عرض مشاركة واحدة
قديم 05-06-23, 11:08 PM   #523

فاطمة الزهراء أوقيتي
 
الصورة الرمزية فاطمة الزهراء أوقيتي

? العضوٌ??? » 475333
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 612
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » فاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond reputeفاطمة الزهراء أوقيتي has a reputation beyond repute
Post الفصل السابع والعشرون من رواية وشمتِ اسمكِ بين أنفاسي.



الفصل السابع والعشرون????



'في غرفة عزة'
قطعت الغرفة ذهابا وإيابا بتوتر ثم تفقدت شرفة غرفتها فلمحته واقفا يتحدث مع أشرف وزكريا وأنس،كان يبدو هادئا على نحو غامض،ملامحه مقتضبة وابتسامته لا تتجاوز شفتيه،سألت نفسها بفزع"هل أدرك أنه تسرع في قراره؟!"
ابتلعت غصة حارقة في حلقها ولا زال نفس الهاجس يطاردها، هل من الممكن أنه تسرع في طلب يدها من أشرف بسبب مشكلتها مع والدها فألجمته رجولته عن التراجع عندما حل الأمر،ما تنفك هذه الخاطرة عن قض مضجعها منذ طلب يدها أول مرة عبر الهاتف.
رمشت عدة مرات تحاول نفض غبار أفكارها فلا مجال للتعاسة اليوم ولن تنتهي الأمسية إلا وخاتمه يزين خنصرها.
صفعت خديها بلطف محدثة نفسها"ابتهجي يا عزة، لن يجد مثلك ولو طاف الدنيا بأسرها" فقاطع حديثها مع نفسها طرقت خافتة على باب غرفتها استجابت لها فورا، لتفاجأ بعَلْيا تنظر لها لابتسامة حانية قبل أن تقول"هل تحتاج العروس لرفقة!؟"
تهللت أسارير عزة فقبلتها بحبور قائلة"مرحبا بك!"
ردت عليها بنفس النبرة"وبك حبيبتي! لقد جئت لأنوب عن الفتيات ومساندتك، لقد رغبن في الحضور حقا، لكن سمر حالتها غريبة منذ عودتها من السفر وثريا لا زالت تتخذ موقفا من والدك،كما أن اليوم خاص بتعارف العائلتين بشكل أعمق."
ردت عليها عزة ببساطة"لا عليك! أنا متفهمة لموقفهما"صمتت لثواني ثم مسدت يديها بتوتر قائلة"أنا أشعر بالتوتر!كيف استطعت السيطرة على شعورك يوم خطبتك!"
تقدمت عَلْيا بخطوات بسيطة لداخل الغرفة ثم قالت ببشاشة"لقد كانت سمر تحاول إيقافي عن البكاء من شدة تأثري طوال الأمسية لكي لا أخرب زينة وجهي، وتعلمين بالطبع عن مفاجأة أسامة ههه، في الحقيقة من إن تنزلي للأسفل حتى يختفي التوتر تدريجيا"أخرجت هاتفها من حقيبتها وقالت"لقد طلب مني الفتيات أن نتحدث مكالمة مرئية عند وصولي"فاتصلت بهما، رنة، رنتين، ثم أجابت سمر أولا وما إن لمحت عزة على شاشة الهاتف، حتى صفرت بعبث قائلة بنبرة عالية ومتحمسة"يا مشاء الله! متحجر الهيأة على قول أخيك سيفقد عقله الليلة"
ضحكت عزة بخجل،وهمت بالرد فجأها صوت ثريا ناعسا يتخلله الانبهار"وااه، ما أجمل قفطانك إنه سناسبك تماما يا عزة"
غطت وجهها بخجل"أنتم تخجلونني يا فتيات!"
ردت عليها سمر"لا مجال للخجل اليوم، كل ما عليك فعله هو التباهي بجمالك الليلة! فاللون الأبيض يلائمك جدا!"
قالت عَلْيا بمرح"يا فتيات،عزة تقول أنها متوترة، ماذا سنفعل لنخفف عنها التوتر؟" وغمزتهما.
ردت عليها سمر أولا"دعينا نتفق أنه لا محال للبكاء الليلة، وإلا لن تشعري بي إلا وأنا أمام باب بيتك والشبشب في يدي!"
أكملت ثريا وقد استفاقت أخيرا"ثانيا، نأخذ نفس عميق كلنا شعرتا بالتأثر ثم نبدأ بالعد لثلاثة ونبتسم"
ثم قالت عَلْيا"ثلاثة، ليس هناك أفضل من التعشاق، لنطرد التوتر وندخل في جو الاحتفال"
وبدأت الفتيات الثلاثة بالترديد بنفس الحماس والسعادة"الصلاة والسلام على رسول الله،ما الجاه إلا جاه سيدنا محمد، الله معاه الجاه العالي، لولوللووووي"
اتسعت ابتسامة عزة تدريجيا وتسللت فرحة عارمة لصدرها طردت جميع الهواجس السلبية التي كانت تسيطر عليها قبل قليل، فأخذت نفسا عميقا،تنهي به تفكيرها مستسلمة لما تشعر به الآن من غبطة وسرور وفكرة أنها ستغدو امرأة رجل تحبه تدغدغ كيانها.
طرقات على باب غرفتها جعلتهما ينتبهان لأنهما انشغلا بالأخذ والرد ومن الممكن أن الجميع في الأسفل ينتظر نزولهما…كان الطارق مراد، الذي اقتحم الغرفة قائلا"عزة لقد تأخرت في النزول، الخالة عزيزة تسأل عنك!"
أومأت بسرعة قائلة"سننزل حالا!"
قالت سمر وقد سمعت مراد يتحدثت"مراد أين اختفيت يا فتى!"
ضيق عينيه يبحث عن مصدر الصوت ثم انتبه أخيرا للهاتف في يد عَلْيا، فاقترب منها وأمال رأسه ناحيته قائلا"سمارا ظننت أنك ستأتين معهم اليوم!"
ردت عليه تتظاهر بالتعاسة"لقد تم التخلي عني!"
ضحك بهدوء فناولته عَلْيا الهاتف مركزة على عزة التي كانت تحاول تعديل زينتها ولفة حجابها، فحاولت مساعدها وتخليصها من الارتباك الذي عاودها مجددا.
قال لعَلْيا"سآخذ هاتفك للتحدث معها خارجا"
أومأت الأخيرة بتفهم ثم انتبهت لعزة مجددا.
'على السلم'
نزل مراد وفي يده الهاتف يتحدث مع سمر بمرح، بعد أن قطعت ثريا الخط لتعود لسباتها،فقالت"ألن تعود للنادي الرياضي؟ أشعر بالوحدة هناك وحمادة يرفض الذهاب معي متحججا بالامتحانات"
رد عليها"سأعود في القريب العاجل،لقد انشغلنا بالتجهيزات لخطبة عزة، فلم أستطع الانضمام لك"
ردت عليه بتفهم"معك حق التجهيزات تأخذ وقتا!عموما سأنتظر منك خبرا وسأصر على حمادة ليرافقني أيضا!"
أومأ موافقا ثم رفع رأسه لأشرف الذي كان ينظر له باستغراب ويشير له بمعنى'مع من تتحدث!؟'
رد عليه مراد ببساطة"إنها سمر" ثم أدار الهاتف لناحيته،فتقابلت نظراتهما للحظة خاطفة كانت كافية لتزلزل كيانهما،وكانت سمر السابقة بتظاهرها بأنها لم تره، ففعل المثل ثم تجاوز مراد متجها نحو المطبخ.
لم يتحدثا منذ شجارهما في السيارة في ذلك اليوم حتى أنها اختارت العودة بالطائرة عوض سيارته، وقد أجادت تجاهله أكثر من أي وقت مضى وفعل معها المثل متخذا موقفا قويا اتجاهها بسبب سيارته وإثارتها لموضوع طلاقه، أما هي فلم تتقبل أن يعاملها بنزق محاولا فرض سيطرته على حياتها بدون صفة تذكر،والأمر الخفي الذي أصبح يثير حفيظتها هي طليقته المجهولة،والكثير من الأسئلة تحوم حولها لكنها لم تستطع سؤال أسامة عن شيء فاختارت التجاهل والتأقلم مع صخب قلبها المستميت.
ودعت مراد ثم أغلقت الخط، فدخل للبهو قائلا"ستنزلان بعد لحظات!" وناول لأنس هاتف عَلْيا ثم جلس بجانبه يداعب خد لينا.
'بعد لحظات'
نزلت عزة بخجل فطري من الدرج وعَلْيا بجانبها تحاول تعديل ثوبها لكيلا يسقطها.
قابلتها نظرات أشرف المتأثرة من طلتها وقد حاول جاهد السيطرة على تأثره عندما رآها من قبل، لكن في هذه اللحظة بالضبط الأمر مختلف ومشاعره تحث عليه أن يتقدم ويحتضنها، فامتثل لها صاغرا ثم تأمل وجهها لثواني وقال بصوت متحشرج انفلت من بين شفتيه"سأغير رأيي على ما يبدو، فمتحجر الهيأة لا يستحق أن يأخذك منا"
فلتت منها ضحكة متأثرة تنم عن نوبة بكاء، فأسرعت عَلْيا بالقول"لا يا عزة، تذكري نصائح سمر وثريا، أغمضي عينيك وخذي نفسا عميقا ثم ابتسمي"
أومأت تحاول الامتثال لما تقوله عَلْيا،ثم ردت على شقيقها بتأثر"لا حرمني الله منك يا شروفة!"
أغمض عينيه ثم ثال يشاكسها"آمين، ولا حرمني منك أيضا، لكنني ما محل شروفة من الإعراب!"
مدت يدها تقرص خده ثم قالت بمشاكسة"دلع يا حبيبي دلع!" فأبعد وجهه باستنكار قائلا"لا حول ولا قوة إلا بالله، ألم تحضروا معكم أسامة يا عَلْيا، على الأثل ينفعنا بالمأذون لنخلص من دلع هذه المخلوقة"
ضحكت الفتاتان، فأشار لها أشرف للبهو قائلا بامتعاض"ادخلي ادخلي، واحذري أن تسقطي على وجهك بسبب ذلك الثوب، فنغدو بدون عريس الغفلة الذي ابتلانا الله به!"
ردت عليه باستياء"أشرف!"
فرد بحنق"حسنا حسنا،سألتزم الصمت!" ثم مرر سبابته على شفتيه مؤكدا كلامه.
*******
نبضات سريعة فلتت من قلب صاحبها،داهمته فأفقدته السيطرة على نظراته الزائغة لثواني قبل أن يحيد بعينيه وابتلع غصة مؤلمة اختلطت مع تأنيب ضمير استفاق مجددا وبوثيرة أعمق.
سلمت عزة على الحاضرين بارتباك قبل أن تتخذ لها مكانا بجانب أشرف على الأريكة مطأطأة الرأس، مركزة نظراتها على كفيها المضمومتين على شكل قبضة فوق حجرها.
تحدث رشيد بهدوء قائلا"سيدة عزيزة،ابنتي عزة أمامكم الآن، والشابان يعرفان بعضهما البعض من قبل،ولن أضيف شيئا على ما اتفقا عليه سوى الخير والبركة في حياتهما القادمة"
ردت عليه عزيزة باحترام"ونحن لن نجد أنقى من ابنتكم لابننا يا حاج رشيد، والعائلتين تعرفان بعضهما من قبل وسمعتكم ما شاء الله لا غبار عليها بالإضافة إلى أن معزة أشرف من معزة أبنائي ونجاة تعلم بذلك مسبقا"
أمال أشرف رأسه قليلا ثم همس في أذن عزة قائلا"أراهن على أن أبي يرغب في قول الكثير خصوصا عن موضوع تلك الجنية الصغيرة التي أثارت انتباهه منذ دخولها، وملامحه تدل على ذلك، لكنه يفاجئني كثيرا مؤخرا، أتراه يود الخلاص منك هو أيضا"
ضربت جانب فخده بقبضتها ثم تصنعت الابتسامة وقالت"يا لظرافتك!، لا تدعني أتخلى عن بريستيجي لكي لا يهرب عريس الغفلة! ما صدقت أنه هنا!"
تنهد أشرف بحنق ثم رفع نظراته لزكريا يرمقه بغل محبب قبل أن يهمس في أذنها مجددا"توقفي عن اقتناص الفرص لتظهري لي مدى تعلقك بمتحجر الهيأة ذاك، سأغضب، وتعلمين أن غضبي يكلف الكثير"
قاطع همسهم صوت رشيد قائلا"ماذا تقولين في هذا يا عزة؟"
نقلت نظراتها بين الجميع وتوقفت نظراتها على زكريا لثواني فبادلها بأخرى مترقبة لما ستتفوه به،ثم خفضت بصرها قائلة بصوت خافت نسبيا"ما تراه مناسبا يا أبي!"
رد عليهم رشيد ونظراته مركزة على زكريا"بارك الله لكما وجمع بينكما في الخير!" ثم انطلقت زغرودة عالية من بين شفتي عزيزة وقد تناست تواجد رشيد من فرط الحماس،فانخفض صوتها تدريجيا قبل أن تلتفت لنجاة الجالسة بجانبها تتبادلان القبلات والتهنئات بفرحة عارمة، ثم احتضن أشرف عزة حضنا جانبيا بدون أن ينظر إليها وقد هاجمته موجة تأثر غامرة نجح في إخفائها على عكس مراد الذي غلبته دموعه فاقترب منها ثم انحنى وعانقها بتملك هامسا في أذنها"مبارك يا عزة،أتمنى أن تجدي سعادتك الأبدية"،بادلته الحضن بتأثر بالغ وفرت دمعات رهيفة من مقلتيها،فأسرع أشرف بمسحها قائلا بمزاح محاولا تلطيف الأجواء"سيسيح الكحل وسيهرب عريس الغفلة".
كان زكريا يتأمل الوضع في صمت،ولا أحد يشعر بتشنجه غير أنس الذي يرمقه بتعاطف بين الفينة والأخرى وكأنه يرى الصراع القائم بداخله.
وكزه بدون أن يراهما أحد ثم همس"استرخ يا زكريا!"
انتبه الأخير للوضع أخيرا ثم وقف واتجه نحو رشيد،مقبلا يده باحترام قبل أن يقول بثبات"عزة ستكون أمانتك عندي يا عمي،وسأصونها وأحافظ عليها لآخر العمر"
رد عليه رشيد وقد تسللت نظراته للصغيرة المتعلقة بساق والدها وتناظره بعيون فضولية واسعة"أنت أب، وأكثر من يعلم بما أشعر به الآن،أوصيك بها خيرا، فلن تجد قلبا أحن منها عليك،في جعبتي الكثير لأشير له،لكنني أفضل عدم كسر فرحتها خاصة بعد مصابنا الأخير"
تسللت كلمات رشيد إلى مسامع عَلْيا،فنغزها قلبها ولم تشعر بنفسها إلا وهي تتأبط ذراع أنس وهمست بدون وعي"هل أوصاك والدي علي يوم عقد قراننا"
التفت لها لتقابله نظراتها التي تكشف عن الكثير ثم مد أصابعه لخدها يتظاهر بأنه يمسح شيئا عالقا، وقال بصوت أجش بهمس"لا أحتاج لأن يوصيني أحد على ما هو ملكي،وأنت خلقتِ لي لأصونك وأحفظك حتى من ذرات الغبار المتجولة في الجو يا عَلْياءْ" امتدت كفه لتحتضن كفها ثم ضغط عليه برفق أشعرها بسكينة تسربت لأعماقها وخلصتها من أفكارها المشؤومة عن والديها،فمنحته ابتسامة مهتزة وبادلها بأخرى مبتهجة، ثم فسحا المجال لعزة لتجلس بجانب زكريا ليقرؤوا سورة الفاتحة.
جلست عزة بارتباك بجانبه،فاستنشقت ببطء رائحته النفاذة وتسارعت دقات قلبها مصدرة ضجيجا مدويا بداخلها تشك أنه سمع للحاضرين وخاصة هو..نظر إليها بتحفظ ولن ينسى انبهاره بطلتها عندما دخلت البهو لدرجة أنسته طريقة تنفسه، زينة وجه بسيطة أبرزت ملامح وجهها الكحلية،واللون الأبيض جعل منها كائنا رقيقا استفز فيه حمائيته الزائدة اتجاهها.
تقابلت النظرات واختفى العالم من حولهما،أو بالأحرى من حولها، أما هو فقد كان بين عالمين، واحد متجذر بداخله يأبي التحرر منه وآخر يسحبه نحوه بقوة وتجبر.
ساد صمت مهيب قبل أن يبدأ رشيد بتلاوة سورة الفاتحة،وارتفع مع صوت الشباب تدريجيا بدون أن تعلو نبرتهم على نبرة،وكانت النساء تقرأ بهمس لا يسمع إلى أن أتموا القراءة بصدق الله العظيم.
وقف أشرف قائلا"سأخبرهم بأن يجهزوا مائدة العشاء!"
أومأت نجاة وهمت باللحاق به، لكنه أوقفها قائلا"لا تتعبي نفسك يا أمي سأعد كل شيء!"
ابتسمت في وجهه ثم تراجعت خطوتين وجلست مكانها بجانب عزيزة ونظراتها مركزة على عزة التي تكاد تغرق في ملابسها من فرط الارتباك والخجل الذي يغلب على الفتيات عادة أثناء هذا الحدث.
****
أَشْرَفَ أشرف على تجهيز مائدة الطعام بمساعدة العاملين الذين أحضرهم خصوصا لهذه المناسبة،
فانقسم البهو إلى قسمين، القسم الأول يحوي طاولة حجزت للرجال، والقسم الثاني خاص بالنساء، وكان الطبق الرئيسي في هذه الأمسية، هو خروف ملكي مشوي بأطباق جانبية تكونت من خضر متنوعة مابين مشوية ومسلوقة، وإضافات فوقه كبيض السمان المسلوق واللحم المدخن الصناعي وأنواع مختلفة من الأجبان، ولم ينسوا طبق الفواكه والتحلية التي كانت حلوى مثلجة بنكهة الفانيلا.
بعد الانتهاء من تناول الطعام،وزعت على الجميع كؤوس من الشاي المغربي ليساعدهم على الهضم، ووضعت على الطاولة أطباق من مختلف الفواكه الجافة والحلويات المغربية.
ارتشفت عزيزة من كأس الشاي ثم قالت بعد تردد"في الحقيقة أريد أن أقترح أمرا،ولا أعلم إذا كانت الفكرة ستنال إعجاب الجميع"
انتبه لها الجميع بفضول،فأكملت"بما أننا تقريبا جهزنا كل شيء من أجل زفاف أنس وعَلْيا، تحدثنا مع النگافة،المزينة،الطباخ والمصور والفرقة الموسيقية وحجزنا المكان الذي سيقام فيه العرس أيضا، فما رأيكم بأن نحتفل احتفالا واحدا سيشمل زكريا وعزة أيضا"
قطب رشيد حاجبيه غير مستسيغ للفكرة فهم بالتحدث لكن سبقه أشرف هذه المرة قائلا"لم نكن مستعدين لاقتراح كهذا يا خالة عزيزة، لقد فاجأتنا"
رد زكريا أيضا"لم تخبريني بهذا يا أمي!؟"
ردت عليها موضحة"لقد راودتني هذه الفكرة الآن فقط،فاقترحتها لنناقشها معا"
قالت نجاة بتشوش"لا أظن أنها فكرة جيدة يا عزيزة، لم نجهز الفتاة بعد، ومن ارتباكهما(وكانت تقصد عزة وزكريا)لا يبدو أن الفكرة قد أعجبتهما"
أجابتها عزيزة تحاول إقناعها"أنا أتفهم ارتباكك، لكن فكري بمنطقية، نحن حجزنا كل شيء مسبقا سينقص أن نتصل لنزيد عدد المدعووين فقط وكمية الطعام، أما عن عزة فسنتعاون أنا وأنت في تجهيزها خاصة وأن عَلْيا أنهت جهازها مسبقا"
حركت نجاة رأسها بارتباك قائلة"وهل تظنين أن عشرة أيام كافية لتجهيزها بالكامل…لأصدقك القول لقد فكررت في أنكم ستحددون موعدا بعيدا، مثل أن تنتهي من تقديم أطروحتها أولا"
ردت عليها بحكمة"النقود تحل كل شيء يا نجاة،وما لم نستطع تجهيزه الآن سنتممه بعد الزفاف، أهم شيء ملابسها الشخصية، أما القفاطين و'التكاشط' فسنختار الأثواب ونضعه عند الخياط وهو سيتكلف بالباقي"
كان الأربعة يتبادلون النظرات،أنس وزكريا ينظران لبعضهما،خاصة أن زكريا قد قرر مسبقا مفاتحة عزة في موضوع أنه لا يريد زفافا ضخما..خاصة بعد أن استسلم أنس صاغرا لوالدته في أن ترتب هي العرس بالتنسيق مع آمنة ووالدي عَلْيا الذين أصروا على أن يكون الزفاف مكلفا في محاولة منهم لتعويضها عن يتمها في حياتهما، في حين أن عَلْيا وعزة تنظران لبعضهما إحداهما مرتبكة والأخرى قد نالت الفكرة استحسانها، فانحنت باتجاهها قائلة"على الأقل سننسى توترتا ونحن نتشارك نفس المصير، سمر وثريا ستعانيان"
لم يبدو على عزة التركيز وهي تشعر بجدية الموقف ووالدها لم ينطق بحكمه النهائي حتى الآن،نظرت لأشرف الذي أشار له بسرية يقصد'ما رأيك في كل هذا!'
فحركت رأسها يمينا وشمالا بارتباك وهي لا تملك جوابا على سؤاله.
كان رشيد ينظر للجميع وهم يتشاورون فيما بينهم، وقد شعر بغضب عارم من كل شيء، من كون زكريا رجل أرمل ومع طفلة إلى هذا الزفاف الذي بدا له متسرعا جدا…هم بقول شيء ولكن أشرف كان السباق بالتحدث ونظراته لم تفارق والده لحظة واحدة منذ بداية الأمسية،وكأنه كان ينتظر الوقت التي سيفيض فيه كأس صبره وهو الأدرى بنوبات غضبه التي تحرق الأخضر واليابس، فقال باندفاع طفيف"أنا في رأيي أن ندع المعنيين بالأمر يتناقشون عن رغبتهم فيما بينهم"
رد عليه زكريا بهدوء"لو سمحتم أريد أن أتحدث مع عزة على انفراد، هذا بعد موافقتكم طبعا!"
ردت عليه نجاة"طبعا يا بني تفضل" وأشارت لخارج البهو وكانت تقصد جلسة الكنبات في الردهة.
أشار زكريا لعزة أن تسبقه،فاستجابت له ثم لحق بها وخرجا معا.
***
'في الردهة'
تبعته عزة من الخلف تتأمل ظهره،اختار ارتداء بذلة سوداء كأنه في ميعاد مع العمل وليس يوم خطبته، أم أنه أمر عادي لكنها تميل لتضخيم الأمور، لا تدري كيف تغير الترتيب لتلحق به عوض أن يلحق بها..لكنها ممتنة لهذه اللحظة معه، على الأقل ستستطيع تأمله كما تشاء علها تدرك ما يدور في خلده، توقف فجأة ثم استدار ينظر إليها وقد كشفها متلبسة تزين ثغرها ابتسامة رقيقة وهي تتخيل نفسها قد أصبحت زوجته على سنة الله ورسوله ويجمعهما بيت واحد.
بعضنا أحلامه بسيطة، منزل دافئ يأويه، زوج صالح يحبه ويسنده،ووظيفة تسد احتياجاته..أم أن تحقيق هذه الأشياء أصعب من تسمى أحلاما بسيطة.
تنحنح زكريا يحاول ترتيب أفكاره ثم نطق بأول ما جاء به لسانه،لكنه لم يكن بالنبرة المناسبة،يل كان جافا"مبروك!"
رفعت نظراتها لوجهه وقد ازداد تصلب ذقنه ولم تدري لم شعرت بألم حاد في صدرها،لم يكن جسديا بل معنويا، فردت عليه بهدوء"مبارك لنا!"
أشار لها لتجلس على الكنبة أولا فاستجابت له بهدوء ثم جلس على الكنبة بجانبها وأمال جسده قليلا ليستطيع محادثتها وهو ينظر لوجهها،ففعلت المثل أيضا.
استهل الحديث قائلا"لقد فاجأتني أمي باقتراحها كما فاجأت الجميع أيضا"نظر لها بتحفظ فأومأت ثم أكمل"لقد فكرت في أن نناقش الموضوع معا قبل مناقشة الأمر مع عَلْيا وأنس"أسند كوعيه على فخديه ثم أمال جسده للأمام قليلا وقال بنبرة جادة"لأصدقك القول،لست من محبي الاحتفالات والهرج والمرج، وفكرتي عن زواجنا كانت عن إقامة حفلة صغيرة بين العائلتين وبدون غرباء..لكن بعد التفكير في الأمر،أنت الفتاة الوحيدة في عائلتك ومن غير المنصف أن أجبرك على شيء أريده بدون الأخذ بعين الاعتبار أن عائلتك تريد أن تفرح بك أيضا وربما تريد أن تقيم لك زفافا كبيرا، إذا كانت تلك رغبتهم..لكن هذا لا يعني موافقتك على اقتراح والدتي، فإذا كنت تريدين تأجيل يوم الزفاف وعقد القران ليوم محدد أخبريني فقط"
نظرت له لثواني معدودة بتفكير قبل أن تومئ برأسها بخفة قائلة"لا أهتم حقا إن كانت حفلة كبيرة أو صغيرة، المهم كما قلت أن تفرح بي عائلتي" صمتت بثواني وقد استوعبت شيئا الآن فقط ثم قالت"ربما فكرة إقامة الزفاف بعد عشرة أيام ليست بذلك السوء خاصة أنه لم يتبقى الكثير على تقديم أطروحتي، وأريد التركيز عليها حقا بدون ضغوطات الزفاف وغيره"تنهدت بتفكير"ولكنه مربك نوعا!"
سألها بفضول"ماذا تقصدين!؟"
ردت عليه بتردد"أعني، سيكون الأمر سريعا جدا، أنا بالكاد أستوعب أننا ارتبطنا رسميا"
مط شفتيه بتفكير وطاقة منخفضة،فهو بالكاد يستوعب أنه أخذ هذه الخطوة التي تعتبر ضخمة لشخص بمثل وضعيته،أغمض عينيه فتشكلت تجاعيد حول عينيه جعلته يبدو أكبر عمرا لوهلة ثم رفع سبابته وأبهامه يدلك أعلى أنفه ويحاول استنشاق نفس عميق ليعود لتركيزه ثم سألها"هل ترغبين بتأجيل الأمر؟ إذا كنت قلقة من ردة فعلي، فأنا لا مشكلة لدي"
زفرت نفسا عميقا فهمت بقول شيء، لكن قاطعها دخول أشرق قائلا بنزق"لقد تأخرتما، هل تخططان لغزو العالم؟" ثم جلس بينهما بتملك فأفسحا له المجال على مضض فقال مجددا بنزق"صهرك يا سيد زكريا سيقسم رأسي إلى نصفين بسبب هذه الجلسة التي طالت مدتها! إلى ماذا توصلتما!؟"
رمقه زكريا بنظرة باردة ثم قالت عزة بتشوش"ما رأيك أنت؟!"
عدل جلسته ثم سرح ذراعه خلفها ووضعها فوق الكنبة وقال يتظاهر بعدم الاهتمام"افعلي ما ترينه مناسبا، لكن احرصي على ذكرك أسبابك المقنعة، فلا يبدو لي أن الفكرة قد راقت لأبي"
تدخل زكريا قائلا بهدوء"الأمر ليس إجباريا، وهي حرة في اختيار ما تراه مناسبا"
رد عليه أشرف بجفاء يشعر بالامتعاض وكأنه أصبح لا يطيق تواجد زكريا من حوله فجأة"طبعا هي حرة في كل ما تريده."
فكرت بصوت مرتفع قائلة"كيف سأقنع أبي يا ترى!"
رد عليها أشرف بعد أن ضرب جبهتها بسبابته"إذا فقد حسمت أمرك!،سأدخل أولا لأمهد الطريق،وسأرسل عَلْيا وأنس لتناقشا ما تريدانه"
وقف ثم ألقى نظرة سريعة عليها تحت نظرات عزة المتأثرة،وبالرغم من تأكدها أن شقيقها سيسندها في جميع قرارتها كيفما كانت لكنه يفاجئها في كل مرة بمدى ضغطه على نفسه من أجله…لن تبالغ في حساسيتها إذا استشعرت أن أشرف لم ترق له فكرة زواجها من زكريا منذ الوهلة الأولى،ولا تلك المشاعر التي ولدت من قلب عذري لم يعرف الحب يوما،لكن ومع ذلك استسلم لرغبتها ولم يشأ أن يفسد عليها فرحتها وكل ما يصدر منه الآن من جلافة ليست سوى شعورا بالغيرة من أنه لن يكون رجلها الأول بعد الآن.
لطالما كانت علاقتها بأشرف مختلفة،مبنية على أسس قوية حرص على غرسها بينهما لبنة لبنة…فإن كانت تشعر بأن مراد ابنها بالرغم من صغر فارق السن بينهما،فأشرف كان دائما السد المنيع الذي تحتمي خلفه تحت جميع الظروف ومهما بلغت شدتها.
***
'في البهو'
دخل أشرف تحت نظرات والده المترقبة والباردة، وقد نجحت نجاة في تهدئته خلسة لكي لا يفسد الأمسية بأي شكل من الأشكال،فأشار لأنس وعَلْيا بأن ينضما لعزة وزكريا.
باغثه والده عندما سأله قائلا بهدوء"ما رأيك أنت في اقتراح السيدة عزيزة يا أشرف!؟"
ضيق أشرف حاجبيه لثواني ثم رد عليه بهدوء مماثل"والله يا حاج، أنا لا أرى في الأمر مايستدعي الرفض، خاصة أنه ما من داع لتمديد فترة الخطوبة لأن العائلتين تعرفان بعضهما قبلا والعروسين كذلك"
رد عليه والده بجمود"ظننت أنك تريد الوقوف على زفاف شقيقتك أولا بأول كما تقتضي الأصول"
ابتسم أشرف بخفة وقد كشف خطة والده، فهو ينوي استفزازه ليقوده لرفض الاقتراح لأن عزة تتأثر بآرائه أكثر من أي شخص آخر،فرد عليه بنبرة عادية"ومن قال أننا لن نفعل ذلك يا أبي؟ستخرج عزة من هذا البيت كأي عروس أخرى أو ربما أحسن بكثير..بل ومن حسن حظنا أن السيدة عزيزة تكلفت بكل شيء مسبقا فلم يتبقى علينا سوى القيام بلمستنا الخاصة وتوزيع الدعوات،أليس كذلك يا أمي؟!"
نقلت نجاة نظراتها بينهما بعدم اقتناع وهي تشعر بتسرع هذا القرار،فاكتفت بالقول"ربما، لنعرف رأيهما أولا،فربما لديهما خطة أخرى!"
دخل الأزواج بعد لحظات من النقاش، فتحدثت عزة أولا قائلة"يبدو أن فكرة العرس بعد عشرة أيام جيدة،ستتطلب منا بعض الجهد لكنها تروق بما جميعا"
تذكرت عزيزة شيئا فرفعت نظراتها تنظر لعَلْيا فبادلتها الأخرى النظرات، وأشارت لها بالاقتراب.
انشغل الجميع في الحوار مع عزة وأنس وزكريا، فاقتربت عَلْيا بهدوء من عزيزة وجلست بجانبها، فأمالت الأخيرة رأسها ناحيتها وهمست في أذنها قائلة"هل لديك مشكلة في إقامة عرس مشترك!؟، أخشى أنني تسرعت في اقتراح الأمر قبل أن أسألك وأسأل عائلتك"
ابتسمت عَلْيا بخفة ثم هزت رأسها نفيا قائلة"بالعكس يا خالتي،ولا أظن أن عائلتي ستمانع أيضا"
ربتت عزيزة على ظهرها بحنية ثم قالت"حفظك الله ورعاك، سلمتِ على تفهمك حبيبتي"
في الجهة المقابلة كانت عزة تدلي بحججها لوالدها الذي لم ينبس ببنت شفة،مكتفيا بالصمت، وأشرف يحاول سد ثغرات كلماتها أيضا، والجميع يريدون أن تنتهي الليلة وهم على وفاق ومتفقين على كل شيء مسبقا.
________________________
'في المستشفى'
خرجت ثريا من باب المستشفى بملامح مريحة وابتسامة رقيقة تزين شفتيها،ترتدي مريولا خاص بالممرضات وقد استطاعت أخيرا توفير مبلغ محترم واشترت به ثلاثة بألوان مختلفة لتستطيع ارتدائهم أثناء فترة تدريبها.
كانت تحمل بين كفيها مجموعة من الأكياس البلاستيكية الموظبة بعناية،ثم اتجهت لرجل يستقل دراجة نارية ويحمل حقيبة كبيرة على ظهره وناولته الأكياس فألصق على كل واحد منهم ورقة وكتب عليها العنوان الذي أملته عليه ثريا ورقم البطاقة الوطنية ورقم الهاتف.
لقد كان هذا الشخص رجل التوصيل، فبعد ارتفاع عدد الطلبات لم تعد تجد وقتا لتوصل الطلبات بنفسها فاقترح عليها أسامة أن تتعاقد مع شركة التوصيل التي ستتكلف بإيصال الطلبات مقابل أجر محدد على كل قطعة، لم تتقبل الفكرة في البداية لكنها كانت تحتاج للتركيز على شيء واحد يا إما حياكة الطلبات أو توصيلها.
لا تستطيع الجزم إن كان ذلك الإشهار فاتحة خير عليها أم عملها الدؤوب بدأ يؤتي ثماره الآن،فبعد استلامها لمرتبها كاملا،دفعت أقساط المدرسة واشترت كبب صوفية كثيرة بألوان مختلفة ثم بدأت في فعل ما تتقنه،لم يكن الأمر سهلا ولازال صعبا،فهي لا تتجاوز ساعات قليلة من النوم بعد وتمضي اليوم بأكمله ما بين تدريبها في المستشفى،والعمل في المقهى والحياكة في آخر النهار إلى وقت متأخر من الليل،فأصبح هذا روتينها اليومي المتعب،ولكنها راضية عن كل شيء خاصة بعد ملاحظتها لأنها بدأت توفر المال شيئا فشيئا وعندما ستتأكد من توفيرها لما يكفي ستقدم على تطبيق ما تفكر به.
________________________
'بعد أيام'
'أمام باب منزل عائلة قاسمي'
'يوم حمام العروس'
توقفت سيارة أشرف أمام الفيلا، فأوقف أنس سيارته خلفها ومن خلفه أسامة ثم زكريا.
نزل الشباب الأربعة من سياراتهم ثم تجمعوا أمام سيارة أشرف ينتظرون الفتيات ليوصلوهن لمركز التجميل.
انتبه أسامة للمقاعد الخلفية لسيارة أشرف، فقال باندهاش"ماذا حصل لسيارتك!؟"
تزامن سؤاله مع خروج سمر من باب الحديقة واقترابها منهم تنوي أخذ حقيبتها من سيارة أسامة.
فقال أشرف ببرود ونظراته مركزة على مشيتها وملابسها البيتية المكونة من قطعتين واسعتين باللون الكريمي عليهما دببة باللون البني وتنتعل حذاء مراد في قدميها"قصة طويلة لا تستحق الذكر،لقد خربها أحدهم، ويحتاج لإعادة التربية والهيكلة"
ضيق أسامة عينيه يتأمل الخسائر التي تعرضت لها المقاعد،فاحتضن كتفي سمر التي وقفت بجانبه ثم قال مستنتجا"لا بد أنها ستكلفك الكثير بإصلاحها، خاصة أن الضربات تجاوزت الغلاف الجلدي واخترقت ما خلفه أيضا"
جز على أسنانه بغضب وهو يتأمل علامات السخرية على وجهها وكأنها تتحداه بأن يخبر أسامة بأنها من خربت المقاعد،أخذ نفسا عميقا يهدئ نفسه ثم رد عليه بهدوء"لذلك فضلت إصلاحها بعد الزفاف،في انتظار أن يتوصل الميكانيكي بجلد جيد"وعينيه لم تحيدا عنها وقد بدت لطيفة بتلك الملابس التي كانت تلتهمها فعليا.
أومأ أسامة بتفهم ثم انتبه لسمر التي منحته ابتسامة صادقة أفرجت عن غمازتيها المهلكتين،فسألها"كيف مرت ليلتك هنا!؟"
ردت عليه بحماس"رائعة،لم نتوقف عن الغناء حتى وقت متأخر من الليل"
تدخل أنس قائلا"لا بد أن العروستين متعبتين من السهر"
ردت عليه بمزاح"لا تقلق يا سيدي عروستك في الحفظ والصون ولم يمسهما سوء بل مرتاحتان جدا"
ثم نظرت لزكريا تنتظر أن يسألها عن عزة لكنه كان صامتا ومستندا على سيارة أشرف يضم ذراعيه لصدره ويتأمل الفراغ أمامه.
شتان ما بين حماسه وحماس عزة بالداخل، والتي جفاها النوم البارحة غير مصدقة لأنه سيتم كتب كتابها وتتزوج في نفس اليوم من شخص لو سئلت عنه قبل مدة لقالت أن زواجهما من سابع المستحيلات.
تذكرت سمر أخيرا ما الذي خرجت من أجله فسألت أسامة"هل أحضرت الحقيبة التي أخبرتك عنها!؟"
أومأ أسامة ثم اتجه لصندوق سيارة حكيم وفتحه ثم أخرج حقيبة ضخمة باللون الأسود، فسألها"ماذا ستفعلين بكل هذه القفاطين القديمة!؟"
حركت حاجبيها بتلاعب ثم قالت بحماس"سترى ماذا سنفعل بهم لاحقا"
ابتسم قائلا بمرح"حسنا على راحتك! هل أنتن جاهزات للذهاب!؟"
أومأت بتفكير"لا بد أن الفتيات قد تجهزن، سأذهب لأرتدي ملابسي أيضا لننطلق، فقد اقترب الموعد الذي حددناه من أجل حمام العروستين" ثم انحنت تحاول حمل الحقيبة.
انحنى أشرف بجانب جسدها الرشيق ثم حمل الحقيبة بكل بساطة هامسا ببرود"لم أرى سابقا من يحمل حقيبة بحجمه"
رمقته بنظرة جانبية قاسية ثم تجاهلت تواجده تماما ووجهت كلامها لأسامة"سأدخل الآن"
أومأ أسامة بموافقة، ثم نقل نظراته لأشرف الذي قال بهدوء"سأعود بعد قليل"
'بداخل الفيلا'
كانت الفيلا مليئة بالنساء والفتيات من مختلف العائلات، وقد اقترحت نجاة على آمنة سابقا أن يقام حفل الحناء في بيتها لاتساع المكان، ولأن عائلة العريس مشتركة وأصدقاء العروستين أيضا فلن يكون من الصائب تفضيل عروس على أخرى.
لذلك انتقلت عَلْيا وجدتها وليلى وبعض الفتيات من عائلتها وسميرة وسمر وثريا للفيلا البارحة، في انتظار أن تنظم والدة عَلْيا وأبناؤها أيضا لحفل الحناء.
كما انضمت لهن نساء أخريات من عائلة عزة أيضا،وبهذا سيشاركن جميعهن في حمام العروس.
'بعد دقائق'
خرجت عَلْيا وعزة أولا ترتديان جلبابين باللون الأبيض وتضعان القب فوق رأسيهما وتحمل كل واحدة منهما حقيبة صغيرة كتب عليها'العروسة' وتحوي مستلزمات حمامها ومن خلفهما فتيات من عائلتيهما يرتدين جلابيب أيضا ويحملن نفس الحقيبة ولكن بدون كتابة.
علت الزغاريد من خلفهما بدون أن يغفلوا عن ترديد التعشاق المغربي'الصلاة والسلام على رسول الله، ما الجاه إلى جاه سيدنا محمد،الله معاه الجاه العالي'
اقترب أسامة من سمر ثم همس بشيء في أذنها، فاتسعت ابتسامتها وأومأت موافقة قبل أن تقترب من العروستين قائلة"ستذهبان في سيارة أسامة،ليتحمس الشقيقان قليلا، فلا يحق لهما رؤية العروستين قبل حفل الزفاف"
نظرت عزة وعَلْيا لبعضهما ثم ابتسمتا بخجل فطري واتجهتا نحو سيارة أسامة بدون أن تتوقف الزغاريد.
ركبتا في الخلف، ثم جلست ثريا بجانبهما وجلست سمر في المقعد الأمامي بجانب السائق، ثم توزعت باقي الفتيات على سيارة كل من أنس وأشرف واختار زكريا الانسحاب في آخر لحظة متحججا بإنه على موعد مع المأذون ليحضره ليتم كتب كتابهما بعد الزوال.
كانت سيارة أسامة تتقدم باقي السيارات، وحرصت سمر على تشغيل أغاني خاصة بالمناسبة ورفع الصوت لآخره ولم تخل أجواء السيارة من الفرح والغناء كما هو الحال في باقي السيارات التي كان كل من أنس وأشرف يضغطون على المزمار معبرين عن فرحتهم بهذا الحدث.
توقفت السيارات أمام مركز التجميل، فنزلت كل من سمر وثريا أولا لتساعدا عزة وعَلْيا على النزول، فتفاجؤوا بفرقة من الدقاقية وقد شكلوا صفين أمام الباب وبدؤوا بالعزف ما إن خرجت العروستين، وبجانبهم عاملات المركز يصفقن ويزغردن أيضا، انضمت لهن باقي الفتيات، فعلت التصفيقات وتحركت الأجساد على إيقاع الموسيقى،اقتربت سمر وأمسكت بيد عزة من جهة ويد عَلْيا من الجهة الأخرى ترغمهما على الرقص، وثريا تقف بجانبهما تصفق باندهاش وفرح في الوقت ذاته.
تقدمت العروستين أولا للداخل، ثم لحقت بهما الفتيات أيضا وفرقة الدقايقية التي استمرت في العزف والغناء.
جرت سمر للسيارة تحاول حمل تلك الحقيبة السوداء مجددا وساعدها أسامة هذه المرة، ثم سلمها لعاملات المركز اللواتي أخذنها للداخل، ثم انطلقت سيارات الشباب.
'في المركز'
كانت الردهة تحتوي على كنبتين فرشتا بثوب باللون الكريمي، وأمام كل واحدة منهما مائدة فرش عليها نفس الثوب وعليها صينية تحتوي على قوالب سكر وصحون تضم الورد المجفف وأعواد السواك والبيض النيء وشموع مزينة باللون الذهبي وضعت فوق الشمعدان بعناية.
بعد انتهاء الفقرة الغنائية، دخلت الفتيات إلى الحمام الذي كانت تملؤه الورود المتناثرة في الأرجاء والشموع برائحة الورد، وخصص للعروستين مكان خاص يحوي كل ما ستحتاجانه لتؤديا طقوس حمام العروس من تبريمة مغربية بالصابون البلدي والأعشاب ذات الرائحة الزكية، إلى الخلطات الخاصة بالشعر.
'بعد ساعات'
خرجت الفتيات من مركز التجميل يرتدين قفاطين من الطراز القديم بألوان مختلفة في حين أن عزة وعَلْيا كانتا ترتديان قفطانين باللون الأبيض.
دقق أسامة النظر في القفاطين فابتسم بمرح يخاطب سمر"كنت متأكدا من أنك كنت تخططين لفعل شيء بكل تلك القفاطين في الحقيبة السوداء" ثم رفع إبهامه عاليا وقال"فكرة رائعة صراحة!"
ضحكت ثم استدارت حول نفسها مرتين قائلة بمرح"كيف أبدو؟"
رد عليها بصدق"فاتنة كالعادة"
تحت نظرات أشرف الذي لم يستوعب بعد ما الذي يتحدث عنه أسامة،تأمل قامة سمر بنظرات غامضة قبل أن يرفع نظراته لعزة التي كانت تلف رأسها بحجاب أبيض يناسب القفطان الأبيض الذي ترتديه والذي استنتج بعد برهة أنه سبق ورآه في الصور القديمة لوالدته وهي عروس.
جاشت مشاعر غريبة في صدره لم يدرك كنهها لكنها دفعته مجددا للتحرك ناحيتها ثم توقف على بعد خطوات يتأمل وجهها واحمرار خديها فلم يدرك إن كان بسبب خجلها أو حرارة الحمام.
تقدم ناحيتها مجددا ثم سألها بهدوء"هل أنت مستعدة!؟" وكان يقصد عقد قرانها.
رفعت نظراتها له بتشوش فقرأ في نظراتها الكثير،ثم أكمل قائلا"المأذون ينتظرك في المنزل وزكريا أيضا!"
شعرت بتسارع دقات قلبها وجزم أن الاحمرار السابق في خديها كان بسبب الحرارة حتما أما ما يراه على وجهها الآن هو ما يسمى بخجل العروس.
مد يده فتمسكت كفها الصغيرة بكفه الضخمة ولم تغفل عن ضغطه عليها بخفة وكأنه يخبرها أنه هنا، واتجها لسيارته ثم فتح لها الباب الأمامي وساعدها على الصعود بطريقة لا تفسد ثوبها.
أما أنس فقد تجاوز سمر قائلا بمرح"خطتك مع أسامة لن تنجح هذه المرة يا سمر، وحتما سآخذ زوجتي معي في سيارتي"
احتجت قائلة"أنت تفسد تقاليدنا يا أنس، لا تفعل ذلك!"
قهقه عاليا ثم رقص حاجبيه قائلا"آسف، لكنني انتظرت بما فيه الكفاية يا سمر، سنلتقي في الڤيلا!"
ثم مد يده لعَلْيا التي ابتسمت في وجهه ببشاشة وتشبتت بكفه ثم سحبها ناحيته وطبع قبلة رقيقة على جبهتها وهمس في أذنها"اشتقت لك"
نظرت لهما سمر بتأثر فأبعدت نظراتها عنهما ورفعت ذراعها ناحيتهما مقلدة حركة درامية ثم قالت"اذهبا فقط، كنت سأتسبب في نوبة قلبية لكليكما لو تجرأت وفرقتكما عن بعضكما مجددا" ثم وجهت حديثها لأسامة"هل صديقك كان هكذا دائما؟!"
هز أسامة رأسه نفيا قائلا"لقد عبث الحب بإعدادات عقله، أخبرته بهذا مرارا وتكرارا" ثم نظر لهاتفه وأكمل"والدك يتصل، يجب أن نسرع، لا بد أن المأذون قد وصل"
صعدت سمر السيارة وثريا أيضا، فلم ينسى أسامة أن يتأمل منظرها وقد تركت شعرها مفرودا لشكل طبيعي،ويكاد يجزم أنها لم تضع زينة على وجهها أبدا؛ما إن صعدت خلفه حتى أكمل تأملها في المرآة الأمامية،فتلاقت نظراتهما وكانت السباقة بخفض بصرها فقال بمزاح"هل ابتلعت الفئران لسانك يا مونارش؟!"
ابتسمت بسخرية ثم ردت عليه"بل إنه يرتاح ليهديك ما تستحق سماعه"
نقلت سمر نظراتهما بينهما ثم تنهدت بعمق قائلة"لا أزال لا أصدق أن Mariposa لم تهدم فوق رأسيكما بعد، هل تتحاوران كهذا عادة!؟"
نظر لها أسامة باستمتاع قائلا"إنها طبيعة حواراتنا يا سمارا، عندما تريننا يوما نتحدث بأدب وتفاهم فاعلمي أن هناك مشكلة لا محال!، أليس كذلك يا مونارش!؟"
ضيقت عينيها ثم ابتسمت في وجهه بتكلف قائلة"معك حق للأسف! ولا تناديني مونارش!"

تفرقت باقي الفتيات بين سيارة أنس وأسامة وأشرف وعصام الذي انضم إليهم أيضا، ثم انطلقوا جميعا نحو الڤيلا حيث سيتم عقد قران عزة على زكريا، وقد أحضر الأخير المأذون هناك، وتجمع الأقرباء مسبقا ينتظرون وصول العروس.

'في الڤيلا'
في البهو الواسع، جلس الحاج رشيد وبجانبه شقيقه وشقيق نجاة، وفي الجهة المقابلة جلس المأذون وبجانبه زكريا وحكيم وجلس مراد وحمادة بجانب بعضهما، وبعض رجال العائلة أيضا، والجميع ينتظرون وصول عزة.
بعد لحظات، تعالت الزغاريد والتعشاق،فنطق مراد"لا بد أنهم وصلوا" ثم وقف وخرج من البهو ليتفقد وصول الجميع.
بعد لحظات،دخل أنس وأشرف وعزة بجانبه منزلة رأسها بخجل،ثم تقدمت بهدوء وانحنت لتقبل يد والدها،وسلمت على عمها وخالها ثم أفسح لها زكريا المجال لتجلس بجانبه،لم يمنحهما المأذون فرصة لتدبر جلستهما فنطق"بما أن العروس هنا،فلنتوكل على الله ونكتب كتابهما"
التقط زكريا بطاقة عزة التعريفية من بين أناملها ثم سلمها وخاصته للمأذون الذي بدأ يدون شيئا في كتاب كبير،قبل أن يلقي بكلماته على مسامعهما ونطقا بالموافقة ثم وقعا على قسيمة الزواج،فقال بهدوء"مبارك لكما،وبالصفة الممنوحة لي من طرف السلطات العليا، أعلنكما زوجا وزوجة على سنة الله ورسوله" ثم رفع يديه قائلا"لنتلو جميعا سورة الفاتحة ليبارك لهما المولى في هذه الخطوة المباركة"

خرجت عزة من البهو بعد تلقي المباركات من الجميع، وقد خصها والدها بنظرة خاصة ولم يقو على قول شيء من هول المشاعر التي اجتاحت صدره ربما تفوق ما كان يشعر به أشرف أو حتى مراد.
كانت نجاة أول من استقبلتها في حضنها فانهمرت دموع التأثر على وجنتيها، ولم تتوقف عن البكاء طوال الأيام الماضية التي كانت مليئة بالتجهيزات والتنقل هنا وهناك…دائما ما تكون مشاعر تزويج الأبناء مختلفة،مختلطة ما بين الرهبة والفرح وشعور طفيف بالفقد.
أما عزة فقد كانت هادئة على نحو غريب، تستقبل التهاني والتبريكات بذهن مشغول واجتاحت صدرها مشاعر غريبة طغت عن مشاعر الحب التي كانت تشعر بها في الفترة الأخيرة…سعيدة جدا لكنها خائفة خاصة بعد استشعارها لجفاء زكريا الذي لم ينطق ولو بكلمة واحدة،فلم تشعر بجمال تلك اللحظة.
استدارت تبحث عن أشرف بين الوجوه فلمحته أخيرا ثم توجهت نحوه وقد كان واقفا خارج البهو يتبادل الحديث مع أنس وأسامة وزكريا، سحبته من ذراعه وهي ترد على تهنئة أسامة وأنس لها، متفادية النظر لوجه زوجها المتصلب.
'في الحديقة'
وقفت عزة مواجهة لأشرف الذي نظر لها باستغراب قائلا"ما بك؟ وجهك شاحب كأنك رأيت عفريتا؟"
ردت عليه باندفاع وتوتر"هل تراني تسرعت في هذا الزواج يا أشرف!؟"
ضيق عينيه يتأمل وجهها ثم سألها بقلق"هل حدث شيء!؟"
هزت رأسها نفيا بقوة ثم سألته بتردد"كيف كان شعورك عندما تزوجت!؟"
لم يرق له السؤال،وشعر بلهيب حارق ينتشر بصدره قبل أن يقول وقد استوعب شيئا أخيرا"عزة!" رفعت نظراتها نحوه فاقترب منها يتظاهر بتعديل حجابها ثم رب على خدها بحنان وقال"كل ما تفكرين به الآن مجرد تخيلات! أنت تشعرين بالتوتر فقط، خاصة وأن الأمور كلها تسير بسرعة فمن الطبيعي أن تختلط عليك الأمور!"
رمشت عدة مرات بتأثر وغمامة من الدموع غزت مقلتيها ثم همست"ولكن ماذا عنه!؟"
عرف فورا أنها تقصد زكريا، فقال بهدوء"الرجال أيضا يتوترون في يوم عقد قرانهم وفي يوم زفافهم أيضا، إنها ليست أمورا مقتصرة على النساء فقط، ربما أنتم تعبرون عن ذلك بدموعكم، لكن الأمر مختلف بالنسبة لنا"ثم اقترب هامسا"أحيانا نكون أغبياء لدرجة أن نعبر عن ذلك بنوبة غضب من لا شيء"
مسحت بعينيها على ملامحه وكأنها تلتمس الصدق من كلماته فترتاح من ما تشعر به الآن.
تنهد أشرف بعمق ثم قال بهدوء"اذهبي لغرفتك الآن، وحاولي أن تنامي قليلا، بالرغم من صعوبة الأمر الآن(وكان يقصد أن المنزل مليء بالضيوف) فأمامك ليلتين من أطول ما يكون"
ابتلعت ريقها ثم أومأت برأسها موافقة فانسحبت من أمامه تنوي الدخول للڤيلا، فتفاجأت بخروج زكريا يحمل بطاقتها الوطنية ويبحث عنها ليسلمها لها.
وقفا ينظران لبعضهما بتردد فمد يده نحوها والتقطت البطاقة ثم همست"شكرا!"
كان أشرف يتأمل وقفتهما فزفر نفسا عميقا في الهواء قبل أن يمر من جانب زكريا، وضغط على كتفه بقوة قائلا بهدوء"سأترككما لتتحدثا قليلا" ثم أكمل بنزق"لكن لا تتجاوز حدودك فأنا أراقبك" ثم أشار لعينيه باصبعي السبابة والوسطى ونقلهما لمرآى زكريا في حركة معناها'أنا أراقبك'.
تراجعت عزة خطوتين للخلف، فوقف زكريا بالموازاة معها ثم أشار لها لتتقدمه، تأملها من رأسها إلى أخمص قدميها متخليا عن التحفظ في نظراته وكأنها بتوقيعها على قسيمة زواجهما أصبحت ملكه، بل إنها كذلك الآن…لكنه متخبط الآن بين نارين،وتأنيب الضمير يتآكله من الداخل،ولن يبالغ إذا قال أنه لم ينم منذ خطوبتهما وذكريات الماضي لم تترك جزءا من ذاكرته إلا وهاجمته بدون رحمة.
توقفا وسط الحديقة،فلم تستطع النظر إلى وجهه،فقد شعرت بأنها لن تتحمل رؤية نفس النظرة في عينيه،وقد جزمت من خلالها من قبل أن من يقف أمامها الآن لا يمث بصلة لعريس تزوج للتو.
ابلتعت ريقها وهمت بقول شيء، فكان يريد أن يتحدث أيضا، تلاقت نظراتهما فقال بهدوء"تكلمي أولا!"
لم يسعفها لسانها سوى بسؤاله عن ابنته"لم تحضر معك لينا اليوم!"
رمش مرة واحدة ثم رد عليها بهدوء لم يظهر بأنه توقع منها أن تقول شيئا آخر كأن تبارك له زواجهما مثلا"لم أرغب بأن تنشغلوا بها، خاصة أن الجميع مشغولون بالتحضيرات لهذا المساء وغدا…لكنها ستحضر مع أمي هذا المساء"
أومأت بتفهم ثم أخذت نفسا عميقا ونظرت له بعيون فضولية تنتظره أن يتفوه بما أوشك على قوله قبل لحظات، فاستجاب لنظراتها فورا قائلا بهدوء"لم أجد الفرصة لأطلعك على خاتم زواجك،فهل ترغبين في ارتدائه الليلة أم غدًا"
قالت باندهاش وهي تلمحه يخرج علبة مخملية باللون الكريمي من جيبه"لقد أحضرته معك!"
نظر للعلبة هو الآخر ثم قال بتردد"لقد كنت أحمله معي دائما مؤخرا، لكنني لم أجد الفرصة لأسألك إن كنت تودين ارتداءه قبل عقد قراننا"
ضحكت بتأثر قائلة"في العادة يتم ارتداؤه في يوم الخطوبة، لذلك لم أسألك عنه بعد ذلك اليوم،فأنت لم تتحدث عنه أيضا،قلت ربما لم تجد وقتا لتبتاعه"
رد عليها بهدوء وعينيه لم تحد عن وجهها منذ وقفا، وهو يفكر في أنه لن يسمح لها بارتداء اللون الأبيض مجددا"لقد ابتعته منذ سألتك إذا كنت ترغبين في مرافقتي لشرائه،لكنك رفضت"
هزت رأسها نفيا مبررة"لم أرفض الذهاب معك، لكنني كنت أريدك أن تختار خاتما على ذوقك رأيت أنه يشبهني"
فتح العلبة أمامها فبرز خاتم من الذهب الأبيض ذو شكل متفرد محيط بالذهب الأصفر،وتتوسطه جوهرة كبيرة وسط وردة ذهبية.
فغرت فاهها بإعجاب ثم غمغمت بصوت متأثر"إنه رقيق جدا"
سألها بتردد"هل أعجبك!؟"
ردت عليه بنبرة صادقة"إنه مبهر يا زكريا! مبهر جدا"
رد عليها بهدوء"سعيد أنه نال إعجابك!" أخذه من العلبة ثم مده نحوها قائلا بأدب"هل تسمحين!؟"
أومأت بهدوء وسرت ارتعاشة لذيذة بكامل جسدها فمدت يدها إليه والتقطها بهدوء ثم أدخله في بنصرها برقة قائلا بهدوء محافظا على تصلب ملامحه"مبارك لنا"
ردت عليه برقة وعينيها مركزة على الخاتم"مبارك لنا"
أمام الباب الداخلي للڤيلا،كان يقف أشرف بملامح هادئة يراقب الوضع من بعيد،فلم يطاوعه قلبه ترك شقيقته وحدها مع زكريا وقد استشعر سابقا تخبطها الشديد وتصلب الأخير أيضا، فلم يستطيع تفسير حالته الغريبة.
تسللت سمر من خلفه بهدوء، فاختبأت بدون أن يراها وحرصت على تصوير اللحظة التي ألبس فيها زكريا الخاتم لعزة، ثم التقاط صور لهما معا بدون أن يدركا ذلك.
لم يكن بحاجة لأن يستدير ليعلم بأنها خلفه فقد تسللت رائحة اللافندر لجيوبه الأنفية قبل أن تصل هي، سمح نفسه باستنشاق شظايا عبيرها مغمضا عينيه مستسلما للخدر الذي أصبح يصيب أطرافه كلما استشعر قربها، لكنه لم يستطع مقاومة مناغشتها مجددا فنطق ببرود يتقصد مضايقتها"سأرسل لك فاتورة بثمن ما خربتيه في سيارتي، لا تظني أنني سأدع الأمر يمر مرور الكرام"
نظرت له بحدة ثم حدثت نفسها بصوت مسموع'لا تسمحي لأي كان بتخريب يومك الجميل يا سمارا،خاصة هذا الصنف من البشر'
ثم رفعت صوتها قليلا ترد عليه"سأدفع الثمن في أحلامك،احرص على أن تنال قسطا كافيا من النوم لكي لا يفوتك وقت الدفع" ثم ابتسمت في وجهه بتكلف بدون أن تصل الابتسامة لعينيها، ونظرت لهاتفها بابتسامة متحمسة فاجأته شخصيا بهذا التحول ثم تحركت للداخل تخاطب نفسها'سأسأل عزة إن كنت أستطيع تنزيل هذه اللحظة على حسابي مع إخفاء وجههما'
لاحق ظهرها بنظراته الغامضة ثم أدخل يده في جيبه يتحسس أحمر شفاهها الذي لم يفارقه يوما منذ تلك الليلة.
*********
'في المساء'
'ليلة الحناء'
تعالت الزغاريد في كل أرجاء الڤيلا، والنساء يستعرضن مواهبهن في الغناء،مرة بالعربية ومرة بالأمازيغية، مستعينين بأدوات موسيقية كالطعريجة(آلة إيقاع موسيقية مغربية،تصنع من الطين والجلد) والبندير(يشبه الدف)وبعضهن يستعملن الملاعق وصينية الشاي الفضية لتشكيل نغمة موسيقية مختلفة.
انضمت كل من نادية والدة عَلْيا وزوجة والدها للنساء في المساء وكذلك عزيزة ولينا، وبهذا اكتمل الجمع وتجمعوا جميعا حول العروستين، وكانت ترتدي كل واحدة منهما تكشيطة باللون الأخضر مع الحلي الخاص بها والذي تخصه أغلب المناطق للحناء،ولم تبالغا في زينة الوجه وقد حرصت سمر على الحفاظ على بروز ملامحهما الرقيقة.
وفضلت كل من عزة وعَلْيا أن تمر مراسم الحناء في المنزل عوض قاعة الأفراح وبهذا فقد اتصلوا بالنقاشة(وهي المرأة التي تنقش بالحناء على الأيادي والأرجل) لتأتي للڤيلا، فحرصت الأخيرة على إحضار رفيقتها التي ستتكلف بالحناء الخاصة بالفتيات الغير متزوجات، أما النساء فقد فعلن ذلك سابقا كل واحدة في منزلها.
على الكنبة في البهو الكبير، فرش رداء باللون الأخضر عليه نقوش ذهبية، وجلست عليه عزة وبجانبها عَلْيا وأمامهما وضعت موائد تقليدية وضعت فوقها صحون يحتوي بعضها على أوراق الحناء والورد المجفف،
والبيض النيء المزين بنقوش من الحناء كتبت عليه أسماء العروستين والعريسين، بالإضافة إلى شموع مزينة بنقوش ذهبية، وبعض الأوراق النقدية التي وضعتها النساء وتسمى'بياض العروس'.
وعلى طاولة في آخر البهو، وضعت صواني ذهبية تضم أكياس صغيرة من الحناء و قنينات شفافة بغطاء خشبي تحتوي على ورد مجفف، بالإضافة إلى علب هدايا صغيرة للفتيات المقبلات على الزواج،وقبل خروج الأخيرات تحصل كل واحدة منهم على كيس حناء وقنينة الورد أيضا، وشريطة باللون الأخضر تعلقها العروس لأفراد عائلتها وصديقاتها بعد انتهائها من الحناء.
كانت حفلة الحناء تضم النساء والفتيات فقط، فقد غادر جميع الرجال،وكان الأمر يشبه أكثر حفل توديع للعزوبية ولكن من نوع خاص.
بدأت النساء بغناء أغنية خاصة بهذه الليلة،فانهمرت الدموع على وجوه كل من آمنة ونجاة ونادية وعزيزة وسميرة.


'فرحي يا لالة واسعدي يا لالة وباركي ليا
زوجت وليدي وحيدت اللومة عليا.

فرحي يا لالة واسعدي يا لالة وباركي ليا
زوجت بنيتي وحيدت اللومة عليا

فرحي يا لالة واسعدي يا لالة وباركي ليا
زوجت عزة وحيدت اللومة عليا

فرحي يا لالة واسعدي يا لالة وباركي ليا
زوجت عَلْيا وحيدت اللومة عليا

الشرفة ولاد النبي، والجاه العالي
الشرفة ولاد النبي، والجاه العالي
الشرفة ولاد النبي، والجاه العالي

(حيدت اللومة عليا بمعنى ارتحت من هم تزويجه)'


تقدمت نادية بخطوات ثقيلة باتجاه عَلْيا التي أنهت حنتها للتو، نظرتا لبعضهما لثواني معدودة تحت نظرات آمنة وسميرة وليلى المترقبة،قبل أن تغلق نادية الفجوة بينهما وانحت بتردد باتجاهها،ثم طبعت قبلة حانية على جبهتها وغمغمت بصوت متأثر"مبارك لك يا ابنتي، أتمنى من الله أن يسعدك ويعوضك عن كل شيء"
رفعت عَلْيا نظراتها لواني معدودة،ثم ابتلعت غصة في حلقها قبل أن تهمس"شكرا…أمي" وقد فكرت كثيرا قبل أن تنطق بكلمة أمي عوض السيدة نادية كما اعتادت مناداتها.
انهمرت الدموع على خدي نادية ثم ربتت على ذراع ابنتها قبل أن تنسحب من البهو لتمالك نفسها بعيدة عن الجمع الكبير من النساء الذي يراقبنها بفضول خاصة من يعرفونها من عائلة آمنة، أما من لا يعرفها فقد بدت لهم أما عادية متأثرة بليلة حناء ابنتها.
______________________
'في Mariposa’
جلس الشباب الخمسة على نفس الطاولة بعد أن انضم إليهم عصام أيضا،وقد حل الظلام، بينما احتل كل من مراد وحمادة كنبة في آخر المقهى منشغلين بجهاز الألعاب الذي ابتاعه أسامة حديثا.
وضع أسامة بعض المشروبات على الطاولة،وأطباق صغيرة للوجبات الخفيفة، وقد قرروا قضاء بعض الوقت معا محتفلين بزواج الشقيقين.
قال أسامة وقد تلبسته روحه العابثة مجددا"لم توافقوا على خطتي وإلا ذهبنا للملهى الليلى لنمرح قليلا"
رفع أنس كفه في وجهه فبرز خاتمه الفضي وقال"اعفيني من لهوك، فأنا متزوج الآن"
رمقه أسامة بنظرة ميتة قائلا"على أساس أنك كنت ترافقني وأنت في أوج عزوبيتك" ثم أخد قطعة كبيرة من البسكويت وحشرها في فمه"أنا كنت أتحدث مع العزاب، أما أنتما فقد فقدت فيكما الأمل منذ زمن بعد" وأشار لأنس وزكريا الصامت بجانبه.
ارتشف أشرف رشفة من كأسه ثم قال بمزاح"أعرف أحدا يحتاج أن ينسى همومه في مثل تلك الأماكن" ثم أشار لعصام المنشغل بإرسال الرسائل على هاتفه بجانبه.
سأله أسامة بفضول"ما به!؟"
قهقه أشرف بسخرية"عاشق متيم لم يسلم من خطط عائلة قاسمي أيضا، وعمتي ترفض زواجه من من يريدها"
انتبه عصام لحديثهم أخيرا فرع نظراته نحوهم وتزامنت مع احتضان أسامة لعنقه قائلا بمرح"الأمر سهل جدا، اهربا، فيبدو أن الفرار أكثر ما يخيف عائلة قاسمي، أليس كذلك يا أشرف!؟"
نظر أشرف لزكريا قائلا بنبرة غامضة"أو ربما أكثر ما يخيف عائلة الذهبي"
نظر له زكريا بهدوء، ثم رسم ابتسامة باردة على شفتيه ويديه تعبثان بالعلبة المخملية التي كانت تحتوي على الخاتم.
قال عصام بيأس"ربما سأرمي بنفسي من أعلى قمة جبلية،ليلين قلب أمي!"
ربت أشرف على كتفه قائلا بسخرية"هذا ما نسميه بالحب المجنون، أنا أتفق مع أسامة، اهربا، سنساعدك في ذلك!"
هز عصام رأسه بقلة حيلة"دعكم مني الآن، وكفاكم سخرية من مشكلتي، سأحلها وحدي، ماذا سنفعل الليلة!؟"
وقف زكريا أولا ثم قال بهدوء"أنا سأغادر أولا"
نظر له أنس بغموض قائلا"بهذه السرعة!؟"
رد عليه"أحتاج للانتهاء من بعض الأشياء!"
أومأ بتفهم، ثم قال"لنلتقي في المنزل إذن!"
نقل زكريا نظراته بين الجميع، فتفادى النظر لأشرف بالخصوص ثم قال بهدوء"إلى اللقاء" وغادر.
شيعه أشرف بنظرات غامضة ثم نظر لأنس الذي كان ينظر له سابقا ولكن لم يستطيعا قول شيء.
______________________

نهاية الفصل السابع والعشرون ✨

أتمنى أن ينال إعجابكم،ولا تبخلوا عني بتعليقاتكم الجميلة وأرائكم الصريحة.

قراءة ممتعة✨.





فاطمة الزهراء أوقيتي غير متواجد حالياً  
التوقيع
رواية:
وشمتِ اسمك بين أنفاسي~
بقلمي
🤍أكتب لأحيا الواقع بنكهة الخيال🤍
رد مع اقتباس