عرض مشاركة واحدة
قديم 18-06-13, 12:58 PM   #30

مغربيةوأفتخر
alkap ~
? العضوٌ??? » 296441
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 762
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » مغربيةوأفتخر is on a distinguished road
¬» مشروبك   fanta
¬» قناتك max
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل السادس


غادر جوليان المعسكر بسرعة جنونية جعلت فيفيان تتمسك بطرف المقعد. ولما بلغا الطريق العام زاد من سرعته. وفجأة اوقف السيارة واطفأ المحرك...


قبل ساعات من موعد حفلة الجيش صعدت فيفيان لتستريح في غرفتها ولم تقدر ان تغفو لكثرة هواجسها فأخذت تقرأ كتابا عن القبائل القديمة التي تعيش في الادغال الكثيفة الواقعة في شمال موبينغ وغربها. انهت الفصل الأول ثم وجدت نفسها عاجزة عن استيعاب السطور فوضعت الكتاب جانبا واستسلمت لأفكارها القلقة.
هي سيحضر طوم الحفلة؟ هذا السؤال كان الباعث على توترها. قال جوليان ان جميع الاشخاص المرموقين سيحضرونها وقد يقرر طوم الا يحضرها لهذا السبب بالذات ومع ذلك شعرت بامكانية ذهابه نظرا للانسجام الجديد الذي نما بينهما ليلة اخذت له الرزمة.
شعرت بشيء من الذنب لتقبلها رفقة جوليان في حين ان الاستعدادات التي انجزتها بلهفة كانت لصالح رجل اخر. فأملها الواهي بان ترى طوم هناك جعلها تهيء الفستان المعلق في الخزانة كي تبدو جميلة في عينيه... في الصباح غسلت لها كيم شعرها وفوحته مرات عديدة بماء العطر بعد ان اضافت له نوعا خاصا من العطر الصيني كي يلتمع كالذهب ويبعث اريجا ناعما.
تناولت عشاء خفيفا في الساعة السادسة ثم استحمت بماء فاتر الحقته بدوش بارد ثم لفت جسمها المتألق بعباءة قطنية وبدات تزين وجهها.
رشة خفيفة من البودرة لمسة رشيقة من ظلال العيون مسحة بسيطة من الزيت الملمع على حاجبيها واهدابها الطويلة الداكنة. هذا كل ما احتاجته لتبرز صفاء بشرتها الملوحة بالشمس. ولما طلت شفتيها بلون زهري ادخلت كيم شريطة فضية في شعرها الأشقر ثم عقصته بشكل ثاج.
وقالت فيفيان مبتسمة
-الان جاء دور الفستان.
قهقهت الوصيفة بانفعال وهرولت الى الخزانة فأخرجت منها الثوب الذي صممته فيفيان بنفسها. كان من الشيفون الابيض المهفهف صدره مفصل ببساطة كبلوزة اغريقية وتنورته كثيفة الثنايا استهلكت اثني عشرة ياردة من القماش. اما الخصر فيلفه وشاح عريض من الشاش المرصع بالفضة صنع مدينة بنارس.
زينت فيفيان عنقها بعقد الجاد وتأملت شكلها في المرآة. تراءى لها لوهلة اولى انها تواجه فتاة غريبة اذ بدت اطول قامة وذات نحول اثيري فيما تألقت عيناها بخضرة تحاكي الجاد الذي يزين عنقها.
انتظرت وصول جوليان وسألها وهو يجلسها داخل السيارة
-ملهوفة؟
-جدا اشعر كسندريلا.
-اذن ارجو الا تختفي في منتصف الليل فالحفلة قد تمتد حتى الفجر.
عندما دخلا بوابة المعسكر رأت ان سرداقا ضخما قد اقيم خارج مطعم الضباط وقد زين بأضواء ساحرة وقناديل ملونة.
استقبلهما عند مدخل السرادق الكولونيل ميتلاند وهو رجل طويل القامة شائب الشعر ولم تجد فيفيان اي شبه بينه وبين ابنته الرائعة الحسن. قادهما احد الجنود الى مائدة وفيما انشغل جوليان بطلب الشراب تلفتت حولها تتفحص المكان. الاعمدة ملفوفة بأوراق النخيل وكل مائدة مزينة بزهور استوائية. اما الضباط فيرتدون سراويل سوداء ضيقة واحزمة قرمزية عريضة وسترات بيضاء قصيرة تحمل شارات ذهبية.
كان هناك عدة اشخاص صينيين ورفيعي المقام يجلسون الى مائدة الكولونيل في اثوابهم الرسمية وفيما بدت السيدات الاوروبيات في فساتين سهرة عصرية ظهرت الصينيات في اثوابهن الوطنية المطرزة. اما الهنديات فكن يرتدين الساري الجذاب. سألها جوليان عن رأيها فيما ترى فقالت
-انها رائعة. اشعر فعلا اني سندريلا اخرى اذ لم احضر من قبل احتفالا راقصا كهذا.
-هل نرقص؟
-اجل فلا اريد ان اضيع دقيقة من الوقت.
اتجها الى قاعة الرقص حيث تعزف فرقة الجيش فلم تلحظ نظرات الاعجاب التي لاحقتها. لكن جوليان فطن لها ولذا انطوت لمسته على شعور بالملكية وهو يدور بها على الحلبة وقال لها مبتسما
-اني اشتم رائحة منافسة ففي اي لحظة سوف يصطف الشبان المنبهرون بك لينتزعوك مني.
ضحكت اذحسبته يمزحلكن سرعان ما اتضحت صحة كلامه حين تقدم الى مائدتهما احد معارف جوليان داعيا اياها الى الرقص ثم امضت نصف الساعة التالية تنتقل من رفيق الى اخر حتى جاء جوليان واستعادها من احدهم. فقال لها مداعبا
-ارأيت اني كنت مصيبا؟ لقد وصل اصدقائي. تعالي اعرفك اليهم.
-آسفة لاني تركتك بمفردك. لم اقصد ان اهجرك لكني لم استطع التهرب منهم بسهولة.
رد مبتسما
-اخشى ان تتركي وراءك بعض القلوب المحطمة يا حلوتي.
عرفها الى مجموعة اصدقائه وفيما كانت تتحدث مع روس وليزا كارتر وهما زوجان شابان يملكان مزرعة مطاط في ضواحي موبينغ الشمالية خيم صمت مفاجئ على الشرادق فاستدارت الرؤوس نحو المدخل كما لو ان قوة مغناطيسية جذبتهم.
كانت كارا ميتلاندتجول بعينيها الزرقاوين في المكان المكتظ وتواجه الجمهور المنسحر بوقفة دراماتيكية متأنية ثم ابتسمت لرفيقها واتجهت الى مائدة والدها.
وهنا اخذ الجميع يتكلم دفعة واحدة فقالت ليزا كارتر باعجاب
-يا له من ثوب.
وقال زوجها
-يا لها من فتاة.
التفتت الى جوليان فاذ به يشعل لفافة.
فتحت مروحتها العاجية وحدقت اليها تفكر. تستطيع بدون ان ترفع رأسها ان تتذكر مظهر كارا بالتفصيل... ثوب الحرير الارجواني الملتصق بقوامها الرائع والذي لا تجرؤ على ارتدائه الا امرأة فائقة الثقة بنفسها وبشكلها. القرطان المتدليان بألق على عنقها البض الشعر الأسود المسحوب عن جبينها الأملس والشفتان الفاقعتان الحمرة والمنفرجتان عن ابتسامة ساخرة.
في الحادية عشرة بلغت الحفلة اوجها ومع مرور الدقائق بدأت فيفيان تفقد الأمل بمجيء طوم. حاولت اقناع نفسها بانه قد استدعي ربما لزيارة مريض وبذلت جهدا لمشاركة الاخرين لهوهم ونكاتهم.
وما بين رقصة واخرى اقترحت ليزا كارتر ان تستريحا قليلا فوافقتها فيفيان وذهبتا مع الى غرفة التواليت.
اخدتا تصلحان زينتهما فخاطبتها ليزا بصراحة وصدق
-لقد فوجئت بك الى حد ما فانت تختلفين تماما عن صديقات جوليان.
-لست صديقة حميمة له بل مجرد صديقة عادية.
-هذا ما قصدته.
-ليزا انا لا احب التدخل في ما لا يعنيني لكن جوليان يقلقني احيانا.
-من اي ناحية؟
ترددت فيفيان لخشيتها من مغبة المصارحة لكن ميلها العفوي الى الفتاة اشعرها بانها اهل للثقة. فأضافت دون مواربة
-اعتقد انه يحب كارا ميتلاند.
-انت ذكية فمعظم الناس لا يفهمون حقيقة جوليان ويظنونه قاسي المشاعر. اوه كان في الماضي شابا لعوبا... والى ان التقى كارا.
-ماذا حدث حينذاك؟
اشعلت ليزا لفافة وقالت و هي ترقب تصاعد الدخان
-كنت في النادي ليلة التقيا وبدا وقتها كما لو انه ضرب على رأسه بهراوة كذلك بدت كارا. ظلا طوال السهرة يحدقان الى بعضهما البعض. بعد ذلك اكتسب انجذابهما كل اعراض الحب المحموم. جاء بها مرة الى مزرعتنا وقضيا النهار يهاجمان بعضهما بعضا ويتبادلان نكاتا لاذعة اقلقت زوجي لفرط حدتها وهو عادة لا يلحظ انفعالات الناس الداخلية. لم يكن يبدو عليهما حبهما المجنون لبعضهما الا حين يظنان ان الاخرين لا ينظرون صوبهما.
توقفت ونفضت رماد لفافتها فسألتها فيفيان
-ثم لماذا...؟
-لماذا افترقا؟ لان كليهما لم يجرء على الظهور بمظهر الاحمق فكلاهما معروف بحبه للهو والعبث جوليان يتبجح دائما بانه عازب خالد وكارا تسلي نفسها برفقة الشبان ولا تلبث ان تتركهم حالما تضجر منهم. وحين وقعا اخيرا في الحب الحقيقي لم يجرؤا على الاعتراف به خشية ان يقلب احدهما الطاولة على الاخر.
فهتفت فيفيان
-هذا تصرف جنوني فلا بد انهما ادركا حبهما العميق لبعضهما البعض.
-اشك في ذلك فمن الصعب على الرجل العابث ان يعترف بالحب لخشيته من الاصابة بخيبة. ومن جهة كارا تصوري نفسك واقعة في حب رجل لا يعطيك اي دلالة على حقيقة شعوره نحوك فهل تجدين الجرأة على مصارحته بحبك لمجرد الظن بانه يبادلك هيامك؟
فقضمت فيفيان شفتها وقالت
-لا اعتقد ذلك انما الرجال هو الذين يبادرون عادة بالمصارحة.
-صحيح لكن بوسع المرأة ان تعطي الرجل دلالة واضحة على انها ستتقبل حبه في حين ان كارا حجبت مشاعرها عن جوليان.
-الا يمكنك ان تخبريه؟
-لن يصدقني ابدا. انهما يحتاجان الى مواجهة كارثة للاقرار بالأمر الواقع. اذا حوصرا مثلا في بناية محترقة فقد يسارعا الى الاعتراف وباستثناء ذلك لا يمكن لأحد ان يساعدهما على مواجهة الحقيقة.
عادا الى الطاولة فوجدا الخدم يقدمون سلطات باردة ومعجنات بالكاري والنقانق وكلها مصنوعة في مخبز المعسكر. وفيما كانت تتناول بوظة الاناناس بلا شهية سمعت صوتا يقول
-مساء الخير. هل لي ان اجلس واياكم؟
فأزاح جوليان كرسيه ونهض يقول
-مرحبا يا سترانسوم. سمعت انك خارج البلدة.
كادت البوظة تنسكب على حضن فيفيان لعظم المفاجأة فحياها طوم بهدوء وردت له التحية بصوت مهتز فيما راح قلبها يهدر بين ضلوعها.
قالت له بخفة حين جلس الى جانبها وجاءه النادل بصحن سلطة
-لم احسب انك ستأتي.
فقال وهو ينظر باعجاب الى شعرها وثوبها وكتفيها الناعمتين
-احقا؟ كنت خارج البلدة كما قال باركلي لكني استطعت العودة لحضور الاحتفال. هل تستمتعين بالسهرة؟
-كثيرا.
كل ما هيأت في ذهنها من عبارات سلسة تقلصت فجأة. انحنى الى الامام ليتناول قطعت خبز فاختلست النظر اليه ولاحظت ان سترته البيضاء تبرز سمرته الغجرية قال لها
-البوظة بدأت تسيل في صحنك.
ازاحتها جانبا وقد فقدت شهيتها. خاطبها جوليان فأجابته آليا. وروى احدهم نكتة فشاركت في الضحك. كانت اشبه بممثلة تؤدي الدور المطلوب منها فيما قلبها يضرب جوانب صدرها لفرط احساسها بوجوده قربها.
اخيرا عادت الفرقة الى العزف فدعاها روس كارتر الى الرقص ثم رقصت مع جوليان ورجلين اخرين قبل ان تتحول الفرقة الى مقطوعة فوكستروت وسألها طوم
-هل تسمحين لي بهذه يا فيفيان؟ من بعد اذنك يا جوليان.
اجاب الشاب ملوحا بحركة قبول مبالغ فيها
-بالطبع يا صديقي.
كانت الحلبة مزدحمة فقربها ذوم الى صدره وبرغم الحر احست بجفاف يده وبقبضته الحازمة على يدها. رقصا في صمت واغمضت عينيها مستسلمة للايقاع المتهادي.
لما انتهت المعزوفة ظل ممسكا بيدها وقادها عبر باب فضي الى حديقة خلفية. جلسا على اريكة من الخيزران وقدم لها لفافة. وفي ضوء الولاعة التقت عيناه الضيقتان الغامضتان بعينيها المفعمتين رقة وبهجة.
-تبدين الليلة في غاية الجمال.
فأجفلت بحيرة وتسارعت انفاسها. كم من المرات تسائلت عما سيكون شعورها اذا خاطبها يوما بهذه النبرة المميزة والان حدث ذلك فشعرت بخوف مفاجئ كالذي انتابها ليلة حاول جوليان اثارة عواطفها لكن هذا الخوف اشد حدة والحاحا.
ضغط على كتفها ضغطة خفيفة وسألها هامسا
-فيفيان هل انت طفلة ام امرأة؟
انقشعت الغيمة التي كانت تحجب القمر ففاضت الحديقة بوهج باهت. قال بلطف
-لا احسبك تعرفين نفسك. خير لنا ان نعود قبل ان يتسائل رفاقنا عن مكاننا.
مس كتفها مرة ثانية ثم ساعدها على النهوض فانتهى بذلك لقاؤهما القصير.
رافقها الى الطاولة واستأذن بالانصراف فشعرت فيفيان انها قد فشلت في التغلب على عقبة مهمة... هل انت طفلة ام امرأة... تردد السؤال في ذهنها وتسائلت عن مقصده؟ كيف كان عليها ان تجيبه؟
وسمعت جوليان يستوضحها
-تبدين مكتئبة يا حلوتي. ماذا قال لك سترانسوم حتى تكدرت الى هذا الحد؟
-لا شيء... لا شيء بتاتا. ارغب في احتساء شراب بارد.
رفع ابريق الشراب وملأ كأسها ففاض السائل على مفرش المائدة. اعتذر منها وجفف اللطخة بفوطة السفرة. لاحظت ارتجاف يديه وهو يشرب كأسه ويملأ آخر.
رفعت ليزا حاجبيها ورمقت فيفيان بنظرة ذات معنى. ثم وقف وامسك برسغ فيفيان داعيا اياها الى الرقص.
فكرت انها اذا استطاعت ان تبقيه نصف ساعة على الحلبة فقد تجنبه الوقوع في وضع حرج انما لسوء الحظ التقيا كارا ميتلاند ورفيقها عند باب قاعة الرقص. املت ان يقتصر اللقاء على تحية عابرة الا ان كارا خيبت رجاءها حين قالت لجوليان وهي تبتسم له باشراق
-جوليان اين كنت تخبئ نفسك؟ لقد تفاجأت الان بوجودك هنا.
ثم التفتت الى فيفيان قائلة
-مساء الخير انسة كونيل. هل لي ان اعرفك الى الكابتن ساندفورد؟ انحنى لها الرجل الطويل العريض المنكبين وقال
-كنا في طريقنا الى المقصف. هل ترافقاننا اليه؟
قبل جوليان الدعوة بسرعة وشوقا طريقهم وسط الزحام الى المقصف المجاور لقاعة الرقص. كان الجو عابقا بدخان اللفائف واضطروا الى الوقوف لعدم وجود مقاعد شاغرة.
طلبوا شرابا وسرعان ما اخلي كرسي فجلست كارا عليه وادخلت لفافة في مقبض مرصع بالماس. بادر الرجلان الى اخراج ولاعتيهما فسبقه جوليان الى ذلك. شكرته كارا وهي تضع اصابعها البضة حول رسغه لتثبت اللهب فرأت فيفيان عضلات فكه تتقلص.
الدقائق العشر التالية كانت عذابا بالنسبة اليه اذ عمدت كارا بقسوة واضحة الى مغازلة الكابتن ساندفورد حيث شبكت ذراعها بذراعه ورمقته بنظرات مغرية وهي تناديه "حبيبي جيمي" كلما خاطبته. كان اداء بارعا من شأنه ان يقنع مطلق شخص غريب بانها مغرمة به فعلا ويجعله يتسائل في الوقت نفسه عما يجذبها الى رجل يخلط كلامه بقهقهات سخيفة مجلجلة.
اخذت فيفيان تراقبهم واستغربت عجز جوليان عن استشفاف تصرف كارا المخادع ثم خشيت ان يفقد اعصابه اذا استمرت هذه التمثيلية وان يصب جام غضبه على الكابتن الغافل عن الدافع الحقيقي الى مغازلات كارا المداهنة. امسكت بيده غريزيا فاحست انه غير شاعر بوجودها مع انه ضغط على يدها وابتسم لها باقتضاب وهتفت كارا
-حبيبي جيمي انهم يعزفون اغنيتنا. تعال نرقص.
تقلصت يد جوليان بعنف فكادت فيفيان ان تصرخ الما. ثم قالت حالما انصرفا
-هل لنا ان نخرج قليلا من هذا الجو الخانق؟
حدق اليها بدون ان يبصرها فأخذتها الشفقة عليه وقالت لتخفف غضبه
-انها ما تصرفت هكذا الا لتثير حنقك يا جوليان.
-ماذا تقصدين بحق الشيطان؟ وهل يهمني اذا ارتأت ان تقذف نفسها على ذلك الحمار المغرور؟
طلب كأسا اخرى من الشراب ولما خذرته من مغبة ذلك صرخ فيها
-كفي عن النق بحق السماء انا ادرى منك بمصلحتي.
بدأ الناس يراقبونهما بفضول وتصورتهم فيفيان يتهامسون بخبث وشماتة. قالت له بوصت منضبط
-عن اذنك. سوف اعود الى السرادق.
-اسف يا فيفيان لقد جرحتك.
-لا بأس.
قاربت الساعة الثانية صباحا فبدأ المدهوون ينصرفون تباعا. ثم قال الزوجان كارتر انهما سيذهبان بدورهما كذلك اقترح جوليان ان ينصرفا ايضا مما اثار استغرابها.
سألتها ليزا عندما دخلتا غرفة التواليت لاسترداد دثاريهما
-أأنت متأكذة انك ستكونين في امان؟ اخشى عليك من تهور جوليان في قيادة السيارة. بوسعنا ان نوصلك نحن الى البيت.
-اظنه سيغضب اذ ذهبت معكما ويبدو الان اهدأ حالا.
غادر جوليان المعسكر بسرعة جنونية جعلت فيفيان تتمسك بطرف المقعد ولما بلغا الطريق العام زاد سرعته فخطر لها ان تطلب اليه تخفيفها لكنها فضلت الا تشوش تركيزه على القيادة. بعد قليل بدأ هدير المحرك ووهج الأضواء الأمامية يحدثان فيها تأثيرا مخدرا فأغمضت عينيها. وفجأة توقفت السيارة فرمشت اهدابها وسألته
-هل وصلنا البيت بهذه السرعة؟
اطفأ جوليان المحرك وقال باسترخاء
-فكرت ان ننهي السهرة باحتفال خاص.
نظرت من النافذة فرأت السيارة متوقفة في مرآب غريب اردكت انه بيته.
-هل انت جاد في دعوتي الى زيارة بيتك في الساعة الثانية والنصف صباحا؟ ماذا دهاك يا جوليان؟
-ومن سيعلم بالأمر؟ انسي تحفظك يا حبيبتي.
جذبها اليه وحاول معانقتها فانتزعت نفسها من قبضته الخشنة ثم فتحت الباب وقفزت مهرولة على الطريق.
تبعها جوليان وحاول الامساك بذراعها فهتفت وهي تتراجع
-لا تلمسني من فضلك.
-اتواجهين مشكلة؟
استدارا معا وقد اجفلهما الصوت الثالث الذي انبعث فجأة من الفضاء. ثم خرج شخص طويل من ظل شجرة وسمعا طوم سترانسوم يسأل ببرود
-هل يزعجك باركلي؟
فانفجر جوليان هاتفا
-اسمع يا سترانسوم. لقد تحملت منك الكثير هذه الليلة. ما هدفك من التسلل الى حديقتي كصعلوك؟
تجاهله طوم وقال لفيفيان
-سآخذك الى بيتك.
فزعق جوليان ثائرا
-ايها الشيطان لقد حاولت احتكارها في الحفلة والان تجرأت على المجيء الى هنا. انت نذل حشري في رأيي وهذه المرة تخطيت حدودك هيا اخرج من هنا فورا.
قذف طوم لفافته في القناة ولمعت عيناه كالفولاذ. قال لفيفيان دون ان ينظر اليها
-هل لك ان تذهبي وتنتظريني في السيارة؟ لن اتأخر كثيرا.
اوشكت ان تتمثل لطلبه لكن جوليان قفز فجأة الى الامام ليسدد لكمة عنيفة الى رأس طوم الذي تفادى الضربة بساعده الأيسر ولكم فك جوليان بضربة رشيقة وكأنه يتعامل مع تلميذ هستيري. ترنح الشاب لحظة ثم تهاوى متأوها فأسنده طوم وقال لها
-لابأس لم يتأذ. اذهبي وانتظريني في السيارة.
بعد دقائق خالتها ساعات خرج طوم من البوابة واقبل صوبها... هل سيلومها على الحادثة ويؤنبها بتهكمه اللاسع كما فعل في مناسبتين سابقتين؟
لكن حين صعد الى جوارها واضاء نور السيارة الداخلي لم تر على وجهه تلك النظرة المعنفة التي توقعتها بل قال مبتسما
-آسف لأني فعلت ذلك على مشهد منك.
-أهو بخير؟
-اجل لكنه مضعضع. خادمه سيعتني به. وماذا عنك انت؟
-انا بخير كيف صادف وجودك هنا؟
-خطر ي انه قد يتمادى معك فلحقت بكما.
-يسرني انك فعلت ذلك اذ افزعني السير في الظلام.
صمتا بعد ذلك ولدى وصولهما البيت اوقف طوم السيارة وقال ناظرا الى ساعة يده.
-انها الثالثة تقريبا. هل تأذنين بدخولي دقيقة او اثنتين؟
اومأت برأسها.
كانت الردهة مضاءة وقد ترك تشن على العربة طبقا كبيرا من السابدويش وتيرموس قهوة. اقترحت فيفيان ان يخرجا الى الحديقة فتبعها طوم وهو يجر العربة. ثم سألته بصوت خفيض
-هل تظن اني سأوقظ الجميع اذا ادرت النوافير؟
-لا اظن ذلك.
فتقدمت من الزر الكهربائي على الجدار ولمسته.
مرت لحظة صمت تبعها حفيف ثم حلق رذاذ النوافير كماس يتوهج في ضوء القمر.
جلسا على الاريكة الهزازة قالت حين شرع طوم يسكب القهوة
-اذا جلس المرء امام نافورة فسرعان ما ينسى مشاكله مهما كانت مقلقة. وهذا العلاج هو ارخص بالطبع من الذهاب الى طبيب نفسي.
فرد طوم مبتسما
-انت سعيدة في هذا البيت اليس كذلك؟
-اجل انما اعتقد انه من الحمق ان اتمادى في السعادة واتجاهل التفكير في المستقبل الى اجل غير مسمى. لا يمكنني ان اظل فراشة لاهية الى الابد.
غمغمت
-يخامرني شك بانك تحبذ وجود المرأة داخل البيت.
-اعتقد ان البيت هو المكان الطبيعي للنساء.
-هل تقصد انه يتوجب عليهن ان يلائمن اوضاعهن مع خطط ازواجهن حتى لو تعارض ذلك مع مشاريعهن الخاصة؟
اشعل لفافة وقال
-اجل في وضع كهذا على المرأة ان تقدم عمل زوجها على عملها فالرجل هو الشريك الاقوى مركظا بين الاثنين وهذا المبدأ يهود الى الازمنة البدائية عندما كان الرجال صيادين ومحاربين واذا انكرنا هذا المبدأ نوجد العديد من الصراعات المضرة.
-أليس هناك مجال للتسوية في عصر الحضارة والرقي؟
اجابها بجمود
-لايجب ان تكون هناك اية حاجة للتسوية لان المرأة لا تعارض قرارات زوجها المهمة اذا كانت علاقاتها صحيحة ومتبنة بل تقنع بدورها الانثوي وتتركه يقود المسيرة. اظنك تعتقدين انها وجهة نظر عتيقة؟
فهزت رأسها قائلة
-بل اوافقك عليها.
بقيا لوهلة طويلة يحدقان الى بعضهما بعضا. وببطء شديد امسكها طوم من رسغيها وجذبها اليه.
-سيدتي. سيدتي.
ايقظها الصوت كضجيج بعيد ولم تع شدة الحاح النداء الا حين ارخى طوم يديها فجأة. وفي اللحظة نفسها رأت تشن يهرول صوبهما آتيا من جناح الخدم. كان يزرر سترته فيما بدا شعره الأملس مشعتا وبالرغم من هرولته لم ينسى ان ينحني لهما قبل ان يقول
-اعذر عن ازعاج السيدة في هذه الساعة...
فقال طوم بحظم قاطعا عليه مقدمته
-ما الأمر؟
-وقعت حادثة في المستوطنة يا سيدي. هناك فتاة صغيرة متضررة والناس يحتاجون المساعدة.
فسارع طوم الى نزع سترته وحزامه وقال مصدرا التعليمات اليهما معا
-فيفيان اركضي واحضري حقيبتي من السيارة. وانت يا تشن خذني الى بيت الفتاة وستلحق بنا السيدة فيما بعد.
رفعت فيفيان ذيل فستانها وركضت عبر البيت ولما عادت الى الحديقة حاملة الحقيبة لم تجد فيها احدا فهرعت صوب الدرب الضيق الذي يؤدي الى المستوطنة.
لم تجد صعوبة في ايجاد البيت لان الاهالي تجمعوا امامه. افسحوا لها الطريق لدى وصولها فدخلت الغرفة الوحيدة ذات الارضية الترابية والجدران المصنوعة من القش. كانت المصابة طفلة ملاوية في الثانية عشرة من عمرها ترقد على سرير رخيص متداع بين والديها من دهة وطوم من الجهة الاخرى اما سائرالعائلة فيجثون على مقربة فيما وقف تشن عند مؤخرة السرير يحمل مصباحا زيتيا.
لما وصلت فيفيان خاطب طوم الخادم الأول بالكانتونية ثم ناول تشن المصباح لوالد الفتاة وغار البيت مسرعا.
بعد ذلك حاطب طوم والديها فلم تفهم فيفيان كلامه لكنها رأت في اعينهم خوفا ثم ولولت الام وجثت على ركبيتها تتمتم شيئا كالصلاة.
في الاخير استدار طوم الى فيفيان وقال متناولا منها الحقيبة
-ارسلت تشن الى البيت ليخابر المستشفى كي يرسلوا سيارة اسعاف فاالفتاة كما ترين مصابة بحروق عميقة. لقد وصلت في الوقت المناسب واوقفتهم عن دهن حروقها بالشحم. لا يمكننا ان نعالج صدمتها قبل وصول الاسعاف فالاغطية قذرة واخشى من تسرب الجراثيم الى جسمها. هل لك ان تحملي المصباح عن والدها؟ قد يسقطه من يده لفرط جزعه.
كان يتكلم ويخرج من حقيبته شاشا معقما ليغطي به اماكن الاحتراق وحالما لامس جلد الفتاة صرخت متأوهة ونز العرق من وجهها المتقلص وهي تغرز يديها النحيلتين في فراش القش.
خاطبها الطبيب بالملاوية فحدقت اليه برجاء اخرس. جس نبضها فرأت فيفيان فمه يتقلص. متى يصل الاسعاف؟
لقد تحول لون الفتاة الى شحوب رمادي وازرقت شفتاها واصبحت تتنفس ببطء ووهن كذلك بدأت ترتجف بالرغم من الجو الرطب داخل الكوخ والتماع العرق على جبينها.
جس طوم نبضها ثانية ثم مسح القسم الاعلى من ساعدها بسائل مطهر وحقنها بدواء مسكن. رفرف جفناها واطلقت تأوها أخيرا وبعد ذلك ارتخى جسمها بفعل ال****.
في الاخير سمعت فيفيان الناس في الخارج يهرجون بانفعال وتلا ذلك هدير محرك فغمرها الارتياح. بعد خمس دقائق انتهى كل شيء اذ نقلت الفتاة الى سيارة الاسعاف ورافقها والدها وطوم الى المستشفى.
قبل الظهر رن التلفون فركضت فيفيان الى الردهة والتقطت السماعة
-موبينغ 43
-فيفيان؟ انا طوم.
-اوه يسرني انك خابرت. كيف الفتاة؟
-اظن انها ستنجو.
-رائع هل عرفت كيف حصلت الحادثة؟
بدأ يخبرها ثم سمعته يكلم شخصا الى جواره وعاد بعد ذلك ليقول لها
-اعتذر عن قطع الحديث. لا يمكنني ان اشرح لك الان. خابرتك لادعوك الى حفلة زفاف ملاوي هذه الليلة ان لم تكوني متعبة.
قفز قلبها فرحا وقبلت الدعوة بلهفة
-اتفقنا سأمر عليك في الساعة الرابعة. الى اللقاء.
سمعت اقفال خطه فغمغمت مبتهجة: الى اللقاء...
حمل بريد الصباح رسالة من انكلترا وجدت فيها فيفيان ثلات صفحات بخط خالتها الصغير. استغربت لهجة الرسالة الاسترضائية لكنها احست من خلال السطور ان خالتها قد اكتشفت الان قيمتها كخادمة كانت تساعدها مجانا ولذا صارت تخاطبها بتودد وهدوء اعصاب. وضعت الرسالة جانبا لتجيب عليها في وقت لاحق وتوجهت الى المستوطنة حيث زارت والدي الفتاة المصابة. لدى عودتها اخبرها تشن ان هناك شخص اسمه السيد وونغ جاء من كولا لامبور لرؤيتها.
لم يضيع السيد وونغ الوقت فاعلمها بلغة انكليزية ممتازة تشوبها لكنة امريكية انه سمع برغبتها في بيع البيت وبما انه كان يبحث منذ مدة عن مستقر ريفي فهو مستعد لدفع ثمانين الف دولار ثمنا لبيت النوافير السبعة والاملاك المجاورة له.
كتمت فيفيان شهقة استغراب ثم ابتسمت على رغم منها. فقبل ستة اشهر لم تكن تملك شيئا سوى النفقة الاسبوعية الوهيدة وها هي الان تواجه رجلا غريبا يعرض عليها سعرا خياليا لا يدق
ويبدو ان السيد وونغ اخطأ فهم ابتسامتها اذ انه انحنى الى الامام وقال ملوحا ليديه البدينتين
-السعر ليس كافيا؟ حسن سأدفع تسعين ألف دولار.
-لكني لم اقرر البيع نهائيا يا سيد وونغ ويجب ان استشير محامي الخاص قبل التفكير بعرضك.
-بالطيع بالطيع فكري على مهلك.
بعد نصف ساعة غادر الضيف في سيارة كاديلاك توركوازية يقودها سائق في بزة رسمية وبادرت فيفيان الى ارتداء ثوب سباحة وقصدت الحوض. فكرت في المقابلة الغريبة وهي تعوم في الماء الدافئ وكان السيد وونغ قد قدم لها لطاقة عمل انيقة علمت منها انه يملك حديقتي ملاه وفندقا وثلاث دور للسينما.
فكرت لو ان السيد وونغ زارها قبل بضعة اسابيع لكانت ربما رغبت في البيع اما الان فكل شيء قد تغير.
جاء تشن في الساعة الثالثة والنصف يعلن قدوم السيد باركلي لزيارتها. خطر لها ان تزعم غيابها عن البيت اذ لن يضير جوليان ان تقاطعه فترة من الزمن اضافة الى عزوفها عن مواجهته لكنها ما لبثت ان لانت وطلبت الى تشن ان يدخله.
عندما ظهر باركلي كانت منكبة على كتاب ولم ترفع رأسها الا حين سعا تشن واعلن وجوده. فقالت بفتور
-مساء الخير. هل لك ان تجلس؟
ظل واقفا وبدا محرجا الى حد كادت معه ان تشفق عليه. قال بارتباك
-يؤسفني ان ازعجك لكني اردت الاعتذار عن ليلة امس. اني نادم جدا في الواقع على تصرفي الاحمق والدنيء.
هم بالانصراف فاستوقفته قائلة
-قبلت اعتذارك يا جوليان. هل نحاول ان ننسى ما حصل؟
-ايمكنك ان تنسي؟
-اظن ذلك.
نظر الى اصابعها المزينة بطلاء مرجاني ثم غطاها بيده وقال بصوت خفيض
-فيفيان... هل ترضين الزواج مني؟


نهاية الفصل السادس


مغربيةوأفتخر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس