عرض مشاركة واحدة
قديم 28-09-10, 03:13 PM   #1

فاطمة كرم

مراقبة عامة ومشرفة وكاتبة وقاصة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية فاطمة كرم

? العضوٌ??? » 103308
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 18,261
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فاطمة كرم has a reputation beyond reputeفاطمة كرم has a reputation beyond reputeفاطمة كرم has a reputation beyond reputeفاطمة كرم has a reputation beyond reputeفاطمة كرم has a reputation beyond reputeفاطمة كرم has a reputation beyond reputeفاطمة كرم has a reputation beyond reputeفاطمة كرم has a reputation beyond reputeفاطمة كرم has a reputation beyond reputeفاطمة كرم has a reputation beyond reputeفاطمة كرم has a reputation beyond repute
افتراضي حـوار مــع عــــام ســافر وحــــيداً ... لفاروق جويدة



من اصعب الأشياء على الانسان أن يجد نفسه محاصراً بعشرات الوجوه حوله .. وليس بينهم ذلك الوجه
الذي يريد يراه وفي تلك اللحظات الفاصلة بين الأيام يتجه الإنسان ببصره ويدور .. يحاول أن يستكشف ملامح الناس ولون الوجوه .. ويشعر أن كل هذا الضجيج لا يعني شيئاً بالنسبة له .. إن ما يريده بعيد ..
وكل هذا الصخب سوف يطوي أشياءه ويمضي ربما بعد دقائق .. وربما بعد ساعات .

كل عام يحتفل الناس عادةً برحيل عام وإستقبال عام جديد وتدور الرؤوس ... وتتساقط الأقنعة .. ويتهاوى أمام الجميع عام يحمل أشلاءه ويمضي .

وانا لا أحب ضجيج الناس .. ولا أحب أن أجد نفسي محاصراً بهذا الصخب المجنون .. أحب دائماً أن أودع ألاشياء على طريقتي ولأنني إنسان واقعي جداً وخيالي جداً فأنا أودع العام الراحل ... أحاول أن أراجع صفحات هذا العام .. وأستعرض جوانب القبح فيه وجوانب الجمال .. ولا يبهرني أبداً بريق عام قادم بل أحاول أن أخفف أحزان عام سيرحل .. إن من حقه علينا أن نجلس معه بعض الوقت حتى لا يجد الجميع وقد إنفضوا من حوله وهو يعيش أحزان ساعاته الأخيرة .

كان العام يقف على محطة القطار .. ووجدت حوله أعداداً قليلة من الناس جاءت لتودعه .. بينما لاح على الرصيف الأخر زحام شديد .. كان الجميع يتجهون في شبه مظاهرة لإستقبال العام الجديد .. وبدأت أعداد الناس حولي تقل .. وقبل لحظات من مجيء القطار لم يكن مع العام المسافر أحد غيري .. إنفض الجميع من حوله ..
وبقيت وحدي أحاول أن أستعيد معه ذكرياتنا معاً ..
قلت له .. لقد أسعدتني في يوم كذا وكذا .. وكنت لطيفاً معي في أكثر من مناسبة . . وجمعتني مع من أحب في بلاد كذا وكذا .. وبخلت علينا ببعض اللحظات ذات يوم .

كان العام سعيداً وهو يجد بجانبه إنساناً وحيداً جلس يتحدث معه في اللحظات الأخيرة .. كانت في يده حقيبة ضخمة حاولت أن أساعده في حملها ولكنه رفض .. وقال لي : هذه حقيبة ثقيلة جداً لا تستطيع أنت أو غيرك أن تحملها .. إنها أخطاء الناس في عام واحد فما بالك بخطايا سنوات العمر الطويل .

في هذه الحقيبة كُتَّاب باعوا ضمائرهم .. وساسة باعوا شعوبهم .. وأمهات قتلن أبنائهن .. وأبناء قتلوا آباءهم ..
وفي هذه الحقيبة أحبة خانوا .. ورفاق باعوا .. ووجوه تنكرت .. ونفوس تجبرت ..
وفي هذه الحقيبة أيضاً كُتَّاب ماتوا من أجل كلمة حق .. وساسة خافوا الله في أوطانهم .. وأمهات أضعن العمر من أجل لحظة صدق .. وأبناء وضعوا آباءهم وأمهاتهم فوق الرؤوس وفي حدقات العيون .. وفي هذه الحقيبة أيضاً وجوه وفيت .. ونفوس ضيعت .. ورفاق أخلصوا .. وأحبة صانوا العهود .

هذه حصيلة إثنى عشر شهراً .. فما بالك بحصيلة العمر يا سيدي .. سألت العام وهو يرحل : وبماذا تنصح الناس قبل أن تمضي .. قال : الويل لمن نام ظالماً .. والويل أيضاً لمن نام مظلوماً .. فإذا كنت ترفض أن تكون ظالماً فمن الأفضل أيضاً ألا تكون مظلوماً .. والصدق أفضل حتى لو جاء بالخسارة .. والكذب والزيف والدجل سلعة النفوس الضعيفة .. ومن يُغير لونه يمكن أن يُغير لسانه .. ومن يُغير لسانه يمكن أن يُغير دينه .. ومن يغير دينه فلا أمان له .

ومن إستهان بنفسه .. إستهان الأخرون به .. ومن رضى الذل مرة .. فسوف يرضاه بعد ذلك ألف مرة .. والشعوب مثل الأشجار أحياناً تموت واقفة وترفض أن تميل .. وأحياناً ترقص أمام كل نسمة أو تميل أمام كل عاصفة .. وآفة الناس أن يتعلم الرقص على الحبال .. لأن نهاية الرقص عادةً أن يسقط على رقبته .

كأن الناس يتجمعون على الرصيف المقابل بالآلآف يستقبلون العام الجديد بينما وقف وحدي على الرصيف أودع العام المسافر .. قال ضاحكاً : أرأيت هؤلاء المنافقين الذين جاءوا لإستقبال العام الجديد .. سوف تراهم في هذا المكان بعد إثنى عشر شهراً وقد جاءوا بنفس الهتافات يستقبلون عاماً آخر .. ولن يجد هذا القادم المغرور أحداً من هؤلاء يودعه .

إن طباع الناس تتشابه عادةً في إستقبال الأعوام وإستقبال الحُكام .. وأيضاً يتشابهون في وداعهم .

لكل عام جديد فرحة .. ولكل حاكم جديد زفة .. وكما ترى لا أجد من يودعني الآن .. وكذلك الحكام لا يجدون عادةً من يسأل عنهم إذا غرب عنهم السلطان .

يا صديقي آفة هذا الزمان النفاق .. والنسيان .. لا يختلف في ذلك عن نسيان الأيام .. ونفاق الحُكام .. وما تراه الآن أمامك يعكس صورة زمانك القبيح .. لم أجد أحداً يودعني وهؤلاء جميعاً أكلوا من يدي وشربوا من كأسي وأسعدتهم بعطائي وأرشدتهم ببصيرتي .. ولا أجد منهم شخصاً يودعني .

يا صديقني أنا غير نادم على فراق أحداً منكم .. حتى أنت لأنك تتساءل كثيراً .. وأسئلتك تُزعجني ..

سلام عليكم




فاطمة كرم غير متواجد حالياً  
التوقيع


لقراءة أعمالي (روايات- قصص- مقالات- جوابات :D ) انقر هنــــا
رد مع اقتباس