الموضوع: مقصلة الكلمات
عرض مشاركة واحدة
قديم 29-01-24, 09:05 PM   #5

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

طريق معاكس ......

༺༻

لعل كل ما يحتاج إليه الأمر لتحسم قرارك في إختيار الطريق المعاكس هو تدابير القدر لا أكثر..

༺༻

ابتعدت شادن وتتسع ابتسامة ممتنة لرحلتها التي جمعتها يومًا بذلك الرجل الذي لا تصدق أنها رغم كل ما تسبب فيه من تغيير لحياتها لم تعرف اسمه حتى لكن لعله القدر، ذلك الذي حين يعصف بعالمنا يكن كل شيء على وشك التغيير..

وكانت هذه هي الحكاية ....

بداية القصة ????????????

༺༻

كلما ألمّ بنا نضج الحياة أدركنا أن أحلامنا ما هي إلا محض مستحيل حاولنا أن نلمسه في غمار اللاوعي الذي بات هو المساحة الوحيدة الحرة لنا بهذا العالم القاتم، على ورقة بيضاء فارغة كان هناك قلم حائر يخط خطوط مموجة تبدو بلا هدف أونهاية أحيانًا تتقاطع وأحيانًا تتواصل وأحيانًا أخرى تبدو بلا وصف دقيق قد يشملها، خطوط صامتة كصمت تلك التي تريح وجنتها على يدها بعيون شاردة وفي عقلها تدور عواصف من الأفكار التي تجمد في أوردتها الشعور بالحياة كأنها تبث فيها الموت النفسي شيئًا فشيء، تبثه على مهل مستمتعة بأن ترى إنكسارها جليًا على وجهها كما بات جميع من حولها يفعلون ومنذ مدة طويلة لا تظن أنها تذكر في مراحل عمرها الذي شارف على الثالثة والثلاثين سوى تلك المدة، كل تلك السنوات التي كانت تركض فيهما دون هوادة لتواكب أحلامها وتجعل من نفسها شخصية ناجحة طموحة مستقلة تفتخر بذاتها وتثير فخر عائلتها بها باتت محض هباء

فلقب الطبيبة الذي حصلت عليه لم يكن قويًا ليحميها من لقب عانس الذي فتح عليها أبواب نيران المجتمع والأهل.

༺༻

أغمضت شادن عينيها بألم وهي تشعر أن أفكارها الصارخة بح صوتها وغار نصل العجز في عمق قلبها أكثر وأكثر ليقاطع لحظات غرقها الخاصة طَرقْ على باب إستراحة الأطباء التي تجلس بها في انتظار انتهاء دوامها لتترك شادن القلم وتعتدل تنظر للباب الذي فتح وظهر منه الطبيب رامي يقول بإبتسامة لطيفة

" مساء الخير شادن، كيف حالك" أجابته شادن وهي تشعر أن لسانها أثقل من أن يتحرك

" مساء النور رامي، أنا بخير شكرا لسؤالك "

وقفت شادن وحملت حقيبتها واستعدت للرحيل وهي تسمعه يقول

" أين صفا، لقد أخبرتني أنها ستنتظرني هنا "

قالت شادن وهي تتحرك من أمامه لخارج الغرفة

" ربما لديها مرور، يمكنك انتظارها، معذرة منك عليّ المغادرة "

تحركت شادن ليقوقفها سؤال رامي الذي شعرته ثقيل بلا داعي

" هل أنتِ بخير، تبدين مجهدة " تنفست شادن واستدارت لتجيبه بشكل قاطع وتنهي ذلك الحديث الذي لا تستغيثه والذي من المؤكد أنه سيؤجج حقد صفا تجاهها أكثر ليسبقها صوت صفا التي اقتربت منهما تركض وهي تقول بانفعال شديد

" ماذا يحدث "

تجمدت ملامح شادن من سؤالها الهجومي فيما قال رامي بتوتر لم تتبين سببه

" لقد كنت أنتظرك "

قالت له صفا

" لقد أرسلت لك رسالة وأخبرتك أني مشغولة وطلبت منك ألا تأتي للإستراحة "

قال رامي الذي بدأ ينفعل

" لم أر تلك الرسالة صفا، ما بك!؟" نظرت صفا لشادن نظرة أشعرتها بالإهانة وأمسكت يد رامي وسحبته بحدة بعيدًا كما لو أنه أحد ممتلكاتها التي تعيدها لحيز الأمان فهزت شادن رأسها بيأس وقهر وابتعدت بخطى بطيئة وهي تسمع صفا توبخ رامي قائلة

" ألم أطلب منك الابتعاد عنها، كأنك تتحين أي فرصة لتتحدث معها، هذه ليست أول مرة أراكما معًا "

فيجيبها رامي قائلا بحدة

" صفا أوقفي جنونك لقد كنت أبحث عنكِ "

فتجيبه صفا قائلة

" خوفي على علاقتنا ليس جنون، أنت تفهم وأنا أفهم جيدًا ما أرمي إليه "

صمتت صفا لحظة ونظرت لظهر شادن التي تبتعد والتي كانت يومًا أعز صديقاتها ثم قالت بخفوت كسر حاجز كبرياء شادن قبل حاجز سمعها " ماذا هل أصبحت شادن هي أيضًا ممن يركضون خلفك، لعلمك هي لا تفعل هذا لسواد عينيك بل لأن عمرها تخطى الثالثة والثلاثين وحاليًا كل هدفها إيقاع أية رجل يوجد بطريقها أما أنت فهي لا تراك، لا أصدق أنك وقعت في فخ تلك العانس،

أقسم بالله يا رامي إن رأيتك تقترب منها مجددًا ستكون هذه آخر قشة في صرح خطبتنا الهش، كل ما أراه منك قد أمرره وأنا أقنع نفسي أنك اخترتني وفضلتني على كل من حولك لكن حين يتطور الأمر من محض معجبات لفتاة مؤكد تستميت لأجل إمتلاك رجل هنا يكمن الخطر، لأن من مثلها قد تفعل أي شيء...وأعني أي شيء، لتورطك بها وهذا ما لا تفهمه "

ركضت صفا مبتعدة وركض رامي بأنفاسه المنفعلة خلفها وركضت شادن بالاتجاه المعاكس وكل شيء يتساقط منها بعدما إستحالت إلى آلاف الشظايا التي محال أن تجرح أحد سوى نفسها، كم أرادت في تلك اللحظة أن تصرخ كما تصرخ الأفكار في عقلها، أن تواجه وتقف بثبات لكن كيف تفعل وكل ما قالته صفا في ظهرها تهينها به والدتها ليل نهار في وجهها، لقد كانت تملك مرافعة دفاع قوية لكنها كانت ستخرج من عمق قلب هش أوشك أن يؤمن بفشله، قلب حقًا ما عاد يحتمل..

༺༻

أخبر قلبك أن لا نصر بتلك الحياة سيزوره ما دمت لست فيه، فغيابي سيخلف دومًا بك ارتباك يزعزع خطاك عن الوصول إلى وجهتك..

༺༻


فتحت شادن باب المنزل تنشد طريق آمن يوصلها إلى غرفتها بسلام، فبعد يوم شاق من العمل وبعد يوم شاق من كونها عانس تشكل تهديدًا على كل رجل في محيطها ما عاد بها طاقة لترى أو تسمع أو تتحدث لمطلق بشر، أغلقت شادن الباب بهدوء وتحركت بخطى تناسب اللصوص لا أصحاب المنزل متوجهة إلى غرفتها لتتفاجأ أن باب الغرفة مفتوح ووالدتها تجلس على السرير بينما حنان زوجة أخيها تفتح خزانة ملابسها وتقف أمامها تقلب بين محتوياتها باهتمام، انتفخت أوداج شادن بغضب وولجت إلى الغرفة تقول بإنفعال مكتوم

" السلام عليكم، ماذا تفعلان هنا يا أمي، ألم أخبرك أني لا أحب أن يدخل أحد غرفتي في غيابي، هذه مساحتي الخاصة "

قالت والدتها ببرود

"جدي رجل وتزوجيه وحينها سيصبح لكِ بيت خاص، أما بيتي فأنا أجلس فيه أينما شئت لا أحد يحاكمني "

همّت شادن بقول شيء لكنها لجمت نفسها بقوة متحاشية النظر تجاه حنان التي تدرك أنها السبب الرئيسي خلف كل ما يصدر من أمها وأخيها نحوها وقالت

" أمي من فضلك أنا متعبة وأريد أن أرتاح "

التفتت لها والدتها ترمقها بنظرة حادة وقالت

" ترتاحي كيف، ألم أخبرك بالأمس أننا سنخرج "

قالت شادن وهي تلقي حقيبتها أرضًا بغضب

" قلت يا أمي لكني لم أوافق"

قالت حنان ببرود

" أنتِ لا تعرفين مصلحتك حقا أنا احترت بأمركِ وأخوكِ تعب من الحديث معكِ "

نظرت لها شادن بثورة وقالت

" أنا لا أعرف مصلحتي وأنتِ من تعرفيها، لماذا ؟؟ من منا الكبير هنا، ألا يدرك أحدكم أني كبيرة بما يكفي لأخذ قراراتي "

قالت حنان بأسلوب يصب الزيت على النار

" لو كنتِ تعرفين مصلحتكِ حقًا كنتِ قبلتِ بأحد العرسان الذين طرقوا بابكِ قبل أن يمل السائلين وتصبحي في نظر الجميع ...

