(9) المشهد الأول
بقي العم عبدالله (حاقراً الجميعـــ،،، حلوة هاي حاقراً هههههه و أنا معاهم !)
موسم الشتاء أقبل في الـ ديسمبر ذاته ، موعد أبطالي مع الشتاء الذي أعشقه جنوناً، عبير و غسان في بروفات المسرح، طلال، عمله و شوقه لفاطمة ، و أخيراً مصير جواهر المعقد!
مع تقديم البحوث الإجبارية التعسفية إلى الأساتذة التُحف و بداية الفصل الجديد مع انتهاء mania الامتحانات، قررت جواهر الالتحاق بجامعة طلال!
و قبل أن تتخذ قرارها، كانت ساعات التأمل في كل صورها بالألبوم المغلق رفيقة مؤلمة و محببة، ربما لتحمي برائتها من تلوث أبيها و أمها.
الصورة الأولى، ليزلي و خالد ممسكان بايدي بعضهما و قبعة القش فوق رأس ليزلي تثير ضحكة على شفاه خالد
الصورة الثانية، ليزلي ترفع جواهر السمينة ذات الأعوام الخمسة و لا نظرة تواجه عدسة الكاميرا، فكلتاهما تضحكان و تنظران لبعضهما
الصورة الثالثة، صورتها مع العم عبدالله و الخالة فاطمة في عيد الفطر و قد أتمت عامها الثالث عشر
الصورة الرابعة ...... ! مؤلمة .... ! قبيح هو ذلك العشيق! قبيح جداً ! مزقت الصورة بهدوء،فقد أصابها القرف لأنه كان ممسكاً بها و هي صغيرة بأعوامها الخمسة و ليزلي ممسكة بيد خالد و نظرتها تائهة بعض الشي، كان هذا التاجر الفرنسي شريك والدها في بعض المشاريع، و لم تتخيل أن زيارته و هي صغيرة هي لوالدتها و ليس لوالدها. ثم تذكر اختفاء الرجل مع تساقط شعر والدتها بالسرطان.
مؤلمٌ أمي كثيراً، لماذا؟ لماذا؟
مؤلم أبي كثيراً، لماذا؟ لماذا؟
تنهدت و سقطت دمعة صغيرة على خدها بدون أن تتحرك ملامحها،،
هدوء غريب يمتزج في صدر جواهر، منظر العم عبدالله و هو يبكي كان مؤلماً جداً... و موقف طلال في محاولة شرح الوضع بهدوء...
هزت رأسها، طلال... طلال... كرهتك طلال كثيراً، و لا أعلم إن كنت ما زلت أكرهك بذات القوة، لكنك حطمتني... حطمتني و كفى!
خرجت من غرفتها و توجهت إلى غرفة العم عبدالله، فطلال في عمله، و عبير في مدرستها و العم عبدالله لا يلقي التحية إلا نادراً، حتى عبير التي لا ذنب لها، أصبحت في دائرة المتهمين.
طرقت الباب، و لم يجبها أحد
طرقته ثانية، و لا رد
أصابها الاحباط ، وذهبت للمطبخ لتعد لها فطوراً متأخراً
خلف طرقات الباب، العم عبدالله يتطلع بصورة الخالة فاطمة القديمة، و يتذكر حكاية قديمة وهو حزين.
- خذ الدراقة!
- دراقة؟ هههههههه
- تحب الدراق ناعماً أو مجعداً؟
- ما همتني التجاعيد في دراقة حياتي
ابتسمت بخجل من بعد سنين الزواج القوية، لا زالت ذكرى نظرتها الخجولة تبعثر شعوره.
يحبها كثيراً، و يفتقدها كثيراً، و يفكر بما سيفعل الأبناء إن ودع الحياة؟! آه فاطمة... الله يرحمك
سقطت دمعة سخية على وجنة العم عبدالله، و دخلت أنا أمسحها بالنيابة عن SCORPIO !
تطلع العم عبدالله إليّ و قال: صغيرتي الغالية، و كل الصغار الذين جلبتي محبتهم لي، ليت أولادي يفهمون القدر البسيط مما تفهمونه أنتم
تحركت رموشي باضطراب، و بقيت أقوي صمام الأمان في عيوني!
- راوية صغيرتي، إن حدث لي شي، هل ستعتنين بالأولاد؟
- أنا عمي؟
- نعم صغيرتي، حاولي أن تجمعي قلوبهم بالحب و طهريها من الحقد و الألم
- لا أدري إن كنت أستطيع
- تستطعين (أمسك يدي) تستطعين بنيتي
- عمي لا تتحدث بهذه الطريقة
- لن أموت اليوم صغيرتي، لكنني أريد أن أرحل مطمئناً بأنني سأجد من يحاول أن يجمع أبنائي جميعهم بالحب و الترابط
- عمي أرجوك لا تقل هذا (و سقطت دمعتي معاندة)
مسحها، و مسح دمعته و احتضنني لأترك القليل من أثر كحلي على ثوبه الأبوي الدافئ
أحبكَ عمي ،،، أحبكَ كثيراً ،،،
****
- ممكن؟
رفعت عبير رأسها من تلك القراءة اللذيذة في الـ best seller التي أشترها الأسبوع الفائت، و تطلعت بعيون الشهد
- طبعاً
و شاركها المقعد إياه في حديقة المدرسة الخلفية
- لا ترافقين الباقيات؟
- الباقيات؟
- أعني المدرسات
- أها، كلا.. آثرت القراءة
و أنزلت رأسها قليلاً تتطلع إلى أوراق الكتاب تتراقص مع ريح ديسمبر
- The First Days Of School: How To Be An Effective Teacher ؟
أحست ببعض الخجل، لعله يظنها مهزوزة الثقة لتقرأ كيف تصبح معلمة ناجحة، لكنه قال
- رائع
اكتفت بابتسامة أشغلت باله قليلاً
- أتعلمين؟
- ماذا؟
- دوماً يتبادر لأذهان البعض أن التدريس مهمة فاشلة لأنها غير قابلة للتجديد، فمثلاً المعلم أو المعلمة في عيون البعض لا زال يقبع في الاطار التقليدي
- الاطار التقليدي (بابتسامة) ؟
- نعم ، نظرية العصاية أو نظرية الوجه العبوس أو نظرية النظارة الطبية المخيفة (و حرك نظارته الطبية قليلاً بمزاح)
ضحكت بهدوء
- نوع نظارتي ليس تقليدياً
- بعض أنواع النظارات التقليدية تتمتع بطابع جيد
استغرب غسان كلامها، هل تقصده، و استطردت توضح قبل أن يسئ فهمها
- نظارة معلمتي بالاعدادية
- أها
- كانت على قدر تعبها، تأتينا بوجه بشوش و ابتسامة عذبة تجعل جميع الطالبات حيويات و نشيطات المعلمة ضياء كانت قدوتي و سببي في أن أصبح معلمة مثلها
- جميل و هل لا زلتما على اتصال
انكسرت ابتسامة عبير
- لقد توفيت قبل ثلاثة أعوام
- آسف، الله يرحمها
- الله يرحمها، و لا داعي للأسف، فذكراها أجمل من أن تجلب لي الحزن
- هذا نادر أتعلمين
- ما هو النادر؟
- أن تتذكر فقيداًُ بحب بدل الحزن
- نعم، ربما
- ربما؟
- لم أتغلب على رحيل والدتي تماماً (بابتسامة حزينة)
- و أنا أيضاً لم أتغلب على رحيل جدتي تماماً (بابتسامة أكثر حزناً)
- أتعلم ما هو المؤلم؟
- ماذا؟
- عندما تبدأ بنسيان الأشياء الصغيرة، حتى تنتهي بنسيانهم في بعض الأماكن ثم تنتبه أن الحياة تستمر (تحية لعلبة الألوان )
- لابد من أن تستمر الحياة
- أعلم، لم أقصد ذلك بشكل سلبي
- أعلم لا تنسي أن النسيان من الإنسان
- و النسيان نعمة
-
-
و استمرت الابتسامات و الأحاديث الرقيقة... ثم دخلت إلى قضايا البروفات المسرحية بسؤال عبير
- ماذا قال المدير بخصوص المسرحية؟
- سيدققون في النص حتى لا نثير زوبعةً وطنية في المدرسة
- لكن النص لا يتطرق إلى هذه المواضيع، بل على العكس، لو أنهم تنبهوا جيداً، ربما تفتحت عينهم الثالثة
- لا أعلم عبير، سيبقى مايكل يحوم كالحشرة كما قالت كوكو ليثير الفتن
- لا أعلم لماذا يفعل ذلك؟!
- أليس واضحاً من بعد لقائنا الأخير
صمتت قليلاً كما صمت أيضاً، ثم غير الحديث إلى...
- ما رأيك في راحيل؟
- هذه الفتاة تملك روعة لا أستطيع وصفها
- بسبب اعاقتها؟
- لا أدري حقاً، إنه ذلك الشئ المشع في وجهها
- أعلم ما تقصدين
- هي و كاميل رائعتان و لا أستطيع سوى الفخر عندما أذكر أنهن طالباتي
- رائع
- حقاً ،، رائع
- أنا معجب بروح يعقوب و باتريك
- له نظريات تثير دهشتي أحياناً
- من؟
- باتريك
- كيف؟
- في حصتي أشرت عليه أن يقرأ ما كتبه في أحد بحوثه
- و ماذا في بحثه
- الكثير أتصدق؟ لم أرَ صبياً في الثامنة عشرة و يتمتع بتلك الطلاقة التعبيرية في اللغة العربية
- والده عربي من أصل غير خليجي
- أعلم، لكنه أشقر بكثير من أن يكون عربياً
- ههههههههههه! أشقر من أن يكون عربياً
- ربما، كما ابنة عمي
- حقاً؟
- شقراء و تملك سحراً غربياً جذاباً و طلاقتها العربية لا توصف
- بحكم الاختلاط ببيئة والدها لابد من ذلك
- ربما
و صمتت عندما تذكرت كل ما جرى في المنزل بالأيام السابقة، بقيت جواهر في منزلهم لمدة ثلاثة أسابيع و قلبت كل الهدوء إلى عواصف و ذكريات مؤلمة، حتى والدها أصبح قليل الكلام و لا يحدثها كالسابق.
<<<< يتبع |