عرض مشاركة واحدة
قديم 11-09-08, 03:18 PM   #15

اسيرة الماضى

نجم روايتي وناقدة في قسم قصص من وحي قلم الأعضاء

 
الصورة الرمزية اسيرة الماضى

? العضوٌ??? » 5714
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 2,703
?  نُقآطِيْ » اسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond repute
افتراضي

6- ليلة العقاب

وعندما نهضت كلير من مكانها ، التفت دنزل اليها بحدة. فلاحظت المفاجأة في عينيه الرماديتين اللتين لم تتسعا الا لتضيقا مجدداً.
لوح اللون وجهها تحت وطأة نظراته، ثم تمتمت :
" أنا آسفة "
"هل انت من فعل هذا بي؟ "
وتلمست في صوته شكاً استطاعت أن تفهم سببه.
" بحق الجحيم، كيف....بماذا ضربتني؟ "
" لقد دسست حبوباً منومه في شرابك. "
حدق فيها بمزيج من الثبات والعبوس:
" ماذا؟ ان كنت تعتبرين ذلك مزاحاً، فأنا لا أجده مضحكاً البته "
وعاد يشد بقوة على معصمية الحبيسين، مضيفاً:
" فكي هذه الاشياء اللعينه عني! "
فدنت من السرير ، وهي مطمئنه الى انه لن يسمك بها، ثم شرعت تشرح له بصوت أجش وكلمات سريعه:
" أنا آسفه لأنني استخدمت هذه الطريقة ،لكن لم يكن بوسعي التفكير في طريقة أخرى .وكان علي أن أوقفك عند حدك، فلن أدعك تدمر حياة أختي. في الغد ،سأبعد لوسي، وأدفعها الى اللحاق بخطيبها في أفريقيا. أما لو خضعت لتجربة الفيلم ، ونالت دوراً صغيراً في فيلمك المقبل، فستفسخ خطوبتها بمايك. وأعلم أنها سترتكب خطأً فظيعاً، فلوسي تحبه ، ولكنها لن تعود الى رشدها الا بعد فوات الاوان.لذا على ان امنعها من التقدم لتجربة الفيلم غداً. ولم استطع التفكير الا في طريقة واحدة ،وهي منعك من اصطحابها. وبما انني أعرف انك لن تستمع الي المنطق ان حاولت أن اقنعك ،لذا... "
ثم توقفت ، وقد منعتها أنفاسها المخنوقة من متابعة جملتها،فتمتم دنزل من خلال أسنانه المطبقة:
"يا إلهي ، انت مجنونة تماماً! "
وبدأ يناضل مجدداً ،وهو يجذب قيوده بعنف ، ويحاول أن يقطع الحبل الذي يكبل رجليه معاً.
فقالت كلير :
" أنت تضيع وقتك وطاقتك سدى "
عندها التفت اليها، وحملق فيها فيما التوت شفتاه كذئب هائج، وصرخ:
" اللعنة عليك، فكي عني هذه !"
فهزت رأسها بعناد:
" كلا، وان بقيت تصارع هذه القيود ،فلن تؤذي الا نفسك "
أخذ نفساً عميقاً وكأنه على وشك الانفجار وقال:
" افتحي القفل إذاً! "
وثارت أعصابه لما سمع الصرير المزعج في صوته. ورغم انه مقيد وعاجز بهذا الشكل، بدا قادراً على اثارة الرعب فيها. لكن من الضروري الا يلاحظ أنه يخيفها ،لذا جاهدت لتحافظ على هدوء وجهها وجموده. أما هو ،فاستلقى مجدداً وهو يتنفس بخشونه، ويراقبها وقد بدا مطرقاً مفكراً وما لبث أن حاول مقاربة مختلفة .ابتسم لها ببطء، وقد تبدلت ملامح وجهه، واتسمت نبرة صوته بالنعومة والمنطق والسحر المتملق.
" حسناً لقد فزت يا كلير .لن أخضع لوسي لأي تجربة في الغد، أعدك بذلك. هل أنت راضية ؟ والان فكي هذه القيود. "
فهزت رأسها ،لترى ذلك المنطق اللطيف يتلاشى من وجهه، وبريقاً عنيفاً يستقر في عينيه.
" حين أتخلص من هذه ستتمنين لو أنك لم تولدي قط. "
فابتلعت ريقها في الواقع، كانت تعرف انه ينطق بالحقيقه ، لكن عليها ألا تفكر في ذلك الان ، بل ستتركه الى وقت لاحق وهي لا تشك في ان القلق سيتملكها حينها.
ولما هدأ دنزل مجدداً، وراح يرمقها مقطب الجبين ،أعلنت ببساطة:
" أريدك ان تتحدث الى لوسي "
بدا وكانه مستعد لتصديق اي شيء الان وسألها :
" أهي هنا أيضاً؟ "
" بالطبع لا. "
وحانت منها التفاته الى ساعتها ، التي اشارت الى الحادية عشر والنصف .لابد ان لوسي عادت من السينما، وفي طريقها الى السرير والوقت الملائم للاتصال بها الان.
ووصلت الهاتف بالقابس من جديد ، قبل ان تواجهه والسماعه في يدها :
" أولا ،عليك أن تعدني بان تخبرها بما أقوله لك تماماً، من دون أي كلمة أضافية "
فتساءل وعلى وجهه تعبير قلق غامض:
" ولماذا أفعل هذا؟ "
" لأنك لن تتخلص من هذه القيود حتى تقوم بهذا الاتصال. "
ضحك ، لكن عينيه لم تعكسا أي مرح:
" لا يمكن ان تكوني جادة! "
" بل أعني كل كلمة اقولها.فإما أن توافق على اجراء هذا الاتصال ،واما أن اذهب وأتركك على هذه الحال طيلة الليل. "
فتبدل مزاجه ثانية،ثم زمجر بغضب شديد:
" قد تعتبرين الامر مزاحاً، لكنه ليس مضحكاً.ولن يجد القانون ذلك مضحكاً بدوره. أتدركين عقوبة جريمة كهذه ؟ستحاكمين بتهمة الاعتداء والاحتجاز القسري.وقد تسجنين
مدة طويلة جداً. وصدقيني لن تحبي حياة السجن كثيراً، فهي غير سارة أو مريحة ،لاسيما لفتاة مثلك "
وسرعان ماسرت قشعريرة في بدنها،لكنها قررت ألا تتراجع. فقد فات اوان القلق عما يحدث لاحقاً، حين يتحرر .لذلك ،ستمضي قدماً في خطتها ، خاصة أنها أنجزت منها مايمنعها من الاستسلام. قالت ببرودة :
" لا أظنك سترغب في إخبار الشرطة أن امرأة أقدمت على تقييدك الى السرير.وقد يسخر السؤولون منك "
فومضت عيناه ، ثم رأت اسنانه تطبق وكأنه يريد ان يقطع رأسها .
ومالبث أن أضافت ، وهي تهز كتفيها استخفافاً:
" وحدث عن الدعايات التي ستنتشر ما إن يسمع الناس بالقصة، وسيقبل الصحفيون الى البلدة سعياً وراء القصة، وتتحدث الجرائد عنها بالصفحات ،يوماً بعد يوم. باستطاعتي أن أتصور العناوين منذ الان .وسيحب الناس القصة، لكن ماذا عنك أنت؟ يمكنني أن أتخيل الدعايات التي سيطلقونها .فكر في الامر.صحيح أنني قد أزج بالسجن .لكنك ستمسي محط سخرية الجميع "
رأته يستغرق في التفكير، وكأن وجهه ساحة معركة .بعد ذلك ،نظر اليها وكأنه يرغب في قتلها. فتريثت لثانية،ثم أضافت:
"سأرحل بعد دقائق ، ان لم تجر الاتصال .لذا ،اتخذ قرارك. "
جمد لبرهة وهو يرمقها ، ثم تمتم بجفاء:
" ماذا تريدين مني ان اقول لها؟ "
عندئذ، خالجها شعور مزعج بالارتياح.ما ان يتصل بأختها حنى تسير خطتها في في مسارها السليم.
" أريد أن تخبر لوسي أنك آسف لأن تجربة الفيلم قد ألغيت ، وعليك الرحيل ، وأنت غير متأكد من موعد رجوعك. "
فتشدق في كلامه ، وهو يرفع حاجبيه الاسودين بتساؤل:
" وماذا يمنعني من اجراء اتصال آخر ما أن تحرريني؟ "
" حينها ،ستكون لوسي في طريقها الى المطار. "
رأته يعاود التفكير في المسألة :
" لكنك قلت إتك ستفكين هذه القيود ، ما إن اتصل بأختك "
" سأفعل ، لكنني لن أتركك هنا وحدك، ولن تجري المزيد من الاتصالات. "
ولمحت وميضاً في عينيه وهو يسألها :
" أتنوين أن تلازميني الليل بطوله؟ "
لم تحبذ تلك النظرة التي رمقها بها، بل لم تعجب بذلك التعبير على وجهه .لكنها تظاهرت بعدم الفهم،وأجابت بسطحية:
" معظمة، نعم...حسناً ،أستجري الاتصال، ام لا؟ "
فنحها ابتسامه ساخرة وأجاب :
" حسنا ً"
شرعت تقول له:
" أخبرها فحسب..."
فقاطعها :
" اعرف ما تريدينني أن أخبرها "
" لاتضف أي كلمة او تنقص ، والا قطعت الخط قبل ان تحاول. "
ومع أنه لم يجب، لكن ملامح وجهه عكست الاجابة الشافية.
بعدئذ، طلبت كلير الرقم ، وانتظرت حتى ارتفع صوت لوسي وهو يقول بتردد: " آلو؟ "
فرفعت السماعة الى فم دنزل ، وهي على استعداد لخطفها أن لم يلتزم بما أرادته .لكنها سرت لما سمعت صوته عادياً، خشناً:
" لوسي؟ انا دنزل .اسف ان ازعجتك في هذه الساعه المتأخرة، لكن علي الرحيل لمدة واخشى أن تجربة الفيلم الغيت "
سمعت لوسي تغمغم ،وتخيلت شعور أختها في هذه اللحظة ، ثم انحنت لسماع كلماتها، فإذا بشعرها الحريري الفاتح يلامس وجه دنزل، أحست بعدها بتيار كهربائي دفعها الى الابتعاد بسرعه،فيما عيناه الرماديتان لا تفارقانها. لكنه لن يعرف أن هذا الاحتكاك البسيط جعل قلبها يدق كمطرقة بين أضلعها ،ونبضها يتسارع حتى يفوق كل تصور...
وبينما هي لا تزال تقرب السماعه من فمه ،تابع كلامه :
" لوسي ،لا أملك أدنى فكرة متى أتفرغ لرؤيتك ثانية "
وفي هذا الوقت ظل نظره عالقاً بوجه كلير ، والسخرية تملأ عينيه، وهو يضيف :
" في هذه الاوقات ، اشعر أنني مقيد ، وأنني لست سيد نفسي "
فاستشاطت كلير غضباً،وهي تسمع المعنى المبطن ، وترى فمه يلتوي بتسلية لم تشاركه أياها.
استرجعت السماعه بسرعة ،وأضغت الى لوسي وهي تقول بصوت بالك:
"دنزل...ولكن ماذا عن الفيلم ؟ألن تصوره ؟ظننت أنك متأكد من أنني أناسب هذا الدور. الا يمكنك أن تجري التجربة لاحقاً؟ أم أنك وجدت ممثلة أخرى؟ أهذا هو السبب ؟"
وسمع دنزل ذلك بدوره، فالتفت الى كلير .ولما لم تعجبها الطريقة التي رمقها بها،همست :
"قل لها وداعاً. "
بعدها قربت كلير السماعه منه من جديد فتمتم دنزل بلطف غامر:
" أخشى أنني مجبر على توديعك الان يا لوسي .انا آسف "
وبعد ان أعادت كلير السماعه الى مكانها ،استقامت متنهدة ، ثم نزعت الهاتف من قابسه مجدداً.
" علي ان أعود الى المنزل الآن، وأقنع لوسي بأن تلحق بمايك غداً. "
فتصلب قبل أن يهتف:
" لقد وعدتني أن تفكي هذه القيود ! ففكيها... هذا الاحساس بالعجز يقودني الى الجنون"
ابتسمت كلير ابتسامة باردة ساخرة وقالت :
" انا سعيدة لأنك أدركت ذلك اخيراً! "
" ماذا يفترض أن يعني ذلك؟ "
" الآن فقط ،تدرك شعور ضحاياك! "
" ضحاياي! لقد استعملت هذا التعبير قبلاً، وأنا لا أدرك الى الان عما تتحدثين بحق الجحيم. "
" آه لا، أنت بالطبع لاتدرك ذلك! "
فزمجر:
" وكفي عن هذه اللهجة الساخرة ! إن كان لديك ماتتهميني به، تفضلي .لكن دعي هذه التلميحات المبهمة "
" لقد تسببت بمرض هيلين..."
" هيلين تسببت بمرضها بنفسها! لقد تشاجرت مع زوجها ، وتطلقا.لكنها لاتزال مغرمه به ،وتعيسه لفراقه. وهذا ماسبب مرضها، وليس انا. "
" لعلها أحبت بول طيلة ذلك الوقت ،لكنها فقدت عقلها من أجلك...وأخبرتني نفسها كم شعرت بالعجز. تذكر أنني رأيتها معك ،ورأيت الحالة التي عانتها بسببك. "
فأسدل أهدابه ،واخذ يراقبها من خلال رموش سوداء، فيما عيناه تلمعان كما النجوم الفضية في سماء مظلمة.
" يبدو أنك تهتمين كثيراً بعلاقاتي مع النساء الاخريات. "
تورد وجهها ،ونظرت اليه بغضب قائلة:
" هيلين صديقتي، ولوسي أختي "
فتشدق في كلامه ، مما ضاعف غضبها:
" أهي غلطتي إن وجدتني كلاهما جذاباً؟ "
" لقد أخضعتهما لتأثيرك، وكأنك مصاص دماء عاشق! فتوقفتا عن التفكير بعقل .وبعد ان تغلبت هيلين على مشاعرها نحوك ، أخبرتني كيف شعرت....بالهوس، بل كانت عاجزة عن التفكير في أي شيء آخر، وسعت بعجز الى فك الاغلال التي تربطها بك."
ثم نظرت اليه فجأة ،وقهقهت ، من الغضب الخالص البارد الذي استبد بها.
وما لبثت أن رمته أخيراً بتلك الكلمات :
" تماماً كعجزك أنت الان! "
راقبت ردة الفعل على وجهه ، وعرفت أنه لم يحبذ هذه الفكرة .بعدئذ، اضافت بصوت خافت تشوبه المرارة:
" تماماً كعجزي حين كنت في الطابق السفلي، وتراجعت الى الجدارن وقلت لي إني سجينتك "
ولم يأت حركة، بل نظر اليها وقد استحوذت على كامل انتباهه وتمتم بهدوء:
" كنت أمزح،وهي مجرد لعبة "
فجلست على حافة السرير وسألته:
" لعبة؟ حقاً؟ لقد لمستني ضد إرادتي ،اتذكر ذلك؟ هكذا..."
وبتمهل ، مررت إصبعها الطويل على جسده، وأحست بالتوتر يتسلل الى جسده كله.
" العجز هي الكلمة التي استخدمتها .لقد قلت إننا في حرب، وانني سجينة عاجزة .والآن ،انظر من هو السجين. كيف تشعر؟ "
بدا ذاهلاً، حين مررت إصبعها برفق على وجهه :
" مالامر؟ يبدو وكأنك تعتقد أنك كنت تمزح فعلاً في الاسفل.لكني لاحظت أنك استمتعت فعلاً بتلك اللعبة التي لعبتها معي. "
واستمرت تتلمس تفاصيل وجهه ، من خديه ، الى أنفه، فعينيه وحاجبيه.
" كنت اللعبة التي تسليت بها، أليس كذلك؟ لقد تجاهلت كل احتجاجاتي ، واستغليتني بإحدى ألاعيبك الصبيانيه، ولكن ، يمكن لشخص اخر ان يشترك في اللعبة. "
واستمتعت بإنكاره،وهو لايصدق ماذا يحدث له! ثم مالت نحوه،فغمر وجهه شعرها الاشقر، قبل ان تهمس في أذنه:
" الآن حان دورك لتكون لعبتي! "
وشعرت أنه يحاول نزع القيود ، فضحكت ثم نظرت الى وجهه الغاضب، وعينيه اللامعتين.
وتجلى في صوته غضب مرير:
" إن كان من امرأة لا أتحملها، فهي المعذبة الباردة الاعصاب "
فشحب وجه كلير ، وقد كرهت النبرة التي استخدمتها ، لكنها جاهدت لتحافظ على خلو التعابير عن محياها .وقررت ألا تسعده بكشف الجرح اللذي سببه لها.
وتمتم باختصار، وعيناه لاتفارقانها:
" أما من تعليق؟ "
وبادلته النظرات من دون أي تعبير .ورغم أنها شعرت أن الكلام بعيد عن السهولة باشواط، الا انها، وبطريقة ما ، تمكنت من القول: " لا "
فقست شفتاه ،وهو يومئ برأسه، ويضيف :
" كما سبق وذكرت، أنت باردة كالجليد ، وتفتقرين الى الانفعال. لقد عانقتني لتثيري غرائزي. تلك كانت نيتك ، أليس كذلك؟ "
عندئذ ، أجابته كلير على نحو فظ:
" لا نملك الوقت لهذا "
فرد من بين أسنانه المطبقة :
" أنت لا تملكين الوقت، أما أنا ، فيبدو أن ، لدي وقت العالم كله .فلن أذهبىالى اي مكان "
" أسمع على لوسي أن تستقل قطاراً الى مانشستر في السادسة من صباح الغد.كما عليها أن توضب أغراضها قبل ذلك. وما زال علي أن أكلمها، لأنها لا تعلم شيئاً عن هذه الرحلة. "
" ألن تحتاج الى تأشيرة دخول؟ "
حاولت كلير ألا تنظر اليه . فكلما وقعت عيناها عليه ، سرت فيها ذبذبات غريبة.
ومالبثت أن قالت بسطحية:
" لقد حصلت واحدة قبل اشهر عدة، وذلك حين سافر مايك الى هناك، كي تزوره ،في حال وفرت بعض المال. "
" وماذا عنه ؟متى ستخبرينه بقدومها؟ "
" لقد سبق وفعلت. "
فأجاب بسخرية باردة:
" أنت تدهشينني. وفيك من السريه ما يفاجئني ، إذ لم تطلعي مخلوقاً على ماتخططين له "
عندها رفعت ذقنها ، متوردة الوجه وقالت له:
" لم أخبره عنك، أو عن تجربة الفيلم. بل اكتفيت بالقول إنها مفاجئة من لوسي، وحذرته من أن يذكر الموضوع سلفاً.انما علي أن اعلمه بموعد قدومها. كي يلاقيها في المطار،ويحجز لها غرفة في فندق قريب "
فعلق بجفاء، وهو يدرسها ، كمن يراقب حشرة تحت عدسة المجهر:
" لقد فكرت في كل شيء، أليس كذلك؟ "
" بل حاولت ذلك. "
وحانت منها التفاتة الى ساعتها ،وقد فرغ صبرها :
" والآن ،هل ستدعني أوثقك بالحزام، أم لا؟ لانك ، إن لم تفعل ، ستبقى مقيد اليدين طيلة الليل "
" حسناً،ضعي الحزام اللعين ، بأي وسيلة كانت "
ثم رفع جسده ،تاركاً إياحا تدس الحزام حول وركيه.
وأعلنت ، من دون أن تنظر اليه:
" قبل أن أنزع الأغلال ، عليك أن تعدني أنك لن تحاول منعي من الرحيل. فعلي أن أرى لوسي الليلة، وأتأكد من أنها ستستقل تلك الطائرة "
فتشدق في كلامه:
" سأعدك مقابل وعد منك ، عديني أنك ستعودين ما إن تسافر لوسي بالقطار غداً صباحا ً"
أومأت برأسها وقالت:
" حسناً،أعدك بأن أعود حالما نودع لوسي في المحطة "
ورد :
" اتقفنا "
لم تكن متأكدة من أن بإمكانها الوثوق به، الا أنها أخذت نفساً عميقاً ، وفكت الاغلال .
ولما سقط ذراعاه، أجفل ، قبل أن يئن ألماً.ومالبث أن راح يفرك ذراعيه.
" يا إلهي ، أعاني أكثر التشنجات سوؤا "
لكن كلير لم تنتظر .فرغم وعده ، قررت ألا تجازف ، وما أن نزعت القيود، حتى نهضت وحملت الهاتف معها، ثم اتجهت الى الباب سريعاً. ومع أنها سمعته جيداً وهو يستقيم ،ويتقلب على السرير، الا انها أيقنت أنها بعيدة عن متناول ذراعيه، فما زال عليه نزع حبل الغسيل عن رجليه المكبلتين. ولا تعد هذه بالمهمة السهلة ، لاسيما أنها تكبدت عناءاً كبيراً ، كي يصعب علي أي كان فك الحبل. وأخيراً قالت من فوق كتفها:
" سأعود في الصباح، فأخلد الى النوم "
وتجاهلت العبارة النابية التي تفوه بها دتزل.
وما أن وصلت الى المنزل ، حتى توجهت الى غرفتها، واستلقت على السرير، من غير أن تبادر إلى تغير ملابسها. راحت تصغي الى الانين المكتوم الذي وصلها من غرفة لوسي ، وبعد دقيقة ، توجهت الى هناك، أدارات زر الكهرباء.
جلست على السرير بجانبها، وتناولت منديلاً من على الطاولة المجاورة ، وراحت تمسح دموع أختها برفق.
" ما بالك؟ سمعتك تبكين. "
فارتعشت شفتاها، ثم انفجرت غاضبة بنبرة لم تعهدها كلير من قبل:
" هل كنت تسترقين السمع مجدداً؟ ألا يمكنني البكاء بسلام في هذا المنزل؟ "
وما لبثت أن بدأت تشكو:
" آه يا كلير...لقد ألغيت تجربة الفيلم، وسيرحل ثانية، ولن أمثل في أي فلم بعد ذلك "
فتمتمت كليير بصدق: " لا يفاجئني ذلك "
ثم تناولت فرشاة من على الطاوله ،وبدأت تسرح شعر أختها الأشعث.
" أظن أن تجربة الفيلم حيلة يمارسها على كل النساء اللواتي يطاردهن. "
ولما كانت لوسي تحب أن يسرح لها شعرها ، فقد خفف عنها ذلك ، وسرعان ماتنهدت :
" كنت محقة بشأنه "
" نعم. "
عندئذ أخرجت بطاقة السفر منجيبها، وأضافت :
" حسناً، يمكنك استعمال هذه إذا أردتِ "
فنظرت اليها لوسي بتعجب وكأنها تتطلع الى أرنب أخرجته كلير من قبعه.
" ما هذا؟ "
" افتحيها وسترين. "
أخذتها لوسي بريب، ثم فتحتها وهي تحاول أن تقرأها :
" رحلة إلى أفريقيا! ولكنني لا أفهم، فالرحلة عند صباح الغد، غير أن ..."
" إن لم ترغبي في السفر غداً يمكنك تغيير الموعد ، شرط أن تخبريهم بالأمر سلفاً.ولكنني اتصلت بمايك وأعلمته بمجيئك. "
ففغرت لوسي فاها، وهي لا تصدق، ثم انهمرت أسئلتها:
" اتصلت بمايك؟ أخبرته ؟متى؟ ومتى اشتريت البطاقه؟ بل ما كل هذا؟ "
حافظت كلير على هدوئها ، وهزت كتفيها بلا مبالاة ثم ابتسمت لها، وقالت :
" وما همك ؟ عليك اتخاذ قرارك قبل فوات الاوان .فقد حجزت لك في القطار غداً باكراً. كما حجز لك مايك بدوره غرفة في فندق قرب المدرسة. وقد تم تدبير كل شيء .ولم يبقى إلا تحضير أغراضك وركوب هذا القطار"
حدقت لوسي فيها بثبات وهي تعبس ثم سألتها :
" ومتى فعلت كل هذا؟ "
" منذ يومين تقريباً. "
" ولكن ...لماذا ؟ولم لم تخبرينني؟ ماذا يجري هنا؟ "
" لقد قلت لك إني لم آصدق حكاية تجربة الفيلم قط. وكنت متأكدة من أنها مجرد حيلة. "
فعضت لوسي على شفتيها وقالت :
" لا بد أنك تعتبريني غبية "
لكن كلير ابتسمت لها ابتسامة ملؤها المحبة، وأجابت :
" كلا، بل صادفت مصاص دماء عاشق، وحسب.وقد سجل هذا الرجل تاريخاً في افتراس النساء التعيسات.فهو يظهر بداية تعاطفاً ودعماً ودودين، الى أنه ينتهي في فراشهن.وما إن ينال مراده ، حتى يطيري الى مكان آخر "
فقهقهت لوسي بعصبية، قبل أن تسألها كلير:
" أليس هذا ما حدث معك؟كنت تعيسه بسبب مايك، الى ان اقتحم حياتك بتفهمه، ولطفه،حتى لم يعد بوسعك الا تحبينه. ومن ثم ، حاول جذبك الى فراشه. "
فعلا الاحمرار وجه لوسي:
" لم أخبرك بذلك قط! "
لكن كلير ردت بكآبة :
" لم يكن من الصعب علي أن أتكهن .إذ يمكن للمرء أن يتنبأ بتصرفاته. وهكذا ، كنت متأكدة من أنه لا ينوي ضمك الى فريق الفيلم .وقلقت عليك ، بل خشيت أن تكون المسألة بمثابة القشة الأخيرة ، بعد مشاكلك مع مايك، لذا ،بدأت أعد هذه التدابير فإن خضعت لتجربة الفيلم فعلاً، أوجل موعد الرحلة الى حين، لذا، لم تكن المجازفة كبيرة. كما أنك تحتاجين الى عطلة يالوسي، فقد أرهقت نفسك في العمل. ومن هنا، اعتقدت أنك بحاجة لرؤية مايك، ومناقشة بعض المساءل معه، وهي مسائل لا يمكنك مناقشتها عبر الهاتف، او عن طريق الرسائل، بل عليك رؤيته ، وجهاً لوجه "
وما كان من لوسي الا أن عضت على شفتها ، وهي عاجزة عن التوصل الى قرار ، ثم قالت وقد تشعث شعرها الاشقر، وازدادت ارتباكاُ.
" لا أدري ماذا أقول. "
" قولي إنك ستذهبين وحسب! "
وما لبثت لوسي أن عانقتها وهي تكاد تنتحب:
" أنت رائعة ! وأنا شاكرة لك جداً يا كلير... ولن أنسى ذلك أبداً..."
" لا أرغب الا في رؤيتك سعيدة يا لوسي. وأظن أنك ومايك مناسبين لبعضكما ، فهو سيسعدك كثيراً .ولم أرد أن تخسريه من أجل ثمن البطاقة فقط. وبما أن الارباح كانت وافرة هذه السنه، فيمكنني أن أرسلك . والآن ،أتفضلين تحضير حاجياتك ، أم ترك هذا الى الصباح، ومحاولة الخلود الى النوم؟ "
فهتفت لوسي :
" بل سأحضرها الآن.وباستطاعتي ان انام في القطار غداً "
وقفزت عن السرير ، وقد امتلأت حيوية وإثارة ، ولم يستغرق منها توضيب أغراضها إلا نصف ساعة، لا سيما بوجود كلير ، التي سرعان ما أجبرتها على نيل قسط من النوم.
ووعدتها وهي تطفئ النور :
" سأوقظك في الوقت المناسب صباح الغد "
ثم توجهت الى غرفتها، واستلقت على السرير بدون ان تبدل ملابسها، وهي تحدق في الظلام .في الواقع ، لم تحس بوخز الضمير لأنها أخفت الحقيقة عن لوسي. فلو أنها لم تكذب عليها ، لرفضت لوسي أن تركب هذه الطائرة ، ولخسرت الرجل الذي آمنت كلير أنه المناسب لأختها.
وهي مقتنعه أيضاُ أن لوسي لن تفوت عليها مستقبلاً مهماً في التمثيل، ولم تخضع لتجربة الفيلم هذه. صحيح أنها جميلة جداً، وتملك وجهاً مناسباً للتصوير، ولطالما أقرت كلير أنها تبدو مذهلة في الصور، لكنها لم تظهر أي موهبة في التمثيل. وقد سبق لها أن مثلت في مسرحيات المدرسة، لكنها لا تتميز بسحر على المسرح، أو على الاقل ، هذا ما لاحظته كلير.أما عن دنزل ،فلم يتظاهر مرة بأنه يؤمن بصفات النجمة فيها ، بل لم يعرض عليها هذه التجربة إلا إظهاراً لطيبته. ومع ذلك، كانت كلير متأكدة من أنها لم تخطء بشأن دوافعه قط، فلقد استخدم عمله كطعم ليغوي لوسي. ولا شك أن هذه الخطة المحكمة قد نجحت مع عشرات النساء قبلها.لكن ، من الواضح انها فشلت مع لوسي.
كان نظرها مازال موجهاً الى السقف، فعبست وهي شاحبة الوجه، باردة. لايجدر بها أن تفكر فيه. لكن فيما تفكر غيره، ولا شاغل آخر يصرف صورته عن ذهنها ؟ وسرعان مابدأت الصور المزعجة تحتشد في مخيلتها. فلم تستطع أن تصدق الذكرى التي تجتاحها .أحقاً تصرفت هكذا ؟ ما الذي أصابها بحق السماء؟ لكن صدقها، وطبيعتها الصريحة ، أبيا أن يكذبا .في هذا الظلام الموحش، لم تعد تقوى على إخفاء الحقيقة ،أو أنكار مشاعرها نحوه.فأغمضت عينيها ، وتأوهت الذكرى تمزق أحشاءها، وكأنها ابتلعت زجاجاً مكسوراً. كانت مغرمة به ، الى حد اليأس. لكن، أيعقل أن تكون بمثل هذا الغباء؟ نعتها هذه الليلة بالجنون، وكان محقاً .فمجرد الوقوع في حب رجل مثله، ضرب من الجنون. ولماذا تطلب الامر منها هذا الوقت كله كي تدرك ماذا يحدث لها؟ وكيف يخذلها العقل الذي لطالما تميزت به، هذه المرة؟ لا شك أن العداء الذي ساد بينهما يوم التقيا أعماها ، ولم تدرك أنه كان مجرد غشاء يخفي خلفه خطراً حقيقياً .وفي الليلة الاولى، شغلها القلق على هيلين ، فلم تدرك انه مصاص دماء سيقدم على أذية هيلين ليرحل بعد ذلك من دون تردد.
وهاهي الآن تتساءل ، ان كانت تجازف هي الاخرى بالاقتراب منه.
لكنها لطالما كانت باردة ، لا بل امرأة أعمال مميزة واقعية ومتزنة، وقد أقنعت نفسها أنها لن تسمح لأي رجل بأن يؤذيها مجدداً، وأن هال ، الذي كسر قلبها ،قد علمها الحذر من الوقوع في غرام الرجل غير المناسب. وحين استرجعت بعض المشاهد الخاطفة، تساءلت إن كانت لم تدرك منذ النظرة الاولى أن دنزل بلاك سيهدد سلامها الداخلي. ترى، ألم تعرف منذ البداية أن تأثيره سيكون عنيفاً كالزلزال؟ وإلا ، لماذا كان الخوف الشديد يستبد بها كلما قابلته؟ ولماذا راودتها عنه كل هذه الاحلام المزعجة؟
لقد نجحت في إنقاذ أختها من مخالبه، لكن، من سينقذها هي؟


اسيرة الماضى غير متواجد حالياً  
التوقيع
سكرنا ولم نشرب من الخمر جرعة
ولكن احاديث الغرام هي الخمر
فشارب الخمر يصحوا بعد سكره
وشارب الحب طول العمر سكران




اشعر اننى انفاس تحتضر....بين رحيل قادم... ورحيل ماضى.....متعبا كل ما فينى
رد مع اقتباس