عرض مشاركة واحدة
قديم 10-05-12, 11:12 AM   #2554

كاردينيا الغوازي

مراقبة عامة ومشرفة وكاتبة وقاصة وقائدة فريق التصميم في قسم قصص من وحي الأعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية كاردينيا الغوازي

? العضوٌ??? » 126591
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 40,361
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » كاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
من خلف سور الظلمة الاسود وقساوته الشائكة اعبر لخضرة الامل واحلق في سماء الرحمة كاردينيا الغوازي
افتراضي

الفصل العاشر
بعد أشهر.. المستشفى
" الولادة متعسرة "
تصريح الطبيبة خارج صالة الولادة جعل سليمان يصرخ والهلع يفقده القدرة على التفكير المنطقي " لماذا متعسّرة؟! ابنة عمها انجبت منذ ساعات وكانت ولادتها عادية!" تتفهم الطبيبة حالته لتخبره بصبر " زوجتك حالتها مختلفة عن ابنة عمها، جسدها صغير والطفل كبير نسبياً، عدا كون هذا طفلها الأول بالطبع، معي طبيبة أخرى أكثر خبرة مني بالولادات المتعسرة من هذا النوع، وبارعة في اجراء العمليات القيصرية إن احتجنا لذلك "
صرخات ياسمين تصل مسامع سليمان واضحة عبر بوابة صالة الولادة فيجنُّ جنونه ولم يعد يستطيع الاحتمال ليعاود الصراخ " وماذا تنتظرون؟! اجروا لها العملية الآن وخلصوها من هذا العذاب "
التفت سليمان على صوت الخالة ندى وهي تبكي برعب بينما تحاول الخالة اخلاص تهدئتها رغم أنها تبكي معها، أصابته الهستيرية وهو يعود بعينيه للطبيبة ليقول دون شعوره " أخرجوا الطفل من رحمها بأي وسيلة، لا اريده.. اريد زوجتي فقط " فترد الطبيبة بإرهاق " أنا أحاول أن أشرح لك " فأوشك أن ينفجر فيها سليمان عندما شعر بيد مرتجفة تربت على كتفه، ثم صوت عمه محمد يحاول تهدئته رغم انه بدى بحاجة لمن يهدئه " سليمان بالله عليك بنيّ دعنا نفهم ما تريده الطبيبة "
عندها شرحت الطبيبة " من فضلكم كل ما اريده هو موافقة من زوجها لاجراء عملية قيصرية، الطبيبة ستحاول محاولة اخيرة وإذا لم تنفع سنجري العملية مباشرة " عاد سليمان ليصرخ " موافق، موافق، موافق، هل هذا يكفي؟ " وقبل ان ترد الطبيبة بشيء علا صوت بكاء طفل مبتلعاً صوت صرخات ياسمين لتختفي تماماً.
قلب سليمان يرتطم بأضلاع صدره في نبض مدوٍ، شعر بجسده يتصبّب عرقاً بينما عيناه لا تفارقان بوابة صالة الولادة، جاءته اصوات بعيدة ميّزها لحاتم وحامد وعماد وهم يسألون عن الاخبار، لكن اصواتهم بدت كحلم بعيد، كدنيا اخرى هو منفصل عنها، لم يستطع ان يحيد بنظراته بعيدا عن تلك البوابة وهو ينتظر من يفتحها.
يتشبث بوجه ياسمين مبتسماً في خياله، جدائل شعرها تداعب وجهه وهو يرفعها عالياً من خصرها وضحكاتها تملأ دنياه بالسعادة، لم يدرك انه كان يردد " يا رب.. يا رب " حتى انفتحت تلك البوابة البيضاء أخيراً واطلّت منه ممرضة مبتسمة بدى عليها الارهاق وهي تحمل لفافة بيضاء، تقدّمت منه وقد أدركت انه الوالد لتقول بنفس الابتسامة " مبروك، لديك فتاة من أجمل ما رأيت عيناي من الاطفال " بعينين متوسلتين سأل سليمان بضعف " ماذا.. ماذا عن.. عن ياسمين؟ " اتسعت ابتسامتها وهي تقول " لا تخف هكذا.. إنها بخير، ترتاح قليلاً قبل ان ننقلها إلى غرفتها " وقبل ان تتم كلماتها ودون ان ينظر لمولودته في حضن الممرضة؛ كان يقتحم صالة الولادة وسط الاعتراضات ليقوده حدسه الى مكان ياسمين.
وجدها.. كانت بمفردها على سرير أبيض، بخطوات مرتجفة تقدّم نحو جسدها الضعيف المستكين، شعرها الذهبي تشعّث، وجهها الجميل باهت ممزق بآثار صرخات الألم الذي كابدته لساعات، دموعها الغزيرة اختلطت بالعرق، ابتلع ريقه وهمس باسمها وانتظر حتى تفتح عينيها المغمضتين، ولم تخذله حبيبته التي ابتسمت له بضعف شديد ما ان فتحت عينيها لتراه، أدرك انها مُنهكة لتتكلم، ودون إبطاء.. تحرك نحوها وأغرق وجهها بالقبلات والدموع، دموع أفلتت منه لتنسكب بغزارة وهو يحمد الله من أعماق روحه ووجدانه.
***
لأيام متتالية كان سليمان مثار ضحك ابناء عمومته وهم يتندرون باختفائه في غرفة الولادة تاركاً ابنته الوليدة بين ذراعي الممرضة المذهولة.
اما ايمان فقد تألقت بسعادة وهي لا تكفُّ عن النظر لولدها الوسيم الذي اختار له والده اسم عبد الله؛ على اسم الجد، مما زاد من فخر إيمان وإحساسها بالتميز!
البيت الكبير ضجّ بالفرح في اسبوع الاحتفال بالوليدين كما جرت العادة، ذُبحت الذبائح وأُقيمت مأدبة للرجال في الحديقة وأخرى للنساء داخل البيت حيث علا صوت غناء (المُلّاية) على قرع الدفوف بالمدائح والصلاة على الحبيب المصطفى وآل بيته.
كانت من الأيام السعيدة والاحتفالات البهيجة التي ملأت الوجوه في البيت الكبير بالبِشر والرضا.
الجد عبد الله الشرقي يراقبهم وهو يشعر بدنو أجله! لكنه راضٍ عن حياته ويحمد الله على كل هذه النعم، فلم يعد يطمع بالمزيد، قد يموت اليوم أو بعد شهر ثم يُوارى الثرى، لكن شجرته ستظل تطرح أوراقها وثمارها فيستمر ذكره من بعده إلى ما شاء الله.
***
بعد يومين، بيت محمد الشرقي
تنهدت جنى بأسى وهي تقول لهالة التي تجلس جوارها في غرفة المعيشة " انا افتقد الصغيرة نورهان، منذ أن عادت ياسمين الى بيتها وأنا اشعر بفراغ كبير " ردت هالة بتفهم " اعرف شعورك بالضبط، حصل لي المثل عندما انجبت اختي الكبرى طفلتها الاولى وظلت لأسبوعين عندنا في البيت قبل ان تعود لبيت زوجها، رغم ان ابنتها كانت كثيرة البكاء خاصة في الليل إلّا إني افتقدتها جداً " قالت جنى بحنان " نورهان لا تبكي كثيرا وإذا بكت فصوتها ناعم وكأنه مواء هريرة صغيرة " ثم ضحكت فجأة لتضيف " إنها تشبه كلا والديها بشكل مضحك! اقصد لا اعرف كيف يمكن ان تشبه ياسمين وبنفس المقدار تشبه سليمان أيضاً! " علقت هالة " إلا يُقال أن هذا يعني أن كلاهما يحب الآخر بنفس المقدار؟ " غمزت جنى لتشاكس هالة بالقول " أجل، ولأن مُعجبك الولهان ليس وسيماً كفاية، لذلك عليك ان تدعيه يحبك جداً كي تنجبي منه أطفالاً شبيهين بكِ أكثر " ضربتها هالة على كتفها ووجهها يحمر بشدة ثم قالت بحنق " لا تكوني مزعجة جنى! ثم انت تعرفين انه اختفى منذ أشهر " اخذت جنى تحرك حاجبيها بطريقة مغيظة وهي تقول " ربما هو يختبر شوقكِ إليه " احمرت هالة أكثر وهي تقول بتأنيب " توقفي جنى، تعرفين لا أحب التكلم عنه "
صوت نقر خفيف على باب غرفة الجلوس تبعته نحنحة رجولية نبّهت الفتاتين، لاحظت هالة مباشرة أنّ جنى عبست وتوترت، وقبل ان تلتفت أدركت أنه لا بد ان يكون عماد!
قال عماد ببعض التردد " مساء الخير " ردت هالة وحدها " مساء الخير " بينما تجاهلته جنى تماما، ثم قال وهو ينظر نحو جنى فقط " عفواً آنسة هالة، لكن سيارة والدك في الخارج " نظرت هالة إلى ساعة يدها وأدركت انها التاسعة مساءً فعلقت بعجب كأنها تكلّم نفسها " هذا موعد حضور، لم اشعر بالوقت! " ثم وقفت على قدميها لتتبعها جنى التي ما تزال تتجاهل عماد.
شكرته هالة قبل أن يستدير عماد مُغادراً غرفة الجلوس تاركاً الفتاتين لوحدهما، همست هالة في أذن جنى وهي تقبّلها على خديها مودعة " لا تكوني قاسية هكذا " عبست جنى وهي تبعد رأسها لتنظر الى هالة بحنق وهي تقول " انا قاسية؟! انا يا هالة؟! أليس هو من يتصرف برعونة وانانية؟! اليس هو من اتفق من وراء ظهر الجميع مع والده كي تتم خطبتنا رغماً عني بعد ان انهي الثانوية العامة؟ بسببه ثار جدل كبير الليلة الماضية بين ابي وعمي مجيد عندما أخبره عمي صراحة انه يتوقع عقد القران والعرس في ليلة واحدة بعد شهر واحد من انتهاء الدراسة! يتجاهلون حقي ويتصرفون وكأني موافقة وهم يتفقون على الشكليات، كل هذا بسببه هو، هو من طلب من عمي وعدا بأنه سيزوجني له " تنهدت هالة في ضيق لأجل صديقتها ثم قالت " حسنا لا تبتئسي، عم محمد يجيد التصرف وسينهي المسألة " قالت جنى ببعض الشك والقلق " يجيد التصرف نعم، لكن.. هل هو مقتنع أني لن اتزوج بعماد؟! هذا ما يقلقني " لحظة تردد بعدها قالت هالة " جنى، هل انت ترفضين عماد لإنك ما زلت تفكرين بفؤاد؟" ابتسامة هادئة مرّت على شفتي جنى لتقول بنفس الهدوء والسكينة " فؤاد صفحة وانطوت من حياتي يا هالة، تألمت لفترة لا أنكر؛ ولكنه أصبح مجرد ذكرى بعيدة، رفضي لعماد لا علاقة له بفؤاد على الاطلاق "
صوت منبه السيارة جعل هالة تقطع محاورتها مع جنى وقالت باعتذار " عليّ ان اخرج الان فأبي ينتظر، سنتحدث على الهاتف لاحقاً " هزّت جنى رأسها دون ان تقول المزيد.
بعد رحيل هالة مباشرة تعمّد محمد ان يفسح المجال لابن أخيه عماد كي يكلّم جنى على انفراد بينما يقف هو عند عتبة باب غرفة الجلوس يستمع إليهما.
قال عماد " اسمعيني جنى، انا لا احاول فرض الامور عليك كما تعتقدين، انا.. انا.." قاطعته لتقول بحدة " بل إنك تفعل! تعرف جيداً إنك تفعل، ومنذ سنوات وليس الآن فحسب، تريد فرض الزواج علي بالإكراه، تعاملني بفظاظة، تحاول حتى اهانتي وأنت تظن أنك هكذا ستكسر إرادتي كي أرضخ " ارتبك عماد بينما يحاول تبرير موقفه بالتحايل قائلاً " انت دوما تفسرين تصرفاتي بمنحى خاطئ، انا لا اقصد ان اكون فظّاً معك، دوماً كنتُ وما أزال احاول التقرب منك، احاول جعلك سعيدة بفكرة الارتباط بي، لكنك ترفضينني دون سبب حقيقي " أخذ يمرّر يده في شعره في عجز ويأس بينما ترد جنى تحاججه وتذكره بانفعال " انت لم تحاول التقرب يوماً بما يرضيني، بل بما يرضيك أنت فقط، وآخرها ما يحصل الآن؛ تتفق مع عمي مجيد على الزواج مني دون موافقتي، تتصرف معي وكأني منحة! منحة تطلبها من والدك وهو يعطيها لك برحابة صدر! ولكني أقولها لك صريحة؛ لا يا عماد، لا وألف لا، لن اتزوجك ابدا ومهما كان الثمن "
مع آخر كلمات قالتها كان صدرها يعلو ويهبط من شدة الانفعال، ولم يكن عماد بحال أفضل منها! بل كان أسوأ بكثير وقد ضغطت جنى على موضع الجرح القديم؛ أنها لا تحبه ولا تريده زوجاً.
عاجز عن تقبّل الواقع، عاجز عن حلّه بأسلوب آخر غير الأسلوب الوحيد الذي يعرفه ويؤمن به في داخله؛ أن يتزوجها بالغصب!
اقترب منها عماد وهياجه بلغ الذروة ليقولها وهي تشع من عينيه " بل ستكونين يا ابنة عمي، ستكونين زوجتي رغماً عنك، قلتها لك سابقاً ومراراً وأعيدها اليوم، وسترين كيف رغبتي هذه ستتحقق قريباً، سواء أ رضيتِ أم استمريتِ بالرفض " صوت عمه محمد أسكن هياجه وجعله يتقهقر، قال محمد بحزم " ارحل الان يا عماد "
مرّت لحظات قبل أن يستجيب عماد متمتماً بـ(حاضر عمي) ثم خطا نحو الباب ليوقف عمه خطواته وهو يقول له بهدوء ظاهري بارد " كلمة وثبّتها في رأسك يا ابن أخي، ما دمت أشمُّ الهواء فلن تتزوج جنى بغير رضاها، والكلام الذي قلتَه لها للتو سأتغاضى عنه وكأني لم أسمعه، لكني أتغاضى مرة واحدة يا عماد؛ فإن تبعتها ثانية سأحرّم عليك دخول بيتي حتى الممات "
تتجمع الدموع في عيني جنى بينما يحاول عماد الاعتذار بالقول " سامحني عماه، فقدتُ أعصابي ولم أُحسن الكلام والتعبير، لكني.. لن أكرّرها "
ينظر محمد في عيني ابن أخيه فيرى فيهما توسل الصفح ووجع القلب، كم يشفق عليه! لقد حاول كثيراً أن يصلح طباعه ويقوّم أفكاره، حاول ان ينصحه كيف يعامل جنى ليكسب قلبها او على الاقل يجعلها تتقبّله، لكن لا فائدة، سيظل عماد كما هو، ولن يغيّر الاعتقاد الراسخ في رأسه أن جنى حقّه ما دامت ابنة عمه، هذا هو ما يبعدها عنه ولا يفهمه عماد ولا يستوعبه، رغم صدق مشاعره نحوها لكنه لا يمنحها شعور الاحترام والكرامة، وشخصية كجنى لن ترضخ ابداً للاستهانة بها وكسر عنفوانها.
خرج عماد منكس الرأس بينما هرولت جنى نحو والدها لتلجأ لأحضانه باكية، امها ندى كانت في المطبخ تحرك يدها بطريقة آلية وهي تغسل الصحون بينما هطلت بضع دمعات على خديها وقلبها يعتصره الخوف على ابنتها من مصير قاتم ينتظرها!
***
بعد شهرين، وفاة الجد!
في صبيحة أحد الايام مات الجد عبد الله في فراشه بهدوء، غرق البيت الكبير في الحزن وقد مات راعي البيت وعماده الاساسي، مات من زرع شجرة وسقاها بروحه وراقب فروعها وثمارها بحب إزلي.
مرت الايام بعده ثقيلة على الجميع، كانت صدمة لهم رغم وضوح قرب أجله، لكن الصدمة كانت في افتقادهم الشديد لوجوده، للإحساس بدفئه وقوته، للشعور بالاطمئنان لدعمه غير المشروط وغير المحدود.
يجلس حامد على كرسي من الخيزران في الحديقة الخلفية، يحدق في شجرة السدر الضخمة التي زرعها جده بيديه، داخله كان يشعر بالوحشة والبرودة، حتى دموعه أبت وعاندت أن تتحرر وتريحه، لم يشعر يوما انه مقرّب بشكل خاص من الجد عبد الله، لكن حامد كان يشعر دوماً أن الجد سيكون موجوداً، قد تكون فكرة غريبة وسخيفة، بل وجنونية، لكن هذا كان شعوره، ان جده عبد الله لن يموت ابداً.
أكثر ما صدمه بعد صدمة موت جده هو انهيار والده في البكاء! كان يتوقع هذا من عمه حميد لكن من والده فقد كان هذا صادماً له! ابدا لم يتوقعه ولو بعد مئة عام، بينما عمه حميد كان أكثرهم تماسكا! وتراوحت ردة فعل عمه محمد ما بين البكاء في الخفاء وبين التزام الصمت الذاهل، مواجهة موت من نحب تبعث حقاً على الذهول!
" حامد "
همستها الناعمة جعلت جلده يقشعر، سمية.. ابنة عمه التي خلبت لبّه، امضت العام المنصرم وهي تلاعب عواطفه لتلهبها بسهولة ما ان تبتسم له او تتكرّم عليه بكلمة حلوة صغيرة، لكن ان يسمعها تهمس اسمه بهذه النعومة وان تهمسه الان بالذات وهو في قمة احتياجه للدفء كان فوق مقدرته ليتعامل معه بحكمة، هبّ واقفا على قدميه ودون ان ينظر إليها تحرك ليبتعد وهو يقول " انا بخير سمية " لكنها لحقت به وفاجأته بأن امسكت ذراعه وقالت بعاطفة صادقة " انا اشعر بك يا حامد، اعلم بافتقادك الشديد لجدي، لاني اشعر المثل "
بغباء شديد خالف حامد قراره ورفع عينيه لينظر إليها، ابعدت يدها عن ذراعه لكن عينيها لم تفارقا عينيه، تلك العينان الجريئتان اللتان عذبتاه ببخلهما لأشهر كانتا الان تسبحان بالعاطفة، عاطفة له.. اجل له.
شتم وهو يطرق براسه بعنف ثم اخذ يرفس بضع نباتات صغيرة بحذائه، عادت لتعذبه بهمسها وهي تقول " لا تغضب هكذا، جدي كان يقول دائما الموت حق وليس علينا الغضب منه، بل تقبّله "
شهقت سمية عندما شعرت بأنامله تلتف حول اعلى ذراعها ليسحبها معه نحو مكان قصيّ من الحديقة حيث لا يمكن ان يراهما أحد، بعقل مشوش وجدت نفسها تستند لجذع شجرة ضخمة وحامد يحاوطها بذراعيه وأنفاسه الحارة المتلاحقة، لم يكن يلمسها، لكنها شعرت وكأنه يقتحمها! رفعت عينيها الى عينيه فارتعشت من العاصفة الذهبية المندلعة في عمقهما، قال بصوت اجش " انا احبك يا ابنة عمي، احبك واريدك، قولي إنك تحبينني ايضا، قولي إنك قضيت العام الفائت لتزيدي بدلالك علي من لهيب حبي نحوك " كانت عيناها تزدادان اتساعا مع كلمة يقولها بحرقة وهي عاجزة عن النطق، لتراه يرفع احدى يديه إلى راسه ويشير بسبابته نحو صدغه بحركات دائرية هامساً بشغف " كنت تتلاعبين برأسي مع كل نظرة قاتلة ومع كل ابتسامة فاتنة ومع كل حركة دلال تفتعلينها بشعرك، كل هذا فعلتِه لإنك تريدينني لكِ أليس كذلك؟! "
لم يشعر حامد بمدى ارتباك سمية وعجزها عن التعامل مع طوفان مشاعره الصريح المباغت هذا، كانت المرة الأولى التي يواجهها فيها بهذا الشكل ليكشف اوراق اللعبة، لعبة الحب والعشق بينهما.
صمتها كانت تعذيباً ظنّه متعمدا منها، قال بخفوت " ارحميني سمية، قولي ان قلبي لم يخطئ، أن قلبك يريدني أيضاً " كان احمرارها يتضاعف وبراءة سنها الصغير تطغي على مكرها الانثوي المبكر، شعرت بأنفاسه تقترب من وجنتها وهو يهمس بتضرع " قولي نعم سمية، إذا كنتِ ستبخلين عليّ الان بكلمة حب صريحة فلا تبخلي عليّ بكلمة نعم "
عندها.. اسبلت سمية اهدابها تواجه عاطفتها القوية نحوه وقد أفلتت اللحظة من الحصار الذي فرضته على قلبها، صدرها يرتفع وينخفض بقوة بينما تحاول الرد عليه.
الغبي! انه لا يعرف! لا يعرف عن يقين كم تحبه، ولا يعرف أنها تموت غيرة من كل كلمة او نظرة يرميها نحو احدى الفتيات حتى ولو كان مزاحاً بريئاً.
تماسكت سمية لتستعيد بعض ثباتها وتركيزها، أدركت بفطنتها السخيّة التي حباها الله بها ان علاقتها بحامد الآن ستأخذ وضعاً جديداً، ستقدم على الخطوة التي تعتقد أنها باتت حتمية لتربط حامد بها كما تحب وتتمنى، منذ وعت وعيناها عليه، وقد فعلت كل ما تستطيع ليراها ويكون لها، وها قد نجحت، ويا لهف قلبها لو يعلم كم تعشقه.
رفعت عينين واسعتين براقتين بالأنوثة ومنحته أجمل ابتساماتها وهي تقول بهمس مؤثر " نعم "
أوشكت ان تضحك وهي ترى تعابير وجه حامد الذاهلة وكأنه لا يصدق ما سمعه! ثم بهتت ضحكتها واتسعت عيناها بارتباك وهي ترى ذاك الذهول يتلاشى ويحلّ محله شعور رجل عاشق مجنون متهور حصل للتو على قلب معشوقته، ودون مقدمات كانت يقترب بشفتيه منها وهو يهمس باسمها " سمية " ولكنها خذلته لتنحني بجسدها وتهرب من تحت ذراعه المحاصرة لها، تهرول بعيداً عائدة إلى داخل البيت تاركة حامد خلفها يضرب برأسه على جذع الشجرة!
***


يتبع.......



التعديل الأخير تم بواسطة كاردينيا الغوازي ; 21-08-22 الساعة 03:24 PM
كاردينيا الغوازي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس