الموضوع: مقصلة الكلمات
عرض مشاركة واحدة
قديم 29-01-24, 09:04 PM   #4

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

القصة الثالثة( مالا تعلمه)



(( ما لا نعلمه))

كل الكلمات التي ترتجف في قلوبنا لا نفصح عنها، نتركها لسقيعها في سجون الصمت، ونستبدلها بكلمات مستهلكة ليس من شأنها أبدا أن تنتفض على شفاهنا لتشي بما لا أحد يعلمه...

༺༻

أمام أحد مراكز التأهيل الكبري بالعاصمة، الساعة الثامنة صباحا تتوقف مجموعة من الآباء والأمهات الذين كان امتحان الحياة لهم أصعب وأشد تعقيدا من غيرهم ليسلموا أبنائهم يدا بيد إلى إدارة المركز المتشددة فيما يخص الأطفال، آملين بكل يوم يمر عليهم وهم واقفين أمام باب هذا المكان، كل واحد منهم يلوح لصغيره بابتسامة صمود وقلب ينتظر بصبر معجزة لا خيال لديهم قادر على الإلمام بتفاصيلها لكن الاحساس الرابض في صدور لم يكتنفها اليأس بعد وحده الذي يستطيع استنباط مدى قوتها.

على بعد خطوات منهم توقفت دراجة نارية قديمة فبدت كشيء مستهلك لا يتلائم مع فخامة المدخل الذي نزلت أميرة من خلف زوجها ووقفت أمامه ثم أنزلت ابنتها أيضًا وهي تقول لمعتز

" هل فكرت فيما تحدثنا به بالأمس "

قال لها معتز وهو يتأكد أن الحقيبة المعلقة على كتفه لم تسقط وقد وضع بها عهدته التي تخص عمله كمحصل للكهرباء

" أي حديث تقصدين يا أميرة، فأنا بالأمس كنت منهك من سهري بالعمل الإضافي ولم أكن بكامل تركيزي "

قالت أميرة لمعتز بتردد

" أقصد عيد مولد مالك ابن أختي، لن أستطيع الذهاب يد أمامي ويد خلفي، إنها لا تزورنا إلا ومعها زيارة بمبلغ وقدره "

نظر لها معتز بضيق وقال

" لذلك قلت لكِ اعتذري منها يا أميرة، أنتِ تعرفين أن الظروف آخر الشهر تكون ضاغطة بشدة علينا، وأنا بت من شدة تعبي ما بين لفي يوميا لتحصيل إيصالات الكهرباء من الناس وبين عملي في ورشة الحدادة أنام كما الجثة وكل هذا لألاحق على طلبات المنزل فلا ينقصنا شيء، ماذا أفعل أكثر من ذلك "

قالت أميرة بضيق

" لكن ...

قاطعها معتز يقول

" دون لكن يا أميرة، واحمدي الله، فأنا أحيانًا حين أنظر لمرام وأفكر لو لم يظهر ذلك الكفيل الذي تولى مصاريف علاجها في مكان كهذا ما سيكون مصيرها، الله يعلم بحالنا ويرسل فرجه فلا تعسريها علينا يا ابنة الناس واذهبي لتسلمي ابنتكِ قبل أن يغلقوا البوابة "

نظرت أميرة لزوجها بعدم رضا فلم يبال وهو يقول لها

" سأمر عليكِ في عودتي لأقلكِ، لو تأخرت انتظريني ولا تفكري في استقلال المواصلات العامة لكي لا تتأذي بالزحام أنتِ ومرام "

قالت له أميرة بامتعاض وهي تكتم حديث كثير على طرف شفاهها

" حسنًا، ألديكِ أوامر أخرى"

أخرج معتز ورقة مالية بسيطة وقال لها

" هذه عشرون جنيها، احضري لنفسكِ لفافة فلافل من المطعم السوري وعلبة عصير وابتسمي يا أميرة فنحن مازلنا بالصباح "

أخذت أميرة منه الورقة المالية وقالت بتهكم

" عشرون جنيها مرة واحدة، ظننتها ستكون عشرة فقط ككل يوم "

قال لها معتز

" لتعرفي أني لا أبخل عليكِ بشيء "

ثم غمزها مشاكسا فازدات انفعالا من لا مبالاته بمظهرها أمام أختها التي ستسألها عن سبب تخلفها عن عيد ميلاد صغيرها، ركضت أميرة نحو البوابة وهي تفكر أنها حقًا أصبحت تختنق من شعورها الدائم بأن معتز لا يفهم ما باتت تعانيه بسبب ضيق الحال ، نظرت أميرة للعشرين جنيها في يدها وقالت بشرود

" الحمد لله"

لكنها خرجت منها غير صادقة ...فاترة ...

༺༻

علي بعد أمتار وقفت سحر تنظر إلى هاتفها ذو الشاشة المكسورة تحاول أن تتابع بيان الأسعار الجديدة التي أعلنها الوكيل المصري للشركة المصنعة للجهاز التعويضي الذي يستخدمها ابنها وحولها مجموعة من الأمهات وهي تقول

" من أين سنأتي بالمال لندفع كل هذا، كلما ارتفع الدولار كلما أصبحت أطفالنا مهددة، منهم لله المسؤولين الذين لا يشعرون بنا "

اقتربت أميرة تقول بوجه ممتعض

" هل ستفطرن أم ماذا "

قالت لها سحر

" ما هذا البرود، هل علمتِ بالاسعار الجديدة لقطع الغيار"

قالت أميرة بضيق

" سمعت لكن ماذا سأفعل..

قاطع حديثهما وقوف سيارة فارهة أمام مدخل المركز ترجل منها رجل فارع الطول بالغ الوسامة يرتدي الزي الرسمي لاحدي شركات الطيران، أغلق باب سيارته ووقف يتفقد المكان بعينيه التي لا تظهر من خلف نظارته الشمسية اللامعة قبل أن يفتح الباب المقابل له وتترجل منه امرأة بدت كأنها خرجت من إحدى الإعلانات المعلقة على الطرق الرئيسية والتي تتحول ليلا إلى ومضات ساحرة قادمة من عالم آخر، بدت أنثى تختلف عن سحر التي تأملتها وهي تتحرك نحو الباب الخلفي للسيارة وتفتحه وتمد ذراعيها لتحمل طفل ربما في الثالثة من عمره وهي تقول

" انظري وملي عينيكِ بالبشر الذين لا يحملون همًا مثلنا، مؤكد هؤلاء يتعاملون مع الشركة الأم وليس مثلنا نتعامل مع الوكيل المصري الذي يريد أن يمتص دمائنا، انظري للسيارة التي وصلوا بها ونحن من تخرج أعيننا من محاجرها ونحن نتنقل من القطارات إلى الأتوبيسات المكدسة حتى نصل إلى هنا"

مطت أميرة شفتيها وهي تتأمل المشهد أمامها وتقول

" لا تجعليني أتحسر على حياتي أكثر، لقد لجمت نفسي بالقوة منذ قليل لكي لا أفتعل شجار مع معتز الذي لا يريد إعطائي مئة جنيه حتى لأشتري هدية لمالك ابن أختي لأن اليوم عيد ميلاده..."

صمتت أميرة للحظات وقالت

" لا أعلم إن طلبت منه يوما حقيبة مثل التي تحملها تلك السيدة ماذا سيكون رده وهو الذي يقابل كل طلباتي بلا ...والظروف ...والأوضاع "

قالت سحر بسخرية

" حقيبة ماذا التي لفتت نظركِ يا أميرة، انظري إلى الخاتم الذي ترتديه هذا مؤكد الماس الذي نسمع عنه، أتعلمين أن ذلك الخاتم يحل جميع مشاكلي "

نظرت أميرة للخاتم وهي تزداد نقمة على حياتها لتقول سحر

" أتعلمين ما الذي ينقصني لأصبح مثلها تماما "

قالت لها أميرة بحزن

" مؤكد ينقصكِ الكثير يا سحر "

هزت سحر رأسها برفض وقالت

" ينقصني فرصة، فقط فرصة أرتفع بها ولن أسقط مجددا".

༺༻

بعد قليل ....

داخل المركز كانت سدن تجلس بجوار زوجها ومن أمامها تجلس مديرة المركز الألمانية تتحدث لتترجم لها إحدى العاملات الحديث وهي تقول

" تقارير طفلك تشير أن لديه أمراض مزمنة بالإضافة إلى إعاقته "

أسبلت سدن أهدابها وصمتت قليلًا قبل أن تقول

" نعم فآثر مريض سكري كما أنه مصاب بمرض نادر يزيد من سيولة الدم لديه ".

༺༻

بعد أيام ....

وستظل الكلمات وسيلتك للإدعاء ، وسيلتك للتسلق، وسيلتك للخديعة، ستظل اللعبة الاحترافية الوحيدة التي يكن بدايتها حكم ونهايتها مقصلة.

༺༻

جمعت أميرة كومة الملابس التي تحتاج إلى الغسيل وتوجهت نحو الحمام وألقتهم أرضا بحنق قبل أن تجر الغسالة المتهالكة التي كانت لحماتها رحمها الله وهي تقول بغضب

" يداي جفتا من كثرة الغسيل، وكلما قلت أريد من يصلح الغسالة لا أجد سوى جملة واحدة الظروف لا تسمح، لقد تعبت ...تعبت "

وصلها صوت معز يقول

" مما تعبت يا أميرة "

قالت أميرة بانفعال

" لقد تعبت من كل شيء، انظر حولك هل ترى شيء مريح "

قال لها معتز

" أنا أرى أننا في نعمة من الله "

قالت له أميرة

" يجب أن تقول ذلك فلست أنت من ستظل لساعتين تدعك على يديك الملابس حتى تتسلخ كفيك ويتيبس جسدك من برودة الماء، ولما كل هذا، لأنك لا تريد أن تدفع ثمن تصليح الغسالة وأحضرت لي غسالة والدتك البدائية لكي لا أفتح فمي وأعترض "

قال لها معتز

" الغسالة كنت سأصلحها بالفعل لكنكِ من صممت أن تشتري حقيبة جديدة رغم علمكِ بكل قرش داخل وخارج، وأنا لم أقصر يا أميرة أنا أفعل كل ما أستطيع لكن أنتِ من أصبحت ناقمة "

قالت له أميرة بانفعال بات من كم الثورة التي احتشدت في صدرها بعدما أطلقت العنان لغزو الكلمات التي باتت تسمعها عن حياة سدن وتتخيل النعيم الذي تعيش به

" أصبحت ناقمة، بربك هل رأيت من هي أكثر صبرا وتحملا مني، من غيري كانت ستتحمل تلك الحياة، ثم إن كنت ترى شكوتي نقمة، حسنا ها هي الملابس اغسلها أنت وأنا لن أشتكي "

خرجت أميرة من الحمام بخطوات حادة تاركة معتز خلفها يتأملها بعيون باتت لا تدرك ما يحدث مع زوجته، أما أميرة فتوجهت لغرفتها تسحب هاتفها البسيط وهي تجلس على السرير بغضب وتطلب سحر التي لم تجبها كما تفعل منذ أيام، سحبت أميرة هاتف زوجها الذي كان أحدث من هاتفها قليلا وفتحت إحدي تطبيقات التواصل الاجتماعي وبحثت عن صفحة سدن التي باتت تتابعها يوميًا فوجدتها قد نشرت لنفسها صورة قبل ساعة من إحدى أكبر المراكز التجارية وهي تحمل باقة ضخمة من الورد خمنت أن مؤكد زوجها من أهداها لها فقالت بضيق

" والله الواحد يشعر أنه ليس حيًا كما الأحياء "

دققت أميرة النظر في الصورة ثم نظرت إلى باب الغرفة وتحركت تعبره بضيق وعادت إلى الحمام فوجدت معتز بدأ بالفعل بغسل الملابس فقالت له وهي لا تشعر بحدة الكلمات التي تخرج منها

" معتز لما لم تشتري لي وردا من قبل "

قال لها معتز الذي كان يخرج الملابس من غسالة والدته إلى طبق ضخم أطلق فيه المياه الجارية

" لأن لو لدي مال لن أضيعه على شراء الورد يا أميرة، بل سأمر على عم عبده الجزار لأشتري كيلو من اللحم البلدي الذي لم يدخل بيتنا منذ شهر "

نظرت أميرة لزوجها بغضب شديد وقالت

" أنا مظلومة في حياتي معك "

ثم ابتعدت عنه غير واعية لكونها كمن سدد سهم الكلمات ولم يسمي ورمى ولم يلتفت لما جنته يداه.

༺༻

في نفس الوقت....

داخل المركز التجاري كانت سحر تسير بخطى متخبطة وهي تنظر لكل ما حولها بذهول، كانت تشعر أنها كمن عبر إلى عالم آخر ما ظنت يومًا أن له وجود على هذه الأرض التي لا تحوي غير الكادحين المستنزفين، كان عقلها لا يستوعب الترف والبزخ المحيطان بها وهي تحمل عدة حقائب لسدن التي تقول لها

" أعطني الحقائب فحملك لها يشعرني بالاحراج أكثر لأني مؤكد تعبتكِ من كثرة اللف معي "

قالت سحر وهي تبعد يديها عنها

" والله أبدا ... لن يحمل الحقائب أحد سواي، هذا شيء بسيط لا تضخمي الأمور فأنا والله أصبحت أحبك في الله "

نظرت لها سدن بلطف وقالت

" شكرا يا سحر، حسنا على الأقل دعينا نجلس ونشرب شيء فأنا أجهدتك معي ولكن كان عليّ شراء هذه الهدايا اليوم فأخت زوجي عادت من السفر ويجب عليّ زيارتها "

قالت سحر وهي تتحرك تجاه أحد المطاعم ومن خلفها سدن تسير على مهل وتتبعها

" لا داعي، لا أريدك أن أكلفك ...ثم حمد لله على سلامة أخت زوجك يبدو أنكِ تحبيها لتشتري لها كل ذلك "

قالت سدن بلطف وهدوء لم تتبين سحر مطلقا ما خلفه

" لا تضخمي الأمور، أليس هذا قولك، ثم فعلا أخت زوجي تستحق كل خير " ابتسمت سحر باتساع وأسرعت نحو إحدى الطاولات تضع الحقائب وتجلس وهي تسحب قائمة الأصناف بلهفة وتنظر لها وهي تقول بصدمة

" الاسعار هنا باهظة جدا "

قالت سدن

" اطلبي ما تشائين "

نظرت سحر لسدن بانكسار وهي تطلق لسانها بكلمات ناعمة وتقول

" أنتِ ابنة أصول يا سدن ومؤكد ستفهميني، بصراحة أنا لا أستطيع تناول شيء من مكان لن أستطيع إحضار أطفال زوجي وأولادي له بيوم من الايام لذلك إن كانت ساقيك قد ارتاحتا قليلا دعينا نرحل "

قالت لها سدن

" لما تقولين هذا يا حبيبتي، أحضري زوجكِ وأولادكِ متى شئتِ، لا يمكن لأحد هنا أن يمانع "

قالت سحر بكلمات تتسلق العقول وتنفذ من أبواب الشفقة

" من أين سأفعل يا سدن والقادم على قدر الراحل، أتعلمين أن مصاريف التأهيل لطفلي في مركز كهذا تتكفل بها إحدى الجمعيات الخيرية، والله أنا أتمنى أن أفعل لأسرتي الكثير لكن العين بصيرة واليد قصيرة، حتى علاقتي بزوجي متوترة بسبب ضيق الحال، وكلما نظرت لعلاقتكِ بزوجك وسمعت حديثك عنه أتيقن أني لن أنعم معه بعلاقة هادئة مطلقًا "

أسبلت سدن أهدابها وقالت ولا تعي لوقع الكلمات بعقل الجالسة أمامها

" نعم زوجي حنون مراعي ...متفهم وكريم، وعائلته عائلة محترمة "

نظرت لها سحر وكأنما كلماتها تأجج في صدرها نيرانا لا تهدأ لتقول

" سدن هل إن طلبت منكِ أن يجد زوجكِ وظيفة لزوجي بالمطار سيكون الأمر ثقيلا عليكِ أنا فقط متعشمة فيكي خيرا "

رفعت سدن عينيها تنظر لسحر وقالت

" سأحاول لأجلكِ ولأجل أسرتكِ، قدر استطاعتي "

ابتسمت سحر لها وقالت

" وأنا لن أنسى لكِ هذا مطلقا ".

༺༻

بعد عدة أشهر .....

أما بعد فإنما الكلمات حاجز قوتي الهش، وإنما حروفها باقي زينتي الملطخة، وإنما معانيها هي دموع عيني التي لا يصبح لها معنى حينما تتوارى خلف أهدابي المحترقة.

༺༻

أوقف معتز دراجته النارية أمام المركز بوجه جامد كأنه قد من حجر، فنزلت أميرة تنزل ابنتها بانفعال شديد وهي تقول له

" اسمعني جيدا يا معتز، إن لم تجد حلا لحياتنا هذه، طلقني وليذهب كل واحد منا بطريق "

التوى عنق معتز ينظر لها بحدة دون أن ينطق فقالت له أميرة التي تركت أذنيها معبر لكلمات زرعت في روحها نبة شيطانية من النقمة

" أنت لا تسمع ما أسمعه عن حياة الناس، لا ترى ما أراه، نحن بسبب قلة حيلتك سندفن بالحياة بين جدران شقة والدتك القديمة "

قال لها معتز بحدة

" هذه الشقة أيام خطبتنا كنتي تنامي وتستيقظي وكل تفكيرك في اليوم الذي تخطين إليها كعروس "

قالت أميرة بصوت مرتفع

" كان هذا بالماضي، حين كنت غبية لا تعي ما تلقي بنفسها إليه، حين كنت حمقاء رمت نفسها للفقر دون تفكير " بهتت ملامح معتز وظل يتأملها للحظات قبل أن يقول لها بصوت مصدوم

" أنا فقر "

تجمدت أميرة من هول ما رأته في عينيه ولكن روح التمرد التي تجتاحها جعلتها تقول

" أنت أدرى بذلك "

ثم جذبت ابنتها وابتعدت عدة خطوات قبل أن تلتفت له وتقول

" لا تمر لتقلنا فأنا ذاهبة لمنزل والدي وأنت حين تجد حلًا يمكنك القدوم لأخذي "

تحركت أميرة نحو بوابة المركز غير واعية للقلب الذي أحكمت من حوله مقصلة الكلمات كما أحكمتها حول عقلها حين خدرت منطقها وتغافلت عما لا تعلمه.

༺༻

سلمت سحر طفلها للمسؤول عن استلام الاطفال وتحركت لتغادر دون أن تلقي السلام على من حولها وهي ترمقهم بنظرات مترفعة لتناديها أميرة التي عادت للتو من مطعم الفول والفلافل الذي رفع أسعاره بشكل جعلها تحدث نفسها كمن فقدت عقلها

" سحر ...سحر "

توقفت سحر على بوابة المركز والتفتت تنظر إليها وهي تقول بصوت جاف

" أهلًا أميرة "

نظرت لها أميرة بلوم وقالت

" أهلا وسهلا بكِ، لماذا لا تجيبين على مكالماتي يا سحر، ولمَ لم يعد أحد يراكِ، صرت لا أجدكِ بين الأمهات اللواتي ينتظرن أبنائهن "

قالت سحر

" زوجي لم يعد يقبل ببقائي في استراحة الأمهات جالسة كمن عليها ذنب وتخلصه، لذلك أخذ لنا شقة مفروشة في هذا المكان لأكون قريبة من المركز "

شهقت أميرة بصدمة وقالت بعدم تصديق

" شقة هنا، شقة مفروشة بهذا المكان " امتعضت ملامح سحر وقالت

" نعم وربما نحدث صاحب الشقة قريبًا لنأخذها تمليك، فأنا لم أستقر بعد، ما بين هنا وبين إحدى المجمعات السكنية "

قالت لها أميرة بحسرة

" متى انتقلتي وكيف حدث هذا "

قالت سحر

" منذ شهور، زوجي استلم وظيفة بالمطار وأثبت نفسه وأخذ ترقية سريعة وأصبحت الحياة القديمة لا تناسبنا كما ترين "

قالت لها أميرة بإدراك

" اغتنمتي الفرصة "

قالت سحر ببرود واستعلاء

" لا أفهمك "

قالت أميرة

" أقصد سدن "

قالت سحر

" أنا لا أحد صاحب فضل عليّ سوى نفسي "

همّت سحر بالتحرك لكن صوت صراخ جمد أقدامها وجعلها تغير وجهتها عائدة للداخل.

༺༻

قبل دقائق .....

كانت سدن تجلس بجوار زوجها المنفعل أمام مديرة المركز والتي تتحدث بانفعال أيضًا بينما تقول المترجمة

" طفلكم يحتاج رعاية أكثر من بقية الأطفال لدينا وهذا يحتاج خطة علاجية خاصة تتطلب تكاليف أكثر، لقد وضحت ذلك سابقًا "

وقف زوج سدن يقول بهمجية وقد أسقط ثوب التحضر لتختفي وجهة الطيار اللبقة وتظهر أخرى أكثر غوغائية

" أنا لن أدفع مليم واحد أكثر، أنتم مجموعة من النصابين، هل الأموال التي تأخذونها شهريًا قليلة "

توسعت أعين المترجمة بصدمة وعجزت عن ترجمة ما يقال لتقف المديرة وتطرق على مكتبها بعنف وهي تقول

" غادر حالًا مكتبي وإلا سأطلب الأمن "

رد عليها زوج سدن بالألمانية يقول

" بل أنا من سيلقيكِ خارج هذا المكان " نظرت سدن إلى المترجمة وسألتها بخوف

" ماذا يقولان "

قالت المترجمة

" هي تطرده وهو يتعدى عليها لفظيًا " توسعت أعين سدن بصدمة وجذبت زوجها من ذراعه تجره خارج المكتب وهي تقول برجاء

" أرجوك لا تفتعل مشكلة، لأجل ابنك أرجوك "

نظر لها زوجها بغضب شديد في اللحظة التي انفتح فيها الباب وعبر منه رجال الأمن تاركين المجال مفتوح لسحر وأميرة اللتان وقفنا لتشاهدا ما يحدث ومن خلفهما باقي أولياء الأمور، فقالت سدن بحرج بالغ و خزي شديد

" أرجوك "

هاج زوجها وبدون مقدمات صفعها صفعة مدوية كانت كأنها نزلت على رؤوس الواقفين فزلزتهم قبل أن يصيح بها

" اخرسي تمامًا، أليس كل هذا بسببكِ وبسبب المريض الذي بليتني به، صدقت أختي حين قالت أن بطنكِ لا تأتي إلا بالاموات أو المرضى وأنا لم أعد أتحمل، ماذا أخذت من زواجي منكِ وإنجابي له غير وجع الرأس، لماذا أصبر على هذا الوضع وأنا أستطيع أن أتزوج من الصباح وأتي بدلًا من الولد بعشرة معافين "

قالت له سدن بقهر ودموعها تجري على وجهها وهي تحاول الوقوف

" قلت لك سابقًا أن كل ما يعاني منه ابنك بسببك، بسبب ...

قاطعها زوجها مجددا يصفعها بعنف طرحها أرضًا فتدخل رجال الأمن يكبلونه بينما هو يصرخ قائلا

" أنتِ طالق، طالق ...خذي ابنكِ وعودي لمحل المنظفات الخاص بأبيكِ واجلسي بجواره، فأنا من أعطى لكي قيمة، وأنا من سيحضر سيدتك ويجلسها مكانكِ وينجب منها كل عام طفل وسترين، اتركوني "

خلص زوجها نفسه من رجال الأمن وغادر المكان وسط ذهول و صدمة الجميع، ما عدا أميرة التي كانت كمن أُلقي عليها دلو من الماء البارد فتوسعت عيناها كأنها تفيق على حقيقة تمزق كافة الكلمات التي يبدو أنها كانت مجرد ساتر أعمى بصيرتها، وسحر التي ابتسمت بشماتة واستدارت مغادرة كأن ما يحدث لا يعنيها مطلقًا.

༺༻

بعد ثلاثة سنوات ......

من عمقنا خرجت الكلمات تحجب عري الحقائق، ومن أقصانا خرجت الكلمات تتسلق أكتاف المترفين، ومن مدانا خرجت الكلمات ناقمة وقد ملأتها الظنون فيما لا تعلمه.

༺༻

داخل شقة بسيطة بحي شعبي كان معتز يحمل أريكة ضخمة ويحاول العبور من الباب فتوقفه أميرة قائلة

" انتظر ستجرح دهان الحوائط وأنا لم أفرح بها بعد، أنزلها أرضًا "

أنزل معتز الأريكة وهو يلهث ويقول

" متى سننتهي من هذا، لقد قاربت روحي على الخروج من جسدي من قلة النوم"

قالت أميرة بسعادة وهي تقترب منه

" وهل ننتقل لشقة أوسع كل يوم، دعنا نفرح يا معتز، فالفرح غالي "

نظر لها معتز بنظرة يدعي بها التمنع وهو يقول

" ظنتكِ ستظلين عمركِ نادمة على الفقر الذي ألقيتِ إليه نفسكِ "

التصقت به أميرة أكثر وأحاطت عنقه وهي تقول

" مازلت لم تنسَ، رغم أنك يومها عدت لتجدني في المنزل أنتظرك وأعتذر منك على لحظات طيش لم أكن واعية لها صدقني، لقد عدت إليك أعتذر وكلي ندم على ما صدر مني "

قال لها معتز وهو يحيط خصرها

" وما كان سببه، حتى الآن لا أعلم يا أميرة"

ابتسمت أميرة وقالت

" لا شيء سوى أني وقعت فريسة الكلمات، خدعت يا حبيبي ونسيت أنه رغم ما نسمعه هناك ما لم نعلمه "

قال معتز

" مازلت لا أفهم، لكن ما رأيك في الشقة، هل تستحق أن أمضي على نفسي إيصالات لثلاثة سنوات قادمة "

قالت له أميرة بسعادة

" مادامت تجمعنا سويًا إذًا تستحق، إنها نعمة وعليّ أن أحمد الله عليها دومًا، وأن أتذكر الصفعة لكي لا أنسى الدرس ".

༺༻

اقتربت أميرة من محل المنظفات تراجع الطلبات وهي تحاول أن تتخلى عن الأشياء الغير مهمة حاليا لأن المبلغ الزهيد الذي تحمله لن يأتي بكل النواقص، توقفت قدميها أكثر من مرة وهي تحدث نفسها من شدة التفكير قبل أن تتنهد بتعب وتدخل المحل قائلة

" السلام عليكم "

وصلها صوت من غرفة جانبية يقول

" وعليكم السلام"

قبل أن تظهر إمرأة بسيطة ترتدي عباءة سوداء وتقول

" أأمريني "

قالت لها أميرة

" أريد صابون سائل، وكلور و مسحوق لغسيل الملابس، لكن أولًا ما هي الاسعار لديكم "

لم يأتِ أميرة رد فرفعت عينيها عن المبلغ التي لا تتوقف عن عده رغم أنها تعلم عدده فوجدت المرأة أمامها ترمقها بنظرات لم تفهمها، وبدت ملامحها مألوفة بشكل ما، حاولت أميرة التذكر ولكن عقلها لم يساعدهامطلقاًا لذلك سألت المرأة البسيطة أمامها بشكل مباشر

" هل تقابلنا سابقًا ...أشعر أن وجهكِ مألوف بالنسبة لي "

أسبلت المرأة التي أمامها أهدابها وقالت

" أنا سدن والدة آثر، التقينا في مركز التأهيل الخاص بالأطفال منذ ثلاثة سنوات "

هبط الإدراك على عقل أميرة كما النيزك الذي يهبط على سطح الأرض مخلفًا ذوبعة عنيفة لتقول أميرة

" سدن والدة آثر، زوجة الطيار "

قالت سدن بهدوء

" طليقته "

قالت أميرة بحرج

" نعم أتذكر، كيف حالك وكيف حال آثر"

قالت لها سدن التي كانت كأخرى زال عنها كل شيء سرق نظرها بالماضي، زالت طلتها المترفه، وضوئها الساحر ، وجمالها الملفت ولم يتبق سوى أخرى مكسورة ... مهجورة ....مثقلة ....متعرية الروح

" بخير، نحن بخير "

سألتها أميرة محاولة فتح مجال للحديث معها

" هل مازلتِ على تواصل مع سحر، لقد كانت تجمعكما علاقة قوية على ما أذكر "

ابتسمت سدن وقالت

" كانت حين كان لها مصلحة لدي تجعلها تتسلق عقلي بنعومة الكلمات، لكن حين انتهت المصلحة وتبدلت الأوضاع واحتجت إليها ظهرت المعادن وانفضحت النوايا "

قالت أميرة

" لا أفهم "

قالت لها سدن وهي تتنهد بِهَم

" لقد قصدتها مرارًا لكي تساعدني وتجعل زوجها يبلغ والد آثر باحتياجنا للمال فقد صارا صديقين، كنت أناشد روح الأم بداخلها ظنًا مني أنها تشعر بي وقد مرت بمثل ظروفي من قبل لكنها صارت تتهرب مني ووضعت رقمي على القائمة السوداء، وحين ذهبت لها بنفسي بدت منفعلة وهي تقول لي أنها ما عادت تحتمل إلحاحي، وأعطتني مبلغ وطلبت مني ألا ترى وجهي مجددًا، فتركت المال وغادرت محاولة جمع ما تبقى من كرامتي التي أهينت "

قالت أميرة بحزن

" سحر منذ فتح الله عليها ورزقها تغيرت كثيرًا، لكن هل لي أن أسألكِ سؤالا يلح عليّ منذ سنوات "

قالت لها سدن وهي تبتلع غصتها

" تفضلي "

نظرت لها أميرة بتوتر وقالت

" لمَ حين تعرفنا لم أشعر يومًا أن هناك ما ينغص عليكِ حياتكِ، لقد كنتِ دومًا سعيدة هادئة، كل شيء فيكِ باذخ بشكل يعكس أنه لا ينقصكِ شيء حتى حديثكِ عن زواجكِ كان يشعر كل من حولكِ أنكِ تحظين بعلاقة زوجية مثالية "

ابتسمت سدن وقالت

" كلماتي كانت إدعاء يخفي حقيقة مخزية، كان ساتر أخفي به بشاعة الحقيقة على أن أتقبلها، عليّ من فرط الإدعاء أصدقه لكن كأني تركت الكلمات تتكوم حتى صارت مقصلة والتفت حول عنقي "

ابتسمت أميرة بحزن وقالت

" لستِ بمفردكِ من تلاعب بالكلمات، فسحر كانت تستغلكِ بالكلمات، وكانت تكسرني بالكلمات ...فإن كان للكلمات مقصلة فكلنا وقعنا تحت طائلتها...كلنا ما بين مدعي ومخدوع ومستغل دفعنا الثمن "

قالت سدن بحرقة

" لا أظن أحد دفع الثمن غيري "

ابتسمت أميرة وقالت

" دعيني أقص عليكي إذًا ما حدث لي أما سحر فلنجعل أمرها في خانة ما لا نعلمه".

༺༻

انتهت القصة مع وعد بقصة جديدة أخرى تحت عنوان ( مقصلة الكلمات)


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس