لا استطيع أن أنسى ..وهل لقلبي أن يأبى النسيان ..وهل لعيوني أن تنسى الأحزان ؟
في قلبي الذي أودعته منذ سنين طوال , وطويت فوقه جرح الزمن الكبير استلقيت أفكر وأتأمل الحياة التي امتلكتها بعد أن هجرت مدينتي , بعد أن شددت الرحال وهربت من تلك الأحزان التي فتكت بي , صرت أضحك وأتنقل كالفراشة بين مجاميع الناس , وعودت قلبي أن ينسى الألم..وينسى الوداع ..وينسى الذي رحل إلى دنيا الخلود .
كسوت قلبي بطبقات من الثلج الذي لا يذوب في حر الصيف اللاهب , ثم جلست أنتظر الفارس الذي سيأتي من بين أحلامي وبين الهامي , ينتقل بين السطور ويصبح حقيقة ..ابتسم بخفة والوذ بين الأوراق لأكتب مشاعري المرهفة الهشة ..وبحماقة كبيرة صدقت تلك الكذبة ..والحلم الوردي المجنون.
كنت كذلك حتى انهكني واقع الحياة الروتيني , وتلك الأحلام الطفيلية التي عشعشت في أفكاري لسنوات طوال , أصبحت لا أعرف نفسي ولا أعرف أي أنسانة أصبحتها ..ونسيت كيف كنت وكيف هو طعم العلقم الذي التصق بفمي المرير ...ثم أذا بتلك الحياة الواهية الواهمة تناديني , تمد ذراعها كي أعود فراشة أتنقل بين الزهور ..كي أمتص رحيق الوهم من أعماق جذورها ..وتوقفت في منتصف الطريق .
لم أعد أعرف كيف أسير , كيف أحمل ثوبي واقابل ذلك الوهج المتألق من بعيد , وأن أعود تلك الفراشة في مجتمع مخملي الأعراف , توقفت في مكاني جامدة ..ذاهلة ..وكأن لا شيء يعنيني منها , لا شيء يمت لي بصلة ..لاذلك العالم الوهمي ..ولا ذلك الجسد الميت الذي أعيش في داخله .
والتفت نحو الوراء ..الى الأشجار المتساقطة الأوراق ..والى الشارع الذي كنف طفولتي وصباي ..إلى تلك البيوت العامرة ..المليئة بالضحك والجو العائلي المميز ..إلى تلك الدرجات التي تفضي إلى منزلي ..ومع أولاد خالتي التي تربيت معهم وكبرت حتى فرقنا القدر ..نظرت إلى ذكرياتي الماضية ..إلى الألفة التي تميزني بين الجميع ..إلى البنية الضعيفة التي كنتها وبتلك الجدائل الحريرية التي امتلكتها ...عدت طفلة ..طفلة الورد ..وصبية بعمر الزهر ..صبية تساقطت أسنانها من كثرة الألعاب الصبيانية التي كانت تمارسها مع أولاد خالتها ..وبتلك البراءه التي ملئت عالمي أنذاك ارتأيت أن أعود إلى هناك ..إلى القلب الذي أودعته هناك في حارتي الصغيرة مع أولاد خالتي ..
عدت محطمة ..بقلب مهجور ..وروح أسيرة لذلك الزمن الغادر ..وجلست على تلك الدرجات التي لطالما كانت مرفأ لنا ونحن نأكل البوظا الذائبة حول أفواهنا وعلى أيدينا..جلست أتأمل الشارع الفارغ بمرارة تقلصت لها عضلات فمي ..كنت أتخيل بأني قادرة على التغلب على أية مشاعر دفينة ..ثم أكتشفت بأني عدت طفلة ..وبأن لاشي أقسى من أعود تلك الطفلة ..أنما لوحدي.. بينما هجروني رفاق طفولتي إلى عالم آخر أبدي .
كتبتها لتوي في فوضى الذكريات المؤلمة ..ايناس جاسم الشمري( جلنار)