عرض مشاركة واحدة
قديم 18-09-08, 01:47 PM   #12

اسيرة الماضى

نجم روايتي وناقدة في قسم قصص من وحي قلم الأعضاء

 
الصورة الرمزية اسيرة الماضى

? العضوٌ??? » 5714
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 2,703
?  نُقآطِيْ » اسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصـل الخـامس____________________________________ ____


سرعان ما تدهور الأمور بعد ذلك.
سأله السيد دون هيلرمان بهدوء الأفعى التي تتهيأ للدغ:" هل نشأت أنت أيضاً في المرتفعات الباسيفيك يا سيد لوغان ."
ارتسمت على شفتي جايمس ابتسامة قصيرة جافة وهو يقول:"كلا لقد ولدت في الطرف الآخر من المدينة .في حي البحارة ، وقد تغير اسمه ،منذ أصبح مكاناً عاماً للجموع المتأنقة."
قال السيد هيلرمان:"يمكننا ،أذن القول دون خطأ ،انك ولدت في الجانب الصعب من الحياة ."
أجاب جايمس:"لا أدري إذا كان من المناسب تسمية ذلك بالصعب ،فالمنطقة كان فيها من الملاهي والغطاسين أكثر مما يجب .ويمكنك أن تتوقع ذلك في أي ميناء عادة،مهما صغر حجمه.ولكنني لم أذهب إلى فراشي قط وأنا جائع."
قال هيلرمان:"لكنني أراهن على أنه لم يكن لك مربية."
ارتسمت على شفتي جايمس ،مرة أخرى ،تلك الابتسامة الصغيرة الهازئة وهو يقول:" كلا ،لا أحد يعلم كيف كانت حياتنا."
انفجرت عاصفة من الضحك والتعاطف،ولم يفوت هيلرمان هذه الفرصة فتابع قائلاً :"وأتصور الشيء نفسه بالنسبة إلى المدارس الخاصة."
أجاب جايمس:" أوه ،أنني أعرف بعض الأولاد الذين انتهوا إلى مؤسسات خاصة ،أنما من نوع خاص..."
قال هيلرمان:"أنما ليس من النوع الذي ألفته الآنسة وورث بالطبع."

للمرة الأولى تنازل جايمس بإلقاء نظرة على ميلودي ثم قال:" كلا .فهي تبدو لي مسالمة وملتزمة تماماً بالقوانين."
عاد هيلرمان يقول وهو يشير إلى ورقة على منضدة أمامه:" إنك مهندس بحري كما أعتقد،ومتخرج من جامعة ممتازة .وقد تدربت في مصنع محترم للهندسة البحرية .وابتدأت شركتك الخاصة منذ خمس سنوات .يشار إليك في مجلة أخبار الوطن بأنك واحد من رجال الأعمال المستقلين الذين يركن إليهم ،وحائز على جائزة تصميم أحسن يخت سباق لهذه السنة ،وهذا شيء غير قليل بالنسبة إلى شاب نشأ في أفقر أحياء المدينة."
مال جايمس برأسه وهو يقول برقة:"شكراً."
خفض دون هيلرمان صوته قائلاً:"وبالتأكيد بالنسبة إلى رجل يعرف كيف يعيش سكان نصف المدينة .أخبرني يا سيد جايمس بالنسبة إلى ميلودي .ما هو رأيك في فكرة هذه السيدة الصغيرة عن تحويل مصنع تعليب سمك قديم إلى مطبخ يقدم الحساء وملجأ للفقراء من جيرانك القدماء يلمهم من الشوارع."
أجاب جايمس:"أشتم في هذا العمل رائحة لشيء غير السمك."
أنفجرت عاصفة من الضحك لتلك اللمحة الذكية منه وقررت ميلودي أنها كانت مخطئة .أنها لم تكن تريد أن تستفزه .بل أرادت أن تصعقه،ولكن في الوقت المناسب.
نظر هيلرمان إلى الكاميرا محاولاً أن يظهر بمظهر الصراحة وسأل جايمس :"لماذا تقول ذلك ؟"
أجاب جايمس:"لأن الناس الذين تظن أنها ستستفيد من ورائهم ،لن يشكروها على ذلك."
قالت ميلودي بحدة وقد تعبت من اعتبارها أمراً مهملاً:"وما أدراك ،هل سألتهم ؟"
أجاب جايمس :"لست في حاجة لذلك،أنني أدرك شعورهم .أنهم لا يريدون إحسانك وهم يأنفون منه، عدا عن أنه لا يحل مشكلاتهم الأساسية."
سأله هيلرمان:"أية مشكلات؟" وكان يبدو عليه الاستمتاع التام بالمحاورة التي تجري بين ضيفيه .
قال جايمس:"أنه شعورهم بعدم فائدتهم لشيء.أنهم ليسوا من الأشخاص الذين يطيقون الجمود.لقد أصبحوا فائضين عن الحاجة في هذا المجتمع الجديد في المدينة .والملاجئ ومطابخ الحساء هي إسعافات أولية.وليست حلاً جذرياً . أنهم رجال ونساء أيضاً ،وهم يريدون أن يكونوا جزءاً من الحياة في ذلك القسم من المدينة الذي كان دوماً موطناً لهم.أنهم يريدون المساهمة ."
قال هيرمان:"يبدو أن كل ما تريده الآنسة وورث ، هو إخفاؤهم عن الأنظار.وذلك يعيدني إلى سؤالي هذا المساء ،ما هو الغرض الحقيقي من وراء هذه الحركة ،أهي الإنسانية أم الجشع والاستعلاء؟"
قالت ميلودي:"إذا كان هذا السبب الوحيد لطلبك مني الظهور في برنامجك هذا المساء،فإنك تعرض نفسك لدعوى قضائية،إذ أن كل ما فعلته حتى الآن هو تكرار ما سبق وكتبته الصحف المحلية منذ أسابيع قليلة.حتى ولو لم يقاضوك هم،فربما أنا سأفعل."
قال:"اهدئي لحظة يا آنسة وورث."
أجابت:"كلا ،أنه أنت الذي يجب أن تهدأ لأنني لم أكمل حديثي بعد.قبل كل شيء أقل ما يجب عليك هو أن تمنحني وقتاً مماثلاً للحديث على الهواء.ولكن بما أن اهتمامك مركز على التشهير دون حق ودون أن تعطيني الحق في الكلام، فأنا إذن لا أجد مبرراً لبقائي هنا،ولو كنت مكانك ،ما كنت لأقبل راتباً لكي أسلي الجمهور بأي ثمن كان،كما تفعل يا سيد هيلرمان .وهكذا لا يهمني مقدار ذرة أن يبقى برنامجك خالياً .ويمكنك أن تملأه بكلامك الفارغ المليء بالفضائح والشائعات ."ورمت جايمس الذي بقي جالساً وقد علت وجهه ابتسامة رضى نظرة ازدراء ثم تابعت تقول:"ولعلمك فإن ضيفك الثاني مستعد لأن يساعدك إذا أصابك الجفاف ."
قال دون هيلرمان موجهاً حديثه إلى الكاميرا:"إن السيدة الصغيرة تتكلم عن الدعاوي القضائية بينما هي نفسها إذا صدق مصدر معلوماتي ،تستحق إقامة الدعوى عليها..."وتوقف لحظة ليزيد من التأثير على المستمعين، ثم تابع إقامة الدعوى عليها من الضيف الآخر في هذا البرنامج وما هو السبب ؟لأن والد جايمس لوغان يرقد عاجزاً في المستشفى بسبب تصميم المستأجرين في كاتس آلي على تنظيف الشوارع حول مكان أعمالهم ممن يدعونهم غير المرغوب فيهم .إن سيث لوغان الذي كان منذ أسابيع قليلة فقط ،مليئاً بالحركة والحيوية كأي واحد منا ،سيث لوغان هذا قد أصبح عاجزاً عن الاعتناء بنفسه .والآن إذا كان هذا لا يعطينا صورة واقعية عما يجري هنا،فما الذي يعطينا الصورة أذن؟"
ونظرت إلى جايمس وقد صعقت لما أعلنه ذلك الرجل عن نية جايمس تجاهها وقالت له بذهول :"كيف سمحت لك أعصابك بأن تقبّلني بذلك الشكل ،في الوقت الذي كنت تعتزم فيه رفع دعوى قضائيةً عليّ."وجهت إليه هذا السؤال دون اهتمام بما يمكن أن يحدثه تصريحها هذا أمام الناس من صدمة لهم وازدراء إذ تكشف أمامهم عن تفاصيل حياتها الخاصة، وهي الحريصة عادة على أن لا تشارك أحداً بذلك.
أجاب جايمس وقد قدحت عيناه شراً:"كنت كذلك ،ولكن."…….
عادت تقول:"ولماذا أستغرق منك أخباري بذلك كل هذا الوقت والمداورة؟أم أن حقدك يتوقف عند هذا النوع من الاستقامة والتهذيب؟"

قال:"كان في إمكانك أن تعرفي ذلك مني لو أن في الحقيقة ..."
قالت بصوت متهدج:"وفر كلامك!" ....وتملكها الرعب إذ أحست بأنها على وشك الانفجار بالبكاء أمام كل سكان مدينة بورت آرمسترونغ. إذ أن كل إنسان يعلم أن أفضل تسلية لسكان المدينة هي مراقبة التلفزيون المحلي للمدينة.
أخذ دون هيلرمان يفرك يديه ابتهاجاً وهو يقول:"إن السيدة الصغيرة مستاءة."
اندفعت ميلودي من كرسيها بسرعة أدهشتها هي نفسها وهي تقول متوعدة:"ادعني بذلك مرة أخرى فتراني أجعل لذلك اللقب ،السيدة، معنى جديداً يمحو من وجهك هذه الابتسامة المغرورة بسرعة لا يمكنك تصورها."
وأرتبك هو قائلاً :"أوه ها نحن الآن نشاهد الجانب الآخر من هذا الوجه الوديع الذي كنا جميعاً نظنه كذلك."

هنا وقف جايمس هو أيضاً ،وهو يصرخ في وجه مقدم البرنامج المذهول قائلاً:"أخرس ." والتفت إليها قائلاً :"ميلودي."
قاطعته بحدة:"اخرس أنت أيضاً يا جايمس لوغان وإياك أن تتكلم معي مرة أخرى."
تمنت أن تركض هاربة من الأستوديو ،ولكن كرامتها أرغمتها على السير شامخة بترفع ملوكي.كانوا جميعاً ينظرون إليها فاغري الأفواه دهشة،ولم تظهر هي أية إشارة تدل على مشاعرها .فهي تفضل الموت على أن يعلم أحد منهم أنها كانت تبكي في أعماقها .ولم يكن بكائها من الغضب أو الألم أو الحرج...كلا،فقد خبرت كل تلك المشاعر من قبل،وعاشت لكي تتحدث عنها...ولكن لأن وراء كل هذا كله ،كان ثمة شيء خطير يتفاعل في نفسها .
بين اليوم الذي وقع فيه ذلك الحادث لسيث وبين اليوم الذي ابتدأ يتماثل فيه للشفاء ،كانت على وشك أن تقع في غرام ابنه المتعجرف الفظيع.
لكنها الآن وبعد أن كشف جايمس عن وجهه الحقيقي أصيبت بصدمة هائلة بعد أن أدركت ماذا حدث .كانت تبكي في أعماقها لأنها سبق وشاهدت دلائل الخطر،فتجاهلتها رغم ذكائها وسنها الناضج.
بقيت في حوض الحمام حوالي الساعة، ثم أوقدت المدفأة وجهزت لنفسها كوباً من الكاكاو ،وكانت هذه عادتها كلما وقعت في أزمة نفسية ،ومن ثم جلست تستمع إلى الموسيقى الحالمة التي يرتجلها ريتشارد كليدرمان.
استغرقت في جو الموسيقى العذب ،ووهج النار في المدفأة دون أن تشعل نوراً أو شموعاً وكان الجو في الخارج رائعاً بصفائه وبالبدر الذي يضيء الكون ،وهو ينساب فوق الأشجار والمروج الخضراء ،مخترقاً الضباب الذي يتصاعد من الجداول الصغيرة التي تجري خلال الحديقة. ولو كانت الأمور معها على غير ما هي عليه الآن لكانت ليلة رائعة لا تنسى.
اخترق الهدوء الذي كانت تحاول أن تشعر به، رنين متواصل لجرس الباب الأمامي نبه الساكنين في المبنى. ولما لم تكن تتوقع زائرين.فقد تجاهلت الأمر. وسكت الرنين، وفعل الكاكاو فعله المهدئ في أعصابها ، واستكانت مسترخية يغمرها الدفء عندما تزعزع هدوءها مرة أخرى ،لتسمع صوتاً يناديها من أمام باب شقتها مباشرة: "أفتحي الباب ميلودي ،إنني أعلم أنك موجودة ،ولن أذهب حتى تفتحي لي الباب."كان هذا صوت جايمس.
فكرت قائلة وهي ترفع من صوت المذياع ،أذهب إلى الجحيم ،يا جايمس لوغان.
صرخ بصوت طغى على صوت ريتشارد كليدرمان في المذياع: " مي..لو..دي.."
خبطت السيدة المسنة التي تسكن فوقها مباشرة،برجلها الأرض باحتجاج .وصرت ميلودي بأسنانها وهي تخفض صوت الموسيقى في المذياع ،وذهبت إلى الباب وأخذت تقول وهي ترفع غطاء الفتحة الصغيرة التي يطل منها صاحب المنزل على زائريه : " أبتعد من هنا ،أنك تسيء إلى جيراني."
زمجر جايمس : " أفتحي الباب قبل أن تسيئي أنت إليّ."
أجابت بحدة :"لن أفتح .وإذا أستمريت على هذا فسأستدعي الشرطة ليعيدوك بالقوة ."
"أذا كنت تهددينني، فليكن بشيء أكثر ابتكاراً من هذا."
قالت:" لا تغريني بأن أفعل ذلك. إذ أنني تعلمت هذا المساء كيف أتصرف بوقاحة إذا لزم الأمر." ثم أغلقت الفتحة بقوة في وجهه.
لكن الرضى الذي شعرت به وهي تشفي غليلها بهذا التصرف ،لم يدم طويلاً إذ أن جايمس دفع الباب ،دون إنذار دفعة قوية هزت أرجاءه وهو يقول رافعاً صوته:"أما أن تفتحي الباب يا ميلودي ،أو أقول هنا أمام الباب،ما جئت لأقوله لك،فيسمعني جيرانك ، وسأبدأ بذكر الطريقة التي هاجمتني بها في السيارة والتي..."
صرخت:"سأستدعي الشرطة حالاً."
ضحك قائلاً: "إنهم لن يأتوا راكضين لأجل شيء تافه مثل هذا.إن تقبيل رجل لامرأة في المقعد الأمامي من سيارته ،ليس جريمة ." وأمسك بمقبض الباب يلويه بعنف بالغ جعله يحدث صريراً عالياً ثم قال: "والآن أفتحي الباب لكي أدخل."

سمعت ميلودي صوت جارتها يصرخ من أعلى السلم :"أسمع أيها الشاب إنني امرأة عجوز في حاجة إلى الراحة ،فتوقف عن هذه الضجة ،وإلا استدعيت الشرطة .وأؤكد لك أنهم لن يترددوا في تصديق كلامي عن تصرفك الوقح ."
قال جايمس: "أنني التمس المعذرة منك يا سيدتي ويؤسفني أن أكون تصرفت بمثل هذه الوقاحة."
شعرت ميلودي بارتياح ممزوج بالندم وهي تسمع خطاه تبتعد عن بابها ،لتسمع بعد ذلك صوت هدير سيارة ،ثم انوارها تتألق لحظة ، على زجاج نافذتها ،ليسود الصمت بعد ذلك ، لا يعكر هدوء الليل سوى صوت ريتشارد كليدرمان يغني في المذياع أغنية( صوت القمر).
كان اليوم التالي جحيماً حقيقياً.
استقبلها روجر عند أول خطوة لها في السوق قائلاً: "لقد كنت كارثة أمس،إذ أن دون هيلرمان مسح بك الأرض."
قالت كلو: "ما الذي كنت تتوقعين غير هذا عندما تظنين أن التظاهر والأناقة الزائدة هي كل شيء ،وأنت المرأة الناضجة ؟ إنك تستحقين ما حدث لك إذ ذهبت إلى هناك أشبه بطفلة تؤدي عمل امرأة."
تمتم إميل: "يا صغيرتي المسكينة."
لكن أدريادن نظرت إليها باحترام وهي تقول: "هل قبلك حقاً ذلك الرجل الوسيم؟لو كنت أنا..."وجمعت أصابعها تقبل رؤوسها وهي تتابع: "لا أعرف ماذا كنت أقول."
قالت كلو بحدة:"حسناً ،أنا أعرف .أظنك تعلمين يا ميلودي وورث ،أن جايمس لوغان يهدد برفع دعوى عليك وحدك .لقد قلت أنا منذ البداية أن مسألة عمل الخير هذا لن يسبب لنا سوى الإزعاج وكنت على حق،دعي الناس يتولون أمر أنفسهم ،كما كان عليّ أنا أن أفعل ."
قال جستين:" أتظنين يا ميلودي ،أنه ينوي حقاً أن يقاضيك ؟كنت أظن أن أباه في طريق الشفاء."
قال روجر: "كان عليك أن تعلم أكثر من أي شخص آخر يا جستين أن الشفاء الظاهر وحده لا يكفي .ذلك أن الرجل العجوز حتى ولو خرج من المستشفى سليماً معافى ،فهو يمكنه الإدعاء بألم مبرح دائم في رأسه مثلاً إلى غير ذلك...والمسألة هي إذا رفع جايمس لوغان الدعوى باسم والده ،فإننا جميعاً سننتهي إلى الفقر المدقع .إذ ليس ثمة قاضٍ في مساحة خمسين ميلاً سيحكم في صالحنا بعدما حدث أمس في ذلك البرنامج التلفزيوني.لا تغضبي يا ميلودي إذا قلت لك أن ما قمت به أمس كان أسوأ شيء يمكن تصوره.لماذا لم تدحضي اتهام هيلرمان بدلاً من أن تنشري تفاصيل حبك على الناس؟ "
أجابت ميلودي: "إن رجلاً مثله لا يستحق الحب في نظري."
قالت كلو بازدراء: "ما كان لك أن تستغفلينا بالطريقة التي تصرفت بها. لقد ظننت أن كل ممثلي دور العشاق في هوليوود قد تقمصوا في ذلك الرجل ،وأنه على الأقل ،عرض عليك الزواج."
قال جستين:"إذا لم يكن فعل ذلك فهو أحمق."
أجابت كلو بحدة: " وستكون هي حمقاء أيضاً ،إذا هي قبلت عرضه.على كل حال ، لا أظنه ينوي الزواج منها ما دام يريد أن يقيم دعوى قضائية .فدعينا إذن نعود إلى المهم .من هو الذي سيتضرر منا إذا أصر جايمس لوغان على رفع الدعوى؟"
قالت ميلودي بضعف: "لقد سبق وأخبرتك بأنه إذا حدث هذا الأمر ،فسأتحمل كامل المسؤولية." لقد شعرت بعدم الاهتمام في ما لو أعلنت إفلاسها عند ذلك ، ولا شك أن لدى كلو أسبابها الخاصة التي تجعلها تشكك في الرجال عموماً ،ولكن جايمس قد هدم المثل العليا لميلودي، في أسبوع واحد .ولم تعد تشعر بالرغبة في تلك الأوهام مرة أخرى .


كانت ميلودي محظوظة عموماً مع الرجال الذين سبق وشعرت نحوهم بالعاطفة في حياتها ،مع أنه لم يسبق أن أجتذبها أحد ،كما أجتذبها جايمس لوغان .كانوا دون استثناء رجالاً مقبولين عاملوها بكل احترام .أما أن يسرق قلبها رجل مثل جايمس بعجرفته...فهذا ما كان يسبب القلق والضيق.
قال لها روجر :" لو كنت مكانك ،لاستشرت محامياً .فكلنا نعلم أن كلو امرأة تخطى أحياناً ،ولكنها في رأيها ذاك ،كانت محقة . ذلك أن جايمس لوغان قد يجعلك تخسرين كل شيء إذا هو رفع عليك دعوى قضائية."
كانت ميلودي تعلم أن روجر على حق في كلامه هذا، وأنها يجب أن تستعد لحماية نفسها على الأقل حتى لا تدع جايمس ينعم بانتصاره عليها .وهكذا زارت محامياً صديقاً يدعى ويل ماك اليستر، مما جعلها تصل إلى منزلها في السابعة بدلاً من السادسة كالعادة.
عندما أصبحت في ردهة شقتها الخاصة وضعت معطفها وحذاءها الطويل وحقيبتها جانباً، ثم دخلت مباشرة إلى غرفة النوم.وهي تفك أزرار قميصها، لكي تبدأ ليلة أخرى في معطفها المنزلي الصوفي الناعم وخفها المصنوع من الفراء، وفي يدها كوب الكاكاو تتناوله أمام المدفأة ليجلب الهدوء إلى نفسها بقدر ما يجلبه إلى معدتها.
كان المصباح النحاسي الموضوع على المكتب قرب باب غرفة الجلوس، هو الوحيد الذي ينير طريقها في أرجاء البيت.وكانت تحتفظ دوماً بشموع في متناول يدها.
أرتفع صوتاً وكأنه آتٍ من أعماق كرسي ذي ذراعين خلفها يقول: "هذا رائع."
لم تتمالك ميلودي نفسها من إطلاق صرخة ذعر. ولكن خوفها سرعان ما تلاشى لتقول باستسلام: "لا أدري لماذا لم يغم عليّ لسماعي صوتك غير المرغوب هذا."
أجاب جايمس: "ربما كنت على وشك ذلك." وكان في الأثناء ينهض من على الكرسي ثم يقف مشرفاً عليها بقامته الفارعة وهو يتابع قوله: " وربما كان السبب يناسب غروري."
قالت ميلودي وهي تشد من حزام معطفها المنزلي حول جسدها وكأنها تطرد بذلك الأفكار السيئة من ذهنه: "إنني آسفة إذ أخيب أملك في هذه الحالة ،ذلك لأنني أكثر حزماًً وهدوء أعصاب مما تظن."
قال: "وربما لأن السبب هو أنك أعتدت أن تجدي رجالاً في غرفتك عندما تعودين من العمل ،هل هذا صحيح يا ميلودي ؟ "
أجابت: "هذا ليس من شأنك."
أقترب منها خطوة وهو يقول: "إن الجواب هو عادي تماماً كقولك ذاك سأستدعي الشرطة إن لم تبتعد."
أجابت: " أنك تتكلم بلهجة سوقية."
قال مبتسماً وقد تألقت عينيه في وهج نار المدفأة: "صدقيني يا سيدتي أنني يمكن أن أكون أحياناً سوقياً تماماً."
قالت تتصنع المرح: "أنني أصدقك تماماً ."وفكرت بأسى، أليس في انتظام أسنانه عندما يبتسم ما يكفي حتى يضاف إلى ذلك تلك الغمازتان؟وعادت تقول: "أصدق ذلك بسهولة ."
قال: "أنني لم أحضر إلى هنا للشجار معك يا ميلودي."
أجابت: " أن سبب حضورك لا يهمني.ولكن الذي يهمني هو أن تخرج بأسرع وقت ممكن."
هز رأسه قائلاً: "ليس قبل أن نتحدث معاً يا عزيزتي."
قالت: "ثمة هاتف على تلك المنضدة ولا يستغرق الوقت لكي..."
قاطعها قائلاً: "لكي تتصلي بالشرطة..."وتنهد متصنعاً الصبر، ثم رفع صوته بشكل مضحك مستنجداً: "النجدة أيها الضابط. ثمة رجل غريب في غرفتي."
حاولت إخفاء ابتسامتها وهي تقول: "هل تعترف بأنك رجل غريب يا جايمس؟ "
عاد يقول محذراً بصوته الطبيعي: "دعي عنك هذا يا ميلودي، ولا تفكري في إجراء تلك المخابرة."
استاءت قليلاً لإدراكها أن منعه لها من المخابرة ،بعث في جسدها ارتعاشاً.
قالت: "يمكنني أن أصرخ مستنجدة فتسمعني جارتي فتستنجد هي عند ذلك بالشرطة."
قال ببساطة: "أنها ليست في المنزل،لقد شاهدتها تذهب بسيارة أجرة حالما تسلقت شرفتك.ما كان ينبغي لك أن تتركي مفتاحك الإضافي في ذلك المكان المكشوف يا عزيزتي.إنك لا تعرفين من الذي قد يعثر عليه."
أخيراً قالت له بجفاء بعد إذ رأته يسد عليها السبل: "ما الذي تريده بالضبط يا جايمس؟ "
قال: "أن أتحدث إليك."
قالت: "حسناً، تحدث بسرعة فأنا جائعة، وأرغب في تناول الطعام قبل حلول الصباح."
قال:"يمكننا أن نأكل ونتكلم في نفس الوقت."
قالت: "إنك أسأت فهمي فأنا لم أدعك إلى العشاء .ولم أكن أتوقع قدومك .وليس عندي ما أقدمه إليك."
قال: "لا بأس، يمكننا أن نطلب شيئاً لنأكله. ما رأيك بالبيتزا؟"
أجابت: "أنا لا أحب البيتزا."
قال: "هذا شيء تافه لذوقك المرفّه .ما الذي تريدينه إذن؟ "
قالت: "كنت أنوي تناول البازلاء."
قال مندهشاً:"البازلاء؟أتعنين...� �"
قاطعته ميلودي بصوت مرتفع: " ما هو المثل الذي يقول معناه ،إذا لم تستطع أن تضربه فتحمله؟" وهزت كتفيها مستسلمة وهي تتابع قائلة: "أفتح علبة البازلاء،وسأجهز أنا الخبز المحمص."ثم اتجهت نحو المطبخ،وهي تلحظ بسرور خفي،أن نظراته تركزت على الهاتف بقلق حين مرت هي به في طريقها.
كانت قد أنهت تقطيع الخبز وتجهيز الكاكاو،حين لاحظت أن جايمس لم يفلح في فتح علبة البازلاء.ولما أفلتت منه فتاحة العلب للمرة الثالثة لتتدحرج على الأرض،سألته: "هل هكذا جميع العسر يرتبكون مثلك عندما يقومون بعمل يدوي؟"
تمتم قائلاً وهو يحرك أصابع يده اليمنى برقة: "إنني لست أعسر."
هتفت ميلودي وهي ترى الكدمات على يده والورم حول عظام أصابعه: "جايمس،ما الذي حدث لك؟ "
قال: "هل تصدقين أن هذا بتأثير قرعي على بابك الليلة الماضية؟ "
أجابت وهي تخرج وعاء الثلج من الثلاجة: " كلا، أنك لم تقرع الباب بهذه القوة البارحة .ما الذي حدث لك ولا تريد أن تخبرني به؟ "
نظر إليها من تحت أهدابه قائلاً: " لقد فقدت أعصابي فلكمت أحد الأشخاص."
قالت: "تباً .أنظر ماذا فعلت بنفسك."
ارتسمت على ملامحه مزيج من الابتسامة المتكلفة، والألم وهو يقول: "كان ينبغي أن تري ما حدث للرجل الآخر."
قالت وهي تمسك بيده تدعكها بالثلج: "ومن هو؟ "
قال: "إن برودة الثلج مؤلمة." وكان قد أقترب منها كثيراً. وكان هذا لا مناص منه،ولكنها مع هذا شعرت بالرجفة تتملكها .
قالت: "كف عن الشكوى وأجب عن سؤالي."
قال: "إنه دون هيلرمان."
فغرت ميلودي فمها وهي تسأله : "مقدم البرامج؟ "
أجاب: "أنه هو نفسه. لقد فغر فمه كما تفعلين أنت أنما بتصلب أشد. وكنت أريد الاستمرار في ضربه لو لم يتدخل العمال ويخلصوه من بين يدي."
قالت: "إن العنف نادراً ما يأتي بنتيجة جيدة."
قال: "ربما هذا صحيح في بيئتك أنت يا سيدتي .ولكن حيث نشأت أنا ،العنف ينهي خلافات كثيرة.وأنا ،وإن كنت لا أؤيد ذلك كثيراً، أرى أن لكمة على الفك تحل مشكلات كثيرة أكثر مما تفعل طرقك المتمدنة التي تستعملينها."
قالت وهي تدفع يده في وعاء الثلج بشدة : "ربما ستتهم بمهاجمته."
أجاب: "كنت هائجاً."

قالت: "إنك بهذه الحالة ،قد تمضي أمام المحكمة وقتاً أطول من الذي قد تمضيه بجانب سرير والدك في المستشفى."
أخرج يده مرة أخرى من وعاء الثلج ،وهذه المرة حمل الوعاء ثم أفرغه في حوض الغسيل وهو يجيبها قائلاً: "هذه المسألة هي أحد الأشياء التي أريد أن أتحدث معك في شأنها ."
ودت لو تتفوه بكلمة. لم تريد أن يذكرها بالأسباب التي أغضبتها منه والتي جعلتها تحتقره وتريد طرده من بيتها. وأجابته باختصار وهي تستدير محولة انتباهها إلى الخبز المحمص الذي كان قد بدأ يبرد: "تحدث بهذه الأشياء إلى محامي الخاص."
استدار متقدماً ليقف خلفها قائلاً: "ميلودي؟ "
أجابته: "ماذا؟ "
أمسك بكتفيها يديرها نحوه قائلاً: "أنظري إليّ." ولما رفضت مقابلة نظراته، أمسك بذقنها يرفع وجهها إليه قائلاً: "إنني آسف إذ سببت لك الألم."
حاولت أن ترسم على شفتيها ابتسامة صغيرة، ابتسامة أرادت بها أن تخبره أن أي شيء ما كان ليسبب لها ألماً أكثر من هذا.وحيث أنه كان ما يزال يمسك بذقنها، فقد شعرت بها ترتجف وهي تهم بالبكاء. وكان العقل يفرض عليها أن توقف أي شيء يسبب لها الإحراج كلما استطاعت.ولكنها فقدت كل عقل ومنطق منذ اليوم الذي دخل فيه جايمس حياتها.
قالت بصوت حزين: " لا أدري عما تتحدث."
أظهر جايمس آهة مشابهة لتلك التي أطلقها قبل أن يقبلها أول مرة في ذلك اليوم في السيارة .آهة ارتباك وإحباط ،وكأنه لا يعرف كيف حدث وتحولت تلك الشفقة البسيطة نحو أبيه المريض، إلى مثل هذه العلاقة المعقدة الخطرة، وزاد من اقترابه منها بحيث حشرها فلم تجد مفراً حتى ولو شاءت.


اسيرة الماضى غير متواجد حالياً  
التوقيع
سكرنا ولم نشرب من الخمر جرعة
ولكن احاديث الغرام هي الخمر
فشارب الخمر يصحوا بعد سكره
وشارب الحب طول العمر سكران




اشعر اننى انفاس تحتضر....بين رحيل قادم... ورحيل ماضى.....متعبا كل ما فينى
رد مع اقتباس