الفصل الثاني
وقفت ياسمين المنصوري في مواجهة الصورة الكبيرة التي تزين غرفة الجلوس الصغيرة في منزلهم المتواضع،إنها صورة والدتها وهي تبتسم بسعادة،أغمضت عينيها وضمت ذراعيها حول جسدها الذي ارتجف فجأة للذكرى كأنها بذالك تحميه من أفكارها أو بالأحرى من كل تلك الأيام والأشهر والسنوات الجميلة التي أصبحت مجرد ذكريات الأن ،وهاهي حياتها الرائعة تنقلب رأسا على عقب،وفاة والدتها المفاجئ،زيارة جدها المتسلط الذي استغل ضعف والدها وحزنه ليقنعه بالعودة للوطن،بحجة أنه لا يريد لحفيدتيه أن تعيشا بعيدا عن عائلتهن وآه كم أرادت يومها أن تصرخ فيه وتسأله أين كان طوال عشرين سنة ليتذكر والأن فقط أن له ابن وحفيدتين،لكنها لم تجرؤ أولا لأنها تدرك جيدا أن عرضه أسعد والدها الذ ي يحتاج لتواجد عائلته بجانبه أكثرمن أي وقت مضى وثانيا لأنها ابنة عاقلة وبارة وماكانت لتسمح لأي شخص بأن يفكر بأن والدتها لم تعرف أن تربيها وهكاذا وجدت نفسها توافق على أن تتخلى على كل شيئ وتسافر نحو المجهول.(سمعت صوت خطوات خلفها مما جعلها تمسح عينيها بسرعة لتسمع صوت والدها ينادي عليها وعندما التفتت نحوه وجدته يتأملها بحنان ليقول برقة كأنه يدرك الصراع الذي تعيشه بداخلها :ـ عندما طلب مني جدكما العودة طرت من الفرح ليس من أجلي فقط بل من أجلكما لتتعرفا على ما حرمتما منه دائما ،العائلة ،وصدقيني ياسمين لو كانت والدتكما حية لكانت سعيدة جدا. (نظرت إليه ياسمين غير مصدقة فهو أكثر واحد يعرف بكراهية عائلته لوالدتها وبالتالي فإن ماقاله من لحظات لا أساس له من الصحة،لكن والدها بدا واثقا مما يقوله لدرجة أنه بدا صادقا عندما تابع حديش شارحا :ـ فاطمة كانت طفلة وحيدة وبعد وفاة والديها تم أخذها للعيش في ميتم ،وهكاذا عندما التقينا كانت متحمسة لتكون جزأ من عائلتي وتحطمت كليا عندما وجدت نفسها وحيدة معي ولم تستعد سعادها إلا بعد ولادتك وسمر ورغم أننا كنا سعداء إلا أنها كانت تتحسر دائما لكونكما وحيدتين،أتفهمين الأن حبيبتي ياسمين. (استادرت ياسمين صوب الصورة وقد امتلأت عيناها بالدموع لترمي نفسها بين أحضان والدها،بكت موت والدتها بكت أحلامها ووحدتها وبكت حقدا وكراهية لعائلة قاسية لم تمنح لهم أبسط حقوقهم :الإنتماء لعائلة.