عرض مشاركة واحدة
قديم 29-05-13, 12:00 PM   #2

مغربيةوأفتخر
alkap ~
? العضوٌ??? » 296441
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 762
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » مغربيةوأفتخر is on a distinguished road
¬» مشروبك   fanta
¬» قناتك max
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

جائت الفرصة أخيرا.فعرابها توفي تاركا لها ارثا في الطرف الاخر من العالم. الجميع حذرها من جنون الرحلة ومخاطرها. ولكن عنادا كامنا جعلها تتمسك بقرارها بقوة.

فيما فيفيان تثبت حزام الامان حول خصرها الرقيق لاحظت ان يديها ترتعشان. وللحظة انتابتها رغبة حامحة في الاندفاع من مقعدها الى الباب لكن المحركات انطلقت انذاك واخذت الطائرة الضخمة تتقدم ببطء نحو المدرج الرئيسي.
أدركت بشيء من الذعر انها فقدت فرصتها الاخيرة لتغير رئيها فالرحلة قد بدأت ولا مجال للتراجع.
ازاحت الستار وتطلعت من كوة الطائرة لتهدئ من روعها. الزجاج يغشاه المطر ولم يكن هناك ما يرى عدا انوار مباني المطار وراء المدرج المظلم حيث تعصف الريح.
لم تكن فكرة الطيران هي التي هزتها برهة بل ادراكها بانها ستكون وحيدة من الان فصاعدا فمهما تعقدت الامور التي تنتظرها عليها ان تواجهها بنفسها من دون ان تجد من تلجأ اليه للنصح اوالمساعدة.
الجميع حذرها من جنون هذه الرحلة ومخاطرها وطبلوا اذنيها خلال الاسابيع الخمس الاخيرة بكل المفاجاَت الممكنة وكادت ان تستسلم مرات عدة استعملوا معها كل الوسائل من الدعابة الى التهديدات المبطنة لثنيها عن السفر ولكن عنادا كامنا جعلها تتمسك بقرارها بقوة والان تلاشى توترها فجأة وشعرت بانتعاش لان المغامرة قد بدأت بالفعل ولأنها اصبحت حرة للمرة الاولى منذاثني عشر عاما
بدأت المحركات تهدر بقوة هائلة وانطلقت الطائرة بسرعة متزايدة حتى ابتلعت الظلمة اخر ضوء يرسم الحدود كان الاقلاع ناعما الى حد ان فيفيان لم تدرك انهم اصبحوا في الجو حتى انطفأت اشارة منع التدخين فوق مقعدها.
-ها من مانع أن أدخن؟
مرت ثوان قبل ان تكتشف ان السؤال موجه اليها.
قالت في عجل
-لا ابدا
منذ صعودها الى الطائرة كانت منهكة بافكارها فلم تنتبه الى الرجل في المقعد المجاور اما الان وربما لانهما سيترافقان خلال الايام والليالي الثلاث المقبلة اخذت تراقبه على غفلة منه.
بسبب طوله فبالكاد يتسع مجال الجلوس لساقيه انه ذو سمرة غدرية وشعر أسودقصير وصورة جانبية يبرز فيها حاجبان كثيفان وأنف معقوف وفك بالغ القسوة وكا ان اشعل لفافته حتى استرخى في جلسة مريحة وفتح كتابا بدا لها انه كتاب دراسات اذ رأت رسما بيانيا معقدا على الصفحة اليمنى من تلويح الشمس لبشرته رجحت انه عائد الى الشرق الاوسط او الاقصى ولان قامته وعرض كتفيه اوحيا اليها بانه يقوم بعمل يتطلب جهدا خيل اليها انه لابد ان يكون مهندسا او مزارعا من نوع خاص كان يرتدي بزة انيقة وربطة عنق داكنة ولكن بدا وكأنما يكون أكثر ارتياحا في قميص للأدغال وشورت كاكي.
تجهم وجهها حزنا اذ تذكرت الجو العدائي الذي خيم على رحيلها ليتها سمعت شخصا واحدا يتمنى لها التوفيق حتى روجر الذي تعتبره ألطف اقربائها ودعها بجفاء افهمها انها خسرت حسن ظنه فيها.
-ماذا تتناولين سيدتي؟
ظهور المضيف مع عربة المشروبات انتزعها من أفكارها.
وفيما كانت ترتشف مشروبها تأكد لها انه لا جدوى من التحسر على رحيلها الكئيب ومن الماضي السحيق عاودها صدى كادت تنساه ورأت عبر السنين مايكل كونيل جالسا الى رأس الطاولة في فيلا على حوض البحر الأبيض المتوسط مرددا كعادته "لا أسف على شيء".
وهكذا بعد اثني عشر عاما على وفاته جائت ذكرى شعاره المفضل لتمنحها مزيدا من الشجاعة. عاد المضيف ليثبت الصواني الخشبية على مساند المقاعد وتبعته المضيفة بصحون حساء الفطر الساخنة لكن جارها لاسمر الذي وضع كتابه جانبا خلال تناول الوجبة بقي صامتا ولم تتجرأ فيفيان على فتح حوار بعد العشاء ذهبت الى غرفة السيدات وحين وقف ليفسح لها الطريق لاحظت ان زرقة عينيه الزاهية تتناقض بغرابة مع وجهه الداكن وشعره الأسود الاجعد. بامكانها الان اشباع توقها للثياب الانيقة فمنذ غادرت المدرسة لم ترتدي سوى ثياب التويد الخرقاء وفساتين الحرير المزرية التي كانت الخالة كونستانس تعتبرها تناسب السيدات لكن هذا الذوق لم يكن لينسجم مطلقا مع فيفيان المرهفة الشخصية ولونها غير الاعتيادي شعرها المشدود الى الوراء كان بشقرة العسل التي قلما تتجاوز الطفولة ورثت عن امها وجهها الناعم اما فمها الجذاب وعيناها اللوزيتان الرماديتان المائلتنا الى الاخضر وحاجبيها المنسابان فقد ورثتها عن أبيها.
ما ان وصلت الى مقعدها حتى تعرضت الطائرة الى هزة مريعة وكأنما يد عملاقة أخرجتها عن طريقها حاولت فيفيان ان تلتقط ظهر أقرب مقعد لكنها أخطأته ووقعت بين ذراعي جارها الصامت.
أحمر وجهها ارتباكا وحاولت جاهدة أن تستعيد وقفتها لتجد انه يحيط خصرها بحزم.
-هل أذيت نفسك؟
تكلم بهدوء وكأنما من عادة الفتيات الغريبات ان يقعن في حضنه.
قالت في ارتباك
-كلا ... انما ... اَسفة جدا. لم اكن اتوقع هذا.
استفسرت المضيفة التي جاءت مسرعة
-ها انت بخير انسة كونيل؟
فأكدت لها وهي تشعر بالحرج
-نعم شكرا.
-من حسن حضك انك وقعت على الدكتور سترانسوم. يبدو أننا اصطدمنا بفجوة هواء كبيرة ولكن ليس هناك ما يقلق. يجب أن اربط حزامك لفترة خوفا من تكرار الارتطام.
تأكيد لنصيحتها اضيئت اشارة ربط الأحزمة وابتعدت المضيفة لتطمئن الركاب بأن الارتجاج طارئ عرضي. قالت فيفيان بعد أن جلست في مقعدها وقد ربطت حزام الامان
-أرجو ألا أكون قد أزعجتك؟
بدا الدكتور سترانسوم ضاحكا من احساسها بالذنب
-لست بالضبط من الوزن الثقيل. خذي لفافة لتهدئة أعصابك ففجوات الهواء هذه تثير الاضطراب في رحلة الطيران الاولى.
-لا شكرا. لا أذخن. كيف عرفت انها رحلتي الأولى؟
-كنت تنتظرين الاقلاع وكأنك تواجهين فرقة الاعدام.
احمر وجهها. هل كان اضطرابها باديا بهذا الوضوح؟ وتابع قائلا
-لاعليك. كلنا نشعر بالخوف في المرة الأولى.
وقبل أن تتمكن من متابعة الموضوع التقط كتابه الذي أوقعه بسقوطها المفاجئ وبدأ يقلب الصفحات بحثا عن المكان الذي وصل اليه.
ليس بحاجة لأن يظهر عدم رغبته في الكلام الى هذه الدرجة. كم انه فظ...
بعد منتصف الليل بقليل هبطت الطائرة في مطار روما حيث كانت تنتظرهم القهوة الساخنة ووجبة طعام خفيفة معظم السيدات ومعهن فيفيان اصطففن امام اكشاك التذكارات حيث تباع مناديل الحرير وكنزات الكشمير وزينة الفسيفساء الايطالية.
في الطائرة جلس المسافرون لقضاء ما تبقى من الليل كانت المقصورة مريحة في ظل الانوار الخافتة نزعت فيفيان حذائها والتحفت بالغطاء الخفيف الذي زودتها به المضيفة تمنت الا تكون تنورتها مدعوكة كثيرا في الصباح ثم تذكرت انهم سيصلون الى ساحل لبنان المشمس وانه باستطاعتها ان تلبس فستانها الصيفي المطوي في حقيبة يدها.
كانت البارحة تتقلب على سريرها الضيق في البيت... لم يكن بيت خالتها بيتها فعلا فقد وصلته في العاشرة من عمرها ومذ ذاك لم يزل استغرابها اذ كانت دخيلة ودائما غريبة ومدركة بأنها قريبة فقيرة.
لقد ولدت في الريفيرا وأولى ذكرياتها تحمل زرقة السماء ونور الشمس وعبير الازهار متدفقا من الهضبة التي تعلو الفيلا البيضاء كانت طفولتها حرة تماما فمايكل وايموجين كونيل المتحابان كانا بمثابة أخ وأخت لها وعندما بلغت العائرة من العمر قتلا في حادث سيارة مروع وقبل ان تستفيق من تأثير خسارتها الفظيعة جاءت خالتها السيدة كونستانس سينكلير وهي امرأة انكليزية بغيضة متوسطة العمر الى الفيلا وانتزعت فيفيان لترميها في كاَلة انكلترا الرمادية الرطبة في منتصف الشتاء.
ومنذ ذلك الحين تغير كل شيء حيث عقص شعرها المتمرد العسلي في جديلتين واستبدل الشورت وحذاء الرياضة ببزة رياضة بحرية قبيحة وبحذاء متين للسير وأرسلت الى مدرسة داخلية شهيرة حيث تقيم جوديت ومارغريت ابنتا خالتها. بعد الحرية المطلقة التي عرفتها أصبحت حياة النظام الصارم الجماعية عاملا مطهرا فتحولت من عفريت صغير ضاحك يضج بالحياة الى بائسة صغيرة شاحبة الوجه معقودة اللسان. أما أيام الاعياد فكانت أسوأ. فبنتا خالتها تعذبانها دون رحمة بينما السيدة سينكلير تؤنبها باستمرار لمختلف المخالفات غير المقصودة. وجائت الضربة الاخيرة حيت قيل لها اباها الرائع وهو وغد ومبذر وفق مقاييس سينكلير وعندما هبت فيفيان للدفاع عنه منعتها خالتها من ذكر اسمه.
قالت لابنة اختها بقساوة
-أتمنى ان نتمكن يوما القضاء على الخصال المؤسفة التي قد ترثينها عنه الان اذهبي الى غرفتك وحاولي الا تكرري مثل هذه التصرفات المعيبة.
وسرعان ما ادركت فيفيان انه لا جدوى من مقاومة ارادة خالتها الصلبة. عندما غادرت المدرسة كان الرضوخ قد أصبح أمرا اعتياديا بحيث لم تعترض على تجاوز الخالة كونستانس لاقتراحها التدرب على مهنة ما وقبلت ان تتعلم ان تتعلم قيادة السيارات والطباعة على الالة الكاتبة والعمل كسكرتيرة للسيدة سنكلير لكنها تحت مظهرها الهادئ المطيع كانت تتوق ضمنا لليوم الذي ستتمكن فيه من التخلص من سيطرة خالتها.
عندما جائت الفرصة أخيرا في شكل رسالة من محام كادت لا تصدق فعرابها جون كاننغهام الذي لم تره منذ كانت في السابعة توفي تاركا لها مبلغا محترما من المال وارثا في الطرف الاخر من العالم.
ولدى اعلان فيفيان قرارها بزيارة ملكيتها ظنت عائلة سينكلير انها تمزح وعندما ادركوا انها جادة دهشوا ولم يصدقوا ان تفكر قريبتهم الهادئة الخنوعة بالسفر مسافة ثمانية الاف ميل لتفحص بيتا متداعيا تركه لها عجوز غريب الاطوار وذو سمعة مشبوهة وقد ادهشهم اكثر التصميم الذي ابدته في التمسك بمشاريعها حيال اعتراضاتهم.
اخيرا اصدرت الخالة كونستانس انذارا واعلنت
-اذا استمريت بمشروعك المجنون هذا يا فيفيان احذرك بانني لن استمر في اعالتك. انا مندهشة للطريقة الانانية التي تهزئين بها من رغبتي. اذا رحلت الان فلا مجال للعودة.
وبالتهور الذي كان من خصائص والدها المؤسفة اجابتها فيفيان
-حسنا خالتي يؤسفني ان يكون هذا هو شعورك لكني سأذهب الى الملايو بالرغم مما سيحدث.
الان وهي مستلقية في المقصورة المطفأة وقد انجزت الجزء الاول من رحلتها الطويلة تسائلت عما اذا كان تمردها على خالتها ضربا من الجنون فجزء كبير من المال الذي تركه عرابها انفق على تذكرة سفرها الى سنغافورة وما تبقى منه لن يكفيها الى الابد بامكانها ان تبيع الملكية ولكن ربما كانت قيمتها قليلة وفي هذه الحال ستضطر للعودة الى انكلترا وايجاد طرق لتأمين معيشتها امر واحد يبقى اكيدا وهو انها لن تلجأ ابدا لعائلة سينكلير لمساعدتها . كانت تعرف انها مدينة لهم لاستقبالها في بيتهم ولكن مع انهم اطعموها وكسوها وعلموها فلم يحبوها يوما او حتى استلطفوها.
وفيما النعاس يتملكها فكرت ان ما تقوم به هو مقامرة مجنونة سوف تخسرها على الارجح لكن مايكل كان مقامرا وكان يقول دوما اذا لم تغامر ابدا فلن تربح ابدا اتسائل لماذا ترك لي العراب جون البيت؟ ربما لم يكن هناك احد غيري.
استيقظت على نور الصباح الباهت يتسلل عبر الستار جلست بتلهف وازاحت الستار جانبا.
حركة ورائها جعلتها تلتفت فرأت الدكتور سترانسوم يستيقظ خمنت عمره بخمسة وثلاثين او ستة وثلاثين عاما ولكنه بدا اصغر حين ابتسم ومع انه مدخن مدمن فقد بدت اسنانه ناصعة البياض بالمقارنة مع لون بشرته.
في غرفة السيدات غسلت وجهها واستبدلت ملابسها بفستان من الكتان البيج ولما خرجت الى الممر رأت معظم الركاب الاخرين يستيقظون نساء قليلات نزعن تبرجهن الليل الفائت لذلك بدون كالحات الوجوه فشعرت فيفيان بالامتنان لان وجهها جميل بطبيعته.
الذكتور سترانسوم عاد الى مقعده ونزع الجاكيت ورفع كميه فاشتمت نفحة خفيفة من صابون الحلاقة بعد الفطور بقليل بدأت الطائرة تهبط تمهيدا للنزول في بيروت ولدى اجتيازهم المسافة المكشوفة في ضوء الشمس الساطع بدا من غير المعقول انهم كانوا منذ اقل من اثني عشر ساعة يرتعشون بردا في رطوبة مساء انكليزي من امسيات كانون الثاني (يناير).
بالنسبة لفيفيان بدا النهار والليل التاليين مسلسلا من المناظر المتغيرة والازياء الغريبة واللغات المجهولة استمروا في الطيران فوق الخليج العربي وعبر قارة الهند اللامحدودة واخيرا وصلوا الى بورما ومدينة رانغون الخضراء عشية اليوم الثالث بينما قبعة معبد شوي داغو المطلية بالذهب تتوهج في اشعة الشمس الغاربة.
بعد ثماني واربعين ساعة من الطيران احس الركاب بالحر والانهاك وبحاجة ماسة الى حمام والى تغيير ثيابهم. معظمهم كانوا لا يزالون في ثيابهم الشتوية يتعرقون بشكل مزعج في القيظ الشديد. حتى قميص الدكتور سترانسوم التصق بظهره من العرق مبرزا كتفين قويين وخصرا نحيلا.
الفندق الذي يقضون فيه ليلة واسع وارضه من الرخام وتتدلى من سقوفه مراوح كهربائية ضخمة. بعد التوقيع على سجل النزلاء تبعت فيفيان حمالا هنديا الى غرفتها التي كانت عبارة عن شقة فخمة تطل نوافذها العالية على فناء مغلق كان السرير مغلقا بناموسية بيضاء فوق اطار خشبي وتحت النافذة اريكة مريحة من الخيزران. ادار الحمال المروحة وقبل بقشسشها بتحية صامتة ورحل وقدماه الحافيتان تنزلقان انزلاقا على الارض. تنهدت فيفيان الصعداء وخلعت ثيابها الضيقة ووقفت تحت المروحة تتمتع بتيار الهواء على جلدها الحار ثم ارتدت رداء وذهبت تبحث عن الحمامات لدي اقترابها من نهاية الممر هب شاب هندي يرتدي قميصا داخليا وشورتا كاكيا وقال مبتسما بتودد
-هل تريد انستي حماما؟
أومأت بالايجاب ففتح الشاب بابا ورافقها الى حمام فسيح وفتح الماء الباردة والساخنة ثم وضع منضدة خشبية قرب المغطس وقام بحركة انيقة مفادها انه يقدم لها ارقى سبل الاستحمام في كل بورما وخرج.
أقفلت الباب وخلعت حذائها كان الماء بلون الصدأ لكن صوت تدفقه انعشها وشوقها الى سرعة الاستحمام. لكنها ما ان خلعت ردائها حتى صرخت ذعرا اذ رأت أضخم صرصار رأته في حياتها يطل من تحت المغطس ويزحف باتجاه قدميها الحافيتين.
ظلت نصف دقيقة مسمرة في مكانها قرفا ثم عاد الصرصار فجأة الى مخبأه. ساورتها الاستغاثة بالشاب المسؤول عن الحمامات ليقتله ثم أدركت انه حتى لو فهم ما تريد سيعتبرها في غاية السخف لتخاف من حشرة لابد انها شائعة هنا. فاذا كانت تريد الاقامة في المناطق الاستوائية عليها ان تعود نفسها على الزواحف وقد تلتقي حتى ببعض الافاعي.
فكرة مواجهة الثعابين جعلتها تتسلق المغطس وبما انه من المحتمل ان يقرر الصرصار ان يصعد على جانب المغطس عدلت عن التنعم بالاغتسال وبدلا من ذلك استحمت واقفة وعينيها تراقب بحذر حافة المغطس تحسبا لظهوره من جديد.
بعد ساعة نزلت الدرج وهي ترتدي قميصا وتنورة قطنية ولدى اجتيازها المقصف رأت طاقم الطائرة يرتاح. كانت المضيفة قد ارتدت فستانا باهتا وبدت أكثر تألقا.
توقفت عند عتبة الردهة كان الدكتور سترانسوم والبروفسور لينتون وهو عالم بأصول الانسان نحيل أشيب تحدثت اليه فقترة في كالكوتا جالسين قرب الباب وأمامهما كأسان طويلان من الشراب المثلج.
قال البروفيسور مبتسما
-اَه انسة كونيل. هل تنضمين الينا؟ (وقرب كرسيا ثالثا).
شكرته فيفيان وتطلعت الى الدكتور كان قد انتصب واقفا لكن وجهه بدا خاليا من كا تعبير ولم تتأكد من ترحيبه بجيئها لانه لم يوجه لها الكلام طيلة اليوم.
-ماذا تريدين أن تشربي؟ اني انصح بعصير الليمون لاأحد يضاهي البورميين بصنع الليمون الطازج.
نادى البروفيسور نادل المقهى وقال بعد أن طلب الشراب
-في مثل هذا الوقت غذا نصل الى وجهتنا لا أستطيع القول بأنني أتمتع بالسفر جوا لا شك انه يوفر الكثير من الوقت لكنني أتسائل أحيانا اذا كانت الرغبة العصرية في السرعة قوة مدمرة أكثر منها بناءة. أظن انني قديم الطراز بتفكيري.
سألته فيفيان
-ما الذي يأخذك الى الملايو يا بروفسور؟
-انني أجري دراسة عن بعض القبائل المجهولة الأصل. لقد حدثني الدكتور سترانسوم عن عدد من الرحلات الاستكشافية غاية في الأهمية قام بها في الداخل. انك تعمل في موبينغ يا سترانسوم اي في ولاية براك الشمالية أليس كذلك؟
قالت فيفيان باندفاع
-موبينغ؟ انا ذاهبة الى هناك
علق الطبيب بجفاء
-أحقا؟
فمات فيض الأسئلة على شفتيها من الواضح ان الدكتور سترانسوم لا يريد التحدث معها عن موبينغ.
سألها البروفيسور عما اذا كانت زيارتها ستطول وهو غير مدرك للتحفظ القائم بين رفيقيه فأجابت
-لست أدري كم من الوقت سأمكث. لكن ذلك يتوقف على مدى انسجامي.
لكن الطبيب ظل جامدا ولم تتعرف اذا كان فهم قصدها.
-ستتمتعين بالاقامة يا انسة كونيل فسكان الملايو عرق مبهج. ومع ان الطقس مرهق فالمناظر الطبيعية خلابة... خلابة جدا. اذا انهيت شرابك اقترح ان ننتقل الى غرفة الطعام.
أخذوا أمكنتهم حول طاولة في قاعة الطعام المبردة فتابع قائلا
-أعترف بأنني أتطلع الى نوم مريح من الصعب النوم عميقا في الطائرة لمن هم في سني الا أنني أظنك تريدين رؤية المدينة قبل النوم انسة كونيل؟
-نعم أرغب في زيارة المعبد.
قال البروفيسور وهو يركز نظارتيه لدراسة قائمة الطعام
-أعتقد أن من الحكمة أن تصطحبي أحدا.
-لن أذهب سيرا على الاقدام سأستقل احدى العربات. هناك صف منها عند المدخل.
فقال الطبيب
-البروفيسور لينتون يعرف الشرق أكثر مما تعرفينه يا انسة كونيل. من غير المستحسن ان تخرج امرأة انكليزية بمفردها ليلا. أعتقد أنك لا تتكلمين اللغة؟
-كلا لا أتكلمها لكنني قادرة على العناية بنفسي يا دكتور سترانسوم.
-لاشك... في مدينتك في الزطن. هذه اسيا.
-الا تبالغ في التخوف؟
تفحصها بنظرته ثم قال
-انها ازمنة مضطربة لو اختبرتشعبا اسيويا يا انسة كونيل لما كنت بهذه الثقة الروايات والافلام تعطي صورة في غاية الرومنطيقية عن الشرق.
فردت بشكل لاذع
-لست تلميذة
فتدخل البروفيسور
-يا سيدتي الفتية أني متاكد من أن الدكتور سترانسوم لم يقصد اطلاقا بأنك تلميذة
ذاب انزعاج فيفيان ازاء لطافته فقالت
-أعتذر ان بدوت فظة في الواقع أظن أنني سأنام باكرا. لم أدرك كم ان الحر مرهق وقد اتمكن من رؤية المعبد عند عودتي.
بعد ان اكدت للبروفيسور انها غيرت رأيها فعلا استدرجته الى التحدث عن ابحاثه ومر باقي الوقت في جوودي على الرغم من عدم اشتراك الدكتور سترانسوم في الحديث مرة او مرتين رأته يراقبها بتعبير ساخر.
في الواقع فقد زاد نصحه الابوي في تصميمها على رءية المزار الشهير.
بعد العشاء عادوا الى الردهة لتناول القهوة وعندما تمنى لها البروفيسور ليلة هانئة ادعت انها ذاهبة الى غرفتها وبعد ان صعدت الى الطابق الاول نزلت الى الدرج وانسلت بحذر عبر البهو ثم استوقفت احدى العربات.
فيما كانت تعبر الشوارع في العربة الصغيرة الرثة والمريحة في ان وقميص السائق تخفق في نسيم الليل وقدماه تنزلقان على الدواستين شعرت فيفيان بشجاعة ممتعة فعلى الرغم من ان لا سلطة للدكتور سترانسوم تخوله منعها من زيارة المعبد بمفردها فان ممانعته اضفت على النزهة نكهة اضافية غذا ستخبره بأنها قامت بها وتضيف ملاحظة مقتضبة عن اهتمامه غير الضروري.
بعد رحلة بدت قصيرة جدا انزلها سائق العربة عند مدخل المعبد واذ رأت امرأة بورمية تخلع خفيها حذت حذوها وتركت حذائها مع بائع زهور ابتاعت منه باقة من الياسمين.
بدأت تتسلق السلم الضخم بدرجاته الدافئة والناعمة تحت أخمص قدميها الحافيتين على جانبي الطلعة منصات لبيع الازهار والاجراس وحلى صغيرة وشمسيات بيضاء صغيرة تهدى لبوذا. كان الباعة ينظرون اليها لدى مرورها ولكنهم لم يظهروا اهتماما زائدا بوجودها ولا عداوة بالتأكيد.
في أعلى الدرج وقفت على سطح مكشوف والقبب الذهبية الضخمة شاهقة فوق رأسها. كان السطح يتوهج بنور مئات الفتائل العائمة في صحون زيت صغيرة وتفوح في الهواء رائحة ازهار الياسمين واللوطس. ثم رأت فتاة بورمية رائعة امام صورة ضخمة مطلية بالذهب ورأسها الأنيق محني بخشوع.
انتهت من استكشاف المعبد بردهاته الكثيرة المظللة في الساعة التاسعة والنصف ولما استرجعت حذائها من بائع الازهار الودود قررت ان تعود الى الفندق سيرا على الاقدام كان الليل رائعا بملايين النجوم المتألقة في سماء مخملية سوداء فبدأت تدرك معنى سحر المدار الاستوائي. في مثل هذه الساعة تبدو المدن الانكليزية مقفرة وغامضة اما هنا في رانغون فالشوارع تبدو اكثر حركة منها في النهار فالناس يجلسون القرفصاء في الشوارع يدخنون ويثرثرون والاطفال يعدون في الازقة في مكان ما يصدح غراموفون وصوت بائع متجول يغني ترويجا لبضاعته.
كانت فيفيان مأخوذة بهذا النشاط الليلي فلم تعر اهتماما للطريق بدا لها ان الرحلة الى المعبد قد استغرقت عشر دقائق وتخللها انعطافان الى اليسار اذن السير يجب ان يستغرق نصف ساعة بانعطافين الى اليمين وفيما كانت تتبع مجموعة عربات انعطفت الى اليمين وقطعت مسافة قبل ان تدرك ان الشارع اكثر هدوءا من الشوارع السابقة عند الزاوية انعطفت ثانية الى اليمين ووجدت نفسها في طريق ضيقة ومظلمة.
فيما تنبهت بأنها ضلت طريقها قررت ان تتابع سيرها فبد ان تطل طريق رئيسية تستدل بواسطتها الى طريق العودة مضت عشر دقائق ولم يظهر امامها اي شارع عام فشعرت بوخزة انزعاج. فالحي الذي دخلته خطأ هو من الشوارع الخلفية ذات الازقة المسدودة اما البيوت فصغيرة وكان الناس الجالسون عند مداخلها يصمتون لدى مرورها ويراقبونها بتركيز مثير للأعصاب.
ثم رأت امراة عجوزا تقترب باتجاهها وعندما أصبحت قبالتها ترددت فيفيان وقالت
-فندق ستراند؟ ستراند.
نظرت المرأ بعينين جامدتين وتابعت طريقها.
-أرجوك لا تذهبي... ( ومدت فيفيان يدها ولمست ذراعها) ستراند فندق ستراند.
هزت المرأة رأسها بازدراء وفجأة تجمهر حولها شلة من المتفرجين ولعدم اعتيادها على الطريقة السحرية التي يتجمهر بها الاسيويون فجأة حول اي شيء سواء اكان حادث سيارة او شجار محلي شعرت بالذعر اذ وجدت نفسها مطوقة بجمهور متعاظم من المتفرجين وبدأت العجوز تبربر بأعلى صوتها وفي كل مرة تتوقف لتأخذ نفسا تجري همهمة بين الجمهور. وفي محاولة لاسكات رعبها قالت بصوت متوتر
-أريد الذهاب الى فندق ستراند. لابد ان احدكم يعرف اين يقع فندق ستراند.
ابتسموا لها بسخرية ورأت شابا مجدر الوجه على جبينه ندب جرح هميق يحدق الى حقيبتها.
تحققت انهم لا يستطيعون او لعلهم لا يريدون مساعدتها فاستجمعت قواها وهمت باجتياز الجمهور ولكن بدلا من التنحي جانبا وقفوا ثابتين فخشيت ان تفتح طريقها بالقوة لئلا ينقلبوا عليها. أطبقت أسنانها بمرارة نادمة على غرورها السخيف الذي قادها الى هذا الوضع لا جدوى من الاستغاثة في حي كهذا ربما اذا اعطتهم المال القليل الذي تحمله...؟
فجأة تبدد الجمهور مثلما قد تجمع حولها بسرعة لا تصدق. حتى المرأة العجوز أسرعت بالرحيل تتمتم لنفسها.
شعرت بارتياح خالطته حيرة لانفضاضهم المفاجئ بحثث في جيبها عن منديل كانت قطرات العرق تتساقط على وجنتيها ويداها مبتلتين.
-انسة كونيل؟ هل كنت تعززين العلاقات الانكليزية-البورمية ام انك وجدت اهتمامات اصدقائنا غير مرغوب فيها؟
ترنح قلب فيفيان وبلمحة فهمت ما حصل وقبل ان تراهواقفا في الطريق على بعد امتار منها عرفت ان ذلك الصوت البارد الساخر لا يمكن ان يكون غير صوت الدكتور سترانسوم.
راقبته وقد ابكمها الخزي يسير نحوها ويده في جيبه وقت لوت فمه ابتسامة بغيضة.
سألته بصوت مرتج
-ماذا كنت تفعل هنا؟
-أقترح ان نناقش الامر فيما بعد تعالي.
أمسك بمرفقها ودفعها بقوة الى الشارع.
-هذا المكان ليش أفضل جزء في المدينة وسكانه غير معتادين على الضيوف الاجانب لا سيما في مثل هذه الساعة.
كان دافع فيفيان الغريزي ان تحرر نفسها من قبضته لكنها ادركت انها ستضيف بذلك زيتا على سخريته وتزيد من سخف موقفها. رضخت للأمر الواقع وفي دقائق معدودة كانا قد وصلا الى احدى الشوارع الرئيسية.
أوقف الطبيب عربة وساعدها على الصعود اليها وعندما جلس الى جانبها اكتشفت ان هذه الناقلات قد صممت لأناس أصغر حجما من الاوروبيين فعلى الرغم من انها حشرت نفسها في اقصى زاويتها فانها لم تتمكن من تجنب ضغط كتفه على كتفها.
قالت بمرارة عند انطلاقهم
-لابد ان ما حصل يسرك كثيرا.
-كل كنت أفضلان امضي السهرة في المطالعة لكنني كنت شبه متأكد من انك ستضلين الطريق او تقعين في قناة الامطار.
غمرت الحمرة وجهها وحمدت ربها لان ظلال فطاء العربة تخفيها عنه سألته بصوت مسحوق
-كيف صادف وجودك هنا في تلك اللحظة؟
اشعل لفافة وعلى ضوء الولاعة رأت أنه كان لا يزال مستمتعا
-رأيتك تنسلين من الفندق.
-تعني انك تبعتني طيلة المساء؟
-نعم
-هل تمارس هواية ملاحقة الناس يا دكتور سترانسوم؟
أجاب بنعومة
-فقط عندما يصرون على الوقوع في المشاكل.
فصاحت بغضب
-أعتقد أنك تجاوزت الحد الأقصى فبأي حق تتعقبني في المدينة وتظن انني غير قادرة على الاهتمام بنفسي؟
فسألها بلطف
-هل انت قادرة؟
-كوني دخلت المنعطف الاخر ولم استطع التفاهم مع هؤلاء الناس لا يعني بالضرورة اني كنت معرضة للسرقة او القتل.
-بالتأكيد لا ومن المرجح انك كنت ستخافين كثيرا... حتى اكثر مما انت خائفة.
سألته بسخط
-ما الذي يجعلك تعتقد اني كنت خائفة؟
فمد يده وأخذ رسغها وقال باقتضاب
-نبضك المسرع
-اَه اعترف بأني خفت أرجو ان يرضيك ذلك كثيرا.
-على الاطلاق فقلد حذرتك من تعريض نفسك لمثل هذا الموقف. هل من عادتك تجاهل النصح دائما ام فعلت ذلك لأنني أنا نصحتك بذلك؟
قالت بعصبية
-لا يمكنك أن تتوقع مني شعورا بالود تجاهك.
-لم لا؟
لم تجب.
مرت هنيهة ثم قال
-تقصدين أنني لم اعرك اهتماما خلال الرحلة؟ لأنني لم ابدي حماسا خاصا لجلوسي قرب الفتاة الجذابة الوحيدة في الطائرة؟
لكم كان ذلك قريبا جدا وبعيدا جدا في الوقت نفسه عن الحقيقة بحيث لم تجد شيئا ترد به.
سألها بجفاء
-أهذا ما اعتدت عليه؟ اهتمام الرجال بك؟
-كلا هذا ليس ما قصدت.
-هلا شرحت اذن ماذا قصدتيه فعلا؟
فقالت بسأم
-أني... اه. لاشيء. لايهم.
أحست فجأة بأنها مرهقة فالحادث بحد ذاته وتوبيخات الطبيب المهينة أرهقت أعصابها أكثر مما تصورت فتاقت الى الانفراد بنفسها كي تنهي هذه المساجلة الكلامية المزعجة.
انعطفا حول زاوية وتوقفا أمام الفندق فقفز سترانسوم من العربة ومد يده لمساعدتها لكنها تجاهلتها ونزلت مثقلة من التعب ومصممة على ألا تسمح له بأن يكتشف مدى تعبها. رمى بقطعة نقدية للصبي وصعدا الدرج الى البهو. قال
-يجب أن تغسلي قدميك بمطهر قبل أن تدخلي غرفتك. لا أظنك تريدين الوصول الى الملايو وأنت مصابة بمرض جلدي.
أومأت فيفيان بالقبول فمهما كرهت أن تكون مدينة له أحست أن عليها واجب الاعتذار منه.
قالت بهدوء
-اسفة يا دكتور سترانسوم لأنني انفعلت. انني ممتنة لمساعدتك ولن اسبب لك ازعاجا في المستقبل.
-من الأفضل ألا تفعلي. فليس من عادتي ان اكون حارسا في المرة المقبلة عليك ان تنقذي نفسك بنفسك ان وقعت في مأزق. تصبحين على خير.
وقبل ان تتمكن من الرد انحنى امامها باحترام وابتعد عنها.
صبيحة اليوم التالي بدأوا الشوط الاخير من الرحلة متوقفين ساعة في بانكوك عاصمة سيام المتألقة الى ان وصلوا الى سنغافورة بعيد الظهر حافظت فيفيان على صمت رصين طيلة المرحلة الاخيرة من الطيران لكنها شعرت رغما عنها بخيبة لان الدكتور سترانسوم لم يودعها لدى هبوطهم.
في قاعة الاستقبال التقاها روبرت ادمز محامي عرابها وهو اسكتلندي أشيب انيس الوجه يرتدي بزة قطنية بيضاء وقبعة بنامية الشكل وحال اخراج امتعتها قادها ادمز الى فندق رافلز لا شك انه توقع ان تكون اكبر سنا او مختلفة بشكل ما ولم يتوقف عن التمعن فيها كما لو انها اوقعته في حيرة.
قال لها وهما يتناولان الشاي في الردهة
-الظائرة الى موبينغ تقلع غذا في الحادية عشر يا انسة كونيل. لقد اوعزت لخادم عرابك الراحل ان يلاقيك. اسمه تشن وهو يجيد الانكليزية. من جهتي ساتي الى المنطقة خلال ثلاثة اسابيع وستكونين عندئذ قد كونت فكرة عن موضوع الارث.
وبعد ان تباحثا في الامر سألته فيفيان عرضا
-هل تعرف أحدا يدعى دكتور سترانسوم في موبينغ يا سيد.
-بكل تأكيد. كان صديقا حميما للسيد كاننغهام ومستفيدا من الوصية. لا شك أن عرابك قد ذكر الطبيب في رسائله اليك.
هزت فيفيان رأسها بالنفي. كان عرابها يراسلها مرتين سنويا بمناسبة عيد ميلادها وعيد الميلاد ولم يحدثها مطلقا عن اي من مواطنيه.
اخذ ادمز يقلب غليونه بعصبية ثم قال بارتباك
-أظن ان من واجبي أن أخبرك يا انسة كونيل ان عرابك كان ناسكا الى حد ما لم يكن لديه متسع من الوقت لمواطنيه وقد استعدى البعض وحسب معرفتي فقد كان الدكتور سترانسوم صديقه الحميم الوحيد فان وجدت نفسك في مأزق انصحك باللجوء اليه.
كبتت فيفيان ضحكة وتسائلت عما سيقوله ادمز لو عرف انها قد التقت الطبيب وانه تنصل منها.
سألها ادمز
-هل هناك شيء اخر تريدين الاستفهام عنه لقد توقعت ان تكوني اكبر سنا طبعا هذا لا يغير شيئا والانسات الشابات اعتدن السفر بمفردهن هذه الايام.
ابتسمت فيفيان ليته يعرف كم كانت حياتها محاصرة لأيام خلت.
-سيد ادمز... قد يبدو سؤالي غريبا لكن هل تعرف لماذا ترك لي عرابي ملكيته؟ اذ لم تكن هناك صلة دم بيننا ولم اره لسنوات عديدة. كنا غريبين في الواقع.
نظر اليها المحامي متأملا وقال بعد تريث
-نعم انه سؤال غريب من عدة أوجه لكن جون كاننغهام كان رجلا غريبا. لقد وضع وصيته قبل وفاته بأشهر معدودة أعتقد انه كان يشعر بأن شيئا ما سيحدث... وفي ذلك الحين قلت له أن وصيته غير عملية. فالأمر الطبيعي هو بيع الملكية والتوصية لك بالربح لكنه أصر على ان ترثي الملكية كما هي.
فسألته بسرعة
-اذا فقد تعمد ان اتي الى هنا؟
-نعم كان يأمل ذلك وسبب عدم ايضاح ذلك في الوصية نتج عن رغبته في الا تعتبري ذلك واجبا عليك. لقد فكر انك ربما كنت مرتبطة وتنوين الزواج او ان لديك مهمة لا تستطيعين قطعها.
فهمست لنفسها
-اذا كنت محقة.
ثم أردفت بصوت مرتفع
-هذا ما اعتقدته لدى تسلمي لرسالتك ولكن ذلك بدا غامضا بشكل ما. ظننت لفترة انني مخطئة ويريحني أن أعرف أنني كنت محقة.
-هل لي أن أسئلك سؤالا شخصيا يا انسة كونيل؟
-بالطبع.
-هل كنت سعيدة مع اولئك الاقارب الذين عشت معهم؟
نظرت اليه وقالت بصراحة
-كلا لم اكن سعيدة. لقد احسنوا الي وانا اكن لهم امتنانا لانهم استضافوني لكنني لم اكن سعيدة ابدا.
قال باقتضاب
-هذا ما تكهن به عرابك.
-كيف حدس ذلك وهو لا يعرفهم؟
أفرغ ادمز غليونه وملأه من محفظة قديمة. مرت دقائق قبل ان ينجز العملية بشكل يرضيه ثم بحث في جيوبه عن ثقاب. وعندما اشعل الغليون اعتدل في جلسته وقال بتمهل
-ربما وجب ألا أخبرك بهذا لكنني اعتقد ان ذلك سيساعدك على رؤية طريقك بوضوح اكثر. عندما توفي والداك كان جون كاننغهام في الصين وحالما عرف بما حصل توجه الى بريطانيا لرؤية خالتك كان يريد ان يتبناك لكنها رفضت الافتراق عنك وقبلت بالمقابل عرضه بأن يسدد اجور تعليمك ومصاريفك الاخرى.
استقامت الى الامام وهي تحدق فيه مذهولة
-ماذا؟... لم تكن لدي اية فكرة. خالتي لم تذكر ابدا امرا كهذا.
قال بجفاء
-لا... خيل الي انها لم تفعل لذلك ترين ان الصلة بينك وبين عرابك كانت اقوى مما ظننت.
أذهلتها هذه الاخبار فقالت بعد صمت طويل
-اذن في الوقت الذي كنت اعتقد انه يجب علي ان اعترف لخالتي بفضلها علي كان عرابي هو الذي يعيلني فعليا.
-نعم هذا ما حصل فعلا.
-اذا كان عرابي يريد ان يتبناني لماذا رفضت خالتي؟ فهي لم تحبني ابدا.
-قلما تكون دوافع الناس واضحة ارجو ان لا اكون اقلقتك يا عزيزتي باطلاعك على هذه الوقائع لكنني كنت اكن محبة واحتراما كبيرين لجون كاننغهام واعتقد انه يجب ان تعرفي الحقيقة فقد يؤثر ذلك على قرارك بالنسبة الى مستقبل الارث.
اجابت بهدوء
-انا مسرورة جدا لانك اخبرتني يا سيد ادمز ليتني عرفت ذلك منذ فترة طويلة هذا يفسر اشياء كثيرة عجزت عن فهمها.
لم يكن ادمز رجلا يعبر عن عواطفه كان عازبا يتضايق من سلوك الفتيات العصريات بتبرجهن وحركاتهن غير المتكلفة اما الان ولأول مرة منذ سنوات طويلة شعر بحنان غريب نحو هذه الفتاة الصغيرة ذات العينين الصافيتين والنظرات الحائرة ولدهشته رأى نفسه يربت على يدها ويقول بلطف
-يجب ان ترتاحي الان لقد اجتزت مسافة طويلة واماك اكثير لتفعليه عندما تصلين الى موبينغ ستجدين تشن الذي سيهتم بك. ساتي لزيارتك بعد اسوبع او اسبوعين في هذه الاثناء بامكانك الاتصال بي هاتفيا في مكتبي تشن يعرف الرقم اتمنى لك حظا سعيد يا عزيزتي واذا جاز التعبير اعتقد ان عرابك قد ترك ارضه بأيد أمينة.
عندما استأذن وخرج جلست فيفيان تعيد التفكير بما كشفه لها لقد غال عنها في البداية سبب رفض خالتها ان يتبناها عرابها ثم بدأت الدوافع تتراءى لها تدريجيا.
جون كاننغهام كان اقرب صديق لوالدها ومن المرجح انهما كانا متشابهين وبرفضها التنازل عن وصاية ابنة اختها ربما شعرت السيدة سنكلير انها كانت تنتقم من مايكل كونيل الذي كانت تبغضه بطريقة غامضة وملتوية ومع ذلك فقد قبلت المالة لاعالة فيفيان.
احست بموجة قرف أثلجت أطرافها وفكرت بحماسة "لن اعود ابدا... ابدا".
لم تدرك انها غرقت في افكارها لاكثر من ساعة سألها نادل المطعم الصيني عما اذا كانت ترغب في تناول شراب قبل العشاء ابتسمت له وهزت رأسها نفيا وذهبت الى غرفتها حيث أخرجت حاجاتها لقضاء الليل. ثم توجهت الى مكتب الاستقبال وأملت برقية مقتضبة لعائلة سينكلير تبلغهم بأنها وصلت بهير. كما تأكدت من ساعة اقراع الطائرة الى موبينغ صباح اليوم التالي وحجزت سيارة لتنقلها الى المطار.
سارت نحو قاعة الطعام وهي تتسائل كيف ستمضي المساء حين سمعت صوتا يقول
-عفوا هل سمعتك تقولين انك ذاهبة الى موبينغ؟
ورأت رجلا نحيفا أشقر الشعر يرتدي سروالا قطنيا ناصع البياض وقميصا مفتوحا عند العنق يقف الى جانبها.
-أرجوك اعذريني لتحدثي اليك بهذه الطريقة ولكن هناك نحو ثلاتين اوروبيا في موبينغ فقط وعندما نسمع بوصول شخص جديد تنتصب اذاننا تلقائيا.
ثم ابتسم ليسترضيها فبدت أسنانه ناصعة البياض اردف قائلا
-ادعى باركلي. جوليان باركلي. اني عائد بطائرة الصباح ايضا لذلك يمكنني ان اعرف عن نفسي يا انسة...
فقدمت فيفيان نفسها
-ارجو ان لا تكوني غاضبة يا انسة كونيل؟
سألته بتعجب
-كلا ولماذا أغضب؟
قال بضحكة خفيفة
-الفتيات الجميلات يحذرن دائما من التحدث الى رجال غرباء اليس كذلك؟ ويفترض في سنغافورة ان تعج بذوي الاخلاق المنحلة. اسمعي لماذا لا نتقاسم غروب الشمس معا واحدثك كل شيء عن موبينغ؟ ام ان عائلتك ترافقك؟
-كلا انا هنا بمفردي.
-حسنا هل نتوجه اذن الى البهو؟ الجو ابرد هناك ولن يزدحم قبل فترة.
بينما كان مضيفها يطلب الشراب القت عليه فيفيان نظرة فاحصة. بدا في السابعة والعشرين وغير متكلف تبادر لها انه نقيض الدكتور سترانسوم والسلوك معا.
سألته لدى وصول الشراب
-كم من الزمن امضيت في الملايو يا سيد باركلي؟
-ستة اشهر للأسف "واخرج علبة سكائر ذهبية قدمها لها" انني رجل مغترب يعيش من اموال الوطن. فعائلتي رأت أنني لا أحمل الحياة محمل الجد فأرسلتني الى هنا لاعاني قسوة الحياة لفترة ما. كان بالامكان ان يكون الوضع اسوء. ما الذي جاء بك؟ لا تبدين مرشدة اجتماعية وانا متاكد انك لست بمبشرة ايضا.
قالت فيفيان بتهرب
-اه... الاعمال فقط.
اعجبها جوليان باركلي للوهلة الاولى ولكن بعد الذي سمعته من المحامي عن وجود خصوم عرابها في بعض المناطق شعرت انه من غير الحكمة ان تأتمنه على اسرارها قبل ان تتعرف اليه عن كثب.
ان كنت ستتوجهين الى فندق الاستراحة فسوف تحتاجين الى قناع واقي من الغاز فهذا موسم الدوريان.
-موسم ماذا؟
-الدوريان. انها فاكهة استوائية لذيذة لكن رائحتها كالبيض الفاسد اثناء الموسم تعبق المدينة بأسرها برائحتها وفندق الاستراحة يقع مقابل سوق الفاكهة.
-الامر سيان فانا لن انزل هناك.
ضحكت لمرأى الفضول يرتسم على وجهه فسألته
-هل موبينغ مدينة كبيرة؟
استند جوليان الى مسند كرسيه ومدد ساقيه فلاحظت انه ينتعل حذاءا مصنوعا باليد علبة سكائره وولاعته من الذهب وكذلك ساته دون ريب. يبدو انه شاب ذو امكانيات. قال
-انها متوسطة الحجم. هناك ناد للسباحة وقاعتان للسينما ومخزن اوروبي اجتماعيا هي ميتة. الجميع يعرف الجميع وليس هناك ما يفعلونه سوى الاكل والشرب والنوم والثرثرة. وبعد ان توفي رجل الاسرار اصبح سوق الفضائح راكدا.
-رجل الاسرار؟ من هو؟
-رجل عازب كبير السن غريب الاطوار عاش بمفرده في قصر ضخم على حدود المدينة ورفض التعاطي معنا جميعا. كان ينتقل في سيارة رولز-رويس قديمة وعلى سطحها شعار علم بريطانيا كان مجنونا بالطبع وكنا نتسلى بالتحدث عن تصرفاته الغريبة.
تذكرت ما قاله لها ادمز في وقت سابق فسألته
-الم يكن يدعى كاننغهام؟
-بلى. اذا انت سمعت عنه؟
لم يعد لديها خيار الان الا ان تكشف الامر فقالت له بهدوء
-لقد كان عرابي.
فارتفع حاجباه وقال بارتباك مثير للضحك
-يا الهي. انني متأسف للغاية. طبعا لم تكن لدي اية فكرة... هذا سيجعل الالسنةتدندن. أتقصدين أنك ستعيشين في ذلك الضريح الضخم؟ اه يا الهي لم اقصد ذلك. اقصد انهم بقولون انه قصر حقيقي من الداخل اسبه بقصر حكاية الاميرة النائمة ويحيط به حاجز من الادغال.
قبلت فيفيان اعتذاراته المتدفقة واقرت له بأنها ستقيم في منزل عرابها مدة من الزمن.
فقال
-من الافضل ان تهيئي نفسك لأن تكوني الموضوع الرئيسي لثرثرة موبينغ لمدة اسابيع. فالجميع سيريد رؤيتك... اتسائل كيف ستكون ردة فعل الدكتور سترانسوم؟
-الدكتور سترانسوم؟ لقد التقيته في الرحلة من لندن.
-حقا؟ اه نعم الان ادركت لقد ذهب الى بريطانيا بعد وفاة كاننغهام عرابك لالقاء محاضرة كيف وجدتيه؟
-بالكاد عرفته. لماذا تتوقع منه انطباعا مختلفا؟
قال جوليان بشيء من التلذذ وكأنه يتوقع موقفا مثيرا
-لأنه الاوروبي الوحيد الذي كان على علاقة بعرابك ولانه من النوع الذي لا يأبه للنساء اعتقد انه لم يعرف من تكونين حقيقة؟
-كلا لا اعتقد.
-اه يا انسة كونيل اتوقع ان تصبح الحياة اكثر حيوية بعد مجيئك اننا بحاجة لما يبعد عنا الملل واذا لم اكن مخطئا فان وصولك سيثير ضجة.
قالت بحرج
-ارجو الا يحصل ذلك. لا اريد ان اكون محط اهتمام.
-انت اول فتاة اجدها عازفة عن ذلك. فمعظم الفتيات يثيرهن الاهتمام.
-لابد انني مختلفة عنهن فانا افضل الهدوء والسكون سيد باركلي اتسائل ان كنت لا تمانع في عدم ذكر التقائك بي؟ فاذا كنت سأكون مدار حديث فانا احتاج الى يوم او يومين لأستقر اولا.
فقهفه ضاحكا وقال
-اسف ولكن من الواضح انه ليس لديك فكرة عن مدينة صغيرة في الملايو اولا ان سكان البلاد سيهتمون بك بقدر ما سيهتم بك الجمهور الانكليزي ثم لا امل لديك باجتياز المدينة من دون ان يلاحظك احد.
واضاف
-لاتقلقي يا فتاتي العزيزة فقليل من الكلام لا يضر احدا وهو سيتوقف عندما يرون انك كائن بشري فالثرثرة تحتاج الى شيء تقتات به وانت تبدين لي طبيعية وساحرة للغاية.
ثم رمقها بابتسامة معينة لم يكن هناك مجال للخطأفالاعجاب واضح في عينيه الفرحتين البنيتين شعرت فيفيان باحمرار ينسل من حلقها الى وجهها ثم قال
-ها تتناولين العشاء معي؟ لا يمكنك ان تمضي اول مساء في سنغافورة وحيدة. كذلك اريد ان ابحث معك في هذا الوضع المثير. ارجوك قولي نعم.
حاولت فيفيان ان تتصور رد فعل عائلة سنكلير لو استطاعت رئيتها تجالس شابا غريبا ودعاها لتناول العشاء انهم سيصدمون حتما ويعارضون. الدكتور سترانسوم سيعارض ايضا وحدست بانه سيعتبر جوليان شخصا يعوزه التهذيب.
قال جوليان مستفزا
-تبدين شديدة الشك. هل تريدينني ان انادي المدير ليطمئنك بانني مواطن محترم ملتزم بالقانون؟
ضحكت معجبة بطريقته المتهورة في معالجة الحياة وبسهولة تودده.
واجابت برزانة
-شكرا يا سيد باركلي سيسرني تناول العشاء معك.

نهاية الفصل الاول


مغربيةوأفتخر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس