي!"
ناغشها بعبث قائلا"اعذريني عَلْيائي،فذاكرتي تفقد سلطانها عندما يتعلق الأمر بحلاوتك!"
ضحكت ثم همست قائلة"أنت تفاجئني في كل مرة، أين أنس الهادئ؟" وتظاهرت بأنها تبحث عنه في الأرجاء.
رد عليه بنبرة ذات مغزى"أنت لم تري شيئا، أنس الهادئ اختفى، لن تريه مجددا!"
قاطع همسهم جري لينا ناحيتهم بفساتنها الأبيض الذي غطى قامتها بالكامل،ذو أكمام منتفخة قصيرة وفتحة ظهر واسعة،وارتدت حذاء أبيض مع جوارب طويلة.لملت عَلْيا شعرها الكستنائي على شكل ذيل حصان بنهايات متجعدة، فأبرزت ملامحها الطفولية وعينيها الواسعتين.
انحنى أنس يحملها بين ذراعيه ثم قال ببشاشة"يبدو أن أحداهن ستلفت الانتباه أكثر من العروس نفسها" ورفع نظراته لزكريا الذي وقف بجانبهما،ثم أكمل"أليس كذلك يا زكريا!"
أومأ الأخير بملامح متجهمة انتبه لها أنس،فاقترب منه واحتضن كتفه قائلا بهمس"استرخ قليلا!"
حمحم زكريا قليلا يحاول إجلاء صوته قبل أن يقول بهدوء"أنا بخير!"
اقتربت منهم عزيزة بجلبابها المخزني الأنيق من ثوب جوهرة باللون الأبيض وسفيفة متدرجة ما بين اللونين الأبيض والوردي البارد وأكمام مطروزة، وارتدت حجابا باللون الوردي.
ثم قالت ببشاشة"بسم الله توكلنا على الله، لندخل،فقد حان وقت تحقيق تكملة حلمي بتزويج زكريا أيضا"
رد عليها أنس"يا لسعادتك يا عزيزة وأنت تتخلصين منا واحدا تلو الآخر"
ضحكت ببشاشة قائلة"بل يا لسعادتي وأنا أساعدكم في بلوغ سعادتكم يا بني"
قبل أنس رأسها بحنان وفعل زكريا المثل،فتزامن مع خروج أشرف ونجاة أيضا ليستقبلوهم.
تبادلوا التحية بحبور فأشار لهم أشرف بالدخول واستقبلهم رشيد ومراد برفقته.
دخلوا البهو الواسع فاستأذنتهم عَلْيا قائلة"هل أستطيع الصعود لعزة،لا بد أنها متوترة وتحتاج لمن يؤنسها في هذه اللحظات"
أومأت نجاة موافقة ببشاشة ثم أشارت لها لصعود الدرج والتوجه للغرفة الثانية على يسارها.


نهاية الفصل السادس والعشرون
أتمنى أن ينال إعجابكم، ولا بخلوا علي بآرائكم الصادقة
قراءة ممتعة❤️











فاطمة الزهراء أوقيتي غير متواجد حالياً  
التوقيع
رواية:
وشمتِ اسمك بين أنفاسي~
بقلمي
🤍أكتب لأحيا الواقع بنكهة الخيال🤍
رد مع اقتباس