عرض مشاركة واحدة
قديم 17-05-11, 04:03 PM   #17

القلم الحر

نجم روايتي كاتب و شاعر متألق في القسم الأدبي

 
الصورة الرمزية القلم الحر

? العضوٌ??? » 127837
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,320
?  نُقآطِيْ » القلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond repute
افتراضي

25

ها هي وثيقة التخرج في يميني ، نجحت بتفوّق ، ووقفتُ طويلاً في سيارتي انظر لكليّتي نظرة الوداع الأخيرة .
أيامي الجميلة تتوالى ..
حب سارة لي أضعاف ما أحمله لها في قلبي، وأيامنا صارت أناشيد فرح ..
قصصنا ومغامراتنا في مسرح العاصمة لا تنقضي .
الحياة تزدهر من حولي .. والأخبار السعيدة تستمر .. كل من حولي يعرفون أني صرت إنساناً آخر .

لم أعد صموتاً معتزل الناس .. صرت الرجل الأكثر بشاشة والأغزر حديثاً و الأطفحَ سروراً
دخلتِ حياتي ياسمرايَ وخلقتيني رجلاً جديداً ..
تُشير علي بماذا ألبس وأي الألوان أفضل وتقترح علي ماذا أسمع وأين أمضي وألبي ..
ترافقني تدخلاتها المحببة حتى وأنا أتجه لمجيد في صالون الحلاقة وتقول ليتك تفعل كذا وأفعل ماتقول ..
أصبحت كاميرا هاتفها عيناً لي في بيتها ، ضوءاً على حياتها ..
كل ماارتدت فستاناً جديداً ، كل ماغيّرت في شكل غرفتها ، كل ماتزيّنت لمناسبة..
حتى أطفال شقيقاتها صرتُ أعرفهم بأسمائهم وأشكالهم ، امتلأ هاتفي بتفاصيلها ..


قديماً حين أجلس بين أشقائي وأصدقائي أرمي هاتفي على الأرض لا أبالي بمن يتعبث في محتوياته،
بتّ الآن أحملهُ كقطعةٍ أثريّة خالصة أخشى عليه مجرد اللمس !


حتى مجالستي شقيقاتي صارت مدعاةً للمقارنة:
لا سارة لا تتحدث هكذا ، هي لا تهتم بشؤون المطبخ و تفاصيل الأسر الأخرى ..
سارة أرقى من النساء جميعاً .
النساء تتحدث بصوتٍ عال ووحدها سارة تغرد ،
يتكلمون عن البيوت وينبشون أسرارها وهي لا تقترفُ هذا الفضول ..
تعرفُ الكتب و الأسواق و الأناقة ..
تعرف حتى دهاليز الرياض وتفاصيل طرقاتها ليست متقوقعةً كغيرها في البيت تنتظرُ إذناً من أحد !
لديها حريةٌ لا تمتلكها النساء في مجتمعي ..
هذا لا يعني أني أتمنى أن تُمارس شقيقاتي ذات الدور ،
إنما كانت هذه الفروقات تأسرني ، تُشعرني أني وقعتُ على كنزٍ نفيس ليس مشاعاً .. نادر ..
حتى سُمرتها الخفيفة التي تكسو وجهها ملوحةً بادية ، كانت تمثل فرقاً عزيزاً جداً .. أحبه لأني لا أراه كثيراً في محيطي ..
حتى عدم انتمائها لقبيلة ، في البداية كان مثار صدمتي ،
ثم تماهيتُ مع الأمر حتى صار خصلةً تتفوق بها عن غيرها ، وأفلسف الأمر مع قلبي :
أن تحب فتاةً من الأقليّة ، هذا يعني أنك تمارس حباً مختلفاً عن البقيّة ، نوعٌ من التميز أحظاه معها ، ولن يفهمني أحد !
هي لا تأبه لهذه السخافات ! وأقول سخافات وأضحك من نفسي :
صارت هذه الأسماء الطويلة في عيني سخافات ،
وانا الذي كنت أيام الدراسة أخط على طاولتي ودفاتري اسمي الطويل منتهياً بالإسم الرنان !
حتى عندما ارتقيت بنفسي وقرأت ووعيت ، صرت أرفض هذه التجمعات البهرجيّة الزائفة .. نعم ، لكن في داخلي انتماءٌ مازال ينبض ..
الآن ، سحقتهُ سارة .. لم تقل لي شيئاً منذ خصامنا القديم ، لم تحرضني .. لكني رويداً رويداً ألغيتُ نفسي من مجمتعي وصرتُ تبيعاً لها !


هي قبيلتي ..وكانت تسعدُ كلما كررت الأمر على مسمعها !
لكني لم أقل لها أن والدي ذهب لأعيان قومي في مكاتبهم ، تحريكاً لإسمي في التعيين ،
هه ربما ستغضب أو ستضحك ، في الحالتين سأندم !
أخبرتها اني أردتُ الإلتحاق بالتدريس ليس لحبي له ، آخر من يتحمل ضوضاء الصبية أنا ،
لكن لأوقات الراحة الطويلة التي يحظى بها المعلم عن سواه ..
طموحي أن أكون كاتباً كبيراً ياسارة.. الكتابة والقراءة والإطلاع تحتاجُ وقتاً لن أجده إلا إذا كنت معلماً ..
هكذا حددتُ أهدافي وبقيت أنتظر الأخبار من أبي !


قالت لي بالأمس ونحن نتحدث ، أتمنى لو كنت معلمة يافيصل للصفوف الأولية .. أحب الأطفال جداً ..
فأخبرتها أني لا أتحمل بيتنا حين يتكاثف أطفالنا كل خميس ما بالكِ بأطفال الغرباء !
قالت لي يا قاسي .. من لا يحتمل ضوضاء الأطفال صلب ، هذه خصلةٌ لا أحبها فيك يافيصل ..
لا ياسارة لست قاسياً .. لكني اعتدتُ العزلة طويلاً والعزلة ابنة الصمت .. من يعتادها سيألف الهدوء
يا فيصل الأطفال أثمن هدية تقدم لنا من عند الله، هل ترى تعب الأم حين تحمل وتلد ، كل هذه المشقة مبررة لأجل طفل ..
أن أتعب وأعاني هذا ليس شيئاً أمام نداء " ماما " ..
ثم سكتت مطولاً و صعقتني يوم راحت تقول :
- تدري فيصل .. دائماً أحدث نفسي وأتمنى طفلا ً ..أتمناه منك !

كانت نبرتها حالمة ، وشعرت بأنها تمتليء شجناً ورحتُ أدّعي السخرية تغييراً لنبرة الجد في حديثها :
هل تريدينه أسمر البشرة أم مثل أبيه ..
وقالت على الفور مستغرقةً في أحلامها :
يشبهك تماماً هذا كل ماأريد !

* * *

ومضت أيامنا في الصيف الذي ما عاد صيفاً .. كان ربيعاً بفضل الحب ..
قديماً كانت هذه الأجواء ترهقني .. الصيف رجلٌ مزعج يأتي ليجعل أيامنا أسوأ !
الآن ليس يُرهقني، ولم يعد يعنيني في هذا المناخ حرارته ، بل تنفيرهُ لأهل العاصمة الذين يحملون حقائبهم مودعين !
كنتُ أخشى فراقها ولم أتحدث به ، وانتظرتُ أن تقول لي يوماً ها نحن على أعتاب السفر ..
لكنها جاءت تتراقصُ فرحاً ذات مساء :

فيصل لن نسافر هذا العام، لن نسافر .. كانت تهتف كما لو كنتُ لها المصيف والجو العليل
وهتفتُ بها : كنت أنتظر خبر تعييني ، الآن جئتيني بالخبر الأفضل ،
قلتها ولم أكن مغالياً .. أنا أعني ما أقول.. كانت أهم من مستقبلي !
حتى أنا ياسارة لن أمضي مع أهلي للقرية ، وسأبقى بجوارك ..
فيصل حدثني عن القرى
أووه ألا تسأمين هذا الحديث ياسارة ، يبدو أنكِ لن تكفي حتى تشاهديها
وعادت لها نبرتها الحالمة :
- فيصل ، هل سيأتي يوم ونكون فيها سوياً ولو ساعة ، تحكي لي طفولتك وأنا أشاهد !
ولذت بالصمت وقلتُ في سري : مستحيل !

هذه النبرة الدخيلة باتت توتّرني!!


قديماً كنا نتحدث ونضحك كطفلين ، كانت أحاديثنا نسمة هواءٍ لطيفة تدغدغ وجوهنا حتى بداية الصباح ..
الآن هذه النسمات صارت تتحول أحياناً ذرات غبارٍ مزعجة، قالحة ، تلفحُ الوجه بخشونة !
صار يعتري ساره بعض النضج فجأة ، تسألني أسئلةً لا أملك لها إجابة ..
بل أملك .. ولكني لا أريد أن أجيب !

البارحة جاء صوتها كئيباً .. وسألتها ماذا بك سارة ..
أخبرتني أنها تعاني بعض الضغوط من والديها لأول مرة .
صديق والدي، عاد ابنه للتو من كندا بالشهادة ، وتقدم لي بشكل شبه رسمي .. ورفضت !
لأول مرة تحدثني بهذا الحديث .. كانت مكتئبة من الضغط الذي رزحت تحته ،
وسألتها بخوف ماذا حصل ، قالت رفضت ولم أرضخ وانتهى الأمر ..
تنفست الصعداء وقلتُ لها : سارة ، أحبك ..
سارة لم أكن سعيداً كالسعادة التي أنا فيها الآن ، ولم أضحك يوماً هكذا إلا معك !
عادت لها نبرتها الشجية وقالت : لكني لم أبكِ هكذا إلا معك !
وانهيتُ المكالمة متعذراً بنداء أبي لي !



لا أدري ماذا حدث .. لماذا لا يدوم الحب مرفرفاً دون نغائص.. لماذا لا تسري الحياة كما أشتهي ؟!
ماذا أريد منها ؟
هي سر سعادتي .. وأعرف أن خسارتي لها يعني أن حياتي وموتي سواء ..
وغيابها عن مسرحي هذا يعني أن الأرض التي أسير عليها باتت تغلفني كـ قبر ليس إلا ..
ماذا أريد منكِ ياسارة .. أريد أن تبقي لي .. كيف ؟ لا أدري ..
أحقاً ما قال نيتشه ،في أي زمان ومكان يبقى الرجل وسيلة المرأة نحو الغاية : الطفل !
أي أن الحب لأجل الحب منتفي!
أحقاً ماقال: لا تطلب الأنثى من الحياة شيئاً سوى رجل ـ فإذا جاء طلبت منه كل شيء ..
آه ياسارة .. كفي عن أحلامكِ الوردية أرجوك .. واتركي التفكير الذي تعلمين استحالته ..
دعينا في هذه الحياة نقضي أيام صفونا دون كدر ..


سألتني سؤالاً غريباً :
أتحبني ؟! .. سمعتها مني ألف مرة ، لماذا تستجوبني هذا اليوم !؟
أخبرتها أني أحبها أكثر من أي شيء آخر .. ثم حلفتني ! وحلفت ..
فيصل هل تعدني أن تحبني مهما حدث .؟!
وانقبض قلبي وقلت لن يتغير في قلبي شيء ! سارة ماذا بك ..
تجاهلت سؤالي وراحت تتحدث عن ابتعاث هيفاء لأمريكا .. وكنتُ سعيداً بأن الموضوع تحوّر !



- أحبها وتحبني يا فهد ، هذا مالا أشك فيه ، لكن أحاديثها باتت تخيفني !
- كيف !؟
- الأسبوع الماضي كانت تقول ،لو ضمنا بيت يافيصل لجعلتك تمشي على كفوف الراحة وجعلتك الأسعد بين الرجال .. وأنت تعرف مابين سطور هذه الجملة !
وقبل يومين ، كنا نتحدث عن الأطفال ،
فجأةً تغير مجرى الحديث وصارت تتمنى طفلاً يشبهني ! وأحدثها عن قريتنا وتقول لي عدني أن تأخذني لها يوماً ..
كانت أحاديثنا يافهد ممتعة لذيذة ، لا أدري ماسر هذه الأحاديث الجدية فجأة

- أرأيت يافيصل كلهنّ هكذا ، يبدأن بالحب ونشوة العاطفة ثم يرتفع سقف الأمنيات !
تريد نصيحتي ؟ اهرب . انفذ بجلدك ياصديقي الأمر سوف يستفحل

- أهرب ؟! أنت مجنون؟ لا حياة بدونها ، أريد أن أقول لها أن تكف عن هذه الأحلام وأخشى جرحها !

- هل تذكر حديثنا عن الصقر والتحليق والإفتراس ؟ يوم قلت لي أن حبكم عذري !؟
ياصديقي أنت الآن مجرد صقر مثلي ومثل أي أحد .. لا تريد الزواج بها وتريدها ان تبقى تسلّيك !

- لن أفرط بها هل تسمع ؟ لن أفرط

تباً لدنجوان ، كعادته ، يتحدث وكأنه العارف بواطن الأمور .. لا يكف عن التباهي كطاووس !
أحبها ولن أهرب منها ، وسأبقى معها مدى الحياة .
"مدى الحياة " ..وشعرتُ بوقع الجملة غريباً .. أليست جملةً حمقاء ياقلبي؟!



* * *

راحت إجازة الصيف تجري .. الأخبار السعيدة تتوالى تباعاً :
قصصي باتت تنشر في الجرائد بشكلٍ شبه اسبوعي ، سارة تستقر معي في الرياض لم تسافر ،
أتلقى الإشادات من المحرر و القراء ..
ولم يتوقف الأمر هنا ...كانت أيامي الفرائحية تتناسل ..
في الصباح زُفت لي البشرى ، صرتُ معلماً ..
تم تعييني في الخرج قريباً من الرياض التي أسكنها .. هذا يعني أني لن أرحل يامدينتي ..
كانت سارة مبتهجةً بنجاحاتي ، رغم مسحة الحزن التي تكسوها وعبثاً تخفيه حنجرتها ..
قالت عيّنوك فوراً لأنك متفوق ، وقلتُ في نفسي أنتِ لا تعلمين شيئاً .. في الرياض تعمل الأسماء أكثر !
أخبرتني أن كل قصةٍ أنشرها تحتفظ بها في ملفٍ خاص.. كتبت عليه " دوستويفسكي " ..

- يوماً ما إذا اشتهرت لا تتنكر لي يافيصل هههه
- وهل أستطيع ، سأذيع اسمكِ عرفاناً على الملأ ، صحيح أنكِ ستدخلين في مشاكل مع عائلتك لكن هذا حقٌ لن أكتمه الناس !

تباً للدعابة الغبية، لماذا جئت بسيرة عائلتها .. هاهي بدأت تكتئب !

سارة تخفي عني شيئاً يدور في محيطها ولست أعلم ماهو ..
والعجز التام .. هو أني أريد أن أسأل وأخشى ..
أخشى أن تتعكر فرحتي ، أخشى أن لا أملك دفعاً للقادم من أخبار .. أخشى أن أعرف أني عاجز !
تركتُ الأمر .. وتركتها مع اكتئابها قليلا ً، ورحتُ أقص لها قصتي التي سأنشرها غداً ..
كانت على الخط ، وكنت أسرد ما كتبت .. وعلا صوتي متحمساً مع سطوري ..
وبدأت أعرف أنها لم تكن تصغي
كانت تنتحب ، وتوقفتُ عن القراءة.. ثم بكَتْ وخشيتُ السؤال .. واعتلاني الوجوم !
أخذت تصرخ " أحبك " .. ولم أقل لها أي شيء ..
طويتُ قصتي وأودعتها الدرج ولم أسأل ، لم أقل لها حتى أني أحبك ..
وعرفتُ أن في الأمر سراً لا طاقة لي بدفعه ..


- فيصل أريد أن أخرج معك لأي مكان !
- ماذا ؟!
- فيصل أرجوك ، أريد أن نخرج ، أريد أن أكون معك...

شعرتُ أنها تريد أن تقول " للمرة الأخيرة " ، أو هكذا توهمت لا أعرف !

هل أيامنا بدأت تتصرم ؟! أأسألها ؟! تركتُ الأمر يمضي دون أسئلتي ..
وبقلبٍ منقبض سألتها :
أين تريدين أن نذهـ

بصوتٍ باكي قاطعتني :

- فيصل أي مكان !


القلم الحر غير متواجد حالياً  
التوقيع
( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي )




أضغط على الصورة لدخول المدونة
رد مع اقتباس