عرض مشاركة واحدة
قديم 13-01-14, 12:27 PM   #6

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الخامس


وصلت العربة مدينة شندى والشمس تصلي الأرض بشواظ من النار، نزلت ملكة دون أن تتلفت كثيراً هذه المرة كعادة أهل القرى، فقد غدت أكثر تمرساً على حياة المدن.. اتجهت صوب موقف سيارات الأجرة واستقلت أحداها بعد أن أعطت السائق الورقة التي بها العنوان.. انطلقت العربة تشق شوارع شندى المتربة، مثيرة في سيرها عاصفة من الغبار.. وصلت السيارة إلى العنوان المطلوب.. نزلت ملكة وهي تحضن صرة ملابسها بقوة، خاصة بعد أن عرفت أهمية الأوراق والمنشورات التي تحملها.. اقتربت من الباب الحديدي المطلي باللون الأحمر وقرعته برفق، قرعات رتيبة، بدأت حركة غير عادية تدب داخل المنزل الهادئ الذي كان يبدو شبه مهجور من فرط الهدوء المخيم عليه.. انفتح الباب واطلت منه عينان مذعورتان لشاب في مقتبل العمر، اعتاد مداهمة رجال الأمن، عندما لمح الزائرة ذات المظهر الساذج اطمأن قلبه، وابتسمت له ملكة مشجعة.


- السلام عليكم.


- أهلاً يا والده.. تفضلي بالدخول.


قال الشاب ذلك بهدوء لا يخلو من الحذر وأفسح لها الطريق وما كادت تتوسط الفناء حتى قفز ثلاث شباب آخرين من على حائط المنزل المجاور.. أثار ذلك فزع ملكة لأول وهلة.. ضحك الأربعة وأخذوا ينظرون إلى ملكة في دهشة لم تدم طويلاً..


- ءأنتم جماعة الأشباح؟


باغت هذا الاستفسار الشباب الذي فتح الباب


- نعم .. من أين عرفتي هذا الاسم السري.


- ارسلني لكم عصام عبد الجواد، مهندس في اسمنت عطبره.


- عصام أبو خير.. يا هلا بك.


ذابت جميع ثلوج الشك في نفوس الشباب وكان فرحهم بوجود ملكة بينهم عظيماً ودخلوا إلى حجرة العمليات، كانت بها آلة كاتبة وأوراق طباعة وشعار مكتوب على قماشة وأربعة أسرة، جلست ملكة على إحداها تتأمل هذه الخلية النشطة في اعتزاز ثم فتحت صرت الملابس وأخرجت المنشورات وسلمتها إلى الشاب الذي فتح الباب.. فض الشباب المظروف المرفق مع المنشورات وأخذ يقرأ وبين الفينة والفنية ينظر إلى ملكة في اعجاب شديد ثم ردد في انبهار.


- هذه المرأة عظيمة.. كما يقول عصام.


التفت الشاب إلى ملكة في اعجاب شديد معرفاً نفسه


- نحن مجموعة الأشباح، أن بكور، وهذا عمر شوكة وهذا عثمان أبو العاص وذاك على أبو جلب.


كان اعجاب ملكة بهذا العقد الفريد عزيماً.. أولاد في سن ابناءها يتعاطون السياسة ويركبون المخاطر.. ما الذي يدفعهم إلى هذا ؟! سؤال عويص لم تجد له إجابة.


- بارك الله فيكم يا أولادي.


- نامي الآن… واستريحي يا أماه..


أومأ لها بكور في عطف وانهمك في عمله على الآلة الكاتبة، كان يسعل بصورة متقطعة إثارة شفقة ملكة، يعاني من داء الربو اللعين.. جعله يسعل طوال الليل ويدخل ذلك الدواء البخاخ العجيب في فمه ويستنشقه بعنف حتى تهدأ أنفاسه، جلس عمر صاحب الخط البديع يكمل ما بدأه على قطعة القماش المشدودة أمامه.. عبارات موجهة ضد السلطة.. ظلت ملكة تنظر إلى هذه الألغاز في فضول قروي.. أبو العاص يجمع قصاصات ورق من صحف قديمة وخرج علي للصلاة في الفناء الخارجي.. تردد في نفس ملكة الطيبة أكثر من سؤال حائر من هؤلاء؟! أين ابائهم وامهاتهم؟ … ما طبيعة العمل الذي يقومون به .. الغاز.. الغاز..


