عرض مشاركة واحدة
قديم 29-04-08, 05:35 PM   #5

monaaa

نجم روايتي وعضوة في فريق التصميم

 
الصورة الرمزية monaaa

? العضوٌ??? » 4165
?  التسِجيلٌ » Mar 2008
? مشَارَ?اتْي » 12,874
?  نُقآطِيْ » monaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond repute
افتراضي


ابتسم لابنته .. لقد خدعه تماماً كلام آينر الجرئ، فقالت بلطف: لكن كتابك يا أبي؟
- لست مستعجلاً عليه .. أليس كذلك؟
كانت تعلم أن الواقع عكس ما قاله لكن إحساسها بأنها ستعود الى العم ثانية حيث ستختلط بالناس كان له كبير الاثر في إغرائها بقبوله.
تابع آينر: سندفع لك بالطبع أجراً جيداً في الساعة.. فنحن آل لوكربي لا نبخل بمالنا.
توقف عن الكلام فجأه وأخذ ينتقل ببصره من الاب الى ابنته منذكراً إعاده الشيك .. لو أن كلامه فهم على غير ما هو لخسر كل قضيته الان.
تدخلت بروك بسرعة على امل نزع فتيل أي وضع متفجر قد ينتج عن كلام غير موزون: ونحن آل ستون لسنا متسولين سيد لوكربي .. فلدينا كرامتنا أيضاً.
هز والدها رأسه موافقاً فرد آينر وهو يرفع طوله الفارع عن المقعد: أنا مسرور جداً لسماع هذا ، فلكل عائلة كرامتها وولاؤها.
أكملت بروك: وحبها لبعضها بعضاً أيضاً.
- وهذا بالتأكيد هو الأهم.
بدا تقدير ستانلي لذلك الرجل واضحاً من خلال مصافحته الحارة، حيث قال له: عد ثانية يا آينر .. نادني ستانلي دون القاب.
- فليكن ستانلي إذن. وسأعود لزيارتكم بالتأكيد.
التفت الى بروك: يجب ان أسألك هل ستوافقين على مساعدتنا؟
هزت رأسها بالموافقة، فأضاف: وهل سيناسبك الغذ؟ نحن نبدأ العمل في السادسة صباحاً .. لكننا لن نتوقع قدومك قبل التاسعة والنصف.
- سأكون هناك.
عند الباب سأل والدها: هل ستانلي اسمك الحقيقي؟ أم انه اختصار لاسم ستانفورد؟
فضحك الاستاذ: في الحقيقة لا .. إسمي الاصلي ستان ستون وهو اسم مضحك إذ كان لوالديً روح مرحة فسمياني بهذا الاسم!
قهقه آينر لوكربي عالياً، وكان لا يزال يهتز من الضحك عندما وصل الى باب الحديقة حيث ظهر أمامه الفان الاحمر من جديد !

دوامـــــــة المشــاعر


كانت الساعة تقارب التاسعة والنصف عندما أوقفت بروك سيارتها في موقف المحطة، وكانت قد اتفقت قبل خروجها من المنزل مع السيده هاملتون على أن تقدم الاخيرة لوالدها وجبة الطعام. أحست بقليل من التوتر لعودتها الى العمل ثانية. وهي نظراً لطبيعتة العمل قد قررت ارتداء جينز وقميص بدلاً من فتسان في هذا النهار الحار. عندما وصلت رأت ان السائقين ينتظرون بصبر دورهم للوصول الى مضخات التعبئة. وبدا ان اشعة الشمس قد بدأت تجذب السواح الى المخيمات والى المناطق السياحية. صدر صوت عن إقفال البات، وتذكرت بروك آخر مرة كانت فيها في ذلك المكتب، يومذاك أجفلت الفتاه الجالسة وراء الطاولة عندما سمعت بروك تذكر اسم آنـدي وهذا أمر لا عجب فيه الآن، لأنها بمناداتها له بتك الطريقة أوحت لها بوجود علاقة حميمة بينهما. في هذه المرة شغل المقعد رجل في أواخر العشرينات من عمره، يرتدي قميصاً طبع عليه كالعاده بالاحمر كلمة "لوكربي". وما ان دخلت بروك حتى رفع الرجل رأسه وعلى وجهه انفعال غاضب بدل الترحيب .. بدا وكأنه أدرك أنها ليست زبونة. ولعله قد أحط علماً بوصولها !
سألت: سيد لوكربي؟
كان له تقريباً طلعة أخيه البهية، لكنها طلعة خالية من القوه .. فوقف وهو يقول: تود لوكربي .. أنا مسرور لقدومك أخيراً، لقد فتحنا أبواب البيع منذ الثامنة صباحاً، وأنا احاول إكمال العمل. أنت الانسة ستون اليس كذلك؟ شكراً للسماء. ضعي أشياؤك في مكان ما وسأعطيك درساً سريعاً عن كيفية العمل.
- سأقوم بهذه المهمة بنفسي يا تود. تابع عملك في خدمة الزبائن.
أجفلت بروك .. من أين دخل آنـدي دون أن تحس به؟ ربما دخل من جهة المقهى، لا بد من وجود مدخل خلفي. حدقت في وجهه.. وهي تفكر كم من الزمن مر عليه منذ ان رأته؟ يبدو لها وكأنها سنوات. وهو أيضاً كان يرتدي قميص لوكربي، كما يرتدي سروالاً ملطخاً بالشحم والزيت يتدلى من أحد ديوبه مفتاح البراغي. مدير أم .. أنه هنا في العمل! انحنى فوقها واضعاً يداً على الطاولة، وأخرى على مؤخرة كرسيها. ابتسم لها ابتسامة جانبية أرقصت قلبها وجعلت فمها يرد الابتسامة بأخرى. تحرك تود مبتعداً، دون ان تتاح له فرصة الاعتراض على تلقي الاوامر ضمن دائرته الخاصة. دخل زبون ليدفع بواسطة "بطاقة الاعتماد" ، فشرح لها آنـدي كيفية التعامل مع بطاقة كهذه ثم دخل آخر فدفع نقداً، وآخر فضل الدفع بواسطة شيك .. ولم تمض فترة حتى فهمت بروك كيف السبيل الى التعامل مع الوسائل المختلفة في قبول الدفعات. عندما انهى الدرس، أحست بروك بالإحباط.. فلم يعد آنـدي واقفاً قربها. لم تعد ذراعاه القويتان الخشنتان من جراء الشعر الاسود تلامسان ذراعها وهما تتحركان ليدلها على نقطة نسيتها. كان الزبائن يدخلون واحداً تلو الأخر أمام ناظري آنـدي الذي راح يراقب طريقة معاملتها لهم. وبعد حوالي العشرين دقيقة، بدا راضياً عن تصرفها الناجح. لما تهيأ للمغادره كان قد خف قليلاً تدفق سيل الزبائن. اقترب منها ثم توقف في الجهة المقابلة من الطاولة ونظر إليها قائلاً: لقد سمعت أن والدك قبل اقتراح مساعدتك لنا دون اعتراض.
- أدهشني موقفه أنا ايضاً ، لكنني أخال سحر والدك قد قدر على اخراجه من طبعه، إن لوالدك شخصية رائعة.
أخرج المفتاح من جيبه، وضربه على راحة يده وقال عابساً: انا سعيد لإعجابك به .. إنه ليس في عافية تامة.
ترك تود المكتب فائلاً إنه سيعود بعد دقائق .. فقالت بروك: يبدو أنك تحب والدك جداً.
- أجل .. بم تشعرين الان بعد عودتك الى الحياه العمليه من جديد؟
- يا له من شعور عظيم. إن العمل المنزلي أشبه ما يكون بالحجز وأنا الان بدأت اشتاق الى صحبة من هم في مثل سني لذا أشكرك على صنيعك.
فابتسم لها: لست أدري لماذا ازعجت نفسي .. مع العلم أنك الفتاه الاولى التي ترفض الخروج برفقتي.
عاد تود الى المكتب ضاجاً، ونظر بتوتر الى ظهر شقيقه: أمازلت هنا؟
لم يرد آنـدي، فوجه كلامه لبروك: احترسي من أخي الاكبر آنسه ستون. فمن عادته أن يأسر بكلامه المعسول قلب كل أنتى تقع تحت ناظريه.
ضرب المفتاح بقوه أكبر على راحة يد آنـدي، ثم أضاف بإصرار: إنه ذئب آنسه ستون .. ذئب يتخفى بثياب ميكانيكي.
نظرت بروك الى آنـدي، وقد أزعجها كلام الاخ الاصغر. ولم يفتها ما وراء كلامه من معان كما لم يفت آنـدي منه شيئاً. وأضاف تود: قد يكون ذبئاً متخفياً بزي أنيق .. وهذا يعتمد على الدور الذي يلعبه، عندما يلاحق فتاه ما. وضع حداً لهذا الخصام الذي افتعله طرف واحد دخول زبون ولما أقبلت بروك على استقبال الزبون خرد آنـدي. عند الظهر، أبلغها تود أن لديها ساعة للغداء. وعندما تعود سيذهب لتناول غدائه. ولما حاول أن يدلها على مكان المقهى أخبرته أنها تعرف المكان فكان أن نظر إليها بحيره، ثم هز كتفيه. اختارت طاولة تقع قرب النافذه، فراحت تتناول اللحم والسلطة اللذين حملتهما من طاولة خدمة الطعام الرئيسية. أخذت تنظر من النافذه لتشاهد عربات لوكربي تصل وتغادر بحذر فوق الارض غير المستوية. إحدى هذه الشاحنات ذكرتها بتلك التي أوصلتها بقياده ذلك السائق المتعجرف الضاحك في ذلك اليوم الحار. وبينما كانت تفكر فيه إذ به يدخل. فوقعت السكينة من يدها، التقطتها بارتباك.. رمقته ورأسها الى الاسفل بينما كان هو يدفع ثمن طعامه تاركاً الفتاه تضحك على نكتة قالها لها. حاولت بروط دون جدوى أن تتظاهر بعدم رؤيته. لكنها سمعته يقول: لا رمال امامك لتخفي رأسك، فاستخدمي الطعام الذي في طبقك!
ثم در كرسياً ليجلس أمامها على الطاولة ويكمل: كنت تفكرين بالشيطان فحضر؟
فرفعت رأسها ونظرت إليه: أجل.
- أكانت افكاراً جيده أم سيئة؟
- كانت مزيجاً من النوعين معاً. فقد تذكرت ذاك اليوم الذي أوصلتني فيه الى بيتي مدعياً أنك نكرة. ويا لك من نكره! نكره تدير عملاً ضخماً وتملك أفخم السيارات وأغلاها ولها القدره المذهلة على تغيير جلدها من ثوب مدير نافذ القوه الى ثوب عامل يصلح السيارات.
أحنى رأسه فوق وجبته الخفيفة المؤلفة من الخضار المسلوقة وقال:
شكراً لك سيدتي .. عندما سأحتاج في المره القادمة الى توصية. سأعطي اسمك للسائل. هذا إن أذنت سيدتي!
ابتسمت عيناه، فغاص قلبها وهو يردف: لكن السيارات وحدها التي أعرف إصلاحها، بل الشاحنات أيضاً، فلا نملك شاحنة أعجز عن تصليحها، فعند الحاجة ترينني أرتمي تحتها بغية إصلاحها.
- وماذا عن شقيقك الذي لا يبدو أن له ذكاءك أو موهبتك أو حماستك.
- إذن لقد لاحظت هذا! أنت مخلوقة ذكية لتكوني إمرأه ..
وضع يده على يدها وقد كورت منديل الورق لتقذفه به، قال: أنت تتناولين الطعام مع الرئيس فأحسني التصرف.
كانت المرأه التي على الصندوق تراقبهما، لذا احمر وجه بروك وقالت: آسفة يبدو أن نصف الموجودين وزوجاتهم يرمقوننا بنظراتهم.
- لا عجب في ذلك، لأنه لم يحدث أن هددت موظفة رئيسها بضربه بشئ ما على رأسه.
بدا عليها الخجل، لكنها لم تستطع منع ابتسامة وهى تقف لتذهب، وانقلبت بسمتها الى بسمة استفزازية: أرجو أن تعذرني سيد لوكربي .. فأنا أخشى أن أتأخر في العوده وهذا لن يفيدني في يوم عملي الأول حتى وإن كان "الرئيس" هو من أخرني !
وقف نصف وقفه تأدباً ثم قال: هل تخرجين معي الليلة؟
اعتمت تقطيبه عينيها : أظنني أخبرتك بأن والدي لن يعجبه..
فقاطعها بجفاء: إنسي ما طلبته.. وعاد الى طعامه.
عندما عادت الى المنزل كان والدها وحده غارقاً في عمله لا كما تصورته غارقاً في القلق الذي يبدو أن احداً لا يشعر به سواها.
- هل عملت كثيراً ؟
- ليس كثيراً .. لقد شغلني البحث وقتاً طويلاً فأنت تعلمين مدى اهتمامي بانتقاء المفردات .. حسناً كيف كان يومك الاول يا ابنتي بعد سنين من البقاء في المنزل؟
- كان العمل ممتعاً للغاية وإن كان لا يتعدى قبض الاموال من الزبائن، فالعقل لا يكاد يقوم بأي نوع من عمليات الطرح والجمع إذ يحل محله آله تقوم بالمهمة!
- تقنيات عالية .. اليس كذلك؟
عندما هزت رأسها، أخذ يتمتم وكأنه يلعن كل من هو مسؤول عن وضع الالكترونيات والتقنيات قيد الاستخدام بدل الانسان، وعاد الى عمله.
- أتريد فنجاناً من الشاي يا أبي ؟


فرد أنها فكره رائعة .. وقال لها وهي متجهة الى المطبخ أن تتناول غداءاً جيداً.
بينما كانت تشرب الشاي، ووالدها يعمل، فكرت في دعوه آنـدي لها .. تلك الدعوه التي تمنت لو قبلتها. والتي لا تشير الى خبث بل صداقة خالية من الارتباطات العاطفية .. ولكن هل ما تطلبه هو الصداقة؟ أليس التورط مع رجل كهذا هو ما تشتهيه، وما ستقبله بكل شوق إذا ما عرضه؟! تنهدت ثم وقفت تضع الفناجين والابريق فوق الصينية في طريقها الى غسلها. بعد أن انتهت من تجفيفها آلياً، تمنت لو يصبح عملها في شركة لوكربي دائماً، أو أنه لا ينتهي عندما تدق الساعة معلنة الثالثة تماماً.
كانت تنظف الصحون مساءاً عندما حدقت الى الخارج حيث تراءت لها الشمس تؤذن على المغيب وكأنها تقبل على صمت مطبق. فليل الصيف رغم الحركة التي فيه، يبدو لها فارغاً..
بينما كانت تتأمل الفضاء الرحب والطريق الممتده أمامها، شاهدت سياره ضخمة تقف خارجاً. لم تصدق عيناها ما رأتاه فالرجل الواثق من نفسه، الداني من المنزل ليس الا هو!
ركضت تفتح الباب وفي غمره حماسها نسيت أن تخفي شوقها إليه ..
لم تستخدم سوى القليل لمنعه من الدخول: لقد قلت لك .. لا لن أخرج معك لآنني ..
وضع إصبعه على فمها: لم تقولي لي " لا " أو " نعم "، قلت فقط إن والدك.
بحركة سريعة أشارت أن والدها قد يسمعه.. سألها بحركة من شفتيه إن كان يستطيع الدخول، فأجابت بالطريقة ذاتها: آسفـة ! وتنحت جانباً لتدعه يدخل.
توجه بخطى واثقة الى غرفة الجلوس .. أحست بالذعر وتمنت أن يكبت والدها غضبه عند رؤيته، فتبعته مسرعة..
- مساء الخير أستاذ ستون
- مساء الخير سيد لوكربي ..
كان رداً رسمياً مدروساً، غاص قلبها فهي تعرف خير معرفة طباع أبيها، وهو في هذا الوقت يبدو في مزاج غير رائق ..تقدمت لتقف قرب آنـدي الذي قال :
- أتيت أطلب إذناَ منك في استعاره ابنتك.
التقت عينا الاستاذ المظللتان بالالم بالعينين الرماديتين الناظرتين إليه من علو. لكن رد ستانلي كان عنيفاً كما كان جسده فيما مضى:
- هل لي أن أسألك عن هدفك من وراء ذلك؟
- هدفي هو فقط أن ترافقني في نزهة مسائية. أما بشأن نواياي فهي شريفة.
أجفل ستون قليلاً .. فهل خيل له مستقبلاً يعيش فيه وحيداً ؟ وهل إحساسه بأنه لن يقدر على الاحتفاظ بابنته له للابد أخافه!
أدار رأسه إليها ببطء .. لكنه قبل أن يسأل أو ترد قرأ في عينيها كل ما يحتاج لمعرفته. أدار وجهه لآنـدي: كــم ستطول هذه النزهة الليلية؟
التفت آنـدي الى بروك وقال: السؤال لكٍ
فأجفلت وقالت: ساعة، أو ساعتين .. لست أدري، إنها فكرته لا فكرتي!
تنهد تنهيده لا صوت لها، لكنها ملأت رئتي ستانلي ثم أفرغتهما وكأنه يواجه شيئاً قرر منذ زمن الا علاقة له به، الشباب، الحركة، والتمتع بالحياه، قال: إن كنت تريدين الخروج يا ابنتي فلك ذلك.
أحست برغبه في رمي ذراعيها حول عنقه لتأكيد شكرها له. قال آنـدي: احضري معك ستره أو أي شئ آخر.
فهزت رأسها وأسرعت الى غرفتها بينما وقف آنـدي ينظر الى الرأس الرمادي المنحني وفي عينيه كل التعاطف والمشاعر، لكن الاستاذ لم يرَ منها شيئاً!
قال آنـدي: شكراً لك استاذ ستون
- على ماذا سيد لوكربي؟ على رفقة ابنتي؟ إنها تستاهل كل خير وبالنسبة لي رفقتها لا تقدر بثمن.
سمعت بروك الحديث المتبادل، فوقفت تراقب من مكانها، فهل تفوه والدها بهذه الكلمات بدافع التملك أم التحذير؟
تقدمت لتقول: ساعتين فقط يا أبي .. هذا كل شئ
- تمتعا بنزهتكما ..
ظلال الشمس الآفلة بدأت تلقي بنفسها فوق قمم أشجار التلال مسببه بذلك ظلاماً راح يكتسح السهول الممتده حولهما.
لم تكد تصدق بروك أنها حقاً تجلس الى جانب الرجل الذي أسرها وشغل بالها منذ أول لحظة التقت فيها عيونهما.. وسألته: لم تشرح لي بعد سبب مجيئك لأخذي؟
هل حقاً ترغب في الشرح؟ ألا يكفيها انهما هنا معاً ! فهذا بحد ذاته حلم، والمجنون وحده يمزق الحلم ليكتشف مما هو مصنوع!
- لقد قلت إن والدك لن يعجبه الامر، وكان هذا تحدياً لم استطع مقاومته.
إذن السبب تحدٍ ! .. ولا شئ آخر .. حسناً .. تنهدت ثم راحت تتأمل المناظر التي تمر بهما .. كانت غبيه! لقد مزقت حلمها بيدها فإذ بها تجده أوهى من خيوط العنكبوت ..
قال لها: نظريتك لم تقاوم الريح القادمة، أما نظريتي القائلة بأن كل الحواجز قد تذلل فقد حطمت العوائق التي كانت لتعيقها.
كانا يمران قرب نهر الهمبر على الشاطئ الشمالي لبحيره أونتاريو وقد بدأ الضباب يتكون .. يخفي نصف الظلال من حولهما ويضفي الى جمالها بعض الغموض. استدار آنـدي بسيارته بحده ولم يطل الوقت بهما حتى أشرفا من بعيد على أجمل منظر في العالم.. منظر وادي نهر الهمبر الممتد الى البحيرات.
- هل زرت المكان من قبل ؟
- مره واحده عندما قدمنا الى هنا. لقد دفعت بكرسي والدي في الحدائق حتى أشرفنا على منظر النهر.
أوقف آنـدي السيارة وقال: تعالي .. فلنتمشى .. لكن ضعي سترتك على كتفيك فالطقس بارد هنا.
ارتدت سترتها فوق فستانها الصيفي الزهري اللون وتبعته، فاستدار منتظراً إياها.. ماداً يده التي امسكت يدها بتملك فابتسمت له والسعاده تضج في جسدها، ورد لها الابتسامة ضاغطاً بإصبعه على قمة أنفها.
سارا صعوداً الى أن وصلا الى قمة تلة تشرف على الوادي الاخضر الناعم الممتد بمرجاته المزدانة بالازهار المختلفة اللون بين الشجيرات .
جر آنـدي بروك خلفه مبتعداً عن طريق الأقدام الى بقعة منعزله فيها، خلع سترته ليفردها على الارض، فجلس فوقها وربت على الارض الى جانبه بيده .. ولم تنتظر بروك دعوه ثانية، إذ جلست قريبة منه فشعرت به مسترخي العضلات، جائل العينين في الاشجار المنتشره حول التلال، وكأنه يحاول أن ينهل من جمال المنظر وجلاله.
أما هي فلم تستطع كسب شئ من هذا الهدوء الداخلي، وأنىً لها ذلك وذراعه تلامس ذراعها، باعثه فيها من قمة شعرها الاشقر الحريري الى أخمص قدميها شعوراً دافئاً بالتجاوب لقوه جاذبيته التي تنبع من جسده. افكارها لم تقدر على الشرود والطواف بعيداً كما كانت أفكاره. والمشاعر التي تعتمر بطريقة تغض هدوء نفسها كانت جماليه فنية لكنها مع ذلك لم تخل من مشاعر جسدية .. كانت تريد اهتمامه، كل اهتمامه لها وحدها .. آه لو تمد يدها لتلامس ..
- لقد بدأ النهر يختفي في الضباب، إنه مكان شهير للحب في التاريخ.
كتمت بروك تنهيده، معلله نفسها بالصبر لتتوافق مع قطار أفكاره، لكنها أخطأت التعبير عندما قالت: إنه مكان رائع لهروب الاحبة.
فاستدار إليها مبتسماً، ماداً ساقيه .. تدعم يداه جسده: وهل توافقين على الهرب مع الرجل الذي تحبينه؟
انصب اهتمامه كلياً عليها في هذه اللحظة لكنه اهتمام فيه شئ من تعقيد لم تستطع فهمه فأجابت على سؤاله ببطء: ضد إراده عائلتي ؟ خاصة إذا كانت مكونه من فرد واحد وحيد .. كيف استطيع ان اشرح لك؟ السؤال لا مجال لطرحه .. أليس كذلك؟
- لا .. لا مجال لطرحه
سادت لحظات صمت، ثم جلس وأدار رأسه إليها ليضغط مره أخرى بإصبعه على أرنبة أنفها.
- أنف دقيق .. مغرٍ
جذبها من كتفيها إليه فطبع قبلة على أنفها .. ثم أبعدها عنه يتأمل أهداب عينيها الطويلة، وفمها المبتسم، وذقنها المستدير .. وكأنما قرأت أفكاره فهمست: لا يا آنـدي .. لا ..
وحتى وهي تسمع نفسها تردد الكلمات أحست بالاشتياق إليه أكثر فأكثر. أغمضت عينيها وذراعاه تمتدان لتطوقانها .. ودون وعي منها طوقت ذراعاها عنقه .. ولكن عقده الذنب داخلها أخذت تتصاعد، وهي تستجيب لمداعباته .. وسمعت صوتها يقول لها .. والدي .. أنا لست مخلصة له .. أنا أتصرف كالخائنة ..
كانت يداه طوال الوقت تريدان وتطلبان أكثر فأكثر .. وكانت سعادتها تغشي بصرها وكأنها تواجه الشمس في يوم لا غيوم فيه. وأخيراً ابتعد عنها قليلاً ليواجه عينيها قائلاً لها بصوت أجش: لقد سحرتني عيناك الضاحكتان وفمك المغري وشعرك الذي استعار من خيوط الذره الناضجة لونها الذهبي .. إذا طلبت منك الزواج مني .. فماذا سيكون ردك؟
اشتدت اناملها ضغطاً على مؤخره شعره الكث .. كان ضوء النهار قد أخذ يتلاشى حتى صعبت رؤية عينيه ..
فهمست: هل تعرض الزواج علي رسمياً ؟
- أقوم بتجربة ليس إلا ..
غمرها مره أخرى بين ذراعيه .. فردت وهي تشهق وتتمنى لو تقوى على الرد كما يريد قلبها.
- لا استطيع الزواج منك.
لو سألت قلبي، وافكاري لقالت نعم .. نعم .. أرجوك! في العتمة التي حلت شاهدت شفاهه تشتد فوق بعضها.
- لا بد من سبب لمثل هذا الرد المشجع لرجل مؤهل مرغوب قوي مثلي.
- انت تعرف السبب ..
- والدك؟
فهزت رأسها: إنك لا تعجبه .. أتمنى لو أعرف السبب .. لكنه معجب بوالدك..
كما توقعت تدحرج مبتعداً عنها ليستلقي على ظهره، فأكملت: يبدو أنك أنت أيضاً لا تحبه .. فلماذا يا آنـدي؟
- مشاعري بالنسبة لوالدك محايده. ص 88
راح القمر يرتفع فوق سماء مخملية سوداء، فتابعت كلامها: ثمة سبب آخر يمنعني من قبولك زوجاً وهذا السبب ذكرته يوماً وهو ضعف إرادتك أمام النساء الفاتنات.
- صحيح
كلمة واحده جعلت جسدها يرتجف.
- لا أستطيع الزواج من رجل لا أثق به. رجل قد يتركني من أجل امرأه أخرى تروق له.
لم يرد أيضاً. إذا كانت تريد منه الاعتراف بحب لا يموت لها، أو بالاخلاص مدى الحياه فأملها ذاك أصابه الاحباط والفشل. فردت: على كل .. لقد قلت لك، إنني لا أريد علاقة جديده قبل مده طويله، فالخطوبة التي فسختها منذ فتره وجيزه ليست بالامر السهل الخالي من الوقع الشديد على النفس لكنك لن تعرف شده هذا الواقع أبداً، فأنت لم تقع في فخ أي امرأه بعد اليس كذلك؟
رد عليها ببرود: صحيح .. لن أعرف .. دعي عنك الاعذار..
هب واقفاً كالطود ينتظر وقوفها ليأخذ سترته التي التقطها في وقت كانت هي فيه ترتدي سترتها .. تركها وابتعد ..
خشيتها من ان يتركها وحيده في الظلام الدامس جعلتها تركض خلفه. نادته: آنـدي .. آنـدي! لا تتركني وتبتعد !!
توقف ثم سارا معاً، لكن منفصلين، تابعا طريقهما عائدين الى السياره. أمام احتضار انـوار النهار الاخيره بدا الوادي وكأنه ملك حليم يحتوي بين جنباته أسرار الزمن .. ليهمس الى من يرغب في ان يسمع قصة العشاق الذين هربوا معاً عبره ..

إليــــــــــه تستكيــــــن


كان الصباح قد انتصف عندما توقفت سيارتان كبيرتان في فناء محطة الوقود. نظرت بروك اليهما فوجدت ان احداهما سياره بورش زهرية اللون مكشوفة، والاخرى سياره تعرفها جيداً ..
السائق الذي برز من السياره الاولى كان دون شك .. انثى! ثوبها الحريري الزهري، الذي لا بد قد انتقته ليتناسق مع لون سيارتها- كان يلتصق بكل روعة بقدًها الرشيق.. أما السائق الاخر فتقدم من هذه الحوريه وراح يحادتها .. فسألت بروك:
- من هذه المخلوقة الجميلة؟
اجابها تود اجابة سيئة تشير الى سوء طباعه: إنها فتاه آنـدي الحاليه .. فهو يجتذب كل النساء ، الصغيرات منهم والكبيرات .. الفقيرات والغنيات!
مررت بروك لسانها فوق شفتيها ترطبهما: هل هي .. غنية؟
- والدها يمتلك مصرفاً عالمياً.. وهي تدعى سيلينا بايليس، هل تريدين مزيداً من المعلومات؟
هل الرجل الذي يصحب تلك الفتاه الآن هو ذاته الذي باح بحبه لها عند الجبل ليلة أمس؟!! هل هو من قال لها انها سحرته!! أهو حقاً من سألها بطريقة ملتويه عما ستقول لو سألها الزواج منه!! كيف سألها الزواج وفي حياته حوريه كهذه!
دخل زبون فاهتمت به بروك ثم .. دخل آنـدي ورفيقته، وحتى بعد ان خرج الزبون، أبقت بروك نظرها بعيداً عنهما .. وسمعته يقول: تـود .. أرسل من يضع سياره سيلينا في المرآب الخلفي .. أتسمح؟
سمعت وقع خطوات .. ثم قال آنـدي: بروك ..
وارتفعت عيناها تنظران إليه .. ثم لا إرادياً تحركتا الى الشابة المتكأه الى طاولة المكتب جوارها تتأملانها، كان شعرها بنياً كثيفاً، ينسدل من جبهتها حتى كتفيها، شفاهها ملونتان بالاحمر القاتم بشكل مغرٍ، ورائحة عطرها تملأ الجو .. فسألته بروك ببرود: نعم سيد لوكربي؟
- بعد يوم الجمعه لن نحتاجك هنا .. فقد حصل الموظف على إذن من أطبائه لمعاوده العمل ابتداءً من الاسبوع القادم .. وسيدفع لك تود ما ندينه لك من أجر .. لكن ثمة مشكلة ستقع في المكتب الرئيسي.
غاص قلبها للخبر الاول .. الا انها تمالكت نفسها وهزت رأسها بهدوء .. ثم عند ذكره الخبر الثاني أشرق وجهها بالسعاده من جديد ..
تابع: ابن عمي ديفيد لديه مساعده تتوقع ان تلد طفلها بعد وقت قصير، وعليها ان تتوقف عن العمل، فهل يمكنك المجئ لمساعدتنا هنا يوم الاثنين المقبل؟
- عمل مؤقت؟
- لا .. بل دائم.
- آسفة لا استطيع العمل بدوام كامل بسبب والدي .. ولن استطيع توقع أكثر مما يقدمه لنا الجيران من مساعده
قال لها وهو يبتعد : افهمك ..
تحركت معه سيلينا، وتقدمته نحو الباب الذي اوصده خلفهما دون كلمة أخرى ..
واطبقت الغيره على عنق بروك .. وهي تشاهد سيلينا تصعد وراءه مقود سيارته لتقودها الى كاراج التصليح حيث كان آنـدي قد سبقها الى سيارتها الواقفه هناك.. كانت تقود السياره وكأنها معتاده عليها منذ زمن !
تمالكت نفسها لتنظر الى تود وهي تأمل الا يكون قد لاحظ رده فعلها .. لكن التواء شفتيه أعلمها انه لاحظ اكثر مما يجب .. سألها:
وانت ايضاً لأي مدى وصل معك؟ لقد قال انه وجدك في ورطه على الطريق العام .. فما الثمن الذي طلبه على مساعدته لك؟
فكرت .. سأنتقم من أحد آل لوكربي ولو كلفني هذا حياتي .. أجابت:
تدحرج فوق العشب .. عناق حقيقي .. لاشئ لطيف فيه، وطلب زواج !
وانفجر تود: ماذا ! هل صدقته؟؟
قالت متحديه مستمتعه باضطراب تود: ولما لا أصدقه؟ الست جيده لمدير عام شركة لوكربي!
- لم أقصد هذا .. لكن والدك .. أليس هو الاستاذ ستون؟
- أجل ! وما دخل هذا بالامر؟
أشاح تود بنظره عنها محرجاً : لا شئ .. لاشئ إطلاقاً .. انظري آنسه ستون .. لا أريدك أن تتأذي ولا أريد جرح مشاعرك .. لكن لا يمكنك الثقة بآنـدي.
- أبشأن النساء؟
- بشأن النساء وبشأن كل شئ ..
- أتعلم سيد لوكربي .. أنا لا أصدقك
- حسناً .. لقد أوقعته وأنت مخطوبة، فهنئي نفسك ..فأنت أول امرأه أجبرته على طلب يدها .. أعني .. لآنه طلب يد الكثيرات في الماضي لأشياء أخرى..
وفتح الباب فدخل زبون مستعجل، لم يلاحظ مدى احتراق وجنتيها بالدم ، ولا سرعة تنفسها..
أحست بروك بالراحة عندما حل وقت الذهاب للمنزل، واثناء اجتيازها الفناء متجهة الى سيارتها، خطر لها أن يكون تود قد صدق ادعاء خطوبتها فاستدارت عائده الى المكتب: سيد لوكربي .. بشأن الخطبه .. ليس الامر صحيحاً
رفعت يدها وهي تلهث: أترى .. لا أرتدي خاتماً
- عدم وجود خاتم لا يعني عدم وجود خطبة! أعطي آنـدي الوقت لهبك خاتماً ماسياً يليق بملكه
- لا لا !! ألا تفهم ! الامر ليس صحيحاً
- لا شئ مما قلته صحيح؟
- حسناً .. صحيح أنه طلب يدي .. لكن
وأقبلت ساقية من الباب الموصل للمقهى: سيد لوكربي .. أنت مطلوب، إنه زبون يعرفك منذ زمن بعيد وهو لا يجئ الى هذه المنطقة عاده.
- حسناً .. سأحضر بعد دقائق .. ها قد أتى جورج.
كان الشاب الذي سيستلم مكان بروك .. وقال لها مبتسماً: آسف لتأخري .. بإمكانك الذهاب الآن
فابتسمت له بروك وخرجت. عندما وصلت الى المنزل وجدت والدها بمزاج مشرق، كتبه وأوراقه موضوعه الى جانبه وفي غرفه الجلوس فنجانيَ قهوه فسألته: هل أتاك زائرون؟ أم أن السيد هاملتون كان هنا؟
فابتسم وقال: إنه آينر لوكربي .. لقد زارني لتبادل أطراف الحديث.
أخفت بروك دهشتها، لقد قال أنه سيعيد زيارته ولقد وفىُ بوعده
تابع ستون ضاحكاً: لم نتوقف عن الكلام .. كان يخبرني عن طفولته .. إن هذا الرجل لشخصية ممتازه!
لملمت بروك الفناجين الفارغة .. وتابع ستون: وهو رجل طيب .. لكنه ليس بصحة جيده
- كذلك أنت يا أبي
- ربما لكن بطريقة مختلفه. لقد قلت له اننا زوج من العجائز العاجزين!
ضحكت بروك وأشرق قلبها لمعرفتها أن والدها قد وجد صديقاً من جيله، مع أن هذا الصديق كان خلال ثمانية عشر شهراً عدواً له .. ارتابت في أن يكون والدها قد سامح آل لوكربي لما فعله أحد سائقيهم به ، لكن يبدو أنه بينه وبين نفسه قد وافق على الغفران.
قال لها: لدي عمل لك، كاد يكون أكثر لولا مجئ آينر .. لكنني سررت بإخذ قسط من الراحة.
أخذت بروك منه الأوراق المكتوبه، وتابع ستانلي: أخبرني أن ابنه آنـدي سافر الى هاليفكس حيث سيبقى حتى الاسبوع القادم، يبدو أن لديهم مكتباً هناك، فهم يسعون الى توسيع المؤسسة إذ يريد ولده فتح فرع آخر له في أمريكا.
فترددت قليلاً ثم سألته : هل بدأت تحب آنـدي أكثر من قبل ابي؟
- ليس بشكلٍ خاص!
- لماذا لا تحبه؟
- لا أفهم السبب.. ثم شئ ما في عقلي الباطن تجاهه، لكن بما أنني لست ضليعاً بالتحليل النفسي، سأترك الأمر دون تفسير .. هل يهمك حبي له من عدمه؟
فرفعت كتفيها صعوداً ونزولاً في هزه عدم اكتراث مصطنعة: ولماذا يهمني؟ لقد كان ..
وعلقت الكلمات في حنجرتها .. وابتلعت ريقها بصعوبه وهي تكمل: لقد كان لطيفاً معي ، فهو من أصلح سيارتي
توقفت فتره طويله ثم أكملت: أعلمت أنهم لن يحتاجوا الى خدماتي بعد يوم الجمعة .. وبناءاً علىه سأعود للبقاء في المنزل النهار كله.
أمام دهشتها قال: هذا مؤسف .. إذ كنت تغيبين عن البيت بضع ساعات على الاقل .. لقد بدأت أشعر بعقده الذنب لاحتكاري شابه فتيه مثلك في البيت
فقاطعته بتنهيده تسامح: أعرف ما ستقول .. يجب أن اعاشر الناس لكنني راضية بما أنا عليه!
.. حقاً ! أهى حقاً راضية! برزت أمامها صوره وجه مبتسم .. شاهدته للمره الاولى على الطريق العام .. رجل استولى عليها وعلى عمق احاسيسها .. لكن دونما أمل .. علمت أنها أبعد ما تكون عن الرضا .. فهي يائسة من أن يحبه والدها .. يائسة من رؤيته مجدداً .. خاصة بعد ظهور تلك السيلينا .. اوقفها والدها اثناء همها بالخروج من الغرفة قائلاً :
- على فكره .. لقد دعانا آينر لزياره منزله مساء السبت، لتبادل الحديث وشرب القهوه، وقد قبلت الدعوه ولا اعتقد انك ستمانعين الذهاب! لكن لا تستغربي .. فما قبلت الذهاب الا بعد علمي بأن ابنه في سفر.
شعور غريب من الراحة وخيبة الامل امتزجا معاً .. بإمكانها مرافقة والدها دون الحاجة لتحضير نفسها للقاء آنـدي في ذلك المنزل.. أجابته بسرورٍ مصطنع: عظيم! إنه لمن المفيد لك الخروج ساعه أو اثنتين.
وسر والدها، فاستقر في كرسيه ورفع كتابه ليكمل القراءه، بينما توجهت هي الى المكتب الصغير الواقع ما بين المطبخ وغرفة الجلوس، لتبدأ العمل في كتاب والدها.
بعد ظهر الجمعة أعطاها تود مغلفاً فيه راتبها، قال لها ورنة السخرية في صوته: أما زلت دون خاتم؟
- أما أخبرتك ان الامر كان تلفيقاً من قبلي؟
- صحيح؟ وماذا بشأن طلب الزواج ذاك؟ أكان تلفيقاً هو الآخر؟
وضعت المغلف في حقيبتها: نعم .. ولا .. لم أشاهد آنـدي .. فهو في الهالفيكس .. ولا شك في أنك تعرف شؤون أخيك.
- لي ولزوجتي حياتنا الخاصه ونحن في الواقع لا نعرف بما يفكر في فعله آنـدي. هل تعلمين أن زوجتي مسؤوله عن مكتب الشركة الرئيسي؟ وأن ابن عمي ديفيد مسؤول عن قطاع السفر والخدمات فيها؟ ومع ذلك لا أعرف تحركاته!
- لقد قال لنا والدك هذا. آل لوكربي يبقون أعمالهم في يد العائلة، وأنا لا أعرف تحركاته كذلك.
- أجل هذا ما نفعله وفقاً لتقاليد العديد من العائلات الصغيره، فما الخطأ في ذلك؟
- لماذا أنت مشاكس مهاجم دائماً سيد لوكربي؟
- قد تصبحين زوجه أخي، أي شقيقتي قانونياً آنسه ستون، لكنك وقحه بما فيه الكفاية لتتحدثي معي بهذا الاسلوب!
- آسفه على وقاحتي سيد لوكربي .. لكنني أصر على أنك مخطئ بخصوص الجزء الاول من حديثك.
- صحيح؟ ماذا ستفعلين عوضاً عن ذلك؟ .. هل ستعيشين معه دون ارتباط كما تفعل سائر النساء؟
صفقت باب المكتب في وجهه .
يوم السبت مساءاً، تناولت وأبيها طعامها باكراً .. وعندما سألته عما إذا كان يريد تغيير ملابسه قال: وهل سنزور ملكاً؟
- وإن يكن فلقد مضى عليك زمن لم تخرج فيه زائراً لذا اظن أنه من الافضل أن ترتدي البذله التويد التي لم ترتديها مذ اشتريتها.
نظر للخارج، فشاهد السماء وقد اكفهرت بالغيوم السوداء، فتنهد: تكسبين عزيزتي.. لقد كلفتني البذله مالاً كثيراً .. ومن الافضل ارتدائها .. مع ان الطقس يبدو كأنه سينقلب الى عاصفٍ صيفي!
بينما كانت تفتش عن مفاتيح سيارتها، رن جرس الهاتف فغاص قلبها وتمنت أن يكون المتكلم صديقاً يود الاطالة في الحديث، لكن سرعان ما خاب أملها:
- سأصل إليك خلال عشر دقائق.
- آنـدي؟!! لكن .. لكن والدك قال إنك مسافر!!
- عدت ! فهل يزعجك وجودي؟ عشر دقائق .. هل هو وقت كافٍ؟
- لا حاجة لأن تأتي .. فلدينا كرسي متحرك نبقيه فالسياره.. كما يستطيع والدي الوصول الى السياره بالعكازات.
لكنه لم يصغ .. بل كرر: عشر دقائق فقط.
ولم يسر ستون بالخبر: ألم تقولي له أننا لا نحتاج مساعدته؟ ياله من متعجرف حاله حال كل شباب اليوم الآثرياء، يعتادون على تقديم الأوامر ويترقبون الطاعة دون نقاش!
حاولت الدفاع عنه بلطف: لقد قرأت أن الإدارة الحديهة تقوم على هذا النوع من التسلط بوجود اجتماعات مجلس إداره متواصلة والاضطرار للقبول بآراء جميع من له علاقة بالعمل.
قطع كلامها صوت جرس الباب، فذهبت لتفتح فإذ بها وجهاً لوجه مع آنـدي فقالت بتوتر:
- لطف منك أن ..
- أين والدك؟
- في غرفة الجلوس حيث يجلس عادةً ، امنحني بعض الوقت لأعينه على الخروج من كرسيه والاستناد للعكاز ..
كانت تتكلم إليه وظهره إليها، وصل الى غرفة الجلوس ليقول بشكل رسمي: مساء الخير أستاذ ستون.
لهجه ستون كانت جافة ورسمية عندما رد عليه تحيته. فقالت بروك محاولة تلطيف الاجواء: سأحضر سيارتي.
- أنتما ذاهبان في سيارتي
- أوه .. إذن سأذهب لأحضار الكرسي المتحرك و ..
- لا لزوم لهذا ، فلدينا كرسي لوالدك استعرناه له.
- أليس ما فعلوه في غاية اللطف ابي؟
رد ستون وهو يجر نفسه للأمام بواسطة العكازين: جداً .. أظن الفكره كلها فكرتك؟
- بل فكره والدي.
- ياله من رجل متفهم طيب، إنه خير الرجال.
بعد جهد دفع نفسه ببطئ للأمام، وعندما انحنى آنـدي ليحمل الجسد الصغير النحيل المنحني أمام العكازين بين ذراعيه، شهقت بروك، وصاح ستون: بالله عليك! أنزلني! لن أسمح لأحد بأن يحملني .. خاصة..
تدخلت بروك لتخفيف حده الموقف: أبي المسافة الى سيارته قصيرة فهي متوقفه قرب سيارتنا.
أصبحوا خارج المنزل، وكان آنـدي يسير بخطاً ثابته نحو بوابة الحديقة، أما بروك فأسرعت تفتح الباب.. وعندما أنزل ستون للمقعد الخلفي بكل لطف ورقة ، جلست الى جانبه.
- هل أنت مستريح في مكانك أستاذ ستون؟
- أجل .. شكراً لك.
كان آينر لوكربي ينتظر عند باب منزله، يفرك يديه بعصبيه ويراقب ابنه وهو يحمل حمله الرافض المسافة الصغيره الفاصلة ما بين السيارة والباب .. تبعتهم بروك، وما أن دخلوا حتى أدار آينر الكرسي المتحرك ليكون في مواجهه ولده وحمله قائلاً : ضع صديقي هنا يا بني.
أمسك بيد صديقه وأخذ يهزها.
- عظيم .. أنت لا تعلم كم كنت أترقب وصولك.
رد ستون ووجهه محمر من تتالي الاحداث: وأنا كذلك يا آينر.
أمسك آينر بالكرسي محاولاً جره، لكن ولده نهاه وقام عنه بالمهمة ..
فقال الأب: حسناً .. ما رأيك بمنزل العائلة يا ستانلي؟
أجاب الاستاذ: إذا كان بالامكان الحكم على الداخل من رؤية الخارج فأظن أن المنزل رائع .. متى بني المنزل يا آينر . لأنني وجدت صعوبة في تحديد العصر من الرؤية الخارجية.
- منذ قرنين تقريباً. لكن أضيفت الى المنزل بعض الإضافات والإصلاحات.
- هذه الغرفة .. إنها رائعة، فيها ذوق رفيع بكل ما للكملة من معنى، لو شاهدتها المرحومة زوجتي لأعجبتها، أليس كذلك يا بروك؟
هزت بروك رأسها موافقة، فبوجود آنـدي الى جانبها أحست بأن لسانها معقود .. مع أنه ما كان ينظر إليها منذ أن رأها هذه الليلة.
وقال آينر: والآن .. ماذا ترغبون .. ستانلي؟ آنسة ستون .. أم هل تسمحين لي بمنادتك بروك؟
- أرجوك نادني باسمي الأول سيد لوكربي
قال الضيوف ما يرغبون في شربه فسارع آنـدي للقول: دع لي شرف تقديم الشراب بنفسي يا والدي .. بروك .. اجلسي في مكانٍ ما.
لكنها بقيت واقفه .. لن تتلقى منه الأ,امر، فهي ضيفة، واستقر العجوزان معاً براحة .. وعاد آنـدي يحمل صينية الشراب وقال لبروك بصوتٍ هامس: قلت لك اجلسي .. لك كل الحق ..
فانفجرت شفتاها بشهقة مكبوتة: عمَ تتحدث !!
فقال آينر لوكربي ممازحاً : والآن يا بني .. إذا كنت ترغب في همس كلمات حلوه في أذني بروك ..
سارعت بروك تقول: كان يطلب مني الجلوس سيد لوكربي .. في الواقع .. كان يأمرني ..
ضحك آينر ملئ فمه : إنه مرعب عندما يطلب من الناس شيئاً وقد امتلك هذه النزعة منذ أن كان يافعاً، كنت ووالدته على يقين من أنه سيحتل مكاني وكانت أمه تقول لي " إن له تصميمك وعزمك إضافة الى أشياء أخرى لا تملكها أنت كالجاذبية مثلاً " وكنت أرد عليها بأنها كانت في يومٍ ما تعتبرني وسيماً! فهل تظنين أن ولدي بهيٌ الطلعة يا بروك؟
صدمها سؤاله المباشر ، فنظرت للمره الأولى هذه الليله الى ابنه مباشره، ماذا بإمكانها أن تقول؟ أتخبره أنها تجده أكثر الرجال جاذبية ، وأنه أوسم رجل رأته عيناها؟! وأنها تتمنى لو كان قد طلب يدها حقيقة؟ وأنها تحبه .. ثم تحبه ..

أطلت السخرية من عينيه .. لا يعقل أن يكون قد قرأ أفكارها! كان على وجهه شبه ابتسامه وتعبيرُ ساخر.. أيسخر منها؟ لماذا! ألم يسأمها لأنها قالت له إنها لا تثق بإخلاصه لها ؟
قال آنـدي: لقد تأخرت في قول ما في ذهنها .. لا شك في أنها الآن تبحث عن كلمات مؤدبة لتخبرك أنني قبيح كالبطة السوداء !
اصطبغ وجهها بحمره الخجل فاندفعت الكلمات منها اندفاعاً بشكل تلقائي: لا .. لا .. لن أقول شيئاً كهذا بل سأقول إنني أجدك جذاباً بل شديد الجاذبية.
كانت ابتسامة ستون قصيره ولا تدل على شئ ، لعله سامح مالك شركة لوكربي، لكنه لم يزل يحمل لإبنه في قلبه حقداً. يا ترى الأنه السؤول عن الشركة؟
ضحك أينر عالياً على قول بروك ، أما آنـدي فقال وعيناه لا تفارقان عينيها: إن الاطراء لمتبادل.
سأل ستون وكأنه ممتعض من تقدير ابنته للردل الذي يكرهه: وماذا عن ولدك الآخر يا آينر؟
- آه تـود .. إنه أصغر من بروك .. شاب طيب لكنه أقل لمعاناً هنا ..
ضرب بإصبع على رأسه وأكمل : وهو يغار من شقيقه الاكبر .. منذ زمن بعيد ، تود يحب أن يكون له عقل آنـدي وأسلوبه في معاملة الفتيات.
سارعت بروك تقول عابسة: لكنه متزوج سيد لوكربي! لقد ذكرني أن زوجته تدير المكتب الرئيسي.
- آه .. أجل .. إنها فتاه لطيفة، لكن لا شئ مميز فيها .. إن ذكائها ورجاحة عقلها يعوضان عما تفتقده من جمال.
استرخى أنـدي في مقعده وقد مد ساقيه أمامه، ثم قال مبتسماً: أرأيت يا بروك .. لم يمنح والدي أهمية لقوه العقل!
صاح لوكربي الكبير: بالطبع أمنحه، ولهذا جعلتك تحصل على أفضل ثقافه يا بني
التفت ناحية ستون مكملاً: لقد ترقى سلم العلم، وتخرج بدرجة شرف، ثم وضعته في مؤسسة العائلة ليبدأ منذ نعومة أظفاره.
- حرفياً .. لقد أمسكني كتاب تعليمات، ومفتاحاً ثم دفعني تحت كل الشاحنات التي في المصلحة.
قال الوالد مبتسماً بفخر: وهل عارض؟ .. لقد مر بكل هذا بنجاح.
التفت الى ستون: ليست ابنتك غبية يا ستانلي.
فقال آنـدي: أوافقك الرأي ..
رفع كأسه الى فمه وهو يراقبها فسألته: ماذا تعني بقولك هذا ؟
فقال والدها: إنهما يعنيان أنك ذكية يا عزيزتي .. كان أسفي الوحيد يا آينر لأنها لم ترث حبي لعلم الآثار ، إنها ذكية شديده الملاحظة، كانت لتتفوق في هذا المجال لو ولجته وهي الى ذلك صبوره فلولا صبرها لما استطاعت التعامل معي، ذلك أنني منذ الحادثة ما عدت ذاك الرجل ..
توقف عن الكلام وكأنما تذكر أين هو، ومن هما مضيفاه، ماذا فعلا به عبر إحدى شاحناتهم. وقف آنـدي أنيقاً في قميص حريري عليه ربطه عنق مماثلة تتناسق مع ثيابه التي هي مزيج من الازرق والرمادي ليقول: بروك الحدائق مكان رائع الجمال في مثل هذا الوقت من السنه.
كان تلميحاً أوضح من ان تستطيع تجاهله، فقال آينر : هذا صحيح يا آنـدي .. اصطحب بروك لتتنشق الهواء النقي العليل، أما نحن الشابين فسنبقى هنا لنسترجع أيامنا الخوالي!
ضحك لنكتته .. فنظرت بروك الى والدها وكأنها تطلب منه الإذن، لكنها في الحقيقة أرادت كشف مشاعره، فهز رأسه قليلاً ، ففي هذه الظروف لن يستطيع إلا الموافقة.
كانت الحديقة فعلاً خلابة جميلة وواسعة الأرجاء، فيها مرجة تحدها من الطرفين، واحواض زهور مشرقة الالوان، وأشجار واقفة في صفٍ طويل تحد الأرض، وفي نهاية الحديقة تقع شجره توت ضخمة تمتد أغصانها فوق المرجة، توقف عندها آنـدي ليواجه بروك، التي امتدحت العبير العابق المنبعث من الأزهار، أما هو فبقي مشغول البال. وأخيراً تحدث فصدمتها كلماته حتى كادت تنسى ما يحيط بهما من سحر. قال وصوته يحجب تغريد العصافير وصوت الفراغ: قيل لي إننا مخطوبان
فخفق قلبها: من قال لك هذا؟
- الرجل الذي أخبرته انت .. تود أخي
شرعت في الاحتجاج ولكنها عادت فهزت كتفيها.
- لقد قلت لتود أنك طلبت يدي وهو أمر أقدمت عليه فعلاً إنما بطريقة غير مباشرة، ولا يمكنك إنكار ذلك .. أنا قلت له هذا بسبب ..
توقفت وهي لا تعلم كيف السبيل الى تبرير الأمر!
- أرجوك أكملي !
تنهدت تنهيده قصيره غاضبة .. لقد ارتكبت خطأً !!
- آه .. كل ما في الامر أنني أحسست بحاجة للانتقام منك .. من فرد من أفراد لوكربي .. وكان تود شريراً .. إذ راح يغمز ويلمز .. و وكنت قد ابلغتني تواً أنكم استغنيتم عن خدماتي فـ ..
- هل كدرك هذا ؟
لو ذكرت له عمق تكدرها يومذاك دون أن تذكر الغيره التي نهشت قلبها لدى رؤيته برفقة تلك الفاتنة لضحك وأشفق عليها، ولهنأ نفسه على انتصارٍ آخر .. لذا لاذت بالصمت .. فسألها:
- ما هي التلميحات التي قام بها تـود ؟
- لقد لمح انك التقطتني من الشارع .. وهذا صحيح لكنه كان يعنيه بشكلٍ آخر..
- أعرف ماذا عنى .. إنه عنى أنك كنت واقفه على جانب الطريق تعرضين خدماتك.
- وهذا ما فكرت فيه انت كذلك .. اليس هذا صحيحاً ؟!
مد يده ليرفع ذقنها .. وفي العتمة التي تلف المكان دنا منها، وضمها بين ذراعيه ثم راح يمرر يديه على كتفيها وظهرها الى أن وجدت نفسها تزداد التصاقاً به .. ترد له عناقه وكأنها تقوم بذلك غريزياً لا إرادياً فإليه وإليه وحده تستكين.. احست بقساوه ذراعيه عليها توشكان ان تسحقاها. في هذه اللحظة كان من المستحيل إخفاء سعادتها التي قررت أن تكون حيث تنتمي مشاعرها. ودت في تلك اللحظات لو يعينها الضوء على رؤية عينيه لترى ما إذا كان تجاوبها قد أسعده أم لا .. ولم تمضِ سوى لحظات حتى جاءها الرد ..
- نحن خطيبان .. أتفهمين!
- لا .. لا أفهم !!
- اتصل بي تود في هاليفكس ليهنئني ، وفي اعتقاده أنه يغيظني بتوريطي مع امرأه ، لكنني شكرت له لطفه لأنه جعلني أعلم حقيقة مشاعر الفتاه التي أرغب بالزواج منها.
اشتدت ذراعاه حولها ، لكنها تراجعت: أنت لا تعرف حقيقة مشاعري نحوك.. لقد قلت لتود ان الأمر غير صحيح و ..
- ما هو غير الصحيح؟؟
- إنك طلبت يدي، أعلم أنك ذكرت الزواج، ولكن بطريقة مازحة، وتجربة كما سميتها .. مع أنك لم تشرح لي ما كنت تجرب.
أحست بأنفاسه حاره تتسارع على وجهها: أجرب رده فعلك .. قولي شيئاً يا فتاتي الساحره العينين .. هل تحبينني؟
- اجل .. ولكن ..
شهقت مذعوره .. ماذا فعلت بنفسها !! لقد اعترفت له بحبها الذي لم تع بعد أنها غارفة فيه حتى أذنيها .. كم مر من الوقت قبل أن تدرك ذلك! لقد اعترفت به .. وهو حب حقيقي احست به بكل جوارحها .. لقد نمى في داخلها منذ وقت بعيد .. منذ أن التقيا بل ربما منذ اللحظة التي سخرت فيهما منها هاتان العينان وهما تمران على الطريق العام ..
- من دون " لكن" حبيبتي ، أنت لي .. وستتزوجينني.
حاولت التخلص منه دون جدوى .. فقالت: أنت تستعجل الامور! أنسيت سيلينا التي اصطحبتها الى الكاراج! إنها فاتنة .. كما قال تود .. والدها صاحب مصرف غارق في المال حتى أذنيه .. وتابعت المقاومة بينما تابع هو الإمساك بها بأذرع من فولاذ .. فأردفت: ألا تسعى وراء المال! شركة لوكربي قد تكون مزدهره لكن الجميع يعلم ما يحدث للمؤسسات العائليه .. فقد تفلس أو ..
فصر على أسنانه وقال بحزم : سأقفل فمك إن بقيتِ تتحدثين حتى منتصف الليل!
هذا ما فعله، لكن عناقه الآن لم يكن ممتعاً بقدر ما كان متملكاً مؤلماً.
بعد أن رفع رأسه عنها قالت باحتجاج: هذا ليس عدلاً ّ!! ما قلته صحيح .. لقد المح تود
- تود يلمح لآشياء كثيره .. إنها طريقته فالانتقام مني فالحسد يكاد يقتله.
- حسناً .. ثمة شئ آخر قلته لي يوماً ولن تقدر على إنكاره. أتذكر يوم خرجنا معاً للمرو الاولى .. في ذاك الحين قلت إنك ستكون لي إذا قلت أنا الكلمة .. وكنت تمزح بالطبع .. وأنا قلت لك أنني إذا اردت الزواج .. فسأريد من زوجي اولاً وقبل أي شئ ان يكون مخلصاً.
- سأكون يا حياتي .. أقسم أنني سأكون مخلصاً لآنه عندما يجد الرجل المرأه التي يبحث عنها لا يتركها أو يتخلى عنها أبداً .. والآن هل تتزوجيني!
- نعم نعـــم نعـــــم ! فلا شئ يمنعني
- حتى والدك!
ردت بصوت منخفض غير واثق: لست ادري !
- فلندخل ونرى ما سيكون عليه رأيك!
ويداً بيد دخلا غرفة الجلوس .. رفع آينر نظره إليهما، ملئ بالامل والانتظار فقد قال لها: آنـدي إنه يعرف بأمرهما. رفع ستون نظره كان فيها دهشة تحولت لعدم تصديق فكان ان تراجعت مذعورة نوعاً ما ..
- بــروك !
نطق اسمها بحده وكأنه يؤنبها تأنيباً قاسياً، ذكرها بطفولتها عندما كانت ترتكب ما لا يرضيه، آنـدي .. عدوه .. فهل أصبح أنا عدوه له بعد أن يعرف بأمرنا؟ أفزعتها الفكره، فتركت يد آنـدي ، لكنه شد عليها وقال:
- استاذ ستون، هل لي أن اطلب إذنك بالزواج من ابنتك؟
هب آينر عن كرسيه، ليربت على ظهر ولده بكل فخر وحنان أبوي: أنت شاب طيب يا آنـدي فليس هناك اليوم شبان يطلبون الاذن من آباء فتياتهم للزواج .. اليس كذلك ستانلي؟
راحت عينا ستانلي تنتقلان من الاب للأبن، وأخيراً لوجه ابنته .. لقد علق في الفخ .. في الغرفة ثلاثة أزواج من العيون تحملق فيه بانتظار موافقته .. سعت عيناه الى عيني ابنته وسألها : اترغبين في الزواج من هذا الرجل ؟
احست بجفاف شفتيها فحاولت ترطيبهما بلسان أشد جفافاً.
- أبي .. أنا ..
أحس آنـدي بعدم قدرتها على مواجهة الموقف، فاشتدت قبضته على أناملها تشجيعاً، فهمست أخيراً : أريده ... !
وســـــــــــاد الصمـــت !


monaaa غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس