2
****
**
*
أستيقظتُ فى تمام الساعه الرابعه فجراً على صوت المنبه ، فأغلقته وتثاءبتُ بكس
نهضتُ عن فراشى ، و أخذتُ أمدد أطرافى بكسل و خمول ، ثم ذهبتُ إلى المرحاض و أخذتُ حماماً بارداً كى أنفض أثار النوم عن رأسى تماماً ، ثم وقفتُ أمام خزانه ملابسى أحاول أنتقاء ثوب مناسب
و أخيراً . . سحبتُ من كومة الملابس بالخزانه ، بنطال أبيض اللون ، و قميص وردى خفيف ، ثم رفعتُ شعرى و ربطته بشريط وردى على هيئه ذيل الحصان كما أفضل دائماً كى أبدو أكبر سناً و وقاراً ، ثم أرتديتُ نظارتى الطبيه ، و حملتُ حقيبتى و أنتعلتُ حذائى و غادرتُ المنزل . .
كان الفجر قد بدأ يرسل خيوطه الأولى إلى السماء حين أستقليتُ سيارتى الصغيره ، و أتجهتُ نحو المدرسه حيث أجتمعت التلميذات و المدرسات و المدرسين - المكلفين بالذهاب إلى الرحله - فى أنتظار وصول الحافله التى ستقلنا إلى مطروح . .
غادرتُ سيارتى ، و تأكدتُ من أغلاقها ثم ذهبتُ إلى حيث يقف الجميع و أنضميتُ إليهم . .
كان قد حضر من المدرسين الأستاذ على مُدرس اللغه العربيه ، و مدرسان أخران . .
أما من المدرسات فلم تحضر سواى أنا و الأستاذه سلمى و الأستاذه أميمه . .
الأستاذه سلمى هى مُدرسة الرسم ، و هى فى الخامسه والعشرون من العمر ، و هى متزوجه ولديها طفلتان فى غاية الجمال . .
أما الأستاذه أميمه فهى فى أواخر الأربعينات من العمر ، و هى مدرسة التاريخ . .
حين وصلت الحافله وضعتُ حقيبتى على المقعد المجاور لمقعد سلمى فى بداية الحافله ، و أخذتُ أحصى عدد الفتيات و المدرسين و المدرسات لأتأكد من أن الجميع قد وصل حتى نبدأ رحلتنا . .
لكن . . . مهلاً . . . ألا تلاحظون أن هناك شخصاً مفقوداً ؟ !
أين الأستاذ إياد ؟ ! ألم يصل بعد ؟
أو رُبما قرر عدم الحضور ..
الحمد لله ..
تنفستُ الصعداء و أستدرتُ لأطلب من السائق أن ينطلق ، إلا أننى أصطدمتُ بجسد طويل القامه ، عريض المنكبين ، و مفتول العضلات ..
رفعتُ رأسى إلى أعلى حتى أستطعتُ أن أصل إلى رأس ذلك الضخم الذى كان يقف أمامى ..
"
صباح الخير يا دانه. "
أوف . . ياله من صباح لم تشرق الشمس فيه !
لم أجيب تحيته و قلتُ :
"
هل حضرت أخيراً ؟ كنا سنرحل بدونك . "
إياد أبتسم و قال :
"
أذن . . لقد أتيتُ فى الوقت المناسب . "
لم أعلق على جُملته و ذهبتُ لأطلب من السائق الأنطلاق ، ثم أستدرتُ هامه العوده إلى مقعدى ، فأصطدمت نظراتى بنظرات إياد المتفحصه ، فأشحت بوجهى عنه و وليته ظهرى و تهاويتُ على مقدى . .
أوف . . ها قد بدأنا . .
كان مقعدى بجانب النافذه ، مما أتاح لى مراقبة الطريق لفتره ، قبل أن أريح ظهرى على المقعد الأسفنجى ، و أسبل جفناى ، و أروح فى سباتٍ عميق . .
و حين أستيقظتُ من نومى كانت الشمس قد أرسلت أشعتها من خلال النافذه فأضاءت الحافله بأكملها ، و كانت الحافله تشق طريقها وسط طريق شبه خالى . .
تثاءبتُ بكسل ، و ألتفتت لأنظر إلى سلمى ، إلا أن نظراتى وقعت مباشرة على الأستاذ إياد ، و الذى كان يجلس بجانبى ببساطه . .
أنتفض جسدى لدى رؤيته وتراجعتُ فى مقعدى كالمصعوقه ثم قلتُ :
"
أنت ! لماذا تجلس بجانبى ؟ أين سلمى ؟ "
تجاهل إياد سؤالى تماماً ، و أخذ يتأمل وجهى بعيناه قائلاً :
"
تبدين كالملاك وأنتِ نائمه . . لولا معرفتى بكِ . . و بلسانكِ السليط . . لكنتُ ظننتكِ ملاكاً قد ضل طريقه إلى السماء . "
حاولتُ جاهده أن أسيطر على أعصابى و ألا أفقد هدوئى ، فأبتسمت بسخريه و قلتُ :
"
هل أخبرك أحداً من قبل . . يا أستاذ إياد . . بأنك خفيف الظل ؟ "
أخذ إياد يضحك و كأننى ألقيتُ على مسامعه نكته طريفه ، ثم قال يقلدنى :
" و
أنتِ . . هل أخبركِ أحداً من قبل . . يا أستاذه دانه . . بأنكِ سليطة اللسان ؟ "
قلتُ ساخره :
"
أحدهم فعل منذ دقيقه واحده . . لكنى لا أهتم لرأيه بتاتا ً . . "
إياد رفع حاجبيه بدهشه وقال : "
هكذا ؟ ! "
قلتُ بحده لا تخلو من السخريه :
"
أجل . . و أرجو أن تعود حالاً إلى مقعدك ، فلم أعد أحتمل أن أظل برفقتك اللطيفه أكثر من هذا . "
إياد قال بأمتعاض :
"
تأكدى أننى ما كنتُ لأوافق على الجلوس بجانبك لولا ألحاح الأستاذه سلمى . . فهى أرادت أن نستبدل الأماكن ؛ لكى تستطيع أن تدير بالها على الفتيات . . "
و أخذ ينظر إلىّ من قمة رأسى و حتى أخمص قدماى بأمتعاض ، قبل أن يتابع قائلاً بسخريه :
"
بينما أنتِ نائمه و لا تهتمين بأى شئ . . إننى أتسأل أية مُشرفه أنت ِ ؟ ! "
أشتط ُ غضباً ، و لم أستطع تمالك نفسى أكثر من هذا ، فقلتُ بعصبيه :
"
لا ينقصنى سوى أن أستمع إلى رأى واحد مثلك بى و بعملى . "
إياد أبتسم إبتسامه واسعه ، و قال بأستهجان :
"
واحد مثلى ! كم هو تعبير لطيف منكِ لوصفى ! "
نظرتُ إليه بتحدى و قلتُ :
"
هذا لا شئ يا أستاذ إياد .. فإذا كنت تريد وصف دقيق لشخصيتك ؟ فبأمكانى أن أقوم بهذه المهمه على أكمل وجه . "
إياد قال ببرود :
"
أذن . . تفضلى . . أخبرينى رأيك بى بكل صراحه . . كم سيكون رائعاً أن أسمعكِ و أنتِ تمزقين شخصيتى ! "
رددتُ عليه ببرود مماثل :
"
بكل صراحه . . يا أستاذ أحمد . . أنت إنسان مغرور . . و سخيف . . و تافه . . "
و أبتسمت متابعه :
"
أرجو أن تعذر لى صراحتى . "
أنتظرتُ أن يضحك ، أو يسخر منى كالعاده ، لكن ما ظهر على وجهه فى هذه اللحظه لم يكن التسليه أو السخريه ، أنما كان الغضب !
نعم . . لقد أستطعتُ أخيراً أن أثير غضب الأستاذ إياد . .
كم أنا سعيده بهذا الحدث العظيم !
و كم بعث هذا فى نفسى الأرتياح ! و دب فى جسدى النشاط ، فأخذتُ أتنقل فى الحافله بنشاط ، و أمزح مع الفتيات . .
أظن أن خالى كان محقاً حين قال لى أن هذه الرحله ستكون فرصه جيده لكى أتقرب من الفتيات . .
كان الجو رائعاً هذا اليوم ، و المياه لا تقاوم لدرجه أن جميع المدرسين قرروا السباحه ، فبقيتُ أنا و سلمى و الأستاذه أميمه نجلس تحت المظله لنراقب متعلقات الفتيات . .
و كم أراحنى هذا ، خاصة و أن إياد بدوره أنهمك فى السباحه و لم يعد يطاردنى كعادته . .
أعتقد أننى بعد ما قلته له اليوم قد وضعتُ بيننا حداً فاصلاً إلى الأبد . .
بعد قليل ذهبت سلمى و الأستاذه أميمه إلى المرحاض ، و ظللتُ وحدى أجلس تحت المظله . .
و فى هذه اللحظه رأيت الأستاذ على يقبل نحوى ، و يتناول منشفته ويجفف جسده بها قبل أن يجلس بالقرب من مقعدى قائلاً :
"
الجو رائع اليوم . . "
قلتُ : "
فعلاً . "
وأخرجتُ من حقيبتى روايه كنتُ قد أحضرتها معى لأقرأها ، و هممتُ فى قراءتها ، إلا أن على عاد يقول :
"
كنتُ أريد أن أتحدث إليك بأمر ما . "
قلتُ :
"
تفضل يا أستاذ على . "
على تردد لثوانى قبل أن يقول : "
كنتُ أريد أن أسألكِ . . "
و أخذ نفساً عميقاً ثم قال مباشرة : "
هل أنتِ مُرتبطه ؟ "
للحظه ، ظللتُ أنظر إليه بذهول ، دون أن أنبس بكلمه ، إلا أننى لم ألبث أن أفقتُ من ذهولى ، وقلتُ بصرامه :
"
و ما شأنك أنت ؟ "
على صُدم لردى ، إلا أنه لم يلبث أن أبتسم بخجل ، و قال :
"
فى الحقيقه . . إننى . . أريد الزواج منكِ . "
هذه المره لم أكتفِ بالتحديق به بذهول ، بل لقد تراجعتُ فى مقعدى مصدومه ، و رددتُ كلماته بحيره :
"
تريد الزواج منى ! "
على قال بعد فتره :
"
هذا إذا كنتِ غير مُرتبطه . "
قلتُ بأضطراب و تشتت :
"
أنا غير مرتبطه و لكن . . . . "
فى هذه اللحظه أقبل إياد و جلس فى وضع أسترخاء على إحدى المقاعد القريبه ، مما جعلنى أبتلع ما تبقى من جُملتى و ألتزم الصمت . .
و لأول مره منذ رأيت إياد هذا ، أشعر بأننى مسروره لأنه حضر فى الموعد المناسب لكى يعفينى من الأجابه على على !
على نظر إلىّ و مط شفتيه تعبيراً عن أستياءه من مقاطعة إياد لنا ، و ظل جالساً لدقائق أخرى فى أنتظار أن ينصرف إياد ، إلا أن هذا الأخير لم يتزحزح من مقعده بل و لم يبد عازماً على التزحزح أبداً . .
حين يأس على من أنسحاب إياد عاد على إلى السباحه ، بينما ظل إياد جالساً بمكانه ، دون أن يتبادل معى كلمه واحده . .
عظيم ! لقد أخرستُ لسانه إلى الأبد . .