الفصل الرابع
وها هي أمامه لا يعرف كيف يخبرها بما لديه أو كيفية تقبلها لهذا الأمر لكن هل يوجد بديل ....؟؟!
عقد العزم على إتباع المهنية الشديدة معها فأقصر طريق للوصول هو الخط المستقيم ...
نظر إليها ليخبرها بما يريد وهو يتنهد بداخله ......
اه يا صغيرة ماذا فعلتى لتستحقى كل هذا الألم ؟؟؟
*************************
- مدام نور ............
لم يستطع إكمال حديثة لأنه ما أن نطق بكلمة "مدام " حتى تشنج كفيها بين يديه ونظرت له بكره شديد ممزوجاً بصدمة ....!!
وقال فى نفسه بإنبهار......حقاً ..أىّ عينين معبرتين تملُكين ؟؟!!
فبرغم ملامحها المغطاه بالضماد الطبي بالكامل.. إلا أن نظرة عينيها فقط أخبرته بمدى إنزعاجها وصدمتها من الصفة ...!!لكن لماذا ..؟!!
هو أيضاً صُدم عندما وجدوا وصلً من المأذون بقسيمة الزواج .......!!
أى أنها ما تزال عروس جديدة ..!! ولم تسلم قسيمة بعد....!!
ساعتها ساوره شعور لم يعرف كنهه ........أهو الصدمة أم الحزن ...!!
عموماً لم يتعمق كثيراً بدراسة مشاعره لإنشغاله بحالتها الصحية شديدة التعقد ..!
لكن ما أثار إستغرابه أنه لم يرى أحدً معها عند قدومها لزيارة صديقتها...!
ولا شاهد أحد بجوارها بالفندق..!!
و منذ قدومها الأمس للمشفى لم يسأل عليها أحد عدى ذلك الرجل المريب ..!
فأين زوجها ؟؟ ..كيف يتركها وحيدة بتلك الظروف العصيبة ؟؟ وهى تبدو بتلك الهشاسة .......!
وما سر تشنجها .....؟؟ أيكون خلاف وقع بينهما وتركها ؟؟ لهذا هى غاضبة منه .....وناقمة عليه ؟؟
كم من الآسرار تحملين أيتها الصغيرة ؟؟
فتابع متجاهلاً تشنجها .....فالوقت بدأ ينفذ منهما ........!!
- اللي هقولك عليه عارف أنه صعب ....لكن دى سنة الحياة ......
- بدون مقدمات ......... الآنسة جميلة .....أتوفت ....
أهكذا ببساطة ........كلمة واحدة ...." توفيت "....؟؟؟؟؟!!!!!!!!!
أشعرت يوماً بأن الزمن توقف .......و أن الشمس لن تشرق .....!!
أن حياتك إنتهت وأنتَ على قيدها .......؟!
أجاء عليك يوماً لتشعر ، أن وجودك لاداعي له بتلك الحياة.....؟؟
هكذا شعرت" نور " بتلك اللحظة ..
فـ " جميلة " لم تكن الرفيقة والصديقة والأخت فقط ........بل كانت الحياة ..!!
هل تتخيل شعورك عندما تعتمد حياتك على شخصٍ واحدٍ فقط ؟؟!!
وفجأة يرحل ......
لكن أرحلت جميلة أم تم نزعها منها إنتزاعاً ...
أُخُذَت منها بمنتهى القسوة والبشاعة .........
ومن إنتزعها ....لا .....بل من إنتزعوها يعيشون بسعادة... يرقصون على قبرها ينعمون بحياتهم وقد سُلبت منها حياتها .....!
مر عليها شريط ذكرياتهما معاً ...
لتتذكر ضحكاتها الرنانة وسخريتها الدائمة من الحياة ومن فيها ...
- نور....... هتروحي مني فين ، وراكي مش هسيبك أبداً..! على طول على قلبك ..!.
لطالما رددتها على مسامعها ......."لن أتركك أبداً"
أرادت الصُراخ لم أرحل وأتركك بل أنتِ من رحلتِ ،
رحلتِ عني ، تركتيني وحيدة..!! بدونك يا " جميلة " .....!! أنا تائهة...!!
ياااااااااااااااااااااااا اه لا يدرك الأنسان نعمة صوته حتى يحتاج الصراخ ....!!
لكن حتى هذا سلبوه منها .......؟!!
يا الله لكم أود الصراخ يا " جميلة " ليعرف العالم بفاجعتي لأصم آذانهم بصوتى لأشيع رحيل روحى ...!!
أترحل روحى وأنا صامتة .......؟؟!!
حتى دموعي تحجرت تأبى إراحتي ....فالراحة بعدك رفاهية لن أنالها ....
شعرت بنيران الغضب والقهرتحرقان صدرها ....
آه يا " جميلة " ماذا أفعل وحيدة بدونك ..؟
عقلها يدور بدوماته الخاصة ..! تفكيرها مشتت ..!!
شريط ذكرياتهما معاً يمر عليها بدون ترتيب..... صور ،أماكن وذكريات غريبة
لاتعرف سببها....؟!
فها هي تتذكر أول يوم عمل لها بالشركة حيث كانت " جميلة " موظفة بها منذ عام ..
تذكرت فرحتها آن ذاك لكونها أفتقدت وجود " جميلة " حولها في هذا العام
فحتى بإختلاف دراستهما كانت " جميلة " تعتني بها خلال اليوم الدراسي لقرب المعاهد من بعضها داخل مُجمع واحد ..
لكن منذ عملها وهي مشغولة عنها نهاراً وتلتقيان ليلاً فقط وهوأمر لم تعتاده أبداً..!!
يا إلهىِ ماذا ستفعل دونها..؟!!!!!!
تذكرت خروجهما لأحد المولات التجارية بعد شهرٍ واحدٍ من بدءها العمل معها في نفس الشركة ...
******************************
متوقفة أمام محل الحلويات تنظر للقائمة بشغف واضح لم تستطع اخفاؤه وعقلها يقوم بالعمليات الحسابية المعقدة لتدبير مبلغ من المال لشراء الحلوى التى ترغب بها .......
لكن و برغم كل محاولاتها فشلت فى توفير ذلك القدر اليسير من المال لشراء ماترغب به....
شعرت بالقهرفتركت واجهة المحل لتبحث عن صديقتها التى تتابع بشغف واجهة متجر الملابس........ فلكلٍ منهِما عشقه الخاص ..!
فاليوم فقط ...... أمسكت نقود أول راتب شهرى.... لعملها مع صديقتها "بشركة الماهر للإستيراد والتصدير" كموظفة فى قسم الحسابات ..
عندما وجدتها همست في ضيق :
- يلا يا جميلة أنا زهقت وعاوزه أمشي من هنا ..!!
نظرت لها جميلة رافعة أحد حاجبيها لتقول بشك ...
- مش أنتِ اللي كنتِ عاوزانا نروح المول ده بالذات..؟! زهقتى بسرعة ليه .....وبعدين... ماله الجميل مبوز ليه ..؟؟
لم تستطع إخفاء ما بداخلها فلطالما كانت جميلة بمثابة الأم لها... بالرغم من أن عامً واحدً فقط يفصل بينهما.......
فهمست وهي تشعر بالخجل من رغبتها الطفولية.....
- كنت عاوزة أشتري "وافلز" من المحل ده لكن طلعت غالية أوى والمرتب يدوبك يكفينا بالعافية ..؟
مع كل كلمة نبرة صوتها تخفو تدريجياً حتى أنتهت فصمتت تماماً... وقد أسبلت أهدابها ..، خائفة من رد فعلها لأنها دائماً تمنعها عن تناول الحلوى حتى لا يزداد وزنها ...
لكن " جميلة " بدأت بإرجاع بعض خصلات شعرها التى هربت من تسريحتها المتزمتة ،خلف أذنيها.. مرةً أخرى.. و نظرت لها بحنان شديد يتدفق من عينيها ومصدره قلبها الطاهر فقط ..!!
وقالت بكل الحب التى تملكة لتلك الفتاة التى راعتها منذ الصغر....... التى تختصر أحلامها لقطعة حلوى لم تملكا يوماً المال الكافي لترف شرائها ...
فردت بمرح لتداري حزنها ومرارة الحرمان من يومهما .....
- أشتري كل اللى انتِ عاوزاه وملكيش دعوه أنا هتصرف... النهاردة هنتبسط وبكرة أبقي فكري في الفلوس زي ما أنتِ عاوزه .....بس يكون في علمك ....؟!!
- دي أخر مرة لو مبطلتيش تاكلي الحجات دى هتتخني ومش هنلاقى حد يتجوزك ..
فرحت " نور " ببداية كلامها لتردف بنبرة ساخطة كالأطفال والدموع بدأت تترقرق فى عينيها عند إكمالها الحديث :
- أنا مش عاوزة أتجوز ولا أسيبك أبداً أحنا هنعيش على طول مع بعض يا جميلة مش كدة ..؟؟
نظرت لها جميلة بعطف شديد فبرغم كونهما صديقتان إلا أنها تشعر دوماً بالمسئولية تجاهها لتحميها من الحياة ومن فيها ..!
وهي ليست بغافلة أيضاً عن تعلق " نور " الزائد بها .
عندها أردفت " جميلة " بمرح علها تزيل الحزن من تلك العينين الحبيبتين ..
- أهو كلام .......... بكره تحبي أمير وهيخطفك مني لكن على مين وراكي وراكي مش هسيبك أبداً ...! قاعدة على قلبك...!! وبعدين يلا روحي أشتري البتاع اللي أنا مش عارفة أسمه ده بسرعة قبل ما أغير رأيي .
ضحكت " نور " ببساطة لسخرية " جميلة " وهي تدعو الله من كل قلبها ألا يفرقهما أبداً.....
*******************************
أما الآن فهي ترغب بالضحك أيضاً.. لكن على سخافتها وسذاجتها..!!
فقد ضحت بصديقتها لأجل وغد حقير ...ولن تحظى يوماً بأمير أوحتى بغفير..!!
عادت لأرض الواقع على صوت الطبيب يحدثها ..
- مدام نور صدقيني لو الموضوع مش مُلح مكناش هنبلغك بخبر وفاتها دلوقتى لكن الموضوع حساس جداً ولازم موافقتك ....
- هكون واضح وصريح معاكى الأنسة جميلة قبل الحادثة بفترة وقعت على ورق تبرع بجميع أعضائها فى حالة وفاتها ......!!
"صمت برهه ليتابع بنبرة بدت لها مهزوزة قليلاً"
- وفى حالة محتاجه لعملية زرع عضو ضروري ...
يا إلهىِ ماذا يريد منها هذا الرجل الآن..؟؟
أن تبارك لمن سيأخذ قطعة من جسد رفيقتها ..؟!!
وماذا بيديها فعله..؟ فهى تذكر جيداً ذلك اليوم الذى صممت " جميلة " فيه على القيام بتوقيع تلك الأوراق لتقول بسخريتها المعتادة ..
- يعنى هعمل بيهم ايه لو مت خليهم لحد يستنفع بيهم أحسن ههههه...
أتكون شعرت بإقتراب نهايتها ..؟؟
نظرت للطبيب لتجده يتطلع إليها بطريقة تنبئها أنه لم يكمل حديثه بعد .... وأن الجزء الأصعب لم يأتى حتى الآن ..........أرادت إخباره أن يبوح بما يريد ليرحل مسرعاً فهى ما عادت تهتم لشيء فبعد ما حدث لها لا تعتقد أن هناك ما يمكنه صدمها ...!!
ولم تعرف مدى خطأها حتى تابع حديثه وأدرك أنه لامفر من صدمتها :
- والحالة اللى محتاجه عملية الزرع دى هى أنتِ...!!
ولم تكد تصحو من صدمتها حتى عاجلها بالصدمة الأكبر التى شلت تفكيرها تماماً..
- و العملية اللي أنتِ محتاجاها هى زراعة وجه ..!!
***********************
|