عرض مشاركة واحدة
قديم 19-05-12, 11:47 AM   #2925

كاردينيا الغوازي

مراقبة عامة ومشرفة وكاتبة وقاصة وقائدة فريق التصميم في قسم قصص من وحي الأعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية كاردينيا الغوازي

? العضوٌ??? » 126591
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 40,361
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » كاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
من خلف سور الظلمة الاسود وقساوته الشائكة اعبر لخضرة الامل واحلق في سماء الرحمة كاردينيا الغوازي
افتراضي

الفصل الحادي عشر
ضرب مجيد بقيضته فوق ركبته قائلاً بحدة " هل تقصد أنّ جنى ترفض إتمام زواجها من عماد؟ هل تقصد أنك ستسمح لها بأن تكسر كلمتي أنا؟! أنا عمها ورأس العائلة من بعد وفاة ابي رحمه الله؟! " رد محمد بنبرة هادئة وكلمات مخففة كي يحتوي غضب أخيه " هي ترفض فكرة الزواج ذاتها، تريد اكمال دراستها أولاً، لذلك انا اقول ان نترك الامر لعامين حتى تتخرج من المعهد " هبّ مجيد على قدميه وقال " هذا لن يكون! جنى ستتزوج عماد خلال شهر كما قلتُ سابقاً، لقد أجلّنا لعام كامل وهذا يكفي " تمالك محمد أعصابه لكنه بدأ يشعر بالضيق من ضغط مجيد عليه، قال وهو يحاول التشبث بالتعقل " وكيف سنجعلها تتزوج عماد خلال شهر؟! اقول لك إنها ترفض، وقد حاولت معها كثيراً وهي لا تريده ولا تريد الزواج الان كليّاً " تقبّضت يدا مجيد وهو يرد بعنف " اذن تسحبها من شعرها يوم عقد القران ما دامت الكلمات لا تجدي نفعاً " انفجر محمد وهو يهب على قدميه ليقف بمواجهة أخيه قائلاً بغضب ساحق " انا لا أسحب بناتي من شعورهن كي يتزوجن، هذا سيكون زواج غصب؛ وهو زواج باطل، هل تفهم يا مجيد ما معنى أن يكون الزواج باطلاً؟ يعني عيشها مع ابنك سيكون حرام!" كزّ مجيد على أسنانه وهو يقول بشراسة " انت تبالغ كعادتك، ايّ حرام هذا؟! انها ابنة عمه، يعني هي من حقه في عُرف عائلتنا وأصولنا العشائرية التي تفرعنا منها وربانا عليها أبونا الحاج عبد الله، اعراف العاصمة لن تغير من أعرافنا " رد محمد وغضبه يتصاعد " اي عاصمة وأية أعراف تتحدث عنها؟! جنى ليست جماد ننقل ملكيته من يد ليد، إنها بشر من لحم ودم، تشعر وتتألم وتحب وترفض، وقد كفل الله لها حقوقاً نراعيها، فلا عٌرف مهما كان يحلّل حراماً، والشرع يقول تَجِب موافقة الفتاة وإلّا فالزواج يفقد أهم أساس يقوم عليه؛ هو القبول، واذهب واسأل اي رجل دين وسيجيبك بهذا وسيقول لك صراحة زواجهما سيكون باطلا بدون رضاها، أ تريدني أن أكون وكيلها وأزوجها وهي تقول لا؟! أ تريدني أن أكذب على من سيعقد قرانها وأشهد زوراً أن ابنتي موافقة؟ لا يا مجيد.. انا لن أقحم نفسي ولا ابنتي ولا العائلة بمثل هذه التهلكة!" اتسعت عينا مجيد في ردة فعل عنيفة وهو يقول " ماذا تقصد بكلامك يا محمد؟ هل تقصد أني آخذ العائلة للتهلكة؟! هل تقصد أني لا اريد صالحها؟ ام تقصد أني حقير وضيع ولا أخاف الله لأتمّم زواجاً باطلاً؟! " تدخل حميد لأول مرة في هذه الجلسة التي ضمّته مع أخويه قائلاً " وحّدا الله، مجيد أرجوك اجلس لنتفاهم، وانت كذلك يا محمد اجلس ولنكن عقلانيين ونضع مصلحة العائلة فوق كل شيء " جلس الاثنان وهما يوحّدان الله وبعد لحظات صمت قال محمد بتروٍ " اسمعني يا اخي، جنى ليست فتاة مستكينة هادئة، وستحدث مصائب إذا ضغطت عليها وأجبرتها على قبول الزواج، انا اريدها ان تتزوج عماد او أياً من اولاد عمومتها لاني اعتز بهم جميعاً واطمئن على ابنتي مع اي واحد منهم، لكن يجب ان يكون برضاها " وشدّد على الكلمة الاخيرة مما جعل مجيد يريد الرد عليه بقوة عندما أوقفه محمد بحركة من يده وأكمل " لحظة مجيد، اسمعني للنهاية، عماد منذ سنوات يضغط على جنى، انا اريده ان يتزوجها لانه شاب طيب رغم عيوبه وطباعه التي يجب أن تتحسن، ولكن المهم عندي أن يتزوجها بالمعروف، كما فعل كامل وسليمان وحاتم، لذلك انا اطلب هاتين السنتين فترة ليبتعد فيها عماد عن ضغطه على جنى، وأكاد أجزم ان جنى إذا أحسّت أنها ليست مجبرة فعلاً على الزواج به سترضى من نفسها " رد مجيد والحدة ما تزال تشوب كلماته " سنتين كثير! كما لا يجوز ان نسمح لفتاة من فتياتنا ان تفرض علينا شروطها " قال محمد بهدوء " انها لا تفرض شيئاً، إنه اقتراحي انا، وصدّقني انا ابحث عن مصلحة الاثنين معاً " تدخّل حميد مرة اخرى ليقول " حسنا لنقل إننا سنترك الامر لعام واحد وسنجعل عماد يبتعد عن جنى ولا يفتح معها موضوع الزواج مرة اخرى لكن.." صمت حميد للحظات ثم أكمل وهو ينظر بتركيز نحو محمد " بعد هذا العام لا اعتقد ان جنى سيكون لها حجة " أطرق محمد برأسه قليلاً ثم قال مراوغاً " بعد عام يحلُّها المولى ان شاء الله " ثم أنهى النقاش ووقف على قدميه يلقي السلام قبل أن يغادر.
***
مر عام جديد..
دخلت جنى للبيت وهي ترمي حقيبتها وبعض المحاضرات من يدها على أقرب اريكة، كان الوقت ظهرا والصيف طرق الابواب مبكرا هذا العام، توجّهت نحو المطبخ وهي تنادي امها ممازحة " امي.. امي، اين انت يا ندى؟!" ابتسامتها المشاكسة ارتبكت وهي تنظر لوالديها يجلسان على كرسيين من كراسي المطبخ وقد كانت ملامحهما تُنبئ بحصول امر سيء! نقّلت جنى نظراتها بين والدها بوجهه المكفهر وبين امها بوجهها القلق الشاحب وهي تبادلها نظرات فيها توسل صامت!
لم تفهم ما تعنيه امها بهذا التوسل ولم تعرف ما الذي يجعل والدها بهذه الحالة النادرة! سألت جنى بارتعاش " ماذا حصل؟ هل حدث مكروه لاحد؟!" رفع الاب نظرات حادة لابنته وهو يقول بغضب مكبوت " هل تعرفين بشار عادل؟" في لحظة ارتباكها شعرت أن الاسم مألوف لكن عقلها لم يسعفها لتحدّد، صمتها أثار والدها أكثر فهدر قائلاً " ردي عليّ.. هل تعرفين بشار عادل؟ " نقطة أضاءت في عقلها لتنقذها من جمودها السخيف هذا فردت بتلعثم " نعم تذكرت الآن، إنه.. إنه.. " احتدّ محمد وهو يقف على قدميه ويسأل " إنه ماذا؟!" ابتلعت جنى ريقها وقالت بعينين متسعتين اضطراباً من حالة أبيها " إنه مُعيد لدينا في المعهد، يُلقي علينا بضع محاضرات في الأسبوع " قال محمد من بين أسنانه " هل لديكِ علاقة معينة به؟ هل يتحدّث معك بشكل خاص؟ " هزّت جنى رأسها نفياً وهي ترفع حاجبيها عاليا في دهشة، فتقدّم منها محمد خطوتين ثم قال بلهجة صارمة " إذن أفهميني كيف يأتي إلي اليوم في المعمل طالباً الزواج منك؟" دهشتها تحولت إلى صدمة وهي تردّد بغباء " الاستاذ بشار يريد الزواج مني أنا؟! "
صورة لشاب في نهاية العشرينات مليح الوجه مبتسم على الدوام؛ داعبت مخيلتها، لا تنكر اعجابها به، حالها كحال باقي الطالبات، ولكن الزواج؟! هذا شيء مختلف.
صوت والدها أجفلها ليُخرجها من متاهات عقلها وهو يقول مؤكداً " اجل.. تقدّم رسمياً لخطبتك، ولم اعرف ما اقول له! بدوتُ كأحمق، شعرت بأني آخر من يعلم " تنهد قليلا ثم أضاف ببعض الهدوء " بنيتي سامحيني لغضبي عليك، لكن إنْ وصل الخبر لعمك مجيد ستثور ثائرته، وانا لا اريد ان تتمزق العائلة بالمنازعات، يكفي ما نعاني مع آمال التي تضاعف سوء تعاملها مع ياسمين وأصبحت أكثر شراسة وخبثاً منذ وفاة جدك رحمه الله، سليمان كان عندي البارحة ويقول انه يوشك ان يترك عمله ليلازم ياسمين كي يحميها من والدته التي لا يقدر عليها إلّا الذي خلقها "
استغفر محمد ربه قبل ان يقول وهو ينظر لجنى بحنان " جنى.. لا اريد ان اثير مخاوفك، ولكن انتِ كبرتِ ولم تعودي صغيرة كيلا تدركي الامور، عليك التفكير بنضج وعمق، عليك ان تحاولي النظر لزواجك بموضوعية" ثم مد يده ليلامس خدها قبل ان يتحرك مغادرا المطبخ تاركاً إياها تحدق في الفراغ.
لمسة اخرى على شعرها هذه المرة وكانت من امها التي قالت برقة " فكري مرة اخرى يا ابنتي، نحن لن نغصبك على شيء؛ لكن عليك ان تكوني صريحة مع نفسك لتحددي اسباب رفضك، يجب ان تكوني ناضجة كما قال والدك ولا ترفضي لمجرد الرفض!"
كانت جنى تتخبط بين مشاعرها وبين أفكارها، لأول مرة ترى والدها يشعر بالضغط عليه هكذا، شعرت بالذنب الشديد نحوه وما يتحمله لأجلها.
لقد كانت توهم نفسها خلال هذا العام أنها تحرّرت من ضغط عماد ومن فكرة الزواج بالإجبار من (ابن العم)، سواء عماد أو غيره، لكن ها هو الواقع اليوم عاد ليفرض نفسه!
كلام أبيها وأمها الآن أعادها الى عمق المشكلة التي لم تُحلّ حتى بمرور هذا الوقت، لقد قالتها لها هالة وحذرتها، أن ابتعاد عماد عنها لم يكن حقيقياً، بل كانوا يعطونها مهدئاً كي تسترخي وتتقبّل قدرها في النهاية دون مقاومة! فتُساق عروساً إلى (ابن عمها).
حتى والدها يفكر بنفس الطريقة! مهما تغيرت أفكارها لتقارب فكر أهل العاصمة، إلّا إن أصله يسحبه للعُرف، انه يريدها ان تتقبل عماد كزوج لها، وإن لم يكن عماد فعليها اختيار (ابن عم) آخر.
نظرت جنى لعيني امها القلقتين وسألت بأنفاس ثقيلة " هل تريدين مني الزواج من عماد أيضا؟!" زمّت الام شفتيها لتخنق بكاءها ثم مدت ذراعيها لتحتضن ابنتها بقوة وتهمس في أذنها بأمومة " أريدكِ أن تكوني سعيدة "
***
يدّعي حامد أمام نفسه أنه يمرُّ صدفة، لكن في الحقيقة لم تكن صدفة على الاطلاق، فهو يتعمد الدوران في الشوارع ما بين المدرسة والبيت الكبير حتى يطمئن لوصولها إلى البيت، لم يكن مقبولاً ان يطلب ايصالها بنفسه والحقيقة هو بات لا يضمن نفسه إذا انفرد بها وقد أصبحت مشاعره في قمة الهرم العاطفي المشتعل، حمم بركانية يشعر بها تخرج من اعلى رأسه كلما رآها وهو مندهش أن شعره لم يحترق بعد!
ركن سيارته على جانب الطريق وهو يتوقع ظهورها في اية لحظة، تنهد وهو يفكر كم يحب نظراتها الساخرة المشاكسة نحوه وكأنها تقول له (متْ بغيظك! لن أحن عليك بكلمة)، فمنذ كلمة (نعم) اليتيمة هذه ولم تعطه كلمة اخرى تبرّد ناره.
عضّ حامد على شفته السفلى وهو يطلق تنهيدة جديدة عندما أطلّت معذبته من أول الشارع الفرعي، لحظات وتلاشت حالة التنهيدات والهيام ليحلّ مكانها زمجرة ثور! جحظت عيناه وهو يرى شابا يلاحق سمية بينما سمية تتحاشاه وهي تسرع بخطواتها، كان حامد قد فقد المنطق تماماً فبدلاً من ان ينطلق بسيارته نحوهما؛ ترجّل راكضاً على قدميه!
أخذ يصرخ عاليا بكل ما يعرفه من الشتائم، فأصاب الشاب الهلع وهو ينظر للثور الهائج القادم نحوه، فما كان منه إلا الركض في الاتجاه المعاكس هرباً من ذاك الثور، لكن حامد الهائج لم يتركه؛ وظل يلاحقه والشاب يقفز من سور بيت إلى آخر وحامد يقفز خلفه، حتى استطاع الشاب المفزوع الإفلات وقد اختفى عن ناظري حامد ولم يعرف إلى اي بيت لجأ.
عاد حامد أدراجه وهو ينهت، وجد سمية تقف مكانها عابسة وهي تتخصر! تقدم نحوها وقال من بين أسنانه وهو يمسك بذراعها بقوة " امشي امامي " ردت بتمرد " لن امشِ! هل جننت لتلاحقه بهذه الطريقة؟! أضحكت علينا الناس! " همس من بين أسنانه المطبقة وهو يقرب وجهه من وجهها " تحركي سمية نحو سيارتي وإلا قسماً بالله سأحملك على كتفي كما كنت احمل جنى وهي طفلة مشاكسة "
أدركت سمية ان الغلبة لهذا الدب (الثوري) ولكنها لم تعطه الكلمة الاخيرة فابتعدت عنه ورفعت ذقنها بعنفوان وقالت وهي تحرك شعرها بطريقتها المغرية " لن تفعلها يا ابن العم فإخوتي سيطحنون عظامك " ما ان التفتت سمية وأولته ظهرها حتى اخذ حامد يعضُّ على إصبعه علّ الألم يخفف مما يشعر به اللحظة!
لم يكن الطريق طويلاً، ولكن الصمت جعله الدقائق تمر عليهما بتوتر، ادخل حامد سيارته إلى باحة البيت، وما إن أوقفها حتى ترجلت سمية دون ان توجه له كلمة ولا نظرة حتى.
شعورها بالانتصار لم يدم للحظات ليتلاشى عندما شعرت بحامد يسحبها عنوة، لكنها سرعان ما استغلت الفرصة لصالحها فأخذت تعترض بضعف مدروس وهو يلف بها من خلف البيت نحو الحديقة الكبيرة هناك، لتهتف به وهي تدعي الحنق " الى اين تاخذني يا متوحش؟! " لم يرد عليها؛ فقط ألقى نظرة حارقة أرجفتها قليلاً، أدركت ان حامد غاضب بالفعل ولذلك عليها ان تكون ناعمة معه.
استسلمت لعنف قبضته وهو يأخذها نحو تلك الشجرة التي شهدت اعترافاته النارية لها واعترافها الموارب له، همست في سرها " أخيراً يا متوحش، لقد أوشكت ان انفجر وانت تتجنّب الاقتراب مني! "
عندما حشرها هذه المرة على نفس الشجرة كانت أكثر استعدادا وسيطرة على النفس، يحدق للأسفل بينما تنظر سمية لتعابير وجهه المتشنجة فتدرك أنه يحاول السيطرة على غضبه، تعلم عن يقين ان غضبه ليس بسبب تحرش ذلك الشاب بها، ولكن لانه يكبت مشاعره نحوها، الغبي.. لماذا لا يخطبها رسمياً؟! انها تكاد تبلغ الثامنة عشرة، فماذا ينتظر؟!"
رفع نظراته إليها أخيراً فارتعشت سمية من فرط السعادة، سيفعلها.. سيفعلها اليوم ويطلبها من أبيها، ترى قراره جلياً.
سأل بصوت مبحوح " لماذا تأخرتِ في العودة اليوم؟!" هزّت كتفيها باستخفاف ظاهري، ثم قالت " ذهبت إلى بيت زميلتي حتى آخذ بعض الاوراق المهمة لامتحان الغد " تشنّجت العضلة في خده وعيناه تحدقان بشفتيها وهي تتكلم، رغما عنها احمرت خجلا فحادت بنظراتها جانباً، للحظة انتابها خوف من ان يتهور معها، لا تريده أن يفقد سيطرته قبل أن يكون لها حلالاً أمام الجميع.
ارتعشت وهي تشعر بأنفاسه تقترب من بشرتها فقالت تتحداه دون ان تنظر إليه " ألن تدعني اذهب الان؟ أظنك تعرف جيداً لا يجوز ما تفعله معي الآن يا ابن عمي " همسه العنيف مسّ قلبها وهو يقول " صبري انتهى، اعصابي تحترق منذ سنوات، قلبي يتمرغ في تراب العشق وحيداً بائساً، متى تنهين امتحاناتك الكريهة هذه؟! " ابتلعت ريقها وردت همسا ايضا " بعد اسبوع " زفرة حارة خرجت من صدره وهو يقول بإصرار " إذن بعد اسبوع ستكون خطبتنا، ونعقد القران أيضاً "
نبض قلبها يصل عنان السماء، لكن رغما عنها ارادت، بل تجرأت على مناغشته وهي تقول بأنفاس متقطعة " ومن قال إني موافقة يا ابن عمي؟!" تمتم بزمجرة غضب " كفّي عن قول (ابن عمي)! " فترد بخفوت " وبماذا أناديك إذن؟"
ما تزال تنظر بعيداً عنه عندما تحركت يداه لتحيطا خديها بنعومة، كانت يداه ترتعشان مثل ارتعاشها هي، حرك راسها كي تنظر مباشرة إليه، لكنها اسبلت اهدابها في خفر، همس بتوسل " انظري إلي" لحظات وتشجعت لتواجهه فرفعت عينيها إليه وعندها قال بجدية " إذا لم تقولي لي انك تحبيني الان اقسم بالله اني سألغي كل شيء واهجر هذا البيت الى غير رجعة " رفعت حاجبيها قليلا وهي تدرك انه مجنون ويفعلها! فقالت بعتب خجول " حامد! لا تكن هكذا! "
أصابعه حول وجهها باتت أكثر ثباتاً وثقة فتوقف ارتعاشهما ليقول بشكل قطعي " لقد اقسمت ولن اتراجع، اريد كلمة احبك، واضحة صريحة "
أسبلت اهدابها فأوشك حامد على اليأس عندما تحركت تلكما الشفتان لتنطقا بالكلمة همساً " احبك"
فقد المجنون عقله ليتهور وهو يميل برأسه نحوها وأوشك ان يصل شفتيها عندما تنبهت له سمية لتشهق وهي تدير رأسها جانباً فوقعت قبلته على خدها، وقبل ان يستوعب كانت الشقية قد أفلتت منه لتهرب راكضة، تاركة إياه ولثاني مرة؛ يضرب رأسه بجذع الشجرة!
***
بعد عشرة ايام، يوم خطبة حامد وسمية
وسط غرفة الجلوس الصغيرة توقف سليمان عن عقد ربطة عنقه وهو يتطلع إلى ياسمين متسائلاً بتوجس " ماذا تقصدين ان هناك من تقدم لجنى؟! هل عمي موافق على هذا الكلام؟! وهل هذا هو السبب في رفضه القاطع لإقامة خطبة عماد وجنى مع حامد وسمية؟! " ردت ياسمين وقد أربكتها ردة فعل سليمان قائلة " انا لم اقل هذا! قلت فقط ان أحد الاساتذة في المعهد الذي تدرس فيه جنى قد تقدم لوالدي يطلبها للزواج، لكن ابي لم يوافق " عقد سليمان حاجبيه وقال " وهل كانت جنى موافقة عليه؟ اقصد ما حقيقة الامر بينهما بالضبط؟" ردت ياسمين وهي تنظر بتمعن لسليمان " جنى لم يكن لديها علماً بالأمر حتى أخبرها ابي "
تنهد سليمان براحة أقلقت ياسمين! سألت بتردد " سليمان.. ماذا لو كانت جنى تريد هذا الشاب؟ اقصد ماذا لو كانت موافقة عليه؟" رفع سليمان عينين عاصفتين بالرفض التلقائي ثم قال ببعض الحدة والاستهجان " كيف تسألين مثل هذا السؤال؟! لا يمكن لجنى ان تتزوج من خارج العائلة وخاصة الان " رمشت ياسمين بعينيها وسألت " ماذا تقصد (خاصة الان)؟! افهمني وجهة نظرك " تنهد ثم قال " اسمعيني ياسمين، انا اعلم جيدا ان جنى لا تميل لعماد ولذلك أنا معها في رفضها له ما دامت لا تشعر نحوه بالقبول، لكن يمكنها اختيار باسل او اي شاب من أقاربنا، أمّا أن تتزوج من خارج العائلة فهذا صعب.. صعب جداً، ستحدث مشاكل لا حصر لها، مشاكل قد تجعل عائلتنا تنهار "
رغماً عنها دمعت عيناها وهي ترد على كلامه بالقول المتأثر " وماذا ان كانت لا تميل لاحد من شباب العائلة؟ ماذا ان كانت لا تشعر نحو ايٍّ منهم بالعاطفة او رغبة الارتباط؟ أليس من حقها ان تُحِب وتُحَب؟ أليس من حقها أن تشعر على الاقل بالميل لمن سيكون زوجها؟! " انسكبت دموعها فتشوشت الرؤية امامها فلم تعد ترى وجه سليمان جيدا بينما استمرت تقول بانفعال متزايد " لماذا تُظلم جنى هكذا؟! بأي شرع وبأي قانون يتم تحديد خياراتها في الزواج هكذا؟! "
لم تشعر إلا بذراعي سليمان تطوقانها لتضمها إلى صدره فانهارت في بكاء عاطفي مرير! همس سليمان بعد ان هدأت قليلا " لا تبتئسي، سنجد حلّاً يرضي الجميع " أطلقت ياسمين بضعة أنفاس قصيرة مرتعشة ليتساءل سليمان في حنان " فقط لو اعرف لماذا أصبحتِ سريعة البكاء هذه الايام؟! أ تراكِ توجعين قلبي عن عمد يا ابنة عمي؟ "
ضحكات ياسمين أرضته؛ لكنها لم ترضِ من تتنصت عليهما من خلف الباب المغلق لجناحهما.
تتميّز آمال غيظاً وقد استرقت السمع لكل الحوار الذي دار بين سليمان وياسمين، حتى خفتت الكلمات لتصبح همساً وتُختم ضحكاً، كم تكره تلك الفتاة!
اعتدلت آمال لتقف منتصبة بعد ان كانت تميل على الباب الخشبي المغلق، تحركت بخطوات آلية بينما عقلها يفكر بما سمعته للتو ثم علت ابتسامة نصر على وجهها، إن كانت تكره ياسمين فكرهها لأمها أضعافاً مضاعفة، وكم يشفي غليلها أن تحرق قلب ندى!
تهبط درجات السلم وعيناها تبحثان عن عماد بالتحديد.
***


يتبع...



التعديل الأخير تم بواسطة كاردينيا الغوازي ; 22-08-22 الساعة 04:03 PM
كاردينيا الغوازي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس