عرض مشاركة واحدة
قديم 10-11-11, 05:01 PM   #42

malksaif

نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية malksaif

? العضوٌ??? » 120710
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 2,545
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » malksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
Icon26

الفصل الأول......


ألتقيتها بنهاية عامى الواحد والعشرين قبل سفرى بشهر واحد إلى نيويورك فى بعثة خاصة , بعد أن أحبطتنى جامعتى ودكت أحلامى فى أن أحصل على المنحة الحكومية لأكمال دراستى بالخارج لعدم توافرالماديات وهذا بالطبع كذب , فالحكومة قد دفعت نصيب الثلاثة الأوائل على الدفعة , ولكن مجلس الجامعة أقتصدها الى إثنان لم أكن منهما لوجود أقارب العميد بنفس صفى الدراسى رغم تقديرى المناسب ولكن الأمكانيات لاتسمح والجامعة تقتصد المصاريف كما أخبرنى مسئول شئون الجامعة مداهنة لعميدهم المبجل نبراس الأخلاق العالية . جاءتنى البعثة عن طريق معلمى فى عالم الصحافة والذى كنت أتدرب فى جريدتة المعارضة للحزب الحاكم أثناء دراستى الأربع سنوات أعجبت بعملة ,جديتة ,شجاعتة, أستقلالة بفكرة , ودفاعة المستميت عن الحق . لم يذعن للأعتقالات والتنكيل الذى جابهة بل زادة إصراراً على كشف الحقائق وجلب الحرية من حكومة طاغية لاتسير إلا بالنقود والمصالح الذاتية .
كان عضواً بجماعة إسلامية ترسل بضعة شباب كل عام من جامعات متفرقة من الجمهورية إلى الخارج لإتمام دراستهم والأستفادة من العلوم الأوربية بدون علم الحكومة بالطبع , كانت مقولتة المتكررة لى دائماً عجباً لهذا الزمن كان الأجانب من يتمنون التعلم من علماء العرب أمثال إبن خلدون , جابر بن حيان , أبا بكر الرازى...وإبن الهيثم ولازالت أساساتهم هى التى تغذى حضارات أوربا وتنير دروب علومها..... ونحن الأن من نهرع الى علومهم سعياً وراء التقدم والتحضر وتصبح أغلى أمانينا فى الحياة , مثلما كان حالى وحال عديدين من أبناء جيلى لم تكن الدرجات العليا وشغل المناصب هو هدف رفاقى القريبين منى , فقد كنا جميعاً نتمنى السفر والدراسة بالخارج وقد كنا نتسابق فيما بيننا على ذلك كنا ثلاثة أصدقاء لا نفترق رغم وجودنا بجامعات مختلفة , تمكن عمارفقط من السفر إلى بريطانيا لإكمال دراسته أما أنا وسلامة فقد رفض طلبنا وقتذاك فأتجة سلامة للعمل بشركة والدة الصغيرة ....أما أنا فقد هيأ لى معلمى السيد رشاد المحمدى هذة الفرصة بعد أن علم بمصابى الذى حطم نفسيتى وجعلنى أعتكف فى منزلى قرابة الشهر لا أخرج إلا للضروريات شعرت آن ذاك أن مستقلبى تهاوى وكل جهدى وعملى ضاع أدراج الرياح ظروف والدى المادية لاتكفى لسفرى وأبى يرفض مبدأ الواسطة المنتشر فى مجتمعنا وقد ربانا على ذلك حتى وقت قصير لم أكن أعرف لما أختارنى رشاد المحمدى أنا بالذات لتلك البعثة كل ما أهتميت بة عرضة الذى كان كالقشة التى يتعلق بها الغريق لن أنسى يوما وجة والدى حين علما, رغم إعتراضهما على سفرى لبلاد أجنبية والإبتعاد عنهما إلا أننى شعرت أن النور يشع من وجهيهما , فأمل ولدهما غلب على مشاعر الفراق جميعها , والدى الحبيبب بلحيتة البيضاء ووجهة الخمرى وعلامة الصلاة فى جبهتة أحب الأشياء إلى نفسى , كم اعشق تقبيلها , أشعر أن بركتها تنتقل إلى لتنير دواخلى ..والدتى تلك المرأة التى أعشق ظلها , طيبتها , سذاجتها وعفويتها ......لازالت حتى الأن ترجع ضخامة جسدى عن أخى التوأم بلال أننى كنت ألتهم حصتة من الغذاء أثناء حملها بنا كما قالت لها الداية أم وسام عند ولادتنا ورؤية أجسادنا المختلفة فبلال نحيف وضعيف هش وأنا كنت موفور الصحة والوزن , كان نزولى إلى الحياة قبل أخى بخمس دقائق كاملة سببا فى إتهامى بهذا الأتهام الجائر الذى لازالوا يشاكسونى بة حتى يوم سفرى وأنا بالمطار ...بلال نصف روحى الأخرورفيق دربى , جدتى كان دوما تردد ان التوأم جسدان بروح واحدة ولكننا كنا شاذين عن تلك القاعدة لم أشعر يوماً أن تلك الروح الواحدة تعبر عنا ..تخرج أخى من كلية الهندسة وعمل مهندساً معمارياً بأحدى شركات المقاولة التى كانت لاتزال فى بداية إنشاؤها ....كنت واثقا من نجاحة العملى فهو شخصية منطوية منكب على دراستة وعملة وكأنها الشىء الوحيد بالعالم الذى يهمة .... منظم الى أقصى الحدود يريد المثالية بكل جوانب حياتة يتلمسها ويصمم على أن يكون كل ما يرتبط بأسمة كاملاً متكاملا ً...حاولت إقناعة كثيراً أن الكمال لله وحدة كى لايصدم بواقعية العالم الخارجى المؤلمة التى أذاقتنى الكثير فكان يومىء برأسة موافقاً ولكننى أعلم أنة بقرارة نفسة لم تؤثر بة كلماتى رغم تشابهنا شكلاً إلا أننا نختلف كلياً من حيث المبادىء ونظرتنا للحياة ....من يشبهنى حقاً هو طفلى الصغير, نعم لاتتعجبوا فهو طفلى الذى لم أنجبة بل أُنجب على يدى هذة ,حين فاجأت أمى ألام المخاض كنت فى العاشرة من عمرى , والدى خارج البلدة يجلب بضائع لمحل العطارة خاصتة بصحبة عمى عبد الرحمن , إختبىء بلال يومها بغرفتة ورفض الخروج مذعوراً من صراخ أمى, هرولت مسرعاً نحو منزل "القابلة "..الداية .... التى أعرفها جيدا فهى التى تساعد نساء قريتنا الصغيرة بسيناء فى ولادتهم , لم يولد طفل إلا على يديها رغم صرامة ملامحها و طبيعتها الصامتة إلا أن معظم أبناء القرية يلقبونها بأمى ويحبونها كثيراً...أحضرتها وجلست بجوار رأس أمى أراقب بفضول ورعب ما تفعلة بعد تصميمى على المكوث وعدم الخروج كما أمرتنى ,خائف على والدتى الحبيبة التى تتلوى من الألم وتضغط بقوة بيديها على غطاء سريرها عيناها مغروقتان بالدموع والألم ظهر جلياً على قسماتها لم أستطع تركها رغم التهديدات العليا , فقد وصانى والدى على الأهتمام بها وبأخوتى حتى عودتة وقد كنت رجلاً صغيراً سعيداً بالمسؤولية ,إنتابنى الذعر وأنا أرى نتاج الصراخ والألم ذلك الشىء الصغير المغطى بالدماء ويبكى فى نفس الوقت الذى صمتت فية أمى وأفرجت شفتيها عن إبتسامة حنونة وهى تنظر بشوق إلى وليدها فعلمت مباشرة أن أمى تحبة, نظرت إلى قائلة بصوت مبحوح "هذا أخيك الصغير ياعزيزى" نظرت الية شرذاً أتسائل كيف خرج هذا المخلوق من أمى ؟....ولكن تلاشى كل شىء معترض بداخلى عندما رأيتة يحرك يدية وقدمية وأم وسام تضعة فى حجرها ,أتجهت عيناى إلى يدها التى لمع بها مشرط صغير تقطع بة حبل طويل يصل أمى بأخى , جن جنونى وظننت يومها أنها تحاول قتل أخى وهجمت علي ذراعها ونشبت فية أسنانى محاولا إبعادها عن طفل أمى الحبيب وهى تلعن وتسب فىّ , تحاول بإستماتة نزع ذراعها من بين أسنانى ومازالت تحمل الطفل ,نادت على أمى وضحكت بإرهاق وقالت "أتركها أركان.." أمسكتنى يومها أم وسام من تلابيب قميصى وعنفتنى وهى تشرح لى أن هذا يجب أن يقطع لأنة لم يعد يحتاج إلية فوالدتى ستطعمة مثلنا ...غمرنى الخجل والخوف وأنا أرى تلك الدماء الكثيرة , إلا أننى صممت على البقاء ,لم أنطق بحرف وإبتعدت إلى مقرى خلفها مرة أخرى وسط سيل من الاتهامات الجائرة التى ألقتها على رأسى وهى تنهى عملها بسرعة البرق ...وأمى تحاول تلطيف الجو بعباراتها الرقيقة مثلها وهى تعانى الأمرين من الألم والفرحة...مازالت أم وسام تكرهنى وذراعها لازال يحمل ندبة على أثر عضتى إلى الأن , كلما التقينا بمناسبة فى مدينتنا الصغيرة قبل أنتقالنا الى القاهرة تمتمت ببضع كلمات غير مفهومة وإنسحبت دون أن تحدثنى ...وهكذا ولد صلاح الدين الايوبى على يدى وأخترت لة أسمة أيضا تيمناً بصلاح الدين فاتح بيت المقدس كنت فخوراً بهذا الفارس المغوار وذكاؤة ورسالتة التى أداها على أكمل وجة , ولكننا للأسف لم نحافظ عليها كعادتنا , وتمنيت أن يكمل طفلى رحلة هذا الفارس ذات يوم , وافق والدى على الأسم اكراماً لى, أصبح طفلى الذى لم أنجبة وأصبحت والداً .
فى الخامسة عشر من عمرى كان صلاح الدين فى الخامسة كل ما يفعلة يأتى مسرعا يقصة علىّ , كل صغيرة وكبيرة بحياتة أعرفها ,كلاً منا ترك أثراً بحياة الأخر ,فى المدرسة يظنون أننى والدة وهو لايصحح إعتقادهم الخاطىء بل ينظر إلى بفخر لم أراة بعين أحد من قبل إتجاهى ,عملت جاهداً لكى أجعلة دوماً فخوراً بى كما عمل هو جاهداً فى دراستة لكى يجعلنى فخوراً بة ,أقرب إلى من نفسى هذا الطفل الذى يشبهنى فى الملامح كثيراً يملك نفس بشرتى الخمرية وعيناى الرماديتين وعظام وجهى البارزة وأيضا الشعر الخشن الطويل والجسد الضخم , يقلدنى بكل شىء حتى قصة شعرى , يفقدنى صوابى أحياناً كثيرة هذا العفريت الصغير ..لم أقصد يوماً أن أخذلة ولكن الأقدار شاءت وأنا أنصعت لقرارها مجبراً ..

عصفت الرياح بالخارج منبة إياى من رحيل الذاكرة إلى الماضى وعبقها وإبتسمت للذكرى التى داعبت خيالاتى , طيف حالم بشعر غجرى وعيون نارية ,وروح آسرة ....ساحرة كانت ولازالت ... ذلك اليوم المهيب فى حياتى يوم ولد طيف ليل بداخلى , ...نهارعاصف كهذا ....

دوى صوت الرياح صادحاً بأصدائة العالية منذراً بقدوم الربيع..تلك الدوامات العاصفة نتاج رياح جنوبية شرقية فصلية جافة وحارة.... تأتي من الصحراء الكبرى محملة بآلاف الأطنان من الرمال بأتجاه مصر وبلاد الشام.... سميت هذه الرياح بالخماسين .....لأنها تنشط في فترة خمسين يوم من فصل الربيع، خاصة في شهر أبريل، إلا أنها نادراً ما تهب أكثر من يوم أو يومين في الأسبوع خلال هذه الفترة. تصل سرعة رياح الخماسين إلي ١4٠ كم/س وتؤدى إلى إرتفاع سريع في درجات الحرارة....تغلق المحلات ويعتكف الناس ببيوتهم المحصنة ضد هجمات الرياح اللاسعة ويسود سكون قاتم كسكون القبور إلا من صوت الزوابع العاصفة المحملة بأتربة خانقة حارة ....تشاء الأقدار أن ترسل حبيبتى إلى أعتاب بيتى مع إحدى تلك النوبات الخماسينية الساخنة ...دقت باب دارى بطرقات رتيبة , عندما فتحتة إجتاحت جيوش هواها ساحتى وقلاعى المحصنة ضد ذلك الوهم الذى يدعى الحب والذى كنت أسخر منة فى جلساتى مع رفاقى ذلك الشعور الذى يجعلك مشتت الذهن ترتجف من رأسك الى أخمص قدميك تشعر بالحر والبرد فى آن واحد يداك تتعرقان وطنين مفزع داخل أذنيك , لاتستطيع إيجاد الكلمات والحروف كأنك لم تتعلمها يوماً ,عيناك حالمة وساهمة لاترى من حولها سوى كيان المحبوب وكأن بة نور يشع ويضوى وكل الأشياء من حولة ظلام دامس , كلماتة تسقى أرض مشاعرك الجرداء لتزدهر بزهور نادرة لاتتواجد إلا فى أراضى العاشقين مثلى , هكذا شعرت معها منذ رأيتها حب من أول نظرة ربما كل ما أعلمة أن روحانا التقيا ...
...تلك الفتاة ذات الشعر الأسود الفاحم الذى يصل إلى خصرها وينسدل كليل معتم بلا نجوم ولا قمر ..عينان كعيون المها بنيتان كلون القهوة التى تعيش عليها فحبيبتى مدمنة للقهوة تعشق لذعتها بدون سكر تردد دائما أنها تذكرها بالحياة كنت أحتار كثيراً حين تقول ذلك فهى لم تكد تخرج من طور الطفولة بعد ...فما مرارة الحياة التى ذاقتها تلك الطفلة الصغيرة الحجم ذات العينان الناريتين ...والبشرة البيضاء الناصعة التى تخالف بشرة قومنا الخمرية ,ملامحها هادئة كنهار ربيعى بنسيمة الرائع...
كانت أمى تقول دائما ألا تغضب هذة الفتاة ؟..لاتعلم أن حبيبتى لاتغضب إلا نادراً فهى صبورة وشديدة التحمل , أما عندما تغضب فتكون إعصار عنيف يكتسح ما أمامة .....ينطبق عليها المثل القائل ( إتق شر الحليم إذا غضب )...إختبرت إعصارها ثلاث مرات بحياتى إقتلعتنى من جذورى وشتت عالمى من حولى وبعثرت أحلامى كقصاصات ورق بمواجهة عاصفة عاتية ....أخذت الرياح الغاضبة فى التزايد وهى تسير بدومات متلاحقة تلف سخونتها من يقف بطريقها ,تعبث بالأشجار والنخيل بخيلاء تثبت قوة الطبيعة المتمردة , الأجواء متربة وسخونة الهواء تلفح الأجساد والوجوة بقوة , توقف شعورى بكل هذا فجأة وأنا أقف أمامها ببلاهة أراقب تلك الحورية الغامضة الغاضبة الواقفة أمامى تطالب بمفتاح المنزل , معطفها الطويل الأسود تتلاعب بة دوامات الرياح ويدها تعيد خصلات شعرها الطويلة المبعثرة بجهد إلى مكانة الذى لايلبث ويعود إلى تمردة جراء الرياح ... وأنا مثل الأبلة لاأفهم ما تقولة فقد أسرتنى منذ اللحظة الأولى ,لم تكن بذلك الجمال الخارق ولكن كان بها شىء غامض , مسحة من الحزن ربما , كثيراً من الكبرياء التى تتدفق من ملامحها وكلماتها المقتضبة لما لا ...كل ما أعرفة من ذلك اليوم أن "أركان" العاقل حكيم أصدقائة , وطبيب قلوب الموبوئين من مرض الحب والذى كان يعطى النصائح لرفاقة العاشقين بتحكم وعقلانية قد ذهب , ولا يعرف طريق العودة ...نهرت نفسى يومها بقوة وأعدت بحزم زمام عقلى الهارب من تلابيبة وأجبرتة على العمل وطمر تلك المشاعر الهوجاء, والأنتفاضات الغير مبررة والعودة الى حقيقتى الواثقة المسيطرة , وبالفعل عدت رغم وجود الرجفة إلا أننى أستطعت أجابتها بسؤال قائلا "مفتاح ماذا ؟؟" أشارت بنفاذ صبر إلى المنزل المقابل لمنزلنا ...
"مفتاح هذا المنزل "وأكملت توضح ..." أليس هذا منزل عم عبد الله أحمد أخ السيد عبد الرحمن أحمد الموجود بالسعودية لقد أخبرنا أن مفتاح المنزل الذى أشتريناة منة سيكون موجوداً مع الشيخ عبد الله ؟؟"
طرحت أستفسارها الأخير ونظراتها الحائرة الحذرة تسكن عينيها ؟...تواردت الى عقلى المعلومات بعد مجهود خارق , صدمت لعرض البيع المزعوم كنت بالفعل واثقاً أن عبد الرحمن لم يبع البيت لأنة عمى وصديق عمرى على الرغم من أنة أكبر منى بخمس أعوام إلا أنة كان توأم روحى ويفهمنى دون أن أتكلم , كان قد جهز المنزل منذ حوالى عام لكى يستقر بة بعد عودتة من تجوالة فى الأقطار العربية ,عملة فى السفارة كان يحتم علية عدم البقاء بمكان واحد دائم الترحال وكان لايحب هذا فقرر شراء المنزل ليدفعة إلى التفكير بالزواج والأستقرار الكامل كما نصحة والدى فعمل بنصيحتة , لم أتخيل للحظة أنة أتخذ قراراً مثل هذا بدون أن يستشيرنا ....تنبهت من شرودى على تنحنها الخافت وإعتذرت بهدوء ...قلت محاولاً إستخراج معلومات منها ..." نعم أنة منزلة بالفعل مفتاحة هنا ولكنة لم يخبرنا بوجود مشتريين .".
رفعت حاجبها بدهشة مستنكرة وقالت " نعم , أى هراء هذا؟ وماذا سأفعل بأبى وأخوتى القابعين فى السيارة تحت وطأة هذا الجو العاصف ؟ لقد أشترينا هذا المنزل منذ يومين..."
حدقت بملامحى قليلاً و قيمتنى بنظرة فاحصة كأنها تعتبرنى قليلاً أو طفلاً صغيراً , ثم ألقت قنبلتها قائلة "أين والدك ؟ أريد التحدث معة ..."
هنا تجمعت بقايا عقلى الهاربة فى ملامحها وعصبتنى لهجتها المتكبرة وشعرت بفورة الرجولة تجتاحنى, كان بنبرتها تهكم غير عادى ,ياإلهى ما هذا الجنون ؟ كيف تحدثنى هذة المخلوقة التى لاتكاد تصل الى كتفى بهذة اللهجة المتعالية ! حينها رفعت رأسى بكبرياء فظة ....
وقلت .." لقد أخبرتك لم يخبرنا عمى , إذا أردتى الدخول أنتِ وعائلتك حتى أتمكن من الأتصال بة والأستفسار فأهلاً بكِ , وإذا أردتِ الوقوف وسط العاصفة كما تريدين .."
.ضيقت عينيها السوداوين بتحد وضربت الأرض بقدمها بحركة طفولية لاتتناسب مطلقاً مع كلماتها المقتضبة التى أرادتنى من خلالها أن أصدق كبر سنها ...وإستدارت بغتة وهبطت درجات المنزل بتسرع حتى كادت أن تتعثر وتقع على وجهها
فصرخت ..."إحترسى .."
فألتفتت تنظر إلى ووجهها محتقن من الإحراج والغضب ثم إستدارت عائدة الى سيارة عائلتها فى تلك اللحظة ظهر والدى بجلبابة الأبيض والسبحة الفضية الصغيرة وهو يطوى سجادة الصلاة بهدوء وعلامات الدهشة على وجهة من الباب المفتوح فى تلك الأجواء المتربة فأخبرتة بما حدث وصدم ..
قال "مستحيل أن يفعل عبد الرحمن هذا بدون أن يخبرنا .."
.ثم التفتت الى الهاتف وكأنة يشك بشىء , رفع سماعتة فوجد الخط مقطوع بسبب العاصفة ..سادت برهة من الصمت ثم
قال بهدوء "ياإلهى أركان أين كرم العرب يابنى اذهب اليهم وأحضرهم ..."
.شعرت بالغضب منها فى تلك اللحظة لقد أنستنى بالفعل مبادىء والدى التى علمنا أياها ورسخها بدواخلنا أنا وأخوتى تلك القيم البدوية العربية الشامخة ...خرجت من المنزل ولحقت بها أمام سيارتهم فوجدت وجوة قلقة تحدق فى بإحراج رجل كبير فى حوالى الخمسين من عمرة غزا الشيب رأسة والسائق الذى كان يقود لهم السيارة , وفى المقعد الخلفى فتاة وطفل لم أتبين ملامحهم , تكلم الرجل الذى يجلس بالمقعد الأمامى المجاور للسائق
وقال بعفوية.." نعتذر عن أزعاجكم بنى ولكننا كنا فى عجلة لمغادرة المملكة ولم نرتب للأمرلم أكن أعرف أن عبد الرحمن لم يتصل بكم " شعرت بالحرج من لطف الرجل.......
وقلت.." لا مشكلة عمى تفضلوا معى والدى مصمم على أستقبالكم و .."
.قطعت هى حديثى بتلك الكبرياء اللعينة وقالت .."لانستطيع سنظل بالسيارة الى أن تتأكدوا من الأمر "
توقعت أن ينهرها الرجل الكبير إلا أنة أيد حديثها وحاولت أقناعه إلا أنة صمم على رأية ...عدت أدراجى الى منزلى ووجدت والدى يحاول الأتصال بعمى على هاتفة المحمول ولكن الشبكة سيئة فى منطقتنا , أستغرب حضورى وحدى فأخبرتة برفضهم المجىء مما أثار قلق والدى وخرج بنفسة وأخذ مفتاح منزل عبد الرحمن معة ,خرجت ورائة والأسئلة تتزاحم بعقلى عن ماهية الأمر ولماذا تصرف عبد الرحمن بدون الرجوع الينا كعادتة ...أقترب والدى من السيارة فخرجت الفتاة من مكانها ووقفت بجوار السيارة أما الرجل فظل جالسا مكانة مما أثار شكى بشىء ما , دار حديث قصير بينهم وحاول والدى معرفة كيفية شراؤهم للمنزل ..فأراة الرجل العقد وتوقيع عبد الرحمن ظاهراً بوضوح وبالفعل كان توقيعة , ضاعت شكوكنا فى أن تلك عملية نصب..لقد باع المنزل لهم

..ساد الوجوم وجة والدى وأخرج المفتاح وأعطاة للرجل وعرضنا المساعدة قبل رحيلنا إلا إنهم رفضوا بلطف فوضع والدى ذراعة بذراعى يستند علية وسار بجوارى حتى وصلنا الى المنزل تقدمنى حتى فتح الباب , أعلم جيدا الغضب الكامن بأعماقة ولكن ميزة والدى أنة لايقرر أمراً إلا بعد دراستة جيداً ولايصدر أحكاماً إلا بعد معرفة ظروف الحدث , لم أستطع مقاومة الأغراء لرؤية من سيسكنون فى بيت عبد الرحمن الذى جهزتة أنا ووالدى منذ بداية أنشاؤة ,شىء بقلبى أنقبض وشعرت بالغضب يجتاحنى لم أكن أعرف أن عبد الرحمن ذو القلب الكبير قد أنقذ حياة عائلة كاملة وحررها من قيود الإستعباد والتشرد ...صدمت وأنا أراها تفتح حقيبة السيارة لتخرج كرسى متحرك وتفردة بحرص , فى تلك اللحظة تخرج الفتاة الأخرى لتساعدا والدهما العاجز على الخروج من السيارة بمساعدة السائق , ليجلس بإرهاق واضح وضيق على الكرسى ويتجهوا نحو بوابة المنزل التى تغطيها الأتربة الخفيفة جراء العاصفة , فقد حرص والدى على إرسال خادمة لتنظيف المنزل شهرياً تقريبا وتشرف عليها والدتى ..لذلك كان البيت دائما مرتبا , وقفت مندهشاً وسط التيارات العاصفة الساخنة والأتربة الخانقة , أراقبها وهى تدفع كرسى والدها الى داخل المنزل ...لم أستطع التحرك من المفاجأة وشعور بالحزن يتسلل الى دواخلى وإحساس أخر ينمو خلف ضلوعى لم أكن واثقاً من ماهيتة , فاجأتنى بألتفاتها صوبى تلاقت عينانا برهة ...ثم أنسحبت بهدوء تكمل طريقها إلى داخل المنزل ...
وهكذا كان اللقاء عاصفاً كحبى لها , فى نهاية اليوم تمكنا من إصلاح الهاتف وأتصلت بعبد الرحمن الذى شرح لنا الأمر برمتة فقد كان والدها يعمل مشرفاً على موقع بناء تابع لشركة مختصة ببناء المراكز التجارية الكبيرة وقد تعرض لإصابة عمل أفقدتة القدرة على العمل منذ عام وكان الكفيل الذى طلبة من عملة فى مصر جشعاً ورفض إعطاؤة المتبقى من مستحقاتة وطلب ترحيلة من البلاد ..كان قد أنفق أموالة على علاجة على أمل أن يعود للسير مرة أخرى إلا أن جهود الأطباء باءت بالفشل , لجأ الى السفارة المصرية التى لم تستطع عمل شىء سوى إعادتة إلى الوطن , من حسن حظة أن عبد الرحمن كان حاضراً للحديث الذى جرى بين الأبنة الكبرى شمس وموظف السفارة وعندما خرجت من الباب محطمة الآمال تبعها وتحدث معها مطولاوأقنعها بلقاء والدها وعندما جلس وتحدث معة صمم على مساعدتة فباعة المنزل بكل محتوياتة , وصمم الوالد على كتابة إيصال أمانة بثمن المنزل لكى يردة لة عندما يعود الى مصرويبيع قطعة الأرض التى كانت ملك لعائلتة منذ زمن طويل , شعر والدى بالغضب من تصرف عبد الرحمن فى البداية فقد وضع كل أموالة التى ورثها من والدة فى هذا المنزل كيف يفرط فية هكذا؟ إلا أنة ما لبث ان استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وهمس وكأنة يذكر نفسة "من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ".." لاحول ولا قوة الا بالله "..لم يقل شىء أخر ودلف للداخل ليتوضأ ويصلى ركعتين لله ...وعندما إنتهى طلب منى شراء بعض الأطعمة الجاهزة وإرسالها إلى منزل الساكنين الجدد أخبرتة ان المحلات مغلقة بسبب العاصفة , فقام بإيقاظ والدتى وطلب منها تحضير الطعام وبالفعل أخذتة وقلبى ممتلىء بالتوتر من المواجهة ورافقتنى والدتى المتذمرة من تصرف عمى , فتحت لى الباب أختها الكبيرة شمس رحبت بوالدتى بحماسة , تراجعت للخلف بضعة خطوات كى لاأخدش حياء المنزل وحمدت ربى أنها لم تكن هى ولكن سرعان ما تضاعف قلقى وأنا أسمعها قادمة من الداخل تسأل أختها عن القادم , عندما رأتنى تظاهرت باللامبالاة وشكرت والدتى بلطف لم أكن أتوقعة , تدخل الطفل الصغير الذى كان بعمر صلاح الدين وسألنى عن مكان المحلات فأشرت لة عن الوحيد فى شارعنا ويقع بعد منحنى واحد من منزلة , وأخبرتة عن صلاح الدين وطلبت منة أن يأتى لزيارتة تعجبت عندما توجة بالحديث الى أختة الصغرى يطلب الأذن منها وليس من الكبرى وقال "هل أستطيع الذهاب
ليل؟"
قالت بهدوء وإبتسامة رقيقة تعلو ثغرها " فى وقت أخر على مازلنا لم نستقر بعد" تمتمت والدتى ببعض الكلمات المرحبة بالجيران الجدد وأن يلجئوا إلينا أذا أرادوا أى شىء ,حقيقة لم أفهم منها حرفاً للأن تركيزى هرب الى أمر آخر ... ليل ..تدعى ليل .... شعرت بدغدغة غريبة تكتسحنى ,ولكنى كعادتى كذبت تلك المشاعر الغريبة على كيانى , وعدنا إلى المنزل يومها ووالدتى معجبة بشمس الرقيقة , وأعلنت عدم أرتياحها الكامل للمدعوة ليل , مازحتها يومها وقلت ساخراً "ربما يعجب بها أحد أطفالك ويتزوجها ستكونين حماة شريرة أمى " وكزتنى بكتفى يومها ونهرتنى ثم سرعان ما ضحكت وهى تهمس "كم أشتاق أن أكون حماة شريرة "فأنفجرت ضاحكاً ...
كنا نتمازح يومها , لم أضع بفكرى أن من الممكن أن تصبح المزحة واقعاً سعيداً لغيرى وكئيباً لى .



قراءة ممتعة ....



التعديل الأخير تم بواسطة malksaif ; 10-11-11 الساعة 05:22 PM
malksaif غير متواجد حالياً  
التوقيع









رد مع اقتباس