عرض مشاركة واحدة
قديم 10-09-08, 11:43 AM   #9

اسيرة الماضى

نجم روايتي وناقدة في قسم قصص من وحي قلم الأعضاء

 
الصورة الرمزية اسيرة الماضى

? العضوٌ??? » 5714
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 2,703
?  نُقآطِيْ » اسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond repute
افتراضي

3- مصاص الدماء


يقع كوخ كلير على بعد نصف ميل من البحيرة السوداء ،وقد بني وفق الطراز الفيكتوري،من الصوان والحجر ،ويعلوه سقف رمادي من الاردواز.شيده في الاصل فلاح محلي لايواء خرافه ،وهو قريب من المراعي حيث ترعى النعجات ،بانتظار أن تضع صغارها في الاشهر الباردة الاولى من الربيع. يضم الكوخ أساساً غرفتين وحجرة لغسل الاطباق في الاسفل ،وغرفتين اخريين في الاعلى .لكنه خلا من اي حمام او حتى مغسلة .وقبل سنوات شب حرق هائل في الكوخ ، فترك فترة طويلة خاليا،متداعيا قبل ان تقدم كلير على شرائه .ولما كان السقف منهاراً.والنوافذ مهشمة وورق الجدران مقشر، تمكنت كلير من شرائه بمبلغ زهيد ، وقررت أن تعيد تصميمه وفق رغبتها.
وقف دنزل بلاك في غرفة الجلوس ,يتامل الجدران الناصعة البياض، والموقد الاردوازي الذي بقى سالما رغم الحريق ،اضافة الى قطع الاثاث الموزعه في ارجاء الغرفة ,التي اشترتها كلير بثمن بخس من المزادات .وما لبث ان تمتم:
" هذا مثير للاهتمام! ليس حميمياً تماماً،ولكنه مثير للاهتمام ،لاسيما أنه ذوقك. "
فتذمرت بدفاع :
" لم انته من الديكور بعد، اما الاثاث فمؤقت،وذلك حتى اقرر مظهر المكان النهائي "
" له جو خاص .فهذه المصابيح مثلا تناسب "البحيرة السوداء " بل تبدو وكانها تنتمي اليها.
فاحمر وجه كلير وقالت:
" لم ات بها من هناك، اذا كان هذا ماتلمح اليه "
رمقها بعينين باردتين ،واضاف:
" لم افعل .لا تردي بنزق على كل ما اقوله ،فذلك اشبه بمحادثة مخلوق شرس"
وقبل ان تبدي كلير اي رد فعل ، اردف بنعومه :
" لكني مستعد لتقديم عرض "
فتصلبت قبل ان تهتف: " ماذا؟ "
أجابها بصوت رقيق: " بشأن المصابيح "
" آه! "
استرخت مجددا ،انما قبل الاوان اذ سالها وفي عينيه سخرية باردة تتعارض مع الدم الحار الذي صبغ بشرتها: "وماذا ظننت انني اقصد؟"
ومرة اخرى ،لم تملك وقتا للاجابة اذ بادرها بسؤال جديد:
" ماذا عن الحرارة ؟"
فرمقته بارتباك ،قبل ان يفسر كلامه :
" ماذا عن نظام الحرارة في هذا الكوخ؟ "
" تنبعث التدفئة المركزية من الموقد في المطبخ . "
ولم تستطيع كلير ان تعرف تماما هل يطلق ملاحظات ذات حدين ، ام انها تتخيل الامر ليس الا.اهي شديدة الحساسية اليوم.ام انه فعلاً يتسلى على حسابها ؟ومهما كان السبب ،فقد دفعها الانفعال الى الخروج من غرفة الجلوس ، والتوجه الى الغرفة المقابلة ، التي تضم المطبخ ومائدة الطعام .وما كان منه الا ان تبعها ،ثم توقف فجأة وقد علا حاجباه دهشة.
" هذه غرفه مختلفة .أكاد احس انني بحاجة الى نظارات شمسية لشدة النور هنا؟
بالفعل ،كانت غرفة ذهبية دافئة .فالجدران مكسوة بورق الصنوبر الذي يحفظ الحرارة ، ويناسب الطاولة والكراسي المصنوعه من خشب الصنوبر ايضا.والخزانه الطويلة تحوي عدداً من الاواني الخزفيه الصينيه التي دأبت كلير على جمعها على مر السنين .اما ستائر النوافذ .فتزينها تفاحات حمراء لماعه واوراق خظراء كبيرة ،تضفي على الغرفة جوا طفولياً،مفعماً بالحيويه ونابضاً بالفرح. بدا ذاهلا لا يصدق عينيه وهو يقول: " أهذا ذوقك؟ "
ودت كير لو ترد بالايجاب ، لكن بدا من الواضح انه لن يصدقها .وكم ازعجها ان يكون على حق! فهي لاتريد ان يكون رايا عنها .غير انها اضطرت ان تقر بالحقيقة على مضض:
"في الواقع تركت لاختي حريه انتقاء الاثاث والستائر"
فأعلن ،وقد رفع حاجبيه الاسودين بسخرية :
" آه...انها لوسي اذا..وهي نسخه كبيرة لأليس في بلاد العجائب ! نعم هذا اكثر منطقية"
واستدارت كلير وخرجت من الغرفة ،ثم التفتت الى الخلف وقالت :
" في الاعلى .غرفة مفروشة واحدة "
"لكني احب هذا الخشب المكشوف ،فهو يبدو رائعاً. "
" يعني ذلك انه يحتاج الى ان يصقل جيداً.اعرف امراه بالقرية تقوم باعمال التنظيف ،لكنها تطلب اجراً مرتفعا، نظرا الى انها تحتاج لسيارة لتصل الى هنا.وقد نظفت المنزل بعد ان غادر البناء! لذا فهي تعرف المكان.
" هل يمكنك ا ن تطلبي منها تنظيف المنزل مرة في الاسبوع .اظن ذلك يكفي ،فالمكان ليس كبيراًمارأيك؟ "
" حسنا، ساتصل بها ، واطلب منها ان تخابرك ، في حال قررت أن تستأجر المكان .
" لقد سبق وقررت ،ساستاجره لستة اشهر. "
وقف في غرفة النوم الاساسية ،وراح يتامل الجدران البيضاء العارية. والسرير الفردي الضيق ، ثم نقل ناظريه الى الخزانه التي تحتل جانبا مهما من الحجرة .كما لاحظ كرسيا مندا وحيدا من المخمل الزهري اللون .ومرآة من الطراز الفيكتوري ،ابتاعتهما كلير من البلدة في العام الفائت.
بدأت كلير تشكو ،وهي لاتزال تمانع فكرة استئجاره كوخها:
" اخشى انك لن تكون مرتاحا هن ا"
فرمقها بنظرة جافة وعلق :
" بل سأكون بخير،مادمت لاتمانعين ان اجعل المنزل اكثر صلاحية للسكن ، اي ان اضفت بعض لوازمي الخاصه كرسوماتي وكتب وجهاز موسيقى "
ولم يكن باستطاعة كلير أن تبدي اي ممانعه .فاكتفت بتأمله وهو ينتقل الى النافذه ،لينظر الى البستان المظلم ،فيما ظله الطويل ينعكس على الحائط الابيض بطريقة مخيفة.
في الحقيقة ،لم يكن من السهل عليها ان تفكر في انه قد يعيش هنا،في البيت الذي اعدته لنفسها .فمنذ اشترت الكوخ ،وهي تشعر بالحماس لهذا التصرف المليء بالتحدي الذي اقدمت عليه.ولما وصل الخبر الى اسرتها اجفل اهلها ،ثم مالبثوا ان وجدوا الفكره مسلية ،قبل ان يشعروا بالسخط مجدداً.فكيف تقدم على شراء كوخ متداع ؟ومالذي دعاها الى ذلك بحق السماء ؟بل لماذا تحتاج الى منزل مستقل ؟ فلديها منزل ،يجمعها بأبيها واخويها .اما لوسي ،فستتزوج قريباً وترحل لتعيش مع مايك في مكان ما. وحينها من سيعتني بمنزل العائلة ؟ من سيكون أما حنونا لروبن وجايمي؟وقرأت كلير في اعينهم انها لاتستطيع الرحيل ،فهم يحتاجون اليها.
ولما كانت كلير تعرف ذلك.فارقتها كل نيه في هجرهم .فهي تتمتع بحس قوي بالمسألة وتحب عائلتها ، لكن فكرة الحصول على منزل مستقل ظلت تعن على بالها.
واصبحت ،كلما احتاجت الى الهروب من مشاكل الواقع،تلجأ الى هذا الكوخ .لذا ،كرهت أن ترى دنزل بلاك يقيم فيه.وعرفت انه ،لو سكن فيه اولا فسيراودها شعور غريب كلما اقبلت الى هذا المكان.
سألها : " ايمكنني الانتقال الى هنا حالاً؟ "
فنظرت اليه كمن لا يصدق :" ماذا تقصد بحالاً؟ "
" اقصد غدا "ً
" لكن غدا يصادف عيد الميلاد ،الن تكون مشغولاً برؤية أهلك؟ "
فقال بايجاز وبنبرة من يوصد في وجهها باباً: " لا عائلة لي "
وتحرك فضولها على الفور.امات أهله ؟اليس لديه إخوه او أخوات؟ ولكن ،لابد ان له عمه او خال في مكان! فكيف لاحد ان يكون من دون عائلة على الاطلاق؟
ومالبث ان اعلن :
" لم نأت على ذكر الايجار بعد. فكم تريدين في الشهر؟ "
لم تكن كلير فكرت في الموضوع ،لكنها تعرف المبلغ المطلوب مقابل ملكيات كهذه .لذا لم يتطلب منها الجواب ثوان،وتعمدت أن تطلب منه ايجاراً مرتفعاً،عساه يغير رأيه.لكنه أوما براسه:
" حسنا! قد نطلب من هيلين أن تجهز لنا عقد ايجار لستة اشهر. "
فأجابت وقد ازعجها أن يقبل من دون أن يطرف له جفن:
" فلندع ذلك الى مابعد رأس السنه .فكما تعلم ،لم تجد احداً في المكتب قبل ذلك الوقت .كما أن نزل "بلاكبور" يجيد الاحتفال بالميلاد وستكون مرتاحاً اكثر هناك "
عندئذ رد بنبرة فظة:
" أنا اكره الميلاد، واتحرق شوقاً الى تفويته "
وما كان من كلير الا ان حدقت فيه بكآبه وسالته:
" أتكره الميلاد؟ اتعني انك لاتحفل به اطلاقاً؟ "
" بالنسبة لي،هذا اليوم يماثل غيرة من الايام. وهكذا ،سأنتقل الى هنا في الغد ،وامضي الوقت في ترتيب كتبي ورسوماتي بسلام. وسأعد حساء وسلطة للغداء.ولن اشاهد التلفاز ،او استمع الى المذياع طيلة ذلك الوقت ،بل سأكتفي بالاستماع الى الموسيقى أثناء عملي.
فتمتمت :" أنا اسفه "
واذا بعينيه الرماديتين تلمعان بذلك الوميض الاسود الذي عرفته من قبل .وقال:
" اذا كنت تاسفين من أجلي فلا داعي لذلك ،بل اشعري بالاسف على نفسك .ساكون سعيداً جداً هنا، فيما اتجاهل الميلاد.ففي ذهني ذكريات بغيضة عن الميلاد التقليدي ،وانا متأكد من ان يومي سيفوق يومك تسلية وهدوءاً "
وراحت كلير تفكر في كل العمل الذي ينتظرها ،من جلبة الميلاد الصباحية ،الى ايقاظ الصبيان ،لمشاهدة ترانيم على التلفاز.، وكانت تحرص على ذلك.كي يتسنى للصبيان أن يسمعاها ،فيما يقومان بمساعدتها على مضض ،ويطلقان الشكوى ،وعيونهما تتألق حماساً . كما تذكرت هدايا الميلاد وهي تفتح ،ونباح الكلب وقد أثير حتى الجنون، بسبب هذا النشاط غيرالمألوف. واستعادت رائحة ديك الحبش المحروق في الفرن،فيما هي تسرع غاضبة لانقاذه ،وسط ضحك الصبيان.وعادت اليها ذكرى تدافعهما أثناء ترتيب المائده ،بينما لوسي تقدم الطعام ،وجدالهما وتشاجرهما ،قبل أن يتركا لها الفضلات لتنظفها .عندها ،يعمد أبوها الى النوم في كرسيه الهزاز ،فيما تقوم بغسل الاطباق مع لوسي ، ويخرج أخواها في نزهة في جو بارد جداً يصرفان فيها تلك الطاقة الزائدة كلها.ويهدأ البيت أخيراً حوالي الساعه،فترتمي في كرسي قبل أن يعودا
مطالبين بشطائر ديك حبش ،وحلوى الميلاد. رفعت نظرها الى دنزل بلاك ، وجهها البيضاوي الهاديء مفعم بالدفء والمرح.
" سيكون يومي ساحرا "ً
فتبدل وجهه وتعمد ان يتفحصها بنظراته:
" ترى،فيم كنت تفكرين؟ في رجل؟ أهو عشيقك؟ لاترتسم هذه النظره على وجه امرأة الا حين تفكر في رجل "
عندئذ تألقت عيناها بوميض جليدي، ثم أشاحت بوجهها بعيداً،وحانت منها التفاته الى ساعتها بحركة تنم عن فروغ صبر.
" اريد أن اعود الى منزلي ياسيد بلاك .قد لاتحب الميلاد ،ولكنني أحبه .ومازلت بحاجة الى عدد من الهدايا،عدا عن المهمات التي علي انجازها قبل ان آوي الى الفراش الليلة.
فعلق:
" كما انك لاتحبين الاجابة عن الاسئلة "
تجاهلته، وتوجهت نحو السلالم ،ورأسها يضج بمختلف الاعمال التي عليها أتمامها ،من الخضار التي تحتاج الى التقطيع والتخزين في البراد،الى قالب الحلوى الذي عليها تحضيره.
ومع ن كلير تحب الميلاد ،الا انه يترافق عادة مع اعمال كثيرة ،لا يساعدها فيها احد.عادة ،يخرج ابوها مع اختها واخويها الليلة لينشدوا ترانيم الميلاد حول شجرة الميلاد الضخمة في ساحة البلدة. وهي عادة درج عليها أهالي البلدة عشية الميلاد بغية جمع الاموال للمؤسسات الخيريية المحلية.والاستمتاع بوقتهم.وكانت غالباً ما ترافقهم، لكنها الليلة لا تملك وقتاً لذلك أبداً. وبلغت بها العجلة حد الانزلاق على الخشب المصقول للسلالم والوقوع الى الامام .وكادت تقع بقوة لو لم يمسك بها دنزل بلاك، ويحيط خصرها بذراعيه . واذا بقلب كلير يخفق بين أضلعها تحت تأثير الصدمة .وبقيت ثانية أو اثنتين واقفة في مكانها ،لاتاتي حركة ،فيما هو يبقيها بين ذراعيه، ولا يسمع الا نبضات قلبها. ومالبث ان مال اليها ،فأحست وكانه ينقض عليها،فيما هي عاجزة ،لاتقوى حراكاً.واذا بوجنتيه تلامسان خديها ،حتى شعرت ببشرته باردة ،ناعمة فسرت في جسمها رعشة حين خيل اليها انه سيعانقها. لكن كل مافعله هو سؤالها:
" هل أنت بخير؟ "
وكان السؤال من العنف بحيث انتشلها من غمرة النشوة وأعادها الى أرض الواقع.فحررت نفسها من قبضته بارتجاف ،ثم نزلت الدرجتين الباقيتين من السلم،وهي تقول بصوت أجش:
" نعم ،اشكرك "
واسرعت الى الباب الامامي ودنزل بلاك يتبعها من غير أن يكلف نفسه عناء اسراع الخطى.
ولما عادت كلير الى سيارتها ،تنفست الصعداء،ثم انطلقت بعيداً.لكن سعادتها كانت لتصبح أضعافاً لو تخلصت من هذا الراكب ما ان تبلغ البلدة. لاسيما ان وجودها وحيده معه هو بمثابة تجربة مرهقة للأعصاب. وفيما كانا يسيران في شوارع البلده،وقد اضاءت انوار العيد المتاجر،نظر اليها دنزل بلاك بجفاء،وقال:
" انظري الى كل هذه المتاجر بثلجها الزائف واشجار الميلاد! بات الميلاد مجرد سلعة تجارية ،ولا يحمل اي معنى ديني منذ زمن . "
فرمقته كلير بنظرة جانبية باردة:
" هذا بالنسبة اليك ربما،لكن عائلتي تواظب على زيارة الكنيسة . وسنحضر قداس منتصف الليل .ونحن غالباً ما نصلي عشية الميلاد، فهذا الطقس الديني هو الاحب الى انفسنا .وتشترك لوسي واخواي في التراتيل ،وتكون الموسيقى رائعه دائماً. "
" دعيني اتكهن ...انها موسيقى آلات الغيتار. "
أثارت نبرة الاحتقار في صوته سخط كلير ،فردت :
" كلا،لطالما كانت موسيقى الميلاد تقليدية ،وتتالف من ترانيم الميلاد ،او اناشيد لاتينيه قديمة وكلاسيكية،ونحن نملك آلة أرغن ممتازة. وتقول لوسي انهم سيغنون الليلة لموزارت وبليسترينا. "
ثم توقفت عن الكلام وخففت سرعتها ،قبل أن تشير بيدها الى اليسار ،وتضيف:
" هاهي الكنيسة .انها مصدر فخرنا ،فهي واحدة من ارقى الكنائس في هذه الناحية من انكلترا.
مال دنزل بلاك الى الامام ليحدق في المبنى العالي الذي يماثل مباني القرون الوسطى ،ببرج ناقوسه الذي يعانق السماء الحالكه ،وبسقفه المقنطر ، وجدرانه المبنيه من حجر الصوان الرمادي. ويمتد حول المبنى فناء أخضر صغير يحيط به سياج حديدي من العصر الفيكتوري ،فيما الاعشاب تنمو حول الاضرحة القديمة ، التي تظللها أشجارمعمرة.
" لم لا تأتي الليلة وتستمع الى الأناشيد؟ "
وما أن تفهوت بالدعوة حتى راته يقطب جبينه .
" لا اظن ذلك ،شكراً "
" أخائف أنت؟ "
رماها بنظرة من عينيه الضيقتين وسألها: " ومما أخاف؟ "
فأجابت بنعومه :
" من السماح لروح الميلاد بالتغلغل فيك "
لوى فمه ،فيما ومضت عيناه وأجاب :
" ربما ،وأنت ،مما تخافين؟ "
زفرت بارتياح،وأنكرت وهي تشعر بالتورد في خديها:
" انا لا أخشى شيئا ً"
فسألها بسخرية:
" حقاً؟ شعرت أنك كنت خائفة مني في كوخك "
تصلبت ،قبل ان ترد:
" اذاً كنت مخطئاً.فأنا لا اخشاك ياسيد بلاك،وانما احذر منك وحسب ، فلقد رأيت التأثير الذي تحدثه ،واعرف من اي نوع انت.ولانية لي في ان اصبح احدى ضحاياك "
ظهر الغضب على ملامحه،وأظلمت عيناه وهو يسألها :
" احدى ضحاياي؟ماذا تقصدين بحق الجحيم؟ "
ولما كانا بلغا بلاك بور ،توقفت كلير عند المدخل الرئيسي وأعلنت وقد اشاحت بوجهها عنه:
"ها قد وصلت ياسيد بلاك "
لكنه لم يترجل من السيارة ، بل لبث فيها ،وهو يتفرس في الوجه الذي بقي يتفاداه.وبعد دقيقه ،قال بجفاء:
" لست متأكدا عما تتكلمين ،لكن اذا كنت تقصدين بيلا دكلان ،فأنا لم ادمر حياتها ،بل المخدرات .ولقد ادخلتها الى عيادة ،لكنها تركتها مجدداً، لانها لم تكن مستعدة لمحاربة إدمانها ،ولعلها لن تنجح في ذلك ابداً فقد استغلت في طفولتها ،مما اثر عليها لسنوات .وبيلا فتاة مريضة جداً، وما المخدرات الا سبيلها للتغلب على الذكريات التي لا تستطيع مواجهتها. عليك الا تصدقي كل ماترويه الصحف يا آنسه سامر، فهي غالباً ماتبالغ، وتنشر الاكاذيب. "
" ولكن ،اكانت مغرمة بك حقاً؟ "
وحمل صوتها نبرة فراغ صبر ،فأجاب :
" لعلها ظنت ذلك ،لكن مدمني المخدرات يعيشون في عالم خيالي ،ولا يمكن ان تصدقي كل كلمة يتفوهون بها. "
أدارت كلير رأسها ،ونظرت اليه بازدراء حارق .ولما التقت عيناهما ،استحال لونها أحمر داكناً.فهتف بحدة:
" لا تنظري الى على هذا النحو.فأنت تجهلين كل شيء عني.مالذي يجعلك تعتقدين أنك تستطيعين الحكم علي؟ "
" لم انبس ببنت شفة ،والآن ،هل تمانع الترجل من سيارتي ؟فما زال أمامي الكثير من الاعمال، وانا على عجلة من امري، حتى ولو لم تكن أنت كذلك. "
لكنه لم يتحرك ،بل تعمد أن يسترخي ،فأسند ظهره على المقعد، ووجهه ملتفت اليها.وفيما رأسه مرتاح على يد، راح ينقل نظره عليها ،في نظرات بطيئة متوانيه .وحرصت كلير على ان تبقى متيقظة تماماً.
" شعرك يشبه ضياء القمر ،كما اسمك بالفرنسية.ألهذا أطلق عليك أبوك هذا الاسم؟ أكان لشعرك هذا اللون حين ولدت؟ "
فأجابت باختصار وهي تشعر أن خصلات شعرها تضايقها عند العنق:
" أظن امي احبت اسم كلير ليس الا "
وفكرت في عينيه المتألقتين ،وقد اختفت فيهما ارادة تقلق راحة بالها . ومالبثت ان اعلنت :
" والان ،هلا خرجت من سيارتي اذا سمحت ياسيد بلاك؟ "
" في منزل"البحيرة السوداء" سيارة فيها حاجياتي الخاصة ،وهي في الاسطبل المقفل .واريد أن انقلها الى كوخك ،وافرغ محتوياتها في الصباح فهل لي بمفاتيح الكوخ اذا سمحت؟ "
ترددت كلير أولا، ثم مدت يدها الى جيبها على مضَض, وسلمت مفاتيح كوخها. ولما تناولها منها تلامست أناملهما برفق ،فاضطرت الى كبت الرعشة التي سرت في اوصالها.وراحت تقنع نفسها ان بشرته باردة ليس الا، وأن لمسته لم يكن لها اي تأثير عليها.
وتلألأت السخرية الباردة في عينيه حين قال :
" أشكرك وسأتمادى .فأتمنى لك ميلاداً مجيداً ايضاً.وارجو ان تكون عطلتك سعيدة بقدر عطلتي. "
فردت بحده:
" شكراً،وأنا متأكدة من أنني سأكون أكثر سعادة .ففي الميلاد،كما في غيره،يحصد المرء عادة مايزرعه. "
ضحك وأجابها:
" أتقصدين أنني أستحق قضاء الميلاد وحيداً؟ اسمعي ،انتظريني هنا دقيقة ، أريد أن احضر شيئاً وسأعود في الحال"
وقبل ان تتمكن من الكلام، خرج من السيارة .فما كان منها الا ان راقبته وهو يدخل المقهى القديم.ترى ،ماذا يخطط الان؟ ثم نظرت الى ساعتها وقد عيل صبرها.يجب عليها أن تعود الى البيت ، فيكفي ما أضاعت من وقت على دنزل بلاك.وفيما هي غارقة في افكارها ،عاد وهو يمشي بتمهل ،ثم استقر في المقعد الامامي مجدداً، فالتفتت اليه كلير بتساؤل .ماذا ذهب ليحضر؟ وبعد ثوان معدودة ،رفع ما في يده حتى أخذ يتدلى فوق رأسها .فرفعت وجهها بحركة غريزية، وأبصرت الساق الخضراء، والاوراق الخضراء، وحبات التوت المتلألئة الصلبة .إنه نبات الهدال!
تمتم :
" بما أنك تبدين كأحد الوثنيين في طقوسك ،فهذا طقس يسعدني المحافظة عليه "
وما إن اتم كلامه،حتى مال نحوها وعانقها عناقاً خاطفاً، لكنه خلفها ضعيفة ، لاهثة ومصعوقة.
لبثت في مكانها صامتة وتشعر بالدوار ، فيما خرج دنزل بلاك من السيارة، من غير أن يضيف كلمة أخرى. ومن العجب أن كلير لم تنطلق في الحال وسرعان ما توقفت سيارة أخرى خلفها ،واخذت تحثها على المسير .فأدارت المحرك على غير هدى ،وتوجهت نحو الطريق العام،حيث كادت تصطدم بحافلة .ولحسن الحظ ،لم يكن السائق مسرعاً فتمكن من الفرملة قبل أن يصدمها.
وهنا ،استجمعت كلير أنفاسها وقد تملكها الرعب .ثم أومأت الى السائق باعتذار ،ومضت الى بيتها وهي ترتعد
في الواقع ،كانت مسرورة بمهماتها العديدة هذا المساء ، فالعمل اكثر أماناً من التفكير .وكلما فكرت،كلما أحست برأسها يدور، إذ لم تصدق هذا الشعور الذي ولد فيها لما عانقها .بدا لها وكأنه زلزال ،مازالت تشعر بهزاته حتى اللحظة.
لكن ،بدا ان أحداً لم يلاحظ ذلك التغيير فيها،لاسيما أن عائلتها كانت تستعد للذهاب للمشاركة في انشاد الترانيم.
وطمأنها والدها:
" لقد أحضرنا طعاماً صينياً من المطعم، فلا تقلقي علينا .هل تدبرت مكاناً يسكن فيه السيد بلاك؟ "
فنظرت كلير الى لوسي ،التي دافعت عن نفسها ببراءة :
" قلت لأبي انني أظن أنك ذهبت لهذا السبب.وقد عرفت أنك لن تتركي الرجل المسكين في نزل طيلة فترة الميلاد! "
عندئذ، ردت باقتضاب :
" نعم، وجدت له مسكنا ً"
فنظرت اليها لوسي بحماس لم يعجب كلير ،وسالتها: " أين؟ "
" في منزل جديد ،عرض للايجار في الامس .وهو خارج البلدة ، وغير بعيد عن "البحيرة السوداء". "
عندها ، هتفت لوسي بنعومه :
" يمكننا ان نساعده على الاستقرار .فلا شك أن رجلاً يعيش وحده بحاجة الى المساعدة"
" بل لايحتاج الى اي مساعده ،وهو قادر على التصرف وحده. أما إن عانى من مشاكل ،فلديه من المال مايمكنه من حلها. "
ثم حانت من كلير التفاته الى ساعة الجدار وقالت: " ستتأخرون "
فأطلق روبن شكوى صارخة: " انها محقة،هيا بنا! "
أسرعوا الخطى ،على أن يعودوا لاحقا مع باقي أعضاء الكورس ليتناولوا طعام العشاء،قبل ان يذهبوا الى الكنيسة عند منتصف الليل .أما في ال وقت الحالي ،فتستطيع كلير الاسترخاء والاستمتاع بمساء هاديء وهي تعد الطعام وتستمع الى الموسيقى,وبما أنها ستنصت الى الترانيم لاحقاً في الكنيسة، فقد قررت الاستماع الى الكونشيرتو الثالث والعشرين لموزارت وهو المفضل لديها.وأسرعت لتضيف الخضار الى حمل ضخم، ثم أدخلت المزيج الى الفرن استعداداً للعشاء، وفي انتظار نضوجه يمكنها ان تحضر الفطائر المحشوة ،التي خبزت كمية كبيره منها ،سيلتهمها أعضاء الكورس بلا شك.
كانت الغرفة المتصلة بالمطبخ باردة، لا تشملها التدفئة المركزية .لهذا ،فهي منعشة صيفاً،جليدية شتاءً. وقد وزعت فيها طاولات طويلة ،صفت فوقها قوالب حلوى بالكريما ، زينت اعلاها بخيوط متعددة الالوان من السكر ، وقطع حلوى برتقالية وحمراء وخضراء ،فبدت كأنها مجوهرات متلألئة في أوعية زجاجية.
المنزل بكامله يعبق بروائح الميلاد، من اكواز الصنوبر ،ونباتات البهشية واللبلاب التي قطفها والدها واخوها قبل أيام ،فعلقوها حول أطر الصور وعلى الشرفات والنوافذ وزينوها باشرطة لماعة ، وأوراق حمر وذهبية .كما انتشرت رائحة الطعام في أرجاء المنزل ،وهو بدوره شهي وغريب وغني، من بلح وجوز ،الى زبيب وأناناس، فأكواب العصير وأطباق اللحم.
وكانوا قد رتبوا البيت استعداداً للميلاد ،كعادتهم في كل سنه . فالأشرطة المتدلية في كل غرفة ، وأجراس الميلاد تمتد من السقف وتتوزع هنا وهناك ،فيما شجرة الميلاد تزين غرفة الجلوس قرب النافذه ، وتملأ الجو بعبق الصشنوبر. والشجرة في غاية الجمال ،مزينه بالكرات الزجاجية ، وغيرها من أدوات الزينه.
وتهالكت كلير على كرسي بذراعين قبالة النار، وبيدها فنجان قهوة .وراحت تنظر الى الشجرة بعينين ناعستين ، فيما الغرفة غارقة في ظلام طفيف، لايبدده لا نور مصباح صغير. لابد أن الاخرين سيعودون ادراجهم قريباً، لكنها تعبة الان ، وينتابها ذلك الوهن الجسدي اللذيذ. سرعان ماتثاءبت وهي تتمدد بكسل مشغولة البال ولم تمض دقائق حتى اغمضت عينيها ،وراحت في أغفاءة خفيفة.
وفجأة ،دخل دنزل بلاك الى الغرفة ، وقد انعكس طيفه الاسود المألوف على الجدران، حتى كاد يبتلعها. لم تكن قد أدركت قبلاً أنه بهذا الطول، فقد بدا لها أن رأسه يلامس السقف ،فيما قامته رفيعه كخيط الدخان ، تتلوى نحو الاعلى .واذا بدمها يمسي بارداً،ليستحيل حاراً مجدداً ، وعجزت عن التنفس ,او الكلام وشعرت أن سراً غامضاً يمنعها من الحركة.
تطلعت اليه وهي تناضل لتتحرر، وتنهض.لكنه بادلها النظرات ،وابتسامة جافه غريبة على وجهه، وعيناه الرماديتان شاحبتان وكأنهما خضعتا للتنويم المغنطيسي ،فيما قوة ارادته تقضي على كل مقاومتها . وشعرت بشفتيها تحترقان وكانه يقبلها ، تبع ذلك احساس بوهن شديد سيطر عليها .وبدا لها انه يطفو في أرجاء الغرفة بصمت ثم دنا حتى بات فوقها ، فحبست كلير أنفاسها .عندئذ ،أخذ فمه يقترب من عنقها ببطء، وهي تراقبه بانفعال وضعف ، وتتوق الى لمسته. وتدفق الدم في شرايينها وأحست كأنه يمتص حياتها مع دمها. وما لبثت أن شعرت بالاغماء تدريجياً. فراحت تتنهد بمزيج من الرعب والاثارة ،واغمضت عينيها مجدداً، حتى لفها الظلام تحت جناحه.
وصفق الباب في مكان ما، فأجفلت كلير بعنف. أكانت نائمة طيلة هذا الوقت؟ كان باب غرفة الجلوس مشرعاً، مما سمح للنور أن يتسلل من الرواق الى الغرفة.واذا بها ترى دنزل بلاك بغتة ،وهو يقف عند العتبة يراقبها.
ارتجفت كلير .هل حدث ما حدث فعلاً ؟أم كان مجرد حلم؟ ترى أهي اتحلم الان؟ وهل تحقق منامها ؟اسيطفو في أرجاء الغرفة ثم ...؟
واقبل من خلفه لوسي والصبيان وهم يضحكون ، وقد علت وجوههم حمرة البرد والاثارة ،فيما أبوها وبقية أعضاء الكورس يتجمعون من خلفهم.
واذا بصوت يصدح : " ميلاد مجيد،كلير! "
وارتفع صوت آخر :"هل أيقظناك؟ ياللأسف! "
وكشر روبن :
" طننا أنك انتهيت من إعداد الطعام أيعقل هذا ياكلير؟ اننا نموت جوعاً! "
ثم تقدمت لوسي لتدير زر الكهرباء الرئيسي ،وهتفت :
" تفضلوا جميعا ً"
وغمر الغرفة نور مشرق بهر كلير وهي تنهض من كرسيها .وجلس أعضاء الكورس في مقاعدهم وهم يضحكون ويتحدثون ، وكل منهم يحاول الاقتراب من النار،في حين انشغل بعضهم بتحية كلير وتهنئتها بالعيد.
ومع أنها لم نتظر الى دنزل بلاك ، الا انها شعرت به يراقبها. ماذا يفعل هنا بحق الله؟ وكيف تمكن من الانضمام اليهم والاحتيال ليدعونه؟
وهنا تكلمت لوسي ، وهي تنظر الى دنزل وعيناها تتألقان اشراقاً وعلى شفتيها قطرات ندية.
" لقد سمعنا دنزل ونحن نغني فيما كان يسير في الشارع ، فتوقف لينصت الينا ، وبقي مدة طويلة . وبالفعل .كان أفضل مستمعينا. "
دق ناقوس الخطر في ذهن كلير ، في حين تابعت لوسي:
" دعاه ابي لتناول العشاء معنا.والطعام وفير،اليس كذلك؟ "
فأجابت كلير بتيبس ، وقد اقشعر بدنها وهي تشاهد أختها تبتسم له:
" طبع اً"
منذ تعرف دنزل بلاك الى لوسي،وكلير تخشى هذه اللحظة ،ولم تشأ ان تبعد لوسي عنه لاميال ,فحسب بل جهدت لفصلهما عن بعضهما البعض كلياً.لكنها أدركت الان ان اختها لن تستمع الى تحذيراتها بسهولة. وهنا تقدم والدها :
" أتحتاجين لمساعدة ؟ أيها الصبيّان ،تقدما وساعدا شقيقتكما, لوسي ، احرصي على راحة ضيوفنا ،وقدمي لهم الشراب "
وأعلنت كلير وهي تخرج من المطبخ:
" لقد أعددت الشراب، وسيحضره روبن في الحال "
" مم...يبدو لذيذا ....ماذا وضعت فيه؟ هل لي بكوب؟ "
" انه محضر أساسا من عصير الفاكهة ، اضافة الى التوابل ، لكنني أضفت اليه أيضاً شراب الكرز. يمكنك الحصول على كوب طبعا، فلن يضرك أن لم تكثر منه. "
وتقدم جايمي بسلتين مليئتين بالخبز الفرنسي ، ثم سألها مقلداَ أخاه :
" هل لي بكوب أيضاً؟ "
وشرعت تراقب اباها، وهو يلبس القفازات ,ويخرج الطعام من الفرن بعناية .ثم سالته:
" هل الصينيه ثقيلة عليك يا أبي؟ "
فطمأنها :" بل أنا بخير "
كانت قد أعدت المائده مسبقاً، ووضعت السكاكين والاطباق والمناديل الورقية.القت حولها نظرة أخيرة لترى ماذا ينقص بعد، فأبصرت شخصاً يدخل الغرفة ببطء ، مشرق العينين وعلى وجهه سحر متملق.
" مرحباً كلير ،هل يمكنني مساعدتك؟ "
بدا على ملامحها أنها غير مصدقة :
" هال! لم الاحظ أنك مع الكورس ، هل عدت الى البلدة لقضاء الميلاد؟ "
منذ ثلاث سنوات ،وقعت كلير في حب هال ستيفنز، وآمنت أنه يحبها أيضاً، الى ان تزوج فجأة من امرأه أخرى ، وانتقل بسرعة من البلدة ،ليعيش في يورك مع زوجته الجديدة.
وكتب لكلير رسالة يشرح فيها الوضع، لكنه بعث بها ليلة زواجه المفاجيء فكان ان سمعت بالخبر من جار، تعاطف معها بشدة ، الا انه وفي الوقت نفسه ، غمره الفضول ليرى تعابير وجه كلير المصدومة.
ولم تتسلم الرسالة الا بعد مرور يومين ، وشرح فيها انه تزوج المرأة الاخرى لانها تنتظر منه مولوداً. وصعب على كلير أن تتذكر كيف شعرت في باديء الامر.إنما تملكها إحساس بالكرب وعدم التصديق .وعاشت لاشهر كإنسان آلي ،بالكاد يدرك المرء مايفعله أو يقوله، وانما يكتفي بالعيش.ومع الوقت ، تغلبت على المشكلة ،لكنها باتت حذرة جدا، وعلى قدر من التشاؤم وشديدة الاحتراس في مايتعلق بالرجال.
ولم تدرك أنها نفدت بجلدها إلا لاحقاً, حين استوعبت رسالة هال المثيرة للشفقة.وقد كتب فيها انه لا يحب زوجته الجديده ،بل ربطته بها علاقة قصيرة حين قضت عطلتها في غرينهاوي.في تلك الفترة ، كانت كليري مشغولة جداً،فشعر بالوحدة ،ثم أحس انه وقع في فخ لما حملت ستيفاني منه، لكن كلير مازالت المرأة التي يحب. ولاحقاً، شعرت كلير بالاسف على زوجته ، ما أن بدأت تفكر بصفاء مجدداً.فأي نوع من الزواج هذا، حين يتحدث هال بهذه الطريقة عن زوجته،ويكن لها هذه المشاعر . لوكرهت كلير الامر لو عرفت أن رجلاً ما يتحدث عنها على هذا النحو! بعدئذ، سمعت كلير ان ستيفاني تشارف الثلاثين من العمر،ولا تتمتع بقدر من الجمال ، ولكن أهلها أغنياء، وشبكة أعمالهم واسعة مزدهرة وبعد ان تزوج هال من ابنتهم ،شغل مركزاً مهماً كمدير مبيعات وبلغ ربحه حداً لابأس به.
رد عليها بابتسامه:
" كنت أغني مع أعضاء الكورس ، واصر والدك على مجيئي "
لطالما دللت والدة هال ابنها ،فظن أنه يستطيع استرضاء أي امرأه ولعله نجح مع معظم النساء.
أما كلير ،فلا ،نظرت اليه ببرودة وفي عينيها الزرقاوين سخرية واضحة .هذه المرة ، لن تقع أسيرة سحره ،لن تقع ثانية أبداً.فهي تعرفه جيداً.
قلت له انك لن ترغبي في رؤيتي مجدداً.لكنه أكد أنك نسيت الامر وسامحتني على مامضى ، وأنه الميلاد على كل حال..."
وفاضت عيناه الزرقاوان تفاؤلاً.كان اشقر ،ناعم البشرة، وعلى وجهه سمات طفولية، وسحر فائض تعود أن يتكل عليه.مما دفعها الى التساؤل عما عساه يفعل حين تمر عليه السنين، ويفقد ذلك السحر الصبياني الذي يتميز به.
" هل عدت لقضاء الميلاد مع أهلك؟ "
وكانت تعرف أن أباه وأمه أمضيا الميلاد المنصرم مع زوجته وطفلهما.وأبوه يملك متجر خرداوات في البلدة، وقد التقته في أحد أيام الربيع الفائت، فراح يتحدث بلا هواده عن حفيده ونجاح ابنه متجاهلا ما اقترفه ولده في حقها.الا ان زوجته لطالما بدت محرجة عند لقائها بكلير.
" هذا صحيح .وحين مررت "بتاون هول"ورأيت الكورس يغني ،لم استطيع مقاومة الرغبة في الانضمام اليهم. وقد استعدت العديد من الذكريات الجميلة. "
ثم أخفض بصره وتنهد ،قبل أن يردف :
" كلير.... من الرائع ان اراك. انت اجمل مما اتذكر،وانا لم انسك مطلقاً ،وانت أيضاً، أليس كذلك ؟ "
فأجابت بحدة:
" في الواقع، بما أنك متزوج ولك طفل.فعد الى الباقين يا هال،واتركني وحدي "
أمسكها بكتفيها، وقد علت الاثارة وجهه:
" سأفعل بعد دقيقة ،ياكلير ,ولكن امنحيني قبلة واحدة أولا ً"
كانت على وشك أن تدفعه بعيداًعنها ،حين أمسك به شخص آخر ورمى به الى أقصى الغرفة.
" لقد سمعتها ! أخرج من هنا! "
فعجزت كلير عن التعبير. وما كان منها الا ان حدقت في دنزل ذاهلة وقد اتسعت عيناها الزرقاوان ارتياعاً.
أما هال، فاصطدم بالجدار عند الباب محدثاً صوتاً مكتوماً.وملأ الغضب وجهه الوسيم ، ثم تطلع الى دنزل وهو يشد قبضتيه استعداداً للعراك.
فنصحه دنزل بنعومه: " لاتفكر في ذلك حتى! "
توقف هال فجأة ،وكأنه يعيد التفكير في الامر لاسيما بعد أن سمع نبرة دنزل الامرة .بدا متردداً،قبل ان يحملق فيه ويدمدم: " لاتستحق العناء".
ثم اختفى. أما دتزل ، فنظر الى كلير وقال متشدقاً:
" أهذا هو الشخص الذي وضعك في مخزن بارد؟ كنت أعرف أن الامر يتعلق برجل.فلا بد من وجود سبب لهذه الطبقة الجليدية التي أصطدم بها كلما تكلمت مع امرأة جميلة مثلك "
فأجابت كلير بحدة:
" ولم تفكر طبعاً في ان حدتي تعود لتصرفاتك! اذا لم يغمى علي في الدقيقة التي رأيتك فيها ،فهذا لا يعني أني أشكو من عيب "
بدا متسلياً:
" شيء من هذا القبيل ،عرفت أنك مررت بتجربة فاشلة ذات مرة،لكن علي الاعتراف بأن ذوقك قد خيب أملي.ماذا أعجبك في هذا الرجل بحق السماء؟ "
فأجابت وصوتها يقطر جليداً:
" أما أنا ،فكنت أتساءل مالذي يعجب النساء فيك"
ومالبثت أن اخرجت وعاء كبيراً من القشدة ،وناولته إياه قائلة:
" هلا تكرمت وسلمت هذا للباقين؟ "
لكنه لم يطعها ، بل نظر اليها من خلال أهداب كسولة ،وابتسم ،ثم أضاف:
" ألا اتلقى شكراً لأني وفرت عليك عناء صفعة؟ "
فتمتمت بفتور: " شكرا َ"
وسرعان ماقهقة :
" في يوم ما علي أن اكتشف أن كان الدم يسري في شرايينك "
وابتعد حاملاً الوعاء ،فيما تسمرت كلير في مكانها وهي تحدق فيه، وجسدها يرتعش، وقد تذكرت الحلم الغريب،اضافة الى الرعب والانفعال الذين تملكاها.


اسيرة الماضى غير متواجد حالياً  
التوقيع
سكرنا ولم نشرب من الخمر جرعة
ولكن احاديث الغرام هي الخمر
فشارب الخمر يصحوا بعد سكره
وشارب الحب طول العمر سكران




اشعر اننى انفاس تحتضر....بين رحيل قادم... ورحيل ماضى.....متعبا كل ما فينى
رد مع اقتباس