عرض مشاركة واحدة
قديم 30-11-11, 02:19 PM   #1775

كاردينيا الغوازي

مراقبة عامة ومشرفة وكاتبة وقاصة وقائدة فريق التصميم في قسم قصص من وحي الأعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية كاردينيا الغوازي

? العضوٌ??? » 126591
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 40,361
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » كاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
من خلف سور الظلمة الاسود وقساوته الشائكة اعبر لخضرة الامل واحلق في سماء الرحمة كاردينيا الغوازي
افتراضي

بعد اسبوعين
نزل يوسف السلم بخطوات ناعسة، انها الحادية عشرة! البارحة لم ينم على الاطلاق، منذ اسبوعين تتفاقم أسباب أرقه وقلة نومه حتى تفاقمت وبلغت الذروة بالأمس!
كان قد أخبر مريم أنه سيخرج لإصلاح عطل في سيارته، وغالباً سيتأخر، ولكنه عاد مبكرا بعد ان اتضح ان العطل بسيط، وما إن دخل جناحهما حتى سمع صوت باب الحمام يُفتح، التفت وقدماه تتسمران مكانهما وهو ينظر عبر باب غرفة النوم إلى مريم وهي تلف جسدها جزئياً بالمنشفة ليظهر كتفيها الابيضين بينما تجفف شعرها المبلل بمنشفة اخرى صغيرة، لم تتنبه له لتفك عقدة المنشفة الكبيرة ليستدير يوسف مسرعا كي يغادر دون إصدار صوت، نزل درجات السلم ومخيلته تحطم قدرته على تجاهل ما رآه، تجاهل ما يشعره، ثم قضى باقي اليوم مبتعدا عنها ولم يكن بالمجهود الكبير منه لأنها هي ايضا تبتعد عنه كلما خلا بهما المكان، كانت تتهرب منه ببساطة، منذ ذلك اليوم في البستان لم يستطع الاقتراب منها أكثر، تحاول اعطاءه بعض العاطفة لتتسرب سريعا من يديه قبل ان يصلا إلى مرحلة جديدة من التقارب، انه يدرك ما تفعل؛ تحاول ان تمسك العصا من المنتصف! فيا لها من بريئة واهمة!
توجه يوسف ناحية المطبخ ليعد كوبا كبيرا من القهوة عسى ان يعتدل مزاجه، وخلال دقائق كان يتحرك نحو النافذة وهو يشرب القهوة بينما عقله يتساءل أين تراها مريم؟ ليأتيه الجواب في الصورة المجسدة امامه عبر زجاج النافذة، كانت تجلس في الحديقة بمفردها؛ حجابها وقع عن رأسها حتى المنتصف ليكشف عن شعرها فتلمع خصلاته بهذا الذهب الذي تغار منه الشمس، تنهد بلوعة وعيناه تراقبان يداها وهما تلاعبان بين أناملهما فراشة ملونة يبدو انها التصقت بمريم كما يلتصق بها اي كائن حي ما ان يراها، صوت امه من خلفه أجفله قليلا وهي تقول بامتعاض " انظر إليها؛ انها تبدو كطفلة!" شعر بالضيق فها هي امه ستعاود الكلام بنفس الموضوع منذ ان اكتشفت صدفة منذ اسبوع انه ينام على الاريكة! قال يوسف " امي انا سعيد مع هذه الطفلة!" عقدت الام حاجبيها وهي تقول " هل تخدعني ام تخدع نفسك؟! كيف تكون سعيدا وانت لم تلمسها حتى! لقد مرّ اسبوعان على زواجكما ولم يحدث شيء! " همس يوسف بعتب" امي!" قالت بحنق تحذره " لا تحاول الكذب عليّ، انا متأكدة من هذا " تنهد يوسف في إحباط شديد لكن الام اكملت كلامها قائلة " انت ووالدك تدافعان عنها باستمرار وكأني لا أحبها، ولكني احبها بنيّ، اقسم لك بذلك؛ ولكني لا أستطيع ان اتقبل انها لا تشعر بك وباحتياجاتك