* * *


قطع طرق مدوي على باب الفناء حبل أفكار ملكة التي اغمضت عيناها في استسلام للنوم، تلفت الشباب إلى بعضهم في حذر وهرع كل منهم يحمل كل ما يمكن أن يدينهم وقفزوا من الحائط إلى المنزل المجاور ومعهم الآلة الكاتبة والمنشورات.. خرج بكور وفتح الباب لرجال الذين يعرفهم جيداً. اندفع الرجال داخل المنزل يجوسون كالكلاب المسعورة يبحثون في كل مكان دون أن تثير ملكة النائمة فضولهم..وفي المنزل المجاور اكتشف بقية الأصدقاء انهم نسوا الشعار القماشي مطوياً جوار ملكة النائمة.. دب الذعر في أوصالهم، هم عمر أن يقفز عائداً وليكن ما يكون ولكن رفيقيه المذعورين تشبثا به . قد تملكهم خوف شديد على صديقهم في الداخل، والمرأة الغريبة.. كانت عيونهم المذعورة تذرف الدمع وهم يبتهلون أن لا يقع الشعار تحت أيديهم.. هدأت هواجسهم فجأة نتيجة للهدوء الذي ساد المنزل بعد انصراف رجال الأمن. سمعوا صافرة الأمان التي أطلقها زميلهم.قفز ثلاثتهم السور عائدين ، صرخ عمر الذي لم يعرف ماذا حدث


- بكور !! لقد نسينا الشعار.- الشعار!! ..


-أي شعار؟!


كان رد بكور الهادئ بمثابة الماء الذي انصب على النار.


- نسينا الشعار في الحجرة ألم يراه رجال الأمن؟!


- لا أدري! لم يكن هناك شعار.


دخل الجميع الحجرة حيث كانت ترقد ملكة نائمة، دار اللغط بين الأصدقاء حول الشعار الذي تبخر في الهواء هل هناك قوة خفية أخذته ؟!... المرأة الغامضة قطعت قول كل خطيب استوت جالسة واخرجت الشعار من تحت وسادتها وناولته إلى بكور، حدق فيها الأصدقاء وقد ألجمتهم الدهشة..


- هل تعنون هذه القطعة الملونة من القماش؟ لم يصدق الرفاق أعينهم .. هذه المرأة فعلاً امرأة خارقة هذه القروية تفعل أشياء عظيمة تفوق التصور.. غمرت الأصدقاء سعادة عارمة أخذوا يدورون حول ملكة ويهتفون باسمها.كانت ملكة سعيدة لسعادتهم الغامرة وهي لا تدري عظمة العمل الذي قامت به، شد ما كان يحزنها لماذا يفني هذا الشباب الغض عمره في المخاطر، نظرت إليهم متسائلة وقد عاد كل منهم إلى عمله.


- اخبروني يا أولادي.. هل أنتم الشيوعيون؟!


- نعم نحن هم .. أرجو أن لا تفهميها بصورة مغلوطة، لسنا كفار ولا ملاحدة.


- حاج إبراهيم في قريتنا يقول عليهم كفار وملاحدة وقد سعد كثيراً عندما تم إعدامهم قبل سنين مضت.


بان الحزن والتأثر على الأصدقاء.


- نحن يا والدة نحارب استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وبما أن استغلال البسطاء يتم من قبل رجال الدين، ظننا الناس أننا نهاجم الدين.طاف في ذهن ملكة طيف حاج إبراهيم الذي تبغضه وتعرفه جيداً من صباها الباكر رددت في نفسها إن هذا الشاب يقول الصدق.


- إنك محق فعلاً يا أبني فيما تقول وأنا أدري بحاج إبراهيم.


- نحن نهدف يا أمي إلى التوزيع العادل للثروة والتنمية المتوازنة. وإذا نظرنا إلى علاقات الانتاج السائدة …


و قاطعته ملكة ضاحكة.


- يا أبني أرجوك لا تتحدث إلي بالألغاز وكلام المدارس أنا امرأة أمية.ابتسم بكور وحدق في ملكة التي تذكره دائماً بأمه الراحلة عندما كان يناقشها في الماضي، طيب الله ثراها…


- نعم سأتكلم بلغة بسيطة، أنت يا ملكة امرأة ذكية ولكنك لم تجدي فرصة عادلة لتنالي قسطاً من التعليم وذلك لأنك عشت في قرية نائية لا تعيرها الحكومة التفاتاً. امرأة ذكية مثلك لا تعرف كيف تسافر من قريتها إلى الخرطوم وقد عانيت الأمرين في طريقك إلى هنا، كما ذكر لنا عصام..ظل كلام بكور يقع في قلب ملكة مباشرة، فعلاً قد قال الحقيقة، عدم التعليم يعطل مواهب الإنسان ويجعله ينقاد خلف من هب ودب، لا يعرف الإنسان الجاهل كيف يميز بين الصديق والعدو،


حتماً هذا الشاب يقول الحقيقة طاف في خاطرها شريط طويل من الذكريات المؤلمة منذ رحيلها من القرية حتى وصولها شندى والمعاناة الشديدة تذكرت رجال الحكومة، أصحاب البدلات العسكرية اللذين زودوا القرية بالوابورات والمعدية والمدرسة الوحيدة .. في تلك السنين الغابرة.. قارنت في خيالها بين زوجها وأخيه عبد اللطيف عم أولادها الذي له منصب كبير في الحكومة، ويمتلك سيارة وذلك لأنه تلقى تعليماً عالياً.. ولكن على حساب من ؟! في هذه البلاد لا توجد فرص عادلة كما قال هذا الشاب النحيف.. ومنذ تلك اللحظة بدأ ذهن ملكة يتضح على أشياء جديدة.. عالم الوعي والنضال من أجل التغيير، ذلك العالم الذي يحترق فيه الإنسان كالشمعة ليضيء للأخرين الطريق. وقد زادها ذلك إصراراً للذهاب إلى الخرطوم والعودة بإبنها صابر لينضم إلى هذه المجموعة التي تريد أن توفر الحياة الكريمة للناس ويكون لها ابن تفخر به، كم تفخر أمهات هؤلاء بهم.. ظلت هذه الخواطر تطوف في ذهن ملكة حتى بعد أن انصرف عنها بكور وشرع في مواصلة عمله على الآلة الكاتبة، استلقت نائمة مرة أخرى وعم الهدوء الذي كان لا يعكره سوى دقات الآلة الكاتبة الرتيبة وسعال بكور المتقطع.. بين الفينة والفنية.. "فعلاً أنهم أشباح" ابتسمت ملكة وهي تعانق الأحلام.


* * *


في الصباح خرجت ملكة مع هذا العقد الفريد من الشباب إلى موقف الباصات التي تقل المسافرين إلى الخرطوم، المحطة النهائية من رحلة العزاب، الشباب في قمة الانسجام مع ملكة التي أحبوها من كل قلوبهم.. ملكة قد اعتادت حمل المنشورات السياسية.. ها هي تحمل منشورات سياسية جديد من مجموعة الأشباح بغية توصيلها إلى مكتبة شهيرة في الخرطوم، كتب لها الرفاق عنوانها، كما أخبروها بأنها متى ما وصلت إلى هذا العنوان سيقوموا بتوصيلها إلى حيث تريد.. لم تعد ملكة تخشى التوهان أو الضياع بعد الآن، فقد غدت أكثر تمرساً على حياة المدن.أطلق الباص نفير القيام، صعدت ملكة إلى الباص وسط صيحات الشباب وهتافاتهم.. كانوا أشبه بمظاهرة في المكان ينشرون البهجة والحبور في كل الناس حولهم من نافذة السيارة أشارت ملكة لبكور يقترب منها وأسرت في أذنه.


- إذا أردتم تفادي رجال الأمن أقتنوا كلاباً شرسا، يكون منبه طبيعي لقدوم الغرباء غير المرغوب فيهم. حتى لا يفاجئوكم بغتة وأنتم غافلون..


أدهش هذا الاقتراح بكور واقترب من بقية الأصدقاء ليخبرهم ماذا قالت ملكة.. ضحك الأصدقاء.. ورفع بكور صوته حتى يطغى على صوت المحرك الدائر.


- نعم انه كذلك لا يخيف الكلاب إلا الكلاب.تحرك الباص مبتعداً والأصدقاء يلوحون بأيديهم البيضاء حتى غاب في أطراف المدينة ..


كان الوداع مؤثراً .. انطلق بها الباص مرة أخرى يشق وهاد هذا البلد المترامي الأطراف لم تكن هذه الرحلة شاقة كسابقتها.. إذ لا تبعد مدينة شندى عن الخرطوم كثيراً، كما أن الطريق أقل وعورة.. والباص من النوع السياحي الفخم الذي لم تشهد له ملكة مثيلاً يبدو أن الحضارة تزداد كلما اقتربت من الخرطوم. أزيز الباص الخافت المنتظم وصوت الراديو المشروخ الذين يذيع أغاني من ذلك النمط الذي لا تعرفه ملكة كثيراً.. وبعد مسيرة ثلاث ساعات لاحت في الأفق البعيد المنازل عديدة الطوابق.. ظهرت الخرطوم، توقف الباص عند نقطة التفتيش، وشعرت ملكة بالرعب يسري في أوصالها.. ماهذا ماذا يريد هؤلاء الجنود اللذين يحملون البنادق سريعة الطلقات؟؟ سرعان ما تبددت مخاوفها، عندما عرفت إنه اجراء روتيني عادي.. تفتيش لأمتعة الرجال وليس النساء، حتى أن الجندي لم يأبه لها أثناء تجواله داخل الباص.. نزل الجندي وأشار للسائق بالمرور.. انطلق الباص وامتطى الطريق الأسفلتي المبتور عند أطراف المدينة.. بارح الباص الإهتزاز والأرجحة العنيفة منذ أن لامست إطاراته هذا الشريط الأسود السحري الذي يمتد إلى داخل المدينة الغامضة.


*****




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس