عرض مشاركة واحدة
قديم 27-12-11, 12:28 AM   #15

أمل بيضون

نجم روايتي وعضوة في فريق الروايات الرومانسية المكتوبة وفراشة عبير المكتوبة

 
الصورة الرمزية أمل بيضون

? العضوٌ??? » 77031
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 7,187
?  نُقآطِيْ » أمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond repute
افتراضي

لحسن حظها جلست ميراندا إلى نفس المائدة التي جلست إليها خوانيتا و رامون و تشك. وإلى المائدة الثانية جلس السيد انغرام وزوجته, وطومس غالنت وزوجته دون التي بدت غارقة في أنواع الحلى المختلفة من فضة وعقيق تتوهج في تلك الحجرة الخافتة الضوء. وإلى جانب دون جلس روجر, وبدا هذه المرة غير ذلك الشاب اللطيف في بنطلونه الجينز الأزرق الذي رافق ميراندا من المطار تلك الظهيرة. إنه الآن جذاب, أنيق ببذلته الطحينية الخفيفة وقميصه الأسود وربطة عنقه الفاتحة. بدا صعب المنال بالنسبة إلى ميراندا, وأحست بشيء من الانكماش والخوف من المهمة التي أوكلها إليها السيد انغرام. كيف سيكون في استطاعة فتاة ريفية بسيطة مثلها تشجيع أمثال روجر غالنت الذي كان في دخوله مكان ما, أو في جلوسه إلى المائدة يثير فضول النساء واهتمامهن البالغ؟
كان رامون, زوج خوانيتا, طيب المعشر, قصيرا ونحيلا, أسود الشعر متموج, أسود العينين وصاحب ابتسامة خاطفة تحت شاربين أسودين متهدلين. أخبر ميراندا أنه من عشاق الحفلات, وأنه مصمم على الاستمتاع بهذه الحفلة.
قال لها مفاخرا أن (بورتوريكو بمثابة قطعة حلوى على مائدة الجزر الكاريبية. ما عندنا عالمي, وهذا بفضل السفن الأسبانية التي اعتادت الإبحار إلى هنا. ما من أحد كان يأتي هنا دون أن يحضر معه نباتات من أنحاء الإمبراطورية الأسبانية. ونتيجة لهذا نحن نزرع البرتقال الأسباني, الموز الأفريقي, أناناس البحر الجنوبي وقصب السكر الهندي) .
أكلت ميراندا شبعها, وقد أقنعها كلامه, من الحساء المكون من البندورة و الباذنجان. وفي أثناء تناول الطعام كانت القيثارات تعزف, إضافة إلى موسيقى أسبانية ذات تراث قديم, أنغاما من أمريكا اللاتينية.
حين انتهوا من الطعام خرجوا إلى الشوارع الضيقة يقصدون ناديا ليليا. وبدا لها النادي من الخارج كإحدى الحانات الصغيرة التي مرت بها ميراندا في طريقها إلى المطعم. لكنهم عبروا صالة الحانة الصغيرة ودخلوا حجرة داخلية محجوبة بستار مخملي أحمر, جدرانها بيضاء, قناطر تؤدي من فسحة إلى أخرى, وعلى كل مائدة شموع متفرقة وفي الوسط كان الضوء مركزا على راقص يتحرك ببطء وكعبا حذائه يضربان الأرض بإيقاع, وهو يؤدي رقصة على المسرح.
أخذت ميراندا بالراقص لفترة غير قصيرة. كان بنطلونه ضيقا, قميصه أسود طويل الأكمام, وقبعته سوداء مائلة على وجه أسمر ضامر. كانت مسحورة برقصه ولم تفارق نظراتها خطواته إلا بعد وقت طويل. ثم شرد بصرها باحثة عن روجر, تتساءل في الوقت نفسه عن حقيقة شعوره لعودته إلى المكان الذي فيه كتب موسيقى الأغنية التي جلبت له و لصديقه كيت ويليامز النجاح.
كان يجلس إلى مائدة أخرى مسندا ظهره إل ظهر كرسيه من دون أن يشاهد الراقص, إذ كان يحدق فيها . وفي نور الشموع ظهرت تقاسيم وجهه الحقيقية وفي عينيه شعلتان ترقصان.
لم تتمكن من إخفاء احتقان وجهها حيال نظراته الآسرة, وبدا جو الحجرة الكهفية حولها خانقا رغم الهواء المكيف. عزف القيثار المستمر وطقطقة أقدام الراقص أثارا غليان دمها وزادا من سرعة نبضها. كانت تعي بوضوح ما يدور حولها... رائحة دخان السكائر الغنية ممتزجة بعطور قوية من بعض النساء, وبشرة شديدة البياض أو سمراء تعكسها ألبسة داكنة أو متنوعة الألوان , وأحلام استوائية تراود زبائن المكان تعلنها رفة عين أو توتر عصب. إلا أن الشيء المميز الذي وعته أكثر من أي شيء آخر كان تحديق رجل فيها وخطوط فمه تبرزها ابتسامة جذابة.
ماذا حل بها؟ ما هذه المخلوقة التي يخفق قلبها ويتخضب خداها بسبب نظرة غريب إليها وابتسامته لها بطريقة مغرية؟
ربما السبب هو المكان, القيثارة, وهج الشموع, إيقاع الأقدام الراقصة والأحاسيس الكامنة. كل هذا ربما كان فوق طاقة فتاة مثلها نشأت في جو بارد تحكمه عمة عانس.
أحست بالحنين إلى برودة بيت العمة كلارا وإلى الحياة البسيطة معها. وأحست بالعطش فتناولت كأسها التي كانت أمامها, وكانت جرعة طويلة وباردة.
توقف الرقص فجأة, فعلا تصفيق حاد, مما جعل الراقص ينحني مرات عدة. رشفت ميراندا من عصير الفواكه اللذيذ متطلعة ثانية بطرف عينها, ولكن هذه المرة خلسة, إلى روجر الجالس إلى مائدة مجاورة.
تملكها العجب, إذ كان مقعده خاليا, كذلك المقعد المجاور حيث كانت دون غالنت. يبدو أنهما ذهبا حين كان التصفيق في ذروته وفي غفلة من الآخرين.
في الحقيقة, لم يلاحظ طومس غالنت غياب زوجته إلا لدى مغادرتهم النادي الليلي إلى الشوارع الضيقة حيث هيئات بشرية كانت تتحرك على الشرفات. وسلالم بانت درجاتها تحت أضواء خابية تقود من أبواب مقنطرة إلى البيوت المنتشرة.
قال تشك:
" بوب فقد صوابه, اسمعوه يرغي ويزبد " .
وتناهت من الخلف زمجرة طومس غالنت, وبلغة لا تحفظ فيها اتهم ابن عمه بسرقة زوجته.
قالت خوانيتا بإصرار وهي مسرعة في الشارع تشد ميراندا معها:
" دعينا نبتعد عنه. لقد عرف أن دون ستروح معه إن هو دعاها إلى ذلك, وقد فعل ذلك لإزعاج والدي. يجب أن تعرفي, يا ميراندا, أننا كنا عائلة رائعة. أنا واثقة من ذلك. جميعنا, تشك, مارني وأنا طبيعيون. هذان الاثنان يتصرفان كقرصانين, واحدهما يسرق الآخر, إنهما تافهان " .
أسرعتا في الشارع, كانت خطاهما تحدث طقطقة على بلاط الرصيف غير السوي.
" يسرقان؟".
قال رامون وقد لحق بهما حاضنا زوجته الغضبى يهدئ من روعها:
" من كان يسرق؟ ".
" كنت أقصد أبي و روجر. إنهما أمثال عائلة غالنت القديمة , أي أبناء ذلك القرصان الذي يقال أنه استعمر فورتوغا " .
" وماذا سرقا هذه المرة؟ ".
سألها تشك الذي كان إلى جانب ميراندا, التي بدت مندهشة حين طوق خصرها بطريقة غريبة:
" هذه المرة دون " .
ردت خوانيتا بحدة:
" وسابقا كانت جوزفين " .
" المعذرة, لكني لا أفهم شيئا " .
قال رامون ضاحكا:
" ومن هي جوزفين؟ " .
" كانت موظفة عند أبي في فورتوغا. وقد ذكرت مارني.... ".
فجأة سكتت خوانيتا.
" هيا, ماذا قالت مارني؟ ".( سألها تشك بإلحاح).
تمتمت خوانيتا:
" آه, لا شيء, لا شيء مهما, ربما هي على خطأ ".
ثم بنبرة جديدة أضافت تقول:
" أنظري, يا ميراندا, نحن عند بوابة كنيسة. أليست جميلة؟ ".
كان آخر الشارع مقفلا في وجه السيارات بواسطة سلسلة حديد امتدت بين حجرين قديمين على جانبي الطريق. ما وراء السلسلة قام برج ضخم ذو مدخل بشكل قنطرة, داخله مدهون بالأبيض وفي الطرف الآخر قنطرة ثانية حيث بوابة من الحديد, وفي رأس البرج قبة منحوتة في داخلها جرس. كانت البناية مضاءة بواسطة قناديل معلقة فوق الطريق وأخرى قديمة برزت من جنبات الأبنية. وفي بريق الضوء هذا تراءى لميراندا أن حجر البوابة القديمة الذهبي يتوهج بفخامة سماوية كبوابة النعيم .


أمل بيضون غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس