عرض مشاركة واحدة
قديم 15-03-09, 08:44 PM   #24

* فوفو *

نجم روايتي


? العضوٌ??? » 6485
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 93,121
?  نُقآطِيْ » * فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute
Elk


11 - ألم تفهمي بعد ؟


بالطبع لن تموت .. لايمكنها أن تموت .نظرت ليا ببؤس إلى شوارع مانشستر التى غسلها المطر , مفكرة بمرارة .. مع أنها كانت تفكر يائسة في الموت . إنما رغم امتناعها عن الطعام والشراب والنوم كذلك ظلت على قيد الحياة .. فالناس لا يموتون عندما تتحطم قلوبهم , على الأقل , ليس فى مثل هذه الأيام . وإذا حدث ما هو أسوأ فقد تنقل إلى المستشفى حيث يقومون على تغذيتها طبيا . كان هذا ما قالته لها السيدة ثورب .
لم توفر لها الغرفة الغريبة أقل راحة . لقد نقل ماتيوس ثيابها ومقتنايتها الشخصية إلى شقة أمه التى وافقت ، وإن على مضض ، على استضافة الفتاة بضعة أسابيع فكان أن افتقدت مساحات الريف الشاسعة وغرفتها الحبيبة التى عاشت فيها طفولتها وشبابها
ولكن أكثر من تفتقده ماتيوس ، وافتقادها إليه يملأ قلبها بيأس لا حدود له ، فكلما استيقظت شعرت بعذاب شديد لأنها تعرف أنه لن يرجعها
تساءلت أحيانا عما ستفعله لو منحها فرصة أخرى ... أتسمح لنفسها أن تحبه وهى تعلم النتيجة سلفا ؟ أتتركه وشأنه كما طلب منها أكثر من مرة ، قبل أن يفوت الأوان ؟
اعترفت أنها ما كانت لتفعل ... فهى تعلم أنها لو منحت فرصة أخرى لأحبته ولشجعته على حبها ، هذا هو بالضبط ما تريده وما تتوق إليه ، منذ أن تفتحت عيناها على أحاسيس كهذه ... كيف لها الفرار من حبه وكل عرق فى جسدها وكل قطرة دم تصرخ متوسلة إليه ؟
عندما أحضرها قبل ثلاثة أسابيع إلى منزل أمه راحت تدعو الله كل ليلة حتى يعود موهمه نفسها بأنه لن يتمكن من الابتعاد عنها . وأخيرا اقتنعت بأنه سيتعلم كيف يحبها
ولكن سرعان ما حطم الزمن هذا الأمل ، فاعترفت أخيرا أن ما تفعله لن يحل مشكلتها . فهى لا تريده هكذا ... لا ترده بالزواج أو بغيره ، إذا كان بغير حب
.سبقت طرقة على باب الغرفة دخول السيدة ثورب التى كانت مرتدية ملابسها استعدادا للخروج .
- سأعود فى السادسة مساء . إذا أردت ما تأكلينه تجدينه فى المطبخ فقد تركت السيدة هايز بعض السندوتشات فيه وهى عائدة لاحقا لتحضر العشاء ... فلا تزعجى نفسك بغسل الصحون .
- لا يزعجنى ذلك .
- أعرف أنك لا تنزعجين إنما أفضل ألا تكسرى لى المزيد من الصحون الفاخرة ، اتركى كل شئ للسيدة هايز فهى تعرف كيف تتعامل معها .
- حاضر سيدة ثورب .
قامت ليا من المقعد الذى كانت جالسة عليه قرب النافذة لتواجه المرأة العجوز . طافت عينا المرأة الحادتان على كنزتها وتنوتها الحمراوين :
- ستكونين على ما يرام حتى أعود . نورا لا تقدم المرطبات عادة ... لذلك حالما تنتهى لعبة الورق أعود .
ردت ليا بجفاء : " لا تستعجلى فى العودة من أجلى "
كانت قد اعتادت على خروج السيدة ثورب بعد ظهر كل يوم للعب البريدج ، وفى الواقع كانت ترحب بوحدتها فى الشقة
رفعت والدة ماتيوس رأسها موافقة :
- حسنا .. يسرنى أنك تعلمت بعض الأخلاق الحميدة أخيرا .. لا أعرف ما سيفعلونه بك فى مدرسة سانت هيلين
ابتلعت ريقها بصعوبة : " هل ... ذكر ماتيوس لك مدرسة سانت هيلين مؤخرا "
- طبعا فهو ينهى الإجراءات لتكونى هناك فى مطلع الخريف أى بعد أسبوعين .. نسيت أن أخبرك
- بعد أسبوعين ؟
تنهدت السيدة ثورب :
- عليك التوقف عن التصرف وكأن التحاقك بالمدرسة الداخلية هو نهاية العالم ليا ... عرفت منذ أحضرك إلى منزلى أنه لن يمضى وقت طويل حتى ترحلى إلى سويسرا ، وأرى أنه تأخر فى إرسالك . لا أفهم كيف أبقاك فى المزرعة كل هذه السنوات ! لك أكن أعرف كيف أخبئ وجهى !
أحنت ليا رأسها : " لا خطأ فى إقامتى هناك . كنت أنا وماتيوس سعيدين معا "
ردت بحدة لاذعة :
- لكنكما لم تعودا سعيدين . لقد ثاب إلى رشده لسبب لا يعرفه سواه ، وما أشد سرورى بقراره لأننى كنت أخشى أن يقع ما لا تحمد عقباه .
عبست ليا : " ما قصدك ؟ "
- وماذا برأيك أننى أعنى أيتها الغبية ؟ قد أكون فى الستين من عمرى ولكننى لم أفقد عقلى حتى الآن ... أنت ... فتاة جذابة ، وطالما أهتم ماتيوس بالفتيات الجذابات
حبست ليا أنفاسها :
- أوه .... هكذا إذن . تظنين ... تظنين أننا ربما ... ماتيوس وأنا ...
أحست باختناق فى حنجرتها ، ثم بدأت تضحك ضحكات هستيرية صاخبة جعلت السيدة ثورب تظن بأن الفتاة قد جنت ، فتقدمت نحوها :
- ليا .. توقفى عن هذا . توقفى فورا ! لا أدرى حقا ماذا دهاك ! طالما قلت إن ماتيوس غبى لأنه يرعاك . إن طيش ابنتى ليس بسبب يدفعه إلى احتضان طفلة ليست من لحمه ودمه .
خبت ضحكات ليا بالسرعة التى ثارت فيها . مسحت عينيها بمعصميها ، ثم قالت :
- أرجوك ، اذهبى من هنا سيدة ثورب
أصدرت السيدة صوتا متوترا قبل أن تخرج ، وعادت وحيدة فى غرتها تشعر بالبؤس والسقم والهجران . لا تملك حتى السلوى بوجود أصدقاء يشاركونها مشاكلها ... لقد حرمها ماتيوس من كل شئ فصديقاتها بعيدات عنها وهى تقيم فى مانشيستر .
وضعت ذقنها على يدها ، تحدق إلى الفضاء ... لقد قربت كلمات السيدة ثورب صورة المستقبل . بات إرسالها إلى المدرسة فى سويسرا مؤكد .. ماتيوس يحضر كل شئ ، وهى لن تعرف شيئا عن تلك التحضيرات حتى يحين أوان رحيلها ، ستنقل أمه الخبر ... تحركت مشاعر ليا بسخط مكبوح ... ستكون فى الثامنة عشرة فى الميلاد القادم ... فهل نسى ذلك ؟ أنه يراها فتاة قاصرة تقع على عاتقه مسؤولياتها . ولعل ما يريده حقا هو التخلص من هذا الحمل ولكن تهذيبه يمنعه عن قول شئ كهذا . عليها الآن أن تفعل شيئا . نعم عليها البحث عن عمل وعن مسكن حتى إذا ما جاء ناقلا إليها خططه بشأن مستقبلها رمت ما أتى به فى وجهه .
راحت تفتش فى الأدراج عن حقيبة يدها فأخرجت محفظة النقود التى فى داخلها ... عندما صحبها ماتيوس إلى هنا أعطاها بعض المال قائلا إنه مصروفها ، ولكنها لم تهتم به ساعتئذ . أما الآن فقد أخرجت الأوراق النقدية من المحفظة الجلدية . تعدها بسرعة ببهجة وحبور .
معها من المال ما يكفيها لإستئجار شقة حتى تجد عملا ، وما أن تبدأ بجنى المال ، حتى تعمد إلى توفير المبلغ لترده إليه .
لقد قررت خيرا انتزاع نفسها من وصايته . ولكن إن خرجت من هذه الشقة فقد لا تراه ثانية ... أحست بوهن رهيب يجتاح جسمها .
لكن ما البديل ؟ البديل مدرسة فى سويسرا حتى تبلغ الثامنة عشرة . ثم ماذا ؟ ... تنهدت .. تشك فى أن يسمح لها ماتيوس بالعودة إلى ماتلوك ايدج ... لا ...يجب أن تجد ترتيبا آخر لها . وهناك احتمال آخر أن يرجعها إلى منزل أمه حتى إذا ما أظهرت اهتماما بشاب ما ، سارع إلى تزويجها كما توقعت كاتى ، ليبعدها عن ظهره .
مسكينة كاتى ! لك يدم عملها طويلا . ولكنها لم تخسر شيئا بهذه الصفقة . فحسب قول السيدة ثورب إن ماتيوس أعطاها مكافأة ستجعلها غير مضطرة للعمل وقتا طويلا .
ولكن حظ كاتى الطيب لا ينطبق عليها لأن عليها أن تجد عملا فى غضون أسبوعين وهو وقت قصير للبحث فيه عن عمل وشقة .
أمضت فى الأيام التالية أوقات الفراغ فى تمشيط وكالات التوظيف . لم تتساءل السيدة ثورب عا تفعله ، فانشغالها بحياتها الاجتماعية أبعدها عن الاهتمام بما تفعله ليا .
لا تنكر ليا أنها كانت تضبط السيدة تنظر إليها أحيانا باستغراب ، ولكنها تعرف أنها تتطلع شوقا إلى يوم رحيلها .
لم تحصل على العمل الذى وجدته أخيرا عبر وكالة من الوكالات بل عبر إعلان موضوع على واجهة محل تصفيف شعر ... سألت ليا فى الداخل فاكتشفت أن من يطلب موظفة هو الرجل المدعو ألفونسو الذى قال لها :
- لدى محلان للتزيين ... هل أنت واثقة حقا أنك تريدين هذا العمل ؟ أشعر بأنك لا تحتاجين إلى المال
- أنت مخطئ .. ماذا على أت أفعل بالضبط ؟ لأنه لم يسبق أن صففت شعرا
قال ألفونسو :
- أوه عزيزتى لن تصففى الشعر ... لهذا سألتك إن كنت فعلا بحاجة إلى العمل ، فالمطلوب منك خدمة الزبونات .
ابتسمت ليا تؤكد له بحزم :
- أريد العمل حقا ، أتعرف كم يصعب إيجاد عمل عندما يكون المرء معدوم الخبرة ؟
- اعرف .. حسنا أيتها الشابة ... سأقبل بك . من يعلم ، قد أكتشف فيك موهبة فى تصفيف الشعر .... وقد أمنحك فرصة التمرين
- شكرا لك متى أبدأ؟
- ما رأيك بالغد ، تعالى صباحا لتعتادى على المكان .. المزين المسؤول هنا هو جان ... سيتم تعارفكما الآن .
- ألن أعمل معك ؟
ابتسم ألفونسو : " فى الوقت الراهن لا ، ربما فى المستقبل ، لدى فى المحل الآخر فتاة تظن أنها حامل فإذا تركت العمل أرى ما أفعل "
عادت ليا إلى الشقة ذلك المساء والبهجة تعم قلبها . لقد وجدت عملا ولم يبق أمامها إلا البحث عن مكان تنام فيه .
وجدعت هذا المكان بعد ظهر اليوم التالى وهو عبارة عن عن غرفة صغيرة فى منزل فيكتورى لا يبعد كثيرا عن وسط المدينة . لم يكن الجوار مرموقا ولكن المنزل نظيف ورخيص ... وقد بدت صاحبته السيدة فريتز مشفقة على صغر سنها .
- لست من مانشستر ، أليس كذلك يا فتاة ؟ ما خطبك ، تشاجرت مع والداك ؟ لدى هنا من يعانى من المشاكل العائلية فلا تقلقى سأهتم بأن تتناولى طعاما جيدا فأنت نحيلة كالقشة
ذهلت ليا ... فلم تكن حتى تلك اللحظة انتبهت إلى مظهرها بل لم تلاحظ أن تنورتها واسعة عليها وأن وجهها فقد إشراقته المعتادة . وفيما هى عائدة إلى الشقة لمحت صورتها فى زجاج واجهة أحد المحلات فأدركت أنها لن تضطر بعد اليوم إلى مراعاة عدد الوحدات الحرارية التى تأكلها
سألتها السيدة ثورب : " أين كنت ؟ يحاول ماتيوس الاتصال بك منذ ساعات . قلت له إنك خرجت تتسوقين لكنه لم يتوقف عن الاتصال "
- ماتيوس ؟ ماتيوس يتصل بى ؟
- ألم أخبرك ؟ لقد رددت على الهاتف ما لا يقل عن ست مرات . حسنا ، قال إنه قادم ليراك فى الغد ... لذلك ، من الأفضل ألا تكونى فى الخارج وقت وصوله
رفعت ليا يدها إلى عنقها :
- غدا ...؟ أذكر لك السبب ؟
- إن للأمر علاقة بتلك المدرسة فى جنيف . لم أساله فى الواقع ... والآن سأتأخر عن موعدى
- أخارجة أنت ؟
- طبعا ... أخبرتك هذا الصباح أننى سأحضر اجتماعا لنادى البريدج هذا المساء ... هل نسيت ؟
ولكنها نسيت ذلك بسبب انشغالها فى البحث عن مسكن . أردفت السيدة :
- تركت لك السيدة هايز قطع لحم باردة وبعض السلطة فى البراد ، طلبت منها بما أننى سأتعشى فى الخارج ألا تحضر شيئا للعشاء . فأنت لا تأكلين ما يكفى ذبابة
- أجل ... أجل
لكن تفكير ليا كان منصبا على أمور أخرى فخروج السيدة سيمنحها فرصة للفرار . نعم عليها الخروج الليلة فغدا ماتيوس قادم ... هى ترغب طبعا فى رؤيته وها قلبها ينفطر ألما لأنها تريد تجنبه إنما رؤيته مجددا ستجلب إليها المزيد من الألم الذى نالت منه ما فيه الكفاية
غادرت السيدة ثورب المنزل بعد السابعة بقليل ،أما ليا فقطعت قطعة لحم وخبز وحملتها إلى غرفتها لتأكلهما وهى توضب حقائبها ... ليس أمامها وقت طويل فقد تعود السيدة ثورب باكرا
وضبت حقيبة ثم وضعتها أمام الباب ، أما الأخرى فكانت على وشك الانتهاء منها عندما رن جرس الباب . صدمت ليا ووقفت كالتمثال جامدة ، هل عادت السيدة ثورب؟
توجهت لتفتح الباب ولكن قبل الوصول إليه عنت على بالها فكرة أخرى ... ماتيوس ! أيمكن أن يكون الطارق هو ماتيوس ... آه يا الله ... ماذا تفعل ؟
كان أمامها خياران : الأول أن تخبئ الحقائب وما يدل على رحيلها والثانى أن تتظاهر بأن المنزل فارغ
لكن ما لم يكن مستعدة له كان ما حصل بعد هذا ... فبدل أن يتخلى الزائر عن رن الجرس سارع يدس المفتاح فى القفل فكان أن وقفت مرعوبة وهى ترى الباب ينفتح بهدوء :
- ليا !
فكك استخدام ماتيوس لاسمها الجليد على أطرافها فارتدت إلى الوراء مضطربة . كان عليها أن تعرف أنه يحتفظ بمفتاح لشقة أمه . أمه ليست صغيرة فى السن ، لذا من المنطقى أن يملك وسيلة للدخول فى حال مرضها .
شاهدها وهو يقفل الباب : " ليا "
وشاهد كذلك الحقائب فى الردهة فتسمرت عيناه الخضراوان وقدد فهم ما تنوى فعله . بدا لها مخيفا كما تصورته ... زادت ثيابه الفاتحة من تجهمه وبدا كذلك متعبا وشاحبا كما لم تره قط
صفق الباب واستند إليه :
- ماذا يجرى هنا ؟ لماذا لا تفتحين ؟ لقد سمعت طرق الباب
- نعم سمعته ... ولكننى لم أعرف من الطارق . فوالدتك غير موجودة
- أعرف هذا .. والآن ما هذا ؟ مؤامرة صغيرة
- ليس هناك مؤمراة ... أنا راحلة ليس إلا
- اللعنة عليك إن فعلت
تجاوزها وأسرع إلى غرفتها ... سمعته يفتح أبواب الخزانة ويقفلها بنفاد صبر . ثم عاد مجددا ، وعلى وجهه الجهد والاستنزاف . ارتدت ليا خطوة إلى الوراء :
- ماذا تفعل ؟ لم أسرق شيئا من ممتلكات أمك ... سأخذ ما هو لى فقط
- لم أتصور غير هذا ... ولكننى ظننت .... آه ! رباة ! ظننت أن معك أحدا هنا ... شخص مسؤول عن رحيلك
- هناك ما هو مسؤول ... لقد وجدت عملا هنا فى مانشستر كما وجدت مسكنا أقطن فيه
تغضن وجهه : " لماذا ؟ لماذا ؟ بحق الله لماذا ؟"
- تعرف السبب ... لن أمضى العمر وأنا أعتمد عليك . ثم هناك أمر المدرسة فى سويسرا . لا يمكنك إجبارى ... سأبلغ الثامنة عشرة بعد ثلاثة أشهر
تقدم بقلق يدس يديه فى جيبى سرواله :
- أوه يا الله ! لست مضطرة إلى العمل .. جئت هذا المساء لأعرض عليك بديلا
- صحيح حسنا .. لا أحتاج إلى بدائلك بعد الآن ، فلدى بديل آخر إنما يسرنى أنك عرفت أخيرا أننى أصبحت فى عمر يخولنى تحمل مسؤولية نفسى
تقدمت لتقف قرب باب الردهة المفتوح ... فهز رأسه :
- لم أقل هذا ... بل على العكس ... أريد أن تظلى تحت حمايتى ونفوذى . مات زوج صديقة لوالدى مؤخرا وهى بحاجة ماسة إلى شابة ترافقها ... كنت سأقترح عليك هذا المركز . على الأقل مدة الشتاء أو كما تقولين حتى تبلغى سن الرشد
- هكذا إذن ... حسنا لا أحتاج إلى هذا العمل
سألها بفظاظة : " وماذا ستفعلين ؟"
حركت كتفيها بحذر :
- سأعمل لدى مزين للشعر ... أستأجرت غرفة فى منزل فى ضاحية بريستد
- بريستد
ردد الكلمة بوحشية فهزت رأسها إيجابا وقالت :
- أعرف أنها ليست منطقة نظيفة ... لكن ....
- ليست نظيفة ! يا إلهى إنها حقيرة ! ليا لا أستغرب استعدادك للهرب فأنت تعرفين أننى لن أوافق
- لا أحتاج إلى موافقتك أو عدمها . إنها حياتى لا حياتك
سألها بعنف :
- أهذا ما تؤمنين به ؟ أهذا ما تؤمنين به صدقا ؟ بحق الله ليا لن أتركك تفعلين شيئا كهذا
- لن تمنعنى .. لقد غسلت يديك منى عندما أحضرتنى إلى هنا .. فأنت غير مهتم إلا بإبعادى عنك ... لذا لا تتوقع أن أقبل ما ستقوله لى بعدما أوضحت بأدل الطرق عدم اهتمامك بى
تكلم ساخطا ولكن فى صوته رنة غربة لم تفهمها :
- هذا غير صحيح ... لقد أبعدتك عنى لأننى أهتم بك ألم تفهمى هذا أيتها الطفلة العبية ؟
استدار يضع يده على رف المدفأة حيث أوقع تمثالا خزفيا لكيوبيد
- يا إلهى ليا لا أدرى كم أستطيع التحمل ... أحتاج إليك ... لا أستطيع التفكير بشكل سليم
نظرت إليه دهشة :
- أنا ... لا أصدقك ... هذا الكلام مجرد ... مجرد فخ لتدفعنى إلى عمل ما تريد ... أليس كذلك ؟
رفع رأسه ينظر إليها :
- صحيح ؟ أتودين الرهان على هذا ؟ لم أذق طعم النوم الهنئ منذ رحيلك عن المنزل
- آه ! ماتيوس !
أخذت ترتجف ولكنها لم تتحرك
- أنت فى السابعة عشرة وأنا فى الرابعة والثلاثين ... فى السنوات الثلاث المنصرمة دأبت على القول لنفسى إن فارق السن بيننا كبير وإن مشاعرى ستتغير كلما كبرت وتعرفت إلى شبان ولكن هذا ما لم يحصل ...
هزت رأسها عاجزة : " لماذا ؟ لماذا لم تخبرنى ؟"
- لأننى أردت محاربة هذه المشاعر ... لماذا تجنبتك منذ عودتك من المدرسة ؟ ولماذا استخدمت كاتى لورد ؟
شهقت : " اعتقدت أن السبب ما قد قوله الناس "
- ومنذ متى أهتم بما يقوله الناس ؟ منهم من طلب منى أن أضعك فى ميتم ومنهم من اعتبر علاقتنا غير شرعية ، ولكننى كنت مصمما ألا تكون كذلك
- آه ! ماتيوس ! لكنك أبعدتنى
هز رأسه بحزن : " أجل ... بعدما بت خائفا من أن أفقد السيطرة على مشاعرى . كنت على حق فى هذا فقط ، لقد أردت إخراجك من منزلى ، لأن حبى عبء لا أنوى أن أريح نفسى منه "
- لكن .... لماذا؟
- حبا بالله ليا ... ظننتنى أفعل الصواب . كنت أعرف أننى لا أستطيع الاحتفاظ بك معى ، وكان الزواج بك بعيد المنال ، ففكرت .. آه ! لا أدرى بماذا فكرت . أظن أننى وجدت فكرة سفرك إلى سويسرا هى الحل لنثوب إلى رشدنا ، إنما ... فليساعدنى الله ... لم ينجح الأمر . فقد كانت الأسابيع المنصرمة على جحيما أما الليلة فجئت إليك حتى أصحبك لتكونى رفيقة للسيدة غوتنز
- السيدة غوتنز ؟ لكنها تعيش قرب النهر
- على بعد ثلاثة أميال من ماتلوك ايدج ... هذا صحيح هو بعد كاف لأكون بعيدا عن الاغراء ... لكن قريبا بما فيه الفاية لتظل عينى عليك وعلى من تصادقينهم
التقطت شفتها السفلى بين أسنانها وقالت :
- وكان جحيما على أيضا ، ألا ترى كم فقدت من وزنى ؟
- لاحظت ... لاحظت كل شئ فى الدقائق التى ظننت فيها أنك تورطت مع رجل آخر
- هل أحسست بالغيرة
لم تستطع مقاومة طرح السؤال ، والتوت شفتاه :
- وماذا تظنين ؟ إذا كنت قد غرت من لاين وماتيسون الشاب .. فالرد هو أجل ... أستطيع القول إننى غرت ، وسأغار من أى منافس
أطلقت صيحة حبور وهزت رأسها :
- أكنت تغار من جورج ؟ قال إنك تغار منه لكننى لم أصدقه
قال ماتيوس بهدوء :
- أعتقد أنه شديد الملاحظة أكثر مما كنت أظن... والآن ... ماذا ستفعلين ؟ أما زلت تريدين المضى فى ذلك العمل ؟
ارتدت ليا لتسند ظهرها إلى إطار الباب فأطرافها ترتجف بشدة حتى لا تكاد قادرة على إسناد نفسها
همست : " ما ... ما هو البديل ؟ "
رنت إليه بطرف عينها فإذا به يصدر آهة مخنوقة قبل أن يقطع المسافة الفاصلة بينهما
وقف قريبا منها ، قريبا بحيث أن ذراعه التى ارتفعت لتستريح على الجهة الأخرى من إطار الباب كادت تلمس صدرها ... ثم رفع يدها إلى شفتيه بتحفظ بارز وراح يلثم كل أنملة من أناملها بشوق وحب ثم قال بانقباض :
- البديل .. هو أن تتزوجينى فى الميلاد القادم
اعترضت قائلة : " فى الميلاد ؟ "
- أجل .. لأن الناس عندئذ لن يستطيعوا أن يقولوا إنك غير قادرة على اتخاذ قرارك الخاص ... هذا إن قبلت طلبى
زفرت نفسا غير منتظم :
- بالطبع أقبل طلبك
لفت ذراعها الأخرى حول عنقه :
- آه ! ماتيوس ! لماذا علينا الانتظار ؟
ضمها إليه ثم تمتم :
- لن ننتظر حتى نكون معا ، فما أشعر به الآن يجعلنى لا أقوى صبرا حتى أرجهك إلى ماتلوك ايدج
شهقت بلهفة :
- ستعيدنى إلى ماتلوك ايدج ؟ متى .... متى؟
- الليلة ؟ هل أسرع فى اصطحابك ؟
- هزت رأسها : " نسرع ؟!"
لفت ذراعها حول خصره واستراحت بين ذراعيه : " إنما يجب أن أشرح الأمر لألفونسو "
- ألفونسو ؟
ارتد عنها لينظر إليها فضحكت :
- إنه مصفف الشعر الذى استخدمنى ... ذلك الذى طلبت منه كاتى أن يقص شعرى
- هل أرادت كاتى أن تقص لك شعرك ؟
- أجل ... وقال ألفونسو إن من الأسف ....
امتدت يده تتملك الخصل الحريرية :
- إنه على حق لو عرفت ...
قاطعته : " لوافقتها الرأى "
أطل نفسا ثقيلا : " كنت مستأسدا ظالما ؟ "
- قليلا
عاد يغمرها بين ذراعيه بشوق :
- اتركى أمر ألفونسو لى ، فأنا الآن لا أفكر بوضوح . متى قلت إن أمى عائدة ؟
فى وقت لاحق كانا يجلسان فى غرفة الجلوس على الأريكة . قال لها وهو ينظر إليها بدون أن يخفى حبه للتملك :
- أتعلمين ... أنت الأنثى الوحيدة التى أعرفها والتى تبدو جملة بدون ماكياج
- وأنت عرفت الكثيرات
رد بصدق بعدما عقدت ذراعها حول عنقه :
- بعضهن . لا تفعلى هذا حبيتى ، وإلا عادت أمى العزيزة فوجدتنا فى وضع مرب
- وهل لديك اعتراض
تراجع مبتسما :
- لا أعترض ، أنما تكفيها صدمة اكتشافها ما نخطط إليه ، أقصد الزواج . ألا تظنين هذا ؟ على أى حال يجب أن ننهى توضيب حقائبك ... سنرحل حالما أشرح لها الأمر
تمتمت وهو يتركها :
- ستصاب بالذهول ، أتعلم ؟ كنت أحلم أن أحمل لك طفلا ... أما الآن فأرانى مترددة ، فقد لا تحبنى وأنا سمينة
- سأحبك مهما كان شكلك
وقف لينضم إليها ، يرجعها إلى الوراء ليشدها إليه :
- تذكرى ، عرفتك بالضفائر والأشرطة والحمالات ، وعرفتك كما انت الآن ... هيا اذهبى ورتبى نفسك قليلا وإلا لن أكون مسؤولا عما سيحدث
تزوجا فى الثالث والعشرين من شهر كانون الأول .أما عيد الميلاد فأمضياه فى لندن مع باربره وفيلب جفرسون وعائلتهما قبل السفر إلى نيس وإلى فيلا ماتيوس التى يملكها على شؤاطى البحر المتوسط . كان الطقس رماديا أغبر فى مثل هذا الوقت من السنة ولكنهما لم يكونا ليهتما بما يحيط بهما ... كانت عزلة الفيلا هى ما يحتاجان إليه . كان أحيانا يتمشيان على الرمال عندما ينحسر المد
حضرت والدة ماتيوس الزفاف وإن على مضض ثم انضمت إلى رحلة مقررة سلفا إلى مصر ... لم تشارك فى تنظيم الزفاف ... بل تركت كل شئ لماتيوس . ولكنها كانت هادئة مستعدة للوقوف إلى جانبهما فى حفل الاستقبال لتقبل التهانى
قال ماتيوس صبيحة أحد الأيام وهما يتناولان الفطور:
- أعتقد أنه استراحت أخيرا . أظنها كانت تفكر منذ وقت طويل عما يؤخرنى عن الزواج ؟
تمتمت بخبث : " أنا "
وضعت ذقنها فوق يدها تنظر إليه برضى لا تخفيه :
- ربما كانت تخشى أن أغويك
- معها حق فى هذا لأننى لم أجد فرصة للمقاومة
رفعت حاجبيها :
- وهل أنت أسف ؟
- وأنت ؟
ضحكت : " آه أجل ، أنا أسفة لأننا تأخرنا سنة ولكنك لم ترد على سؤالى ؟ "
- ما رأيك ؟
- قل لى أنت
ضاقت العينان الخضراوان بدعابة :
- ماذا أقول ؟ أننى أحبك حبا لم أعتقدنى قادرا على أن أكنه لأى كائن بشرى وأننى كدت أجن لمجرد التفكير فى العيش بدونك ؟
ردت مقطوعة الأنفاس : " كفى ، فلنعد إلى الفراش ! وماذا عنك ؟ "
ابتسم ساخرا وقال بقصد إثارتها :
- ظننتك متعبة ... بعد الأيام الأخيرة ...
مدت يدها تمسك يده :
- توقف عن هذا المزاح المزعج
رفعت يده إلى شفتيها :
- ألا تحس ببعض الكسل ؟
ضحك مكشرا :
- وأنت موجودة ؟ ... حسنا ... فلنعد إلى الفراش ... لن نستطيع إكمال الحديث هنا
قالت وهو يحملها بين ذراعية :
- ولن نستطيع طوال أيام حياتنا
ولم يستطع سوى أن يوافقها الرأى

( تمت بحمد الله )


* فوفو * غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس