عرض مشاركة واحدة
قديم 25-07-11, 02:04 AM   #7

هناء12
 
الصورة الرمزية هناء12

? العضوٌ??? » 189400
?  التسِجيلٌ » Jul 2011
? مشَارَ?اتْي » 120
?  نُقآطِيْ » هناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond repute
افتراضي قصة بين مخالب الزمن الجزء 7

- أنت فنانة كبيرة رغم صغر سنك وتستحقين أن تبدئين أول معرض بقاعة كبيرة ومعروفة.
- لست ادري كيف أشكرك.
ويقاطعها قائلا:
- بل أنا الذي أشكرك فبعد تصميمك الذي نلنا من خلاله الجائزة الكبرى، وكان السبب في تهافت الشركات والمؤسسات الكبرى للتعامل معنا، بل الأغرب تصرفك أنت مع هذه الشركات، علمت أن الكثير منهم أراد التعاقد معك بإغراءات لا يمكن تجاهلها خصوصا وضعك أنت ... أعرف أيضا هناك من الشركات من عرضت عليك عرضا مغريا لتخليصك من بنود العقد الذي يربطك بشركتنا، ومع ذلك رفضت وفضلت البقاء معنا وهذا لم يزدنا إلا تقديرا لك واحترامنا لك وما أقدمه لك الآن هو بالنسبة لي يظل شيئا قليلا.
وتحاول أن تنطق لكن للمرة الثانية يقاطعها:
- يا لله أنت الآن في إجازة مفتوحة أريدك أن تحضري جيدا نفسك لهذا المعرض، وبعده سنبرم عقدا أخر أنت تضعين شروطه.

وبدأت سمراء تحضر لهذا المعرض بكل جدية ... وبعد أن اختارت كل اللوحات التي ستشارك بها ... ففي الليلة التي تسبق المعرض بقيت بغرفتها في حالة قلق ... وأدركت الأم ذلك فلم تنم هي الأخرى، ففضلت الالتحاق بغرفة سمراء، وما إن رأتها سمراء حتى قامت من سريرها نحوها قائلة:
- ألم تنامي بعد؟
- وهل حبيبة أمها زارها النوم؟
- أبدا ... يظهر أنني لن أنام الليلة.
ابتسمت الأم وقالت:
- وهل إذا نمت في حضني يأتيك النوم ويذهب عنك القلق.
وراحت سمراء تساعد أمها على الانتقال من كرسي العجلات نحو السرير وهي تقول في سعادة:
- أكيد طبعا.
واستلقت سمراء على السرير، ورأسها على صدر أمها، وعيناها مغمضتان، بينما الأم راحت تمرر بكل حنان يدها على رأسها قائلة:
- هل ستكون لوحة عيون البحر من اللوحات المعروضة؟
وردت سمراء وهي تفتح عيناها:
- لا طبعا ... لأن اللوحات المعروضة إذا أعجب بها زائر ستحجز له لشرائها ولوحة عيون البحر ليست للبيع.
وترد الأم بصوت حنون متفائل:
- أنا صحيح لا أفهم في الرسم لكن عندي إحساس أن هذه اللوحة ستجلب لك الحظ في هذا المعرض.
ابتسمت سمراء بحنان واستقعدت وقالت:
- حتى لو لم تجلب لي الحظ فيكفي أنك تريدين أن تكون من بين لوحات المعرض.
ثم قامت لتتجه نحو الباب وهي تقول:
- أمرك يا ست الحبايب سأحملها ... سأذهب لأجهزها وسأكتب تحتها محجوزة حتى إذا حدث وأعجب بها أحد أقول أنها بيعت.

بصالون المعرض ... وبقدر خوفها وقلقها فإذا بعدد الزوار يزداد يوما بعد يوم، بل وحضر حتى النقاد، ورجال الصحافة، والإعلام، والمصورين الذين أشادوا على مولد موهبة شابة كفنانة كبيرة، وكانت أكثر اللوحات نالت إعجاب الجميع هي لوحة عيون البحر التي أخذت الحيز الأكبر في المناقشة من طرف كل من اقترب منها لدرجة أن هناك من عرض عليها مبالغ خيالية من أجل شراءها، لكنها رفضت بحجة سبق بيعها ... كان لهذا المعرض أول خطوة وبداية شهرة سمراء كفنانة، بعد المعرض تفاجئ سمراء والدتها برحلة إلى أمريكا فكان رد الوالدة:
- يا بنيتي لا داعي ... فلا أظن أطباء أمريكا أحسن من أطباء أوروبا.
- لا يا أمي الطب هناك متقدم أكثر.
- أنا خلاص تعودت على مرضي.
- لكن أنا أمنيتي أن أغمض عيني وأفتحها وأجدك واقفة على رجليك.

ورحلتا إلى أمريكا في زيارة استغرقت أكثر من شهر، فعرضت والدتها على أكبر المتخصصين بجراحة العظام، لكن مع الأسف الكل أكد لها أن والدتها لا تشكو من أي مرض عضوي، وعجزها على الوقوف على رجليها سببه حالة نفسية وممكن أن تسترجع رجليها في أي وقت بإذن الله...

عادت سمراء من أمريكا بصحبة والدتها وكعادتها لم تنس أن تراسل صديقتها زهراء لتعلمها عن كل صغيرة وكبيرة كما تعلمها أيضا بإرسالها لبعض المبالغ المالية بالبنك.

واستمرت سمراء الاعتناء بوالدتها، فهي لا تنسى أن تقضي معها عطلة نهاية الأسبوع خارج البيت حتى تعطيها من الرعاية النفسية الكافية كما أوصاها الأطباء، أما عطلتها السنوية فكانت تقضيها كل مرة ببلد أوربي.

سمراء بإحدى حدائق باريس بصحبة والدتها ... اختارا مكانا جميلا وجلست سمراء أرضا على البساط الأخضر تداعب ريشتها لترسم منظر البحيرة تسبح بها مجموعة من البجعات... فإذا بشابة من سنها تقريبا كان يظهر عليها أنها سائحة كانت تلتقط صورا بالكاميرا، وفجأة تلمح سمراء وهي في اندماجها مع الرسم لم تنس أن تتفقد أمها التي على مقربة منها لتمنحها من الحب والرعاية، ذلك المشهد أثار فضول وإعجاب تلك الشابة السائحة فاقتربت من سمراء ونطقت بالعربية:
- رائع ما ترسمين.
وردت سمراء وهي تنظر إلى الشابة بتمعن:
- شكرا.
- بالرغم أن لك ملامح إيطالية لكن وجودك مع الحاجة ...
وقاطعتها سمراء وهي تبتسم:
- إنها والدتي إنها لا تستغني عن الجلابية العربية.
وراحت سمراء تتمعن في الشابة ثم ضحكت بكل أدب، مما جعل الشابة تتساءل بعيونها، فبادرت سمراء بالكلام بسرعة حتى لا تفهم السائحة تصرفها غلط قائلة:
- بصراحة لو لم تتكلمي بالعربية ما قلت أنك تجدينها.
ابتسمت الشابة وقالت:
- أنا لا أجيدها فقط، بل أنا عربية أبا عن جد، إنني من المشرق العربي.
- أهلا بك، أما أنا اسمي سمراء من شمال إفريقيا.
وجلست تتحدثان عن باريس وفن الرسم ... حيث قالت رندا:
- أحب الرسم لكنني لا أرسم، فكان أن أشبعت حبي له عن طريق التصوير الفوتوغرافي.
وكأن رندا تذكرت شيئا مهما فراحت تفتح حقيبتها فأخرجت صورة شاب وقالت:
- إنها صورة أخي، صورة أخذت له وهو في حوالي العشرين من عمره، اليوم عمره حوالي أربعين سنة، لكن هذه الصورة نادرة وعزيزة علي وأنا الوحيدة التي أحتفظ بها، وبما أن عيد ميلاده بعد أسبوع هل لديك مانع أن ترسمي لي صورته هذه؟
مسكت سمراء بالصورة وقالت:
- طبعا ليس الآن.
- المهم قبل أسبوع.
وفي نهاية اللقاء تركت سمراء لرندا عنوانها وهي تقول:
- تعالي غدا مساءا ستكون الصورة جاهزة بإذن الله.

في اليوم الموالي بمنزل سمراء، بالصالون وبعد جلسة حميمة عربية اكتشفت خلالها رندا تلك العلاقة التي تربط سمراء بأمها حيث كانت علاقة لا تخلو من العطف والحنان والحب المتبادل، حيث أن سمراء رغم انشغالها بضيافتها إلا أنها أبدا لا تنسى أن تهتم بوالدتها في كل صغيرة وكبيرة، رغم وجود السيدة حميدة، فقالت رندا بإعجاب وحنان:
- ربنا يحفظكما لبعض.
ابتسمت سمراء وقالت وهي تنظر إلى السماء من النافذة:
- يا رب ... فهي كل عائلتي ولأن العمل يأخذني منها طوال النهار وطول الأسبوع إلا أنني أحاول بقدر الإمكان أن أعوضها بمجرد ما أدخل إلى البيت.
ويظهر أن رندا تذكرت شيئا وهي تنظر إلى سمراء تمشي بداخل المنزل دون الاعتماد على العكاز فقالت:
- سمراء أنت؟ ...
وتوقفت عن الكلام وكأنها أحرجت وهي تنظر إلى رجل سمراء وإلى العكاز الموضوع بإحدى زوايا الصالون وكأن سمراء أدركت تساؤل رندا فبادرت هي بالكلام حتى تبعد إحساس رندا بالإحراج:
- في يوم من الأيام كنت فعلا أعاني من إعاقة بسيطة برجلي ولدت بها ... لكن الحمد لله من سنة قمت بعملية جراحية ونجحت، لكن العكاز هذا الذي رافقني عمري كله أصبح وكأنه جزء مني فلا أستطيع أن أستغني عنه، خاصة وأنا خارج البيت.
وأدركت رندا اللغة الحزينة التي تحدثها بها سمراء فقالت:
- أنا آسفة.
ابتسمت سمراء وقالت:
- لا ... أبدا لا داعي إلى الأسف وحتى تتضح الصورة عندك أكثر فوالدتي أطال الله بعمرها كانت سليمة ... فقط من حوالي خمس سنين تقريبا فجأة فقدت حركة الرجلين، طفت بها كل أطباء العالم وكلهم يؤكدون لي بأنها لا تشكو من أي علة عضوية فقط القضية قضية وقت ورعاية دائمة لها.
حملت رندا الصورة وهي في منتهى السعادة بها، ثم راحت تقدم لها الثمن، سمراء ترفض الثمن واعتبرتها هدية منها بل وعربون صداقة عربية ولدت بينهما.
رندا وهي تنصرف قالت في سعادة:
- هذا عنواني ببلدي لو في يوم رمتك القدرة لزيارة لبنان سأكون سعيدة بحضورك.
وردت عليها سمراء وهي تقدم لها عنوانها:
- وهذا عنواني الدائم فمهما بقيت بباريس يظل عنواني ببلدي.
بعد مغادرة رندا منزل سمراء ... تتهيأ بعدها السيدة حميدة هي الأخرى للانصراف وهي تقول وتؤكد لأم سمراء بصوت منخفض:
- أرجوك حاولي معها.
وبعد مغادرة السيدة حميدة، جالست سمراء أمها التي راحت تفاتحها في موضوع الزواج فكان رد سمراء:
- أرجوك يا أمي تعرفين الرد كما تعرفه السيدة حميدة ولا داعي للإلحاح.
- أرجوك يا بنتي يجب أن تفكري في نفسك قليلا ... بصراحة الدكتور رياض لا يعيبه أي شيء ولست أدري لماذا ترفضينه.
- أنا لم أرفضه يا أمي ... كل الحكاية لا أفكر في الزواج حاليا.
- إذن أفهم من هذا أنك ما زلت تفكرين في ...
وتوقفت عن الكلام فتابعت سمراء قائلة:
- قولي ... في نور الدين ... أذكري يا أمي اسمه لم أعد أقلق لسماع اسمه لأنني خلاص ما عدت أفكر فيه.
- لو كنت فعلا نسيته كنت ...
قاطعتها سمراء واقتربت منها وجلست أمامها على ركبتيها وبكل رقة وحنان قالت:
- صدقيني أنا نسيته ولم يعد يشغل بالي وعقلي وقلبي غيرك يا ست الحبايب.
ومررت الأم يدها بكل حنان على وجه سمراء وقالت:
- وأنا أيضا قلبي وفكري مشغول بك، أرجوك يا حبيبتي أعديني بأن...
- أعدك بأنني يوم أجد ابن الحلال الذي يخفق له قلبي ستكونين أول من تعرف ...

وتبدأ الشهور والسنين تمر ... وكانت سعادة سمراء لا توصف وهي تحقق النجاح تلو الآخر في ميدان عملها حيث أصبحت تترأس أكبر شركات الإعلانات بأوربا كلها، كما أصبحت واحدة من رائدات الفن في ميدان الرسم فغدت فنانة مشهورة ... حيث كانت ترافقها أمها في جميع رحلاتها الفنية، وانتقلت إلى الإقامة بإحدى الفيلات الراقية ...

سمراء كعادتها بعد خروجها من الشركة تستقل سيارتها لتشرب فنجان قهوة بإحدى المطاعم القريبة من الشركة والتي تفضلها عن أفخم المطاعم، كون هذا المطعم جماله في بساطته كما أنه مطعم عربي يقدم أكلات عربية في جو عربي، ومن يعملون به طيبون جدا خصوصا السيد عبد الله، كما أن المطعم يطل على نهر السين ذا المنظر الجميل ... وما إن دخلت المطعم وأخذت مكانها المفضل حتى أقبل النادل عبد الله مبتسما مرحبا قائلا:
- مرحبا بالآنسة سمراء، فنانتنا المحبوبة.
- مرحبا يا عبد الله ... كيف حالك وحال العائلة.
- الحمد لله ... الكل معجب بالصورة التي رسمتها لي، ولعلمك الكل يريد له صورة مرسومة بإمضائك.
- غالي والطلب رخيص.
وبعد أن أنهت سمراء قهوتها واستعدت للخروج، وهي تخطو خطوات نحو الباب فإذا بها تصطدم بشخص يدخل المطعم، ولأنها السبب حيث اصطدمته بعكازها فنطقت برقة:
- أنا آسفة.
ولأن الشخص لم يرد عليها فما أن رفعت رأسها والتقت نظراتها بذلك الشخص الذي هو شاب أنيق ملامحه وشكله تدل على أنه أوربي مما جعلها تعيد التأسف بالفرنسية بينما هو رمقها بنظرات وابتسامة وإعجاب ورد عليها بالعربي:
- بل أنا الذي أتأسف.
ابتسمت سمراء لأدبه ولطفه وانصرفت، بينما تابعها بنظراته وكأنه لأول مرة يرى فتاة في مثل رقتها وتواضعها، بعدها تابع طريقه نحو طاولته المحجوزة دون أن ينس تحية عبد الله الذي يعرفه كونه زبون دائم قال وهو يستقبله:
- كيف حالك يا سامي متى عدت من البلد؟
- من أسبوع.
- لقد تأخرت هذه المرة بالبلد.
- كان يجب هذا التأخير، خصوصا وأنني لم أزورها من مدة.
وما إن جلس سامي حتى انصرف النادل عبد الله قائلا:
- طبعا أطباقك المغربية المفضلة.
راح سامي يتصفح الجريدة، لكنه غاب للحظات شارد الفكر وهو يتذكر تلك الشابة التي اصطدم بها وانتظر حتى حضر النادل حاملا له طلباته وبنوع من الفضول سأله قائلا:
- عبد الله، الزبونة التي خرجت الآن تعرفها؟
ورد عبد الله مبتسما قائلا:
-من لا يعرف ابنة العرب التي رفعت رأسنا بفنها.
- هي فنانة؟!
- فنانة في الرسم، اسمها وصورها بجميع المجلات والجرائد.
- لهذا قلت في نفسي الوجه ليس غريبا عني
- إنها الفنانة سمراء حجازي الملقبة فنيا "سمارة" تزورنا من حوالي أربعة شهور، وقد أصبحت زبونة دائمة عندنا لأخذ فنجان قهوة على الساعة الحادية عشر أما يوم الاثنين فهي تتغذى.

سامي بعد خروجه من المطعم يمتطي سيارته نحو "وكالة بيع السيارات وتصديرها نحو الدول العربية" وما إن دخل مكتبه حتى رن هاتفه النقال فكانت صديقته "كلوديا" مديرة الملهى الذي يملكه بوسط باريس لتعلمه بأنها حضرت برنامج خاص تلك الليلة حيث أحضرت أحد مغني الراي وكذلك صوت قادم من المشرق العربي، فطمأنها بحضوره بالمساء.

بالملهى كعادته يراقص صديقته كلوديا في نفس الوقت يشرب كثيرا ولم يغادر الملهى إلا مع بزوغ الفجر، وبالرغم أن كلوديا تحاول معه ليبقى للنوم بشقة الملهى، لكنه رغم ثمالته يفضل المغادرة لوحده على متن سيارته، يصل إلى فيلته في حالة يرثى لها ... ورغم اتساع تلك الفيلا وأثاثها الغالي إلا أنها تبدو وكأنها لم تنظم وتنظف من مدة، يسقط نائما على الأريكة بكامل ملابسه.
في حوالي الثانية عشر تصل كلوديا وتفتح الفيلا بالمفاتيح التي معها، وما إن رأته نائما حتى اقتربت منه وراحت توقظه بكل حنان وما إن استيقظ حتى نهض كالمذعور وقال:
- كم الساعة؟
- أظن أنه منتصف النهار، والأجدر بك أن تكمل نومك بالغرفة.
قام بسرعة وذهب إلى الحمام وطلب منها أن تحضر له ملابسه والقهوة، وحاول أن يكون سريعا في ارتداء ملابسه، وشرب القهوة وهو يخرج حاولت أن ترافقه لكنه رفض بلباقة قائلا:
- لدي موعد مهم بالوكالة، ابقي لتهتمي بتنظيم البيت من فضلك.

بسرعة البرق وصل سامي إلى مطعم فخر الدين، لكنه وهو يصل يجد سمراء تتهيأ للإقلاع بسيارتها، فبقي بسيارته وتابعها من بعيد لغاية ما وصلت إلى الشركة التي تعمل بها، ومن يومها أصبح يتردد على الشركة حتى تعرف على أدق مواعيد حضورها ومغادرتها... وما إن يدرك موعد خروجها حتى يقترب من سيارتها ويضع أمام زجاج السيارة وردة بيضاء جميلة اللون والعطر، واستمر على ذلك لمدة أسبوعان، سمراء بدورها استغربت في الأول مصدر الوردة، لكن بمرور الأيام تعودت عليها حيث تتناول الوردة وتشمها ثم تضعها أمامها عند المقود وقبل أن تقلع تحاول أن تنظر إلى جميع الاتجاهات لعلها تعرف من صاحب أو صاحبة الوردة.

يوم الاثنين حرص سامي أن يصل إلى المطعم الأول قبل حضور سمراء، وما هي إلا لحظات وتصل سمراء إلى مكانها المفضل بالمطعم، وما إن جلست وأحضر لها النادل عبد الله قهوتها المفضلة، سامي بكل أدب واحترام يقترب منها يحييها ويقدم لها وردة بيضاء، تناولتها وابتسمت وهي تقول بنوع من الحيرة:
- ألست أنت؟
ابتسم ورد عليها قائلا:
- أنا صاحب الوردة البيضاء، وأنا نفس الشخص الذي اصطدمت به من حوالي أسبوعين أمام مدخل المطعم إن كنت تتذكرين.
ابتسمت وقالت:
- آه فعلا تذكرت، لكن اسمحي لي أسألك لماذا تصر يوميا على وضع هذه الوردة؟
- اسمحي لي إن كنت سببت لك أي مشكل، فقط أردت أن أعبر لك عن مدى إعجابي بشخصيتك.
- لا أبدا ... لكنك لا تعرفني
- أنا فعلا لا أعرفك بالرغم أنني ألوم نفسي كيف أنه لم يسبق لي التعرف على فنانة الرسم المشهورة بباريس وبأوربا كلها.
ولأنها ردت بابتسامة وصمت فلم يكن أمامه وهو واقفا إلا الانصراف مبتسما.

سمراء بغرفتها شبه نائمة تفكر في ذلك الشاب الجريء الذي لم تعرف حتى اسمه فقالت تكلم نفسها:
- هل يعقل هذا الشاب لا أعرف عنه أي شيء، ولا أعرف حتى دوافعه في مطاردتي بكل أدب ولطف، يشغل فكري كله، وبهذه السرعة
وترد على نفسها:
- فكيف يحدثك ويعرفك بنفسه وأنت لم تعطيه فرصة حتى للجلوس معك؟
وترد على نفسها:
- ولأنني لا أعرفه، فكيف لي أن أستمر في الحديث مع إنسان لا أعرفه؟
وترد على نفسها:
- إذن إنسي الموضوع قد يكون مجرد معجب بك كفنانة.

بوكالة سامي وهو بمكتبه، إحدى صديقاته واسمها جميلة، تدخل عليه، فقام ليستقبلها وهو يقول:
- أين أنت يا جميلة لم تعود تزوري الملهى؟
- بصراحة أصبحت أخاف على نفسي من صديقتك كلوديا، فغيرتها عليك قد تجعلها تبلغ عني، خصوصا وأنا لم أسو أوراق الإقامة.
- ما رأيك تعالي هذه الأيام إلى الملهى فهي ستغيب حوالي أسبوعان ستقضي رأس السنة عند عائلتها بليون.
- والله فكرة ... يا لله ما رأيك بتناول الغذاء مع بعض.
تلعثم في الكلام وقال يكلم نفسه بصمت "لا إنه يوم الاثنين" ولأنها لم تسمع رده بوضوح فكررت طلبها فكان رده بكل أدب ولطف:
- ليكن ذلك بالملهى مساءا.
وقام ليستأذن بالانصراف وتابع يقول:
- جميلة ،مضطر أن أتركك، لدي موعد مهم مع زبون.

سامي وهو يسوق سيارته شعر بالقلق نتيجة تزاحم الطريق، ويزداد قلقه وهو ينظر إلى الساعة التي تقترب من الساعة الحادية عشر ونصف.

سمراء وهي تخرج من الشركة في اتجاه سيارتها وما إن فتحت الباب وقبل أن تركب نظرت إلى حيث تعودت وجود الوردة البيضاء فلم تجد لها أثر، فراحت تنظر في كل الاتجاهات فلم ترى أثر لسيارة سامي، يظهر على وجهها نوع من القلق والأسى وخيبة الأمل، وهي تهم بالركوب فإذا بسيارة تتوقف بصعوبة حيث أحدثت فراملها صوتا مزعجا إلى جوار سيارتها لدرجة أثارت انتباهها واندهاشها، لكن ما أن تعرفت على صاحب السيارة، الذي لم يكن سوى سامي ينزل ليقترب منها حاملا الوردة البيضاء، فقدمها لها بكل أدب قائلا:
- أرجو أن لا تكون وردتي البيضاء عادة مزعجة بالنسبة لك.
ابتسمت وردت عليه:
- أبدا ... ثم من يكره أن يبدأ يومه وردا؟
- وهل يومك يبدأ مع منتصف النهار؟
ابتسمت وراحت تقدم له بطاقة قائلة:
- اليوم وبعد الساعة الثانية عشر سيكون افتتاح معرض لي بقصر المعارض بالمعهد العربي، وهذه البطاقة دعوة أسلمها لك إن كنت من هواة فن الرسم.
استلم البطاقة وهو يقول:
- سأكون جد سعيد بهذه الدعوة.
بعدها استأذنت بالانصراف وهي في كامل سعادتها ثم راحت تتصل هاتفيا بوالدتها وهي تقول:
- دعواك لي يا أمي أنا ذاهبة الآن إلى قصر المعرض.
- ألا تتغذي؟
- لن أتغذى إلا بعدما أطمئن على الافتتاح.
- يا ابنتي دعك من القلق إنه ليس أول ولا ثاني معرض لك.
- مهما كبرت، ومهما اشتهرت، سيظل قلقي قائما دائما قبل افتتاح أي معرض، كما سأظل العمر كله بحاجة إلى دعواك يا أمي.
تدعو لها الأم بالخير والتوفيق والنجاح الدائم بإذن الله.

تصل سمراء إلى مقر المعرض، وهي تدخل حتى استقبلتها عدسات المصورين وميكروفونات الإعلاميين، وحتى المعجبين بفنها، وراحت ترد على أسئلة الصحافة بكل لطف ولباقة وهي بين زحمة الصحافة والمعجبين فإذا بها تبصر على بعد أمتار الشاب سامي، بعد حوالي ساعة تنسحب من المؤتمر الصحفي بصحبة مديرة مكتبها وكذلك مدير المعهد نحو مكتب خصص لاستراحتها، وما إن جلست حتى قالت لها مديرة مكتبها ومساعدتها:
- هل أحضر لك شيئا؟
- لا شكرا، اذهبي لتهتمي بالمدعوين والزوار ريثما أرتاح قليلا.
وما إن أصبحت لوحدها حتى راحت تكلم نفسها "معقول يحضر بهذه السرعة إلى المعرض" ... لحظات وتسمع دقات الباب فإذا بأحد عمال قصر المعرض يستأذن بالدخول عليها قائلا:
- سيدتي أحد الزوار مصر على مقابلتك لأنه مصر على شراء لوحة عيون البحر.
- ألم تجعل تحتها لافتة بيعت؟
- بل فعلت لكنه مصر على مقابلتك.
- حسنا دعه يحضر لأقنعه.
فإذا بها تفاجأ بأن الزائر ما هو إلا ذلك الشاب فقالت باندهاش.
-أنت؟
- نعم أنا ... أم نسيت أنك سلمتني الدعوة؟
- لا أبدا، فقط لم أتوقع حضورك بهذه السرعة.
ابتسم وراح يقدم نفسه قائلا:
- اسمحي لي أولا أقدم نفسي ... أنا عربي من لبنان اسمي سامي أبو رستم وأرجو أن لا يضايقك إصراري على شراء لوحة عيون البحر؟
ابتسمت وردت:
-لا أبدا ... فقط أنا آسفة لأنها في الحقيقة ليست معروضة للبيع، لكن حبي لها وتفاؤلي بها في كل معرض أضطر أن أجعل تحتها سبق بيعها، وللمرة الثانية أقول لك آسفة ليست للبيع.
- بصراحة لم أكن أعلم أن في بلد أوربي، تتواجد فنانة عربية نفتخر بها، وقد أثبتت وجودها في إدارة أكبر شركات الإعلان وفي الوقت نفسه فنانة في الرسم، تزاحم أكبر رسامي أوربا.
- شكرا على هذه المجاملة.
- لا صدقيني أنا صحيح ليس لدي دراية كافية بفن الرسم لكن أحب كثيرا الرسومات التي تتناول الطبيعة.
وبدون مقدمات فاجأها بنوع من الجرأة قائلا:
- ممكن أتجرأ وأطلب منك طلب؟
- تفضل.



التعديل الأخير تم بواسطة هبة ; 25-07-11 الساعة 02:46 AM
هناء12 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس