عرض مشاركة واحدة
قديم 11-09-08, 03:38 PM   #17

اسيرة الماضى

نجم روايتي وناقدة في قسم قصص من وحي قلم الأعضاء

 
الصورة الرمزية اسيرة الماضى

? العضوٌ??? » 5714
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 2,703
?  نُقآطِيْ » اسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond repute
افتراضي



وانا عشانك بنزل الجزء السابع


7- المواجهة الصعبة

وفي صباح اليوم التالي ، وخلف ستار ذهبي خفيف، قادت كلير السيارة الى كوخها ،وهي في حال من الانفعال الشديد.
فكرت في أن الربيع قد حل أخيراً! ويبدو أن هذا اليوم سيكون صافياً، من دون غيمة في السماء.والى جانب الباب الامامي ، تفتحت براعم الزنبق الأزرق ، لتكشف عن وريقات ملتفة، وعبير ذكي يدغدغ الانفاس.
توقفت كلير لتتنشق الاريج ، وهي تدرك أنها لا تقوم الا بتأجيل موعد دخولها الكوخ، وصعودها السلالم.
كانت قد ودعت لوسي عند محطة القطار، ثم قادت السيارة الى الكوخ بتمهل، وهي شاحبة الوجه، خائفة. وأدركت أنه لم يكن بوسعها أن تبقيه مقيداً. لكنها ، في الوقت نفسه امتلأت رعباً وهي تفكر في مايقدم عليه حين يتحرر .
عضت شفتها ،وقد استحال وجهها قرمزياً، وهي تذكر الليله الماضية وما لبثت أن تأوهت بصوت عال:
" لماذا أقدمت على ذلك؟ ما الذي أصابني بحق السماء؟ "
ولكن ، عليها أن تتقبل الحقيقة إنها مسلوبة الارادة .فمنذ أن وقعت عيناها على دنزل للمرة الأولى، وهي مسلوبة الارادة، وكانها خاضعة، مهووسة، وقد سيطرت على عقلها صور غريبة ، وباتت أحلامها حسية. ولو انها عاشت في العصور الوسطى ،لا عتبروا ان الشيطان قد تلبسها. وفي الواقع، ما من صفة تناسب دنزل أكثر من هذه.
أغمضت عينيها، وقد أسندت وجهها الى الحائط الحجري .إنني أفقد رشدي ، فأنا أكلم نفسي ، وأعاني الهلوسات ، بل تراودني أغرب الاحلام...فما بالي؟ مما أشكو، عدا عن وقوعي في حب آخر رجل في العالم قد تفكر فيه أي امرأة عاقلة؟
صرخت وهي تحدث نفسها مجدداً: " أصمتي! "
فما الفائدة من الجدال ، انما عليها الدخول الى الكوخ ، ومواجهة مصيرها.
ومالبثت أن أدارت المفتاح في القفل ، وفتحت الباب .وقفت في الرواق الضيق تطرق السمع.
ما من صوت. أغلقت الباب بهدوء، وبدأت تصعد السلالم على رؤوس أصابعها ،وتتوقف بين الحين والاخر لتصغي مجدداً. وحين بلغت أعلى الدرج، سمعته يتنفس .لبثت مكانها ، ونبضها يخفق في حنجرتها، ثم سجلت وجود صوت هاديء منتظم، فاطمأنت الى أنه نائم.
بمقدورها إذاً أن تتسلل الى الداخل ، فتلقي اليه بالمفتاح من غير أن توقظه ،ثم تفر خارجاً. وخالجها شعور مزعج بالارتياح ،فدفعت باب غرفة النوم بحذر، وبعد ثانية ،فق قلبها بسرعة ، وقد وقع نظرها عليه.
كان مستلقياً على ظهره ، وعيناه مغمضتان، فيما أهدابه السوداء منسدلة على وجنتيه الشاحبتن .أما صدره فمكشوف كحال كتفيه، لا سيما أن الغطاء لايغطي سوى القسم السفلي من جسده.وأضفت الستائر المسدلة على الغرفة ظلالاً غامضة.لكن ماذا لو لم يكن نائماً حقاً؟ ماذا لو كان يتظاهر بذلك ، كي يوقعها في الشرك؟
وأمعنت النظر فيه .لا.. لو أنه يمثل فعلاً، لما فغر فاه على هذا النحو.
وشرعت كلير تتقدم نحوه بحذر ، وهي تنوي أن تضع المفتاح فوق المنضدة قرب السرير، لتتسلل الى الخارج مجدداًً.لكن ما إن بلغت منتصف الطريق، حتى تقلب في مكانه بقلق .فما كان منها الا ان جمدت في مكانها. وراحت تراقبه وهي مستعدة للهجوم إن استقام على السرير.
لكنه رف جفنيه، وتنفس بسرعة، ثم راح يئن ، وهو يلوي رأسه من جانب الى آخر. إلا أن كلير لم تسمع دمدماته، وبدت كلماته غامضه وصوته أجش. وبعدئذ، صرخ بطريقة، زرعت فيها رعباً عظيماً. لم يسبق لها أن سمعت هذا الخوف ، بل هذا الالم في صوت رجل من قبل.وبلغ بها القلق حد الهروع الى سرير ، والجلوس بقربه، لتهزه بعنف، قائلة :
" استيقظ يا دنزل! "
فتغيرت حركة تنفسه ، وصرخ كما المصاب بصدمة ، ثم فتح عينيه، ونظر إليها بغرابه ، وهو متصلب الجسم ولدقيقة، أيقنت أنه لا يدرك من هي، الى أن تلعثم:
" ما ...ما الأمر...؟ كلير؟ "
فردت بارتعاش:
" كنت تحلم... لقد انتابك كابوسٌ "
شحب وجهه حتى استحال ناصع البياض، وبدت عيناه شديدتي السواد:
" وكيف علمت؟ ماذا قلت؟ "
ولما رأت ارتباكه ، نظرت اليه غير مصدقة ، فهذا لا يناسب الرجل الذي تعرفه . غير انها سارعت تطمئنه بدافع غريزي:
" لم تكن تتكلم بل تصرخ. "
ومهما كان الحلم الذي راوده ، يمكن لكلير أن تجزم أنه يبدو وكأنه رأى الجحيم بعينه. ومع ذلك ،بدا كل همه ألا يعرف أحداً سبب تلك الكوابيس التي غزت مخيلته.
وتنهد بتثاقل، ثم وضع ذراعه على وجهه، في حركة مستها في الصميم ، بدا لها أشبه بطفل يحاول أن يختبئ ، وقبل أن تدرك ما تتقوم به، أزاحت خصلاته شعره الاسود عن جبينه، ثم تمتمت بنعومه :
"أنت بخير الآن .لقد انتهى الكابوس وحل الصباح "
وبصوت لم تسمعه قبلاً، رد بانزعاج:
" بل لن ينتهي أبداً. فتلك هي حال هذه المسائل. تعود الينا في الاحلام مراراً وتكراراُ، كين نكون نياماً، وقد رمينا بأسلحتنا جانباً "
ترددت كلير ، ثم قالت بصوت يخالطه الشك والاجفال:
" يبدو الامر خطيراً. هل تريد التحدث عنه؟ "
فضحك بصوت خشن وقال:
" وماذا تتوقعين ؟ سراً رهيباً ومخيفاً؟ كلا يا كلير، ما من سر غريب أو خاص في كوابيسي. مجرد ذكريات من الطفولة، كان يجب ان أدفنها منذ مدة طويلة "
وغمرها الارتياح لبرهة، لكنها مالبثت أن تذكرت الأصوات التي أصدرها، فعبست وقد أيقنت أن هذا الرعب حقيقي ولا يحتمل. سألته، وهي تدرك أنها تجتاز طريقاً وعراً، وأن عليها أن تخطو كل خطوة بحذر شديد:
" هل كانت طفولتك تعيسة؟ "
كانت تعرفه بما فيه الكفايه ، لتجزم أنه ليس من الرجال الذين يفصحون عن مشاعرهم الخاصة، وهو يماثلها في ذلك سرية . ومن هنا، لسعتها المفأجأة، حين اكتشفت للمرة الاولى في حياتها، أنها يتشابهان بطريقة ما.
وبعد صمت طويل، تذكر دنزل بخشونه:
" لقد تخللتها بعض للحظات التعيسه. "
فتنفست بعمق، وقد أجفلها ما شعرت به من سعادة ، حين أجابها ، ولو بهذا القدر من الكلمات .وسرعان ما أحست كمن أقنع طيراً برياً بالتقاط بالبذور من يده.
ثم سألته بحذر، إنما بنبرة حاولت مابوسعها لتبدو عادية:
" ألم تتفق مع والديك؟ "
فقهقه بغضب، ثم أخفض ذراعيه ، ونظر اليها بعينين رماديتين حادتين :
"والدي؟ حين بلغت الثانية من عمري، هربت أمي مع رجل آخر. اما والدي، فلم يعرف ماذا يفعل بي.لذا ، رماني لأخته، ثم اختفى بدوره. وكان لأخته أربع صبيان ، بلغوا سن المراهقة. ولو قلت إنهم لم يرغبوا في وجودي ، للطفت الحقيقة. فقد كان شغلهم الشاغل أن يحيلوا حياتي جحيماً، لا سيما أن مخيلتهم كانت واسعة. "
فأجفلت وسألته:
" أتعني أنهم عذبوك؟ "
" فكروا في مئات الوسائل ، ليدفعوا صبياً صغيراً الى حد تمني الموت. "
واجتاح الرعب قلب كلير، وقد حدقت فيه بعينين قاتمتين:
" لكن... لمَ لم تخبر أحداً... كعمتك ،أي أمهم؟ لمَ لم تخبرها؟ "
فزادت السخرية ملامح وجهه حدة:
" كانوا أذكياء. فلم يتركوا آثاراً على جسدي ، بل في عقلي وحسب. ولم ترغب عمتي فلورا في رؤية ما لا تريدرؤيته. فهي لم تكن تريدني بدورها طبعاً، لاسيما أنها أرملة، ولا تملك الكثيرمن المال. ولم تستقبلني إلا لأنه واجبها، كما اخبرتني مرات عديده. إنها امرأة متدينة، تؤمن بالواجبات ولا تكشف عن عواطفها الانسانيه، الا في ما يتعلق باولادها ، ولقد أشرفت على غذائي ، وملبسي ، كما واظبت على اصطحابي الى الكنيسه مرة في الاسبوع. ولم تكن قاسية القلب، بل مجرد امرأة غير مبالية. كما أن الوضع لم يكن بهذا السوء عند وجود الصبيان في المدرسة، لكن أيام العطل ونهاية الاسبوع كانت مرعبة في نظري. وقد كرهت الميلاد خاصة ، يضطر الجميع الى قضاء الوقت في المنزل بسبب حالة الطقس، مما يدفعهم الى البحث عن وسيلة للتسلية، أي أنا. فيمارسون مداعباتهم السمجة، كما يسمونها، الى ما لا نهاية. وحين يطلق الناس هذا المزاح عبارة مداعبات سمجة، فهم يقصدون مداعبات قاسية كما تعلمين. فهذا المزاح ينطوي دائماً على القسوة ، التي لا تعجب الضحية أبدأً. وهنا ، تمتمت كلير بهدوء:
" أعرف ماذا تعني. فأنا أكره المداعبات السمجه، حين أكون هدفها. قل لي، اينوع من المزاح كان؟ "
فكشر وقال:
" آه ،كانت خدعاً تهدف الى الاغاظة في معظم الاحيان. لكن حين يكون المرء في الرابعه من عمره ، فإنه يراها العذاب بعينه. وحين بلغت ميلادي الخامس، غمروا سريري بإبر أشجار الصنوبر، وأجبروني على الاستلقاء فيه، صحيح أنني لم أحتضر ، لكنها خدشتني كالقراص. وفي بعض الاحيان، كانوا يدفعونني الى خزانة تحت السلالم، ويحبسونني فيها. لطالما أرعبني الظلام الدامس الذي يغمر المكان. ومنذ ذلك الحين ، وأنا أعاني رهاب الاحتجاز. وقد اعتادوا إخفاء هداياي ، او رميها حتى تتكسر، ثم يتركونني لأتلقى اللوم. وبما أن عمتي تؤمن بالعقاب الصارم، فقد اعتادت ضربي جزاءً على ما يقترفه أولادها. وأذكر لعبة كانوا يحبونها كثيراً، وتدعى الكعكة المحمصة ، ووفيها يمسكونني فوق النار، ويتظاهرون بتحميصي. ومع أنهم لم يوقعوني مرة . لكني لم أكن متأكداً من نيتهم . في الواقع، كانت هذه القسوة العقلية نموذجية، أي أنني لم أكن أهتم لما يفعلونه بي، بقدر ما يقلقني ماقد يفعلونه لاحقاً. وكانوا يقدمون على لوي ذراعي، ونتف شعري كلما رأوني ، وكأنهم يرفسون أي كلب "
في تلك الاثناء كانت كلير تحاول مقاومة دموعها ، وقد شحب وجهها . وتملكها مزيج من الغضب والألم وهي تتخيل صبياً صغيراً يتيم الأم ،يحاول أن يتحمل كل هذه الصعوبات.
ومالبثت أن سألته بصوت أجش:
" وكم من الوقت مضى قبل أن تتغلب على كل هذا؟ "
فكشر وأجابها:
" خيل الي أن الوقت أبدي، لكنها كانت خمس سنوات أو ست تقريباً، على ما أعتقد. وحين بلغت الثامنه، كانوا قد تخرجوا من مدارسهم ، وبدؤوا يعملون او يرتادون الجامعه، وقد ملوا من التسلي بتعذيبي".
ففكرت بصوت عال:
" الأن فهمت لمََ تكره الميلاد "
عندئذ رماها بنظرة جانبيه سريعة وسألها :
" هل أخبرتك بذلك؟ "
ولما أومأت برأسها ، ابتسم وهو يلوي فمه :
" نعم ، في الواقع، كان عيد الميلاد أسوأ يوم في السنه، وكم كرهت التعارض بين كلام أمهم عن ضرورة انتشار المحبة بين الناس، وبين ما يقترفه أبنارها بحقي، بعلم منها أو من دون علم. "
فقاطعته وهي جزعة:
" وكيف أمكنها أن تفعل هذا ؟"
" أظنها لم تكن ترغب في الاطلاع على الامر . ألا تفضل الأمهات أن يؤمن بكمال أولادهن، لاسيما في فترة الميلاد؟ تعلمت أن أكره الموسم بأكمله، من الخدمات في الكنيسة ، الى ترانيم الميلاد، فبطاقات العيد بكلماتها المحبة، هذا الى نباتات البهشية والاشرطة اللماعة. وبدا لي أن في العالم أجمع عائلات تجمع شمل أفرادها ، وكانت برامج التلفزيون تحفل بافلام قديمة العهد، فيما الترانيم لا تنقطع مطلقاً من المذياع... ولم يكن باستطاعة المرء أن يهرب من هذا الجو أينما ذهب. أما أنا ، فقد اعتبرت كل ذلك مجرد حلة زائفة. "
" أتفهم لما فكرت بهذه الطريقة. "
ولم تشأ أن تجادله ، فليس الأوان أو المكان مناسبين لتحاول أن تغير نظرته الى الميلاد. وبدلاً من ذلك ، قالت بنعومه:
" لا عجب أن الكوابيس تنتابك. يبدو أن ما حدث في طفولتك قد ترك فيك أثراً لم يتركه أي حدث آخر في حياتك، أليس كذلك؟ "
فتذمر ،والسخرية في عينيه، ثم قال:
"هذا مايبدوا .ياللتفاهة! ألا توافقيني الرأي؟ ها قد مرت عشرون سنه تقريباً على مون عمتي ، ولم يقع نظري مرة أخرى على أي من أبنائها. كان علي أن أنسى مافعلوه بي، ولكن ..."
وهز كتفيه استهجاناُ، قبل أن يضيف بسطحية :
" من الغرابة أنها ماتت فجأة في عيد الميلاد، إثر نوبة قلبيه .وبما أن أحداً لم يلاحظ قبلاً أنها تعاني من القلب ، فقد كانت الصدمة عنيفة. "
ومالبث أن صمت عن الكلام ، وهو شاحب الوجه .بعدئذ، هتف بصوت خشن :
" لا .ليست هذه الحقيقة الكاملة. لم يحدث أن أخبرت أحداً بهذا، ولكن ماجرى بسببي. فأنا من تسبب لها بتلك النوبة القلبية. "
ففي يوم الميلاد ذاك ، كان ابنا عمتي قادمين مع افراد عائلاتهم، لا سيما بعد أن تزوج اثنان منهم، وانجبا الأطفال.أما الاثنان الباقيان ، فقد استعدا للمجيء مع صديقتيهما. وكادت عمتي تطير من الفرح. وظلت طيلة الوقت تمدح الميلاد على أنه يوم رائع تجتمع فيه العائلة . ثم راحت تثني على أبنائها المحبين. وفجأة فقدت أعصابي ، وأخبرتها أي نوع من الوحوش القساة هم أبناؤها، وكم اكرههم..."
ثم صمت وهو يتنفس بارهاق، ولا حظت كلير كم ترتعش يداه. فأمسكتهما معاً، وقد أخافتها النظرة على وجهه .
وحدق في أيديهما المتشابكة ، قبل ان يرميها بنظرة مستغربة:
"هل تبدين نحوي لطفاً وتعاطفاً يا كلير؟ "
فتوردت وجنتاها لما سمعته من تهكم جاف ، وحاولت أن تسحب يديها ، لو لم يشد قبضته.
" أنا لا أحاول أن أهاجمك. لكنني غالباً ماشاركت في هذا المشهد، عادة أكون المستمع الجيد، فأصغي الى الناس، وهم يفصحون عن مشاكلهم . أما هذه الطريقة، فلا. وغالباً ما يكون جزءً من عمل المخرج، لاسيما حين يعمل مع ممثلين انفعاليين ومزاجيين. "
فأشارت كلير بنبرة جافة :
"ولا سيما إن كن ممثلات جميلات..."
التفت إليها وقد التمعت التسلية في تظراته:
" يا لها من ملاحظة خبيثة! "
فازداد التورد على وجهها .ترى ، هل اكتشف نبرة غيرة في صوتها؟ لو فعل، فلن تسامح نفسها أبداً.
وأضاف دنزل بجفاء:
" علي أن أقر أن تجربة الوقوف من الجهة الاخرى للكاميراجديدة.لكن ،لا أريد لذكرياتي المثيرة للشفقه أن تصيبك بالملل. فما من كلام يضجر أكثر من ذكريات إنسان آخر"
فطمأنته بكلمات عنتها فعلاً:
" لكنك لا تشعرني بالملل! "
وكشف ملامح وجهه عن سخرية وهو يقول :
" لا أريد إخبارك بالمزيد، حرصاً على صورتي. "
ثم توقف وهو يعبس ،قبل أن يضيف بلهجة فظة :
" أردت أن أؤذي عمتي. لقد تملكني الغضب حين رأيتها بهذه السعادة والرضى عن نفسها وعن صبيانها. وظللت أتذكر أعياد الميلاد التي مرت بي ، أنا الذي لطالما بقيت غريباً في ذلك المنزل، أنا الذي لطالما تجاهلوني أو ضايقوني... وشعرت بموجة عاتيه من الغضب ، فهتفت بالحقيقة في وجهها, وكنت في تلك المرحلة من المراهقة حين يبدأ المرء بالثورة ،وبررت لنفسي قولي الحقيقة. وبالطبع لم تصدق كلامي، أو على الأقل لم تقره.وبدأت تصرخ بدورها...وفجأة ،أخذت تختنق وهي تقبض عى صدرها. ومالبثت أن ترنحت ، وتهالكت على الكرسي. فخفت ، وما كان مني إلا أن انحنيت نحوها لأسألها إن كانت بخير. لكنها ضربتني ،لتكون هذه ضربتها الأخيرة. "
ورفع رأسه مجددأً، ونظر الى كلير وهو شاحب الوجه،ثم قال:
" آخر مافعلته هو ضربي، ومن ثم ، لفظت أنفاسها الآخيرة، من غير أن أحاول مساعدتها. "
وشعرت كلير برغبة قوية في إحاطته بذراعيها. ولكن خوفاً من ذلك ، شدت من قبضتها على يديه وعلقت:
" لا بد أنك خفت كثيراً. فقد كنت كجرد مراهق يشعر بالذنب... وأظن أنك لم تدرك ما لعمل ، أليس كذلك؟ "
" في الواقع، لم تكن لدي أدنى فكرة .ففي لحظة ، كانت تصدر هذه الجلبة الرهيبة ، لتتوقف عن التنفس في اللحظة التالية. "
ونظر الى كلير بثبات ، وعيناه شديدتا السواد ، قبل أن يضيف :
" لم أحاول أن أساعدها حتى ، وهذا ما لا يمكن أن أنساه أبداً. بل وقفت هناك، أحدق فيها، وكأن ****ب الزمن قد توقفت .وأظن أن نفسها الأخير قد أحالني ...لا أدري ...خدراً.وبدا لي غريباً، ان يكون آخر ما أقدمت عليه هو ضربي. "
فتمتمت بنعومه:
" كنت في حالة من الصدمة "
" أظن ذلك .وكل ما أعرفه أنني وقفت ، فاغر الفم، ومن ثم ، تملكني الرعب الشديد .ولم أحاول أن أقوم بالإسعافات الأولية، بل اكتفيت بالهرولة والاتصال بسيارة إسعاف.وأخيراً جاء الطبيب، وأخبرني أنها ماتت في الحال ، لكني لم أتأكد قط من صحة كلامه. "
" كنت مجرد طفل يا دنزل! ولا عجب إن انتابك الرعب الشديد. "
" لست أدري.ربما ، إن فعلت شيئاً... كالتنفس الاصطناعي مثلاً، أو محاولة انعاش قلبها مجدداً، لكانت نجت من الموت. لكنني لن أعرف ذلك أبداً. "
وشعرت كلير برغبة في البكاء .فعيناه أشبه ببئر عميقة، مظلمة من الألم ، ومالبثت أن همست :
" وقد لازمك الشعور بالذنب منذ ذلك الوقت "
ابتسم ابتسامة ملتويه وقال:
" منذ ذلك اليوم ، وأنا أحاول أن أنساها. لكنك محقة، فقد شعرت بالذنب فعلاً. وحري بي ذلك. لقد منحتني مأوى حين لم تكن مضطرة لذلك ، ولم تكن هي من أساء معاملتي، بل أبناؤها. وهم الان، بالمناسبة، أعضاء في المجتمع يحظون بالاحترام على ما أظن. ولسوء حظي كانوا في تلك المرحلة القاتلة من المراهقة حين ظهرت بينهم. فأنت تعرفين أن المراهقين يمرون بمرحلة يخيفون فيها غيرهم من الأطفال، لمجرد التسلية. ولا يمكنني أن ألوم عمتي على ذلك، كما لا يمكنني أن أحملها ذنب العوشاطف التي لم تظهرها لي، لا سيما أن لها أربعة أبناء من لحمها ودمها "
ولبرهة ،ساد بينهما الصمت ، قبل أن تساله كلير :
" وماذا حدث بعد موت عمتك؟ "
" في ذلك الوقت، كان أبي قد مات بدوره ، أو ضاع في البحر قبل سنتين ، فيما كان يعمل ضمن طاقم سفينه. أظن أنه قفز من على متن السفينه حين كان ثملاًُ .لكن موته اعتبر حادثاً، رسمياً. "
" وماذا عن والدتك؟ "
" الله وحده يعرف مكانها. ومن يدري ؟ لعلها ميته أيضاً، ولكن قلما أهتم.فقد اختفت منذ كنت في الثانية من عمري ، ولم يرها أحد أو يسمع عنها منذ ذلك الوقت. وبالطبع، ورث أبناء عمتي كل ممتلكات أمهم، ومن ضمنها المنزل ، وبعض الاغراض الخاصة.وباعوا البيت ، ثم وزعوا الأموال في ما بينهم ، وإذا بي أجد نفسي من غير مأوى. "
وأجفلت كلير وهي تسمع الكآبة في صوته. لقد فسر لها حديثه الكثير عن شخصيته، وعن كل مأ احست به منذ التقت به . لقد أحست حينها أنه رجل انطوائي ، بعيد عن الدفء الانساني، وكأنه يراقب حياة الاخرين من شبابيك مضيئة، فيما هو واقف في الخارج ، في الظلام. نعم، لطالما كان دنزل دخيلاً وما لبثت أن سألته برفق:
" إذاً ،ماذا حدث لك بعدئذ؟ "
وإذا بوميض من التسلية الباردة يلمع في عينيه وهو يجيب:
" صادفني الحظ للمرة الاولى.. على فكرة ، لي نظريتي الخاصة في الحياة والكون وكل مايحيط بنا، وتستطيعين القول إنني أؤمن بالتوازن .فإن عانيت من الحظ السيء مرات عدة، ستدور عجلة الحظ عاجلاً أم أجلاً. يمكنك ان تسمي ذلك ماشئت: العناية الإلهية، أو التعويض، أو غيرها..في يوما ما ،سيبتسم لك الحظ. كانت حياتي غاية في التعاسة، الى أن أصبحت راشداً تقريباً. ولكن منذ اليوم الذي قضت فيه عمتي ،تبدلت مسيرة حياتي. فقد عرضت علي إحدى معلماتي منزلاً حتى بلغت الثامنه عشرة . وكانت مختلفة جداً عن عمتي .ومع أن لها أطفالاُ أيضاً، إلا أنهم كبروا جميعاً ،وانتقلوا للعيش بعيداً عن المنزل. لذا تحب هي وزوجها أن يستقلا الشبان في بيتهما. "
وتغير وجهه ، فأضحى أكثر نعومه ودفئاً، مما بدل مظهره كله.
وعلقت كلير بتردد:
" يبدو الي أنهما رائعان "
فابتسم :
" فعلاً .لقد أنعم الله على آل داريل بعقل منفتح، وقلب نابض بالحياه.وما زالا على تلك الحال، رغم تجاوزهما السبعين من عمرهما الآن. وقد تبدلت حياتي منذ انتقلت للعيش معهما ، فالتحقت بالجامعه، حيث تابعت دروساً في التصوير. ومن هنا بدأت أهتم بمهنتي العتيدة .وما زلت أزورهما من وقت الى اخر، ولم أقطع علاقتي بهما ابداً "
" وماذا عن أبناء عمتك؟ "
فاحتدت ملامح وجهه مجدداً، ثم أجابها:
" لم أرهم قط "
ثم توقف قليلاً قبل أن يضيف:
" أحاول ألا أفكر فيهم أيضاً، ولم تعد هذه الكوابيس تنتابني كثيراً، الا إن كنت مرهقاً، أو أتعرض لضغط ، أو لمضايقة. فتعود الأحلام الى الحياة مجدداً. "
وفجأة ، احست كلير وكانها أصيبت بصدمة، وسرعان ما شحب وجهها، وشعرت بالسوء، وعرفت أنها لم تدرك الأمر حتى هذه اللحظة، فتمتمت :
" لقد...انتابك الكابوس الآن ، لأنني قيدتك الى السرير...هذا هو السبب ،أليس كذلك؟ "
فهز كتفيه بلا مبالاة، ولم يجب لكنه لم يكن مضطراً لذلك. وأدركت كلير ما اقترفته في حقه، بعد كل هذه الوحشية التي عامله بها أبناء عمته طيلة هذه الاعوام.
فتلعثمت :
" أنا آسفة...آسفه جداً.لو عرفت ذلك ، لما كنت ...لمَ لم تخبرني ، بحق السماء، إنك تعاني رهاب الاحتجاز؟ لا شك أن هذه الليلة كانت أشبة بكابوس بالنسبة لك.."
ثم توقفت عن الكلام، وعضت على شفتها السفلى.
فضحك:
" هل كنت لتصدقينني؟ "
فتأوهت وأجابت :
" لا أظن "
وأخرجت المفتاح من جيب سترتها، ويدها ترتعش. بعد ذلك ،أضافت وقد انحبست انفاسها:
" استقم في جلستك وسأفك حزامك "
ولما فعل، كشف قميصه الاسود الحريري عن صدره.فبدت كلير من الانزعاج، ما تطلب منها دقيقة لنزع القفل .لكنها نجحت في النهاية، وحررته ، ثم تركت الحزام والسلسلة يسقطان أرضاً بجانب السرير.
تمطى وهو يتنهد ارتياحاً، وقال :
" أحمد الله على هذا ،لم يكن الوضع مريحاً ا لبتة "
فردت بصوت أجش:
" أنا آسفه، لم أقصد أن أوذيك، بل كنت أحاول فقط..."
عندئذ، أجاب بنبرة قاسية:
" أن تحمي أختك مني... أعرف. وأتوقع أن لوسي مضت في سبيلها الآن.متى يحين موعد إقلاع طائرتها؟ "
نظرت إليه نظرة غامضة مشككة من بين أهدابها. لعلها شعرت با لأسف نحوه، لا سيما بعد أن سمعت عن طفولته الرهيبة، لكنها لم تكن متأكدة من أنها تستطيع الوثوق به. ولن تتفاجأ إن خذ بثأره منها، لكنها على استعداد للهرب، ان حاول ان يمسك بها. لكنه لم يقدم إلى الآن على أي حركة تهددها . ومالبثت أن قالت:
" تعلم أنني قمت بالعمل الصحيح! فهي تحب مايك فعلاً، وستكون سعيدة معه "
" لست بحاجة الى تبرير نفسك أمامي. فقد تلاعبت بحياة لوسي وليس بحياتي. "
ازداد احمرار وجهها ، وعاد نفاذ صبرها إلى الظهور:
" هيا، أقر بالامر. لم تكن تملك أدنى فرصة في التمثيل ،أليس كذلك؟ "
هز كتفيه من غير اهتمام ، ونظر إليها مجدداً وقال بتهكم:
" أشك في ذلك، صحيح أنها جميلة، وأنها تبدو فاتنة أمام الكاميرا، لكنني متأكد من أنها لا تستطيع التمثيل ، بما إنني سبق وعملت معها في المهرجان . وقد راقبتها وهي تحاول أن تعلم الأطفال التمثيل ، وأخشى أنها تبدو خرقاء تماماً. "
" أعرف . وأذكر أيام مسرحيات المدرسة ، حيث كانت تبدو جميلة، وتتلفظ بنصها بوضوح، لكنها...في الواقع، لم تكن على هذا القدر من البراعة. "
فأجاب دنزل :
" إنها لا تملك من الخيال ما يمكنها من أن تصبح ممثلة. فهي سعيدة بنفسها لدرجة تمنعها من البحث عن شخصية أخرى. والممثلات الماهرات بحاجة إلى هذ . وغالباً ما تجدين أنهن يعانين من شكوك ذاتيه، ويحتجن بيأس لنوع من الإطمئنان "
" لمَ اقترحت عليها الخضوع لتجربة، إن كنت تدرك عدم كفاءتها؟ "
" لم تكن سعيدة، وقد فرغت مني الاصوات المتعاطفة التي أصدرها حين تتحدث عن مشاكلها. وارتأيت أنه من الممتع لها أن تخضع لهذه التجربة، فقد تشغلها عن الصعوبات التي تعانيها ليوم أو اثنين. وان كان وجهها مناسباً للتصوير كما أظن، قد تشكل فسيفساء جميلة في مجموعتي . "
فردت بهدوء، وقد علا الاحمرار وجهها :
"فسيفساء في مجموعتك.."
نظر اليها بجفاء، وقد لاحظ نبرة صوتها، فتوسع شرحاً:
" أعني الصورة النهائية التي أحاول أن أركبها. فلا بد أنك استنتجت من الرسوم التخطيطية التي سبق ورأيتها، أني أعتبر كل مسرحية رسماً معيناً.ولوسي جميلة طبعاً "
كانت كلير تتنفس بسرعة ، وقد انقبضت يداها. مما دفعه الى النظر اليها بتفكير عميق:
"ها أنت غاضبة مجدداً!"
" كدت تقضي على حياة لوسي ، ثم تتحدث عن قطعة من الفسيفساء، فكيف تتوقع مني ألا أغضب ؟ "
ومالبثت أن تذكرت ما أخبرها به عن طفولته، عن الكلام، وهي تعض شفتها، ثم قالت على نحو نزق:
" أظن أنك لا تستطيع ألان أن تتلاعب بحياة الآخرين، فأنت لم تتعلم قط أن تهتم بغيرك من الناس"
" لا تبدأي بهذه الثرثرة التحليلية يا كلير! فأنا أهتم فعلاً بغيري من الناس، والا لما شعرت بالاسف على حال لوسي. لقد عرفت أنها تعيسة ، لأنها قصت علي مشاكلها. وبقيت لساعات متتالية تخبرني عن مايك وزواجها ، وكل العناء الذي تتكبده في المدرسة، وعنك وعن عائلتك. أنا اكتفيت بالاصغاء اليها، وهذا كل ما أرادته مني. كل ما أرادته هو أن تتكلم من غير ان تتلقى أوامر."
فردت كلير بمزيج من الحدة والغضب:
" أتسخر مني؟ "
" في الواقع حاولت أن تديري حياتها، اليس كذلك؟وقد أثبت ذلك حين أرسلتها على طائرة لتلحق بخطيبها، من غير أن تدرسي الوضع جيداً. كما لجأت إلى أساليب ضخمة كي تنقذي وجههة نظرك، حتى ولو كانت تقضي بربطي بسلسلة لساعات كالكلب. "
" سبق وقلت إنني آسفة. "
فسألها ،والظلام في عينيه يدق ناقوس الخطر في رأسها :
" وهل أنت آسفة لأنك أفقدتني عقلي أيضاً؟ "
وما كان منها إلا أن نهضت عن السرير ، وهتفت :
" علي أن أمضي الى العمل..."
لكنها لم تتمكن من أن تخطو خطوة واحدة. فقد قبضت يدا دتزل على خصرها ، وجذبتاها مجدداً الى السرير. حاولت أن تخلص نفسها، لكنها لم تنجح الا في الميل نحوه بعجز، مما دفعها الى إطلاق صرخة رعب.
أما دنزل ، فأحاطها بذراعه.وصدمها الإحساس الذي تملكها ، ما إن شعرت به قربها.
إلا انها ما لبثت أن قالت :
"سأقتلك..."
قاطعها وهو ينظر اليها من خلال أهداب تكاد تنسدل ، ويبتسم تلك الابتسامه المعذبة:
" حقاً؟ عادة ، لا أصدق تهديداً كهذا، إن صدر عن معظم النساء، لكنك امرأة غير عادية. وأظنني عرفت ذلك منذ التقيتك للمرة الاولى . قد انتابني إحساس غريب حين نظرت اليك. أنت متقدة العاطفة يا كلير، ولطالما ظننت أن الجليد وحده يملأ شرايينك . لكن يا إلهي ، كنت مخطئاً ، اليس كذلك؟"
ودنا منها ، فراح قلبها يخفق بعنف، حتى عجزت عن التنفس . القرب منه عذاب حقيقي. أنها تحبه بشدة وتشعر بأنها تكاد تجن . لكنها لم ترد أي علاقة به، وهي تدرك تماماً أنه لا يحبها، بل أثارته ذكرى الليلة الماضية ليس إلا. ومع انه عانقها بشغف أوهنها، ظلت هذه الافكار تساورها.وهي تعرف قدرة دنزل على الاغواء، فقد راقبته، وهو يمارس ألاعيبه مع غيرها من النساء...مع هيلين...ومع أختها. لكنه لن يمارس أي لعبة معها. فتذمرت ،وحاولت أن تناضل أو أن تضربه ليبتعد عنها ويطلق سراحها .
" لن أفعل ذلك. والان ، دعني ارحل ...فأنا لا أريدك... "
لم يتحرك من مكانه ، بل أخفض بصره الى وجهها المتورد وعينيها القلقتين، وفمها المرتجف، قبل أن يهمس: " كاذبة. هل تظنين أنني عاجز عن اكتشاف ما يجري في داخلك؟ هل تظنين أنني نسيت كيف عذبتني الليلة الماضية؟ "
ثم أمسك بيدها وجذبها نحوه، وسجنها بين ذراعيه، وراح يستمع الى وقع تنفسها العنيف، ويراقب التوهج القرمزي على وجهها .
" لاتفعل! "
وسألها بصوت أجش أجفلها :
" هل تعتقدين فعلاً أن بإمكانك دفعي الى حد الجنون ، ثم الاكتفاء بالرحيل، وتركي طيلة الليل أسير الاحباط؟ "
" لم ...لم أقصد... أن أثيرك... بل لم اقصد أن ألمسك على الاطلاق..."
" لكنك فعلت يا كلير، سواء إدعيت بأنك تقصدين ذلك أم لا! "
" توقف عن الحديث عن الامس! لقد فقدت عقلي، وقد أصبت بقليل من الجنون لكني لم أقصد شيئاً... ولن يتكرر ذلك أبداً، لذا دعني وشأني فعلي أن أمضي الى عملي، وعلي أن أدير وكالتي . وإن لم أفتح بابها ،فستقلق عائلتي وتبدأ بالبحث عني . ولا شك في أنهم سيأتون الى هنا ! "
تحرك دنزل وكأنه سينهض. فما كان منها إلا أن أنتظرت بترقب، وهي ترجو أن يكون متعقلاً، أملت أن تسنح لها الفرصة للهرب. لكنه اكتفى بمد يده الى الوسادة، وهو يتمتم:
" ليس بعد .ولعلهم لن يبدؤوا بالبحث قبل هذا المساء. ومازالت أمامنا ساعات قبل أن نتوقع تدخلاً ما "
فإذا به يمسك بذراعها الاخرى، ويلويها الى ما فوق رأسها.
وبعد ثانية ، تناهى اليها صوت معدني ، ثم طقطقة عالية، وما لبثت أن أحست ببرودة حول ذراعها. فحملقت فيه وكأنها غير مصدقة. ولم تنجل أمامها الحقيقة إلا بعد دقيقة.
لقد قيدها بمعصمه!


اسيرة الماضى غير متواجد حالياً  
التوقيع
سكرنا ولم نشرب من الخمر جرعة
ولكن احاديث الغرام هي الخمر
فشارب الخمر يصحوا بعد سكره
وشارب الحب طول العمر سكران




اشعر اننى انفاس تحتضر....بين رحيل قادم... ورحيل ماضى.....متعبا كل ما فينى
رد مع اقتباس