صمتت حنان تنظر لحماتها قبل أن تكمل حديثها بصوت تدعي فيه الشفقة " تخطيت سن الزواج، لن أقول عانس فهي تضايقكِ "

هزت شادن رأسها بصدمة من جرأتها وغضب من أفعالها وقالت

" وإن كنت عانس كما تقولين فليس لكِ دخل بالأمر، هذه مشكلتي لا مشكلتك "

قالت حنان

" بل مشكلتنا جميعًا، أخوكِ مهموم دومًا بسببكِ، يقول من سيتزوج فتاة قد ينقطع طمثها بعد سنتين أو ثلاثة على أقصى تخمين "

شهقت شادن بصدمة وترقرت الدموع في عينيها ولم تستطع أن تفعل شيء سوى أن تنظر لوالدتها تطلب الرحمة بصمت ذليل لتقول والدتها

" الشاب الذي رتبت من خلال زوجة خالك لكِ معه موعد للتعارف قد يكون فرصتك الوحيدة لتنقذي نفسك من هذا المصير، يا حبيبتي الفتاة وإن وصلت لأعلى المراتب لا يكون لها قيمة سوى بالزواج والإنجاب هذا ما نشأنا عليه وأنتِ ما عاد أحدًا يطرق بابكِ وسيضيع عمرك هباءً وأنتِ تركضين خلف المرضى بأروقة المشفى ثم تعودين لسريرك البارد وحيدة فأنا مهما طال بي العمر لن أعيش لكِ "

كانت شادن في تلك اللحظة تشعر كما لو أن والدتها تضع حول عنقها مقصلة الكلمات ثم تدفعها نحو فضاء بهيم يبتلع أنفاسها لتقول حنان مسرعة " أطال الله في عمرك يا أمي، شادن لا تفهم أننا نفعل ذلك لأجلها لأننا نحبها ونخشى عليها من المجتمع الذي مهما ارتفع فيه شأنها ستبقى عانس جميع الرجال يرون فيها هدفًا سهلًا وجميع النساء يرون فيها خطرًا وشيكًا والأقسى من هذا وذاك أنها لا تعي أن جمالها مع الوقت سيزول وحينها لن يصبح هناك سببا باقيًا لتجذب نحوها رجل "

قالت والدة شادن

" زوجة أخيك إختارت لكِ فستان رائع يشبه ملبس فتيات هذا العصر فهي أصغر منكِ وتفهم في هذه الأمور، ارتدي الفستان يا ابنتي هداكِ الله وضعي بعض مساحيق التجميل على وجهكِ الباهت هذا ودعينا نلحق الموعد وحاولي ألا تعطي فرصة للشاب ليرفضكِ كوني مطيعة هادئة لبقة ولا تجادليه وكل شيء سيمر " قالت شادن بحسرة

" يرفضني "

لم تجبها والدتها التي انسحبت خارج الغرفة لتقترب منها حنان وتقول

" ما تقصده أمي أنها ربما فرصتكِ الأخيرة فتمسكي بها "

تحركت حنان تتبع حماتها وهي تغلق الباب خلفها تاركة خلفها شادن التي ظلت تنظر للفستان للحظات قبل أن تنفجر في البكاء وهي تفكر أن راحتها في هذا العالم باتت كوعد مبتور المشيئة ومستحيل لا جدال فيه، لذلك عليها أن تستسلم لذلك الضغط الرهيب فقد وهنت قوى مقاومتها بعد عمر طويل من المقاومة.

༺༻

إن كان في صدرك ركامًا من الانهيارات فأنا هنا لأعيد إعمارك، فقط امنحيني الفرصة..

༺༻

دخلت شادن خلف والدتها وزوجة أخيها ذلك المقهى الراقي تعلن هزيمتها الكاملة في كل سكناتها التي تضج بالانكسار، لم ترفع عينيها التي أخفضها شعور النقص العتي، لم تتصنع إبتسامة اختفت مع مثيلاتها في دوامة الحزن، لم تكن تشعر في تلك اللحظة سوى بكونها بضاعة قادمة لتوضع في أحد رفوف العرض، رخص بالغ ...ومهانة لكن من هي لترفض أو تثور، كل شيء قد يحتمل ويمر إلا وصمها بالعانس،

تحركت خلفهم منقادة كما تقاد البهيمة للمذبح لا يساورها فضول أو خجل أو توتر، لا شعور إنساني واحد فكل مشاعرها علقت في دنيوية بالغة من القيود الجبرية، شعرت بخطاهم تتوقف فتوقفت لتسمع والدتها تقول

" أهلا يا بني ...سعيدة لرؤيتك، الصور التي أُرسِلت لنا ظلمتك والله، ما شاء الله"

ابتسم الشاب وقال بلطف

" هذا من جمال عينيك سيدتي، تفضلن، ماذا تشربن...أم أطلب لكن شيئًا آخر "

قالت والدتها وهي تمسك ذراعها وتدفعها لتتقدمها بخشونة لم تظهر لعينيه

" هذه الطبيبة شادن ابنتي "

رأت شادن كف رجولية تدخل مجال رؤيتها وصوت يقول

" أهلًا وسهلًا "

رفعت شادن يدها تسلم بخفة قبل أن تسحب يدها وتقول

" أهلًا بك "

عاد الشاب ليقول

" تفضلن لمَ تقفن هكذا "

قالت والدة شادن

" أنا وحنان زوجة ابني سنجلس على الطاولة المجاورة لكما لنترك لكما مجالًا للتعارف وصدقني يا بني أنا سعيدة جدًا بمقابلتك، وأتمنى أن تكون ابني الثاني فقد ارتاح قلبي لك دون سبب "

قال الشاب بلباقة

" هذا شرف لي سيدتي "

همّت والدتها بقول شيء آخر لتقاطعها يد حنان التي جذبتها لتبتعدا وهي تهمس لها

" لندعهما يا أمي، عل الله يهدي ابنتك وتكسب ود الشاب "

سمعت شادن صوت هاديء يقول لها " تفضلي "

همّت شادن بأن تجذب المقعد المقابل له لكنه لم يدع لها الفرصة وهو يسحبه لها في لفتة جعلتها ترفع عينيها تنظر إليه لتجده شاب وسيم أنيق وفي بداية الثلاثينات من عمره هذا إن كانت تجيد التخمين، كان ينظر لها متفرسًا كأنه أدرك أنها ليست مرتاحة لما يدور ليقول

" ماذا تشربين "

قالت شادن

" لا شيء، شكرًا "

قال لها

" لا يصح أن نجلس دون أن تطلبي شيء أم أنكِ بخلية "

قالت له شادن باندفاع

" بالطبع لا أنا لست بخيلة "

ابتسم الجالس أمامها وقال

" اهدئي لقد كنت أمزح "

قالت شادن بحرقة

" تمزح ؟؟ "

شعرت شادن أنها تجلس أمام شخص يستخف بجوهر معاناتها فقالت له

" هل تريد المزاح، حسنًا دعنا نبدأ هذه التمثيلية الرديئة التي ستنتهي بمجرد أن تعرف أني تخطيت الثلاثين "

صمتت شادن تلجم نفسها بصدمة كبيرة وقد تفاجئت مما قالته ليعم الصمت للحظات قبل أن يأتيها صوته يقول

" لماذا تتحدثين عن سنك بتلك الطريقة، سنك تفصيلة واحدة من عدة تفاصيل تكون ذاتك التي تجلس أمامي، تفصيلة لا تعيبك بشيء " شعرته شادن يتمادى في الاستخفاف بها فقالت بحدة

" يحق لك أن تقول ذلك فسن الثلاثين لشاب مثلك هو السن الذهبي، مؤكد أنهيت دراستك وفترة تجنيدك وكونت نفسك وخضت عدة علاقات غير جدية حتى أصابك الممل من حياة الترحال التي تحياها ولذلك قررت الاستقرار كنوع من التغيير وكسر النمطية وبدأت بالبحث عن عروس ذات مواصفات قياسية ترضيك، تريدها أن تفهمك دون حديث تريدها أن تكون قيادية ومستقلة وواجهة اجتماعية جيدة لك وفي نفس الوقت تكون سيدة منزل متفرغة تمامًا لتحمل وتنجب وتربي وتهتم بك، تريدها أن تقف طوال اليوم بالمطبخ لتعد لك كل ما لذ وطاب ولكن تظل تملك جسد عارضة أزياء، تريدها أن تملك علاقات إجتماعية متشعبة ولكن ليس خارج دائرتك، تريدها صغيرة لتربيها على يدك لكن لديها عقل ناضج يتحمل المسؤولية ويتفهم حجم الزواج وكل ذلك صعب جدًا أن تجده في "

سألها بإهتمام بالغ

" وفرضًا لو أن هذا طموحي في شريكة حياتي لماذا ترين ذاتك أقل من ذلك الطموح فأنتِ من المفترض طبيبة و....

قاطعته تقول بحزن فقدت في غماره كافة السيطرة على ذاتها

" وعانس "

أغمضت شادن عينيها بأسى تقول

" لا تجيد التلون كفتيات هذا العصر لأنها أضاعت عمرها بين الكتب، مغلقة على ذاتها باب غرفتها لا تدري عمّا يدور خلف تلك الجدران و لا تدري عن العالم شيء، كل ما تراه نصب عينيها هو طريق طويل يحتاج منها كد وتعب لذلك أفنت نفسها في سبيل الوصول، سبع سنوات دراسة، سبع سنوات من الصراع الذي ابتلعها فنسيت في غماره كل شيء حتى هذا المجتمع الذي لا تحظى فيه الانثى بمكانة لائقة ما لم يكن بحياتها رجل، بل ولأزيدك من الشعر بيت، الأمر تخطى المكانة اللائقة كأن الانثى تفقد هويتها إن لم يؤكدها لجميع من حولها ذكر "

قال لها بخشونة

" من قال لك هذا الحديث "

أجابته بقهر شديد

" الجميع، أمي وأخي، أخي أخبرني أن المرأة إذا كسرت حاجز الثلاثين تصبح في نظر الرجل عجوز لن يتعب نفسه بالالتفات لها، وأن الرجل يريد إمرأة صغيرة ليضمن معها الشباب الدائم لها ولذاته، وأني كلما زاد عمري يومًا دون زواج أصبح كمن تحكم على ذاتها بالعنوسة الدائمة "

صمت محدثها يتأمل انهيارها قبل أن يقول بهدوء بالغ

" شادن، العنوسة قرار ...بل هو قرارك الخاص فإن رأيتِ أنكِ تأخرت في الزواج فحينها فقط ستكونين قد أكدت فكرة العنوسة على ذاتك ومنحت المجال لكل من حولك ليعاملوك من ذلك المنظور، ثم أنا رجل وأؤكد لكِ أن كلام أخيك محض عبث، لا يوجد قاعدة ثابتة في عالم الرجال تقول أن الرجل يحب المرأة الصغيرة بالسن يا إلهي، أنتِ طبيبة، انظري للواقع، الواقع يقول أن الرجال ليس لهم سن محدد في إختيارهم لزوجاتهم، فهناك رجال تزوجوا نساء أكبر منهم بأعمار صادمة ورغم ذلك كانت زيجاتهم ناجحة تمامًا لأن المقاومات التي نشأت عليها تلك الزيجة كانت أقوى من مجرد رقم، كل ما يدور في عقلك الآن، كل ما تسمعيه، كل ما يدور معكِ محض ضغط إن تركت له المجال ليتفاقم ستكونين كمن تدمر ذاتها ومستقبلها وتثبت على نفسها خرافة مجتمعية لا أساس لها "

هزت شادن رأسها بتعب ودموعها تتساقط بغزارة فقال لها

" الزواج ليس له سن محدد، الدين والشرع لم يقولا سوى ذلك وإن كان ما أوصلك لهذه الحالة من الانهيار هو المجتمع فلتعلمي أنه مجتمع رجعي مازال يمارس الضغط على المرأة ليشعرها بالنقص، شادن اسمعيني الرجال ليست جميعها أخاكِ، الرجل حين يبحث عن مرأة لتشاركه حياته، يكن له تطلعات خاصة به فهناك رجل سيريدها ذات ملامح ناضجة وأخر سيريد ملامحها طفولية وأخر سيريد ملامحها حادة وأخر سيريد ملامحها هادئة، هناك رجل يريد الجمال الصارخ وهناك رجل يريد العقل المتفهم، هناك رجل يريد إمرأة حماسية وآخر يريدها هادئة وآخر يريدها ملتزمة فمن الذي اختصر متطلبات الزواج في رقم، قائمة الاشياء التي أخبرك بها أخوكِ ليست مقررة على معشر الرجال وأنتِ تملكين حرية القرار في أن تكملين سعيكِ لتصلي للدرجة العلمية التي ترضيكِ وعليكِ أن تدركي وأنتِ تصلين إلى حلمكِ أنكِ أيضًا فتاة مفضلة لنوع من الرجال مؤكد سيسوقهم القدر نحوكِ لتجدي بينهم ذلك الذي ترتضيه لذاتكِ "

نظرت له شادن نظرة تكذب ذلك الأمل الصارخ في كلماته فقال لها بقوة

" سيأتيكِ ذلك الذي سيراكِ ملائمة له على جميع الأصعدة، السن الشكل المستوى الاجتماعي والثقافي، التكوين النفسي ... الهوايات وغيرها، أنتِ لا يجب أن تفقدي ثقتكِ بذاتكِ وأنتِ إنسانة ناجحة ومكافحة وطموحة ومتفوقة، مؤكد أنتِ تدركين أنكِ في تلك اللحظة التي تجلسين فيها أمامي على مفترق طرق وإختيارك وحده من سيحسم الأمر "

قالت له شادن بتعب

" لا أحد يقبل أن يسلمني زمام حياتي "

قال لها بانفعال

" بالعكس، أنا أرى أنكِ تملكين كامل الحرية في كافة خطواتك، وأكبر دليل على ذلك أنكِ لو قررت قبل جلوسك أمامي أن نخوض تلك المحادثة بشكل آخر من يعلم ربما لكان جمعنا النصيب في أتعس زيجة لأني أبحث عن مجرد عروس وأنتِ تهربين من العنوسة وهذه ليست المقومات التي قد يقوم عليها أي منزل، وربما لو رحلت أنا وظللت أنتِ على قرارك وقابلت رجل غيري بهدف الارتباط ولنفس الأسباب وبالغتِ في ضغطك على ذاتك أكثر حتى أتمتت الزيجة ستكونين كمن تهرب من لقب عانس للقب مطلقة وفي مجتمعنا الرجعي هذا اللقب أكثر سوءًا ولكن تخيلي أن تحمليه وتحملين معه طفل أو أكثر بعائلة مفككة "

عمّ الصمت بينهما لتقول شادن

" كم تمنيت أن أسمع ذلك الحديث من أشخاص آخرين "

قال لها

" شادن أنا أتمنى أن تملكي الإرادة لتحيي الحياة التي تستحقيها وأنتِ تؤمنين أن نصيبكِ سيأتيكِ حين يأذن الله، النصيب لا يأتي كرهًا، وهناك أرزاق لن يقبل لكِ الإسلام أن تسعي إليها مادام ذلك السعي سيعرضك للذل والمهانة، فالإسلام دومًا ما أراد المرأة عزيزة مطلوبة، الإسلام كرم المرأة ورفع قدرها فكيف ترضخين لمجتمع يقل من قيمتها ويختزلها في إطار الزواج، ماذا لو تزوجت وأنت على مشارف الأربعين أو الخمسين، أين المشكلة ...لا توجد مشكلة سوى في عقول البشر من حولك "

كلماته تغزو روحها المنطفئة حتى وصلت إلى عمق بعيد من الطاقة الكامنة فزادتها هياجًا وإيباءً لتنتفض شادن واقفة فوقف محدثها بدوره يقول لها بلطف

" أسف لوضعك بهذا الموقف شادن، أنتِ تستحقين ما هو أفضل من تعرف المقاهي هذا "

نظرت له شادن بإمتنان ثم قالت

" شكرًا لك "

أخذت شادن نفسًا عميقًا وأمسكت بحقيبتها تستجمع شتاتها ثم تحركت بخطوات ثابتة تجاه طاولة والدتها التي رفعت وجهها إليها بلهفة تسألها " هل كل شيء بخير "

نظرت شادن لوالدتها لوهلة ثم قالت بقوة استمدتها من كل قهر وحزن و من حرقت كل كلمة ألقتها في وجهها ككرة نار متأججة دون أن تبالي

" مؤكد يا أمي كل شيء بخير ما دمت بصحة وعافية ومنة ورفعة من رب العالمين، كل شيء بخير لأن الله خلقني في أحسن صورة فلم يرسلني لتلك الدنيا بعيب أو نقص يجعلني أرخص ذاتي لأي رجل حتى إن كنت كسرت حاجز سن الثلاثين وبت معيوبة حسب ظنك فهذه وجهة نظرك التي أرفضها منذ الآن رفضًا تامًا وقاطعًا، أنا من تلك اللحظة حرة مادمت لا أضر أحد، أرفض من شئت وأقبل من شئت وأظل دون زواج في الحياة كيفما شئت وأسعى خلف كل ما يجعلني معززة مكرمة، أنا من كرمني الله ورسوله لن أسمح لمطلق بشر أن ينتقص من قدري لأن الله أراد لنصيبي أن يتأخر قليلًا وأنا راضية بذلك وكل من لا يعجبه الأمر فيريني كيف بإمكانه أن يعترض على إرادة الله "

وقفت والدة شادن تنظر لها بصدمة وهي تقول

" شادن أخفضي صوتك "

ارتفع صوت شادن تقول بغضب

" ليس بعد اليوم أمي، أنا لن أسمح لأحد بعد هذه اللحظة أن يجعل أيامي في الحياة ثقيلة سوداء لا تمر لأني لم أتزوج، لن أسمح لأحد أن يثبط عزيمتي عن تحقيق ذاتي والوصول لأحلامي التي اجتهدت كثيرًا لأجلها، لن أسمح لأحد أن يقرر عني أي شيء أو أن يضعني تحت الضغط لأي سبب، أنا لن أسير خلفك أو خلف غيرك لأعرض ذاتي على أي رجل لن أهين كبريائي باستسلامي لتفكير هذا المجتمع الرجعي، أنا من اليوم حرة ذاتي ولا أحد يملك في أمري شيئًا سواي ما دمت لا أتخطى حدود الدين والأخلاق ....

قاطعتها حنان تقول

" شادن أنتِ هكذا تتسببين لذاتك بفضيحة و....

التفتت شادن تنظر لها بقوة وقالت

" أنت خاصة وكل مثيلاتك لا مساحة لكن في حياتي، من هذه اللحظة أنا لا أريد أن أعرفك، ولتعلموا جميعًا أني أسكن منزل والدي أي منزلي وسيظل كذلك وإن بلغت الثمانين وصار لدي عشرة أطفال، أي شخص سيحاول أن يشعرني بالغربة داخله سيجد مني رد رادع وقوي "

نظرت حنان لوالدة شادن بغيظ كأنها تطلب منها بصمت أن تسيطر على ابنتها لكن شادن لم تدع لهما الفرصة وهي تستدير نحو طاولة ذلك العريس فلم تجده كأنما انشقت الأرض وابتلعته ...كأنه لم يكن موجود من الأساس فتأملت مقعده وهي تبتعد بخطى واثقة ثابتة قررت ألا تهزها ريح الكلمات الجارحة أو يزعزعها انتفاضة قلبها المنكسر والذي ستبدأ من هذه اللحظة في إعادة ترميمه لأنها تحتاج إلى أن تحفظه سليمًا معافًا إلى أن يصل صاحبه والذي مهما تأخر لن تحزن أو تفقد الأمل فلكل شيء بالحياة موعد ومؤكد موعد السعادة قريب جدًا.

༺༻


أنت حرب سطر على جبيني أن تدور من حولي وأدور في فلكها حتى يوقف أحدنا تلك الدائرة فإما أن تنهي حياتي وإما أن أنهيها لأبدأ حياتي..

༺༻

بعد سبعة سنوات .....


تقف شادن أمام مكينة القهوة في أحد إستراحات مطار القاهرة الدولي، وهي تصب كافة تركيزها على هاتفها الذي تشاهد من خلاله مقطع جراحي شديد الدقة، كانت تبدو أخرى غير تلك المهزوزة المضغوطة الخاضعة التي كانتها من سبعة سنوات، كانت أخرى واثقة بذاتها أنيقة ملامحها ازدادت نعومة كأنما العمر انهزم أمام صمودها وقرر ألا يحاربها أكثر، كانت كل سكناتها تشع هيبة ورقي، كانت أنثى ولدت من رحم المعاناة فأضحت قوية لا يشق لها غبار تسرق الانظار أينما ولت وجهها الذي ارتفع حين سمعت صوت الماكينة التي انتهت من إفراغ القهوة فحملت شادن الفنجان بيدها الحرة واستدارت لتتفاجأ أنها تكاد أن ترتطم بشخص

فأبعدت يدها التي تحمل القهوة بسرعة وهي ترفع عينيها إليه وتقول بجدية

" عذرًا منك "

همّت شادن بإكمال طريقها ليوقفها ندائه المذهول

" شادن "

التفتت شادن تنظر إليه بعيون ضيقة تتأمل هيأته التي تميل للعبثية وقالت بهدوء

" عفوًا، هل أعرفك "

قال لها

" هل لا تذكريني حقًا "

ولته شادن كامل اهتمامها وهي تضع هاتفها في جيب بنطالها الكلاسيكي الأنيق وقالت

" هل أنت أحد مرضاي "

ابتسم بإتساع كأنه يستعرض وسامته البالغة ثم قال بخفوت

" أنا ذلك العريس من المقهى، أرجوكِ قولي أنكِ تذكرتِ ولا تجبريني على تذكيركِ"

علقت أنظار شادن بملامحه لتقول بإدراك

" أنت هو "

ابتسم لها وقال

" كيف حالك وماذا تفعلين هنا " قالت شادن بتوتر

" أنا لدي مؤتمر وطائرتي بعد ساعة "

قال لها

" أرى أنكِ وصلتِ لما كنتِ تحلمين به "

قالت شادن

" نعم فعلت، هل وجدت أنت عروسك المنشودة "

قال لها بمزاح

" لا لم أجدها ففي الحقيقة منذ خرجت من ذلك المقهى قررت أني لست مستعد للإستقرار وأن مجرد ميلي للفكرة ليس كافيًا لأخوض تجربة جدية كتجربة الزواج وأني يجب أن أملك دوافع أقوى لخوض تلك التجربة، لقد رأيت أني محظوظ أني لا أتعرض لضغط المجتمع وأني أملك القرار الذي يجعل أمامي الفرصة متاحة دومًا لذلك قررت أن الوقت لم يحن بعد وعلى ما يبدوا أنه مازال قراري "

ابتسمت شادن بذهول وهزت رأسها وهمّت بقول شيء ليقاطعها صوت رجولي يقول

" شادن ابنتك تريد أن تأكل حلوى للمرة الثالثة أنا أفقد السيطرة، النجدة من فضلك "

ابتسمت شادن بسعادة وهي تنظر لرؤوف الذي يقترب منها وهو يحمل خديجة ذات العامين ونصف بعيون تختزل دفء الكون وحبه في وجهيهما الذي أعطاها أكبر درس في العوض الرباني حين يدرك مؤمن ليقول رؤوف

" أنتِ من أصر أن نرافقك للمؤتمر إذًا تحملينا "

أحاط رؤوف خصرها بحركة دافئة لتقول له

" يبدو أنه كان قرار خاطيء، لمَ لا تعودان للمنزل الوقت لم يفت بعد " قال لها مغازلًا

" سنعود إذا عدتِ معنا "

ضحكت شادن بإنطلاق لينظر رؤوف للرجل الواقف أمامهم ويقول

" هل السيد زميل لكِ بالمؤتمر " نظرت شادن للوجه الذي يتأمل المشهد بسعادة وهّمت بالرد ليأتي رده أسرع

" كنت أتمنى سيدي لكن أنا محض رجل يحتاج لكوب قهوة وكادت زوجتك أن تسقيه لملابسي لكن تداركنا الأمر "

ضحك رؤوف وقال له

" هي وابنتها كوارث متحركة " نظرت شادن لوجه زوجها تدعي العبوس ليقول لها

" لنحل مشكلة ابنتك أولًا وبعدها نتفرغ لذلك الصلح "

دفع رؤوف شادن لتتقدمه لتلتفت بعنقها للواقف خلفها وتقول بصدق شديد

" شكرًا لك "

ابتعدت شادن تسمع جدال رؤوف وخديجة وفي عينيها تلمع دموع مليئة بالرضا والسعادة والحب وعلى شفتيها تتسع ابتسامة ممتنة لرحلتها التي جمعتها يومًا بذلك الرجل الذي لا تصدق أنها رغم كل ما تسبب فيه من تغيير لحياتها لم تعرف اسمه حتى لكن لعله مجرد صدفة بحتة، تلك التي حين تعصف بعالمنا يكن كل شيء على وشك التغيير..

༺༻

الى لقاء في قصة قصيرة أخرى تحت عنوان مقصلة الكلمات

فكما هناك كلمات تقتل روحنا ببطء هناك كلمات تحيينا

ويظل دائمًا القرار بيدنا في تقبل وقع الكلمات ......

شهيرة محمد ????❤️❤️


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس