عرض مشاركة واحدة
قديم 10-09-08, 12:21 AM   #7

اسيرة الماضى

نجم روايتي وناقدة في قسم قصص من وحي قلم الأعضاء

 
الصورة الرمزية اسيرة الماضى

? العضوٌ??? » 5714
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 2,703
?  نُقآطِيْ » اسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond repute
افتراضي

وهذا الفصل الثانى



-2لن أكون ضحيته!

لكن المالك قبل عرض دنزل بلاك في الحال .ولما سمع والد كلير هذه الأخبار هتف :
" سنتخلص أخيرا من هذ الملكية التي لاقيمة لها! "
ثم رمى ابنته بنظرة لاذعه :
" لايبدو عليك السرور المفرط!أتظنين أن المشتري لن يتمكن من الدفع ؟ "
فأجابت بتهكم :" كلا "
ولم تكلف نفسها عناء الشرح بل توجهت الى الهاتف لتخابر هيلين شيرارد.
فردت هيلين بصوت خافت يفتقر الى الحيوية،هذا إذا تجاهلنا فرحها بالخبر :
"هذا رائع!سأشرف على إرسال العربون حالاُ ثم أباشر بالاجراءات".
" ألا يتضمن العرض وجود تقرير مسح أراض؟ "
وكان من الغريب فعلاً ألا يذكر دنزل بلاك كلمة عن ضرورة إحضار ماسح أراضي ليلقي نظرة على المنزل.
" كلا لقد أكد دنزل أنه سيشتريه مهما كانت حالته وعلى كل حال سيقوم بإجراء العديد من الإصلاحات وقد أخذ ذلك بعين الاعتبار في العرض الذي قدمه. "
فتمتمت كلير : "لقد عقد صفقه رابحة فعلاً "
في الواقع كانت تتمنى لو يبدي اعتراضات عساها تقنع زبونها بالاحجام عن البيع مع أن ذلك سيلحق بها الخسارة .إلا أنها لاتتصرف دوما على هذه الصورة الحمقاء.
" إن كان يدفع نقدا فلن يكون من الصعب إتمام الصفقة. "
فردت هيلين :
" أنا متأكدة من أننا لن نواجه صعوبات وسأقوم بمسح الارض بنفسي إثباتاً لسند الملكية "
وما إن أنهت جملتها حتى تنهدت بصوت مسموع مما دفع بكلير الى القول :
" تبدين متعبة جداً ياهيلين.. أترهقين نفسك في العمل؟ "
" ليس تماماً لكن العمل يصيبني يالملل ومهنتي كما تعلمين ليست مثيرة الى هذا الحد كما انني افتقد دنزل فمع أنه لم يسافر الا منذ ايام قليلة الا انها تبدو لي اشهراً. "
وفيما كانت كلير تصغي اليها راحت تعبث بالختم الموجود فوق المكتب بعبوس :
"والى متى سيبقى في الخارج؟ "
" آه سيتغيب شهرين على الاقل وهو يرجو أن يعود في عيد الميلاد .لكن يبدو أنه غير متأكد من ذلك. "
فأجابت كلير بلا مبالاة :
" ياللأسف ..حسنا دعيني احصل على العربون ،وسأترك زبوني يتصل بمحاميه أيضاً الى اللقاء ياهيلين اتوقع أن أكلمك قريباً "
وبعد يومين تقريباً التقت هيلين في "هاي ستريت" وصعقت لشحوب وجهها :
" لقد فقدت الكثير من الوزن ياهيلين أظن يجدر بك زيارة طبيب!فلا بد أنك مريضة "
فهتفت هيلين بحدة :
" بالله عليك، لا داعي لكل هذا القلق فأنت تبدين كأمي ! "
فقهقهت كلير وسألتها بتشدق:
" آسفة ..هل سر السيد بلاك بقبول عرضه؟ "
وهنا بدت ملامح هيلين أكثر حدة :
" نعم هل رأيت صورته في صحف الاحد؟ "
فأجابت كلير:
" أنا لا أطالعها أبدا في الواقع لا املك القوة اللازمة لاقوم باي عمل صباح الاحد الا النوم حتى ساعة متأخرة أكانت صورته في الصحف حقاً؟ "
" لقد نال جائزة أو ماشابه فنشرت صورة كبيرة له مع نجمة الفيلم. وهي ممثلة بارعة مثلت في العديد من المسرحيات في برودواي قبل أن تدخل مضمار السينما وهي تتميز بشعر اسود ووجه ساحر.أظن أن اسمها ديردر أو شيء من هذا القبيل وهي نصف مكسيكية ونصف إيرلندية. "
فقالت كلير بعبوس :
" ياله من مزيج! ومع ذلك عرفت من تقصدين .انها لا تدعى ديردر بل بيلا .لقد شاهدت فيلمها الاخير عن مصاصي الدماء، وهو لابأس به ان اردت رأيي !لكن المشاهد الاباحية كادت تحرق الشريط السينمائي الذي صورت عليه. "
ردت هيلين وهي تبتسم بشحوب :
" نعم هي من اقصد وهذا فيلم دنزل الاخير"
فاتسعت عينا كلير اندهاشاً:
" أنت تمزحين ! هو من اخرج هذا الفيلم؟ "
وسرعان ما انطبعت في ذهنها فكرة جديدة عن دنزل بلاك في لم تر مشاهد حميمية بهذه الحرارة من قبل.
ثم قالت هيلين بصوت أجش ووجها سكاد يقارب لون الورقة بياضاً:
" ومن خلال ماأكدته الصحف هذا الاحد فإن علاقة تربطه بتلك البيلا! "
وما إن فرغت من كلامها حتى استدارت وابتعدت وفجأة توقفت وإذا بها تترنح قبل أن تنهار أرضاً. اما كلير فلم تستطيع أن تمسكها وقبل ان تدرك مايحدث مالت هيلين جانباً وصدمت رأسها بعمود كهربائي.
وبالطبع سرعان ماتجمع حشد من الناس فركعت كلير بجانبها بقلق وهي تنظر الى الوجه الشاحب والشعر الاسمر الأحمر الكثيف:
" هيلين؟هيلين، هل انت بخير؟ "
وصدح صوت من الحشد :
" لقد أغمي عليها "
وأكد صوت آخر:
" لقد صدمت رأسها ورأيتها تفعل ذلك عمداًوهي على الارجح ثملة كما بدا لي "
" اطلبوا سيارة إسعاف فعلينا أن ننقلها الى المتسشفى. "
وتقدم بائع قليلاً:
" لقد فعلت ذلك وستصل السيارة بين لحظة واخرى"
وبدأت أهداب هيلين ترف وأخذت تطلق تنهيدات من بين شفتين تماثلان وجهها بياضاً وتناهت الى مسامع كلير الكلمة التي تفوهت بها هيلين وكادت تجزم أنها قالت : "دنزل.."
لم تعرف كلير هل تأسف لأجلها أم تغضب منها أو ربما يجدر بها ان تغضب من دنزل بلاك وما لبثت ان فكرت وهي تنظر الى المرأة الاخرى بكآبة ، ان اي امرأه تصل الى هذا الحال بسبب رجل تستحق صفعه قوية .
وسرعان ماوصلت سيارة الاسعاف ، وقد ارتفع صوت صفارتها عندئذ تفرق الحشد ليفسحوا المجال للمسعفين. ولما وصلوا الى المصابة تفحصوها وسألوا : "كاذا جرى؟"
فارتفع لغط عظيم من الاصوات وما كان من كلير الا ان شقت طريقها عبر الناس ببرودة وفعالية وتولت الشرح:
" لقد أصيبت بإغماء وارتطم رأسها بهذا العمود الكهربائي فيما كانت تقع "
خمدت الاصوات وراح الجميع يحدق فيها. وبما أنها معروفة في البلدة لم يحاول احد أن يجادلها في هذا المكان العام لكن تناهت اليها بعض التعليقات الهامسة التي ردت حالة هيلين الى الثمل.
ورافقت هيلين الى المستشفى ثم اتصلت بوالدتها من غرفة الانتظار:
" ستبقى في المستشفى هذه الليلة فالأطباء يريدون اجراء بعض الفحوصات ويحتمل أن تكون مصابة بفقر الدم إذ يبدو أن الكريات الحمراء في دمها منخفضة وكذلك ضغط دمها "
بدت أم هيلين مرتعبة وهي امرأه حساسة وتنفعل بسهولة وكان يخيل لكلير أحيانا أنها مازالت تبكي زوجها الذي توفي منذ حوالي السنتين. ولهذا تراها في معظم الاحيان ترتدي ملابس سوداء أو رمادية والدموع لا تفارق عينيها .
" آه، لا, أتظنين...أيظنون أنها..؟كما تعلمين ،توفي والدها متأثرأً بداء السرطان...."
ثم توقفت عن الكلام وقد غلبتها الدموع :
" كلير إذا أصاب هيلين مكروه في الواقع..أنا شديدة القلق عليها ففي الاونه الأخيرة كانت شديدة الشحوب ولا حيوية فيها إطلاقاً. وهذا ماحدث لأبيها .لطالما كان الروح التي تنبض في المكان ،وتبعث الحيوية فيه على أي حال انت يا كلير تذكرين حالها قبل الطلاق ! أعرف انكما لم تكونا صديقتين مقربتين غير أنك عرفت هيلين منذ سنوات وتعرفين انها انسانه مرحه لكنها بدأت تذبل في الشهرين الماضيين ولم يستطع الطبيب أن يتكهن مابها "
ومضت في عيني كلير الزرقاوين شرارة جليدية فهي تعرف تمام المعرفة ماذا حدث لهيلين مؤخراً وتعلم أيضاً أن ما من طبيب يمكن أن يداوي جرحها وسرعان ما سالت جويس:
"هلا اتصلت ببول وأعلمته بمرضها؟ "
" بول؟ أتظنين أنه يجدر بي إعلامه ؟ فعلى أي حال لقد تطلقا وأعتقد انه التقى امراة اخرى الان. "
" لكنهما كانا متزوجين لفترة طويلة ، وأنا متأكدة من أنه سيقلق بشأنها. "
فتلعثمت جويس:
" آه ..كلير,أنا ..كلير،هلا فعلت؟ سيكون من الأسهل لو اتصلت به أنت.أعني لا احب أن اتدخل ..فهيلين لن تسر بذلك وقد تغضب مني حتى.."
فتنهدت كلير:
" لكني بالكاد أعرفه ياجويس! "
" أرجوك كلير هلا اتصلت به ؟.
استسلمت كلير وقد تهجم وجهها ثم اتصلت ببول شرارد في فندقة ،فأجابتها سكرتيرته بلهاث وقد بدت شابة مغناج:
" مكتب الاستاذ شيرارد آه الانسة سامر؟ هل الامر ضروري ؟في الواقع لا أعرف إن كان ..سأتحقق إن كان متفرغاً. "
وبعد برهة ارتفع صوت بول :
" صباح الخير ياكلير ،كيف حالك؟ "
" بخير بول لكنني اتصل من المستشفى حيث ستبقى هيلين حتى صباح الغد .وقد يكون مرضها خطيراً فالأطباء غير متأكدين بعد..واعتقدت أنه يجدر بي أخبارك.
فأجاب بجفاء :
" ماذا تعنين بأن مرضها خطير ؟مابالها؟ "
" ليست لدي أدنى فكرة يابول لكن حالتها تبدو رهيبة وفكرت فقط في أن اخبرك .كانت امها في غاية القلق لما أخبرتها كم اتمنى أن يصارحني الاطباء هنا بالحقيقة لكنهم لم يورطوا أنفسهم بتشخيص. "
" الن يفعلو؟ سنرى بشأن ذلك .سأكون عندك في غضون نصف ساعه. "
وما إن انهى كلامه حتى أغلق السماعة.
في ذلك الوقت ، انتظرت كلير في المستشفى حتى وصل بول ووالدة هيلين في الوقت نفسه تقريباً ومن ثم توجهت الى المكتب المقفل منذ الصباح.
لاحقاً اتصلت بالمستشفى تسأل عن حال هيلين ،لكنها لم تتلق أي مستجدات باستثناء أن الخطر قد زال عن المريضة التي استعادت وعيها، وستلازم غرفتها لأيام عدة .فأرسلت لها كلير باقة أزهار مرفقة ببطاقة تتمنى لها فيها الشفاء العاجل.وفي عصر اليوم التالي زارتها فوجدتها تستند الى وسائد مكدسة وهي ماتزال شاحبة فاترة الهمة. ومالبث أن تمتم :
"يقول الاطباء ان بوسعي مغادرة المستشفى في نهاية وبعد ان اجروا الفحوصات شخصوا أنني مصابة بفقر الدم"
ثم أردفت ضاحكة :
"سأضطر الى شرب الدماء كما دراكولا "
لكن كلير لم تضحك فقد راعها منظر هيلين من الظلال السوداء تحت عينيها الى أناملها الضعيفة واظافرها المتكسرة .لكن حمداً لله أن المرض لا يتعدى فقر الدم مما سيزيل حملا ًثقيلاً عن كاهل السيدة ستور. الا ان كلير لم تنس نظرة الألم في عيني هيلين وهي تتحدث عن دنزل بلاك وممثلته المثيرة .
وعرفت أن هذا الرجل سبب المشاكل ،ومالبثت أن قالت كاذبة :"تبدين بحال افضل"
فأشرقت أسارير هيلين وقالت :
" أتعتقدين ذلك؟ وفقاً للاطباء، لا يجدر بي أن أعود للعمل ، بل علي أن أرتاح لأسابيع عدة لذلك فكرت في أن ألازم منزل أخي لكن بول ينصحني بالسفر بعد الميلاد وبما أنه مسافر الى مايوركا الى الشقة التي نملكها هناك فقد اقترح علي مرافقته "
وعلا احمرار طفيف وجنتيها ثم نظرت الى كلير بتحد قبل ان تشيح بوجهها بعيدا وأردفت :
"في الواقع كنا متزوجين لسنوات ولن يجد احد الامر غريباً "
فأجابت كلير:
" بالطبع لا. وأظنها فكرة رائعه "
ثم منحت هيلين ابتسامة دافئة وفكرت في ان بول لو اصطحبها بعيدا ستنسى دنزل بلاك وقد تفكر في الارتباط مجدداً بزوجهها والى الابد وليس أثناء عطلة الميلاد فقط.
ثم قالت هيلين وقد ازداد توردها :
" طآه وبالمناسبة جوني برتشارد هو من يتولى مسألة " البحيرةالسوداء "الان "
فردت كلير بهدوء :
" لست قلقة بشأن هذا .فما زال أمامنا وقت "
عندئذ هتفت هيلين وقد أصيبت بصدمة:
" آه ،لا ، فدنزل على عجلة من أمره "
" دعك منه الان وانتبهي الى نفسك وحسب وعلى مدى الاسابيع التالية انشغلت كلير بما يفوق العادة وبعد هذا غير مألوف فالناس لا يقبلون على شراء المنازل في الشتاء"
لكن كلير شهدت شتاءً حافلاً بالاعمال هذه المرة فقد قامت شركة ببناء بنايات ضخمة تضم شققاً فخمة تطل على الميناء ولما عجزت عن بيع معظمها لجأتالى تأجيرها عوض أن تتركها خالية فكلفت كلير بالعثور على مستأجرين مما دفعها الى قضاء الوقت برفقة أي زبون مهتم بالامر في جولات حول المكان واتفاقات حول الايجار. وبما انها امضت معظم الوقت خارج المكتب فقد عاد والدها ليساعدها قليلاً لكن ورغم ذلك يبقى عليها إعداد العديد من التقارير .
وفي أحدى امسيات شهر تشرين الثاني كانت تجلس الى مكتبها منكبة على العمل في وقت أغلقت فيه كل المتاجر الاخرى ،حين رن جرس الهاتف فجأة.
فأجابت بتأفف: " آلو؟ "
" تبدين حادة الطباع. "
أحست بتيار كهربائي يسري فيها لكنها تظاهرت بأنها لم تعرف صاحب الصوت وأجابت ببرودة :
" من المتكلم؟ "
فضحك حتى على الاحمرار في خديها ثم قال :
"اسمعي سأرسل فريقا من الرجال الى"البحيرة السوداء" وسيقدمون لي توصيات تتعلق بكيفية تجديد المكان من دون القضاء على روحه القديمة فهلا أرسلت لهم المفاتيح اليوم؟ مهندسي هو برنارد آتكنز وسيتصل بك هذا الاسبوع "
" حسنا لكن لايمكنك أن تحدث أي تغيير في المنزل قبل ان تمتلكه فعلا. "
" أعلم ذلك وكم تحتاجين من الوقت قبل أن يصبح العقد جاهزاً للتوقيع؟ "
" سيحتاج هذا لأسبوع أو اثنين . "
ثم توقفت قليلا قبل ان تجيب بصوت اكثر برودة من ذي قبل :
" اتوقع انك عرفت بمرض هيلين؟ "
" نعم لقد تلقيت منها رسالة تفسير وان عدت قبل ان ترحل الى مايوركا فأتفقدها حتماً "
فسارعت تجيب :
" لن أفعل ذلك لو كنت مكانك فهي تحتاج الى الراحة الكاملة ولا يمكنها أن تستقبل زوارا ً"
عندها تغير صوته وأضحى ناعماً حتى اقشعر بدن كلير:
" لكنها سترغب برؤيتي "
عضت على شفتيها وردت:
" قد ترغب في ذلك لكن لن يكون ذلك لصالحها "
فأردف وقد زداد صوته نعومه :
" أنت لاتحبييني كثيرأ أليس كذلك يا آنيه سامر؟ "
" أنا لا أعرفك لدرجة تسمح لي بتكوين ولو رأي بسيط عنك "
فتمتم:
"حين أعود سأحرص على أن نغير ذلك "
فما كان منها الا أن هتفت :
" علي أن انهي المكالمة ياسيد بلاك.فأخشى أنني مشغولة جداً لكنني سأتأكد من حصول المهندس على المفاتيح مع السلامه "
وبسرعه أغلقت كلير السماعة قبل ان يضيف كلمة اخرى ثم بقيت تحدق في الشارع المظلم الخالي ونبضها يخفق في حنجرتها بشدة وضعت يدها على عنقها بعصبية، ولما ضغطت على بشرتها أحست بالدم يتجمع تحت ضغط أناملها.
ومالبثت ان أخفضت يدها وهي تذكر نفسها بغضب أنه من الضروري ألا ينال منها هذا الرجل لاسيما أنه الان في الناحية الاخرى من المحيط الاطلسي وسيبقى هناك لمدة طوييلة كما ترجو لكن. في حال عاد فلا نية لها بتعزيز أواصر المعرفة بينهما ابداً.
وبعد مضي ساعه عادت الى البيت ولم تفاجأ إذ وجدت أن أحدا لم يقم بإعداد الطعام بعد وقد جرت العادة أن توزع الادوار بين أفراد العائلة لكن مع الوقت صارت كلير تعده لسبب أو لاخير فوالد كلير يتكفل بشراء الحاجيات إلا انه لا يهوى الطبخ ولايعد الى ذلك طاهياً ماهراً وكذلك هي الحال بالنسبة للباقين ولطالما اعتقد روبن وجايمي ان الطبخ من مهمة الفتيات أما لوسي فتملك نية تحضير الطعام دائماً الا انها غالباً ماتسافر مع أحلام اليقظة وتنسى الامر
لم تكن لوسي في المنزل ذلك المساء بل وصلت منتصف العشاء ثم هتفت بسعادة وهي تجلس في مقعدها المعتاد وتملأ طبقها من وسط المائدة :
"آه رائع !سجق وبصل"
فأنبها والدها :
" كان من المفروض أن تعدي الطعام هذا المساء يا لوسي! "
بدأت لوسي تئن :
" آه لا ..عرفت أنني نسيت أمراً ما .. من طبخ إذاً "
فتساءل والدها بسخرية وهو يرمقها بنظرة اتهامية:
" ومن تظنين؟ "
" أنا آسفة ياكلير لقد نسيت حقاً!بل غاب عن ذهني تماماً !سأنوب عنك ما ان يحين دورك ثانية فمتى يقع هذا؟ "
" غدا "ً
" حسناً لن أنسى "
ثم نظرت الى صحنها وأردفت :
"لم أتلق أي رسالة من مايك اليوم أيضاً وها قد مضت عشرة ايام على رسالته الاخيرة ارجو ألا يكون مريضاً "
فسارعت كلير تجيب وهي تراقب أختها بقلق :
" بل لعلها مشاكل البريد "
كانت لوسي رقيقة وحساسة وتجرح بسهولة لذلك تنفست الاسرة الصعداء عندما التقت بمايك دانكن قبل سنة فيما كانت لاتزال في الجامعة أما مايك فكان يتابع دراسات عليا في الجامعه نفسها ويعد أطروحته فيها وهو يكبرها بأربع سنين ،وقد اكتسب خبرة في عمله قبل أن يبدأ بإعداد الاطروحه .وسرعان ماأحبته الأسرة بكاملها وسرت لما خطبت لوسي الية فهو شاب هاديء ومثابر ومحب .لكنه مالبث أن تلقى عرضاً للعمل في افريقيا لسنه واحدة كأستاذ في دار المعلمين هناك .فأصر على تأجيل الزواج حتى عودته ,وافقت العائلة بأكملها مجدداً مع ان كلير ظلت تشك في دوافعه من حين الى أخر. ومع ان لوسي مازالت شابة والسنه سرعان ماتنقضي ،الا ان كلير أدركت أن غياب مايك بات يقض مضجع أختها.
مضى على سفره ستة أشهر ومن المفترض أن يعود في الربيع استعداداً للزواج. وخلال هذه المده واظب على بعث الرسائل الخطية والتسجيلية أيضاً لكن الأوراق لا تماثل وجوده الى جانبها لذلك أحست لوسي بالوحدة والملل غالباً.
ومالبثت أن تمتمت وهي تتصنع ضحكة لم يصدقها أحد:
" لا باس ما دام لا يقابل فتاة أخرى! "
فتبادلت كلير ووالدها النظرات لكن أياً منهما لم يتفوه بكلمة ومع ذلك تكهنا بما يشغل بال كل منهما فماذا لو صحت مخاوف لوسي؟ وأنباهما الارتعاش في شفتيها بالجرح العظيم الذي قد يحدثه فيها ذلك. وهتف جايمي وهو لايبالي إلا بنفسه :
" هل لي بحلوى الشوكولا؟ بالمناسبة ، اقلت لكم ماذا أريد كهدية للميلاد ؟لذا أعددت لائحة ،توفير لوقتكم ولمساعدتكم "
" لا تأتي على ذكر الميلاد حتى. "
ومالبثت كلير أن اطلقت تنهيدة عالية وهي تتذكر كل العمل الذي يستوجبه موسم الاعياد عليها ان تعد لائحة بمهماتها ولكن في الوقت الحالي أرادت أن ترجئ فكرة الميلاد حتى تعتاد عليها.
ثم أمر جورج سامر ابنه الأصغر :
" كٌل الحلوى ثم ساعد في تنظيف المادة "
وراحت كلير تراقب جايمي يضيف حصة جديدة من الشوكولا ،وذهنها غائب عنه كلياً في الحقيقة كانت تفكر في دنزل بلاك..سيتطلب منه تجديد "البحيرة السوداء" أشهراً عديدة فهل سيقيم في أمريكا في غضون ذلك ؟لا بد انه تلقى عروض عمل عدة بعد نيله تلك الجائزة .وهي تذكر أنه غادر أمريكا لأن أحداً لم يكلفه بفيلم جديد. فماذا لو تغير ذلك الان ؟حينها لن يضطر الى الانتقال الى هنا مجدداً ولعله سيبيع المنزل ما إن يجددة.
أحست بنبضها يثب مجدداً ،فشعرت بالانزعاج وعضت شفتيها .بما أنها غير معجبة بالرجل ،لم تراها تحفل به؟ وسرعان ماظهرت بوادر كانون الاول فهبت رياح ثلجية من البحر إلى البلدة ،فاكتست هذه منظراً رمادياً كئيباً وقد وقعت أسيرة سماء تكدست فيها غيوم سوداء تنبء بالمزيد من الثلج. وأخيراً تلقت لوسي أخباراً من مايك .فوصلتها ثلاث رسائل دفعه واحدة بعد أن تاخرت في بريد أفريقيا كالعادة في ذلك الوقت من السنه .
وفيما غمر الحماس والارتياح قلب لوسي ،ظلت كلير على قلقها فتقلبات مزاج أختها الجامح تزعجها ،لأنها تدل على سرعة تأثرها .وتمنت كلير لو أن مايك يعود ال الوطن في وقت مبكر.
ومن بداية هذا الشهر ،أصبحت " البحيرة السوداء" ملكاً لدنزل بلاك مما خلق هياجاً في صحف لندن وشبكات التلفزة المحلية .وانطلاقاً من ذلك ، اجتاح فرق تصوير وكالة كلير ، وحاول أن يقابلها ، لكنها طلبت منهم المغادرة ، بمنتهى البرودة ورفضت الاجابة عن أسئلتهم ورغم ذلك أذيع خبر عن الموضوع على التلفاز في ذلك المساء.
" لم لم تقابليهم ؟فمن الروعة أن نراك على شاشة التلفاز! "
فأجابت وقد رأت موافقة أبيها واشمئزاز أخوتها :
"هذا يعد من آداب المهنة .فلا يجدر بي أن أتحدث عن زبائني"
واستطاعت كلير أن تودع قسماً هاماً من أرباحها في المصرف .في الواقع ، كانت أرباح الوكالة هذه السنه أوفر مما توقعت ، وبدت في الحالة المادية جيدة جداً .فقالت لأبيها :
"أظننا نستطيع أن نوظف أحداً ليساعدني في المكتب على الاقل بدوام جزئي"
وافق ابوها قائلاً:
"وحينها ترتاحين من العمل في المناسبات ،فأنا أكره أن اراك متعبة بهذا الشكل".
هزت كتفيها بلا مبالاة وأجابت : "أنا بخير".
" لا اريد أن ينتهي بك المطاف كالمسكينه هيلين شيرارد. "
فأجابت وعيناها الزرقاوان تنمان عن غضب عميق :
" لن يحدث ذلك فلا تقلق "
في الحقيقة ،يدفعها تعقلها الى الاحتراس من أي رجل ومنعه من إخضاعها لهذه التجربة ،لاسيما إن كان رجلاً كدنزل بلاك.
في وقت لاحق من الاسبوع ، وقعت على مقال في الصحيفة عن النجمة التي مثلت في فيلم دنزل بلاك الأخير .كانت الصورة تبينها على نقالة ، في عيادة في لوس أنجلوس ، وقيل إنها تناولت جرعة مفرطة من الهيروين، حتى شارفت على الموت .ونقلاً عن "صديق مقرب" تبدلت حالة الممثلة منذ انتهائها من تصوير فيلم دنزل بلاك.
وأضاف الصديق:
" لايعود السبب الى المخدرات بل الى الحب فلم يرها كثيراً خلال الأشهر المنصرمة أما هو فقد أنهى الفيلم وأنهى معه علاقتهما مما جرح قلبها "
حدقت كلير في الصورة المبهمة ،وتراءى لها التعبير المأساوي على وجه الممثلة , وفي عينيها السوداوين الشبيهتين بالأشباح ألم تبد هيلين على هذه الصورة مؤخراً؟ترى ماذا يفعل هذا الرجل في النساء اللواتي يغرمن به؟
وفي عطلة نهاية الاسبوع ،استأجرت كلير الفيلم من متجر الأفلام المحلي ، وشاهدته مرات عدة.سحرها الفيلم نفسه وجمال الممثلة ، وكان عليها أن تقر بمهارة دنزل في الاخراج ، فالتصوير جميل ،بل ساحر ومختلف عن اي فيلم شاهدته من قبل . أما المشاهد الحميمية ،فقد صورت برقة زادت جوها الحميمي. وقبل أن تخلد للنوم ،استلقت على السرير في الظلام وهي تفكر في الفيلم وفي دنزل بلاك . ولما شاهدت الفيلم ثانية ،استنتجت أنه رجل ذكي ومعقد وخطير. وحين أرجعت الشريط الى صاحب المتجر ،سألته إن كان يملك أفلاماً أخرى لدنزل بلاك,فسلمها شريطاً قضت الليلة التالية في مشاهدته ،مرات عدة أيضاً .وبعد ذلك شاهدت كل افلامه في سلسلة سريعه ، وهي تحاول أن تكتشف شخصيته من خلال أسلوبه في الاخراج .وهي المرة الأولى التي تولي فيها مخرجاً كل هذا الاهتمام ،أو تحاول سبر أغواره من خلال نوعية العمل الذي يقدمة وأدركت أن في أفلامه أدلة موزعه هنا وهناك.
وفي عشية الميلاد ،أغلقت الوكالة مبكرا أي ما ان تجاوزت الساعه الربعه بقليل .ثم شقت طريقها في الشوارع المكتظة بالمارة وراحت تسرق اللحظات الأخيرة بحثاً عن هدايا الميلاد.
راحت تحدق في واجهة أحد محال الملابس الداخلية الغالية الثمن ، حين أحست بشخص يتوقف وراءها .ورفعت نظرها بشكل غريزي الى الواجهة الزجاجية لتشاهد صورة الغريب ،لكنها لم تر أحد. وإذا بصوت يرتفع من وراءها :
" مرحباً"
تصلبت ونظرت خلفها ، ولما عرفت ذلك الوجه سرت في جسمها قسعريرة باردة. وكيف لها ألا تتعرف إلى ذلك الشعر الأسود الناعم الذي يتدلى حتى الصدغ ، وهاتين العينين الرماديتين الثاقبتي النظر وهذا الفم القاسي.
وبقيت لثانيه عاجزة عن الحركة لا بل مشلولة وكأنها في كابوس تواجه خطراً تعجز الكلمات عن التعبير عنه ، وقد جمدها رعب كلي .وقفت تتفرس في هاتين العينين وهي تشعر أن قوة الارادة فيهما تكاد تحرقها.
وسألها بذلك الصوت الغامض العميق:
" لم تنسيني ،أليس كذلك ؟ "
في تلك اللحظة تنمت لو تستطيع أن تمئ برأسها وتجيبه انها نسيته .لكنها لن تكون الا كذبة تعرف تمام المعرفة أنه لن يصدقها.
على أي حال لم ينتظر أي اجبابة بل تابع بهدوء :
" ماذا ستشترين؟ القميص الابيض المحتشم أم ثوب النوم الفيكتوري الفضفاض الذي يزرر من الرقبة حتى القدمين ؟ فقد رأيتك تنظرين إليهما .لماذا لا يدفعك الحماس مرة الى شراء ثوب مثير كهذا الثزب الاسود ؟فباستطاعتي أن أتصورك فيه "
ثم ابتسم ابتسامه ساخرة عريضة زادتها ضيقاً وأحست بلون حارق يجتاح محياها.
طرفت عيناها ، وحاولت ا، تتخلص من السحر الذي يطوقها فيما خفقات قلبها تزداد سرعة وأنفاسها اضطراباً. وسرعان ما أحست وكأنها تستيقظ من سبات شتوي وبدا لها أن أعضاء جسدها كاملة أخذت تعمل تدريجياً بعدما توقفت مدة قصيرة .
وغمرها شعور قوي بالدوار ،جعلها تستشيط غضباً فردت عليه بحدة :
" لا أتسوق لنفسي ،بل أبتاع هدايا الميلاد! "
لم تكن تثق أن باستطاعتها المحافظة على أدبها طيلة فترة حوارهما .ولذا كان عليها ان تبتعد عن التأثير الطاغي الذي يتملكها ما إن تقترب منه. وهكذا فعلت حتى كادت تصطدم بباب المتجر .فتبعها بدوره ،ورجلاه الطويلتان تسمحان له بمجاراتها من دون عجلة .ثم أضاف :
" لأختك الصغيرة الجميلة؟ "
ولما سمعت أنه مازال يذكر لوسي تملكها الاسف .وادركت باشمئزاز أن عليها أن تحول دون لقائه أختها مجدداً .فآخر ماتريده هو أن يلحق الأذى بها لاسيما أنها مازالت حساسة في الوقت الحالي. وقد يطيح هذا الرجل بعقلها ويجرحها كثيراً تماماً كما فعل بهيلين والنجمة السينمائية .لكن كلير مستعدة لقتله إن هو اقدم على ايذا اختها.
توقفت عندباب المتجر وسالته:
"أنت لاتعيش في "البحيرة السوداء" اليس كذلك ؟ فقد سمعت ان البنائين باشروا عملهم قبل رأس السنه. "
فأجاب بجفاء :
" معلوماتك دقيقة جدا. من المدهش كم تنتشر الاشاعات في بلدة صغيرة . وبالحديث عن الاشاعات ،أود ان اشكرك لأنك رفضت التحدث الى الصحافة "
" لقد أخبرني احد الصحافيين ويبدو ان اهتماماتهم قد خبت الان.ولكن ،في حال تعطشوا الى المزيد من المعلومات مجدداً سأكون شاكراً لو حافظت على تكتمك .ففي الاشهر القليلة المقبلة سأكون مكباً على أعمالي ولا أريد أن أضيع الوقت مع وسائل الاعلام "
أومأت ببرودة وقالت:
" أفهم ذلك إنما أستنتج أنك تلجأ اليها حين تخدمك "
فاحتدت في عينيه نقطتين سوداوين وأجاب :
" نعم،فهي شر لابد منه "
" وبالحديث عن هذا عرفت من الصحافة أنك فزت بجائزة عن فيلمك الاخير. "
كانت تنظر الى الاسفل في أثناء حديثها لكنها ظلت تراقبه من خلال أهدابها وأردفت :
" أهنئك "
فراقبها هو الآخر وقد ضاقت عيناه وعلت السخرية محياه وقال:
" شكرا ً"
وازدادت كلير جرأة في كلامها :
" من المؤسف أن نجمتك باتت متوعكه منذ انتهاء الفيلم! "
واذا بها تلاحظ ملامح وجهه تشتد وفمه يقسو فيما عيناه الرماديتان يكسوهما الجليد ومالبثت أن أشاح بوجهه بعيداً.
" من حسن حظي أنني رأيتك .فقد مررت بمكتبك منذ قليل ،أملاً أن تعثري لي على مكان أقيم فيه لستة أشهر أو سنة، بانتظار أن يجهز المنزل. تكفيني شقة ،اوحتى كوخ صغير. "
فردت كلير باستمتاع:
" أخشى ان ما من مكان مناسب في سجلاتي في الوقت الحالي .لم لاتبحث على طول الشاطيء، أو ربما في نواحي يورك؟ "
فرماها بنظرة قاسية وقال:
" أحتاج الى السكن بالقرب من "البحيرة السوداء" طالما أن اعمال التجديد تجري هناك "
عندئذ ابتسمت كلير ببرودة وأجابت:
" حسناً، إذا صادفت اي مكان فسأعلمك .هل تقيم في فندق جيمي ستور مجدداً "
ومضت عيناه:
"كلا ،اذا يبدو ان لاغرف شاغرة فيه .ففي الوقت الحالي،تقيم هيلين هناك، ومامن غرف اضافية.لكنني اقيم هنا في البلدة. "

بالكاد يعد هذا مفاجئاً لاسيما بعدما سببه لهيلين!
فقالت والبرودة البارعة نفسها في صوتها ووجهها:
" انا متاكدة من انك ستكون مرتاحاً تماماًهناك ،والان علي أن أذهب الى اللقاء "
وفيما هي تستعد للذهاب ،تناهى اليها صوت لوسي ،فأحست بقلبها يقع كالحجر:
" كلير،انتظري دقيقه،كلير..."
نظرت حولها وهي تعض شفتها ،واذا بلوسي تعبر الشارع، وهي تتفادى السيارات بأبواقها الصاخبة ،وتلتف حول حافلة ، راح ساقها يزعق فيها بغضب .
ولما وصلت أخيراً ،قالت بلهاث :
" انا محظوظة ...لأنني لمحتك ...أيمكنك أن تقرضيني عشرة جنيهات ؟لقد نفذت النقود مني، ودفتر شيكاتي ليس بحوزتي ،لكني سأحرر لك شيكاً ،ما إن نعود الى المنزل"
" حسنا "ً
وراحت كلير تبحث في سرعه في حقيبتها ، حتى وقعت على العملة المناسبة.
-" ليك المال. "
وان كانت تأمل من السرعه أن تحول دون لقاء لوسي بدنزل بلاك ،فقد خاب املها .اذ رمقته لوسي بنظرة مهذبة ،ثم عادت وتفرست فيه .وفجأة علا التورد وجنتيها:
" أنت السيد بلاك، اليس كذلك؟ مرحباً صرت أقرأ عنك في الصحف بعد لقائنا في المرة الماضية.ولا أصدق أنني لم اتعرف اليك حينها.لكن فكرة تواجد مخرج مشهور في غرينهاوي لاتصدق. فلم يخطر الأمر في بالي ،كما أن كلير لم تتفوه بكلمة واحدة "
فتمتم وقد لوى فمه بسخرية:
" أختك امرأة كتومة جدا ً"
ثم رمقها بنظرة جانبية تعمدت تجاهلها وأضاف:
" وانا لا اود أن أثير اهتمام وسائل الاعلام في الوقت الحالي"
" لا طبعاً.وافهمك جيداً. "
وسالته بحماس :
" انت لا تعيش في "البحيرة السوداء" بعد، اليس كذلك؟ "
فأجابها:
" كلا،لكني أبحث عن مكان أقيم فيه بصورة مؤقته في البلدة .فان كنت تعرفين مكاناً.."
" في البلدة؟ "
وحاولت لوسي بجهد أن تفكر في اي اقتراح ،ثم أردفت:
" اتقصد منزلاً ؟ الاتستطيع كلير أن تعثر على منزلٍ؟ "
فرد:
" كلا، للأسف "
وسرعان مالتمعت عينا لوسي وقالت:
" وجدتها! لي صديقة تملك منزلاً، ووقد أحالته شققاً. وقد تكون إحداها جاهزة للإيجار في الوقت الحالي.اتريدني ان اسالها ان كانت مستعدة لاستقبالك؟ "
ولما تأملته كلير،لاحظت انه لا يبدو متحمساً للفكرة.
وسألها ببطء:
"هل هذه الشقق مستقلة ؟اعني ،الكل منها بابها الأمامي؟ "
" نعم ، وفي الواقع ،ليست الشقة كبيرة. بل تضم غرفة واسعة وحماماً صغيراً. "
ثم ابتسمت ابتسامه مشرقه واضافت :
" ولكن في حال توافرت ،لن يضرك أن تلقي النظر عليها ،اليس كذلك؟ "
فضحك واجاب لوسي:
" صحيح "
واجالت لوسي بصرها في الشارع العام:
" ترى ،اين احد الهاتف الاقرب؟قد اقع على واحد في مكتب البريد. سأتصل بجيني ،وان كانت الشقة شاغرة ،سأصطحبك اليها الان، لتتفحص المكان .انتظرني هنا ،فلن أتأخر. "
ولما اندفعت الى مكتب البريد ،قالت كلير بغضب:
" لا اظنها فكرة جيدة .فهذا النوع من التسويات محفوف دائماً بالمشاكل. "
فتمتم:
" أوافقك الراي،لكنني لا أريد ان اقضي الاشهر المقبلة في فندق .وان لم يكن لديك حل أفضل ،فقد اجدني مضطراً الى قبول عرض اختك .وبالمناسبة .هي تدخل البهجة الى القلب،بالاضافة الى أنها جميلة. أحب وجنتيها ،وذلك الفم الممتلئ الواسع ، واحب جمالها المليء بالحيويه والنابض بالحياة. "
وما كان من كلير الا ان عضت شفتها السفلى ، وقد غمرها فجأة شعور بالخوف على لوسي. فهي لا تريد أن تماثل نهايتها نهاية هيلين، وتلك الممثلة المكسيكية الايرلنديه، فتمسي شاحبة ،وتفتقر للحيوية، فيما حياتها حطام بحطام.
وتمتمت ببطء :
" بالطبع ،مازال أمامك كوخي "
فحدق فيها وهو يرفع حاجبيه:
" ماذا؟ ذلك الذي لاسقف له؟ "
" لقد اصلحت السقف منذ اسابيع خلت.في الواقع، انتهى معظم العمل الاساسي،وجهزت المنزل بالتدفئة المركزية والاسلاك الكهربائية الجديدة. "
بدا مندهشاً وهو يسالها :
"أقمت بكل ذلك بنفسك؟"
فردت وقد فرغ صبرها:
"كلا، لقد تلقيت مساعده من بناء اعرفه،لقاء ثمن بخس ،نظرا الى انني دبرت له العديد من الاعمال .كما أنعمت علي هذه السنه بأرباح وفيرة،واصبحت من الانشغال الى حد افتقرت فيه الى الوقت للعمل في الكوخ.لكن تم تجديد الديكور في بعض الغرف ، كما ان انابيب المياه صارت في حال سليمة "
فاجاب دنزل بلاك بنبرة تعكس تسلية واضحة :
" الهذا لم يبادر البناء العمل في "البحيرة السوداء؟ الانه منشغل بالعمل لحسابك؟ "
" لكنه ليس البناء نفسه.فالرجل الذي استخدمه لا يطالب بأجر مرتفع.وهو يعمل مع اخيه، وعلى الارجح لن يتمكن من تولي أمر مشروع بحجم "البحيرة السوداء"،فقد يستلزم ذلك منه سنوات"
" حسنا هل استطيع ان ارى كوخك ؟الان؟ "
" الان؟ لكن الوقت متأخر والظلام يكاد يحل.اخشى أن عليك الانتظار حتى مابعد عطلة الميلاد.
" لكنني لا اريد الانتظار .اصحبيني الى هناك الان. "
" لا استطيع.. "
وقبل ان تكمل جملتها ،رأت لوسي تسرع نحوهما فقالت في عجلة :
" لاتقل لأختي انك ستستخدم منزلي ،فانا...لا اريدها أن تعرف ...وذلك...لأسباب خاصة لا استطيع مناقشتها "
واحست بعيني دنزل بلاك الرماديتين الثاقبتين تحرقانها، وتقرآن الافكار في عينيها، فأشاحت بوجهها المتوهج .في الواقع ،لم تكن تريده ان يخبر لوسي خوفا من ان تعرف مكانه ،فتزوره كلما خطر لها ذلك.بل أرادت ان تبعد دنزل بلاك عن طريق لوسي قدر استطاعتها.
اجابها بنعومة:
"لن اخبرها ،ان رافقتني لرؤية الكوخ الليلة "
فأحست أنها تريد صفعه وهتفت :
" هذا مستحيل ! "
عندها ،هزكتفيه استهجانا وقال:
" بالطبع، المسأله تتعلق بك،اذاً، هل اخبر لوسي؟ "
ونظرت اليه والشرر يتطاير من عينيها :
" هل تقوم بابتزازي؟ "
فالتمعت عيناه بتسلية لا اثر للندم فيها :
" اذا شئت.ففي عالمي ،تتعلمين ان تستعملي الاسلحة المتوفره كلها.انت تملكين ما اريده ،وفهمت أنك لاتريدين ان تكتشف اختك مخططاتك لسبب معين ،لن اتكهن به الان .وكل ماعرضه عليك هو صفقة ،فما ردك؟ "
باتت لوسي على بعد خطوات فقط ،لذا كان على كلير ان تفكر بسرعة وفي النهاية أومات ، ووجهها تكسوه حمرة الغضب.
" حسناً.اوافق على هذها الصفقة. "
" اذا .مري بي بعد ساعة. "
وقبل ان تتمكن من الرفض ،اقبلت لوسي لاهثة:
" كانت ردة فعل جيني عنيفة,واخبرتني ان تحضر اليها تواً.هناك شقتان شاغرتان، ولكنهما في الطابق الاعلى،يمكنك ان تحصل عليهما معاً،أوعلى واحده منهما فقط. ولكن اخشى أن مامن مصعد ،وواضح ان السلالم كثيرة... "
رأته كلير يعبس بشدة ثم يهز رأسه :
" السلالم كثيرة؟كلا ،اخشى ان لامجال لاستئجار الشقة اذا .ولكنني اشكرك لتكبد كل هذا العناء يالوسي ،واجدني مضطراًللرفض. على اي حال ،لاتقلقي سأجد مكاناً آخر. والان علي الذهاب .اراكما لاحقاً، من دون شك "
وقبل ان تستوعب لوسي ماحدث،كان قد رحل ،فالتفتت الى كلير بخيبة امل:
" ه، يالهي ،ستحزن جيني بشدة لانه لن يأتي .فقد كانت متحمسة جداً، نظراً الى انها تهوى الافلام،وتعتقد انه مخرج .ولما اتصلت بها،اخبرتني انها ستجهز المكان. "
" اذا من الافضل ان تتصلي بها مجدداً،لتوفر على نفسها هذه المشقة. "
فتنهدت لوسي بعمق وقالت : " نعم،يجدر بي ذلك "
وفيما كانت لوسي تعود ادراجها الى مكتب البريد ،هتفت كلير : " اراك بعد قليل "
ثم ذهبت في الاتجاه المعاكس .كان عليها ان تستقل سيارتها وتترك المنزل قبل ان تعود اليه لوسي ، والا اضطرت الى الاجابة عن اسئلة ليس في نيتها ان تجيب عليها.فما كان منها الا ان مشت سريعاً،وهي تقطب جبينها بغضب.
انها ملزمة بتأجير الكوخ ،كي يقيم فيه دنزل بلاك فتره له ان يحدد مدتها .وهذا آخر ماتتمناه.ولكنه بطريقة او باخرى ،أحبط مناورتها .واحست كلير أنه غالباً ما ينجح في مساعيه .لكنها في المستقبل ستراقبه عن كثب ،ولن تجعه يلحق بها الخسارة مجددأ


اسيرة الماضى غير متواجد حالياً  
التوقيع
سكرنا ولم نشرب من الخمر جرعة
ولكن احاديث الغرام هي الخمر
فشارب الخمر يصحوا بعد سكره
وشارب الحب طول العمر سكران




اشعر اننى انفاس تحتضر....بين رحيل قادم... ورحيل ماضى.....متعبا كل ما فينى
رد مع اقتباس