عرض مشاركة واحدة
قديم 20-02-13, 12:43 PM   #23

درة الاحساء

نجم روايتي ومشرفة سابقةومصممه

 
الصورة الرمزية درة الاحساء

? العضوٌ??? » 213582
?  التسِجيلٌ » Dec 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,499
?  نُقآطِيْ » درة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond repute
افتراضي

21
: : : حائرة : : :





حينما وصلت إلى المستشفى ودلقت إلى الجناح الخاص بوالد أروى رأيتها - كـ المعتاد فى الأونة الأخيرة - تغوص بإحدي المقاعد الوثيرة ، تغلفها هالة من الصمت والحزن ..
نظراتها الشاردة تهيم بأرجاء الغرفة فى وجل وتستقر فى النهاية على ذلك الكهل النحيل الذى لا يكاد المرء يميز بين صحوته ونومه ،، فهو فى الحالتين مُسبل العينين شاحب الوجه لا يقوى على التكلم ..!
مرت عشرة أيام على دخول والد أروى المستشفى وبدأت حالته فى التدهور رغم العلاج المكثف الذى يخضع له والذى يقول عنه الأطباء أنه لا جدوى له بالنسبة لحالته وأن رحمة الله به هى وحدها القادرة على شفاءه .. فقط رحمة الله به ،، ونعم بالله العلى العظيم ..
أقتربت بخطوات بطيئة من أروى التى لم تبد كأنها تشعر بوجودى وأتجهت لأجلس بجانبها فى هدوء .. دون أن تلتفت لتنظر إلىّ ..
قلت :
" كيف حاله اليوم ..؟ "

أطلقت أروى تنهيدة مريرة وقالت بأسي :
" كـ كل يوم .. لا تحسن ولا أمل فى ذلك . "

قالت ذلك وأراحت ظهرها على المقعد ثم أطبقت جفونها على عينيها وأطالت الصمت ..
قلت :
" إنها إرادة الله على كل حال .. "

تمتمت بصوت يكاد يكون مسموع وهى لازالت على ذات الوضع :
" ونعم بالله .. "

كانت ترتدى رداً واسعاً قطنياً ينسدل من فوق رأسها حتى قدميها ،، لا يظهر منه سوى وجهها الغارق فى الحزن وكفيها النحيلين كجسدها ..
مددت يدي إلى يدها وربتُ عليها قائلاً :
" لابد أن تكوني أكثر تماسكاً أروى .. من أجل والدتكِ وأشقائك الصغار .. "

قالت بصوت خافت :
" أحاول بكل جهدي أن أفعل .. "

وأضافت :
" وما أصعب ذلك ..! "

فتحت عينينها وأتجهت بنظراتها إلى والدها وبدت كأنها تود أن تملأ عينيها بصورته وتختزنها بداخلها ..
ثم قالت :
" لا أتخيل أن أفقده هكذا .. لا أتخيل أن استيقظ ذات لأجدني يتيمة .. "

وألتفتت لتنظر إلىّ فجأة ثم قالت :
" أظنك تعلم صعوبة أن تكون يتيمياً ؛ فأنت جربت هذا الأمر .. "

هزتني جملتها وأصابتنى فى الصميم ..
لقد فقدت والداىّ فى حادث وأنا بعد فى العشرين من عمري ..
كنت مُتعلقاً بهما بشدّة وجاء نبأ وفاتهما بمثابة صدمة إلىّ ولشقيقتي .. خاصة حينما بدأت مطامع كل من حولي تتضح شيئاً فشيئاً ..
وبدأ الجميع يطالب بحقه فى الميراث بعدما عدنا مباشرة من المقابر .. كأن الجميع كانو ينتظرون ذلك الحدث بفارغ الصبر ..
وفى غضون أسابيع تم تقسيم الميراث على الجميع ولم يبق لنا سوي شركة واحدة فقط ،، مهددة بالأفلاس فى أى وقت ،، فما كان مني سوى أن عملت ليلاً ونهاراً حتى استطعت الوقوف على قدميّ مجدداً وأنشأت فروعاً عديدة لشركتنا التى هى الأن من أكبر الشركات فى الشرق الأوسط كله ..
ولكن .. كل هذه الأموال لا تغني عن لحظة واحدة أقضيها فى كنف والداىّ .. إنه اليتم .. فما أقساه من شعور ..!

أنتزعت نفسي من أفكاري بغتة ونظرت إليه قائلاً :
" حينما توفي والداىّ كنت وحيداً .. لكنكِ لست وحيدة أروى .. ولن أسمح أبداً بأن يتسلل إليكِ هذا الشعور طالما أنا حي أرزق .. "

حدقت بى بنظرات يغلب عليها الحيرة والشك قبل أن تهز رأسها رافضة لكلامي وتقول :
" غير صحيح .. أننى وحيدة .. بل إننى لم يسبق لى الشعور بالوحدة سوي فى وجودك بجانبي . "

صدمني حديثها كثيراً .. لم أكن أتخيل أن هذا هو شعور أروى نحوي .. لهذه الدرجة تكرهيننى يا أروى ..؟!

تابعت أروى حديثها :
" دعنى أكون صريحة معك ؛ إن زواجنا مجرد مسرحية بمجرد أن يسدل الستار تنتهى ولا يعود لها وجود .. "

وأضافت :
" كل ما بيننا محكوم عليه بالفشل إن أجلاً أو عاجلاً .. كان هذا أتفاقنا منذ البداية .. ألا تذكر ..؟ "



~ ~ ~ ~ ~



بعد انتهائي من حديثى أختلست نظرة إلى وجه معاذ المحمر ،، ونظراته الغاضبة ..!
رأيته يبسط كفه ويقبضة محاولاً السيطرة على غضبة وأعتقد أنه نجح فى ذلك فقد خرج صوته هادئاً إلى حد ما وهو يقول :
" دعينا نؤجل الحديث عن هذا لوقتٍ أخر . "

كنت أريد من حديثى السابق أن أفهم وضعي بالنسبة له .. أن أسمع منه كلمة تطمأننى .. أردت أن أسمعه يقول أنه لن يتخلى عني .. وأنه ما تزوجني لذلك السبب ..
لكنه لم يتكلم ولم يبعث بقلبي إلا بمزيداً من القلق ..
رُبما لازال يحب زوجته التركية .. ورُبما كانت عودتها سبباً فى صحوة مشاعره نحوه .. بل ورُبما تواجدي بالمستشفي أتاح له الفرصة لكي يتفقان على كل شئ ..
رُبما ..!

فى المساء أنصرف معاذ وكعادته أصطحب والدتى وأشقائى معه .. فيما بقيتُ أنا مع والدي .. أراقب أنفاسه طوال اليوم وأخشى أن أغفو للحظة فاستيقظ على فاجعة موته ..
كانت الساعة العاشرة مساء حينما مرت إحدي الممرضات على الغرفة لتعطي أبى الدواء ..
ساعدتها فى إنهاضه لكى يتسنى له شرب الدواء ثم انصرفت وبقيت أنا جالسه بجواره ،، أراقب نظراته الشاردة وشحوب وجهه وأقاوم العبرات المُختنقة بعينىّ ..
وهنا أتاني صوت أبى خافتاً وهو يقول :
" لا أريد أن أري كل هذا الحزن بعينيكِ .. أظنني سأرتاح بالموت .. فالموت راحة لي من كل شئ . "

حاولت ألا يكون صوتي مُرتعشاً وأنا أقول :
" لا تقول هذا أبي .. بإذن الله ستتحسن صحتك وتصير بخير .. إن رحمة الله واسعة . "

قال أبى :
" والموت رحمة لي أيضاً .. "

وصمت لبرهة ثم أضاف :
" أظننى فقط خائف من عقاب الله لأننى مددت يدي ذات يوم وأختلست .. ولأننى أضطريتكِ لأن تتزوجي من معاذ .. "

أطرقت برأسي أرضاً وتركت دموعي تتساقط على الأرض فى صمت فيما تابع أبي :
" لكن زواجكِ منه لم يكن خطأ كبيراً .. أظنه يحبكِ أروى .. "

رفعت نظراتي المُتفاجئة إليه فابتسم ابتسامة شاحبة وقال :
" كان كريماً معنا جداً .. لا أظنه يبعثر نقوده هباء .. هذا أكبر دليل على حبه لكِ .. "

صمت أبى لبرهة وتلاحقت أنفاسه وراح يسعل وهو يقول :
" لا تفرطي بزوجكِ وحافظى عليه .. "

هنا راح سعاله يقوي وأنفاسة تختنق فقلت بخوف :
" لا تقل شيئاً أرجوك .. أنت معتب للغاية . "

لكنه واصح حديثه بصعوبة وقال بصوت مُتقطع خافت :
" والدتكِ وأشقائكِ أمانة فى عنقك أروى .. لدي ثقة بأنكِ ستصونين أمانتي .. طالما كنت جديرة بالمسؤولية .. "

توقف أبى عن الحديث وقد انتابته حالة من السعال المتواصل ..
كنت لازلت أرتدي ثيابى الساترة فهرولت إلى الخارج لأستدعي الطبيب وكالمعتاد وقفت أراقبهم وهم يحاولون إنعاشة ويعيدون له هدوء أنفاسة ..
لكن .. هذه المرة بدت النوبة أكثر صعوبة .. وطالت مدتها أكثر من اللازم ..
وأخيراً هدأ سعاله واسترخي أبى فى نومته واسدل خفونه على عينيه .. وران الصمت التام ..!

قلت :
" ماذا ..؟ هل انتهت النوبة ..؟! "

فقابلتنى نظرات الطبيب والممرضات بنظرات يائسة وأعلن الطبيب :
" البقاء لله .. لقد توفي المريض .. "



~ ~ ~ ~ ~ ~



عدتُ فى المساء مُنهكاً فاستلقيتُ إلى إحدى المقاعد الوثيرة بغرفة المعيشة وراحت نظراتي ستسبح فى الغرفة الواسعة والأثاث .. وكان تفكيري أبعد ما يكون عن ذلك ..!
كنت محبطاً للغاية بعد حديث أروى اليوم .. وبعد ما أبدته نحوي من شكوك ومخاوف وعدم ثقة ..
كنت أتمني أن يكون رأيها بي مختلفاً وأن تكون هذه الأيام قد أعطتها ولو نفحة ثقة بي .. ولكن يبدو أنني كنت مخطئاً فى البداية حين قررت أن أضغط على أروى لكى تتزوجني ..
ولكن .. لم يكن لدي خيار أخر .. كانت ستتزوج بمجرد أن يخرج والدها من السجن .. ولو لم أضغط عليها ما قبلت الزواج وصارت زوجتي ..
هى لازالت متوهمة أننى ما تزوجتها إلا لضم أبنى إلى حضانتي .. رغم أن هذا ليس السبب على الأطلاق ..
لست أدرى كيف لم تسأل نفسها فى يوم ..؟ لماذا لم أتزوج أى فتاة أخري رغم مقدرتي على ذلك ..؟ لو فقط طرحت هذا السؤال على نفسها رُبما استطاعت أن تصل إلى السبب الحقيقى .. وهو حبي لها ..!
رغم أننى لست ممن يقعون فى الحب بسهولة ولكن شيئاً ما جذبنى إليها كما لم أنجذب لفتاة قبلها .. شئ ما أجبرني على أن أفعل ما فعلت لكى تصير زوجتي .. كل ما حدث لم يكن لدي فيه أى خيار .. كنت مأموراً من قلبي على ما أفعل وليتنى ما فعلت ..!
لدي شعور قوي بأنى دمرت حياة أروى ؛ فأنا سلبتها خطيبها الذى كانت تحبه وأجبرتها على الزواج مني ..
ترى هل أخطأت فى هذا بالفعل ..؟
وهل بأمكاني أن أعيد تصحيح الخطأ ..؟ وكيف السبيل إلى ذلك ..؟

أفقت من أفكاري على صوت تولان تقول :
" مساء الخير .. هل حضرت أخيراً ..؟ "

أعتدلت فى جلستي وقلت :
" كما ترين . "

قالت :
" كيف حال والد أروى ..؟ "

قلت :
" على ما هو عليه .. "

ران الصمت لفترة قبل أن تقطعه قائله :
" ومتى تنوي أروى العودة إلى المنزل ..؟ "

قلت :
" لا علم لي .. لا استطيع أن أطلب منها ألا ترافق والدها .. طالما كانت متعلقة به للغاية .. أرجو أن يشفي قريباً . "

قالت :
" أرجو ذلك ؛ فالجميع هنا متأثرون بمرض والد أروى .. فأروى متغيبة عن المنزل وسالي حزينة لأجله وأنت تعود من عملك إلى المستشفي يومياً ثم تعود إلى المنزل متعباً .. حتى أنك صرت لا ترى أحمد سوى فى المساء وهو نائم . "

قلت :
" إنه مجرد ظرف طارئ ولن يلبث أن ينتهي ذات يوم . "

ونهضت من مكاني قائلاً :
" سأذهب لأنام .. لي عملاً باكراً فى الغد . "

قالت تولان :
" لن يضيرك لو انتظرت خمس دقائق أخري .. أريد أن نتحدث قليلاً .. وأن نتوصل لحل .. "

توقفت بمكاني وقلت :
" حل لأى شئ ..؟ "

قالت :
" لهذا الوضع الذى نحن به .. "

قلت :
" تقصدين حضانة أحمد ..؟ "

قالت :
" بل أقصد وضعنا نحن .. "

فاجئنى حديثها وقلت :
" لو كان بيننا شئ يمكن أن نتحدث عنه فهو أحمد .. وغير ذلك لا أظن أنه يهمني فى شئ . "

قالت بأسى :
" لهذه الدرجة صرت تكرهني ..؟ "

قلت بنفاذ صبر :
" لست أكرهك ولا أحبكِ .. ليس لدي أى مشاعر نحوك سواء بالحب أو الكره .. "

قالت ثائرة :
" وماذا عني أنا ..؟ ماذا عن مشاعري وحياتي ..؟ لقد تقبلت فكرة أن تموت مشاعري فى ابتعادك عني لكتك بسلبك لطفلي تنهي حياتي تماماً . "

قلت :
" هل ستعودين لهذا الحديث مجدداً ..؟ لقد ظننت أننا انتهينا منه .. "

قالت :
" أنا لم أتي إلى هنا إلا لأطلب منك أن تترك لي حضانة أحمد .. هذا هو السبب الوحيد الذى أتى بى إلى هنا .. ولكني بمجرد أن رأيتك أكتشفت أننى لن استطيع أن أبتعد عنك ثانية .. "

قالت ذلك وسرعان ما أنخرطت فى البكاء ..!

قلت :
" لا تعودي للبكاء ثانية .. رجاء كفي تولان . "

قالت تولان مُنتحية :
" لم أعد استطيع الأحتمال .. أنا لازلت أحبك معاذ .. لا أتخيل فكرة زواجك .. مكانك معي أنا وليس معها هى .. إننى أم طفلك . "

قلت :
" فات أوان الحديث بهذا الأمر .. أنا لست مستعداً للتخلى عن أروى . "

كفت تولان عن البكاء وراحت تجفف دموعها وهى تقول :
" لم أطلب منك أن تتخلى عنها .. "

نظرت إليها مندهشاً وحائراً ..
قلت :
" أذن ..؟ "

فقالت :
" تظل هى زوجتك وتردني لعصمتك . "

لم أتفاجئ فقط .. لا بل صُعقت هذه المرة ..
نظرت إليه فى انتظار أن تتراجع عما قالته أو تعيده لأتأكد مما قالته ، ويبدو أنها قد قرأت أفكاري فقالت :
" دعنا نتزوج من جديد وهى لازالت بعصمتك .. بأمكاننا أن لا نخبرها .. أخبرها بأننى سافرت وأخذت معى أحمد واشتري لى منزلاً صغيراً ولا تأتي إلىّ سوي كل أسبوع مره .. سأكتفى بهذا فقط لنكون معاً .. أنا وأنت وأبننا .. أرجوك لا ترفض معاذ .. رفضك هذا قد يقتلني .. فلم يعد لدي أمل بالحياة سوي هذا الأمل .. إنه أملى الوحيد فلا تقتله .. "

لم أدرى بماذا أجيبها ..؟ وماذا يجب أن أقول ..؟
نظرت إليه .. كانت تنظر إلى بأمل وخوف .. تتوسل إلىّ بنظراتها ألا أخذلها ..
بعثرت نظراتي بالغرفة وغرقت فى التفكير .. لم يكن تفكيرى بما قالته بتاتاً .. فأنا لا يمكن أن أفعل هذا بأروى وبنفسي .. لا يمكن أن أخدع تولان وأتزوجها فى حين أن حب أروى قد ملأ قلبى بأكمله وفاض منه فلم يعد لها مكاناً شاغراً به .. لكنى كنت أفكر بطريقة أخبرها بها برفضى دون أصدمها .. ولكن لا جدوى ..!
يبدو أننى لزمت الصمت لفترة أطول مما ينبغى .. ويبدو أن تولان قد فسرت صمتي على أنه قبول فإذا بها تتجه إلى فجأة وتغمرني بزراعيها وهى تقول باكية :
" كنت واثقة أنك ستقبل .. كنت واثقة أنك مازلت تحبنى مثلما أحبك . "



~ ~ ~ ~ ~ ~

تتبــع


درة الاحساء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس