الفصل الأول
عندما دخل عمر المنصوري لفيلا العائلة تفاجأ بوجودهم جميعا ماعاد جديه،كانت عمتيه حنان وثريا تجلسان مع الخالة خديجة في حين جلس أزواجهن مع عمه الأصغر عبد الكريم ،أما أبناء عمتيه فقد كانوا جالسين في أحد الزوايا البعيدة من الصالة الكبيرة حتى أحلام ابنة عمته ثريا كانت معهم وهذا غريب فأخر مرة التقيا بها أوضح لها ببرود أنه لا يتمنى أبدا رؤيتها وطلب منها أن تكف عن ملاحقته فهل ياترى اقتنعت؟،هز رأسه بحدة ثم راقب انسجامهم الغريب الذي حتما يتساءلون فيه عن سبب إستدعاءهم جميعا من قبل رب الأسرة لدرجة أنهم لم يحسوا بدخوله مما جعله يرسم ابتسامة جذابة على شفتيه وهو يفكر أنهم سيعرفون قريبا بسبب اجتماعهم ليقول بصوته القوي الواثق :ـ مساء الخير عليكم جميعا. (التفتوا نحوه ليمضي بعض الوقت بين مبادلتهم السلام وبين معرفة أخبارهم لتسأله عمته ثريا قائلة :ـ أخبرني ياعمر ماسبب هاذا الإجتماع،لبد وأنك تعرف خاصة وأنك أقرب واحد منا لقلب والداي. ( لم يجبها لسماعهم صوت جده يقول لابنته بمرح :ـ كما العادة ياثريا فضولية حتى النخاع. (احمر وجهها في حين وقف الجميع ليسلموا على جديه وقد كان جده كما العادة مرحا وممازحا في حين بدت جدته شاحبة قليلا ونظراتها إليه كانت مقلقة،وهاذا جعله يشعربالخوف ،فهو يعرفها جيدا ليخمن أن هناك شيئا ما يحزنها،التقت نظراتهما لتبتسم له بضعف جعله أكثر توجسا ،في حين ارتفع صوت جده ليطلب من الجميع أن يصغي له وحسب قوله فإن ما سيقوله هام جدا وهكاذا نظر إلى جده باهتمام كما فعل الجميع وجاء صوته هادئا وواثقا كالعادة :ـ كماتعلمون جميعا كنت في رحلة عمل في فرنسا قبل شهر،لكن ما لا تعرفونه هو أنني ذهبت لزيارة عبد الله، (سكت لبرهة كأنه يمنحهم وقتا ليستوعبوا كلامه ،ليسترد و هو محافظ على هدؤه :ـ كنت قد قررت أنه هو وعائلته الصغيرة عوقبوا بما فيه الكفاية خاصة بعد وفاة زوجته،كما أنه حان الوقت لتعيش ابنتاه وسط عائلة حقيقية،ياسمين و سمر وطبعا عبد الله سوف يصلون غدا .(شهقت عمته ثريا بصوت مرتفع في حين ترقرقت عيون عمته حنان بالدموع مماجعله يبتسم فلطالما كانت عمتيه على نقيض فالكبرى ثريا كانت أنانية،مادية،أما الصغرى فكانت اسم على مسمى حنونة وعاطفية جدا،نظر إلى جدته كأنه يسألها إن كان ماقاله جده هو سبب تعاستها خاصة وأنه لايعرف بالسبب الذي من أجله تم استبعاد عمه من البداية،لكن الغريب أن ملامح جدته ضلت على حالها مماجعله يفكر أن هناك المزيد ولأن لا أحد من أفراد عائلته نطق بأية كلمة وجد نفسه يسأل جده قائلا :ـ لماذا رحل من البداية جدي؟ (هزجده رأسه كأنه لا يريد الخوض في تفاصيل الماضي ليقول بصوت حازم :ـ لقد أخطأ عمك ياعمر وماكنت لأسامحه لولا رغبتي في العيش مع كل عائلتي في أيامي المتبقية .(تصاعد الاستنكار من الجميع رافضين حديثه ومتمنيين له الصحة والعمر الطويل في حين
تابع مقاطعا إياهم بنفس الحزم الذي بدأ به كلامه : ـ الموت علينا حق وأنا لن أعيش للأبد كل ماأرجوه هو أن تتقبلوا جميعا عودة عبد الله وبناته،..(أشار لحفيداته ليتقدمن نحوه وماإن فعلن حتى تأملهن الواحدة تلو الأخرى ليقول بحنان :ـ ياسمين تصغرك بسنتين ياأحلام إنها في العشرين من عمرها وسمر في الثامنة عشر،أرجوا أن تكن جميعا على وفاق .(ابتسمت سارة موافقة في حين حاولت أحلام أن تخفي الإمتعاض الذي شعرت به منذ أن بدأ جدها خطبته الطويلة لتقول في النهاية أنهاستقوم بجهدها لجعل بنات خالها يشعرن بالترحيب،...(ليقف الجد بعد أن طلب منهم جميعا الحضور غدا مساءا ليرحبوا بهم،كان عمر على وشك سؤال جدته عما يقلقها عندما ربط جده على كتفه قائلا بلهجة أمرة : ـ إتبعني للمكتبة يا عمر حالا. (ابتسم له عمرثم تبعه كما أمر و ماإن أغلق الباب وراءه حتى طلب منه الجلوس ليقول فجأة :ـ أتريد أن تعرف بما أخطأ عمك قبل خمسة وعشرين سنة مضت يا عمر؟ (نظر إليه عمر بحيرة كأنه لا يدرك بما يجيبه مماجعل جده يتابع حديثه قائلا :ـ سأخبرك يا عمر (أخذ نفسا عميقا كأن ماسيقوله صعب عليه ليقول بصوت مرير: ـ لقد كان عبد الله خاطبا لخديجة وكنا ننتظرأن ينهي دراسته ليتزوجا كانت جدتك سعيدة جدا،كيف لا وحلمها باقتران الإثنين ببعضهما البعض كان على وشك أن يتحقق ،جهزتا كل شيئ وجاء اليوم الموعود،وكان المنزل يعج بالمدعوين وعندما وصل الشيخ لعقد القران ذهبت جدك لستعجاله لكنها للأسف لم تجد سوى رسالة يخبرنا فيه بأنه أسف وأنه متزوج فعلا من زميلة له في الجامعة،وأنهما مغرمان إلخ ...من الكلام الذي جعل جدتك وخديجة تصابان بانهيار عصبي،وكما ترى فإن خديجة لم تتزوج أبدا،أماجدتك فهي بقدر ما ترغب بعودة ابنها بقدر ما تكره ياسمين وسمر لأنهما جزء من كابوس بالنسبة لها،ومن هنا أطلب مساعدتك بني. (أحس عمر بقلبه يتقطع من أجل جدته و الخالة خديجة المرأة الصالحة الطيبة وبالحقد على عمه وزوجته ،وظهر ذالك جليا على ملامحه مما جعل جده يضيف وقد بدت نظراته غامضة :ـ أنت ياعمر ابني وأنا أحبك جدا، (اتسعت عينا عمرفهذه هي المرة الأولى التي يسمع فيهاجده يتحدث عن الحب والعواطف وهذا لا يعني أنه لا يعرف بحبه له ولكل أفراد عائلته كل ماهناك أنه لطالما فكر فيه على أنه شخص عملي،واعترافه أدهشه،أخرجه من أفكاره عندما قال بهدوء:ـ لقد طلبت يد ياسمين من أجلك يا عمر وعمك موافق.