عرض مشاركة واحدة
قديم 19-09-08, 11:53 PM   #7

اسيرة الماضى

نجم روايتي وناقدة في قسم قصص من وحي قلم الأعضاء

 
الصورة الرمزية اسيرة الماضى

? العضوٌ??? » 5714
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 2,703
?  نُقآطِيْ » اسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond reputeاسيرة الماضى has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصــــــل الثالث


كانت الغرفة التي تلي السقف مباشرة في المنزل ، تمتد على طول السطح ويصعد إليها بواسطة سلم خشبي حلزوني ضيق يبدأ من فجوة في الطابق الثاني .
وبينما كانت نيرن تصعد السلم المظلم ، أخذت تصفر بصوت عال . ولم تكن تشعر بالعصبية عادة ولكنها كانت تتساءل عما إذا كانت فكرة أقفالها الباب الأمامي والخلفي هي فكرة حسنة حقاً رغم أنها فكرة عديمة الذوق . ذلك أن نزل برواش كان دوماً منزلاً مفتوحاً للمراهقين العاملين في هذا المكان فهو الملجأ لهم ليلاً ونهاراً ، عندما لا يتمكنون من التصرف في منازلهم . ولم يكن من غير المعتاد أن تنزل نيرن صباحاً إلى المطبخ لتجد غلاماً مستغرقاً في النوم وقد تكوم على نفسه بجانب الكلب شادو على سجادة قرب الموقد ، ولكن روري لم يعد معها الآن لقد أصبحت امرأة تعيش بمفردها وربما من الحكمة أن تكون أكثر حذراً في المستقبل وفي نفس الوقت ذكرت نفسها عابسة بتلك الضجة التي سمعتها البارحة بينما الفتيان كانوا بعيدين عنها مئات الأميال ، فلا يمكن إذن أن يكونوا مسؤولين عن ذلك ولكنها كانت تعلم أنه لن يقر لها قرار قبل أن تعرف سبب تلك الضجة والذي قد لا يعدو كما حدثت نفسها ، أن يكون مجرد فأرة قد أوقعت المصباح النحاسي القديم .
وابتدأت تطوف في المكان عاقدة ذراعيها فوق صدرها ، ومرت عدة دقائق اقتنعت بعدها أنه لا يوجد من هو مختبئ في أحد الصناديق أو الأكياس المتراكمة تحت رفارف القرميد . لم يبق سوى مكان واحد عليها أن تبحث فيه وشعرت بنبضات قلبها تتسارع . إنها الغرفة الصغيرة في آخر السطح والتي لا تحوي شيئاً سوى سرير نحاسي أثري يبدو أن خادماً كان ينام فيه في الأيام الخوالي .
دفعت الباب بحذر بأطراف أصابعها وصدر عن مفاصله أزيز عال شق الصمت ولكنها ما أن جالت بنظراتها في أنحاء الغرفة حتى تنهدت بارتياح ، طبعاً لا يوجد هنا أحد . لقد سبق وتوقعت أن تكون الغرفة خالية ، ولكن .......
وصدرت عن نيرن شهقة وهي ترفع يدها إلى عنقها ... آه ... صحيح أن الغرفة كانت خالية تماماً ، حالياً ولكن شخصاً كان فيها ، ومنذ وقت قصير جداً وحدقت في مجموعة المفارش الواقعة على الأرض ، ويظهر أن سقوطها كان سبب تلك الضجة التي كانت سمعتها واستدارت عيناها وهي تحملق في تلك البطانية العسكرية التي كانت ملقاة على تلك الكومة في الوسط ما جعلها لا تكاد تلاحظ علبة السجائر الفارغة التي كانت على الأرض قرب رأس السرير وإلى جانبها كان غطاء علبة صفيح يحتوي على رماد السجائر و أعقابها . لقد كان هنا شخص ما ، الليلة الفائتة بينما كانت هي نائمة . شخص قد أشعل خمس سجائر كما كانت عدتها ودخنها في منزلها.
وداخلها الغضب . كان غضباً جامحاً اكتسح كل شعور بالخوف ولكنها أدركت أن الشخص الذي كان هنا ، قد رحل عن المنزل لقد أحست بذلك وإحساسها لم يسبق أن خذلها من قبل.
تنفست بعمق ، ثم تراجعت خارجة من الغرفة مغلقة الباب خلفها وحدثت نفسها بأن لا تستعظم هذا الأمر ، وأن تفسير ذلك قد يكون غاية في البساطة . انها على الأقل قد أدركت السبب في أن ستروم لم يسمع الضجة ذلك أن غرفته واقعة في الطرف الآخر من .......
وتعالى صوت عجلات سيارة على الحصى تبعها صوت الكابح بصورة عنيفة مفاجئة ما شعرت معه بالفزع لقد بدا لها وكأن شخصاً ما قد قذف بنفسه أمام السيارة فوقفت هذه بهذا الشكل أمام منزلها بالضبط ... ومهماً يكن صاحب السيارة فهو يبدو على عجلة كبيرة من أمره أتراها حالة ما مستعجلة؟
وهبطت السلم الحلزوني بأسرع ما أمكنها ، وقلبها يخفق عالياً لتتحول بعده إلى السلم الرئيسي حيث أمكنها أن تزيد من سرعتها . وما أن وصلت إلى الدرجة الأخيرة حتى تصاعد رنين جرس الباب وكان الصوت مفاجئاً لها ، ما جعلها تطلق صرخة صغيرة هتفت بعدها : " إنني قادمة . " واجتازت الصالة إلى الباب وهي تكاد تتعثر في ركضها ، ومن ثم فتحته بعنف : " ما هذا........؟ "
ولم يعد بإمكانها أن تطلق أي كلمة أخرى ... لم تستطع حتى ولو دفعت لها ثروة بأكملها .. ذلك أن المشهد الذي بدا أمامها ما كان ليطرأ على مخيلتها ولو بعد ألف عام !
كان ستروم غالبريث واقفاً أمامها وقد أوشكت ملامحه على التفجر وكأنه ابتلع لتوه شحنة من الديناميت .
كان ممسكاً برقبة غلام يكاد يبلغه طولاً ... ذا وجه شاحب قذر يبدو عليه الغضب والتوعد . غلام تعرفه هي جيداً ، غلام بإمكانها أن تميزه في أي مكان ، إذ من غيره يملك هذه القامة الشامخة ذات الأطراف الطويلة النحيلة ، وهذا الشعر ذا اللون الفاحم اللامع الميال إلى الاحمرار؟ من غيره يضع في شحمة أذنه اليسرى دبوساً ... ومن غيره يمكنه أن يختال زهواً بمثل هذا القميص القديم المقفل وهذه التنورة الجبلية السوداء الباليه المعلقة على وركيه النحيلين ، متأرجحة حول ساقيه القويتين البارزتين العضلات؟ انه كيلتي دنبار ..... آه وحدثت نيرن نفسها بهلع عما كان يفعله هنا وقد سبق ورأته بنفسها يستقل الحافلة ، صباح أمس؟ ومن المفروض أن يكون الآن في البحر في السفينة كوينز بونتي .....
وما الذي اقترفه يا ترى ليستحق هذه المعاملة التي يعامله بها ستروم غالبريث؟
فتحت نيرن الباب على مصراعيه وهي تشير إليهما بيدها بالدخول قائلة بصوت يخالطه الارتباك : " أدخلا ، لكي توضحا الأمر . "
فدفع ستروم الغلام أمامه لاوياً ذراعيه بغلظة وهو يقول له : " أدخل . " ورأت نيرن شفتيه تنطبقان بصرامة عندما أفلت كيلتي من يده ، ليتراجع متعثراً نحو القنطرة المصنوعة من خشب السنديان ، والتي تسند سقف الصالة .
التفت إليها ستروم بصوت يفور بالغضب : " نوضح الأمر؟ اسأليه هو أن يوضح ذلك هيا ، أذكر اسمك يا فتى وإياك وأن تجرب علي ألاعيبك وإلا استدعيت الشرطة . "
وكانت عينا الغلام الرماديتان خاليتين من التعبير وهو يتجنب النظر إلى وجه سائله بينما أخذ يتمتم بشيء غير مفهوم .
فصرخ به ستروم بحدة : " تكلم بصوت عال . "
فرد عليه الغلام بحدة : " دنبار . " ولم تعد عيناه الآن تتجنبان وجه ستروم فقد كانتا على العكس ، مثبتتين على وجهه وقد بان فيهما التمرد وهو يتابع بوقاحة : " سومرليد دنبار وأصدقائي يدعونني كيلتي أما أنت فيمكنك أن دعوني سومرليد ."
وحملقت نيرن في الاثنين وهي تتساءل عمن يبدو لها غريباً منهما . كانت تعرف كيلتي منذ ولادته إذ كانت أمه من أعز صديقاتها وعندما فقد والديه فاض قلبها بالحزن لأجله ولكنها لم تره أبداً من قبل بمثل هذه الوقاحة . أما ستروم غالبريث فقد عرفته منذ حوالي أربع وعشرين ساعة ومع هذا تراه وهي تنظر إليه الآن بوجهه الذي يعلوه الشحوب في هذه المواجهة المربكة بين الاثنين ما جعلها تشعر بشيء من العطف نحوه كان يبدو كما لو كان مريضاً ، مريضاً حقاً .
فقالت : " هل لأحد منكما أن يخبرني عما حدث؟ ما الذي تفعله هنا يا كيلتي؟ لماذا لست مع رفاقك؟ "
فأجابها بصوت خلا من الوقاحة : " كنت قد أخبرت السيد وبستر أنني أشعر بوعكة صحية وسألته إن كان بإمكاني العودة ، فاتصل بكِ هاتفياً ليخبرك .... "
فقاطعته قائلة : " ولكنني لم أتلق أي مكالمة هاتفية ولم تكن هناك رسالة محفوظة في آلة تسجيل المكالمات . "
فرأت الدم يتصاعد إلى وجهه وهو يقول : " لقد محوتها من آلة تسجيل هاتفك ."
فهتفت به : " ماذا؟ ومتى؟ ."
فأجاب : " لقد رأيتك تذهبين إلى المقبرة أمس عند ذلك دخلت إلى المنزل ولم أكن أريد أن يعلم أحد بعودتي . "
ومضت لحظة طويلة كانت نيرن أثناءها تحدق فيه صامتة وبعد أن استوعبت الأمر ملياً قالت له : " إذن فهو أنت الذي كان ... في الغرفة الصغيرة التي على السطح الليلة الفائتة؟ "
فنظر كيلتي إلى الأرض وهو يقول : " نعم . "
هزت نيرن رأسها ، ما الذي يحدث هنا؟ وحولت انتباهها إلى ستروم غالبريث ولكنها عندما رأت التعبير الذي بدا على ملامحه تلاشى السؤال من بين شفتيها فقد جعلتها الطريقة التي كان ينظر فيها إلى كيلتي تهتز بعنف ... ليس لأنه كان فقط ينظر إليه وإنما لأن نظرته تلك كانت تتفحصه بلهفة قريبة من الوحشية كانت تتفحص وجهه ، تتفحصه بدقة وتركيز جعلت شعرها يقف .
كان يبدو وكأنه يبحث عن شيء ما ... شيء هو وراء ملامح كيلتي الظاهرة ولكن مهما كان ذلك الشيء الذي يبحث عنه فقد كان واضحاً من الغضب الذي كان يعلو وجهه ، انه لم يكن يريد رؤية ذلك الشيء ... آه لا بد أن هذا من تصوراتها ليس إلا أم أنها قد خرجت عن عقلها؟
وأخيراً ، أخذت نفساً عميقاً لتقول بعد ذلك بحزم : " سأكون شاكرة لك يا سيد غالبريث ، إن أخبرتني بدورك بهذا الأمر بأجمعه . "
ظنت في البداية أنه لم يسمعها وأوشكت أن تعيد السؤال عندما حول نظراته بجهد واضح من الصبي إليها ودبت للحظة على وجهه مظاهر الحرج وكأنه نسي ما يدور حوله ، ليتلاشى بعد ذلك ، هذا التعبير تدريجياً وتبدو في عينيه نظرة باردة قاسية وقد عاد مرة أخرى مسيطراً على نفسه ودفع يديه في جيبي بنطلونه بعنف وهو يقول بإيجاز : " عندما تركت هذا المنزل وجدت نفسي أفكر في ما حدث الليلة الماضية بالنسبة إلى تلك الضجة التي سمعتها أنتِ وفي اختفاء محفظتي هذا الصباح واستنتجت من ذلك أنه قد يكون هناك شخص ثالث في المنزل ففكرت في أنه من الأفضل أن أعود لأعلمك بالأمر ....."
فقالت : " وهكذا صممت على العودة . "
فقال : " بالضبط وما أن دخلت البوابة حتى رأيت ..... "
فتجهم وجه كيلتي وقاطعه ناظراً إلى نيرن : " رآني أتسلل خارجاً من الباب الأمامي . "
وأخذ يعبث بقدميه وهو يتابع قائلاً : " إنني آسف يا نيرن . "
فأخذت نيرن تتخلل شعرها بأصابعها دافعة إياه من على جبينها وهي تقول : " ولكنني ما زلت لا أفهم . هل كنت أنت من أخذ تلك المحفظة يا كيلتي؟ "
فقال : " لقد أخذتها ، ولكن فقط لكي ......" وسكت مقفلاً فمه بعناد وقد بدا عليه بجلاء أنه لن يفصح عن السبب الذي جعله يأخذ المحفظة .
فعادت تسأله : " ولكنك أعدتها دون أن يفقد منها شيء مما فيها من نقود أو بطاقات مصرفية....؟ "
هز رأسه ، وكان كل جوابه هو هزة من كتفيه .
ها قد وصلت إلى طريق مسدود . وتنهدت وهي تلتفت إلى ستروم تسأله : " هل تريد أن تتصل بالشرطة؟ "
فأجاب : " لا أدري ما الذي علي فعله ولكن من الواضح أنه ليس بمقدوركِ الأشراف على تنشئة هذا الغلام . لماذا تظنين أن بمقدوركِ التعامل مع الفتيان الثمانية .. وإدارة مزرعة خضراوات للتسويق هذا عدا عن إدارة نزل يمنح السرير والفطور للنزلاء في الصيف . إذا كنتِ تريدين نصيحتي .. " وبانت في لهجته السخرية وهو يتابع قائلاً : " بيعي هذا المكان الكبير وابحثي لنفسك عن شاب لطيف تتزوجينه ثم تستقرين وتنشئين أسرة .. راجية أن يكون لك بنات صغيرات لا يسببن لك المشكلات . "
وهنا تلاشى من نفس نيرن كل العطف الذي كانت شعرت به نحو هذا الرجل منذ لحظات ، وكأنه لم يكن وازدحمت على شفتيها كلمات الغضب والامتعاض ولكن لأمر لم تستطع فهمه ، استطاعت أن تكظم كل هذا . من الأفضل لها أن لا تتكلم مطلقاً كي لا تمنح هذا الرجل الشعور بالرضى للاستياء الذي سببه لها ، مفضلة على ذلك ، النظر إليه بثبات منتظرة منه أن يخرج من المنزل ولكنه لم يتحرك ، وبدلاً من ذلك رأت لوناً خفيفاً جداً يتصاعد إلى وجنتيه وسمعته يتنحنح مرة بعد مرة ثم ولحيرتها البالغة ، قال بصوت يشوبه شيء من الحرج : " إنني أتساءل يا سيدة كامبل عما إذا كنتِ ترضين باستضافتي عدة أيام أخرى . "
ورأت نيرن نفسها تكاد تجن . هل هذا ما كان شعور ( أليس ) بطلة كتاب ، أليس في بلاد العجائب؟ الفضول ثم الفضول؟؟
لو لم يكن قد أخذها ، بسؤاله هذا على حين غرة ولو لم تكن في أشد الحاجة للانفراد بكيلتي للتحدث إليه ، لولا ذلك ، لالتفتت إليه ببرود تخبره بأن من الأفضل نظراً لظروفها الحاضرة ، أن يرحل عن المنزل ولكنها لم تفعل ، آه نعم ... لقد ابتسمت له ببرود فعلاً ،
ولكنها عندما نظرت في عينيه الزرقاوين الكحيلتين اللتين أصبح لونهما قاتماً لشدة الانفعال ، وجدت نفسها تقول وكأنها منومة مغناطيسياً : " لا بأس ." هل تراها قالت ذلك حقاً؟ وحدثها صوت خفي في داخلها بأنها تقترف غلطة كبرى ولكنها تجاهلت هذا الصوت ، لماذا؟ لم يكن لديها فكرة مطلقاً عن السبب وحولت بصرها عنه وهي تزدرد ريقها ، إلى الباب خلفه وهي تتابع قائلة : " إذا شئت ، يمكنك أن تحضر أمتعتك من السيارة وتصعد بها إلى الغرفة بينما أكون أنا قد جهزت القهوة إنما امنحني عشر دقائق من فضلك . "
هل تراه تنفس بارتياح فعلاً ، أم هي مخيلتها صورت لها ذلك؟ لماذا أصبح بقاؤه هنا مهماً بالنسبة إليه ، بهذه الصورة المفاجئة؟ وما لبثت نيرن أن أرغمت أفكارها على الابتعاد عنه . مهما كانت مشكلاته ، فهي لا تخص أحداً سواه . ذلك أن ثمة ما يجب أن تقوم به الآن وأول شيء هو أن تتحدث إلى كيلتي في أمر خاص .
أشاحت بوجهها عن ستروم ، لتضع يدها على ذراع الغلام قائلة : " تعال معي إلى المطبخ يا كيلتي . "
إنها لم تمنح نفسها سوى عشر دقائق فقط ، ولكن بإمكانها أن تتحدث إليه أثناءها وتحاول أن تعلم ما الذي حدث . فهي لم تصدق أنه عاد بسبب وعكة أصابته ، إنما تعتقد أن ثمة سبباً جعله يرفض الإبحار على السفينة لقد أراد أن يعود إلى البيت .
ولكن لماذا؟ وهل تراه سيخبرها؟
وأخذت تملأ إبريق القهوة بالماء البارد وهي تميل برأسها نحو الغلام ، تسأله : " هل تناولت شيئاً من الطعام هذا النهار؟ "
فأجاب : " كلا ، لم آكل شيئاً ."
فسألته : " هل أنت جائع؟ "
فأجاب : " نعم "
فقالت : " إذن فأنا اقترح بأن تقوم بأمرين ، وذلك حالما تخبرني بالضبط ماذا جرى . أما الأمران فهما ، أولاً : اذهب إلى بيتك وأطلب من عمتك آني أن تقدم لك الإفطار . ثانياً : ما أن تنتهي من ذلك عليك أن تهذب إلى المستوصف وتطلب من الدكتور كوغيل أن يفحصك ......"
فقاطعها قائلاً : " إن عمتي آني ليست في البيت لقد ذهبت إلى بلدة انفرنيس لتمكث مع صديقتها روبي . "
فتأوهت بفروغ صبر وهي تفكر ، طبعاً لا بد أن آني قد خططت لتأخذ عطلة أثناء ذهاب كيلتي في رحلته على تلك السفينة .
فتمتمت قائلة : " وأظن أن بيتها مقفل ولكن حتى لو استطعت الدخول ، فليس في إمكانك أن تبقى في البيت بمفردك على كل حال ...."
فسألها : " هل أستطيع البقاء هنا إلى حين عودتها ؟ "
فأجابت رافعة حاجبيها وهي تحمل بيدها إبريق القهوة : " هنا؟ ولم لا؟ يمكنك أن تستعمل إحدى غرف النزل . "
فقال : " هل يمكنني أن أنام في غرفة السطح؟ "
أجابت : " غرفة السطح؟ كلا انك ستموت من البرد فيها. "
فقال : " ولكنني لم أمت من البرد البارحة . "
وبدت في عينيه نظرة هزل ماكرة ، فلم تتمالك نفسها من الضحك وأجابت وهي تهز كتفيها : " كلا . انك لم تمت من البرد أليس كذلك؟ حسناً لم لا؟ ولكن عليك أن تتدبر أمر الفراش وسأعطيك مصباحاً وبعض الأغطية إنما هنالك شرط واحد ..."
فسألها : " وما هو؟ "
أجابت : " لا أريدك أن تدخن يا كيلتي وإذا شئت أن تدخن فعليك أن تقوم بذلك خارج البيت . فأنا لا أسمح بذلك داخل المنزل . "
فقال : " كما تشائين . لا مشكلة في هذا . " ورفع تنورته ولكن ما أن تركها حتى انحدرت مرة أخرى إلى وركيه وقال : " علي أن أعود إلى المدرسة ما دمت قد عدت من الرحلة . "
فحاولت أن تخفي ابتسامتها وهي تجيبه قائلة : " أظن هذا هو المفروض ولكن عليك أن تأكل شيئاً قبل ذلك هاك .." ووضعت على المائدة طبقاً عميقاً وملعقة وهي تقول : " ضع لنفسك بعض الحبوب الموجودة في الخزانة مع الحليب وهو في الثلاجة . "
والآن ، حان الوقت لكي تسأله عن سبب عودته فقالت بصورة عفوية وهو يسكب الحليب : " والآن ، اخبرني ، ما الذي جعلك تلغي رحلتك على متن السفينة بونتي؟ كنت أظنك متشوقاً إلى هذه الرحلة . "
فدفع إناء الحليب إلى وسط المائدة ، ثم حنى رأسه فوق طبقه وهو يجيبها قائلاً : " إنني لا أريد أن أتحدث عن هذا الأمر يا نيرن انه ... شأني الخاص . "
فاستندت إلى منضدة خلفها وهي تنظر إلى الغلام بمزيج من العطف والخيبة ، لقد عانى أكثر مما عانى أي غلام في سنه وإذا كان لديه بعض المشكلات الآن فهو لا يريد أن يشاركه أحد في أمرها وقد يكون هذا بالنسبة إليها هي على الأقل .
ومن خبرتها ، كانت تعرف الأوقات التي يمكنها بها الإلحاح أو عدم الإلحاح وهي الآن تعرف أن الإلحاح لن يأتي بفائدة .
وهكذا قالت برقة : " لا بأس ولكن تذكر عندما تقرر في أي وقت أن تتحدث بالأمر فتذكر أنني هنا . وأي شيء تخبرني به سيبقى سراً إذا كان هذا ما تريده . "
فتمتم : " شكراً يا نيرن . "
كان قد التهم الطعام وكأنه لم يأكل منذ أسبوع ونهض واقفاً وهو يقول : " أتريدين أن أضع هذه في ماكينة غسل الأطباق؟ "
فأجابت : " كلا ، بل ضعها في الحوض من فضلك . إنما اسمع يا كيلتي ..."
فقال : " نعم ."
فقالت : " بالنسبة إلى محوك للمكالمة في آلة التسجيل في الهاتف ....."
فتنهد قائلاً : " سأشتغل مقابل ذلك في عطلة الأسبوع القادمة من دون أجر . "
فقالت : " حسناً . "
استقام في وقفته وهو يقول : " حسناً سأذهب الآن . "
سألته قائلة : " هل آخذ لك موعداً من الدكتور كوغيل؟ "
ورفعت حاجبيها ساخرة ، فاحمر وجهه وهو يجيب : " كلا لن أذهب إلى الطبيب وأنا آسف لأنني كذبت على السيد وبستر بالنسبة لهذا . إن صحتي حسنة جداً سأذهب إلى المدرسة الآن وسأراك فيما بعد . "
وما أن وصل كيلتي إلى الباب ، حتى ظهر ستروم غالبريث على العتبة وما أن تجاوز أحدهما الآخر حتى ألقى كيلتي على الرجل الغريب الأسمر نظرة جامدة بينما أظلمت ملامح ستروم وظنت نيرن أنه سيقول شيئاً ولكنه فقط أطبق فمه بقوة وهو يرمق الغلام المبتعد بعينين حادتين .
وبعد ذلك بلحظات ، سمعا صوت الباب الخارجي يصفق ولم تكن نيرن قد شعرت بأنها تمسك أنفاسها إلى أن رأت نفسها تتنفس ببطء ، ذلك أن الجو سرعان ما يشحن بالتوتر كلما جمعتهما غرفة معاً . كان توتراً قلقاً بقدر ما هو غامض محير ماذا يمكن أن يكون السبب يا ترى؟
وسألت ستروم ببشاشة بينما كان يدخل المطبخ : " هل استقر بك المكان؟ "
فأجاب : " نعم أشكرك . "
فقالت : " دعني اسكب لك فنجاناً من القهوة . " وبينما كانت تقوم بذلك أخذ هو يذرع المطبخ بخطوات قلقة ومرة أخرى داخلها الضيق ما أشد الاختلاف بينه وبين روري لقد كان زوجها رجلاً سهل المعشر هادئ الطبع . كان دوماً ينجز العمل الذي يبدأ به ، وكان ينهيه دوماً دون أن يزعج أحداً كانت هذه موهبة فيه كما كانت تخبره على الدوام .
كانت موهبة يبدو بجلاء أن ستروم غالبريث هذا لا يملكها . لقد عرفت من الطريقة التي عامل بها كيلتي أنه يواجه المشكلات رأساً ويعامل أي شخص يعترض طريقه بكل غلظة وفظاظة .
ناولته فنجان القهوة ، ولكنها لم تتكلف عناء دعوته إلى الجلوس , لقد أحست بأنه اكثر قلقاً من أن يستجيب لهذا . كما أنها أحست أيضاً بأنه يريد أن يتحدث إليها ولكن في أي موضوع؟
قال فجأة : " أخبريني عن ذلك الغلام . ما هو تاريخه؟ "
حسناً ، لقد تملكتها الدهشة في الواقع ، ذلك أنها منذ وقت قصير كانت تشعر بالأسى عندما رأته يفقد اهتمامه وهي تتحدث عن الفتيان الذين يعملون لديها وهاهو ذا الآن يوجه إليها أسئلة عن واحد منهم .
فسكبت لنفسها فنجاناً من القهوة أضافت إليه السكر والحليب وأخذت تحركه قبل أن تتجه إلى المائدة حيث جلست واضعة يديها حول الفنجان وهي تقول : " كيلتي؟ انه صبي لطيف ....."
فارتسمت على شفتيه ابتسامة عدم تصديق وهو يقاطعها قائلاً : " لطيف؟ لقد كنت استنتجت مما أخبرتني به أن الفتيان الذين يعملون معك هم خارجين عن القانون ومن القليل الذي رأيته من سومرليد هذا أو كليتي أو مهما كان اسمه ...."
فقاطعته وهي ترغم نفسها على الهدوء : " قبل كل شيء نعم الفتيان الذين يعملون معي في برواش كان لهم جميعاً مشكلات مع القانون .. ولكن ما عدا كيلتي فالأمر معه مختلف . "
فسألها : " من أي ناحية؟ "
فأجابت : " إن كيلتي هو أصغر سناً من أكثرهم وهو يعمل هنا منذ وفاة والديه فقط . "
وحدقت نيرن من النافذة وهي تفكر بذهن شارد في أن كيلتي لا بد قد أطلق شادو إلى خارج المنزل . فقد كان الكلب الأسود متمدداً في الشمس على الطريق قرب سيارتها الفان وتابعت تقول : " كان دوماً بمفرده . لم ينخرط قط مع المجموعة انه غير عادي ..."
وأطلقت ضحكة أسى قصيرة وهي تقول : " لا بد انك استنتجت هذا بنفسك من الطريقة التي يرتدي بها ثيابه . "
فقال : " معك حق بالنسبة إلى ذلك . فأنا لا يمكنني أن أتصور أن كثيرين من الغلمان الذين في سنه يشعرون بالارتياح لارتداء التنورة . "
فقالت : " عندما كان في الثالثة من عمره تقريباً ، ابتدأت أمه هازيل تلبسه تنورة يوم الأحد وقد اعتاد الأطفال الذين يكبرونه سناً ، إغاظته فأطلقوا عليه لقب كيلتي ومعناها ذو التنورة ، وعندما ابتدأ بالذهاب إلى مدرسة غلينكريغ الابتدائية لم يعد يلبس التنورة مطلقاً ولكن اللقب التصق به . "
ووضعت نيرن فنجانها على المائدة ثم أخذت تمر بإصبعها على حافته وهي تتابع مفكرة : " عندما أصبح في الحادية عشرة ذهب إلى مهرجان للكشافة في أدنبرة وعندما ذهب والداه ، هازيل و هوغ ليستقبلاه في محطة القطار ، لم يعرفاه فقد استبدل بنطلونه الجينز بتلك التنورة الاسكتلندية السوداء .. وكانت في ذلك الحين تنزل إلى ما تحت ركبتيه .. كما كان صابغاً شعره بلون ارجواني كعادة سكان الجبال ومنذ ذلك الحين أصبحت التنورة دلالة عليه . "
وساد صمت في المطبخ صمت طويل ، لم يخترقه سوى صوت دقات ساعة ساحة غلينكريغ تدق الواحدة . وعندما تلاشى الصدى ، وضع ستروم فنجانه من يده ثم مشى نحو النافذة ، فاستند بكتفه على الجدار ، ثم نظر إلى نيرن وهو يعقد ذراعيه فوق صدره قائلاً : " لقد قلت إن والديه قد توفيا من يعتني بالغلام الآن؟ "
استغربت شدة اهتمامه بهذا الغلام الذي سبق وعامله بعنف وبطريقة خاطئة فقالت تجيبه : " إن القريبة الوحيدة لكيلتي هي آني لو . وهي عمة أبيه ، وقد أصبحت قانونياً الوصية على الصبي بعد موت أبيه . "
وهزت رأسها متابعة : " مسكينة آني فقد بقيت عازبة طيلة حياتها ما جعلها غير قادرة على التعامل مع كيلتي وهذا ما جعلني شريكة في الموضوع إذ طلبت مني أن أعطيه عملاً بعد الخروج من المدرسة وبهذا أتمكن من مراقبته . "
فقال وهو ينظر إليها بثبات : " يبدو أن علاقتك طيبة مع الغلام . "
فأجابت : " إنني أحبه فهو كما سبق و أخبرتك غلام لطيف ولكنني قلقة عليه فهو بسكنه مع آني وعمله معي لا يجد في حياته رجلاً يسير على منواله . "
سألها : " وماذا عنه في المدرسة؟ "
فأجابت : " انه ذكي جداً ولكنه لا ينكب على دروسه ذلك أن له هواية و حيدة في حياته وهي ....."
وقطع عليها حديثها رنين جرس الهاتف ، فاستأذنت منه وهي تهرع لترفع السماعة وجاءها صوت كيلا يقول : " نيرن لقد نسيت أن انسخ من عندك تلك الوصفة التي كنا نتحدث عنها تلك الليلة هل عندك وقت لتعطيني إياها الآن؟ "
فأجابت : " طبعاً ، انتظري برهة لكي أحضر الدفتر . "
ووضعت السماعة وهي تقول ناظرة إلى ستروم : " إنني آسفة فسأتأخر في المكالمة الهاتفية عدة دقائق هل ستخرج هذا الصباح؟ ."
فأجاب : " لقد فكرت في ذلك ، لأستكشف المكان . "
لماذا يريد رجل قادم من المدينة أن يطوف حول قرية إسكتلندية صغيرة في أكثر أيام شهر شباط ( فبراير ) كآبة ، بينما بإمكانه أن يطير إلى الريفييرا أو فلوريدا أو جزر الباهاما؟ وجدت نيرن نفسها تتساءل عن ذلك ولكنها ما لبثت أن تخلت عن هذه الأفكار فهذا شأنه .
أخرجت دفترها ومضت تقلب صفحاته وهي تقول : " إنني في العادة ، أقدم لنزلائي السرير والفطور ولكن بما أنك بمفردك وأكثر أمكنة السواح مقفلة في هذا الوقت من السنة ، فإنني أرحب بأن تتناول طعامك معي فقط دعني أعرف مقدماً ما إذا كنت لن تتناول وجبتك هنا . "
فقال : " شكراً ولكنني اليوم بالذات سأغيب حتى الساعة الخامسة . "
ارتاحت نيرن في سرها ، لكنها ما لبثت أن أجفلت وهي تتساءل عن سبب ردة الفعل هذه نحوه ، وما لبثت أن أدركت الجواب ، ذلك أنها لم تقابل قط ، رجلاً سبب لها مثل هذا القلق وذلك بمجرد وجوده ، كما أنها لم يسبق لها أن شعرت قبله قط ، بالاهتمام والانجذاب برجل ما ، ولم يكن ذلك بسبب قامته الفارعة وشعره الأسود وعينيه الزرقاوين ذات المشاعر القوية كان الذي يضايقها حقاً هو شيء أقل ظهوراً .
وفجأة ، أنهت أفكار الطائشة لتقول : " هذا حسن . "
ومشت نحو الهاتف ، بينما رفع أنامله إلى جبهته يحييها مودعاً وعلى شفتيه ابتسامة ملتوية جعلت نبض نيرن يرتفع بطريقة غريبة ما دفعها إلى التفكير بأن هذا الرجل يجب أن يسجن في الطابق الأعلى ، ثم يلقى بالمفتاح بعيداً ... فقد كان رجلاً محطماً للقلوب لم تر له من قبل مثيلاً .
وحبست أنفاسها حتى سمعت الباب الخارجي يصفق خلفه لتتنهد عند ذاك وهي تلتقط السماعة قائلة : " هل ما زالت على الخط يا كيلا؟ "
فأجابت شقيقتها قائلة : " هل أنتِ بخير يا نيرن؟ إن صوتك ليس كالمعتاد هذا الصباح ."
وكذلك نيرن لم تشعر بنفسها كالمعتاد أيضاً ، فقالت : " لا بد أن الخط ليس على ما يرام إنني بخير تماماً . "
ولكن ضربات قلبها كانت تقرع كالمطارق ما الذي حدث لها يا ترى؟ كان جواب ذلك هناك في مكان ما من رأسها ... ولكنها بدلاً من أن تفكر في جذور المسألة نقلت ذهنها بسرعة من تلك المهمة إلى الأمر الذي بين يديها فقالت : " هل بيدك قلم يا كيلا؟ حسناً هاك الوصفة


اسيرة الماضى غير متواجد حالياً  
التوقيع
سكرنا ولم نشرب من الخمر جرعة
ولكن احاديث الغرام هي الخمر
فشارب الخمر يصحوا بعد سكره
وشارب الحب طول العمر سكران




اشعر اننى انفاس تحتضر....بين رحيل قادم... ورحيل ماضى.....متعبا كل ما فينى
رد مع اقتباس