كرجل " قال بضيق " امي، انا قادر على الصبر على احتياجاتي كما تسمينها! " عبست الام وهي تقول " وماذا عنّا يوسف؟! ماذا عن والديك وحلمهما برؤية احفاداً من صلبك، يا إلهي كيف سيحضر الاحفاد وهي تنام على السرير وانت على الاريكة؟! " ابعد شعره الى الوراء وقال " ألا تفهمين امي؟! انا أحبها، انا سعيد لمجرد انها تنام جواري، قد اعاني لا أنكر ذلك، ولكني صبور وبإمكاني التحمل والانتظار، هي بحاجة للوقت فقط، بحاجة لتندمل جراحها " عبست الام بشدة هذه المرة وقالت بغيظ " فقط لا تقل تنام جواري؛ لأنها لا تفعل! "
أخذ يوسف ينظر لمريم مرة اخرى فوجدها ما زالت تلاعب تلك الفراشة بنظرات ساهمة مسته في الصميم فقال برقة " انظري اليها امي، رغم كل شيء تقاوم بصمت، لا تطلب سوى ان يدعها الاخرون تلملم شتات نفسها بهدوء، لهذا عجلت بزواجنا امي، لأمنحها الوقت والهدوء، وعندها ستكون لي أجمل من هذه الفراشة التي تلاعبها بأناملها " لكن الام قالت " اقنع نفسك بهذا الكلام وانت تنام على الاريكة ليلة بعد ليلة، هذا إذا كنت تنام من الأصل!" لم يرد يوسف بشيء بينما انسحبت الام وهي تتمتم بكلمات حانقة.
***
مُمدداً على الاريكة وظلام الليل يعمُّ المكان حوله إلا من الإضاءة الخافتة القادمة من غرفة النوم؛ غرفة نوم يفترض انه ينام فيها هو أيضاً مع زوجته، تنهد يوسف وأغمض عينيه وهو يتذكر كيف تذوب بين ذراعيه في لحظة ثم تستعيد نفسها في اللحظة التالية بينما هو يذوق الأمرين في تقبل ابتعادها عنه دون أن يعترض! تأوه وهو يفكر أنها لا تعلم بمحاولاتها الواهية للسيطرة على المشاعر فإنها تشعل رغباته أكثر، خاصة عندما تتباعد عنه في الليل ما ان يصعدا إلى جناحهما فتدخل مسرعة للغرفة وهي تهمس بتصبح على خير!
كلام امه صباح اليوم أوجعه، لا يستطيع الانكار أن ألمه يزيد، هواجس لعينة باتت تنهش فيه، هو يعلم انها تحبه، ولكن هو الرجل الاول فعليا في حياتها الذي يبثّها حبه ومشاعره، فماذا لو كانت متأثرة به فقط؟ ماذا لو كان لا يجذبها كرجل؟! لقد حاول كثيرا الاقتراب منها، ولكنها تبتعد، ابتعادها عنه يوجعه بقوة ويحطم ثقته بنفسه وبها، لن يستطيع الاستمرار هكذا وهو موجود معها طوال اليوم، صحيح أنهما يخرجان معا ويقضيان اوقاتا سعيدة حلوة، ولكن أصبح التوتر يخيم عليهما حتى في هذه الاوقات وكأن هناك شيء خاطئ يحدث! عبس يوسف وبرغبة فجائية قرّر الغاء ما تبقى من إجازته، سيعود لعمله ويطمر نفسه فيه، لقد تعب.. تعب فعلا وبحاجة أن يبتعد عنها وعن هذه الحلقة المفرغة التي يدوران فيها.
***
اليوم التالي
ترتجف وهي تدور في الغرفة وحدها، منذ ان استيقظت في الصباح واكتشفت ان يوسف قطع اجازته وعاد لعمله وهي تتوجع، لا تعرف ما هو هذا الشعور الذي يجعلها تتألم هكذا، لقد شعرت كأنه هجرها.. تركها وحيدة.
شعرت بغضبه من الملاحظة التي تركها لها على الطاولة، لقد كتب لها (صباح الخير، قررتُ قطع إجازتي والعودة للعمل، لا تقلقي.. سيكون كل شيء بخير، أراك عند الظهر)، ورغم أنه كتب (لا تقلقي) إلا إنها كادت تبكي وهي تبحث عن كلمة تحبّب واحدة او حتى عن اسمها مجرداً فلم تجد شيئاً.
إنه غاضب منها، هي السبب، في داخلها تدرك جيدا أنها السبب، شعرت بدموعها تنساب مدراراً دون ان تستطيع إيقافها، صوت مألوف أعلمها ان أحدهم فتح باب الجناح فأدركت انه يوسف بلا شك، فلا أحد يفتح عليها الباب دون استئذان، مسحت وجهها بسرعة وبخطوات متلهفة توجهت اليه، لكن قبل ان تخرج من باب غرفة النوم تمهلت قليلا ثم بأنفاس متسارعة مدت يداً مرتجفة وفكّت رباط شعرها ورمت به فوق كرسي قريب ثم ملست بيدها على شعرها الطويل لترتبه كما يحب ورسمت ابتسامة حاولت جعلها مشرقة قدر الامكان لكنها كانت مرتجفة!
أخيراً خرجت اليه ووجدته جالسا على الكرسي المريح وهو يلقي برأسه الى الخلف ويغمض عينيه، انقبض قلب مريم وهي تراه بهذه الصورة الناطقة بالأسى، تقدمت منه وابتسامتها تتراجع تدريجيا ثم قالت بصوت ضعيف " مرحباً "
كان يشعر بتحركاتها في الغرفة لكنه لم يستطع الذهاب اليها او حتى التكلم معها! احباطه تضاعف اليوم عندما لم تفكر حتى بالاتصال به، لقد كان يمسك بهاتفه النقال وهو ينظر للشاشة الصغيرة كل خمس دقائق على امل ان يرن وكأنه مراهق ينتظر مكالمة حبيبته! ورغم شوقه لسماع صوتها إلا انه عاند نفسه ولم يتصل، لماذا لا تتصل به هي؟! لو كانت تحبه وتشتاق اليه حقا كانت اهتمت واتصلت، كانت ستعاتبه لأنه قطع ما تبقى من اجازته كأي زوجة عاشقة لزوجها.
تنهد بعمق وهو يسمع صوتها تحييه بارتباك، عدّ للعشرة ثم فتح عينيه ببطء، ابتلع ريقه واتسعت عيناه وهو يراها تقف بشعرها المحلول، عيناه تعلقتا بشفتيها المرتجفتين للحظات طويلة كافية لجعل قلبه يتلوى في صدره، لكن عيناها المرتبكتين اعتصرت خافقه فرقّت ملامحه وهو يهمس " مرحبا.. اميرتي "
لا يعلم ما الذي جرى بعدها! فجأة اخذ رأس مريم يرتجف وهي تحاول بوضوح ان تخنق عبراتها وحالما مدّ كفه نحوها؛ أجهشت بالبكاء وهي تضع يدها في راحة يده الممدودة وبسلاسة سحبها يوسف وأجلسها على حجره لتكمل بكاءها المرير فوق صدره وهو يحاول تهدئتها، كان قلبه ينبض بعنف وعقله يعمل سريعا، هل ضايقتها امه؟ عندما رأى امه قبل قليل كانت تبدو حانقة جدا حتى والده لم يستطع امتصاص حنقها، اخبرته انها لا تفهم لماذا قطع اجازة زواجه وترك عروسه بينما يفترض به ان يسعى أكثر اليها حتى وان اقتضى الامر ان يمدّد إجازته، ولكنه بدلا من ذلك قطعها! كانت حانقة من مريم ايضا لأنها قضت النهار بائسة في جناحها دون ان تفعل شيئا كالاتصال بزوجها وحثه على العودة!
