عرض مشاركة واحدة
قديم 08-01-12, 04:31 PM   #585

حنان

كاتبة وقاصة بقسم قصص من وحي الاعضاء ولؤلؤة فعالية اقتباسات مضيئة

alkap ~
 
الصورة الرمزية حنان

? العضوٌ??? » 135644
?  التسِجيلٌ » Jul 2010
? مشَارَ?اتْي » 7,122
?  مُ?إني » بغداد
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » حنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond reputeحنان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
?? ??? ~
المقياس الذي نقيس به ثقافة شخصٍ ما، هو مبلغ ما يتحمّل هذا الشخص من آراء غيره المخالفة لرأيه.. د.على الوردي
افتراضي

الفصل الحادي عشر

- عمران
نادت عليه بصوت منخفض لا يظهر إلا القليل مما يعتمل بصدرها من قلق عليه
- بني .. هل أنت بخير؟
ألصقت أذنها بالباب علها تلتقط من خلفه أي صوت لأي حركة .. دون جدوى ..
- عمران؟ .. بني لا ترعبني ؟
أخفض رأسه وهو يصغي لكلماتها القلقة .. يرفض الرد عليها .. لقد تخلت عنه في أشد أوقات احتياجه لها .. كان جالساً على الأرض مسنداً ظهره إلى الحائط القريب من الباب .. صينية الطعام التي جلبتها له أم خلدون على حالها لم تمس .. لقد ترك وحيداً مع أفكاره دون معين يرشده إلى حل ما
طرقات ملحة على الباب
- عمران .. ولدي ؟ فقط قل بأنك على ما يرام أرجوك ولدي.
صراع لم يدم طويلاً خاضه عمران مع نفسه تمخض عن إجابة ساخرة من وضعه قبل والدته
- على ما يرام !؟ أنا معزول في غرفتي كموبوء .. وتريدين أن أكون بخير!
جائها صوته هازئاً ليشعل الغضب بداخلها ..
- أنت من فعل هذا بنفسه .. لماذا عمران ؟!
صمتت للحظات لتكمل والمرارة والألم اللذان شعرت بهما من جراء نظرات العتب والتأنيب التي لاحقتها من عبد الرحمن والتي جعلتها تنشج كلماتها الباكية
- لماذا كسرتني بهذه القسوة! لماذا .. لماذا؟
***
- الوقت متأخر الآن لمَ لا تقضي الليلة هنا؟
- ماذا !! كيف تقول هذا ماذا لو شعرت والدتي بغيابي؟
- الفجر اقترب عندما تدخلين إلى البيت في مثل هذه الساعة تجازفين بمعرفتك والدتك التي ستكون أوشكت أن تفيق من نومها كعادتها كي تقيم الصلاة
زفرت بانزعاج وقد وعت متأخرة لسوء تصرفها وهي تقول
- لكن كيف
اقترب منها يحيطها بذراعيه مقاطعاً إياها
-لا تنزعجي حبيبتي .. فكري معي هل تطل والدتك في الصباح على غرفتك؟
- كلا .. بمجرد أن تنهي الصلاة تعود إلى فراشها وقد أنهِكَت، أنت تعرف بأنها عليلة الجسد
- أممم .. أومأ مشجعاً لها .. إذاً من الأفضل أن تبقي.
تنهدت بضيق واضعة رأسها على صدره تلتمس الراحة التي فارقت الإحساس بها منذ زمن طويل وهي تقول بصوت يردد صدىً لنزاعها المستمر مع أفكارها
- إلى متى .. إلى متى علاء سنبقى هكذا ؟! يجب أن تتخذ خطوة ما يجب أن يعلم الجميع ..
ألجمت دموعها رافضة ذرفها كعادتها
-لقد تعبت .. تعبت فعلاً من هذه الحياة المزدوجة أموت ألف مرة باليوم .. أرى أمي أغرق في خجلي لأعوضه بسلاطة لساني .. أبعدت نفسي عن عائلتي كي لا يكتشف أحد سري .. رفعت بصرها إليه برجاء .. تصرف علاء يجب أن تتصرف
- أخبريني أنتِ .. نظر إليها متحدياً إنكارها .. إن أنا ذهبت إلى والدتك هل ستوافق على دخولي بيتها ؟ هل ستسمح لك بذكر اسمي ؟ سترفض أن تستقلبني وأنتِ تعرفين هذا
- أنت مذنب بهذا
سألها مستهجناً اتهامها
-أنا!!
ابتعدت عنه قليلاً لتتطلع إلى وجهه وهي تقول مصرة على اتهامها
-نعم أنت .. لمَ لمْ تحاول أن تشرح لهم ما حدث مثلما شرحت لي ؟؟ لمَ لمْ تخبر والدتي بأنك لم تقصد أن تسيء لسديم. ؟؟ لمَ لمْ تحاول أن تزيل الرعب من نفس الصغيرة ؟؟!
طل الانزعاج من عينيه وقد أدرك بأن الحديث سيأخذ منحىً هو يرفض النظر إليه
- ماذا أقول !! لقدحدث ما حدث وكان الشقاق بين العائلتين بسبب أوهام شقيقتك .. هي من يجب أن تلوميها وليس أنا
ابتعدت هدير أكثر وقالت وهي تشوح بيدها بحنق
- لقد تعبت .. تعبت من اللوم .. أريد حلاً لوضعنا هذا ..
قطبت حاجبيها وركزت بصرها على عينيه اللتان ترفضان النظر إليها لترميه بسؤال بنفاذ صبر وألم
- علاء هل ما زلت تحبني؟
توقفت نظراته عن الترحال بعيداً عنها لتعاود مرغمة النظر إلى عينيها النرجسيتيْن المتألمتين وقد لاح الضعف النادر الظهور فيهما .. هدير .. لو تعرفين معاناتي !! لوتعرفين مدى حاجتي إليك ،، أحبكِ .. حقاً .. أحبكِ .. الراحة التي يوفرها قربك لم يفلح أحد بمنحها إياي فقط قربك من منحها .. فقط معك تكتم الأصوات لأشعر بأني عدت إنساناً من جديد .. لكنك لا تعرفين من أنا حقاً لا تعرفين بأني .. مسخ .. مجرد مسخ تسكنه الشياطين .. لا أريد أن أقترب من عائلتك ،، لا أحتمل أن أواجه بذبني سأفقدك حينها .. وستتملك مني الشياطين .. ستبتعدين عني أعرف بأنك ستفعلين عندما تعرفين حقيقتي .. وبأن سديم لم تتهيأ .. و بأنها لم تقل سوى ربع حقيقة ما فعلته بها ..
سديم .. اسمها كان كفيلاً بأن يعيد له الذكرى التي ينتشي لها ويتألم منها في الوقت ذاته .. سديم وصراخها المذعورالذي كتمه بكف يده .. فقدانها الوعي .. والحبال التي( .. ) .. عادت الأصوات ناهضة من سباتها الخفيف تلح عليه .. تشير إليه بالمزيد من النشوة .. تدله على مصدرها الذي تركه يلعب بالحديقة و ولى مذعوراً هارباً .. ليلتجئ لملاذه؛ لهدير التي أحاطته بعاطفتها النقية من كل جانب .. مذهبة عنه أرطال الخزي التي تقبع روحه تحتها .. لأنها هدير .. وليس لأنها امرأة .. كما ظن في مرحلة ما بأن أي امرأة ،، أي جسد سيكون له ذات التأثير !! لكنه أخطأ .. جرب غيرها .. ليعود لها !!
- لم تجبني؟
وصله سؤالها الخافت .. ليجيب عليه بالحل الوحيد الذي يضمن له الاحتفاط بها إلى الأبد
- لنهرب
صرخت بذعر
- ماذا .. !!
- نعم .. نهرب ..
وصل إليها أمسك بذراعها يبحث عن تركيزها .. فكر .. الحل الوحيد أن أترك كل شيئاً خلفي وأهرب بها ..
- الحل الوحيد هو الهرب .. أبي لن يوافق على ارتباطي بك وأمك مؤكد لن توافق .. كيف لهما أن يفعلا وسديم وحكايتها الزائفة أعدمت أي سبيل للتفاهم
أبعدت يده عنها بقوة أجفلته وهي تقول بعنف وهي تكاد لا تصدق بأن حله هو الهرب !
-هل جننت ؟! أخبرتك بأني لم أعد أحتمل خيانتي لثقة والدتي بي .. وأنت تقول بأن نهرب!! .. أتريدني أن أوصم عائلتي بالعار بفضيحة علنية تجعل منهم أحاديثاً يتاسمر الجيران بها ؟! أتريد مني أن أقضي على مستقبل إخوتي !! أن أقتل أمي !! أنتَ واهم .. نفسي هانت علي لكن عائلتي لا .. وألف لا
- هدير
حاول أن يمسكها .. أن يسكت احتجاجها أن يقضي على إرادتها كما يفعل دوماً .. لكنها كانت أصلب مما ظن ..
- ابتعد
سارت بغضب تحاول الخروج من الغرفة الحمراء اللون والأفعال .. سارع نحوها وهو يشعر بأنه قد أوشك على خسارة ملاذه .. أمسك بذراعها مديراً جسدها إليه .. حاول أن يضمها إلى صدره وهو يهمس ويكرر بكلمات الرجاء والحب بأن لا تتركه
- ابتعد علاء .. هذا يكفي ..
حاولت إبعاده عنها، تحبه كثيراً لكنها فقط ملت العطاء تريد منه ولو اليسير مما أعطته .. تريد حقها .. لم تفلح مقاومتها سوى في انزلاقه من جسدها حتى تمسك بساقيها يقبلهما حتى حط أخيراً عند قدميها وهو يتمتم بتوسل .. لا تتركيني ..
شهقت هدير .. وقد فاجئها علاء برد فعله .. عرفته طوال عمرها لم تره ضعيفاً متخاذلاً هكذا .. انحنت إليه تحاول أن تنهضه دون جدوى بقي قابعاً عند قدميها .. أحست ببله ما، يبكي .. يبكي !! .. ركعت جواره احتضنت كتفيه ..
- كفى علاء .. أنت تؤلمني .. لا تفعل هذا
رفع لها وجهاً يائساً حزيناً دامعاً .. لم تحزر بأنه يكتم بداخله فرحاً عارماً وقد لاحظ زوال العزم من عينيها ليحل الحب الذي طالما رآه فيهما بديلاً عنه .. همس لها وهو يتفحص ما أوشك على خسارته:
-لا تتركيني
ما رأته من ذبول حل بوجه حبيبها بخر كل عزم لديها بالابتعاد .. أحبك .. آه لوتعرف كم أحبك
-علاء .. أنا
-شهر؛ أمهليني فقط شهر واحد وسأحل الأمور العالقة كلها .. صدقيني حبيبتي
تحرك مستوياً بجلسته ماداً ذراعيه حولها ليضمها بعنف إلى جسده .. وهو ما زال مصراً على فكرة الهرب إن لم يكن برضاها فرغماً عنها !! شدد من اعتصاره لها .. سيجد السبيل لجعلها توافق على ما يريد.
***
فتح ناصرعينيه بصعوبه لدى سماعه صوت المنبه .. انقلب إلى جنبه بارتخاء ماداً يده إلى الساعة التي احتلت وسط الطاولة الصغيره قرب سريرة كي يخرس جرسها .. عاود الانقلاب ليستقر على ظهره .. الوهن يسكن جسده وعظامه تئن بإلحاح .. أغمض عينيه مجدداً يريد أن ينام .. قفز مجفلاً من شبه الإغفائة التي تاه في سكونها المريح عندما تذكرها .. نهض على عجل .. ليترنح جسده .. وقف للحظات يريد أن يستعيد توازنه .. إنه يشعر بالمرض .. لكن عليه أن يذهب إليها لن يتركها تنتظر في الشارع ..
***
أكملت تمشيط شعرها لتربطه ذيل حصان كعادتها .. استدارت لتلقط حقيبتها من على السرير .. فتحتها كي تفرغ بعض حمولتها .. هي لن تذهب إلى المدرسة اليوم فليست هناك من حاجة كي تحمل كتبها كاملة .. ألقت نظرة على سرير هدير الخالي .. يبدو بأنها قد ذهبت باكراً اليوم إلى العمل .. هذا أفضل .. سيعفيها هذا من تفحص شقيقتها المربك لها .. حملت حقيبتها وتوجهت إلى غرفة والدتها التي ما تزال غارقة في السبات، ما زال الوقت مبكراً على موعد استيقاظها كي تُعِدُّ ترف للذهاب إلى المدرسة .. اقتربت بخفة من السرير المزدوج والذي حمل باقي أفراد عائلتهما الصغيرة .. أصغت إلى أنفاس والدتها .. اطمئن قلبها .. لم تعرف من أين اكتسبت هذه العادة لكنها لا تذكر يوماً مر دون أن تفعل هذا .. التفت مستديرة تريد الخروج .. ستلقاه قريباً .. ذكره أثقل قدميها .. بخطوات بطيئة متماهلة عادت إلى حيث كانت جلست على الكرسي القديم الذي بفضل ترف وحاتم لم يكن ليستقر بمكان واحد .. والتعثر الدائم به خير شاهد على ذلك .. راقبت الأجساد الساكنة .. لتستقر نظراتها أخيراً عند جسد والدتها المنهك .. أرخت بصرها إلى الأرض .. هي خجلة جداً من عصيانها لأوامرها .. لكنها لم تعد تملك القدرة على ادعاء الرضا .. هي ليست راضية عن حياتها؛ لم تكن يوماً .. ناصر .. فيه شيء يشجعها على الاقتراب منه دون أن تفكر بمدى صواب الاقتراب منه أو حتى الابتعاد .. قلبها يقول لها بأن نجاتها ستكون على يده .. رغم شعورها لرفضه الصامت لها لكنها لن تصغي إليه .. لن تصغي لا لرفضه ولا حتى لتحذيراته .. لن ترتعب لقربه .. عليها أن لا تفعل .. مدت يدها التي تداري ارتجافها إلى أعلى ذراعها اليسرى تمسد أثراً خففت السنوات الست من بروزه على بشرتها لكن روحها ما تزال تحمل الأثر !!
***
قاد السيارة مبتعدا عن البيت .. لقد خرج متجنباً لقاء والديه .. رغم إحساسه بالذنب لترك كل شيء خلفه لكنه لم يجد في داخله سوى الرغبة بالفرار .. ولو مؤقتاً من التزاماته .. يحتاج إلى أن يقتنص لنفسه فسحة من الزمن يتنفس من خلالها .. مجرد سويعات قلائل يقضيها معها .. وبعدها سيعود إلى ما تركه خلفه .. مسافة قطعها بسرعة حتى وصل إلى حدود الحي الذي تسكنه رغم أنه اتفق معها على أن يأخذها في الشارع المؤدي إلى المدرسة .. لكنه لا يجد سبباً يجعله يؤخر لقاؤها إن كان هنا أو هناك .. تفحص بنظراته الحي الفقير .. الشارع المؤدي إلى بيتها المنعزل بغرابة عن بقية البيوت المتلاصقة ببعضها و الذي مر في وقت سابق من يوم أمس من أمامه دون أن تعلم هي .. كان يحتاج بشدة إلى التعرف على البيت الذي يضم بين جدرانه مؤرقته .. لم تعرف هذه الصغيرة التأثير الذي أحدثته بحياته؛ لقد جعلته يشعر بأنه قد فوت الكثير على نفسه .. وليس هذا فقط بل ورغبة عارمة تنتابه للسعي لتعويض ما فاته
***
أغلق الباب من خلفه وتحرك معها هابطاً درجات السلالم .. حاول أكثر من مره أن يجذبها إليه بمزاحه .. يحاول أن يعيد لها مزاجها المتوافق معه دون جدوى .. كانت شاردة الذهن غير مرتاحة وهذا يزعجه لا يريد منها أن تفكر، يريدها أن تكون معه كما عرفها طوال عمره طيعة ناعمة تسعى لإرضائه .. كان يستمتع بهذا الجانب من شخصيتها والذي لم يعرفه سواه !! فهدير مع المحيطين بها إنسانة أخرى قوية صلبة يخشى مواجهتها أما معه .. فهدير أخرى ..
ابتسامة مريرة ارتسمت على شفتيها وهي تفكر بالحال الذي وصلت إليه .. إن نفورها من نفسها يكاد يزهق أنفاسها .. لقد شعرت بأنها قد استُهلِكَت بالكامل .. أهلكتها عاطفتها تجاه علاء الذي تشعر بنظراته تتابع تحركاتها .. لم تعد قادرة على مجاراته في التزام جانب الخفاء بعد الآن سنة ونصف وهي على هذا الحال .. سنة ونصف منذ أن تعمقت علاقتها به واتخذت طريق اللا عودة ..
سار كلاهما إلى مرآب العمارة كي يصلوا إلى سيارة علاء تتبعهم نظرات حارس العمارة المتأملة ..
***
ركن سيارته جانب الرصيف في الشارع الرئيس .. قرب (كورنيش الأعظمية) المكان الذي قرر أن يأخذها إليه .. راقب ملامح وجهها وقد علتها الابتسامة وهي تنظر إلى الكورنيش -مكانه المفضل- وقد أخبرته عندما أعلمها إلى أين ينوي أخذها بأنها أبداً لم تذهب إليه سابقاً .. التفت إليه قائلة
- مكان جميل
ابتسم لها وهو يرد
- لم تري شيئاً .. تعالي
لم يحاول أن يمسك يدها بل تجنبها وسار بجانبها وهو يحتفظ بمسافة لا يريد إلغائها، يلاحظ عفويتها في اتباع خطواته دون أن تسأله إلى أيّ بقعة من الكورنيش سيتوجهان إليها رغم توغلهما داخله والسكون الذي يحيط بأرجائه والجدير بإثارة حفيظة أي فتاة، لكن .. هي .. لم يبدو عليها أي علامات قلق .. وهذا ما يقلقه هو .. ستذهب هذه الصغيرة بالبقية من تعقله بتصرفاتها .. لا بأس لا بد أن يصل إلى حل ما مع نفسه أولاً ومعها ثانياً ..
- وصلنا
جلس ناصر على العشب الأخضر غير مبالٍ برطوبته مسنداً ظهره إلى جذع شجرة الكالبيتوس الضخمة ليحتضن دجلة -الذي واجهه- نظراته الحائرة بين تموجات مياهه المتحركة بانسيابة عذبة .. اتجهت نظراته نحوها .. كانت ما تزال واقفة تتطلع بما حولها بانبهار أسعده والنسمات الشتويه تداعب خصلات شعرها الحالكة السواد برقة .. ليعترف بصمت .. بأن لوحة الجمال قد اكتملت بوجودها
- تعالي .. أشار إليها إلى المسبطة القريبة منه .. اجلسي هناك
تحركت نحوه لتجلس على العشب قربه وهي تقول ببراءة أثارت عصبيته
- لماذا ليس هنا ؟
تباً .. تمتم بصمت .. ثم قال وهو يحمل صوته هدوءاً كاذباً
- لأن العشب رطب .. ربما تمرضين .. انهضي واجلسي هناك
- وأنت ألن تمرض! سأجلس على العشب .. دارت بعينيها في أرجاء المكان وهي تقول دون أن تلتفت إليه .. المنظر يكون أجمل من هنا ..
تنفس بضيق مقراً وهو يتمعن النظر إليها قائلاً بصوت خافت
- أجمل بالتأكيد
- هــ ..
التفت إليه تريد أن تسأله .. لتتوقف الكلمات رافضة الخروج من فمها عند رؤيتها لعينيه اللامعتين وهما تتأملانها وقد لاح فيهما اهتمام أربكها .. جالت نظراتها بتوتر على المكان من حولها وقد شح الأوكسجين فيه فجأة .. رفضت النظر إليه رغم إحساسها بدنوه منها .. كأنها بعدم النظر إليه ستلغي حقيقية كون أنفاسه من تداعب بشرة وجهها .. أحست بالحرارة تصعد لتغزو كامل جسدها .. هواء؛ تحتاج إلى الهواء .. جاءها صوته هامساً
- سديم ؟
تجاهلت ندائه الذي ألح به عليها
- سديم .. انظري نحوي يا صغيرة ..
تريد .. تريد النظر إليه .. لكنها لا تريد أن تصدم فترى بعينيه ما رأته ظهيرة أمس .. لا تريد منه أن يتغير .
- وعدتك بأن لا أؤذيك .. لن أنكث وعدي لك.
ارتخت أعصابها أخيراً بعد أن سمعت كلماته وقد حل الأمان بنفسها عوضاً عن ذلك الإحساس المرعب من أنه قد يعاود الاقتراب منها كما فعل نهار أمس .. والذي كان سيخلف بعده خيبة أمل لن تظن بأنها قادرة على تحملها
التفت إليه أخيراً طالعتها عيناها يسكنهما الاهتمام .. ابتسم بهدوء وهو يقول مستفسراً وقد رفع أحد حاجبيه
- خفتِ مني؟
هربت نظراتها بعيداً عنه ولم تحري جواباً والقلق وأحاسيس أخرى تتلاعب بها لا تعرف ما تسميتها لكنها تلح عليها بالانتباه لها وهو لا يساعدها أبداً بل يضاعف إرباكها
- لماذا لم تهربي إذاً ؟
عادت ببصرها إليه بسرعة وقد فوجئت بكلماته ليكررها بعزم
- لقد خفتِ مني ولا ألومك لخوفك أجده طبيعياً أكثر .. لكني أريد أعرف لمَ لمْ تهربي
- لأني لا أريد الهرب
- لهذه الدرجة أنتٍ تثقين بي!
- لم أفكر بمدى ثقتي بك .. أفكر فقط بمقدار حاجتي إليك
أعاد كلماتها بسؤال هامس وهو يفكر مستغرباً .. لماذا حاجتها إليه تسعده ولا تثقل عليه لمَ يحسها منحة وليس عبئاً آخراً يضاف إليه
- بحاجة إلي؟
فكرت بصمت ونظراتها التي لم تدرك فعلها بنفسه تتجول على ملامح وجهه الوسيمة دون خجل .. أكثر مما تتصور؛ أنت تشكل اختلافاً رائعاً لم أعرفه يوماً .. لن أفرط بمعرفتك .. ربما .. ستؤذيني قليلاً لا أعرف ربما ستفعل لكني سأتحمل المخاطرة .. في جانبي لا يوجد سوى الظلام يحيط بي يحاول أن يجعلني أتلاشى بداخله .. أنت؛ أرى نور من حولك يلوح لي بالخلاص من عتمتي .. أحاول أن أمد يدي ولو بطيش كما تصفني حتى أصل إليك؛ إلى النور .. أنا أستحق حياة أفضل لن أتوقف عن السعي للحصول عليها بحلم أو بواقع !!



كمل الفصل الحادي عشر.. ان شاء الله يعجبكم


حنان غير متواجد حالياً  
التوقيع








حب حب

رد مع اقتباس