عاد يوسف لمريم التي هدأ بكاءها قليلا فتساءل برقة " ماذا حصل لكل هذا أميرتي؟" ردت من بين شهقاتها " أنت.. أنت غاضب مني؟" كانت ما تزال تستند لصدره فأخذ يمسح وجهها المبلل ويقول بنعومة " لماذا تقولين هذا؟ هل لأنني قطعت الاجازة؟" رفعت راسها اليه وقالت ببؤس " انت لم تقطع الاجازة فقط، بل.." خنقتها العبرة ولم تكمل فقال وهو يمسّد على خدها الناعم " بل ماذا حبيبة قلبي؟" عندها اجهشت بالبكاء مرة اخرى وهي تعود لتستقر بوجهها على صدره، فسأل بحيرة " لماذا تبكين مرة اخرى؟" قالت بألم " لاني لست جيدة معك، لا احتمل ان تغضب مني" اخذ يلاعب خصلات شعرها وهو يقول بعذوبة " انا لست غاضبا منك " رفعت رأسها مرة اخرى وقال بحنق ودموعها ما زالت تسيل " بل انت غاضب، إنك.. إنك لم تكتب كلمة واحدة جميلة لي في تلك الورقة التي تركتها على المنضدة " عندها انفجر يوسف ضاحكا من قلبه فقالت مريم في دهشة " لماذا تضحك؟!" حاوط وجهها بيديه وعيناه تنظران اليها بعشق بينما هي تنظر اليه بانفعال ثم همس بصوت مبحوح " يبدو انكِ انتِ الغاضبة ولستُ انا! والزوج الذي يُغضب زوجته الى درجة ان يبكيها هكذا؛ عليه ان يصالحها بشكل جيد " بارتجاف أغمضت عينيها وهي تدرك ما ينتظرها، لقد اصبحت أكثر معرفة به، غرق فيها كما أغرق أصابعه بين طيات شعرها، ذراعه الاخرى تلفها بقوة لتضمها اليه ببعض العنف العاطفي الذي أفلت منه، ابتعد قليلا وهو يتنفس بصعوبة، ودون ان يفتح عينيه همس " يا إلهي!" ثم عاد إليها مرة اخرى، كان يشعر انه انفصل عن العالم تماما وهي تذوب بين ذراعيه هكذا، تستجيب بهذا الشكل، رغم ان استجابتها كما يزال فيها توجساً لكنها تستجيب وبقوة!
في لحظة ما شعر انه يوشك ان يفقد سيطرته بينما تزداد عاطفته تأججاً ويبدو ان غريزتها كأنثى اخبرتها بذلك ايضا فابتعد كلاهما عن بعض في نفس اللحظة وهما يكادان يختنقان من فرط العاطفة.
ما تزال جالسة فوق حجره وهي تضع يديها على صدره بينما جبينها استقر أخيراً على ذقنه، يداها كانتا تشعران بنبضات قلبه المجنونة، أرادت قول شيء لكن انفاسها المتقطعة خانتها فلم تنطق الا باسمه همسا " يوسف" رد بصوت غريب " لا تتكلمي.. فقط لا تقولي شيئا حبيبتي، اهدئي فقط لأهدأ انا " ثم أضاف ضاحكا بخفة " وإياك قول (حسنا) او السؤال (هل انت بخير؟) فعندها لن نكون نحن الاثنين بخير! " ضحكت بارتجاف دون ان تبتعد عنه.
مرت دقائق وهما هكذا حتى قال بعذوبة " انت تجيدين التقبيل " احمرت بقوة وهي تهمس اسمه بعتب دون ان ترفع رأسها " يوسف! " تنهد بسعادة وهو يقول " يوسف يعشق كل خلية فيك ولا يستطيع ان يغضب منك ابدا " رفعت وجها علاه الشك والارتباك وهي تقول " ولكن.. انا اشعر أنك لست سعيداً " وضع كفه على خدها وقال بابتسامة " ربما انا مُحبط اميرتي، لكني مؤكد سعيد" عقدت حاجبيها وهي تقول باهتمام " قل لي، لماذا محبط؟!" تنهد وقال بصوت مبحوح " تسألين كثيرا صغيرتي " لا تعرف لماذا تضايقت من كلمة (صغيرتي)! فقالت بحنق " انا لست صغيرة! لماذا تناديني بصغيرة؟! " ارتجفت ابتسامته وهو يقول " انا ناديتك صغيرتي لاني أحب ذلك، أحب ان اشعر بالتملك تجاهك هكذا " نظرت اليه بحزن وقالت " لماذا قطعت اجازتك؟ لماذا لم تتصل بي اليوم؟!"
لم يستطع منع العتب من صوته وهو يسألها نفس السؤال " لماذا لم تتصلي انت؟!" عضت شفتها وهي تقول " خشيت ان تكون مشغولا، لم اعرف كيف أتصرف خصوصا وأني كنتُ اظنكَ غاضباً مني " اطرق قليلا برأسه وهو يقول " اعترف اني قطعت اجازتي لاني كنت محبطاً " وضعت يدها على وجهه ترفعه إليها مما فاجأه كما فاجأه نظرة الجد على وجهها وهي تسأل " لماذا؟" ابتلع ريقه ولم يقل شيئا فسألت بدهشة " لماذا لا ترد عليّ يا يوسف؟" قال بتردد " لا اريد مضايقتك او أن تشعري أني اضغط عليك " لكنها اصرت قائلة " أخبرني ارجوك " مرت بضع لحظات بعدها قال يوسف بهدوء " اننا لا نتقدم مريم وهذا يحبطني! اشعر أنك تبتعدين عني مرة اخرى، لقد قلت لك سابقا لا ينفع ان احاول وحدي، يجب ان تحاولي معي " ملامحها نطقت بالذنب فأسرع ليضيف " لا تشعري بالذنب فهذا لن ينفع كلانا، يجب أن تحرري مشاعرك مريم، أنا لن أستطيع تحريرها بمفردي، العلاقة بين الزوجين تحتاج لمجهودهما معاً " نظرت اليه بضعف، ولكنها قالت بإصرار " اعدك سأحاول أكثر " ثم عادت لتتوسد صدره وتغرق بالتفكير.
***
عند الغداء التزمت مريم الصمت معظم الوقت بينما حماتها تراقبها عن كثب، حاولت إخراجها من شرودها وهي تذكرها بحفل (الحنّاء) لإحدى القريبات من العائلة مساء الغد، وأن عليها الخروج معها غداً صباحاً لشراء فستان مناسب، اكتفت مريم بالتمتمة " حاضر خالتي " ثم عادت لصمتها، حتى يوسف كان صامتاً، كلاهما كان غارقاً في أفكاره، بدوا غريبين للغاية!
عبست الأم واوشكت أن تصرخ فيهما ليتدخل زوجها الحاج علي وهو يقول مازحاً " النسوة يستعدون والرجال يدفعون! " نظرت الام بغيظ لزوجها وقالت " لا تخف فزوجي لن يدفع شيئا لاني املك الملابس المناسبة، ولكني ابني عليه ان يدفع! " ضحك يوسف ومريم في نفس الوقت فانشرح صدر الام قليلاً بينما قال الحاج وهو ينظر لزوجته بحب " ووالد ابنك مُصرٌّ ان يدفع هو الآخر "
***
اليوم التالي، آخر الليل
عندما دخلا جناحهما أغلق يوسف الباب خلفه ثم استند اليه متكتفا وعيناه تنسابان بتمهل شديد على طول جسدها، كانت توليه ظهرها ثم التفتت اليه وهي تحاول فكّ حجابها، ما ان التقت عيناهما حتى خرست الكلمات على لسانها وارتجفت يدها وهي تبعد الحجاب تماما عن راسها، قال يوسف بصوت مبحوح " اريد ان ارى فستانك" نظرت اليه باضطراب وقالت وهي تشير لفستانها الاسود اللامع " انه امامك! " هز راسه وقال " لا.. اريد ان اراك كما رأيتك عن بعد وانت بين النسوة في حفل الليلة " همست بنعم ودون ان تنظر اليه خلعت سترتها وامسكتها مع حجابها بين كفيها المرتعشتين، كان يوسف ما يزال مستندا للباب وعيناه لا تحيدان عن كتفيها منذ ان برزا بلونهما الناصع بعد خلعها السترة، طال الصمت فرفعت وجهها اليه فأربكتها نظراته المشتعلة ومن شدة ارتباكها انغرز دبوس الحجاب في إصبعها فتوجعت، وقبل ان تفعل شيئا كان هو الى جوارها يمسك بإصبعها ليتفحصه، لم يقل شيئا وهو يخرج منديلا نظيفا من جيبه ومسح الدم وظل يضغط هناك بلطف بينما بيده الاخرى أخذ منها الحجاب والسترة ورماهما على الاريكة، عيناه لم تفارقا وجهها المحمر وهي تتهرب منه.
يجنُّ لهفةً إليها، ثوب السهرة الأسود الذي ترتديه الليلة أظهرها بشكل مختلف، لم يكن رآها منذ الصباح عندما خرج لعمله، وبعد عودته أخبره والده بغمزة ان الفتيات ذهبن كي يستعدين للحفل، وما ان سأله يوسف من سيوصلهن حتى أخبره ان هاشم من سيوصلهن جميعاً.
لم يتخيل يوسف أنه عندما يراها اليوم ستكون بهذه الهيئة! لقد قضى الوقت ينظر للساعة بملل لا يخلو من ضيق الاشتياق، الجناح كان خالياً بدونها، موحشاً يفتقد أُنسها، أراد ان ينتهي الوقت سريعاً ليذهب إليها ويعيدها.
وعندما ذهب أخيراً لبيت العروس مع والده كي يحضرا مريم وأمه، خرجت له ام العروس وجرّته من يده بإصرار كي يسلم على قريبة اخرى ولم تتوقف عن الكلام بانبهار حول جمال وفتنة زوجته مريم، وبعد ان عمل الواجب وقدم التهاني تحرك كي يغادر وينتظر امه ومريم في الخارج، وبينما هو في طريقه للخروج كان باب غرفة استقبال الضيوف موارباً، وهناك لمحها.. أميرة بمعنى الكلمة، تجلس هناك بثوب اسود ذي حمالتين رفيعتين، كتفاها مكشوفان وشعرها الطويل محلول، هي ايضا رأته واتسعت عيناها اللتان بدتا غريبتين قليلا، وجهها كله بدى غريبا ومختلفا، ليدرك فيما بعد ان السبب هو تبرجها المختلف! سألها بخفوت " من زيّن وجهك الليلة؟ " ردت بنفس الخفوت " هناء " يهز رأسه بلا معنى بينما يفكر أنها حتى في يوم العرس لم يكن تبرجها هكذا، بل كان ناعماً يلائم هالة الرقة والبراءة حولها، اما الليلة.. بدت تضج إغراء وأنوثة، الكحل الاسود حول عينيها أبرز جمالهما بسخاء ساحر، واحمر الشفاه اللامع كان ينطق بالدعوة إلى شفتيها، بدت امرأة مثيرة، امرأة هي ملكه وليست ملكه في نفس الوقت.
أعاده صوتها المرتبك وهي تناديه " يوسف" فأدرك انه كان يلامس كتفها بعاطفة محمومة، بفم جاف نظر لفمها هامساً " ما زلتِ لم تظهري كما رأيتك في الحفل " مدّ يده لمؤخرة رأسها واخذ يفكّ عقدة شعرها، كان الصمت يلفّهما معا، فقط لهاثهما يصل لأسماعهما، أوقع يوسف المنديل الذي يغط به جرحها أرضاً ليغرق أصابع كفيه معاً في خصلات شعرها بلهفة مجنونة، كانت تنظر اليه بانبهار! منذ ان رآها ونار اشتعلت فيه، نار لم يستطع مداراتها حتى عن والديه، أمه بالأخص كانت تصب الزيت على ناره وهي تخبره ان أربع نسوة غريبات عنها خطبن مريم منها ظناً منهن أنها ابنتها لا كنّتها، حتى أبوه كان يعينها في تأجيج ناره وهو يضحك ويقول إنها تستحق بجدارة الليلة! رغم هذا لم ينطق بحرف طوال الطريق بالسيارة، ظل صامتا وعيناه لا تفارقان وجه مريم عبر المرآة الأمامية، وهي ايضاً.. هي ايضاً لم تبعد عينيها عنه.
ثارت مشاعره بشكل لا يوصف ليهمس بصوت تقطّعه العاطفة وهو يغرز انامله أكثر فيحيط برأسها " لا اريدك ان تظهري هكذا امام الناس مرة بشكل اخرى" ردت بارتعاش " اسفة.. ظننتك لن تمانع في حفل للنسوة فقط " اقترب منها كثيرا وهو يقول بأنفاس حارة " انا لا اريد ان يراك أحد بهذا الجمال غيري انا.. حتى أبي وأمي لا أريدهما أن يرياكِ هكذا.. أنت لي فقط أميرتي، يا إلهي.. بهذا الاسود اللامع وكتفاك اللذان ينافسان اللؤلؤ وهاتان العينان.. يا ربي.. من كان صاحب فكرة الكحل؟ أ هي أمي؟ " همست ونبضها يرتجف عند رقبتها " بل.. هناء " رد بانفعال " كنت اعرف ان اختي هي من تريد قتلي "
ودون كلمة اخرى كان يوسف ليميل إلى شفتيها بعاطفة أقوى من أي مرة سابقة، وهي تستجيب وكأنها كانت تنتظرها، رفعت ذراعيها لتلفهما حول رقبته ببعض التردد الذي سرعان ما تغلبت عليه، استجابتها أثارت جنونه وأفقدته سيطرته على نفسه! كان يعتصرها بقوة ولا يرتوي منها، جسدها شديد الليونة وكأنه خلق خصيصا ليتم احتضانه، في مرحلة ما زحفت يداه حتى حمالتي فستانها ليزيحهما الى الاسفل، شهقت مريم بقوة وابعدت ذراعيها عن رقبته لتنزلا حتى صدره تدفعانه بضعف شديد، لكنه لم يستطع التوقف، عقله لم يسعفه ليفكر بحركة مريم تلك! يداه اصبحتا أكثر جرأة وإلحاحاً، وعندما فتح الزر الاول من فستانها كان ردة فعلها اقوى واوضح؛ أبعدت نفسها بخشونة عنه وبأقصى ما تستطيع تريد التحرر من أسر ذراعيه، ثم علت صرختها " لا " ليكون صداها مدوياً داخله.
كان تنفسه متعثرا وهو يفتح عينيه بقوة وينظر إلى وجهها وهي تديره جانباً بعيدا عنه، تطبق أجفانها بقوة كأنها تتألم! بينما يداها اخذتا تضغطان بقوة أكبر كي تبعده عنها وهي تردد بصوت معذب " لا.. يوسف.. لا "
بذهول يكاد لا يصدق كيف يمكن أن يكون (لا)؟! كيف يكون (لا) وهي بين ذراعيه هكذا؟ كيف يكون (لا) ونبضاتها تقفز قفزاً عند عنقها الأبيض وناظراه يشهدان!
وجد نفسه يهمس بعجز " لا؟ " كان ردها بهزة رأس رافضة قاطعة منها، للحظات ظلا على هذه الحالة دون ان يصدق ان عليه الابتعاد هذه المرة ايضا، لكنها مختلفة، سيحطمه الابتعاد ولا يعرف كيف سيحتمل! الانهاك والألم والحرمان تحالفوا عليه وهو يسلخ نفسه بعيداً عنها، ودون ان يقول كلمة استدار وخرج من المكان.
***
بعد ساعات
قام يوسف من (سريره) بعد ان سمع صوت اذان الفجر، خرج بهدوء ليستخدم الحمام الخارجي، لا يريد ان يقترب منها الان، انه يتألم بشدة، رفضها له كان أكثر مما يستطيع احتماله!
عندما تركها قبل ساعات نزل بهدوء الى الطابق الاول وحرص ألا يصدر صوتا كي لا يوقظ والديه ثم قضى الوقت في غرفة استقبال الضيوف وحيدا هائما في ظلام الليل وسكونه، عاد بعدها إلى جناحه لكن لم يدخل غرفة النوم كي يأخذ ملابسه على الاقل، فضل البقاء بقميصه وسرواله واكتفى بنزع سترته وحزامه، ثم استلقى على الاريكة دون وسادة مريحة او غطاء لتمر عليه الساعات طويلة وهو يحدق في السقف بمشاعر قاتلة لا يمكنه وصفها حتى لنفسه.
جلس يوسف على ركبتيه بعد ان أكمل أداء الفريضة واخذ يسبّح بهدوء، سمع حركة من خلفه فأدرك أنها هي، قال بهدوء من دون ان يلتفت اليها " عودي للنوم مريم، انا اعلم أنك تشعرين بالذنب، ولكن لا ذنب عليك، أنا.. تجاوزت الحدود دون ان أتأكد من موافقتك الصريحة كما وعدتك" كان العذاب ينضح من صوتها وهي تناديه " يوسف" ايضا لم يلتفت فقط قال " ارجوك اذهبي للنوم، انا سأكون بخير " لكنها بدلا من ان تبتعد سمع خطواتها تقترب منه، أغمض عينيه وهي يشعر بها تجلس جواره على الارض، أخيراً قالت بصوت متقطع " يوسف.. انا.." صمتت فلم يقل شيئاً، حتى لم يفتح عينيه فأكملت بنبرة مرتجفة " سأخبرك بما حدث تلك الليلة! "
***


انتهى الفصل الثاني عشر



التعديل الأخير تم بواسطة كاردينيا الغوازي ; 02-07-22 الساعة 10:47 AM
كاردينيا الغوازي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس